الأربعاء، 30 يونيو 2021

يا أطر الترارزة : لا تفشلوا زيارة الرئيس!

 


مرة أخرى تبدأ التحضيرات في العاصمة نواكشوط لإنجاح زيارة الرئيس لإحدى ولاياتنا الداخلية. هذه واحدة من الظواهر السلبية التي يجب الابتعاد عنها لمن يسعى حقا لإنجاح زيارة الرئيس.

إن الأنشطة الرئاسية، سواء كانت تدشينات أو زيارات ميدانية هي أنشطة تستهدف كل الموريتانيين، ولذا فيجب أن تُبعد تماما عن التسييس، أما نتائج تلك الأنشطة وما حققت على الأرض فيمكن تسييسه، فللأغلبية الداعمة الحق في أن تعمل على تثمين وتسويق تلك النتائج سياسيا، وللمعارضة الحق في انتقاد تلك النتائج والتقليل من شأنها.

إن أهم دعم يمكن أن يقدمه أطر الترارزة ووجهاؤها ورجال أعمالها لرئيس الجمهورية هو أن يتركوه يطلع ـ وبشكل مباشر ـ على أحوال الساكنة المحلية. أما مزاحمة الساكنة المحلية ومحاولة حجب همومها ومشاكلها عن الرئيس من طرف أطر ووجهاء ورجال أعمال يسكنون في مقاطعة "تفرغ زينة"، يلبسون ثيابا فاخرة، ويمتطون سيارات فارهة، وتبدو عليهم آثار النعم، ويعطون صورة مختلفة تماما عن واقع الساكنة المحلية، أما مزاحمة الساكنة المحلية من طرف أولئك فسيؤدي إلى الانحراف بالزيارة عن أهدافها، أي أنه سيؤدي إلى إفشالها.

دعونا نطرح بعض الأسئلة السريعة، ونجب عليها بشكل أسرع.
سؤال : متى نقول إن زيارة الرئيس لولاية داخلية ما كانت زيارة ناجحة؟

جواب : تكون زيارة الرئيس ناجحة إذا ما حققت الأمور التالية أو بعضها على الأقل:

ـ الاتصال المباشر بالساكنة المحلية والاستماع لهمومها ومشاكلها؛

ـ الاتصال المباشر بالموظفين والعمال الذين يعملون بالولاية المزورة والاستماع لهم؛

ـ الاتصال بالمنتخبين المحليين بالولاية المزورة ( البلديات والجهة) ولا بأس بالاتصال بنواب الولاية المزورة؛

ـ تدشين مشاريع جديدة أو تفقد الإدارات المحلية والاطلاع على أساليب تعاطيها مع الساكنة المحلية.

سؤال : متى يجب أن يبدأ التسويق السياسي للزيارة؟

جواب : عندما تنتهي الزيارة وتحقق تلك الأمور التي ذكرناها سابقا أو بعضها حينها يمكن أن يبدأ تسويق نتائج الزيارة من طرف أغلبية الرئيس الداعمة.

سؤال : ما هي أهم المظاهر التي قد تضر بالزيارة وتحدُّ بالتالي من نتائجها؟

جواب:

ـ توافد أطر ووجهاء ورجال أعمال نواكشوط إلى الولاية المزورة بشكل متزامن مع الزيارة؛

ـ محاولة حجب هموم ساكنة الولاية المزورة عن الرئيس.

تنبيه : هذا المقال ليس موجها فقط لأطر الترارزة، بل إنه موجه لكل أطر ولاياتنا الداخلية، وقد تم اختيار أطر الترارزة لأن زيارة الرئيس القادمة تستهدف ولايتهم.

حفظ الله موريتانيا... 


الأحد، 20 يونيو 2021

للعقلاء فقط


(1)

" وإلى الذين استعجلوا في سنة حصاد خمس سنوات، أقول اليوم: لا حرج عليكم، ولكن امنحوا من يختارهم الشعب مستقبلا لحكم موريتانيا ما يمنحه الدستور والناخبون من فرص العمل، ولا تضيعوا على بلدكم المزيد من فرص البناء والاستثمار."

فقرة من خطاب استقالة الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله.

كان خطاب الاستقالة مؤثرا في مجمله، وكانت هذه الفقرة بالذات هي الأقوى تأثيرا في نفسي..لقد اعتقدتُ حينها أنها موجهة لي شخصيا، وإلى كل أولئك الذين عارضوا الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله في وقت مبكر، وساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر، بوعي أو بغير وعي، عن قصد أو غير قصد، فيما سيحدث بعد ذلك في صبيحة السادس من أغسطس 2008.

لقد انشغل الكثير من المهتمين بالشأن العام ـ وكنتُ أحد أولئك ـ برصد وتتبع أخطاء الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله خلال فترة حكمه القصيرة، وكنتُ كغيري أتحدث عن تلك الأخطاء في الفضاءات العامة، وربما بالغتُ في بعض الأحيان عند الحديث عنها، وكنتُ أعتقد أني بذلك أقوم بأنبل عمل لصالح وطني، وقد فاتني أني كنتُ أساهم ـ وبغير وعي وعن غير قصد ـ في تهيئة الأجواء للانقلاب الذي سيحدث بعد ذلك.

لا شيء أكثر إيلاما من أن تكتشف في الوقت بدل الضائع أن "العمل النبيل" الذي كنتُ تقوم به لمصلحة وطنك، لم يكن في جوهره وفي مآلاته عملا نبيلا، بل كان مجرد مشاركة غير واعية في "تهيئة الأجواء" لواحد من أسوأ الانقلابات في تاريخ البلاد.

(2)

نشرتُ في يوم 26 ديسمبر 2018 رسالة مفتوحة موجهة إلى رئيس موريتانيا القادم، ولم يكن حينها الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أعلن عن ترشحه. وقد جاء في تلك الرسالة المفتوحة تعهدان، وهذا نص أحدهما :" الأمر الثاني الذي أتعهد لكم به من الآن إن كان في العمر بقية، هو أني سأكون من داعميكم بعد وصولكم إلى السلطة، ولا يهمني هنا أن تكونوا المرشح الذي دعمته خلال الحملة الانتخابية لرئاسيات 2019، أو المرشح الذي عارضته خلال تلك الحملة.

سيدي الرئيس،

سأدعمكم بعد تنصيبكم رئيسا للجمهورية، ولكن بشرط وحيد ووحيد فقط، وهو أن تظهروا استعدادكم الكامل لانتزاع كل صلاحياتكم كرئيس للجمهورية،وعندما تستعيدون تلك الصلاحيات كاملة غير منقوصة، فحينها سيكون لكل مقام مقال."

لقد كتبتُ هذه الرسالة المفتوحة وأنا على قناعة تامة بأن "التناوب الآمن" على السلطة يعدُّ من أولوية الأولويات في بلد كبلدنا عرف الكثير من الانقلابات، ويقع في منطقة من العالم تعيش عدم استقرار سياسي بسبب الصراع على السلطة.

قد لا يعي البعض أهمية "التناوب الآمن" على السلطة، وقد لا يُدرك البعض الآخر أنه لو قُدِّر لهذه البلاد أن تُحكم من بعد عشرية الرئيس السابق من طرف رئيس آخر غير الرئيس الحالي، أيا كان ذلك الرئيس، لكنا اليوم نعيش أزمة سياسية وأمنية في منتهى الخطورة، ذلك أن الرئيس السابق كان يخطط للعودة إلى السلطة، وذلك ما أثبتته الأحداث خلال السنتين الماضيتين، ولم يكن هناك من كان بإمكانه أن يوقف ذلك الطموح غير الرئيس الحالي.

وقد لا يعي البعض الآخر خطورة النفق المظلم الذي ستدخل فيه البلاد لو فشل الرئيس الحالي لا قدر الله في إدارة البلاد، أو استقال من قبل اكتمال مأموريته، كما طالب بذلك جنرال متقاعد يبدو أنه لا يفقه الكثير عن واقع البلاد.

إن أي عاقلِ فطن إن تأمل في حال البلاد، وفي حال الأحزاب السياسية والقادة السياسيين، وفي تعقيدات المشهد السياسي، سيتوصل ـ  دون عناء ـ إلى استنتاج واضح مفاده أن الرئيس الحالي ـ ولأسباب عديدة لا يتسع المقام لبسطها ـ هو وحده الذي كان قادرا على أن يخلف الرئيس السابق، وهو وحده القادر على إدارة شؤون البلاد في أول مأمورية تأتي بعد عشرية الرئيس السابق.

لا يعني هذا الكلام أنه ليست هنا أي أخطاء تستحق منا جميعا أن ننتقدها، ولا أن نضغط من أجل تصحيحها.. نعم هناك أخطاء وهناك حاجة كبيرة للضغط على النظام القائم من أجل تصحيح تلك الأخطاء، ولكن ذلك الضغط يجب أن يكون مدروسا ومحكما فيه ومحميا في الوقت نفسه من أي محاولة استغلال سياسي قد يسعى إليها البعض من أجل التشويش على مسار التناوب الآمن على السلطة.

(3)

لقد عرفنا في الأيام والأسابيع الماضية بعض الجرائم الفظيعة والبشعة، ولقد طالب الكثير من الموريتانيين ـ وحُقَّ له ذلك ـ بضرورة التصدي لتلك الجرائم، ولكن الغريب في هذا الأمر هو أن يتحدث الرئيس السابق عن الانفلات الأمني.

إحصائيا فإن المعدل السنوي للجريمة في عهد الرئيس الحالي هو أقل من المعدل السنوي للجريمة في عهد الرئيس السابق، وذلك على الرغم من جائحة كورونا التي زادت من نسبة الجريمة في كل بلدان العالم. ومن حيث مستوى فظاعة الجرائم وبشاعتها، فإن الجرائم الأخيرة حتى وإن كانت فظيعة و بشعة وصادمة، فإنها ليست بمستوى فظاعة وبشاعة بعض الجرائم التي تم تسجيلها في العشرية.

لا يعني هذا الكلام ـ بأي حال من الأحوال ـ  أنه ليس من حقنا أن نطالب السلطة الحالية بالعمل على الحد من الجريمة، ولا يعني أنه ليس من واجبها هي أن تعمل ـ وبجد ـ  على الحد من الجريمة..لا يعني هذا الكلام أي شيء من ذلك، وإنما يعني فقط أنه ليس من حق أولئك الذين فشلوا في توفير الأمن في السنوات الماضية، ولا أولئك الذين لم ينددوا بذلك في حينه، ليس من حق هؤلاء ولا أولئك أن يحدثونا اليوم عن غياب الأمن وعن الانفلات الأمني.

هناك بالفعل من يريد أن يستغل سياسيا الجرائم التي وقعت مؤخرا، ومن واجبنا أن نقف ضد ذلك الاستغلال، ومن مظاهر ذلك الاستغلال:

1 ـ إطلاق الشائعات التي تزيد من خوف المواطنين وقلقهم تزامنا مع أي جريمة يتم تسجيلها، ولعلكم تتذكرون الفيديو الشهير الذي تم تداوله بشكل واسع، والذي حاولت من خلاله سيدة ظهرت فيه أن تستغل نزاعا على قطعة أرضية، وأن تصوره على أنه محاولة للاعتداء بالسكاكين على مواطنين قرب حاكم توجنين، وأن حرس الحاكم أغلقوا مقر الحاكم أمام طالبي النجدة من المواطنين؛

2 ـ محاولة الانحراف بأي تحرك سلمي للمطالبة بتوفير الأمن إلى حراك سياسي ضد النظام القائم؛

3 ـ  محاولة الانحراف بالاحتجاجات السلمية عن أهدافها ومسارها وذلك من خلال استغلالها لإثارة الشغب.

إننا بحاجة إلى المزيد من الحذر واليقظة حتى لا يتم استغلال المطلب المشروع بتوفير الأمن وغيره من المطالب الأخرى المشروعة في أمور أخرى تهدف إلى التشويش على ما تحقق من خطوات هامة في سبيل تعزيز وتكريس مبدأ التناوب السلمي على السلطة.

 

حفظ الله موريتانيا... 

الأربعاء، 16 يونيو 2021

ما هي مصادر ثروةالرئيس السابق؟


في ظل موجة التحدي والتحدي المضاد التي تنتشر في بلادنا في أيام الناس هذه، والتي كان آخرها تحدى الرئيس السابق لأربعة ملايين من الموريتانيين بأن يأتوه بما يثبت أنه أخذ أوقية واحدة من الخزينة العامة أو من البنك المركزي، وكذلك تحدي الأربعة الملايين من الموريتانيين للرئيس السابق بأن يأتيهم بما يثبت أن مصدر ثروته مشروعة..في ظل هذه الموجة من التحدي والتحدي المضاد، فإني أنا بدوري أتقدم إليكم بالتحدي التالي، والمتعلق بسبعة استنتاجات حول مصادر ثروة الرئيس السابق. أتحدى أي واحد منكم أن يفند استنتاجا واحدا من هذه الاستنتاجات السبع بأسلوب مقنع ومتماسك منطقيا.

الاستنتاج الأول : أن الرئيس السابق يملك أموالا طائلة (اللهم لا حسد)، وأدلتي غير القابلة للتفنيد على هذا الاستنتاج هي :

1ـ تصريحات الرئيس السابق المتكررة والتي قال فيها بأنه يملك أموالا طائلة؛

2ـ المحجوزات لدى القضاء والتي بلغت حتى الآن عشرات المليارات؛

3ـ القيمة المالية للساعات التي يملك الرئيس السابق، والتي بلغت حسب تصريحه هو مليون ونصف المليون دولار، فمن يملك ساعات بهذا المبلغ، لابد وأنه يملك ثروة طائلة.

الاستنتاج الثاني : أن هذه الأموال طارئة من بعد انقلاب 6 أغسطس 2008، والدليل على ذلك:

  تصريحات موثقة  بعد انقلاب 2008  للرئيس السابق، وقد أكد من خلالها أنهم كقادة للانقلاب لا يملكون أموالا تذكر؛

2ـ شهادات بعض الذين يعرفونه من قبل انقلاب 2008؛

الاستنتاج الثالث : أن الرئيس السابق لم يكن يملك قبل العام 2016 أي شاحنة أو جرافة، وهذا الاستنتاج دليله واحد ويتمثل في رد الرئيس السابق على سؤال تقدم به المدير الحالي للتلفزة الموريتانية، وكان ذلك خلال مؤتمر صحفي تم تنظيمه في مطلع يناير من العام 2016، وقد قال الرئيس السابق في رده بأنه لا يمتلك شاحنة واحدة ولا جرافة، وأنه لا يملك إلا حفارة واحدة يستخدمها في بعض الأنشطة الخيرية، وأنه لا يتلقى مقابل تلك الأنشطة الخيرية أية مبالغ مالية.

الاستنتاج الرابع : أن هذه الثروة الطائلة ليست متحصلة من استثمار الراتب في أنشطة تجارية، فقد قال الرئيس نفسه في تصريح موثق بأنه لم يمسس راتبه خلال فترة رئاسته.

الاستنتاج الخامس : أن هذه الثروة ليست متحصلة أصلا من أنشطة تجارية، والدليل على ذلك بسيط جدا وقريب جدا، وهو أن الرئيس لا يجوز له أثناء تأدية مهامه أن يزاول أي نشاط تجاري.

الاستنتاج السادس: أن هذه الثروة ليست متحصلة من أموال مأخوذة من الخزينة العامة أو البنك المركزي، فلو كانت متحصلة من تلك المصادر لرفع النظام القائم التحدي، وسرب أدلة تفيد بسحب الرئيس السابق لأموال من البنك المركزي أو الخزينة العامة.

الاستنتاج السابع: أن مصدر هذه الثروة غير قانوني، فلو كان قانونيا لرفع الرئيس السابق التحدي، ولأثبت بالدليل القاطع أن ثروته تحصلت من مصادر مشروعة.

الخلاصات :

ـ أن الرئيس السابق يملك ثروة طائلة (اللهم لا حسد)؛

ـ أن هذه الثروة الطائلة طارئة من بعد انقلاب 2008؛

ـ أنها ليست متحصلة من الراتب ولا من أي أعمال تجارية؛

ـ أنها ليست مسحوبة من البنك المركزي أو الخزينة العامة؛

ـ أنه لا يمكن للرئيس السابق أن يُعلن عن مصدرها.

ويبقى السؤال : ما هي مصادر ثروة الرئيس السابق؟

 

حفظ الله موريتانيا... 

السبت، 12 يونيو 2021

نعم لإعادة النظر في ملف التعيينات

 


تعدُّ التعيينات من أهم المواضيع التي يتابعها الموريتانيون بانتظام واهتمام كبير، وهي بالنسبة لهم من أهم المقاييس أو المعايير التي يحددون على أساسها موقفهم من أي نظام حاكم.

أهمية التعيينات عند الموريتانيين تظهر من خلال المتابعة الواسعة للإجراءات الخصوصية في بيانات مجالس الوزراء, وكثيرا ما يتم تجاهل مراسيم القوانين التي تصدر في بيانات مجالس الوزراء، حتى من طرف النخب، لتقتصر المتابعة على الإجراءات الخصوصية فقط، الشيء الذي يُظهر مدى أهمية تلك الإجراءات الخصوصية عند الموريتانيين.

إن هذه الأهمية الكبيرة التي تحظى بها التعيينات تفرض على من تهمه حقا مصلحة النظام القائم ـ وأظنني من الذين تهمهم حقا مصلحة النظام القائم ـ أن يًطالب وبصوت مسموع بإعادة النظر في ملف التعيينات.

نعم، هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر في ملف التعيينات، فهذه التعيينات لم تحمل في أغلبها تلك الرسائل التي كان يجب أن تحملها في هذا العهد. ففي اعتقادي الشخصي أن هناك رسائل هامة كان يجب أن تظهر واضحة وجلية مع كل حزمة تعيينات جديدة، وهذه الرسائل هي:

رسائل إصلاحية : أي أن يظهر مع كل حزمة جديدة  من التعيينات أن هناك إرادة جدية في الإصلاح الإداري، وأن تلك الإرادة هي التي أتت بموظفين يتوقع منهم أن يساهموا في ذلك الإصلاح، وأبعدت آخرين بعد أن جُربوا وجُربوا وجُربوا، ومنحوا الفرصة تلو الأخرى، فثبت أنه لا قدرة لهم على الإصلاح، أو أنه لا رغبة لهم فيه إن كانت هناك قدرة عليه.

ما حدث في أغلب التعيينات هو أن من ثَبتت عدم قدرته على الإصلاح تمت ترقيته أو تم الاحتفاظ به على الأقل، أما من تُلتمس فيه القدرة على الإصلاح فلم يتم تعيينه أو ترقيته، إلا في حالات محدودة جدا.

رسائل ضد الفساد : من الضروري جدا أن تعكس التعيينات ـ أو على الأقل نسبة هامة منها ـ الأجواء التي تعيشها البلاد، والتي تم بموجبها فتح واحد من أكبر ملفات الفساد في تاريخ موريتانيا.

ليس من المستساغ أن نسمع عن تعيين أو ترقية موظف مفسد معلوم الفساد في هذا العهد الذي تم فيه فتح أكبر ملف فساد في تاريخ البلاد، وليس من المستساغ في الوقت نفسه أن يستمر إقصاء أو تهميش موظفين يُشهد لهم بالاستقامة وحسن السمعة في الإدارة.

رسائل التجديد: لا خلاف على أن الجزء الأكبر من أغلبية الرئيس الحالي كان من أغلبية الرئيس السابق، ولذا فقد لا يكون من الإنصاف أن نطلب من الرئيس الحالي أن تكون تعييناته في الوظائف السياسية من خارج ذلك الجزء الأكبر من أغلبيته. قد لا يكون من الإنصاف أن نطلب منه ذلك، ولكننا في المقابل يمكن أن نطلب منه بأن ينتقي من تلك الأغلبية وجوها جديدة لم تفقد كل رصيدها السياسي خلال العشرية الماضية.

في "الأغلبية التقليدية" توجد وجوه جديدة، وأيادي نظيفة، وأطر أكفاء تم تهميشهم خلال العشرية الماضية، مثل هؤلاء كانوا أولى بالتعيين من موظفين آخرين لم يقدموا خلال مسارهم الوظيفي الطويل ما يبرر إعادة تدويرهم من جديد.

يقول البعض بأن الرئيس يحتفظ بمثل هؤلاء لأنه لا يريد أن يغضب أحدا من داعميه، ولذا فهو يقوم بإعادة تعيين كل من تتم إقالته. ما لا يدركه من يقول بذلك القول أن الرئيس إذا كان يعيد تعيين أولئك لكي لا يغضب أحدا من أغلبيته، فإنه بذلك يغضب أعدادا أكبر من خيرة أغلبيته. إن إعادة تدوير موظف واحد ثبت فشله، ستؤدي حتما إلى إغضاب العشرات من الموظفين الأكفاء الذين لم تتلطخ سمعتهم، والذين كانوا يحلمون ـ ولهم الحق في ذلك ـ  بالحصول على تلك الوظيفة التي مُنحت للموظف الفاشل الذي تم تدويره.

لقد آن الأوان لأن يلتفت الرئيس إلى الأطر الذين لم تتلطخ سمعتهم الإدارية والسياسية خلال العقود الماضية، وعليه أن ينتقي منهم واجهته الإدارية والسياسية، فتعيين مثل أولئك سيزيد من رصيده، وسيُحَسِّن من صورة نظامه، وسيخلق أملا لدى المواطن بإمكانية الوفاء ببرنامج "تعهداتي".  أما إعادة تدوير موظفين لم يقدموا شيئا يحسب لهم بعد عقود أو سنوات من التعيين، فتدوير مثل أولئك من ذوي السمعة الإدارية والسياسية السيئة فسيكون على حساب رصيد الرئيس، وسيسيء إلى سمعة نظامه، وسيقلل من ثقة المواطن بإمكانية الوفاء ببرنامج "تعهداتي".

حفظ الله موريتانيا... 

الأحد، 6 يونيو 2021

كيف نحدُّ من الجريمة في بلادنا؟


لقد أصبح من الواضح جدا أن أساليبنا التقليدية في محاربة الجريمة لم تعد تجدي نفعا، ومن هنا فقد بات من الضروري والملح وضع خطة جديدة أو على الأصح رسم إستراتيجية متكاملة للحد من الجرائم في بلادنا، ويجب أن تقوم هذه الإستراتيجية على حقيقة مفادها أن الحلول الأمنية مهمة، ولابد منها للحد من الجرائم، ولكنها لا تكفي لوحدها، إن لم تسبقها وتصاحبها وتأتي من بعدها حلول أخرى في مجالات أخرى سيأتي الحديث عنها في هذا المقال.

هناك إجراءات "بعدية" يجب اتخاذها عندما تقع الجريمة، وهناك إجراءات أخرى "قبلية"، ويمكن تسميتها بأنها إجراءات وقائية يجب اتخاذها من قبل وقوع الجريمة.

ماذا يجب فعله بعد وقوع الجريمة؟

إن الإجراء الأهم الذي يجب اتخاذه بعد وقوع الجريمة هو المسارعة في إلقاء القبض على المجرم، وفي العادة فإن الأجهزة الأمنية لا تقصر في هذا المجال، ولكن التقصير يأتي من  بعد ذلك، ويظهر جليا في عدم الصرامة في تنفيذ العقوبات وفي عدم العمل بقول الله تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". إذا لم تنفذ أحكام الإعدام فيمن قتلته الشريعة، فلن تتوقف مثل هذه الجرائم البشعة التي تنسي الواحدة منها في كل ما سبقها من جرائم بشعة.

صحيح أن بلادنا قد وقعت على اتفاقيات دولية، ولكن ألا يمكن مراجعة هذه الاتفاقيات؟ أليست مصر مثلا أكثر استفادة من تلك المنظمات الدولية، وأكثر احتياجا للتمويلات، ومع ذلك فهي لم توقع على تلك الاتفاقيات وتنفذ أحكام الإعدام علنا.

إن حقوق الإنسان كما يراها الغرب قائمة على بعض الاختلالات البينة، منها أن هذا الغرب "الإنساني جدا" مستعد لحماية "المجرم" وتضييع حقوق الضحايا، فبأي منطق نحمي مجرما قاتلا من القتل الذي مارسه هو بنفسه ضد أشخاص أبرياء؟ أليس في ذلك تشجيع له ولغيره من المجرمين لقتل المزيد من الأنفس البريئة؟

على "أولي الألباب" أن يعلموا بأن الله جلَّ جلاله لم ينزل عليهم هذه الآية لتلاوتها فقط، وإنما لتطبيقها والعمل بها.

قبل وقوع الجريمة

إن محاربة الشر أولى وأهم من محاربة الأشرار، وإن محاربة الجريمة وتجفيف منابعها أولى وأكثر نجاعة من محاربة المجرمين. وتجفيف منابع الجريمة يقتضي منا أولا أن نبحث عن القواسم المشتركة بين أغلب الجرائم التي تقع في بلادنا، وإن أي عملية بحث سريعة ستوصلنا إلى أن القواسم المشتركة بين أغلب الجرائم البشعة التي تم تسجيلها في السنوات الأخيرة تتمثل في:

القاسم المشترك الأول هو أن مرتكبي هذه الجرائم أغلبهم شباب أو قُصَّر لم يدرسوا أصلا في المدارس أو تسربوا في وقت مبكر من المدرسة؛

القاسم المشترك الثاني هو أن أغلب هذه الجرائم البشعة التي تم تسجيلها في السنوات الأخيرة كان وراءها أصحاب سوابق، وهذه تلفت الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية مفادها أن العديد من المجرمين يتم إصدار أحكام مخففة ضدهم، وأن بعضهم يخرج بطريقة أو بأخرى من السجن من قبل انتهاء تلك الأحكام المخففة. هناك نسبة معتبرة من السجناء تدخل السجن وهي تحمل صفة "مجرم مبتدئ" أو "مشروع مجرم" أو "مجرم هاوِ"، ولكنها لا تخرج من السجن إلا وبعد أن تكون قد اكتسبت صفة "مجرم محترف". السجون في بلادنا أصبحت مدارس متخصصة لتخريج "مجرمين محترفين" وب"شهادات عالية" في الإجرام".

القاسم المشترك الثالث هو أن أغلب المجرمين يكونون تحت تأثير المسكرات و المخدرات لحظة ارتكاب الجريمة، ولذا فإن محاربة الجريمة في بلادنا يجب أن تبدأ بمحاربة تعاطي المخدرات في صفوف الشباب والقُصَّر. المؤسف هنا أن ما تخصصه وزارة الداخلية من ميزانيتها لمحاربة المخدرات لا يتجاوز 60 مليون أوقية قديمة!

المؤسف أكثر أن أنواع هذه المخدرات التي يستخدمها الشباب والقُصَّر متوفرة في الأسواق و بأسعار زهيدة : الحبوب المهلوسة، الحشيش، الغراء ، العطور .

القاسم المشترك الرابع هو أن أغلب جرائم القتل البشعة تم ارتكابها بأسلحة "بيضاء" (سكاكين وسيوف) يمكن لأي مجرم أن يحصل عليها وبأسعار زهيدة.

إن أي محاولة جدية للحد من هذه الجرائم يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حقيقة مفادها أن أغلب مرتكبي هذه الجرائم هم من القصر والشباب ومن أصحاب السوابق، ومن متعاطي المخدرات، وأنهم يرتكبون جرائمهم بأسلحة "بيضاء" متاحة للجميع.

وانطلاقا من تلك القواسم المشتركة، فهذه بعض النقاط التي يمكن أن تحدَّ من الجريمة في بلادنا إن تم الأخذ بها:

1 ـ  الاهتمام أكثر بالأسرة والعمل على الحد من التفكك الأسري؛

2 ـ المسارعة في إصلاح التعليم، والعمل على إعادة الاعتبار لمادتي التربية الإسلامية والتربية المدنية؛

3 ـ إيواء الأطفال الذين فشلت ـ أو عجزت ـ أسرهم عن تربيتهم وتعليمهم، وتكفل الدولة بتربيتهم وتعليمهم والبحث من بعد ذلك عن فرص عمل لهم؛

4 ـ إنشاء مراكز ثقافية ورياضية في كل الولايات والمدن لصالح الشباب والعمل على تنشيطها بشكل مستمر؛

5 ـ  إنشاء مراكز متخصصة في علاج الإدمان؛

 إنشاء المزيد من مراكز الإيواء والتدريب لصالح الأطفال المشردين وأصحاب السوابق الإجرامية مع العمل على دمجهم في الحياة النشطة ؛

7 ـ  إنشاء مراكز للتثقيف الحرفي (تكوبن مهني مبسط) بما يلبي حاجة السوق، وبما يمكن من امتصاص أعداد من المتسربين من المدرسة؛

8 ـ  تفعيل دور المجتمع المدني وحثه على العمل في مجال التوعية ضد الجريمة وتعاطي المخدرات في أوساط الشباب والمراهقين.

9 ـ  رسم سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى الحد من اليد العاملة الأجنبية، ومحاولة إحلالها بيد عاملة وطنية مدربة؛

10 ـ  إصلاح ودعم القطاع الأمني وإعادة الاعتبار لقطاع الشرطة؛

11 ـ  إصلاح قطاع السجون والقضاء؛

12 ـ  تشديد العقوبة علي مستوردي وبائعي ومروجي المخدرات وكل المؤثرات العقلية؛

13 ـ  تشكيل مجالس داخل الأحياء ومن جماعات المساجد تتولى السهر على أمن الحي، وإبلاغ الجهات الأمنية بكل ما يثير الشبهات داخل الحي.

14 ـ تدريب العلماء والأئمة والدعاة الشباب على التقنيات الحديثة وحثهم على التواصل مع الشباب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؛

15 ـ تفعيل دور الإعلام بشقيه التقليدي والجديد في مجال التوعية والتوجيه خاصة  ما هو موجه منه إلى الشباب والقُصَّر.

16 ـ العمل بإلزامية التجنيد الإجباري أو على الأقل إلزامية الانخراط في الخدمة العامة لفترة محددة.

ومن قبل أن أختم هذا المقال فهذه بعض إجراءات السلامة التي على كل واحد منا أن يعمل بها لحماية نفسه وذويه :

ـ تجنب المرور بالشوارع الضيقة أو المظلمة وكل الأماكن المهجورة؛

ـ تجنب قدر الإمكان إخراج الهاتف أو النقود أمام سالكي الشوارع والأمكنة العامة، وخاصة في الليل؛

ـ إذا كنت تقود سيارة فلا تتوقف في الأماكن المشبوهة، ولا تنخدع بالمفاجآت "المفخخة" التي قد يضعها بعض  المجرمين في طريقك من أجل أن تتوقف؛

ـ إذا اعترض طريقك بعض المجرمين من الشباب والمراهقين فلا تدخل معهم في معركة غير متكافئة، فهؤلاء في العادة لديهم أسلحة بيضاء ومن أصحاب السوابق وهم تحت تأثير المخدرات وعلى استعداد لارتكاب جريمة قتل من أجل الحصول على هاتف أو على مبالغ زهيدة.

#معا_للحد_من_الجرائم

حفظ الله موريتانيا...