كثيرة هي المبادرات التي تطفو من حين إلى آخر
على سطح المشهد السياسي، وبعض تلك المبادرات ـ وهو النادر جدا ـ يتأسس لتحقيق مصلحة وطنية، أما
أغلبها فهو لا يتعدى كونه مجرد مبادرات يسعى أصحابها لتحقيق مكاسب شخصية وآنية، وبعد
تحقيق تلك المكاسب فإن تلك المبادرات تموت،
ودون أن يترحم عليها أي أحد، تموت تلك المبادرات بصمت، على العكس مما يحدث عند ميلادها،
والذي كثيرا ما يصاحبه الكثير من الضجيج والصراخ.
ولم
تكن مبادرة 14 من نوفمبر إلا واحدة من تلك المبادرات الكثيرة التي ولدت من رحم
أزمة عقيمة لم تنجب حتى الآن ولدا صالحا، ورغم أنه يصعب أن نصنف هذه المبادرة على
أنها واحدة من تلك المبادرات الساذجة التي يؤسسها بعض السذج لتحقيق مكاسب شخصية
تافهة، إلا أننا مع ذلك لا يمكننا أن نتجاهل الكثير من الشكوك والأسئلة التي ولدت في
أذهان البعض بعد ميلاد هذه المبادرة، وهي الشكوك والأسئلة التي لا تزال ترفض أن
تموت بعد موت المبادرة، والتي تم نعيها من طرف مؤسسيها ببيان تم نشره في بعض
المواقع الوطنية.
ومن بين الشكوك والأسئلة التي أثارتها هذه
المبادرة، يمكنني أن أذكر:
1 ـ إن السيرة الذاتية لهذه المبادرة تثير
الكثير من الشك والارتياب حول جدوائية تأسيسها. ففي يوم 14 نوفمبر تم الإعلان عن
تأسيس هذه المبادرة، وفي يوم 17 نوفمبر أعلنت مبادرة "يدا بيد من اجل
الوطن" عن دعمها لمبادرة 14 نوفمبر. وفي يوم 18 نوفمبر أعلنت مبادرة 14
نوفمبر عن تشكيل لجنة متابعة و تنسيق و اتصال، وتمت تسمية رئيس هذه اللجنة، وبإجماع
الحضور. وفي يوم 20 نوفمبر اجتمعت لجنة المتابعة لمبادرة 14 نوفمبر لتعلن عن تعليق
أنشطة مبادرتها، أي موت المبادرة، وكان الله غفورا رحيما.
2 ـ أليس من العبث تأسيس مبادرة بهذا الحجم،
وبهذا الثقل، تضم العشرات من الشخصيات الوازنة لستة أيام فقط، كانت هي عمر المبادرة؟
3 ـ لقد كان بين الأنشطة المستقبلية التي
وعدت المبادرة بتنفيذها : "العمل الميداني المتعلق بالتعبئة و التنظيم الجماهيري
في إطار تحضير الاستقبال الشعبي لفخامة رئيس الجمهورية"، فلماذا تم تجميد
أنشطة المبادرة من قبل عودة الرئيس، ومن قبل المشاركة الميدانية في استقباله؟
4 ـ من المستغرب حقا أن الدكتور/ الشيخ المختار ولد
حرمة ولد بابانه في مقاله الأخير الذي كتبه بعد ظهور الرئيس، وكان تحت عنوان
"القوى
الأمين.. شهادة للتاريخ، ونصائح لمن يهمه الضمير..."
لم يذكر شيئا عن مبادرة 14 نوفمبر، والتي هو أحد أعضائها، ولم يشكر أي عضو فيها
ولو بشطر كلمة، رغم أنه وجه الشكر للعديد من الشخصيات والجهات، فلماذا يحاول أصحاب هذه المبادرة ـ وحسب الظاهر
تصرفاتهم ـ محو كل أثر لهذه المبادرة من قبل عودة الرئيس؟
الغريب في الأمر أن الدكتور شكر في مقاله
رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ومن المعروف أن العلاقات بين الرجلين لم تكن حسنة،
على الأقل في قترة من الفترات، حيث كان الدكتور من بين عدد من الوزراء ( وزير
الداخلية، وزير الاقتصاد، وزير التجارة)، والذين حاولوا وبقيادة من نائب رئيس مجلس الشيوخ، إسقاط نفس رئيس الحزب
الذي أثنى عليه الدكتور في مقاله الأخير ثناءً كثيرا.
5 ـ هذه الجهود الجبارة التي يقوم بها مؤسسو مبادرة 14 نوفمبر لمحو أي أثر لهم من قبل
عودة الرئيس، ألا تشرع لنا أن نتساءل : هل هذه المبادرة التي تم تأسيسها في وقت لم تكن فيه الأخبار المتسربة
عن صحة الرئيس مطمئنة قد تم تأسيسها من أجل الحصول على نصيب من تركة الرئيس، ولما
ظهر الرئيس في يوم 19 نوفمبر بصحة مطمئنة إلى حد ما، قررت المبادرة أن تتوقف عن البحث عن نصيبها من
تركة الرئيس؟
6 ـ لقد قلت سابقا بأن هناك الكثير من
البيانات التي يعد وقت إصدارها أكثر دلالة مما كتب فيها، وأعتقد بأن بيان إعلان
ميلاد مبادرة 14 نوفمبر، وبيان نعيها هما من ذلك النوع من البيانات، خصوصا أن بيان
النعي جاء بعد يوم واحد من ظهور الرئيس.
ويبدو أن الرئيس قد نجح تماما في إخفاء وضعيته
الصحية عن الجميع، بما في ذلك أصحاب مبادرة 14 نوفمبر والذين يصعب أن يخفى عليهم
شيئا من أمور الدولة، لمكانتهم ولوزنهم ولصلاتهم القوية بأعلى السلطات.
لقد استطاع الرئيس أن يخفي وضعيته الصحية عن
الجميع، ففاجأ ظهوره معارضيه، كما فاجأ أنصاره. وكان من بين من فاجأهم ذلك الظهور
مؤسسي مبادرة 14 نوفمبر، والذين ربما يكونون قد صدقوا كغيرهم من الموريتانيين
الإشاعات الكثيرة التي كانت تُسرب عن تدهور صحة الرئيس، مما جعلهم يقررون تأسيس
مبادرة 14 من نوفمبر، لحماية نصيبهم من التركة السياسية للرئيس، ولكن بعد ظهور الرئيس لم يكن أمامهم من خيار سوى
نعي مبادرتهم.
بالطبع ستبقى هناك أسئلة مطروحة حول صحة
الرئيس، ولكن ظهور الرئيس وهو يمشي على قدميه، ويلوح بيده، ويتحدث بصوت مسموع بعد
ذلك الكم الهائل من الإشاعات السيئة عن تدهور صحته، جعل الأنصار يؤجلون ـ ولو إلى
حين ـ التنافس بينهم على توزيع التركة السياسية للرئيس.
تصبحون على مبادرات أطول عمرا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق