الأحد، 30 سبتمبر 2012

كيف نوقف الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات؟ (2/2)



في الجزء الأول من هذا المقال تحدثت بكثير من الأرقام وبلغة جادة عن الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات، ومع ذلك فلم أستطع أن أقدم تفسيرا منطقيا لتلك الزيادات. أما في هذا الجزء من (الحكاية/ المقال) فإني سأتحدث بلغة ساخرة عن الزيادات المتكررة والمستفزة، و سأبحث لها عن تفسيرات ساخرة، بعد أن فشلتُ في إيجاد تفسيرات جادة لها.
وفي هذا الجزء من المقال سأعتمد على بعض الخواطر والتدوينات التي كنت أسجلها ـ أولا بأول ـ على صفحتي الشخصية في الفيسبوك كلما حدثت زيادة في أسعار المحروقات، ومن بين تلك  الخواطر و التدوينات اخترت لكم الطائفة التالية، والتي تصرفت فيها شيئا قليلا، حتى تكون صالحة للنشر كمقال.
(1)
كيف نوقف الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات؟
لو استشارني الرئيس ـ وهو لن يستشيرني قطعا ـ  لأشرت عليه بأن يزيد سعر لتر البنزين ليصل إلى ألف أوقية مرة واحدة، حتى نستريح من هذه الزيادات المتكررة، فالشعب لن يتحرك بسبب تلك الزيادة، ثم بعد ذلك ما عليه إلا أن يقوم بتخفيضات شهرية بخمس أو عشر أواق في كل شهر، على لتر البنزين، ثم يقدم تلك التخفيضات على أنها انجازات عظيمة تحققت في مثل هذه ظل الظرفية الدولية الصعبة التي يمر بها العالم، وهكذا تتبدل الحكاية.
ومثل هذه الفكرة ستخفف كثيرا الضغط على الطرق، وستتيح لوزراء حكومة معاليه أن يتحدثوا عن إنجازات أخرى غير تشييد الطرق. فبدلا من أن يتحدث  وزير التوجيه الإسلامي أو وزيرة المرأة أو وزراء التعليم أو وزير الخارجية أو غيرهم من الوزراء عن تشييد الطرق في إطار الحديث عما تحقق من إنجازات في قطاعاتهم الوزارية، فسيكون بإمكانهم مستقبلا ـ إذا تم التطبيق الحرفي لهذه الفكرة ـ أن يتحدثوا عن مجال آخر، وهو التخفيضات الكبيرة التي شهدتها أسعار المحروقات، والتي ستنخفض ـ بعد التطبيق الحرفي لهذه الفكرة ـ من ألف أوقية للتر،  إلى 700 أو 600 أوقية مثلا.

(2)
أين هي مهنية الصحافة؟
إننا نطلب من صحافتنا الحرة أن تكون أكثر مهنية، وأن تفرق بين ما يمكن أن يكون خبرا، وما لا يمكن له أن يكون كذلك.
فزيادة أسعار المحروقات لم تعد خبرا يستحق النشر، لذلك فنطلب منها أن تتوقف عن تتبع الزيادات اليومية في أسعار المحروقات.
إن الخبر في ظل العهد الحالي أصبح : " في هذا اليوم لم تحدث أي زيادة في أسعار المحروقات"، لذلك فنحن نطلب من الصحافة أن تنشر لنا خبرا عاجلا كلما مر يوم لم ترتفع فيه أسعار المحروقات .
فأن يعض الكلب رجلا فذلك ليس بخبر، ولكن أن يعض الرجل كلبا فذلك هو الخبر الذي يستحق النشر.

(3)
نحن والأردن
لسان حال الرئيس محمد ولد عبد العزيز يقول : الحمد لله الذي جعلني رئيسا لموريتانيا لا رئيسا أو ملكا على الأردن، فنحن هنا نزيد أسعار البنزين بشكل متتالي، ولا يحدث أي شيء، وهم عندما زادوها في الأردن زيادة بسيطة اشتعلت الأوضاع عندهم، وثاروا ضد الحكومة وطالبوا بإقالتها..

(4)
زيادة أسعار المحروقات هي لصالح الفقراء
هذه الزيادات المتكررة إنما هي  لصالح المواطنين لأنها ستزيد من الكلفة المادية للانتحار عن طريق الاشتعال بالبنزين، وبالتالي فإنها ستحد من  ظاهرة الانتحار، والتي أصبحت تشكل ظاهرة مقلقة في بلدنا. فهذه الزيادات ستجعل الانتحار بالبنزين  مكلفا، ولا يتناسب مع القدرة الشرائية الضعيفة للمواطنين، نظرا لسعره المرتفع جدا، وهو ما قد يجعل من يفكر في الانتحار بالبنزين ـ على الأقل ـ من أصحاب الدخول الدنيا يتراجع عن الانتحار، ويعدل عنه بسبب غلاء البنزين.

(5)
هذه الزيادات المتكررة تدعم نظريتي
 إن هذه الزيادات المتكررة في أسعار المحروقات تدخل في إطار الجهود الجبارة التي يبذلها الرئيس  محمد ولد عبد العزيز من أجل إسقاط الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
فالرئيس محمد عبد العزيز ربما أراد بهذه الزيادة أن يستفز الشعب الموريتاني ويجبره على الثورة بعد أن فشلت المعارضة في ذلك، وبعد أن عرفت أنشطتها ركودا كبيرا في الآونة الأخيرة.
 ولقد قلت لكم سابقا بأن أخطاء عزيز ـ لا جهود المعارضة ـ هي التي ستسقط نظام عزيز، ولقد قلت لكم ذلك في إطار نظريتي "عزيز يعارض عزيزا"، والتي كنت قد حدثتكم عنها سابقا في سلسلة من المقالات.
تصبحون على تفسير منطقي للزيادات المتكررة في أسعار المحروقات..

الأحد، 23 سبتمبر 2012

كيف نوقف الارتفاع الجنوني لأسعار المحروقات؟ (1/2)



حكاية ارتفاع أسعار المحروقات في بلدنا هي حكاية لا كالحكايات، إنها حكاية لها أكثر من رواية، وتحتاج لأكثر من راوية، إنها حكاية اختلط فيها الاقتصاد والسياسة بأشياء أخرى، حكاية فيها شيء من الغموض، وشيء من السخرية، وكثير من الاستفزاز.
تقول إحدى الروايات بأن الحكاية بدأت يوم 20 ـ 10 ـ 2009، ففي ذلك اليوم أعلن "رئيس الفقراء" عن تخفيض هام في أسعار المحروقات (51 أوقية في سعر البنزين، و 36 أوقية بالنسبة للمازوت).
وبعد ذلك بأربعة أشهر، وتحديدا في يوم 19 ـ 02 ـ 2009، أعلن عن تخفيض للمرة الثانية، فانخفض سعر لتر البنزين ب13 أوقية، وأنخفض لتر المازوت ب21 أوقية.
وبعد ذلك بشهرين أعلن عن تخفيض ثالث، وكان ذلك في يوم 12 ـ04 ـ 2009، فأنخفض  سعر لتر البنزين  ب 20 أوقية، وهو نفس المبلغ الذي انخفض به سعر لتر المازوت.
حدثت كل تلك التخفيضات في فترة كان فيها "رئيس الفقراء" يعمل جاهدا لتشريع انقلاب السادس من أغسطس، ولقد دفعه ذلك السعي لأن يتخذ قرارات جريئة وشجاعة نالت إعجاب الكثير من  الفقراء، وكان من بين تلك القرارات التخفيضات المتتالية في أسعار المحروقات. ومما يجب ذكره هنا هو أن الحظ في تلك الفترة كان في صف "رئيس الفقراء". فمن قبل انقلاب السادس من أغسطس شهدت أسعار النفط  تصاعدا غير مسبوق، ففي مطلع العام 2008 وصل سعر برميل النفط إلى 100 دولار($ )، وفي 12 مارس من نفس العام تجاوز حاجز 110 $، وفي 5 مايو تجاوز 120 $، وفي 26 يونيو قفز إلى 140 $، وقبل انقلاب السادس من أغسطس بشهر واحد، وتحديدا في يوم 11 يوليو وصل سعر البرميل إلى 147 $. هكذا ظلت أسعار النفط تتصاعد في الأسواق العالمية، ولكن مع مجيء "رئيس الفقراء" بدأت تلك الأسعار تنخفض بوتيرة غير مسبوقة أيضا، فأنخفض سعر البرميل في أول شهر بعد الانقلاب حتى وصل إلى 100 $، ثم انخفض إلى نصف سعره في شهر نوفمبر ليصل إلى 50 $،  وفي 5 ديسمبر تراجع سعره إلى 40 $ فقط.
لقد تراجع سعر برميل النفط ب107$ في الأشهر الأربعة الأولى التي أعقبت انقلاب السادس من أغسطس، ولم يحدث مثل ذلك من قبل، منذ أن اكتشف العالم النفط وجعل منه سلعة تباع وتشترى.
لقد تراجع سعر النفط في الأسواق العالمية بأكثر من الثلثين  في الأشهر الأربعة التي أعقبت انقلاب السادس من أغسطس، أتدرون ماذا يعني هذا الكلام؟ إنه يعني ـ على الأقل ـ من الناحية الحسابية، أن تنخفض الأسعار عندنا بالثلثين، عما كانت عليه قبل انقلاب السادس من أغسطس،  أي أن تصبح على النحو التالي: 96 أوقية هي سعر لتر البنزين، و84 أوقية هي سعر لتر المازوت. وهذا يعني أن التخفيضات التي قام بها "رئيس الفقراء" لم تكن تتناسب إطلاقا مع مستوى التراجع الكبير الذي شهدته أسعار النفط في الأسواق العالمية.
المصيبة الكبرى هي أنه وبعد انتخابات يوليو 2009، وبعد حصول "رئيس الفقراء" على 52% من أصوات الموريتانيين، أحس "رئيس الفقراء" بأنه لم تعد له حاجة في اتخاذ قرارات جريئة وشجاعة ليؤكد بها شرعيته، لذلك فقد اتخذت الحكاية مسارا جديدا، وكان الضحايا هم الفقراء الذين انتخبوه ذات يوم عصيب من أيام يوليو.
لم ينتظر "رئيس الفقراء" طويلا، فأعلن عن زيادة في سعر المحروقات بعد أقل من ثلاثة أشهر من تنصيبه، وكانت الزيادة على النحو التالي: 13 أوقية للبنزين، و4 أواق للمازوت، وكانت تلك بداية لزيادات كثيرة ومتكررة بلغت في مجملها 30 زيادة خلال ثلاث سنوات، أي بمعدل عشر زيادات في كل سنة.
وتصاعدت وتيرة الزيادات في الشهرين الأخيرين، وتم تسجيل ثمانية زيادات في أقل من ثلاثة أشهر، ليزيد بذلك المتوسط على ثلاث زيادات كل شهر.
وبالعودة إلى أصل الحكاية فسنجد أنه في الفترة التي وصل فيها برميل النفط إلى مستوى قياسي (147$ للبرميل) كان سعر لتر البنزين يباع في المحطات عندنا ب 290 أوقية تقريبا، بينما كان سعر المازوت في حدود 250 أوقية، وكان ذلك في آخر أيام حكم الرئيس السابق "سيدي ولد الشيخ عبد الله".
أما اليوم، وبعد تراجع أسعار النفط، والتي أصبحت تتذبذب حول ( 90 $) فقد وصل لتر البنزين عندنا إلى 432 أوقية، والمازوت إلى 375 أوقية.
وإذا ما بسطنا الأمور كثيرا، وإذا ما ربطنا سعر المحروقات عندنا بسعرها العالمي فقط، ودون أن ندخل أي عوامل أخرى في تركيبة السعر المحلي فإنه يمكن بعد تلك الافتراضات أن نحدد السعر الذي كان من المفترض أن يكون هو سعر المحروقات هنا في يومنا هذا. وهذا السعر ناتج عن حصيلة ضرب سعر النفط حاليا في الأسواق العالمية ( 93 $ للبرميل) بسعره عندنا في آخر أيام رئاسة "سيدي ولد الشيخ عبد الله" وقسمته بعد ذلك على سعر النفط في الأسواق العالمية في الفترة نفسها.
وناتج هذه العملية السليمة رياضيا، والمشكوك في صحتها اقتصاديا هو : 158 أوقية كان من المفترض أن يباع بها لتر المازوت في يومنا هذا، أي في يوم 23 سبتمبر 2012 ، و183 أوقية هي التي كان من المفترض أن يباع به لتر البنزين في نفس اليوم.
ولكن، من أين جاءت هذه الفوارق الكبيرة، فسعر اللتر الحقيقي للبنزين في يومنا هذا، يزيد ب 192 أوقية عن سعره الافتراضي، ويزيد سعر اللتر الحقيقي للمازوت ب249 أوقية عن سعره الافتراضي؟
يمكنكم أن تنتظروا مني كل شيء إلا أن أجيبكم على هذا السؤال، وعموما فلكل حكاية ألغازها، ودعونا نفترض بأن عدم الإجابة على ذلك السؤال هو لغز حكايتنا هذه.
ولكني في المقابل يمكنني أن أسر لكم بشيء : في كل حكاية مأساوية يتضرر منها الفقراء عليكم أن تفتشوا عن الشريرين الأبديين : صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي.
يقول صندوق النقد الدولي، وما هو بالصدوق في قوله، بأن 20% من أغنى الأسر الموريتانية كانت تستأثر ب65% من الدعم الذي كانت تخصصه الحكومة الموريتانية لأسعار الوقود، ولقد حدثكم "رئيس الفقراء" عن حجم ذلك الدعم في لقائه الثاني بكم، إذا ما كنتم تعدون أنفسكم من "الشعب".
ويقول صندوق النقد الدولي في تقرير له بأن كل 24 أوقية تنفقها الحكومة الموريتانية في دعم المحروقات لا يصل الفقراء منها إلا أوقية واحدة فقط، وربما كان يريد منا صندوق النقد الدولي أن نبيع المحروقات في دكاكين أمل (جرعة من البنزين لكل فقير يقف في الطابور لساعتين أو أكثر).
المهم أن "رئيس الفقراء"  ـ والذي لم يعد يهمه الفقراء بعد أن انتخبوه وشرعوا له انقلابه ـ  رضخ لضغوط صندوق النقد الدولي، ورفع الدعم عن المحروقات، وكان ذلك من خلال مقرر مشترك بين وزارة المالية ووزارة النفط، وهو المقرر الذي صدر في نهاية يوليو الماضي، وقد جاء تنفيذا لمرسوم كان قد صادق عليه مجلس الوزراء منذ شهرين. وكان هذا المرسوم قد ألقى ما كان يعرف ب"الهامش التصحيحي" الذي كانت الحكومة تدعم من خلاله أسعار المحروقات، ولم يكن مصير "الهامش التصحيحي" بأحسن من مصير بقية "الوعود التصحيحية" التي أطلقها "رئيس الفقراء" بعد انقلاب السادس من أغسطس، ولكنه تنكر لها بعد أن شَرَّع له الفقراء الانقلاب والانتخابات.
لم يكن مصير "الهامش التصحيحي" إلا كمصير منتديات التعليم، وتوزيع المتاح من العدالة، وإصلاح القضاء، والحرب على الفساد، وتجديد الطبقة السياسية، وتوفير فرص العمل، وتوفير مائة ألف طاولة مدرسية...إلخ
وخلاصة هذه الرواية هي أنك أنت يا عزيزي المواطن عليك أن تعلم بأنك كلما اشتريت لتر مازوت من أي محطة تقع في طريقك فإنك بذلك  تدفع 122 أوقية فوق سعر اللتر عند وصوله إلى الميناء.
وتلك 122 أوقية موزعة على النحو التالي: 21.6 أوقية رسوم جمركية، 48 أوقية ضريبة على القيمة المضافة، 17.5 هامش ربح متروك للموزع، 8 أوقية هامش ربح لصاحب المحطة..إلخ
ولعل الجديد هنا هو أن الحكومة استحدثت ضريبة جديدة على المواطنين تضاف إلى ضرائب غريبة تم فرضها في وقت سابق. فأنت عندما تتحدث في هاتفك فإن الدولة تأخذ منك ضريبة على كل كلمة تلفظها، كما أنها تفرض عليك أوقية عن كل لتر تشتريه من البنزين، وهذه الأوقية تدفع  لشركة يسمونها شركة النقل العمومي، والتي تكاد تنهار بفعل سوء التسيير، وحالها في ذلك  لا يختلف عن حال بقية المؤسسات العمومية.
تصبحون على الرواية الثانية لهذه الحكاية..

الخميس، 20 سبتمبر 2012

من حقنا أن نستنكر الفساد المسكوت عنه




في كل يوم يمر من أيام الحرب المعلنة على الفساد ينفق وسيط الجمهورية  200.000 أوقية، ودون أن يؤدي أي خدمة مقابل ذلك المبلغ الكبير، أما المجلس الدستوري فإنه يبتلع يوميا 274.387 أوقية، في حين أن المجلس الإسلامي الأعلى يهدر يوميا 185.000 أوقية من أموال هذا الشعب  المغلوب على أمره، ودون أن يؤدي أي خدمة مقابل ذلك المبلغ الكبير، حتى مجلس جائزة شنقيط، والذي توقفت جائزته منذ ثلاث سنوات فإنه يكلف يوميا 184,000 أوقية، أي أنه يكلف سنويا 67 مليون أوقية.
ومما نأسف له في "ضحايا ضد الفساد" هو كون هذه المجالس والهيئات والتي تكلف سنويا الشعب الموريتاني أموالا طائلة  لا تجد من يزعجها لا في البرلمان، ولا في الصحافة الوطنية. كما أنها ظلت بعيدة عن أي احتجاجات شعبية، ولم تجد من يحتج ـ حتى الآن ـ أمام مكاتبها ليطالبها بتأدية مهامها المحددة لها، أو بالرحيل إذا ما كانت عاجزة عن تأدية تلك المهام.
فمن مهام وسيط الجمهورية على سبيل المثال: استقبال شكاوي المواطنين المتعلقة بنزاعات لم تتم تسويتها في إطار علاقاتهم مع إدارات الدولة.
  وصياغة رأيه بشأن النزاعات بين المواطنين و الإدارة، و إرسال هذا الرأي للرئيس إذا ما طلب منه الرئيس إبداء الرأي، و تقديم  تقرير سنوي عن حصيلة نشاطه.
ومن المعلوم بأن وسيط الجمهورية الذي تتجاوز ميزانيته السنوية  73 مليون أوقية لم يقم بأي مهمة من تلك المهام منذ تعيين أول وسيط في عهد ولد الطايع، وحتى آخر وسيط.
والحال لا يختلف بالنسبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي، والذي من مهامه  إبداء الرأي، أو إجراء دراسة عن أي مشكلة تمس الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. كما أنه بمقدور المجلس ـ طبقا للمهام المحددة له ـ  أن يتخذ المبادرة بتدارس المسائل الاقتصادية والاجتماعية، والقيام من أجل ذلك بما يلزم من دراسات ومسوح وتحقيقات، والاعتماد على نتائجها لإصدار آراء أو اقتراح الإصلاحات التي يرى أنها قد تعزز  النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد، وهو فوق ذلك يمكن أن  يضطلع  بمهمة التوسط لحل النزاعات الاجتماعية.
ومن المعلوم أيضا بأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي لم يقم بأي مهمة من تلك المهام منذ الإعلان عن  تأسيس أول مجلس في عهد ولد الطايع، وحتى اليوم، بل إن هذا المجلس وبتشكلته الحالية ليست له القدرة أصلا  لإعداد دراسات أو للقيام باستشارات إن هو أراد فعلا القيام بذلك,
وما ينطبق على وسيط الجمهورية، وعلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي ينطبق على الهيئات والمجالس الأخرى، ولن يختلف مصير المجلس الأعلى للفتوى والمظالم عن مصير غيره من المجالس والهيئات.
لقد آن الأوان لأن تتجه الأنظار إلى تلك الهيئات والمجالس، والتي تمارس "النهب الآمن" لأموال الشعب الموريتاني دون أي حساب، بل ودون أي استنكار مهما كانت طبيعته، وغياب مثل ذلك الاستنكار هو الذي جعلنا في حملة "نأسف على الإزعاج" نجعل على رأس أولوياتنا  العمل على إزعاج تلك المجالس والهيئات التي تنهب أموالا طائلة دون تقديم أبسط خدمة تشرع بها نهب تلك الأموال.
نواكشوط: 20 ـ 09 ـ 2012









الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

تعليق سريع على بيان وزارة المالية



هذا رد أرسلته للتو لموقع الطواري، وسأرسله لكل من سينشر بيان وزارة المالية.
سعدت بالبيان المنشور في موقع "الطواري"، والمتعلق بإعلان وزارة المالية بأن حسابات الدولة أصبحت تنشر على موقع الخزينة العامة على الانترنت.
ولا يمكن لأي مواطن إلا أن يثمن مثل هذه الخطوة التي ستتيح للرأي العام الوطني والدولي إمكانية الاطلاع على معلومات هامة لها علاقة مباشرة بالكثير من المؤشرات الاقتصادية التي تهم الجميع.
ولا شك أن مثل هذه الخطوة ستزيد من مصداقية الدولة لدى الشركاء، وستدعم الشفافية خصوصا في مجال إصدار المعلومات المتعلقة بتسيير المالية العامة.
لا شك في ذلك، ولكن هل فات وزارة المالية بأن إطلاق موقع رسمي بلغة غير دستورية، ودون إطلاق نسخة منه باللغة الدستورية للبلاد، هو في حد ذاته يعتبر إهانة للدستور الموريتاني؟
وهل تهميش اللغة العربية والذي تسارعت وتيرته في الفترة الأخيرة، لتمتد إلى أكثر من قطاع، حتى التلفزيون الرسمي لم يسلم منه،  يدخل أيضا في إطار تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز؟
ختمت وزارة المالية بيانها بالقول : " وبذلك فإن نفاذ المواطنين إلى المعلومات الأساسية قد تحقق كما وعد بذلك رئيس الجمهورية أ ثناء حملته الانتخابية"، فهل فات وزارة الداخلية بأن غالبية الموريتانيين تجهل اللغة الفرنسية مما سيحرمها من  النفاذ إلى تلك المعلومات المنشورة باللغة الفرنسية فقط؟
كان الأولى بوزارة المالية أن تطلق موقعا بالعربية وتجعله هو الأصل، ثم تطلق من بعد ذلك نسخة غير أصلية باللغة الفرنسية إذا كان لابد من إطلاقها. أما أن تطلق موقعا أصليا بالفرنسية ودون نسخة عربية فذلك لابد وأنه سيصدم الكثير من الموريتانيين، كما صدم كاتب هذا الرد.
قد يقول قائل بأن الوزارة قد اضطرت لإطلاق موقع بالفرنسية لأن الكثير من الشركاء الدوليين لا يتقن سوى تلك اللغة، وهذا قول غير صحيح، فلو أن رضا الشركاء كان هو المطلوب لأطلق الموقع باللغة الانجليزية التي هي بالفعل  اللغة الأكثر استخداما لدى المنظمات والمؤسسات الدولية.
وعلى من يقول ذلك أن يعلم بأن للشركاء والممولين الكثير من المترجمين، وهم لا يهمهم في الأساس إلا أن تتوفر المعلومة، وبأي لغة، لأنه بإمكانهم أن يترجموها في أي لحظة.
أما المواطن الموريتاني العادي فهو الذي قد لا يجد مترجما لكي يترجم له المعلومات الموجودة في موقع الخزينة إلى لغته الدستورية حتى يستفيد من تلك المعلومات.
لقد أخطأت وزارة المالية بإطلاق موقع بلغة غير دستورية، لذلك فعليها أن تصحح ـ وفي أسرع وقت ـ خطأها، حتى يكون لموقعها الذي أطلقت قيمة تذكر لدى المواطن الموريتاني.

حتى لا أظلم "تواصل"



وصلتني رسائل وتعليقات من إخوة أفاضل في حزب "تواصل" تعليقا على مقال: "وليرحل قادة المعارضة أيضا"، وقد جاء في تلك الرسائل ذِكْرٌ لبعض الأنشطة التي تميز بها حزب "تواصل"، عن غيره من الأحزاب، في إطار رده على المجزرة البشعة، وهي أنشطة ارتأيت أن أقدمها في هذا التعقيب بعد أن فاتني أن أشير إليها في المقال الأصلي:
1
ـ إن حزب "تواصل" هو أول حزب موريتاني يدين المجزرة، حيث نشر بيانا في اليوم الثاني من بعد حصول الفاجعة.
2
ـ أوفد حزب "تواصل" وفدا لمسجد التوبة لتقديم واجب التعزية للجماعة. وكان الوفد برئاسة نائب الرئيس السيد محمد غلام، وبرفقة مسؤول التنظيم، والأمين العام المساعد، ونائب المسؤول الوطني للمنتخبين.
3
ـ شارك نائب الرئيس محمد غلام رفقة قيادات أخرى في الصلاة على الجنازة.
والحقيقة أني كنت على اطلاع ـ من خلال متابعتي لما تنشره المواقع ـ على كل هذه الأنشطة التي قام بها حزب "تواصل"، حتى وإن غفلت عن ذكرها، أو الإشارة إليها، في المقال المذكور.
ولكن الخبر الجديد الذي حملته لي تلك الرسائل، والذي لم أكن على اطلاع عليه هو أن رئيس حزب "تواصل" السيد محمد جميل منصور كان خارج العاصمة، ولم يعد إليها إلا في يوم الجمعة الماضي، وهو ما يبرر غيابه عن استقبال الجثامين، وعن الصلاة على أرواحهم الطاهرة.
إن عدم الإشارة لأي نشاط من هذه الأنشطة في مقال : "وليرحل قادة المعارضة أيضا" هو الذي فرض عليَّ أن أكتب هذا التعقيب لأقدم فيه ما كنت قد تجاهلته في المقال الأصلي.
ولكن، وما دامت الأنشطة قد تم ذكرها، وما دمت قد اعترفت بتقصيري، فيبقى من اللازم أن أختم هذا التعقيب بثلاث ملاحظات سريعة:
أولاهما : كان الأولى بالرئيس محمد جميل منصور، وهو الذي يتميز عن غيره من رؤساء الأحزاب بأن له حسابا على "تويتر"، وأنا ـ بالمناسبة ـ من متابعي حسابه، وله صفحة على الفيسبوك، وأنا من أصدقائه، كان الأولى به أن ينشر تغريدة أو ملاحظة يعتذر فيها عن عدم تمكنه من أن يعزي شخصيا الجماعة، وعن عدم تمكنه ـ كذلك ـ من الحضور للصلاة لأنه خارج الوطن.
ولو أن الرئيس محمد جميل منصور فعل ذلك، وهو الذي يعرف أهمية الإعلام وقيمته لما أخطأ الآخرون في حقه، وما انتقدوه على غياب كان له ما يبرره.
وبالتأكيد يبقى لي الحق ـ كل الحق ـ في أن أتخيل موقفا آخر، وليعذرني التواصليون إذا ما أفرطت في التخيل، فبإمكاني أن أتخيل مثلا أن يكتب الرئيس جميل بأنه قد اضطر لقطع سفره، وذلك لكي يشارك شخصيا في مراسم استقبال ودفن شهداء الدعوة في سبيل الله.
ثانيهما : إن جماعة الدعوة والتبليغ حتى وإن كانت لا صلة لها بالسياسة، وحتى وإن كانت تأخذ مسافة واحدة من كل التشكيلات السياسية، إلا أنها كانت تستحق تعاملا خاصا ومتميزا من حزب "تواصل".
ثالثهما: لا شك أن حزب "تواصل" قد تميز عن غيره من الأحزاب الموريتانية في تعامله مع هذه الفاجعة الأليمة، ولكن على الأخوة في "تواصل" أن لا يكون أقصى حلم لديهم هو أن يتميزوا عن غيرهم من الأحزاب الموريتانية.
إن على أهل "تواصل" أن يستغلوا بشكل أمثل قدراتهم البشرية والإعلامية والفكرية والمالية، وأن يرسموا أهدافا طموحة تتناسب مع تلك القدرات والإمكانيات التي تميزهم عن غيرهم من الأحزاب. أما إذا ظل أقصى ما يطمح له التواصليون هو أن يتميزوا عن بقية الأحزاب الموريتانية فذلك يعني بأنهم سيضيعون ـ قريبا ـ وسط "الزحام".

الأحد، 16 سبتمبر 2012

وليرحل قادة المعارضة أيضا..!!

بدءا لابد من القول بأن من يكتب في الشأن السياسي الموريتاني لا يختلف كثيرا عن لاعب السرك الذي يمشي فوق حبل رقيق معلق في فراغ.
فالكاتب معرض ـ هو أيضا ـ  للسقوط إلى "الهاوية" في كل لحظة، وسقوط الكاتب الذي أقصده هنا، هو السقوط من أعين قراء عرفوا ذلك الكاتب مدافعا عن فريقهم السياسي فإذا به "فجأة" ينتقد ذلك الفريق.
ولعل المزعج حقا أن مقالا واحدا قد يتكفل لوحده بعملية السقوط تلك، حتى وإن كان ذلك المقال قد جاء بعد  تسعة وتسعين مقالا كانت كلها تخدم آراء ذلك الفريق السياسي وتدافع عنه.
ومن المزعج كذلك أن الكثير من القراء لا يزال يصر على أن يخلط بين الكاتب والناشط السياسي، وينسى أولئك القراء بأن دور الكاتب يختلف عن دور الناشط السياسي، ولذلك فليس من العدل ولا من الإنصاف أن يطلب القراء من الكاتب أن يبتعد عن انتقاد فريقهم السياسي إذا ما أخطأ ذلك الفريق. طبعا يمكن للكاتب أن يكون ناشطا سياسيا، ولكن لذلك بعض الضوابط التي لا يتسع المقام لتفصيلها.
 إن الناشط السياسي هو الذي عليه أن يفكر في مزاج أنصاره عند لفظ أي كلمة. أما الكاتب فإن أسوأ ما يمكن أن يقوم به هو أن يشغل نفسه لحظة الكتابة بمن سيغضب، وبمن سيرضى، أو أن يفكر فيمن سيربح من الأنصار بسبب هذا المقال أو ذاك، وفيمن سيخسر، لأنه عندما يفكر بتلك الطريقة الحسابية فإنه سيتحول تلقائيا إلى "سياسي" بالمفهوم المحلي، لا تهمه الحقيقة بقدر ما يهمه أن يكسب المزيد من الأنصار، أو يحتفظ بآخرين، حتى وإن كان ذلك على حساب قول الحق، والصدح به، أي على حساب المهمة الأساسية التي على الكاتب أن يلتزم بها لقرائه، حتى وإن أسقطه التقيد بذلك الالتزام من أعين بعضهم.
إن أسوأ ما يمكن أن يقوم به  أي كاتب هو أن يفكر لحظة الكتابة في مزاج القراء، وفي أهوائهم، وفي مواقفهم السياسية المتباينة، أما أفضل شيء يمكن أن يقوم به فهو أن يفكر في ضميره هو، وفي قناعته هو، وأن يعبر عن تلك القناعة حتى ولو تسبب ذلك في غضب  كل القراء.
وعلى الكاتب في الشأن السياسي أن يأخذ مسافة واحدة  من كل الأطراف، وعليه يكون متوازنا فيما يكتب، أي أن لا يتفرغ لانتقاد فريق دون فريق، وهذا لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ بأن التوازن المطلوب هنا هو أن نساوي حسابيا بين ما نخصصه من مقالات لنقد السلطة، وما نخصصه منها  لنقد المعارضة.
إن التوازن الحسابي ليس هو التوازن المقصود، وإن "المسافة الواحدة" بين الأطراف يجب أن لا تتساوى في طولها، لذلك فعلى الكاتب أن يخصص معظم وقته لإزعاج السلطة القائمة ولانتقادها، لأنها هي أول من يجب أن نحمله مسؤولية كل ما نعاني منه من مشاكل وهموم. كما أنه على الكاتب أن يتفادى قدر الإمكان الحديث عن أخطاء المعارضة، وذلك لأنها أولا معارضة، و ثانيا لأنها  محرومة من كثير من وسائل التعبير المتاحة للسلطة (الإعلام الرسمي).
إن التوازن الذي أقصده ليس توازنا حسابيا، وإنما هو درجة من الاستقلالية والموضوعية تجعل الكاتب قادرا على أن ينتقد المعارضة بعد أن يكون قد انتقد النظام كثيرا، وتجعله كذلك قادرا على أن يبرز حسنة للنظام بعد أن يكون قد أبرز تسعة وتسعين حسنة للمعارضة، إن كانت المعارضة تملك مثل ذلك العدد من الحسنات.
تلك كلمة كان لابد من قولها من قبل الحديث عن موضوع هذا المقال الذي سأخصصه لموقف المعارضة المثير للاستغراب، ولردة فعلها الباهتة على المجزرة البشعة التي راح ضحيتها تسعة من الدعاة الموريتانيين.
والحقيقة أني قد توقعت ردة فعل باهتة من المعارضة، لذلك فقد طلبت من رؤساء أحزاب المنسقية  في مقالي السابق: "كيف نرد على المجزرة؟"، والذي كتبته في اليوم الثاني بعد حصول المجزرة، طلبت منهم أن يكونوا على رأس الجماهير التي ستستقبل جثامين الدعاة، وأن يحضروا للصلاة على أرواح شهداء الدعوة في سبيل الله، ولم أكتف بذلك الطلب، وإنما ناشدتهم أكثر من مرة من خلال صفحتي في الفيسبوك، ولكن زعماء المعارضة كالنظام لا يهتمون بما يُكتب، ولا بما يُقال، وإنما يعتمدون في كل مواقفهم على مزاجهم الشخصي، تماما كما يعتمد الرئيس على مزاجه الشخصي.
لقد وجهت في مقال : "كيف نرد على المجزرة؟" عدة مطالب للتعامل مع المجزرة البشعة، بعضها كان موجها للسلطة الحاكمة، والبعض الآخر كان موجها لزعماء المنسقية، ومع أني أعلم بأن المعنيين لم يقرؤوا ذلك المقال، سواء كانوا في السلطة أو في المعارضة،إلا أنه مع ذلك يمكن القول بأن السلطة قد قامت بالكثير من ردود الأفعال التي كانت مطلوبة منها ( استقبال الرئيس لجثامين الشهداء، استقباله في القصر لجماعة من الدعوة والتبليغ، إرسال وفود وزارية للتعزية، الصرامة مع الحكومة المالية، الاستقبال المنتظر لأسر الضحايا من طرف الرئيس..)، وهذا لا يعني بأن الحكومة لم تقصر في جوانب أخرى، فتعامل الإعلام الرسمي مع الفاجعة كان مخجلا، كما أن الحكومة قد أخطأت أيضا في عدم إعلان حداد بعد المجزرة.
 وإذا كانت الحكومة قد قصرت في جانب، ووفقت في جانب آخر خلال تعاملها مع المجزرة، إلا أن المصيبة كانت في المعارضة التي قصرت في كل الجوانب المتعلقة بها.
لقد اكتفت المعارضة ببيانات باهتة، وهي بيانات يبدو أنها لم تكتتب لاستنكار الفاجعة، بقدر ما كُتبت لتحميل النظام الحالي ما يجري في مالي، ولتحذيره من تسييس الفاجعة.
تغيب المعارضة، وتغيب ردود أفعالها ومع ذلك فتطلب من النظام أن لا يسيس هذه الفاجعة الأليمة.
إن الذي اختفى يوم استشهد تسعة من خيرة أبناء موريتانيا هو الذي يحاول أن يسيس هذه الفاجعة الأليمة، وأن يقلل من شأنها.
وإن الذي ناقش هذه الفاجعة بشكل ثانوي على هامش مؤتمر صحفي أو ندوة مخصصة لعملية تسليم السنوسي هو الذي أراد أن يسيس هذه الفاجعة، وأن يقلل من شأنها.
ثم إن الذي  شجع النظام على تسييس هذه الفاجعة هم أولئك الذين غابوا نهائيا عن المشهد، وتركوا فراغا كبيرا استغله النظام لصالحه حتى ظهر وكأنه أكثر اهتماما من المعارضة بدماء الموريتانيين.
فبأي منطق يرفض "أحمد داداه"  أو "جميل" أو "ولد مولود" أن يشاركوا الموريتانيين في فاجعتهم الأليمة؟ وبأي منطق يرفض أولئك أن يستقبلوا جثامين الشهداء والصلاة على أرواحهم الطاهرة؟
فهل كان لدى أولئك "الرؤساء" مشاغل أكثر أهمية واستعجالا من مواساة الموريتانيين في فاجعتهم، ومن مشاركتهم في استقبال الجثامين، والمشاركة في الصلاة على أرواحهم الطاهرة؟
لقد حضر مواطنون عاديون ولكنهم كانوا أكثر نضجا ووعيا من رؤساء أحزاب المعارضة، حضروا لأنهم علموا بأن الحضور كان واجبا أخلاقيا ودينيا ووطنيا وإنسانيا حتى، وأنه لا يعني بأي حال من الأحوال مناصرة للنظام القائم.
لقد فرق أولئك البسطاء بين الدولة والسلطة الحاكمة، وهو ما تعود زعماء المعارضة على أن يفشلوا دائما فيه.
حضر مواطنون عاديون لاستقبال الجثامين، وتمكنوا من أن  يُسمعوا للرئيس ـ ووجها لوجه ـ ما لم تستطع المعارضة أن تسمعه له. حضروا وانتقدوا الرئيس، بل ورشقوه بالحجارة، وهو الشيء الذي يتمنى زعماء المعارضة أن يروه عن قرب، ولكنهم لم يحضروا فحرموا أنفسهم من رؤية ذلك المشهد الذي طالما تمنوا رؤيته، وحرموا أنفسهم كذلك من شرف استقبال جثامين الدعاة، وشرف الصلاة على أرواحهم الطاهرة.
إن الذي يغيب عن مآسي المواطنين وعن فواجعهم وهو لا يزال رئيس حزب فقط، سيغيب حتما عند ما يصبح رئيس دولة، وعندما يلتف حوله الكثير من المصفقين والمنافقين والمطلبين.
لقد أخجلتمونا يا زعماء المعارضة يوم غبتم عن تشييع شهداء الدعوة، كما أخجلتمونا في مواقف أخرى سابقة، لذلك فاسمحوا لنا أن نقول لكم : لترحلوا أنتم أيضا مع النظام الذي تريدون رحيله.
 يبقى أن أشير في الأخير بأن هناك جهات أخرى تجاهلت تماما هذه الفاجعة بطريقة تثير الاشمئزاز، خصوصا أن تلك الجهات كانت معروفة بكثرة بياناتها وتصريحاتها، فهل ذلك يعني بأن هناك تمييزا بين الضحايا عند تلك الجهات؟
لقد غاب ملتقى منظمات حقوق الإنسان "فوناد"، ولم يعلق على هذه الفاجعة الأليمة، ولم تعلق نقابات ولا حركات ولا أحزاب أخرى،  ولعل من أكثر الأحزاب إثارة للاستغراب حزب حركة التأسيس الذي يرأسه "كان حاميدو بابا"، فهذا الحزب كان قد نظم حفلا بعد المجزرة بيوم واحد، وذلك بمناسبة الاحتفال بالذكرى الثالثة لإنشائه، وتحدث رئيسه في ذلك الحفل عن كل شيء حسب المنشور في المواقع، ولكنه لم يتحدث ولو بكلمة واحدة عن هذه المجزرة الفظيعة.
إن هناك أحزابا عليها من الآن أن تراجع بعض مواقفها، وأن تعيد ترتيب أولوياتها، فأن يتجاهل حزب موريتاني مجزرة راح ضحيتها تسعة مواطنين موريتانيين، أو أن يتجاهل الفيلم المسيء للمسلمين ( وموريتانيا دولة مسلمة)، أو أن يتجاهل قضية مثل تسليم السنوسي فذلك يعني أن ذلك الحزب  بعيد كل البعد عن القضايا التي تهم الموريتانيين في مجموعهم، حتى وإن اهتم بقضايا أخرى، تستحق الاهتمام لأنها تهم بعض الموريتانيين.
تصبحون على هموم موحدة..  

الاثنين، 10 سبتمبر 2012

كيف نرد على المجزرة؟



منذ يوم أمس وأنا أتابع ردود أفعال الموريتانيين على المجزرة البشعة التي نفذتها وحدة أو فرقة من الجيش المالي ( لا زلت أتجنب إقحام الجيش المالي بكامله) ضد ستة عشر داعية،  نصفهم ـ على الأقل ـ  من الموريتانيين، وذلك وفق ما جاء في بيان الحكومة المالية.
تابعت ردود الأفعال على المجزرة، خاصة منها تلك التي نشرها أصحابها على الفيسبوك. ولقد أجمع الموريتانيون على الإدانة الشديدة لهذه المجزرة، وطالبت طائفة كبيرة  بردود فعل قوية وحازمة عليها، ولكن دون تحديد طبيعة الرد الذي يجب القيام به، وعدم تحديد طبيعة الرد هو ما دفعني لأن أطرح مثل هذا السؤال، في مثل هذا الوقت المبكر.
فكيف نرد على هذه المجزرة؟
في اعتقادي أن هناك ردودا شعبية وأخرى رسمية وشبه رسمية يجب القيام بها.
أولا : على المستوى الشعبي : علينا أن نستنكر الجريمة بشكل قوي جدا، وأعتقد أن ذلك بدأ يحصل ومنذ اللحظات الأولى بعد الإعلان عن الفاجعة، وعلينا أيضا أن نحضر وبكثافة لاستقبال الجثامين،  وللمشاركة في صلاة الجنازة التي ستقام عليهم.
وهنا يظهر التقصير الرسمي، والذي لم يحدد لنا  ـ حتى الآن ـ  موعد قدوم الجثامين، حتى يتم استقبالها شعبيا. كما أنه لم يحدد إن كانت جميع الجنائز ستحضر هنا إلى العاصمة ليصلى عليها في مسجد التوبة، أم أن كل أسرة سيسلم لها فقيدها، وفي هذا الحالة الأخيرة  فإن الغالبية ستدفن في الحوض الشرقي وهو ما سيحول دون المشاركة الواسعة.
أعتقد أن الأسلم هو أن يؤتى بالجميع إلى مسجد التوبة لتقام الصلاة هناك، لأن ذلك سيمكن الجماعة التي ينتسب لها الضحايا من أن تشارك بشكل واسع، كما أن سيسمح لموريتانيا الشعبية والرسمية من المشاركة.
أتمنى أن أشاهد حضورا حاشدا  كالذي حصل عند الصلاة  على واحد من ابرز علماء جماعة الدعوة والتبليغ، وهو المرحوم "عبد العزيز سي"،  والذي حضر جنازته ما لم يحضر لأي جنازة أخرى منذ تأسيس موريتانيا وحتى اليوم، ولذلك العديد من الدلالات لعل من بينها أن الشعب الموريتاني ليس شعبا عنصريا، حتى وإن كانت هناك أخطاء ترتكب على المستوى الرسمي.
المؤسف أن الصلاة على المرحوم "عبد العزيز سي" لم تجد تغطية مناسبة، لا على مستوى الإعلام الرسمي أو الخاص، فنحن دائما نبخل بتقديم الصور الإيجابية، بينما نسارع في تقديم كل الصور السلبية التي تؤثر سلبا على تماسك ووحدة المجتمع.
وهذه الجنازة يجب أن يشارك فيها أيضا رؤساء الأحزاب السياسية، وقادة الرأي، وأصحاب المنظمات، وكل فئات وشرائح المجتمع، فالحضور الشعبي الكثيف هو أقوى رسالة يمكن أن نقدمها حاليا للحكومة المالية.
ثانيا: على المستوى الرسمي:
1 ـ يمكن القول بأن الإعلام الرسمي قد قصر كثيرا في التعامل مع هذه الفاجعة، وذلك من طبعه دائما، ولكن أعتقد بأن الوقت قد حان لوضع حد لمهازل الإعلام الرسمي خاصة تلك التي تظهر منها أثناء حدوث كارثة أو فاجعة وطنية.
فأن لا تتحدث الوكالة الموريتانية عن هذه الفاجعة إلا عند الساعة الثالثة، أي بعد ست ساعات من نشر الكثير من التفاصيل عنها من طرف كل المواقع المستقلة، فذلك يعني أن الوكالة لا زالت وكالة بائسة.
وأن تتحدث هذه الوكالة عن الفاجعة في إطار المنوعات، وبأقل من خمسة أسطر كتبت بلغة بائسة فذلك يعني أن الوكالة لا زالت بائسة.
وأن تتحدث هذه الوكالة عن "وفاة موريتانيين"، وكأنهم ما قتلوا في مالي، وإنما  توفوا هنا على أسرة المستشفى الوطني المتهالكة، فذلك يعني أن الوكالة لا زالت بائسة.
فلو كانت الحادثة تتعلق بمواطنين من دولة "توفالو" لقبلنا بالأسطر الخمسة البائسة التي نشرها موقع الوكالة في منوعاته بعد ست ساعات من نشر التفاصيل من طرف المواقع المستقلة، ولكن الأمر هنا يتعلق بموريتانيين هم من خيرة الموريتانيين.
أما التلفزة فقد واصلت كعادتها  جلسات "أزوان"، ومسلسلاتها القديمة دون أن تهتم بالفاجعة، وفي مساء اليوم جاءت ببرنامج جديد عبارة عن "كاس من أتاي". حقيقة لقد آن الأوان لأن نوقف مهازل الإعلام الرسمي، وخصوصا عند حدوث الكوارث والفواجع.
2 ـ على المستوى الحكومي:
ـ يجب أن تستقبل جثامين الموريتانيين استقبالا رسميا مهيبا.
ـ يجب أن تمثل الحكومة بوزراء بل وبالوزير الأول عند الصلاة والدفن.
وكل ذلك سيشعر الطرف المالي بأنه ارتكب فعلا حماقة كبرى عليه أن يكفر عنها بشكل فوري وسريع.
الحكومة المالية قالت بأنها ستفتح تحقيقا عاجلا، واعتذرت عن الحادثة، وأعلنت أن وزير خارجيتها سيحضر للعاصمة لتقديم التعازي والاعتذار.
هذا جيد ولكنه لا يكفي إلا إذا أشفع بما يلي:
ـ أن تشارك موريتانيا في التحقيق ومن اللحظات الأولى.
ـ أن تتم معاقبة مرتكبي المجزرة بطريقة ترضي الطرف الموريتاني، أي أن يكون بإمكان الطرف الموريتاني أن يَطلِع على العقوبة وعلى مدى تنفيذها.
ـ أن تسلم الحكومة المالية ديات مغلظة لذوي الضحايا مع تقديم التعازي لهم حيث ما كانوا وأين ما كانوا.
وفي النهاية على الحكومة المالية أن تلتزم بعدم تكرر مثل هذه الحوادث، أما في حالة رفضها لمثل هذه الشروط، فإن إعلان الحرب لن يكون في تلك الحالة هو الأسلم، وإنما الأسلم هو محاصرة هذه الحكومة والعمل على خنقها اقتصاديا وسياسيا حتى تزداد عليها المشاكل والهموم فتنهار عسى أن يبدل الله الشعب المالي بحكومة غيرها تكون أكثر رشدا وحكمة.
تصبحون بلا فواجع ...

الأحد، 9 سبتمبر 2012

كفانا تجاهلا للثامن من سبتمبر ..!!!



مر الثامن من سبتمبر من هذا العام دون أن يجد من يذكره، وفي ذلك الكثير من العبر التي تستحق أن نتوقف عندها.
لقد تغير الزمن كثيرا، ولكنه مع ذلك لم يتغير..
فالذي حدث هو أنا  أبدلنا الحرب ضد الأمية بحروب أخرى ..
وأبدلنا حملات محاربة الأمية بحملات غرس الأشجار..
لقد تبدلت الأيام في ظاهرها، وتبدل القادة في ظاهرهم، وتبدل الأعداء والخصوم، وتغيرت الحروب في ظاهرها، فانتقلنا من حرب مقدسة ضد الأمية، إلى حروب مقدسة أخرى ضد الفساد، وضد البرك والمستنقعات، وضد التصحر، وقريبا سنعلنها حربا مقدسة جديدة، في مطلع العام القادم، ولكنها هذه المرة ستكون حربا ضد البلاستيك (زازو).
تغيرت الأيام، وتغير القادة، وتغير الأعداء، وتغيرت الحروب، وتبدلت الحملات، ومع ذلك فلم يتغير أي شيء، فلا زالت حروبنا حروبا صوتية، ولا زالت حملاتنا حملات مسرحية.
لقد مر الثامن من سبتمبر، وهو الذي يمثل اليوم العالمي لمكافحة الأمية، دون أن يجد من يذكره لأن الناس انشغلت عنه بحملات غرس الشجر، وبالحرب ضد التصحر.
مر الثامن من سبتمبر في موريتانيا دون أن يذكره ذاكر، مر كما تمر الأيام العادية، فهل تبدلت الأرض غير الأرض؟ أم هل تبدل الناس؟
كانت الأبدان تقشعر من هول هذا اليوم..
وكانت المبادرات تتفجر في مثل هذا اليوم..
وكان رجال الحي يحملون دفاترهم في هذا اليوم ..
وكان الوجهاء ينفقون بكرم  في مثل هذا اليوم..
وكان التلفزيون يوظف كل معداته وكل طاقته في مثل هذا اليوم من كل عام، حتى يصور كل فصول محو الأمية التي كانت تتناثر هنا وهناك، وكانت الإذاعة تسابق التلفزيون، وكانت جريدة الشعب تسابقهما معا.
فأين أنت يا مدير التلفزيون ؟ فهل ابتلعتك رمال العاصمة كما ابتلعت الكثير من أموالنا؟ ألا تتذكر يوم كنت وزيرا  لمحو الأمية في عهد فارسها؟
كم هي غريبة أحوال الدنيا.
وأين أنت يا مدير الإذاعة؟ ولِمَ لا تذكر اليوم العالمي لمكافحة الأمية بعدما تجاهله التلفزيون؟ ألم تكن أنت الذي يملأ صفحات الشعب وملحقاته بتقارير وملفات عن "الجهود الجبارة" التي كان يقام بها في مثل هذا اليوم لمحاربة الأمية يوم كنت حينها مديرا للوكالة الموريتانية ؟
وأين أنتِ يا وزارة التوجيه الإسلامي، ألا يقودك اليوم عالم  كانت له جهوده المشهودة في مثل هذا اليوم، حيث كن يحث الجميع ـ من خلال الإذاعة والتلفزيون ـ على التعلم وعلى أهميته وعلى خطورة الأمية؟
فلماذا لم يقم بأي نشاط مهما كانت بساطته لتخليد هذا اليوم؟ فهل قضينا حقا على الأمية كما قضت عليها دولة  قطر مثلا، والتي لم تعد نسبة الأميين فيها تتجاوز 3.6 % ؟
وهل خلت حقا  بلادنا من الأميين حتى أصبحنا غير معنيين ـ إطلاقا ـ  بتخليد اليوم العالمي لمكافحة الأمية؟
هكذا أهلكنا البلاد والعباد، فمن حملات مسرحية يبالغ فيها كثيرا إلى تجاهل كامل. فبالأمس كانت محاربة الأمية هي شغلنا الشاغل (نظريا)، ولكن لما سقط النظام الذي كان يحارب الأمية (نظريا) تجاهلت كل الأنظمة التي جاءت من بعده هذا الداء الخطير، وكأنه لم يعد من أهم العوائق التي تعيق التنمية في هذا البلد.
حتى المعارضة أصيبت بما أصيبت به الأنظمة، ولم تتحدث عن الأمية كعائق من عوائق التنمية، ولم تطالب بالاهتمام بمحاربتها، بل إنها تجاهلتها كما تجاهلتها كل الأنظمة التي جاءت بعد "ولد الطايع".
ولا أذكر أني سمعت ـ ولو لمرة واحدة ـ أي معارض في هذا البلد يتحدث عن الأمية، ويطالب الحكومة بضرورة محاربتها.
فيبدو أن الجميع قد أصابته حملات محو الأمية بعقدة لا علاج منها.
فالمعارضة لدينا ـ وهذه واحدة من أعظم مصائبنا ـ لا تمتلك خطابا مستقلا، بل إن خطابها السياسي هو خطاب تابع للسلطة القائمة، فإن امتدحت السلطة شيئا ذمته المعارضة بشكل تلقائي، وإن ذمت السلطة شيئا مدحته المعارضة، وإن تجاهلت السلطة شيئا ونسته فلم تمدحه ولم تذمه، تجاهلته أيضا المعارضة ونسته.
فيا أيها النظام، ويا أيتها المعارضة إن هذا البلد يعاني نصفه من داء يسمونه بالأمية، ولا يصح أن نتجاهل داء يعاني منه نصف المجتمع بكامله، بسبب عقدة من حملات "ولد الطايع"، فهل تتخيلون أن مجتمعا أعرج بإمكانه أن ينهض؟
قد يقول قائل هنا، ونحن في مجتمع تعود أهله على أن يوزعوا التهم حسب مزاجهم، وتبعا لآخر انطباع يتولد لديهم، بأني أحن إلى الحملات المسرحية لمحاربة الأمية، وأني أدافع عنها من خلال هذا المقال.
ولأولئك أقول بأني كنت من الذين انتقدوا  تلك الحملات المسرحية في الوقت الذي كان يجب أن تنتقد فيه، ولقد أعددت حينها دراسة من مائة صفحة خصصتها لانتقاد تلك الحملات، وأرسلت منها نسخا للرئيس السابق معاوية، عن طريق البريد المضمون، وعن طريق مكتب الاستقبال التابع  لرئاسة الجمهورية.
ولأني كنت قد فعلت ذلك في وقته، فإني لا أجد حرجا اليوم، في أن أقول وبأعلى صوتي كفى تجاهلا للأمية، وكفى تجاهلا لليوم العالمي لمكافحة الأمية.
ولعل المصيبة التي يجب أن نلفت لها الانتباه، هي أننا نعيد نفس الحملات المسرحية التي كان يقوم بها ولد الطايع، حتى وإن اختلفت عناوين المسرحيات.
لقد أبدلنا مسرحية محاربة الأمية بمسرحية غرس الأشجار، وانشغلنا عن الثامن من سبتمبر بالسابع منه، والذي ترأس فيه الوزير الأول الحملة الثالثة لغرس الأشجار، بعد أن تغيب عنها رئيس الجمهورية ولأول مرة منذ أن أطلقها منذ سنتين، ويعني ذلك ـ في لغة الحروب عندنا ـ بأننا سنوقع قريبا معاهدة صلح مع التصحر، وذلك لكي نتفرغ لحربنا الجديدة، والتي قد تكون حربا على البرك والمستنقعات، وقد تكون حربا على البلاستيك، حسب  المزاج النهائي للرئيس. المهم أن الجميع سينسى قريبا الحرب على التصحر، وسيتوقف الإعلام الرسمي عن التغني بأيامها المشهودة.
ولمعرفة مصير الحرب على التصحر فيكفي أن نعرف بأن هذا "المشروع الطموح" الذي يسعى النظام لإنجازه، أي غرس مليون شجرة خلال خمس سنوات، والذي قد تم التطبيل له كثيرا في وسائل الإعلام الرسمية، قد تزامن إطلاقه مع  اكتمال مشروع مشابه له في لبنان. ولقد تميز المشروع اللبناني بأن الذي قام بتنفيذه ليس الحكومة اللبنانية، وإنما هي منظمة واحدة تابعة لحزب الله تدعى منظمة "جهاد البناء".
 فهذه المنظمة تمكنت لوحدها من غرس مليون شجرة في لبنان ليس خلال خمس سنوات، وإنما خلال عام واحد، وهذه المنظمة لم تحتفل بالمشروع يوم انطلاقه، ولم تطبل له كما طبلنا نحن، بل إن المشروع لم يتم الحديث عنه إعلاميا، إلا عند غرس آخر شجرة، وهي الشجرة المليون، والتي غرسها "حسن نصر الله" أمام بيته في "حارة حريك" في ظهور نادر له، وكان ذلك يوم الجمعة 9 أكتوبر 2010 ، أي بعد أقل من شهرين من غرس شجرة  الرئيس محمد ولد عبد العزيز، والتي كانت بداية لانطلاقة مشروع المليون شجرة، والذي لن يكتمل في خمس سنوات.
ويكفي لكي نعرف مصير الحرب على التصحر، أن نعود إلى حديث الرئيس نفسه بمناسبة إطلاقه في العام الماضي  للمرحلة الثانية من غرس مليون شجرة خلال خمس سنوات.
لقد قال الرئيس حينها بأن الأموال المخصصة لهذا المشروع تم نهبها من طرف وزارة البيئة، كما انتقد أيضا الإعلام الرسمي الذي حضر يوم إطلاق المشروع، ثم غاب من بعد ذلك، وبشكل كامل، وترك المفسدون يعبثون بالمشروع دون أن يكشف عنهم.
تلك الأخطاء الفظيعة التي تم ارتكابها بعد غرس الشجرة الأولى المعلنة لبدء الحرب الصوتية  ضد التصحر لم يتم تصحيحها حتى الآن، ومن ارتكبوا تلك الأخطاء لم تتم معاقبتهم، بل لم تتم إزاحتهم من وظائفهم، فوزير البيئة الذي نهب تلك الأموال ـ حسب رئيس الجمهورية ـ لا يزال هو وزير البيئة.
فعن أي حملة لمحاربة التصحر تتحدثون؟
وعن أي مليون شجرة تتحدثون؟
عودوا إلى رشدكم يرحمكم الله.
وتوقفوا عن هذه الحملات المسرحية.
وواجهوا مشاكل البلد بشيء قليل من الجدية يرحمكم الله.
فلا نحن نريد حملة مسرحية لمحاربة الأمية، أو لمحاربة البرك و المستنقعات، أو لمحاربة التصحر، أو لمحاربة الفساد..
ولا نحن نريد أيضا تجاهلا  للأمية، ولا لبقية التحديات التي تواجهنا، والتي من بينها قطعا المياه الراكدة في العاصمة، ومن بينها التصحر، ومن بينها كذلك الفساد.
نحن لا نريد حروبا مسرحية، ولكننا لا نريد أيضا تجاهلا مسرحيا لهمومنا.
نحن نريد فقط قليلا من الجدية.
فهل تبخلون علينا بقليل من الجدية.
تصبحون وأنتم أكثر جدية..