الخميس، 8 نوفمبر 2012

الانقلاب بالخطأ



يبدو أن "النيران الصديقة" التي تم إطلاقها على الرئيس مساء السبت 13 أكتوبر،  كانت مجرد بداية لنيران صديقة سيتم إطلاققها بعد ذلك على الرئيس أثناء رحلة علاجه من طرف جهات صديقة متعددة، لعل من أخطرها وأشرسها تلك النيران التي جاءت من بنادق الإعلام الرسمي، والذي يعتبر وزيره هو  أول  من أطلق  مصطلح "النيران الصديقة" على "رصاصات السبت".
ويبدو أن النيران الصديقة التي يتواصل إطلاقها ـ وبكثافة ـ على الرئيس المريض شفاه الله، ومن طرف جهات صديقة متعددة، إنما تسعى بالأساس إلى صياغة البيان الأول، لأول انقلاب في موريتانيا يحدث بالخطأ، أو نتيجة للخطأ.
إنها جهات عديدة تبذل جهودا جبارة منذ مساء الثالث عشر من أكتوبر  للمساهمة في صياغة البيان الأول، جهات يجمعها أنها كلها من أصدقاء الرئيس، وأنها كلها من الأغلبية الداعمة للرئيس، وأنها لا تطلق إلا النيران الصديقة أو النيران الشقيقة إذا شئتم.
إننا أمام انقلاب فريد من نوعه، سيحدث بالخطأ، أو نتيجة للخطأ، إنه انقلاب جاء  نتيجة لسلسة من الأخطاء المقصودة أو الغير مقصودة، أعقبت النيران الخطأ التي تم إطلاقها ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ على الرئيس مساء السبت 13 أكتوبر.
 والراجح عندي، وحتى إشعار آخر، بأن هذه الأخطاء هي أخطاء غير مقصودة، كانت حصيلة للارتباك الذي وقعت فيه كل الجهات الصديقة للرئيس، والتي لم تتعود إطلاقا على العمل في ظل غياب من يعطي الأوامر، بل والتي لم تكن مؤهلة أصلا للعمل في ظل غيابه، نظرا لغياب الكفاءة والمؤهلات التي تفتقدها تلك الجهات الصديقة.
وهذا الاعتقاد هو الذي جعلني أقول للرئيس في واحدة من رسائلي المفتوحة من قبل أن أتوقف عن كتابة تلك الرسائل، بأن القائد الناجح هو ذلك الذي يحيط نفسه بقادة ناجحين، لا برجال من الاسفنج.
إن مشكلة الرئيس اليوم هي أنه أصيب بطلقات نارية في وقت لم يكن حوله إلا رجال من اسفنج،  فجاءت ردود أفعالهم على حادثة إطلاق النار على الرئيس، أخطر عليه وأقسى من ردود أفعال خصومه التقليديين (منسقية المعارضة مثلا).
لقد تكفلت أغلبية الرئيس بالانقلاب عليه، وكان من بين أكثر المتحمسين لهذا الانقلاب ( الحزب الحاكم، الإعلام الرسمي، الحكومة ...).
ولأن المقام لا يتسع للحديث عن "الجهود الجبارة" لكل المشاركين في هذا الانقلاب، فإننا هنا سنتوقف عند دور الإعلام الرسمي في هذا الانقلاب.
بداية علينا أن نتذكر بأن كل القائمين اليوم على  الإعلام الرسمي، إما أنهم ليست لهم علاقة بالإعلام (الوزير مثلا) أو أنهم من رجال معاوية الأشاوس (مدير التلفزة، مدير الإذاعة)، أو تنقصهم الكفاءة وروح المبادرة (المستشار الإعلامي للرئيس، مدير الوكالة).
فهذه الخلطة العجيبة من الرجال لم يكن باستطاعتها ـ حتى وإن سعت لذلك ـ أن تغيث الرئيس في مثل هذا الوقت العصيب الذي يمر به.
فالمستشار الإعلامي للرئيس، لم يظهر منذ حادثة إطلاق النار على الرئيس، إلا في مشهدين: أولهما من خلال وسيلة إعلام أجنبية، وكانت بعد عشرة أيام على الحادثة، ويبدو أن الهدف كان من أجل التشكيك في التغطية الرسمية، حيث أكد في ذلك الظهور بأن الرئيس خرج من مستشفى "ابيرسي" في وقت كانت تصر فيه مؤسسات الإعلام الرسمي (التلفزة، الإذاعة، الوكالة) بأن الرئيس لا يزال  يستقبل رسائل التهنئة في المستشفى المذكور.
والظهور الثاني للمستشار الإعلامي للرئيس كان أمام "حفنة" من منتسبي الحزب الحاكم في توجنين حيث أكد لهم بأن الرئيس بصحة جيدة، وبأنه سيعود قريبا، وكأن تلك الحفنة من منتسبي الحزب الحاكم ـ لا الشعب الموريتاني ـ هي  المعنية وحدها بصحة الرئيس، وبقرب عودته. وبطبيعة الحال فلم يظهر ذلك اللقاء في أي وسيلة إعلام رسمية مما يؤكد بأن تلك البشرى موجهة فقط لتلك الحفنة من منتسبي الحزب الحاكم بتوجنين، ربما خوفا عليها من أن تهرب من الحزب من قبل هروب القادة.
أما فيما يخص التلفزة فإنها لم تتوقف عن الطرب وعن السمر الأدبي، حتى في ليلة إطلاق النار على الرئيس، وأصر القائمون على التلفزة أن يشفعوا الكلمة المختصرة للوزير بالطرب، وأن يسبقوها بسمر شعري.
ثم جاء اللقاء الحصري للتلفزة، والذي تورعت الوكالة الموريتانية للأنباء عن الحديث عنه، ومن المعروف أن ذلك اللقاء الحصري لم تكن له من نتيجة إلا أنه زاد الشكوك حول مصداقية الرواية الرسمية.
ومن بعد ذلك جاء خطاب العيد المكتوب، والذي تم تقديمه كخبر ثالث في نشرة الثامنة، وذلك من قبل أن يبدأ التلفزيون  ـ كغيره من قنوات الإعلام الرسمي ـ حصاره للرئيس.
وفيما يخص الوكالة الموريتانية للأنباء، والتي لم تنشر خبرا عن الرئيس، منذ نهاية الشهر الماضي، وتحديدا منذ مساء 31 ـ 10 ـ 2012 ، وكان الخبر عبارة عن رسالة من الرئيس الغامبي الشيخ لبروفسور الحاج الدكتور يحي جامى (كل هذه الألقاب الغريبة كتبتها الوكالة الموريتانية للأنباء). فمن الغريب أن هذه الوكالة  لم تنشر صورة الرئيس مع طبيبه الخاص، خاصة أنها كانت قد نشرت ـ في وقت سابق ـ  صورة للرئيس مع وزير الدفاع الفرنسي، وهي الصورة التي أظهرت الرئيس بشكل غير لائق.
فهل صورة الرئيس مع طبيبه الخاص هي صورة مفبركة لذلك فقد رفضت الوكالة نشرها؟ إذا كان الجواب بنعم فهذا يعني بأن من سربها هو أيضا من الفاعلين النشطين في الانقلاب الخطأ الذي يصاغ بيانه الأول منذ الثالث عشر من أكتوبر، أما إذا كان الجواب بلا، فهذا يدفعنا لطرح السؤال الموالي : فلماذا لم تنشرها الوكالة، والتي هي قطعا بحاجة لأن تنشر خبرا عن الرئيس الذي لم تتحدث عنه بشطر كلمة منذ رسالة الرئيس الغامبي التي تم نشرها في نهاية الشهر الماضي.
دعونا في نهاية هذا المقال نتخيل أن الرئيس كان قد اختار من قبل إصابته طاقما إعلاميا كفؤا لتولي إدارة الإذاعة والتلفزة والوكالة، فضلا عن اختيار الوزير الأفضل، والمستشار الإعلامي الأمثل.
فلو كان إعلامنا الرسمي بخير لأوقفت التلفزة طربها وسمرها ليلة إطلاق النار على الرئيس، ولنشرت الوكالة خبر إطلاق النار على الرئيس من قبل كل المواقع المستقلة، ولنظم وزير الإعلام ومستشار الرئيس للإعلام مؤتمر صحفيا ليلة الحادثة أو في صبيحتها على أبعد تقدير، وبحضور الطبيب الخاص للرئيس، وكذلك الأطباء الذين أجروا العملية للرئيس ليتحدث الجميع للشعب الموريتاني كله، وبشكل صريح وشفاف، عن الوضعية الصحية للرئيس، وعن نجاح العملية التي أجريت له، وعن حاجته للذهاب لمستشفى خارجي من أجل إكمال العلاج.
ولو كان إعلامنا بخير لأستضافت التلفزة والإذاعة في الليلة الموالية للحادثة بعض خبراء وفقهاء القانون الدستوري في البلاد ليتحدثوا عن الوضعية الدستورية التي تمر بها البلاد، وأنها لا تتطلب من الإجراءات الدستورية غير تفويض الوزير الأول للقيام بمهام الرئيس، في انتظار تطور الأوضاع الصحية للرئيس.
ولو كان إعلامنا الرسمي بخير لأرسل فريقا لفرنسا لمتابعة الوضعية الصحية للرئيس أولا بأول، مع المطالبة بضرورة تنظيم مؤتمر صحفي عن وضعية الرئيس الصحية، وعن سير علاجه من حين لآخر.
وبالتأكيد فإن كل ذلك، ورغم ما قد يثير من مخاوف الرسميين، إلا أنه سيظل أفضل وبكثير لهم، وللرئيس، وللبلاد أيضا من هذه الوضعية الحرجة التي نتجت عن غياب أي متابعة من طرف الإعلام الرسمي للوضعية الصحية للرئيس ولتطورها.
ولابد من الإشارة هنا، إلى أن مثل هذه الأمور كان يجب أن يتم القيام بها، حتى ولو كان الرئيس لم يرخص بالقيام بها، أو لا يريد القيام بها، لأن مصلحة الرئيس نفسه تفرضها، ولأن مصلحة الشعب الموريتاني، والدولة الموريتانية تفرضها كذلك.
ولكن مشكلتنا في هذه البلاد  تبقى هي هي : فالرئيس لم يترك خلفه قادة، وإنما ترك خلفه رجالا من اسفنج.
وإلى مقال قادم، أحدثكم فيه ـ إن شاء الله ـ عن مشارك آخر في هذا الانقلاب الذي يجري الآن، إذا لم يسبقني بيانه الأول، إلى ذلكم الوقت، أقول لكم : تصبحون على واقع أفضل. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق