الأحد، 26 ديسمبر 2010

خاص برئيس الجمهورية (16)



سيدي الرئيس،
مرة أخرى أجدني مضطرا للكتابة لكم عن التلفزيون الرسمي الذي لا يزال مديره يرفض ـ وبعناد شديد ـ أن يستجيب لأوامركم التي أصدرتموها خلال زيارتكم للتلفزيون. لقد طالبتم خلال تلك الزيارة بتقريب التلفزيون من هموم المواطن، إلا أن طلبكم ذلك لم يجد ـ حتى الآن ـ آذانا صاغية، بل على العكس فقد تمت الاستجابة له بشكل عكسي، مما تسبب في تراجع أداء التلفزيون حتى وصل لمستوى من الانحطاط والرداءة، لم يصل إليه من قبل.
ولقد عبر النواب ـ بما فيه الكفاية ـ عن الوضعية المزرية التي يعيشها الإعلام الرسمي بصفة عامة، والتلفزيون بصفة خاصة، خلال تعقيباتهم على السؤال الشفهي، الذي وجهه النائب "جميل منصور" لوزير الاتصال. وهو السؤال الذي لم يوفق الوزير في الإجابة عليه، رغم وضوح السؤال وصراحته، ورغم دعمه بالأدلة والأرقام.
وقد يكون من المناسب تقديم بعض الملاحظات على تلك المداولات، وذلك قبل أن أعود إلى الموضوع الرئيسي لهذه الرسالة، والذي يتعلق بتجربتي الشخصية مع التلفزيون الرسمي ( أعذروني على تسميته بالرسمي، بدلا من العمومي أو الوطني).
1 ـ لقد تجاهل الوزير ـ وبشكل لافت ـ زيادة 50% رغم إلحاح النواب على معرفة مصير تلك الزيادة.
2 ـ لم يوفق الوزير في تبريره لإقصاء بعض الأوجه الإعلامية، التي قدمت ـ في الماضي ـ برامج تلفزيونية ناجحة. فأعرض عن الحديث عن الإعلامي" إسحاق ولد المختار"، وبرر إقصاء الإعلامي "سيدي ولد أمجاد" بأنه كان ضحية للطرد في العهد السابق. وذلك التبرير يطرح أسئلة أكثر إحراجا: ألم تأت الحكومة الحالية لإصلاح أخطاء الحكومات السابقة؟ فلماذا إذاً لا يُنصِف وزير الاتصال الحالي صحفيا "مطرودا" في العهد السابق؟ وأيهما أولى باهتمام الوزير الحالي ومدير التلفزيون: إعلامي كان يقدم برنامجا ناجحا وتم طرده من طرف النظام السابق؟ أم إعلامي كانت علاقته جيدة جدا بالنظام "المفسد" السابق، وكانت برامجه ـ ولا زالت ـ عديمة الفائدة؟
إن طرد موظف تابع للوظيفة العمومية لا يمكن أن يتم بتلك البساطة التي تحدث بها الوزير أمام النواب. فالصحفي "سيدي ولد أمجاد" لا يزال موظفا في التلفزيون، حتى وإن كان موظفا بلا صلاحيات وبلا مهام، كما أراد له مدير التلفزيون الحالي.
أما بالنسبة لـ "فاطمة بنت محمد فال" فإن الوزير قد طمأن النواب بأنه لم يتم طردها ـ حتى الآن ـ من الإذاعة. وكأن طرد موظف من الوظيفة العمومية هو عملية بسيطة. إن أقصى ما يمكن أن يعاقب به صحفي هو أن يسحب منه برنامجه الذي اشتهر به، ويمنح لصحفي آخر كما حدث مع "فاطمة بنت محمد فال"، وكما يتكرر دائما. فمثلا برنامج " الحكومة في الميزان" الذي توقف من قبل أن يستضيف كل الوزراء، رغم أنه كان البرنامج الوحيد الذي يتابعه المشاهدون، قد تعاقب عليه ـ في فترة وجيزة ـ ثلاثة صحفيين. إن أهم شيء يمكن القيام به في هذا المجال هو تشجيع التنافس بين الصحفيين، وأن يترك لكل صحفي برنامجه الذي ابتدعه، وأن لا يسمح لأي صحفي أن يستولي ـ بشكل مفاجئ ـ على كل البرامج، قبل أن يحتفي أيضا بشكل مفاجئ. كما يجب فتح التلفزيون أمام كل إعلامي قدم في الماضي برنامجا ناجحا، خاصة أولئك الذين يحملون أوسمة شرفية باعتبارهم قد "طُرِدوا" في العهود الفاسدة السابقة.
3 ـ لم يعد للتلفزيون الرسمي ـ في الفترة الأخيرة ـ مسطرة برامج محددة. فبرنامج "ملفات"، وبرنامج "لقاء خاص"، اللذان يعتبران في الوقت الحالي هما البرنامجان المخصصان لهموم المواطن، ليست لهما أوقات محددة وثابتة، وليست لهم مواعيد أسبوعية منتظمة، وليس لهم ـ كذلك ـ مقدم منتظم.
أما فيما يخص الموضوع الرئيسي لهذه الرسالة، فقد تصادف أنه في الوقت الذي كان فيه النواب يوجهون أسئلتهم لوزير الاتصال. وفي الوقت الذي كان فيه الوزير يقول بأن الإعلام الرسمي لم يعد إعلاما رسميا، وإنما أصبح إعلاميا عموميا مفتوحا أمام الجميع. في ذلك الوقت بالضبط، رفض التلفزيون الرسمي، الذي استلم في وقت مناسب، إشعارا بتنظيم وقفة شبابية ضد الفساد، رفض أن يقوم بتغطية تلك الوقفة، والتي شارك فيها عدد من منظمات المجتمع المدني.
ولم يشفع للوقفة المرخص لها رسميا، أنها حاولت أن توجه رسائل هامة، تتعلق بقضايا ومحاور أساسية، يرتكز عليها برنامجكم الانتخابي: الحرب على الفساد، الوحدة الوطنية، الشباب..
لقد حاول الشباب المشارك في تلك الوقفة، أن يقدم صورا راقية، كنا نأمل أن ينقلها التلفزيون للشعب الموريتاني، نظرا لأهميتها، خاصة في أيامنا هذه. ولكن القائمين على التلفزيون لم يستطيعوا ـ كعادتهم ـ أن يقدروا أهمية تلك الرسائل، والتي سأذكر لكم منها ـ في هذه الرسالة ـ ثلاثا:
الرسالة الأولى: وتتعلق بتعزيز الوحدة الوطنية، وهي رسالة كنا نريد أن نوصلها عن طريق الصورة، من خلال التلفزيون. ولم نكن نريد أن نتحدث عنها في مقال، لأن الحديث عنها قد يفقدها الكثير من بريقها. لقد قررنا ـ دون أن نعلن ذلك ـ أن يكون كل الشباب المشارك في تلك الوقفة، من عرق و لون مغاير لعرق ولون الشرطي، الذي تم تكريمه خلال تلك الوقفة. ولقد تفاعل أصحاب السيارات والمارة بحماس شديد، مع تلك الصورة الأنيقة التي قدمناها في ذلك اليوم. وارتفعت هتافات التشجيع العفوية من كل الموريتانيين ـ وبكل أعراقهم ـ من الساعة التاسعة والنصف، إلى غاية منتصف النهار، أي خلال مدة الوقفة. لقد استقبل الكثير من المواطنين ـ بإيجابية ـ تلك الرسالة. بل أن أحد المواطنين لم يتمالك عند رؤيته للمشهد، فأخذ يردد بصوت مرتفع: هذه هي موريتانيا الحقيقية..هذه هي موريتانيا الحقيقية..هذه هي موريتانيا الحقيقية.
الرسالة الثانية : وهي رسالة تهدف إلى زرع بعض القيم الإيجابية في نفوس شبابنا، وذلك لكي يهتموا أكثر بقضاياهم الوطنية، خصوصا منها تلك التي يعتبر الشباب هم الأكثر تضررا منها، كتفشي ظاهرتي الفساد والرشوة. ولقد قلت في مقالات سابقة، بأننا لن نحسم الحرب على الفساد، إذا لم تصاحبها انتفاضة شعبية ضد الفساد. ولن تنجح أي انتفاضة شعبية ضد الفساد، إذا لم يشارك فيها وبشكل واسع الشباب. لقد كانت الرسالة الشبابية التي قدمها الشباب المشارك في تلك الوقفة، هي أن الشباب بإمكانه أن يقوم بأشياء عديدة، وبإمكانيات متواضعة. فهناك أدوار كثيرة يمكن أن يلعبها الشباب في مجال الحرب على الفساد، ليس أقلها شأنا توزيع أوسمة شعبية على الموظفين الأكفاء، كالوسام الذي تم تقديمه للشرطي "الشيخ صار"، والذي كان من المفترض أن يتم تقديمه بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة الفساد، إلا أن التأجيل الرسمي للترخيص للوقفة قد حال دون ذلك. الرسالة الثالثة: وهي لا تقل أهمية عن الرسالتين السابقتين، ويمكن اعتبارها ـ بشكل أو بآخر ـ امتدادا للدعوة التي وجهتها قيادة الجيش لرؤساء الأحزاب السياسية من أجل تعزيز الثقة بين مؤسسات الجيش والمؤسسات المدنية. لقد حاولنا من خلال تلك الوقفة، أن نقدم صورة أخرى أكثر إيجابية للشرطي، بدلا من تلك الصورة النمطية السلبية المرسومة له في أذهان المواطنين، والتي لها ما يبررها في كثير من الأحيان. لقد حاولنا أن نساهم في تغيير تلك الصورة، وذلك من خلال تكريم شرطي يشهد له الجميع بالكفاءة، وبالنزاهة، وبالتفاني في العمل. ويحبه الجميع، ويحترمه الجميع. وفي نفس ملتقى الطرق الذي نظمنا فيه تلك الوقفة، كان يمكن تقديم صورة إيجابية أخرى للشرطة، وهي صورة مفوض الشرطة الذي يأتي في كل يوم ـ عندما تشتد زحمة السير عند ملتقى نادي الضباط ـ لمساعدة وكلائه في تنظيم المرور، وكأنه بنفس رتبتهم.
ولأننا كنا نتوقع أن يخذلنا التلفزيون كما خذلنا في مرات سابقة، فقد قررنا أن ننظم تلك الوقفة عند ملتقى الطرق، وذلك من أجل أن يشاهدها ـ على الأقل ـ كل من يمر بملتقى طرق نادي الضباط، في يوم تنظيم تلك الوقفة، التي استمرت ثلاث ساعات.
سيدي الرئيس،
لقد حاولت قبل ذلك ـ ودون جدوى ـ أن يسمح لي التلفزيون بالمشاركة في واحد من برامجه الكثيرة التي تم تخصيصها للحديث عن حملات تنظيف العاصمة، وذلك لكي أقدم اقتراحا لتنظيف مدينة نواكشوط، كنت قد قدمته لكم ـ مفصلا ـ في الرسالة الثالثة من هذه الرسائل المفتوحة التي أكتب لكم بشكل دوري. ورغم أن هذا الاقتراح قد تم تقديمه لأول مرة في العام 2007 ومن قبل الاتفاق المجحف مع الشركة الفرنسية، إلا أن ذلك لم ـ ولن ـ يمنعني من إعادة تقديمه كلما تم إطلاق حملة فاشلة جديدة لتنظيف العاصمة، تضاف إلى سجل الحملات الفاشلة لتنظيف العاصمة.
لقد ازددت قناعة بعد تكرار فشل حملات التنظيف، بأن الاقتراح الذي قدمته لكم سابقا هو الاقتراح الوحيد، الذي يناسب الحالة الموريتانية المعقدة. وهو وحده الذي كان سيمكننا من تنظيف العاصمة في مدة وجيزة جدا، لأنه كان سيحول القمامة إلى سلعة يتم التنافس على جمعها وبيعها بسعر مغري جدا (10 أواقي للكيلوغرام، والتي تساوي الكلفة التي يتم دفعها للشركة الفرنسية مقابل كل كيلوغرام من القمامة، هذا إذا ما قسمنا المبلغ المدفوع لهذه الشركة، على كمية القمامة التي تجمعها تلك الشركة). وستظهر الحاجة لمثل هذا المقترح في المستقبل القريب، لأن القمامة هي التي يمكنها أن توفر مصدرا بديلا لتشغيل الآلاف من أصحاب عربات الحمير، والذين سيجدون أنفسهم في حالة بطالة، عندما يتم توفير مياه آفطوط الساحلي لأغلب سكان العاصمة.
سيدي الرئيس،
لقد حاولت قبل ذلك كله، أن يسمح لي التلفزيون بتقديم برنامج شبابي في التنمية البشرية. ورغم أن الوزير السابق تحمس كثيرا للفكرة بعد أن اطلع على تصور لبعض حلقات البرنامج المقترح. ورغم تحمس مستشار الوزير الحالي، ومدير السمعيات البصرية، ورغم تحمس مدير التلفزيون في بداية الأمر، ورغم تحمس مدير الإنتاج في التلفزيون، ورغم تحمس مستشاركم الإعلامي الذي أعجبته الفكرة بعد إطلاعه على التصور، والذي وعد في اتصال هاتفي بأن البرنامج سيتم إطلاقه قريبا. ورغم أني كنت على استعداد لتقديم البرنامج بشكل تطوعي لأن التلفزيون في حالة يرثى لها. رغم ذلك كله، فقد تم رفض البرنامج ـ في اللحظات الأخيرة ـ لأسباب لم يُفصح عنها. ولقد حاولت أن أتصل بالوزير الحالي لأستفسر منه عن أسباب وأد البرنامج قبل إطلاقه، إلا أني لم أتمكن من مقابلة الوزير، لأنه ومنذ تعيينه ـ عكس بقية الوزراء ـ لم يحدد يوما في الأسبوع للمقابلات.
لقد تم اقتراح البرنامج المذكور بعد إغلاق مركز " الخطوة الأولى" الذي كان يقدم دورات مجانية في مجالات متعددة.
ولقد حاولنا قبل الإغلاق المؤقت للمركز، أن يتم تسجيل بعض الدورات التي كنا نقدمها في المركز، لتقديمها لجمهور أوسع عن طريق التلفزيون، ولكننا أيضا فشلنا في تلك المحاولة التي تمت في العهد السابق.
ومن المثير للسخرية أن هذا المركز الذي توافد عليه بعض الأجانب، من جنسيات مختلفة، للإطلاع على بعض الدورات التي يقدمها، لم يحظ بأي زيارة لوسيلة إعلامية رسمية.
ولقد قدم المركز ولمدة عام ونصف، برامج ودورات رائدة لصالح بعض الفقراء، يمكن أن أذكر منها:
1ـ في محاربة الفقر، قدم المركز دورات مهنية، من أهمها دورتان في صناعة الحلويات، تدرب خلالها المستفيدون على صناعة الحلويات في أفران مصنعة محليا، وقادرة على إنتاج كميات تجارية من الحلويات، وبنفس جودة الحلويات المنتجة لدى أشهر مصنعي الحلويات في العاصمة. وميزة هذه الدورات أنها تدرب على آلات بسيطة، ومتوفرة في السوق بأسعار زهيدة، ويمكن للمتدرب أن يوفرها بعد التخرج. عكس ما يحدث في مؤسسات التكوين المهني الرسمية، والتي تدرب على آلات باهظة، لا يمكن للمتدرب أن يوفرها بعد التخرج.
2 ـ استطاع المركز ولأول مرة في تاريخ البلد، أن يخرج 30 مسعفا أوليا، هم الآن قادرون على أن يساعدوا المؤسسات الصحية، وقادرون على التدخل في حالة حدوث كوارث لا قدر الله.
3 ـ قدم المركز دورات تدريبية ميدانية في العمل التطوعي والخيري، استفاد منها ما يزيد على مائة طالبة، وذلك في إطار "مشروع سلة الطالبات".
4 ـ قدم المركز بعض الدورات في مجال تطوير الذات.
5 ـ قدم المركز دورة في اللغة الفرنسية استفاد منها 15 حامل شهادة في الاقتصاد، واستمرت لثلاثة أشهر.
6 ـ قدم المركز دروس تقوية استمرت لعام، واستفاد منها ما يناهز 200 طالبة.
ولعل ميزة المركز الأساسية، التي أعتز بها كثيرا، هي أنه أول مركز تنموي خيري، أسسه فقراء لا يملكون قوتهم اليومي.
سيدي الرئيس،
لقد تابعت في التلفزيون مداولات البرلمان المتعلقة بالمصادقة على مشروع اتفاقية قرض، مقدمة من البنك الإسلامي للتنمية، لتمويل مشروع " المعرفة القرائية والمهنية لمكافحة الفقر". ومتابعتي لتك المداولات هي التي فرضت عليَّ أن أعود قليلا إلى يوم 8 سبتمبر من العام 2004، حيث أكملت في ذلك اليوم، دراسة من 100 صفحة عنوانها: " الأمية في موريتانيا مشاكل وحلول".
وبعد اكتمال تلك الدراسة، وليت وجهي شطر مبنى التلفزيون، الذي كان لا يتحدث في تلك الفترة إلا عن الجهود " الجبارة" للقضاء على الأمية، وطلبت من القائمين على التلفزيون، أن يسمحوا لي بتقديم بعض الأفكار الواردة في الدراسة، ولكنهم رفضوا ذلك.
ومن بين المقترحات التي تم تقديمها في تلك الدراسة، مقترح يتعلق بالتعليم أثناء التدرب على حرفة. ورغم أن المقترح المقدم في الدراسة، لم يكن واضحا بالنسبة لي في تلك الفترة، إلا أنه بعد افتتاح مركز الخطوة الأولى، وبعد التطبيق الميداني لبعض جوانب المقترح، تمكنت من إعداد تصور أكثر وضوحا عن ذلك المقترح.
وهذا التصور يوجد منذ ما يزيد على سنتين لدى مدير محو الأمية، ولقد قدمته له، لأنه طلب مني ذلك، في إطار التفكير في عقد شراكة بين المركز وإدارته، وهي شراكة لم تتم. مثلها مثل شراكة اقترحها مدير الشؤون الاجتماعية، بمفوضية الحماية الاجتماعية سابقا، في إطار مشروع مكافحة التسول، وهي شراكة لم تتم كذلك. مثلها مثل شراكة عرضها مدير التكوين بوكالة تشغيل الشباب. ومثلها مثل شراكة عرضتها وزارة المرأة في تلك الفترة.
لقد كانت الأنشطة والبرامج التنموية للمركز مبهرة، ولقد بهرت تلك الأنشطة العديد من الموظفين الحكوميين الذين زاروا المركز، وهو ما جعل بعضهم يقترح شراكة بين إدارته والمركز.ولقد سعينا في المركز إلى تلك الشراكات، لأنها كانت ستوفر لنا موارد مالية لاستمرار الأنشطة التنموية الخيرية التي نقوم بها، ولأنها قد تمكننا ـ لاحقا ـ من فتح فروع أخرى للمركز. لم تتم تلك الشراكات، لأنها كانت مجرد اقتراحات عابرة، في لحظة حماس عابرة.
وحتى لا أبتعد كثيرا عن موضوع اتفاقية القرض، فإنه من الضروري أن أقول لكم في ختام هذه الرسالة، بأنه لا توجد ـ حتى الآن ـ لدى الحكومة الموريتانية، تصورات واضحة، تستثمر فيها تلك القروض، خاصة ما يتعلق منها بمحو الأمية والتدريب المهني. وغياب تلك التصورات، هو الذي جعلني أتحدث من جديد عن التصور الذي تم تقديمه سابقا لإدارة محو الأمية، والذي يمكن الاستفادة منه في هذا المجال الهام.
وإذا لم يتم إعداد برامج وتصورات واضحة، قبل استلام تلك التمويلات المعتبرة، فذلك يعني ـ يا سيادة الرئيس ـ أن الأجيال القادمة ستسدد ديونا بمليارات الأوقية، أُهْدِرت في مشروع "المعرفة القرائية والمهنية لمكافحة الفقر".
وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلد..وإلى الرسالة السابعة عشر إن شاء الله.

الأحد، 19 ديسمبر 2010

لماذا لا نعلنها انتفاضة شعبية؟

بسم الله الرحمن الرحيم
أعتذر في البداية للقراء الأعزاء عن عدم نشر الوثيقة الثانية من تسريبات " أنبيكت لحواش" في هذا الأسبوع . والسبب يعود ـ في الأساس ـ إلى أنه قد تم الترخيص لضحايا ضد الفساد بتنظيم وقفة شبابية لتكريم الموظف المثالي للعام 2010. وهي الوقفة التي كان قد تم رفضها من طرف والي نواكشوط السابق في العام الماضي.
ولقد تزامن الترخيص للوقفة مع موعد نشر المقال الأسبوعي. وهو ما استوجب تخصيص مقال هذا الأسبوع للحديث قليلا عن الوقفة، وعن فكرة تكريم الموظف المثالي، وعن الدور الذي يمكن أن يلعبه الشباب ـ بصفة عامة ـ في محاربة الفساد.
وقبل الحديث عن الوقفة، وعن التكريم، وعن دور الشباب في محاربة الفساد، قد يكون من الضروري أن أتحدث ـ وبشكل مختصرـ عن التغيير عبر القلم أي عن ثلاثة أنماط من الكتابة التي قد يمارسها المهتمون بالشأن العام.
النمط الأول: يتعلق بالكتابة التي تقتصر على النقد. وهذا النمط يمتاز بسهولته، و بشيوعه، وبكثرة الأقلام المتفرغة له. و رغم أهمية هذا النمط فإنه يظل أقل الأنماط الثلاثة أهمية.
النمط الثاني: ويتعلق بالكتابة التي تقدم مقترحات وأفكارا في أي مجال من المجالات. وهذا النمط من الكتابة بالغ الأهمية، رغم أنه لا أحد من القائمين على الشأن العام يولي أي أهمية للأفكار والمقترحات، خاصة إذا ما كانت ثورية وإبداعية.
النمط الثالث: ويتعلق بالكتابة "الميدانية" وهي الكتابة التي تحاول أن تنزل بالأفكار النظرية إلى أرض الواقع. وهذه هي أهم الأنماط الثلاثة، خاصة في بلد كبلدنا، يتحدث أهله كثيرا، ولا يعملون إلا قليلا.
ونظرا لحاجتنا الملحة في هذا البلد إلى النمط الثالث من الكتابة، فقد ارتأينا في "ضحايا ضد الفساد" أن نجسد ميدانيا ـ كلما كان ذلك ممكنا ـ بعض الأفكار والمقترحات النظرية التي كنا قد دعونا إليها سابقا لمناصرة الحرب المعلنة على الفساد.
ولعل دعوتنا لانتفاضة شعبية ضد الفساد، تستخدم فيها كل "الأسلحة" المتاحة، هي من أبرز و أهم تلك الأفكار والمقترحات. فنحن على يقين بأن الحرب الرسمية المعلنة ضد الفساد لن يكتب لها النجاح، إذا لم تصاحبها انتفاضة شعبية ضد الفساد، يقودها ضحايا الفساد في هذا البلد، والذين يمثلون تقريبا كل الشعب الموريتاني.
ولقد قلنا سابقا بأن ضحايا الفساد ـ خاصة المتعلمين منهم ـ يجب أن يكونوا في الصفوف الأمامية في هذه الحرب، والتي هي حربهم، قبل أن تكون حرب أي جهة أخرى.
كما أننا قلنا سابقا بأنه على ضحايا الفساد أن لا يهادنوا الفساد، إذا ما أعلنت الجهات الرسمية هدنة رسمية معه. وأن عليهم أن لا يفقدوا حماسهم، إذا ما فقدت السلطة حماسها. وأن عليهم أن لا يستبدلوا عدوهم (الفساد)، بأي عدو آخر مهما كانت وحشيته و شراسته، إذا ما استبدلت السلطة حربها مع الفساد بحرب أخرى، وإذا ما استبدلت عدوها بعدو آخر، وهي كثيرا ما تفعل ذلك.
ومن المثير للاستغراب أن ضحايا الفساد لا زالوا يرفضون أن ينتفضوا ضد الفساد. بل أن الكثير منهم يعمل ـ بوعي أو بغير وعي ـ على تفشي الفساد.
فمن الغريب في هذا البلد الغريب، أن تجد شابا جامعيا ينتقد برلمانيا أو سياسيا أو موظفا إداريا لأنه لم يخض نيابة عنه "حربا بالوكالة" ضد الفساد، في الوقت الذي لم يفعل فيه ذلك الشاب الجامعي شيئا مذكورا لمحاربة الفساد.
ومن الغريب أن نطلب من سياسي، أو موظف سامي، يعيش حياة رغدة، أن يحارب الفساد، في الوقت الذي يرفض فيه ضحايا الفساد أنفسهم، وهم الذين يعيشون حياة صعبة، أن ينتفضوا ضد الفساد.
ومن الحماقة أن نتحدث عن الفساد وعن المفسدين ورموزهم، في الوقت الذي نمارس نحن فيه " فسادا صغيرا". ولا يحول بيننا وبين أن نمارس فسادا كبيرا، إلا أن نجد لذلك سبيلا.
فكم من مرة صفقنا لمفسد؟ وكم من مرة لهثنا خلف سياسي بائس، لا نكلمه ولا يكلمنا، إلا في المواسم الانتخابية، مقابل فتات من المال الحرام الذي كدسه؟ وكم من مرة سرنا كالقطيع خلف وجيه من القبيلة، قد يكون أميا لا "يفك الحرف"؟ وكم من مرة حملنا إلى ذلك الأمي أسفارا من الشهادات لكي يبحث لنا عن وظيفة؟ وكم من مرة قبلنا بسذاجة أن نكون ضحية خرساء لمفسد؟ وكم من مرة قبلنا أن يتسلق على أجسادنا المنهكة المفسدون والتائهون والفاشلون؟
إننا مفسدون، إذا لم نصفع على الخد الأيمن أو الأيسر ذلك السياسي البائس الذي يغيب عنا خمس سنوات، ثم يهبط علينا فجأة في المواسم الانتخابية، ويعاملنا كالقطيع، فينثر لنا ذات اليمين وذات الشمال قليلا من أموالنا التي سرقها.
ونحن مفسدون عندما نتنازل عن حقوقنا، ومفسدون عندما نقبل ـ بلا مقاومة ـ أن نكون ضحية، ومفسدون عندما نرضى في كثير من الأحيان أن نموت جوعا، أو عطشا، أو مرضا، دون أن نُسمع ـ قبل الموت ـ صراخنا لمن يهمه الأمر.
في أحيان كثيرة، وعندما أشاهد شابا حالما، متفائلا وواثقا من المستقبل، وهو يتابع دراسته الثانوية أو الجامعية، أفكر في أن أقول له: دعك من الدراسة ولا تضيع عمرك، فأنت لن تتعلم شيئا مفيدا. كما أن الشهادة التي ستحصل عليها لن تفيدك في سوق العمل، وسينتهي بك المطاف إلى أن تُزاحم شبابا كثرا في " نقطة ساخنة"، أو في غيرها، وربما يتصدق عليك هناك زميلك ـ الذي تسرب من الدراسة في وقت مبكر، أو الذي لم يتعلم أصلا ـ بأن يمنحك فرصة عمل تابعة له.
هذا هو مصيرك أيها الشاب الحالم، إن لم تنتفض الآن ضد الفساد.
وعندما أشاهد شابا ذكيا متحمسا نشطا، يلتفت ذات اليمين وذات الشمال، بحثا عن حاضن يحتضنه، ويستثمر طاقته، فلا يجد حزبا يهتم بالشباب، ولا يجد منظمات، ولا مكتبات، ولا ملاعب، ولا نوادي، ولا فرقا رياضية. عندما أشاهد ذلك الشاب أفكر في أن أقول له: اصبر قليلا، فستكتشفك القاعدة وتجعل منك أميرا. أو تكتشفك عصابة إجرامية، فتستثمر ذكاءك وحماسك ونشاطك في الإجرام. هذا هو مصيرك أيها الشاب الذكي، إن لم تنتفض الآن ضد الفساد.
وعندما أقابل شابا طموحا، يرسم أحلاما كبيرة، أفكر في أن أقول له : ستتكسر أحلامك الكبيرة على صخرة الواقع. وسيأتي اليوم الذي يتملكك فيه إحباط رهيب، فتهرب بعيدا عن بلدك، في رحلة بحث بلا نهاية، عن أحلامك الكبيرة التي لن تتحقق. وستركب ـ أيها الشاب الطموح ـ زوارق الموت، هربا من الموت، إلى الموت.
هذا هو مصيرك أيها الشاب الطموح، إن لم تنتفض الآن ضد الفساد.
هذا هو مصيركم ـ "يا شباب البلاد" ـ إن لم تقودوا الآن انتفاضة شعبية واسعة ضد الفساد. هذا هو مصيركم، ولن يشفع لكم أن تعتذروا غدا بأنكم لم تكونوا تملكون الأسلحة والوسائل اللازمة، لمحاربة الفساد.واعلموا أن نصف نصيب كل شاب من الثروة الوطنية الهائلة التي يزخر بها البلد، يكفي لأن يوفر له تعليما جيدا، ومكتبة في كل حي، وملاعب، ومسارح، ونوادي، وعملا كريما بعد التخرج، أو بعد البلوغ حتى.
فإذا كان نصف نصيب كل واحد منكم من ثروة البلاد يكفي ـ لولا الفساد ـ لأن يوفر له حياة كريمة، فلم لا تنتفضون الآن ضد الفساد؟ ذلك سؤال عليكم أن تجيبوا عليه فورا.
واعلموا ـ أيها الشباب ـ بأن هناك فرقا كبيرا بين الحرب على الفساد، والانتفاضة ضد الفساد. فالحرب على الفساد ـ كأي حرب ـ لا بد لها من أسلحة، أما الانتفاضة ضد الفساد ـ فإنها كأي انتفاضة ـ لا تشترط توفر أسلحة، وإنما تتطلب فقط استخدام كل شيء متاح، وتحويله إلى سلاح، حتى وإن كان لم يستخدم من قبل ذلك كسلاح.
والانتفاضة تحتاج ـ في الأساس ـ إلى شباب يمتلك إرادة قوية، ونفسا طويلا، وقادرا على التفكير بطرق إبداعية لخلق "أسلحة ذكية" وفعالة، تمكنه من توجيه ضربات موجعة للفساد والمفسدين.
ومن بين تلك الأسلحة الذكية ابتداع أوسمة شعبية لتكريم الموظفين الأكفاء، والذين قد يحالون إلى التقاعد دون أن يوشحوا أو يكرموا. فمن المؤسف حقا أن يقضي موظف عقودا من عمره، وهو يعمل بجد وإخلاص، وباستقامة يندر أن تتكرر، ومع ذلك يُحْرَمُ ذلك الموظف من أبسط أشكال التقدير، أو التكريم، سواء كان ذلك التكريم حكوميا أو شعبيا.
لقد حُرم الكثير من الموظفين الذين يستحقون التكريم، ومن بين الذين حُرموا الشرطي "الشيخ صار" الذي سيحال إلى التقاعد بعد أسبوعين، دون أن يتم توشيحه أو تكريمه.
لقد قررنا في " ضحايا ضد الفساد" أن نكرم ذلك الشرطي المتميز في العام 2009، إلا أن والي نواكشوط آنذاك رفض الترخيص لذلك التكريم. ثم كررنا المحاولة في هذا العام، ولقد تم الترخيص لنا، وإن كان قد تأخر قليلا عن اليوم العالمي لمحاربة الفساد.
و نظرا لتواضع إمكانياتنا فقد جاء التكريم متواضعا، وهو تكريم لا نعتبره إلا مجرد لفتة بسيطة، تهدف إلى لفت الأنظار إلى موظف متميز سيحال إلى التقاعد دون أي تقدير رسمي أو شعبي، رغم ما قدم لهذا البلد الذي لا يقدر إلا المقصرين في حقه. لقد فتحنا ـ بمناسبة هذا التكريم الشعبي ـ سجلا شعبيا يمكن للجميع أن يسجل اسمه فيه، وسيقدم هذا السجل في وقت لاحق إلى رئيس الجمهورية لمطالبته بتوشيح هذا الشرطي المتميز.
وقبل أن أختم هذا المقال، فإنه من الضروري أن أذكر القراء بالأسباب التي تم على أساسها اختيار الشيخ صار موظفا مثاليا للعام 2010.
1ـ اتفاق جميع السائقين على استقامة ذلك الشرطي، ورفضه المتكرر و المتواصل والمبدئي لأخذ أي رشوة من أي سائق.
2ـ تفانيه وجديته في عمله والتي لا تحتاج لأي شهادة من أي أحد، فهي تظهر وبوضوح لكل من يتأمل ذلك الشرطي الذي يعشق عمله، والذي لا يتراجع مستوى حماسه خلال فترة تنظيمه لحركة المرور، والتي قد تمتد لساعات، في واحد من أكثر ملتقيات طرق العاصمة زحمة.
3ـ نجاحه في فرض النظام في بلد تعمه الفوضى ـ على الأقل ـ في ملتقى الطرق الذي يعمل به، مما جعل من ذلك المكان مكانا فريدا من نوعه في العاصمة، بل وفي البلاد كلها، حيث أصبح النظام و احترام قانون السير هو السلوك الذي يحرص عليه كل سائق عندما يقترب من ملتقى الطرق ذلك .
4 ـ الحس الوطني العالي لذلك الشرطي والذي يظهر جليا من خلال حواراته مع مخالفي قانون السير، فهو ينصحهم بأسلوب مهذب ومقنع، لا ينقص من صرامته في التعامل مع الأخطاء، وهو ما يؤدي في المحصلة إلى تغيير سلوك أولئك المخطئين .
5 ـ إيجابية "الشيخ صار" فهو لم ينتظر كغيره أن يَصْلُحَ كل الموظفين في قطاعه لكي يكون موظفا صالحا ومستقيما، وإنما قرر أن يكون موظفا مستقيما رغم الفساد الكبير الذي يحدث عن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، ورغم الكلفة المعنوية والمادية والاجتماعية الباهظة التي يدفعها كل موظف صالح، في بلد باض فيه الفساد وعشش وفرخ وأنجب.
6 ـ الدور التدريبي الرائد الذي يقوم به ذلك الشرطي، فهو يدرب النخبة (سائقي السيارات) في كل صباح على النظام عند مرورهم به، في طريقهم إلى أماكن عملهم، كما أنه يدربهم على النظام في كل مساء، على النظام، وهم عائدون إلى منازلهم.
تصبحون وأنتم في انتفاضة شعبية ضد الفساد..

إشعار بتنطيم وقفة شبابية لتكريم الموظف المثالي للعام 2010

سينظم شباب " ضحايا ضد الفساد" بالتعاون مع بعض المنظمات الشبابية الأخرى، وقفة تكريمية لرقيب شرطة أول " الشيخ صار"، الذي سيحال إلى التقاعد في أقل من أسبوعين، بعد عقود من العطاء، وبعد سيرة وظيفية مثالية لم يُكَرَّمّ خلالها، أو يُشَجَّع، أو يُمْنح وساما أو مكافأة ، و دون أن يُنَظَّم له حفل شعبي ولو لدقائق معدودة.
وستنظم هذه الوقفة، في ملتقى الطرق الواقع بين نادي الضباط ووزارة البيئة، ابتداءً من الساعة 9 صباحا، وحتى الساعة العاشرة من يوم الأحد 19 ـ 12 ـ 2010.
ولقد تم اختيار الشيخ صار موظفا مثاليا للعام 2010 لاعتبارات عديدة من بينها:.
1ـ اتفاق جميع السائقين على استقامة ذلك الشرطي، ورفضه المتكرر و المتواصل والمبدئي لأخذ أي رشوة من أي سائق.
2ـ تفانيه وجديته في عمله والتي لا تحتاج لأي شهادة من أي أحد، فهي تظهر وبوضوح لكل من يتأمل ذلك الشرطي الذي يعشق عمله، والذي لا يتراجع مستوى حماسه خلال فترة تنظيمه لحركة المرور، والتي قد تمتد لساعات، في واحد من أكثر ملتقيات طرق العاصمة زحمة.
3ـ نجاحه في فرض النظام ـ على الأقل ـ في ملتقى الطرق الذي يعمل به مما جعل من ذلك المكان مكانا فريدا من نوعه في العاصمة، بل وفي البلاد كلها، حيث أصبح النظام و احترام قانون السير هو السلوك الذي يحرص عليه كل سائق عندما يقترب من ملتقى الطرق ذلك .
4 ـ الحس الوطني العالي لذلك الشرطي والذي يظهر جليا من خلال حواراته مع مخالفي قانون السير، فهو ينصحهم بأسلوب مهذب ومقنع، لا ينقص من صرامته في التعامل مع الأخطاء، وهو ما يؤدي في المحصلة إلى تغيير سلوك أولئك المخطئين .
5 ـ إيجابية "الشيخ صار" فهو لم ينتظر كغيره أن يَصْلُحَ كل الموظفين في قطاعه لكي يكون موظفا صالحا ومستقيما، وإنما قرر أن يكون موظفا مستقيما رغم الفساد الكبير الذي يحدث عن يمينه وعن شماله، ومن فوقه ومن تحته، ورغم الكلفة المعنوية والمادية والاجتماعية الباهظة التي يدفعها كل موظف صالح، في بلد باض فيه الفساد وعشش وفرخ وأنجب.
6 ـ الدور التدريبي الرائد الذي يقوم به ذلك الشرطي، فهو يدرب النخبة (سائقي السيارات) في كل صباح على النظام عند مرورهم به، في طريقهم إلى أماكن عملهم، كما أنه يدربهم على النظام في كل مساء، على النظام، وهم عائدون إلى منازلهم.
ولقد كان من المفترض أن يتم تنظيم هذه الوقفة في العام الماضي، إلا أن الوالي آنذاك رفض الترخيص لنا، وهو ما جعلنا نعيد اختيار الشرطي الشيخ صار كموظف مثالي لهذا العام، والذي كان من المقرر أن يُختار له موظفا آخر في إطار الأوسمة الشعبية التي قررنا أن نمنحها في كل عام لموظف مثالي يتم حرمانه من أي تكريم أو توشيح رسمي أو شعبي,
وسيتم خلال هذه الوقفة منح شهادة تقديرية للشرطي المكرم، كما أنه سيتم فتح سجل شعبي يمكن للجميع أن يسجل اسمه فيه، وسيقدم هذا السجل في وقت لاحق إلى رئيس الجمهورية لمطالبته بتوشيح هذا الشرطي المتميز.
وسيرفع في هذه الوقفة شعار : " أنا مسلم .. أنا لا أرشي ولا أرتشي" وذلك للتذكير بأن المسلم الحقيقي لا يتعاطى الرشوة ، ولا يتعبد بسرقة أموال الفقراء، والأيتام،والمستضعفين. ولقد تم اختيار ذلك الشعار لمواجهة بعض المفاهيم الخاطئة، التي ظهرت في السنوات الأخيرة، والتي أفرزت بعض " العباد " الجدد، الذين يصلون في المساجد، ويحجون، ويصومون، ومع ذلك فهم لا يتورعون عن سرقة المال العام المخصص للأيتام وللمعوقين وللفقراء بصفة عامة .

الأحد، 12 ديسمبر 2010

تسريبات أنبيكت لحواش ...وثيقة رقم (1)



لا وثائق في المقاطعة الجديدة يمكن تسريبها. لا وثائق، لا مباني، لا شهادة باكالوريا، لا أنشطة للإتحاد من أجل الجمهورية، لا قطع نقدية من فئة خمسين أوقية، لا لحوم بيضاء، لا احتفالات مخلدة لليوم العالمي لمحاربة الفساد.
لا شيء يمكن تسريبه من هناك، حتى ولو تم ترحيل جوليان آسانج ـ إمعانا في عقابه ـ إلى المقاطعة الجديدة، وتم فرض الإقامة الجبرية عليه هناك، بعد أن يتم منحه قطعة أرضية بين المنزل الافتراضي للحاكم، والمنزل الافتراضي للعمدة، وذلك في إطار مساعدة عاجلة تقدمها المقاطعة الموريتانية الجديدة لحكومة أستراليا المتضررة.
لا شيء إطلاقا، ولكن ما الذي كان سيحدث فعلا لو تم ترحيل جوليان آسانج إلى مقاطعة أظهر؟ وهل كان سيتحول إلى كائن أليف، وديع، مطيع، لو تم تعيينه صحفيا رسميا في التلفزيون؟ وهل كان سيسرب تقارير لو تم تعيينه مراسلا دائما للوكالة الموريتانية للأنباء في أنبيكت لحواش؟ وهل كان سينهار عصبيا لو تم إجباره للخضوع لدورة تدريبه في الصحافة الالكترونية لشهر كامل، في محطة الإذاعة الجهوية بمدينة النعمة؟
وهل كان سَيُعِد ـ بعد الانهيار العصبي ـ تقارير عن التطور العمراني المذهل الذي عرفته أنبيكت لحواش في صبيحة السادس من أغسطس أي منذ عامين من قبل تأسيسها؟ وهل كان سيحدث العالم عن "نبض التنمية" في المقاطعة الجديدة؟ وهل كان سيتحدث عن نبض الثقافة فيها؟ وهل كان سيطالب بأن تكون مقاطعة أظهر عاصمة للثقافة الإسلامية بعد أن عجزت العاصمة عن تمثيل ذلك الدور؟ وهل كان سَيَدَّعي بأن موريتانيا قادرة على أن تفوز بكل الكؤوس القارية والعالمية لو شكلت فريقا من شباب المقاطعة الجديدة؟ وهل كان سَيُعِد برامج عالمية عن "موريتانيا الأشباح" تقدم للعالم أشباح مقاطعة الأشباح؟ وهل كان سيستضيف نخب أشباح المقاطعة في "منتدى" للأشباح؟ وهل كان سيسرب وثائق تؤكد للعالم بأن الحكومة الموريتانية اضطرت لتأسيس مقاطعات جديدة لكي تستثمر الأموال الفائضة لديها، وذلك بعد أن وفرت مستشفيات، ومدارس، وشوارع عريضة، وملاعب، ومسارح، ومكتبات في كل مقاطعات البلاد القديمة؟ وهل كان سيسرب للعالم أن رئيس الفقراء لم يعد في بلده فقير جائع مما اضطره على الإنفاق ـ ببذخ ـ على الشجر؟ وهل كان سيتمكن من إقناع العالم بأن مقاطعة أظهر مقاطعة مباركة، تم تأسيسها في العهد المبارك، وهي تتميز ببركتها عن كل المقاطعات في العالم؟ وهل كان سيكشف للعالم بأننا ببركة مقاطعة أظهر أصبحنا في غنى عن مساعدات وهبات كل دول العالم؟ وأننا أصبحنا نشق الطرق، ونشيد المدارس والمستشفيات، وننشئ شركات النقل البري والجوي، ونغرس الشجر على حساب ميزانية مقاطعة أظهر، ودون الحاجة لأي مساعدات خارجية؟
فبالتأكيد سيكون مثيرا ترحيل مؤسس موقع ويكيليكس الالكتروني، إلى موقع أنبيكت لحواش الافتراضي، ليقدم للعالم تسريبات جديدة، من أحدث مقاطعة جديدة، في موريتانيا الجديدة.
وعلى ذكر موريتانيا الجديدة، فهل تتذكر ـ عزيزي القارئ ـ آخر مرة سمعت فيها كلمة موريتانيا الجديدة في التلفزيون، أو على لسان واحد من الثمانمائة ألف "مناضل" في الاتحاد من أجل الجمهورية؟ وبِمَ تفسر هذا التراجع الخطير في استخدام كلمة موريتانيا الجديدة لدى الأغلبية وملحقاتها، وملحقات ملحقاتها؟ هل السبب في اعتقادك يعود إلى أن مستخدمي هذه الكلمة اكتشفوا أن مصطلح موريتانيا الجديدة لا يختلف ـ لغة ولا اصطلاحا ـ عن مصطلح موريتانيا القديمة؟ أم أن السبب يعود ـ حسب وجهة نظرك ـ إلى أن لكل مصطلح عمر افتراضي لا يمكن أن يتجاوزه؟ فالعمر الافتراضي لمصطلح موريتانيا الجديدة انتهى مع استقبالات الرئيس في مدينة النعمة، كما انتهى قبل ذلك العمر الافتراضي لمصطلح الأزمة الأخلاقية، وكما انتهى الأسبوع الماضي العمر الافتراضي لمصطلح الحرب على الفساد بالتحاق حزب عادل بالأغلبية، تخليدا لليوم العالمي لمحاربة الفساد؟
للحصول على إجابات على هذه الأسئلة، وعلى غيرها من الأسئلة التي قد تخطر ببالك، أو تلك التي قد لا تخطر ببالك، أنصحك بأن لا تقرأ هذه المراسلات الخطيرة، التي جرت بين جهة محلية وأخرى أجنبية، وهي مراسلات لم ـ ولن ـ يتم تسريبها من موقع ويكيليكس، حتى وإن تم ترحيل مؤسسه إلى أنبيكت لحواش، التي لن يجد فيها ـ بالتأكيد ـ أي وثيقة يسربها.

الوثيقة (1):
كتب فقير موريتاني يعيش تحت خط الفقر، طبقا للمقاييس الدولية والمحلية، رسالة افتراضية، إلى فقير افتراضي في فنزويلا، يحدثه فيها عن أحوال الفقراء في موريتانيا، بعد مرور ستة عشر شهرا على تنصيب أول رئيس للفقراء في موريتانيا الجديدة القديمة. يمكن هنا لسكان مدينة الطينطان و لمناضلي التكتل، بصفة خاصة، أن يقارنوا في ستة عشر حرفا، أو ستة عشر كلمة، أو ستة عشر صفحة، أو ستة عشر مجلدا، بين ستة عشر شهرا من حكم الرئيس المؤتمن، وستة عشر شهرا من حكم رئيس الفقراء. ويمكن تسليم الإجابات لنائب مقاطعة أظهر، أو لشيخها، أو لممثل جائزة شنقيط فيها، أو لدار الكتاب في انبيكت لحواش، أو لمقدم برنامج الرؤساء في الميزان.
نص الرسالة:
صديقي الفنزولي..
بعد التحية،
يؤسفني أن أقول لك في هذه الرسالة بأن أحوال أصدقائك الفقراء، في بلدك الثاني (موريتانيا) ليست بخير. ويؤسفني أن أقول لك ـ كذلك ـ بأن رئيس الفقراء في موريتانيا لا يتعامل مع الفقراء، كما يتعامل معهم رئيس الفقراء في فنزويلا.
فأنت قد لا تصدق بأني أنا الفقير الذي أعيش تحت خط الفقر، قد فشلت ـ كما فشل غيري من الفقراء ـ في أن ألتقي برئيس الفقراء ولو لمرة واحدة. وأنت ربما لا تصدق بأن رئيس الفقراء في موريتانيا لا يزال يرفض ـ عكس رئيسكم ـ أن يفتح أي قناة للاتصال بالفقراء الذين انتخبوه ذات يوم عصيب من أيام يوليو.
لقد عرفت بلادنا سيولا و أمطارا، كما عرفت بلادكم في الآونة الأخيرة سيولا وأمطارا. ولكن الفرق بين رئيسنا ورئيسكم، وكلاهما يلقب برئيس الفقراء، هو أن رئيسكم فتح قصره لبعض أسر الفقراء الذين هدمت الفيضانات مساكنهم، وقام بإيوائهم في القصر، في لفتة إنسانية رائعة، و أعطى أوامر صارمة لعمال القصر بأن يحسنوا معاملتهم وضيافتهم. ولا أخفيك ـ يا صديقي الفنزولي ـ بأني تمنيت وأنا أتابع صور أولئك الفقراء، وهم يتمددون على أسرة القصر، لا أخفيك بأني تمنيت لحظتها ـ ورغم حبي لوطني ـ أن أكون فقيرا فنزوليا، لا فقيرا موريتانيا.
أما رئيس الفقراء في بلدنا فإنه بخل على المشردين في المدن والقرى المنكوبة، بمجرد زيارة تفقدية يواسيهم فيها. بل أنه اشتغل عن معاناتهم بإطلاق مواكب لغرس الشجر، طبل لها كثيرا الإعلام الرسمي، والذي فاته أن مليون شجرة التي قرر الرئيس أن يغرسها خلال السنوات الخمس القادمة، قد تمكنت منظمة لبنانية غير حكومية، تابعة لحزب الله، أن تغرسها فعلا في أقل من عشرة أشهر. وقد كانت الشجرة المليون، هي الشجرة التي غرسها سيد المقاومة حسن نصر الله، أمام منزله في حارة احريك، بالضاحية الجنوبية.
صديقي العزيز، إن أحوالنا في موريتانيا ليست بخير، خاصة مع التزايد المذهل في أسعار المواد الأساسية، والتي وصل بعضها إلى مستويات مخيفة، لم يصل إليها من قبل. و أرجو ـ بالمناسبة ـ أن تفكر معي في طريقة ما، يمكن من خلالها أن ترسل لي يوميا ما أستهلكه من مواد غذائية ـ وهو قليل ـ من بلدك، مع العلم أني سأرسل لك أثمان تلك المواد بسعرها الفنزولي، مع هامش ربح معتبر خاص بك.
والمؤلم حقا ـ يا صديقي ـ أن كثيرا من السلع في بلادنا يرتفع سعرها بمستويات لا تتناسب مع ارتفاع سعرها العالمي. بل أن بعضها ارتفع سعره دون أن يكون هناك أي ارتفاع عالمي. فأسعار النقل بين المدن قد ارتفعت بشكل مذهل تزامنا مع تخطيط العشوائيات. وأسعار اللحوم البيضاء قد ارتفعت هي الأخرى، نتيجة لظهور حمي الوادي المتصدع. والفارق هنا بين رئيسنا ورئيسكم، هو أن تجار بلدكم لا يستطيعون أن يفكروا إطلاقا في استغلال الفقراء في بلدكم . أما رئيسنا فإنه ظل يتفرج على استغلال الفقراء الذين انتخبوه، بتفرجه على تلك الارتفاعات في الأسعار دون أن يتدخل.

صديقي العزيز، يقال إن رئيس الفقراء في بلدكم يوفر في بعض الأحيان رواتب على الأمومة، أي أن الأم التي تتفرغ لتربية أبنائها يتم توفير راتب لها. أما في بلدنا ـ يا صديقي العزيز ـ فإنه لا يعوض للأمهات المتفرغات لتربية أبنائهن، بل أنه لا يوجد أي اهتمام بتشغيل وتوظيف العاطلين عن العمل، خاصة أصحاب الشهادات الجامعية، وبالأخص من تم تكوينه منهم باللغة الدستورية للبلد.
لقد تراجع كثيرا الاهتمام بحملة الشهادات العاطلين عن العمل في عهد رئيس الفقراء، والذي لا يزال يتجاهل همومهم ومعاناتهم. ولقد أصبح بعض هؤلاء العاطلين عن العمل يصرخ "واطائعاه" ، ويحن إلى عهد معاوية، والذي ظل، رغم ما عُرف في عهده من ظلم وفساد، يفتح فرصا تمنح لبعض حملة الشهادات العاطلين عن العمل تعويضات، على شكل راتب متواضع، تبقيهم على قيد الحياة، في انتظار فرصة قد لا تأتي.
صديقي العزيز، أرجو في الأخير ـ إذا لم تتمكن من أن ترسل لي استهلاكي اليومي من بلدك ـ أن تبحث لي عن أي عمل في بلدكم، حتى ولو تعلق الأمر بغسل الصحون، أو بتسلية الحيوانات، هذا مع العلم بأني أملك شهادات جامعية متعددة.
أرجو أن تهتم بالأمر، فأوضاعنا في موريتانيا لم تعد تطاق..
بلغ سلامي لتشفايز..
صديقك الفقير من موريتانيا.
وإلى الأحد القادم إن شاء الله، في مراسلة جديدة، تكشفها وثيقة جديدة، تتحدث عن الشباب، والإرهاب ، وأشياء أخرى في أنبيكت لحواش.
تصبحون على رئيس للأغنياء..

الأحد، 5 ديسمبر 2010

ومن المعارضة ما قتل!




"إن النجاح هو القدرة على الانتقال من فشل إلى فشل دون فقدان الحماس."
ونستون تشرشل
مرة أخرى أجدني مضطرا للكتابة عن المعارضة الموريتانية التي بدأت منذ مدة تفقد الحماس نتيجة لإخفاقاتها ومصائبها المتوالية، والتي لن يكون آخرها انسحاب "عادل" ولا تسريبات "ويكيليكس" . وهذه المعارضة تمر اليوم بلحظات عصيبة تهدد تماسكها و بقاءها كقوة سياسية مؤثرة وفاعلة. ولقد كان من بين المقالات التي خصصتها بشكل كامل للحديث عن المعارضة مقالا على شكل رسالة مفتوحة وجهتها لأربعة من مرشحي المعارضة في الانتخابات الرئاسية الماضية. وهي رسالة كتبتها ونشرتها على عجل في صبيحة يوم "الصدمة"، وذلك بعد أن تم إعلان بعض النتائج الأولية التي كانت تؤكد بأن مرشح " التغيير البناء" سيحسم النتائج لصالحه في الشوط الأول.
طلبت في تلك الرسالة العاجلة من مرشحي المعارضة أن يكونوا ديمقراطيين، وأن يعترفوا بنتائج الانتخابات، إذا لم تكن لديهم أدلة صريحة ومقنعة بحدوث عمليات تزوير واسعة. لم يعترف قادة المعارضة بنتائج الانتخابات، ولم يقدموا أدلة مقنعة للشعب الموريتاني تؤكد حدوث عمليات تزوير واسعة، وهو ما جعلهم يلجؤون لتفسيرات كيميائية مثيرة للسخرية ( الباء الرحال)، والذي كتبت عنه مقالا انتقدت فيه موقف المعارضة بحدة.
ثم انتظرت بعد ذلك مدة اعتقدت بأنها كانت كافية لاستفاقة مرشحي المعارضة من هول الصدمة، وكتبت مقالا آخر تحت عنوان "الطريق إلى الانتحار". ولقد دعوت المعارضة في ذلك المقال إلى أن تجمع "نصف القرار الصائب " الذي اتخذه حزب "تواصل"، مع النصف الثاني الصائب من القرار الذي اتخذته بقية أحزاب المعارضة، وذلك من أجل الخروج بقرار صائب موحد، ينقذ المعارضة من التشرذم الذي وقعت فيه، ويمنحها موقفا راشدا وناضجا يمكنها أن تدافع عنه.
فحزب "تواصل" قد أصاب عندما اعترف بنتائج الانتخابات، ولكنه أخطأ كثيرا عندما تقرب بعد ذلك من الأغلبية، و تحالف معها في بعض الدوائر الانتخابية أثناء تجديد ثلث مجلس الشيوخ، في الوقت الذي تحالف في دوائر أخرى مع مرشحي المعارضة. لقد كان حزب " تواصل" ـ وكما قلت في "الطريق إلى الانتحار" ـ هو أول حزب موريتاني في تاريخ البلد يتحالف في دائرة انتخابية مع الأغلبية، ويتحالف في دائرة أخرى مع المعارضة. ولقد أعطت تلك التحالفات المتناقضة حجة لخصوم "تواصل"، لأنها عكست انتهازية سياسية تتناقض وبشكل فاضح مع البعد الأخلاقي الذي يحاول " التواصليون " ـ حسب ما يقولون ـ إضفاءه على العمل السياسي في هذا البلد الذي يعيش أزمة أخلاقية حادة وعميقة، وبالأخص في مجال العمل السياسي. ويضاف إلى ذلك أن "تواصل" كان الحزب الوحيد الذي خرج قبل ذلك عن إجماع "الجبهة" وتقدم بمرشح خاص به في الانتخابات الرئاسية، في خطوة لم يكن لها هي الأخرى أي بعد أخلاقي يمكن التبشير به.
لقد كان الموقف السليم ـ في اعتقادي وفي اعتقاد الكثيرين ـ هو أن تعترف أحزاب المعارضة بالنتائج، كما اعترف بها " تواصل" بشكل ديمقراطي وحضاري، في الوقت الذي تستمر فيه تلك الأحزاب في المعارضة الدستورية التي تحتاجها تجربتنا الديمقراطية الناشئة، تلك التجربة التي تمر بظرفية صعبة منذ انقلاب السادس من أغسطس.
كان موقف أحزاب المعارضة الرافض للاعتراف بالنتائج موقفا غريبا. فهم من جهة لا يملكون أدلة مقنعة على التزوير، ومن جهة أخرى لا يملكون وسائل ضغط داخلية أو خارجية لفرض فتح تحقيق في تلك الانتخابات. وذلك الموقف الغريب لمنسقية المعارضة هو الذي دفع بها إلى موقف آخر أكثر غرابة، حيث أعلن قادة المنسقية يوم السبت 17 أبريل 2009 بأنهم سيرحبون بأي انقلاب عسكري ضد الرئيس الحالي.
لقد كانت تلك الدعوة دعوة دخيلة على الديمقراطية، وصادمة بحق، صدمت أنصار المعارضة قبل أن تصدم الأغلبية، وهي دعوة فرضت عليَّ يومها أن أرفع أول بطاقة حمراء في وجه زعماء المعارضة الذين أطلقوا تلك الدعوة العبثية، والمثيرة للاستغراب. لم أتحدث في تلك البطاقة عن رئيس اتحاد قوي التقدم بشكل مباشر، والذي كان قد دعا قبل ذلك، وبشكل أكثر جدية، إلى انقلاب حسب تسريبات "ويكيليكس".
توالت بعد ذلك مواقف المعارضة المتناقضة، والتي يرجع تناقضها ـ بالأساس ـ إلى الموقف الخاطئ الذي اتخذته من الانتخابات الرئاسية. فهي ظلت ترفض الاعتراف برئيس الجمهورية كرئيس منتخب، في الوقت الذي تريد فيه من هذا الرئيس الذي لا تعترف به، أن يعترف بها ويحاورها، وأن يتعامل معها بوصفها معارضة دستورية. وهي ـ أي المعارضة ـ ظلت تؤمن ببعض اتفاق "دكار" وتكفر يبعضه. فهي لا تريد أن تعترف بنتائج الانتخابات كما يدعو لذلك اتفاق "دكار"، في الوقت الذي تلح فيه وتطالب الأغلبية بإطلاق الحوار وفق الاتفاق الذي تكفر المعارضة نفسها ببعضه!
لذلك لم تحقق المعارضة أي انجاز يذكر منذ انتخابات يوليو، لأنها لم تكن لها رؤية واضحة ولا تصور واضح لما تريد القيام به. وقد جاءت مواقفها وقراراتها متنافرة ومتعارضة ومتناقضة في كثير من الأحيان، مما أفقدها في المحصلة النهائية أي فعالية أو تأثير، هذا إذا ما استثنينا الأداء الفردي المتميز لبعض نوابها.
ولو أن المعارضة لم تفقد الحماس واعترفت بخسارتها في الانتخابات الماضية، وحاولت بعد ذلك ـ وبشكل جاد ـ أن تبحث عن أسباب الفشل، وأن تبحث لها عن حلول لكان بإمكانها أن تحقق إنجازات كثيرة في العام الذي لم تحقق فيه أي إنجاز يذكر.
فلنفترض جدلا أن المعارضة اعترفت بالنتائج لحظة إعلانها، وأنها بكل حماس نظمت أياما تفكيرية ـ ليست على طريقة تفكير الإدارة، ولا على طريقة تفكير الأغلبية ـ لمعرفة الأسباب التي أدت لخسارتها في الانتخابات. ولنفترض أنها بعد ذلك وضعت حلولا واقتراحات لتفادي الخسارة في الانتخابات القادمة.
في اعتقادي أن هناك أسبابا عديدة أدت إلى خسارة المعارضة، ومن بين هذه الأسباب ما كان بإمكان المعارضة أن تواجهه في الوقت الضائع الذي تعيشه منذ الانتخابات الرئاسية الماضية، وذلك من أجل أن تحد من تأثيرها في الانتخابات القادمة.
ومن بين تلك الأسباب يمكنني أن أذكر:
أولا: الدور السلبي للإعلام الرسمي: لقد لعب الإعلام الرسمي دورا كبيرا في تشويه المعارضة، خاصة في الأوساط الأقل تعليما والأقل وعيا، وهي الأوساط التي صوتت بكثافة لمرشح التغيير البناء. لقد صور الإعلام الرسمي المعارضة وخاصة للموريتانيين الأقل وعيا على أنها شرذمة من المفسدين والعملاء الذين يعملون مع الأجنبي ضد مصلحة البلاد.
وعموما يمكن القول إن الإعلام الرسمي هو التفاحة الفاسدة في هذا البلد التي أفسدت كيس التفاح كله. وليس في هذا البلد مصيبة إلا وللإعلام الرسمي جهود " جبارة " في ظهورها.
لقد دمر الإعلام الرسمي الإنسان الموريتاني، من خلال هدم القيم والأخلاق، ومن خلال تزييف الحقائق وقلبها رأسا على عقب. ودور الإعلام الرسمي في تدمير الإنسان الموريتاني ليس بالجديد، وإن كانت فعاليته التدميرية قد تضاعفت في العقود الأخيرة.
ويكفي أن نعرف أن الإذاعة بادرت ببث بيانات التأييد والمساندة بعد الانقلاب على المرحوم المختار ولد داداه. وهي بيانات تقدم بها كل أولئك الذين كانوا يصفقون للمختار ويعتبرونه أبا للأمة. حتى مدير ديوان المختار نفسه كان من أول المؤيدين، ولم يتغيب عن التأييد والمساندة إلا الوزراء المسجونين، أو قلة شكلت استثناء حسب شهادة الوزير السابق سيد احمد الدي.
لقد كان أولى بالمعارضة بدلا من المطالبة بفتح تحقيق في نتائج الانتخابات الماضية، أن تركز جهدها على الضغط على الإعلام الرسمي، حتى يتحول إلى إعلام وطني، لأنه في ظل غياب إعلام وطني لن يكون بإمكان المعارضة أن تقدم نفسها بشكل سليم إلى الشعب الموريتاني. ولن يتحول هذا الإعلام إلى إعلام وطني بمجرد قرار من الرئيس. فالرئيس الذي قد يتخذ مثل ذلك القرار دون ضغط كبير من المعارضة، قد يقرر في وقت آخر أن يعيد حليمة إلى عادتها القديمة، خاصة في الأوقات الحرجة التي يحتدم فيها الصراع بين المعارضة والسلطة.
لذلك فعلى المعارضة أن تناضل وتكافح بقوة ضد احتكار النظام لمؤسسات الإعلام الرسمي. وعليها أن تتذكر دائما أن قوة المعارضة مرتبطة باستقلالية الإعلام الرسمي، والمرحلة الانتقالية الأولى أقوى دليل على ذلك الارتباط العميق.
ولكن ما هي الفرص التي ضيعتها المعارضة في العام الماضي؟
1ـ كان بإمكان المعارضة مثلا أن تنظم مسيرات واعتصامات وتظاهرات، حتى يُسمح لها بالرد من خلال يومية الشعب على مقال الوزير الذي انتقدها بأسلوب قاس جدا. وذلك حتى لا يتكرر استخدام اليومية الرسمية في النيل من المعارضة، دون السماح للمعارضة بحق الرد.
2 ـ كان بإمكان المعارضة أيضا أن تتعامل بإيجابية وتشارك في كل الحوارات و الندوات التي دعا إليها التلفزيون (لا أستطيع أن أصفه بالوطني) ، كما كان يفعل حزب "تواصل"، وذلك لكي لا تمنح لوزير الاتصال الحجة التي يكررها دائما، وهي أن لديه كما هائلا من دعوات المشاركة في برامج تم رفضها من طرف المعارضة. والمشاركة الإيجابية في تلك البرامج لا تعني بالضرورة التوقف عن المطالبة بالمزيد من الحرية والاستقلالية لمؤسسات الإعلام الرسمي.
3 ـ كان بإمكان المعارضة أن تندد بتعامل الإعلام الرسمي مع معركة "حاس سيدي". وكان بإمكانها أن تستغرب عدم تنديد السلطة العليا للصحافة بذلك، وهي السلطة التي نددت بالأخطاء التي ارتكبتها بعض الصحف المستقلة، رغم أن الإعلام الرسمي ـ لا المستقل ـ هو الذي يُنفق عليه من ثروات هذا الشعب الفقير. لقد أخطأت المعارضة حينها لأنها بدلا من أن تنتقد السلطة العليا للصحافة لعدم تنديدها بأخطاء الإعلام الرسمي، اختارت بدلا من ذلك، أن تصدر بيانا للدفاع عن أخطاء بينة ارتكبتها بعض الصحف المستقلة، أثناء تغطيتها لتلك المعركة، وهي أخطاء كانت المعارضة في غنى عن الدفاع عنها.
4 ـ على المعارضة أن تواجه بجدية وحزم كل صحفي يستخدم مؤسسة إعلامية رسمية للتشهير والسخرية من قادة المعارضة، تزلفا للسلطات الحاكمة، وعليها أن لا تترك حالة من هذا النوع تمر دون حساب.
ثانيا: من الأسباب التي أدت إلى هزيمة المعارضة، أنها لا زالت غير قادرة على إقناع المواطن العادي بأن معارضة النظام الحاكم ليست معارضة للدولة الموريتانية. وأن مناصرة النظام الحاكم قد لا تكون بالضرورة مناصرة للوطن، فمناصرة الأنظمة المتعاقبة هي التي أضرت، ولا زالت تضر بالدولة الموريتانية. و المعارض في أغلب الأحيان ـ عكس ما هو شائع ـ قد يكون أكثر وطنية من الموالي.
ولكن ما هي الفرص التي أضاعتها المعارضة في هذا العام، والتي كان بالإمكان أن تساعد في تصحيح تلك النظرة الخاطئة؟
لقد فشلت المعارضة في إقناع الشعب الموريتاني بأن موقفها السياسي المعارض للحرب على الإرهاب، ليس موقفا ضد الجيش الموريتاني.
ولتصحيح تلك النظرة الخاطئة كان بإمكان المعارضة مثلا أن تصدر بيانا أثناء معركة "حاس سيدي" تعلن فيه دعمها الكامل للجيش الموريتاني، وتقول فيه أنها لن تعلن عن موقفها السياسي من تلك المعركة إلا بعد أن تتوقف المواجهة، ويصبح الجنود المشاركون فيها في مكان آمن.
ولقد كان بإمكان المعارضة أيضا أن تبادر في تعزية أسر الشهداء الذين تأخرت الحكومة في تعزيتهم، والذين فات الحزب الحاكم أن يعزيهم. ولقد كان بإمكانها أن توفد رؤساء الأحزاب المشكلة للمنسقية لتقديم التعازي لأسر الشهداء، ومن قبل وصول وزير الدفاع الذي تأخر وصوله. فمثل هذه الإجراءات كان سيساعد كثيرا في تسويق موقف المعارضة من الحرب على الإرهاب على أنه موقف معارض للحرب، ومتضامن في نفس الوقت مع الجيش الموريتاني، هذا هو موقف المعارضة الذي فشلت في تسويقه بشكل سليم (لا أوافق المعارضة لمعارضتها للحرب على الإرهاب، لأني أعتقد بأن الحرب على الإرهاب كانت ضرورية، وقد أدارها الرئيس الحالي بشكل مقبول).
كما أنه كان بإمكان المعارضة أيضا أن تنظم بمناسبة خمسينية الاستقلال حفلا رمزيا لتكريم العشرات من الشخصيات الوطنية التي ساهمت في تأسيس الدولة الموريتانية، والتي قد لا تكون بالضرورة معارضة. وحفل التكريم ذلك حتى ولو كان رمزيا، كان بإمكانه أن يبين للمواطن الموريتاني وطنية معارضته. كما كان سيساهم في كشف النواقص الكثيرة التي صاحبت توشيحات الرئيس بهذه المناسبة، تلك التوشيحات التي جاءت دون المتوقع، والتي لم ترق بأي حال من الأحوال لرمزية المناسبة.
ثالثا : من الأسباب التي أدت إلى هزيمة المعارضة استخدامها لنفس الأساليب التي كانت تستخدمها قبل انقلاب الثالث من أغسطس . كما أن المعارضة فشلت في الدفاع عن خطابها الذي تم السطو عليه من طرف "مرشح التغيير البناء". لم تطور المعارضة أساليبها، ولم تطور خطابها الذي لم يعد خطابها منذ السادس من أغسطس.
وما أكثر ملامح الجمود التي أصابت المعارضة، والتي لا يمكن بسطها في هذه الفقرة، إلا أني مع ذلك سأشير بشكل مختصر إلى بعض تلك الملامح.
1ـ لقد أصبحت المعارضة أكثر حياءً من السلطات الحاكمة، وهو ما شكل تبادلا غريبا للأدوار. فالرئيس ظل يتحدث عن المعارضة وعن مفسديها بصراحة شديدة، وظل لفترة طويلة يسمي أولئك المفسدين بأسمائهم . في حين أن المعارضة ظلت تتحرج ـ وكأنها في السلطة ـ من تسمية مفسدي الأغلبية بأسمائهم.
2 ـ لم تعد المعارضة تركز على القضايا التي تهم المواطن العادي كارتفاع الأسعار مثلا. ولو أن المعارضة أعدت مقارنة بين أسعار المواد الأساسية قبل السادس من أغسطس، وأسعار تلك المواد في أيامنا هذه، مع مقارنة موازية بين أسعار تلك المواد عالميا قبل السادس من أغسطس، وأسعارها العالمية في أيامنا هذه لكشفت عن الحجم الحقيقي لارتفاع الأسعار الذي تعاني منه البلاد في عهد دولة الفقراء.
3 ـ ولو أن المعارضة تتبعت التعيينات في كل مجلس للوزراء، وأعدت سير ذاتية للمعينين بمؤهلاتهم وشهاداتهم لكشفت عن حجم الفساد في التعيينات، والذي بلغ ذروته في عهد النظام الحالي الذي يحارب الفساد. ولو أن المعارضة أعدت لائحة بأسماء المفسدين المنخرطين في الأغلبية، أو الذين يزاولون مهاما في الوقت الحالي، لكشفت أن غالبية مفسدي البلد هم اليوم في خندق الأغلبية.
4 ـ إذا كان الحزب الحاكم مهدد بالزوال بزوال الرئيس الحاكم الذي يلتف حوله، فإن بعض أحزاب المعارضة هي أيضا مهددة بالزوال بزوال الزعيم المعارض الذي تلتف حوله. وأقصد هنا تحديدا "التحالف" و"التكتل" أطال الله في عمر قائديهما. لقد أصبح من الضروري جدا التفكير الجاد في مستقبل هذين الحزبين اللذين يشكلان العمود الفقري للمعارضة الموريتانية.
ومع أنه لا أحد يستطيع أن يشكك في شرعية الزعامة الأبدية للزعيمين لأنهما قدما من التضحيات والنضال والجهد ما يشرع لهما تلك الزعامة، إلا أنه مع ذلك أصبح من الملح أن يقترح الزعيمان نائبين لهما، ويمنحاهما صلاحيات واسعة، ويشرفا على تأهيلهما لقيادة الحزبين في المستقبل، حتى لا تنهار المعارضة بانهيار عمودها الفقري، في اللحظة التي يغيب فيها أحد الزعيمين أطال الله عمر الجميع.

ختاما: إن مستقبل المعارضة يجب أن لا يكون قضية تخص المعارضة لوحدها، بل يجب أن يكون قضية لكل من يهمه مستقبل الديمقراطية، ومستقبل هذا البلد الذي أضاع نصف قرن، والذي قد يضيع نصف قرن آخر، إذا لم نغير نظرتنا للوطن،وللسلطة، وللمعارضة، وإذا لم نبتدع في نفس الوقت أساليب جديدة لمواجهة همومنا ومشاكلنا المزمنة.
تصبحون على معارضة قوية..
وإلى الأحد القادم إن شاء الله.

الخميس، 2 ديسمبر 2010

برقية عاجلة إلى رئيس الجمهورية


بسم الله الرحمن الرحيم

لقد تابعت في صبيحة هذا اليوم في بعض القنوات الفضائية خبرا هاما عن رئيس فنزويلا الذي يلقب مثلكم برئيس الفقراء. ولقد وجدت أنه من المناسب أن أطلعكم على ذلك الخبر، مخافة أن يشغلكم مجلس الوزراء، أو انضمام حزب عادل للأغلبية الداعمة لكم عن الإطلاع عليه.
يقول الخبر أن رئيس فنزويلا فتح قصره لاستقبال 25 أسرة فقيرة تضررت من الأمطار والفيضانات. ويقول الخبر بأن الرئيس الفنزولي أعطى تعليماته الصارمة لكل عمال القصر، بضرورة الاهتمام بضيوف القصر من الفقراء المتضررين من الأمطار.
هذا التصرف المؤثر مع غيره من تصرفات الرئيس الفنزولي، هو الذي جعله يلقب برئيس الفقراء. وهو الذي جعل فقراء فنزويلا يخرجون عن بكرة أبيهم لفرض عودته إلى السلطة بعد الانقلاب عليه.
سيدي الرئيس،
هذا الخبر ذكرني ببعض الاقتراحات السابقة التي كنت قد اقترحتها عليكم، وهي اقتراحات وإن بدت غريبة في ذلك الوقت، إلا أنها ستبدو طبيعية وعادية عند مقارنتها بهذا الخبر.
لقد طلبت منكم في رسالة مكتوبة باسم حَمَّال أن توجهوا دعوة للعشرات من الحمالين لحضور حفل عشاء في القصر، بمناسبة فاتح مايو الماضي، وتستمعوا لمعاناتهم وأنينهم دون وسيط. لأنهم أولى من غيرهم للتحدث عن معاناتهم، ولقد كان بالإمكان أن تجدوا حلا لبعض مطالبهم العادلة، وأن تعتذروا لهم عن البعض الآخر من المطالب المستحيلة، أو التي قد يصعب تحقيقها في ذلك الوقت.
ولقد قلت لكم في تلك الرسالة بأن الحمالين أولى بعشاء فاخر في القصر الرئاسي، ولو لمرة واحدة في العمر، من أولئك الذين تتكرر دعوتهم ـ بمناسبة وبغير مناسبة ـ رغم أنهم هم من رشف المحيط بكل حيتانه، وابتلع النفط بكل مشتقاته، وأكل الحديد بكل شوائبه، ونهب الزراعة بكل محاصيلها.
فتواجد بعض البسطاء في القصر الرئاسي، كان سيمنحكم لقطة دعائية في غاية الأهمية، أنتم في أمس الحاجة إليها. وهي لقطة كانت ستتناقلها الفضائيات العالمية، كما تناقلت استضافة الرئيس الفنزولي ل25 أسرة فقيرة في قصره الرئاسي.
المؤسف أن الفقراء الذين تضرروا بسبب الأمطار والفيضانات في العديد من مدن وقرى البلاد في موسم الخريف الماضي، لم تستضيفوا بعضهم كما فعل الرئيس الفنزولي، بل أنكم لم تزوروهم وانشغلتم عن معاناتهم في غرس الشجر.
وفي هذه البرقية العاجلة أذكركم من جديد باقتراح سابق، طالبتكم فيه بتأسيس ديوان مظالم للاستماع لهموم الفقراء، إذا لم يكن بالإمكان أن تستقبلوهم بشكل مباشر، كما يستقبلهم رئيس الفقراء في فنزويلا في قصره.
وفي الأخير فإنه لن يفوتني في هذه البرقية العاجلة أن أهنئكم بمناسبة انطلاق شركة النقل العمومي، والتي ستساعد حتما في التخفيف من أزمة النقل. ولأن تسيير شركة عمومية للنقل هو أمر في غاية الصعوبة، خاصة في بلد كبلدنا. ولأن صيانة الحافلات ستشكل أمرا حاسما في استمرار هذه الشركة، فإني أقترح هنا أن تخصص الشركة جوائز مغرية كل ستة أشهر، للسائقين الذين يحافظون على الحافلات التي يسوقونها. في حين يتم طرد السائقين الذين تتعرض حافلاتهم لأكبر حجم من الأضرار.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلد، وإلى الرسالة السادسة عشر إن شاء الله.
ملاحظة للقراء : هذه البرقية لا تمثل المقال الأسبوعي الذي أكتبه، لذلك فإني أعدكم ـ إن شاء الله ـ في الأحد القادم، بمقال جديد تحت عنوان " ومن المعارضة ما قتل"، وهو مقال مخصص لرصد أخطاء المعارضة.

الأحد، 28 نوفمبر 2010

خمسينية بلاد العجائب




بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
خمسون عاما مرت على استقلال بلادنا..
خمسون عاما وثمانية رؤساء تعاقبوا..
صفقنا لهم بسذاجة..
زغردنا لهم بسذاجة..
هتفنا لهم بسذاجة..
ساندناهم بسذاجة..
قلنا لهم في شرق البلاد عندما زارونا بأننا بألف خير..
قلنا لهم في غربها بأننا بألف خير..
قلنا لهم في شمالها بأننا بألف خير..
قلنا لهم في جنوبها بأننا بألف خير..
وقلنا لهم في وسطها بأننا بألف ألف خير..
بلادنا عجيبة .. مدنها وقراها يختفي جوعاها عندما يزورها الرئيس ..
تختفي أحزانها ..
تنفرج همومها..
ترتفع ضحكات أهلها..
يزلزل التصفيق أرضها..
تضرب خيامها ..تبسط سجادها.. تفرش زرابيها.. يوم قدوم الرئيس..
يتآخى أبناء المدينة ..
يصطفون كأنهم في صلاة ..
يجاهدون لمصافحة الرئيس..
يكذب كل من في المدينة..
ويكذب كل من في القبيلة.. ويقول بأنه بألف ألف خير..
هكذا كان حال مدننا وقرانا وقبائلنا يوم زارها المنقلب الأول..
هكذا كان حالها يوم زارها المصحح الأول..
هكذا كان حالها يوم زارها المنقذ الأول ..
هكذا كان حالها يوم زارها المخلص الأول..
هكذا كان حالها يوم زارها الفقير الأول..
هكذا كان حالها في الذكرى العشرين..
هكذا كان حالها في الذكرى الخمسين..
في بلادنا نتنفس بتوجيهات من الرئيس..
نضحك بتوجيهات من الرئيس..
ننام بتوجيهات من الرئيس..
نستيقظ بتوجيهات من الرئيس..
نحيا بتوجيهات من الرئيس..
نموت بتعليمات من سيادة الرئيس..

بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا شعبها كالنمل يعمل ليل نهار..
منظماتها على شاشة التلفزيون تعمل ليل نهار..
أحزابها تناضل ليل نهار..
صحفها تتحدث ليل نهار..
جهود جبارة في كل وزارة..
جهود معتبرة في كل إدارة..
وفي بلادنا حديد كثير..
فيها نحاس كثير..
فيها ذهب كثير..
فيها نفط كثير..
فيها سمك كثير..
فيها أرض صالحة للزراعة..
فيها ثروة حيوانية هائلة..
حكومة بلادنا تتسول منذ خمسين سنة..
حكومة بلادنا تعمل ليل نهار منذ خمسين سنة..
ودولتنا العجيبة لا زالت في الذكرى الخمسين عاجزة أن تطعم حفنة من البشر..
عاجزة أن تعلم حفنة من البشر..
عاجزة أن توظف حفنة من البشر..
عاجزة أن تعالج حفنة من البشر..

بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
في بلادنا خضنا عشرات الحروب..
حاربنا الأمية فانتشرت الأمية..
حاربنا الفقر فزاد الفقر..
حاربنا السمنة ونحن نشكوا من سوء التغذية..
حاربنا القمامة فانتصرت علينا القمامة..
حاربنا الإرهاب فخلقنا الإرهاب..
حاربنا الفساد برموز الفساد..
ألف رصاصة مطاطية أطلقناها..
ألف قنبلة صوتية قذفناها ..
ألف خطبة حنجرية دوت في حروبنا العجيبة..
حروبنا العجيبة تزيد من قوة أعدائنا..
فليت رؤساءنا أعلنوا هدنة أبدية مع القمامة..
ليتهم تصالحوا مع الفقر..
ليتهم وقعوا معاهدة مع الفساد..
ليتهم وفروا الغذاء لتشجيع السمنة..

بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا كالبحر.. دررها في القاع..
وجِيَّف أسماكها تطفو على سطح التلفزيون..
تنظم الندوات..
تدير المهرجانات..
تتقاسم التعيينات..
توزع الصفقات..
وتنجح دائما في الانتخابات..
بلادنا صغراؤها أصبحوا كبارا..
وكبراؤها تقزموا فصاروا صغارا..
بلادنا العجيبة لن يصلح حالها إلا إذا أصبح عاليها سافلها..
وسافلها عاليها..
في بلادنا نصفق بلا خجل للصوص الكبار..
ونضرب بلا رحمة اللصوص الصغار..
تعدادنا في بلاد العجائب ثلاثة مليون مسلم ..
يُصَلون في كل يوم خمس مرات..
يسرقون بين الصلاة والصلاة..
يكذبون بين الصلاة والصلاة..
ينافقون بين الصلاة والصلاة..
يُزَوِرون بين الصلاة والصلاة..
يظلمون بين الصلاة والصلاة..

بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..

للقبيلة في بلادنا أبناء وأبناء..
للأعراق فيها أحباء وأحباء..
للايدولوجيا كثير من الولاء..
للدول الشقيقة والمجاورة حلفاء وعملاء..
ونحن جميعا لوطننا أعداء..
ولاؤنا مشتت بين القبائل والأشقاء..
بلادنا بلا ولاء..
بلا أبناء..
بلا أحباء..
بلا أصدقاء..
بلادنا يسكنها ثلاثة مليون مهاجر.. كلهم لها أعداء..
في بلادنا ألف ألف سياسي..
وليس فيها سياسي مواطن..
في بلادنا ألف ألف شاعر..
وليس فيها شاعر مواطن..
في بلادنا ألف ألف مثقف..
وليس فيها مثقف مواطن..
في بلادنا ألف ألف تاجر..
وليس فيها تاجر مواطن..
في بلادنا ألف ألف لص..
وليس فيها لص مواطن..
في بلادنا ألف ألف من كل شيء..
وليس في بلادنا مواطن واحد..
نحن في بلادنا أنصار للوحدة العربية..
أنصار للوحدة الإسلامية..
أنصار للوحدة الإفريقية..
أنصار للوحدة الكورية..
في بلادنا نحن أنصار لكل وحدة ..إلا للوحدة الوطنية..
في بلادنا ناصريون..
فيها بعثيون..
فيها إسلاميون..
فيها كادحون..
فيها متطرفون ..
فيها انفصاليون..
فيها غوغائيون..
وليس في بلادنا وطنيون..
في بلادنا مغاربة..
فيها صحراويون..
فيها سنغاليون..
فيها جزائريون..
فيها ليبيون..
فيها صينيون..
فيها أفغان و شيشانيون..
في بلادنا كل أمم الأرض..
ولكن ليس في بلادنا موريتانيون..
في بلادنا ثلاثة مليون مهاجر.. كلهم لها أعداء..

بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا دستورها عجيب..
مادته السادسة تحير كل لبيب..
لم تعط للغة المستعمر أي نصيب..
ورغم ذلك فإدارتنا تتواصل بلغة المستعمر..
تتخاطب بلغة المستعمر..
مسابقات التوظيف بلغة المستعمر..
فواتير الكهرباء بلغة المستعمر..
فواتير الماء بلغة المستعمر..
وصفات الأطباء بلغة المستعمر..
وزير تعليمنا يعتذر عن كل إهانة للغة المستعمر..
وزير اتصالنا لا يتواصل مع موظفيه إلا بلغة المستعمر..
خمسون عاما وبلادنا العجيبة لا زالت تمجد لغة المستعمر..
لا زالت ترفض أن تتخلى عن لغة المستعمر..
ليت أطباءنا تخلوا عن لغة المستعمر.. وتشبهوا بأخلاق أطباء المستعمر..
ليتهم كانوا رحماء كأطباء المستعمر..
ليتهم كانوا بإنسانية أطباء المستعمر..
ليت قضاتنا كانوا بعدالة قضاة المستعمر..
ليت كل موظفينا كانوا كموظفي المستعمر..
لو كان كل موظفي دولتنا العجيبة من بلاد المستعمر..
لكانوا أقرب للمواطن..
أرحم بالمواطن..
مشكلتنا في البلاد العجيبة أن موظفينا ليسوا كموظفي المستعمر..
ومع ذلك فهم يدافعون عن لغة المستعمر..

بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا نصف شعبها بطونه جائعة..
والنصف الآخر قلوبه جائعة..
نصف شعبها جاهل..
والنصف الآخر يتصرف كالجاهل..
نصف شعبها فقير..
والنصف الآخر ينافس الفقراء في أرزاقهم..
نصف شعبها مفسد..
والنصف الآخر مشروع مفسد..

بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا العجيبة تطردنا كل يوم..
تظلمنا كل يوم..
تُحرجنا كل يوم..
تذلنا كل يوم..
تهيننا كل يوم..
تقتلنا كل يوم..
ولكن في بلادنا شيء عجيب يشدنا إليها كل يوم..
**********
فاصلة خارج النص..
شكرا لكل أولئك الذين رفعوا أعلاما على سياراتهم..
شكرا لكل أولئك الذين رفعوا ـ بمناسبة الخمسينية ـ أعلاما في أي مكان ..
شكرا لكل أولئك الذين سموا محلاتهم بتسميات لها علاقة بهذه الذكرى..
شكرا لصاحب سوق الاستقلال..
شكرا لصاحب بقالة 28 نوفمبر..
شكرا لمقهى الوفاء الذي جعل من العلم والنشيد الوطني واجهة لكل أجهزته..
شكرا لكل البسطاء الذين احتفلوا بطرقهم الخاصة بهذه الذكرى ..
شكرا للجالية الموريتانية التي تسكن في البلاد العجيبة والتي احتفلت بهذه الذكرى..
شكرا لكم جميعا..
شكرا لكم ..
فبكم ـ وبكم وحدكم ـ ستكون موريتانيا وطنا للموريتانيين..
وإلى الأحد القادم أقول لكم : تصبحون على وطن للموريتانيين..
نواكشوط 28 نوفمبر 2010م

الاثنين، 22 نوفمبر 2010

خاص برئيس الجمهورية (14)



سأقدم لكم في رسالة هذا الشهر، من سلسلة الرسائل المفتوحة، بعض الملاحظات العامة التي لم تجد ـ حسب علمي ـ من يحدثكم عنها، رغم أنها تتعلق بقضايا وملفات تحدث عنها الموريتانيون كثيرا، ولا زالوا يتحدثون عنها كثيرا.
وقبل تقديم هذه الملاحظات، أود أن أؤكد لكم بأني ما كتبتها ـ كما هو الحال بالنسبة لباقي هذه الرسائل المفتوحة ـ إلا لحرصي الشديد على أن يكون عهدكم بداية لانطلاقة تنموية حقيقية. كما أؤكد لكم بهذه المناسبة بأني لست أقل دعما ومساندة لكم من الثمانمائة ألف "مناضل" المنخرطة في الاتحاد من أجل الجمهورية، وإن كان الفرق بيني وبينهم هو أن أغلب من في الاتحاد قد اختار أن يعبر عن مساندته لكم بالتصفيق، وبمزيد من التصفيق. أما أنا فقد اخترت أن أعبر عن مساندتي لكم من خلال البحث عن المعوقات التي قد تعيق تلك الانطلاقة التنموية، والكتابة لكم عنها بشكل دوري، دون الزيادة من حجمها كما يفعل معارضوكم، ودون التقليل من شأنها كما يفعل موالوكم. هذا إضافة إلى تقديم بعض المقترحات والأفكار كلما كان ذلك متاحا، وطبقا لما وعدتكم في أول رسالة من هذه الرسائل المفتوحة.
وأعدكم ـ إن كان في العمر بقية ـ بمواصلة كتابة هذه الرسائل، كما تواصلت في عهد بعض الرؤساء السابقين الذين كتبت لهم من قبل، والذين أعتقد بأنهم الآن قد أصبحوا على قناعة تامة بأن مساندتي لهم بالنقد كانت أكثر صدقا وجدية، من المساندة بالتصفيق التي تبارت فيها أغلبياتهم الداعمة أثناء فترات حكمهم.

الملاحظة الأولى: لقد لاحظت في إطار الحرب على الفساد بأن أغلب الموظفين الذين تم اتهامهم بالفساد، منذ تنصيبكم إلى يومنا هذا، لم يحتلوا تلك الوظائف التي أفسدوا من خلالها إلا بعد يوم السادس من أغسطس 2008 م، أي أن كل عمليات الفساد التي حدثت في عهدكم، ما كانت لتحدث لولا تلك التعيينات التي جاءت بــ"مشاريع مفسدين" تم اختيارهم لتلك الوظائف على أساس معايير لا صلة لها ـ إطلاقا ـ بالكفاءة أو بالخبرة أو بالاستقامة والنزاهة.
ولأن هناك تسريبات تتحدث عن قرب تعديل حكومي، قد تعقبه تعيينات كثيرة، فقد يكون من الضروري أن نطالب ـ نحن ضحايا الفساد ـ بضرورة اعتماد الكفاءة والاستقامة في تلك التعيينات، لكي لا نظل ندور في حلقة مفرغة تتمثل في تعيين "مشاريع مفسدين" لكي يفسدوا وينهبوا، قبل أن يتم تجريدهم أو سجنهم، واستبدالهم بمفسدين جدد. وكأن المهم ليس المحاربة الجادة للفساد، وإنما المهم هو إيهام المواطن العادي بأن الحرب على الفساد لم تضع بعد أوزارها. لقد آن الأوان لكي نحارب الفساد بشكل جاد، ولن يتم ذلك إلا إذا شعر كل موظف بأن الكفاءة والاستقامة والتفاني في العمل هي المعايير الوحيدة التي سيتم اعتمادها في كل عملية تعيين وترقية.

الملاحظة الثانية: صحيح أنه في العهود الماضية كان يتم استخدام دراسات لا جدوى من ورائها لنهب ثرواتنا، وهذا ما تحدثتم عنه أكثر من مرة. ولكن الحل لا يكمن في إلغاء الدراسات نهائيا، واعتماد الارتجال كبديل عن تلك الدراسات، خاصة في الملفات المعقدة، وفي القضايا الشائكة، التي تزداد تعقيدا كلما تم ارتجال حلول لها. يقول خبراء التخطيط بأن كل ساعة نقضيها في إعداد التصورات والدراسات ستوفر لنا ـ على الأقل ـ ثلاث ساعات عند التنفيذ.
ورغم أن هناك أمثلة عديدة يمكن تقديمها في هذا المجال، إلا إنني سأكتفي هنا بتقديم مثال واحد يتعلق بالتعامل مع مشكل القمامة، والتي كنتم قد أعطيتم أوامر صارمة للحكومة في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 15ـ 10 ـ2009 بضرورة القضاء عليها نهائيا. وفي صبيحة الأحد الموالي تم ارتجال حملة لتنظيف العاصمة بقيادة الوزير الأول، وبمشاركة العديد من القطاعات الوزارية، وتم التأكيد حينها أن القمامة ستختفي خلال أسابيع معدودة ـ وبشكل نهائي ـ من العاصمة نواكشوط.
والذي حدث بعد ذلك أن القمامة زادت وبشكل ملحوظ، خاصة في المكان الذي انطلقت منه حملة الوزير الأول لتنظيف العاصمة. ولقد كان ذلك شيء طبيعي جدا، لأنه لم يكن من المتوقع أن تأتي تلك الحملة المرتجلة بنتائج أفضل من حملات التنظيف المماثلة لها، في العهود السابقة، يقول الخبراء: "إن استخدام نفس الأساليب يعطي دائما نفس النتائج".

الملاحظة الثالثة : يبدو أن اهتمامكم بتنمية البنية التحتية وتطويرها، يفوق كثيرا اهتمامكم بالتنمية البشرية. ويبدو أن اهتمامكم بشق الطرق وتشييدها، يفوق اهتمامكم ببناء إنسان موريتاني قادر على أن يقود عجلة التنمية، بشقيها البشري والمادي.
فمستوى الحماس الذي تعاملتم به مع إصلاح التعليم مثلا، أقل بكثير من مستوى الحماس الذي تعاملتم به مع تشييد الطرق في العاصمة، والتي تم تشييدها ـ والحق يقال ـ في وقت قياسي. ومع أن العاصمة قد تحولت إلى ورشة كبرى ( شق الطرق، تخطيط العشوائيات، توسيع شبكة المياه، توصيل الكهرباء إلى أماكن جديدة...).
إلا أنه في المقابل يلاحظ أن هناك فتورا في إصلاح التعليم، والذي يشكل إصلاحه الخطوة الأولى لبناء الإنسان الموريتاني. لقد وعدتم بمنتديات للتعليم خلال العطلة الصيفية الماضية، ومع ذلك فقد تم الافتتاح الدراسي دون أن يتم تنظيم تلك المنتديات ـ والتي تم استبدالها بمنتديات للمعادن ـ مما يعني أننا مقبلون على مزيد من الانهيار العلمي والثقافي والأخلاقي والقيمي للإنسان الموريتاني.
ولأن هناك حديثا يدور حول إمكانية دمج وزارتي التعليم ـ بقرار مرتجل جديد ـ في وزارة واحدة. فقد يكون من الضروري التذكير بأن عمليات الدمج والتفكك التي عرفتها هذه الوزارة، خلال السنوات الخمس الأخيرة، والتي بلغت في مجملها ثلاث عمليات دمج، وثلاث عمليات انشطار، كانت من أهم الأسباب التي ساهمت في انهيار التعليم لأنها شغلت العاملين في هذه الوزارة خلال السنوات الأخيرة، في الإجراءات الإدارية المرتبطة بعمليات الدمج والتفكك التي لا تنتهي.
فحل أزمة التعليم لن يتم من خلال عملية دمج جديدة للوزارتين، يقول الخبراء: "إن الأزمات العميقة لا يمكن مواجهتها بنفس الأساليب والعقليات التي أنتجتها".

الملاحظة الرابعة : لقد قلتم بأنه كان هناك تسيبا كبيرا في العهود السابقة، وهو ما استدعى منكم مراقبة صارمة، ومتابعة دقيقة لكل الملفات كبيرها وصغيرها. ورغم أهمية تلك المراقبة إلا أن التطرف في استخدامها قد يأتي بنتائج سلبية خطيرة.
لقد استقال أغلب الموظفين بشكل غير علني مما أدى إلى تعطل مصالح المواطنين حتى في القطاعات الحساسة. لقد أصبح الوزراء والمديرون يعيشون فراغا كبيرا، وأصبح أغلبهم يرفض أن ينفذ أي عمل حتى ولو كان صغيرا، لأن أوامركم لم تصدر له بإنجاز ذلك العمل البسيط. كما أن كثرة التعيين والإقالة التي حدثت في عهدكم، والتي حطمت الإدارات التابعة لوزارة المالية الرقم القياسي فيها ( إدارة الضرائب، إدارة الميزانية) قد زادت من ارتباك العمل الإداري المرتبك أصلا. وإذا كان صحيحا أن بعض عمليات النهب والفساد قد تم الحد منها بفعل تلك الرقابة، وبفعل سحب الكثير من صلاحيات الموظفين، إلا أن ذلك قد صاحبه تراجع ملحوظ في مستوى الأداء الإداري الهزيل أصلا. إن إداراتنا ـ وهذا ما يستحي المعنيون المباشرون من قوله لكم ـ تعيش اليوم ظروفا صعبة بفعل الاستقالات الجماعية غير المعلنة لغالبية موظفي القطاع العام، والذين تحولوا في عهدكم إلى مجرد دمى لا تتحرك إلا بأوامر، حتى ولو تعلق الأمر بحركات بسيطة، كان من المفترض أن تتم بشكل تلقائي. يقول الخبراء بعد شيء من التعديل بأن القائد الناجح هو الذي يحيط نفسه بمجموعة من القادة الناجحين، لا بمجموعة من الدمى المتحركة.

الملاحظة الخامسة: لقد أصبح من الملح أن تعيدوا النظر في قنوات الاتصال بينكم وبين الفقراء الذين صوتوا لكم بكثافة، والذين يعتبرونكم أول رئيس لهم. لقد حاول العديد من هؤلاء الفقراء أن يسمعكم أنينه أثناء زياراتكم الميدانية، ولكن وكما جرت العادة حيل بينكم وبينهم. ومن المؤكد أن أنينهم لن يصلكم كما هو من خلال التقارير التي ترد إليكم، والتي قلتم بأنكم تحرصون على قراءتها. إنكم بحاجة إلى قنوات أخرى غير تلك التقارير، حتى تظلوا على إطلاع كامل بمشاكل الفقراء الذين صوتوا لكم، وانتخبوكم ذات يوم عصيب.
كما أنكم بحاجة إلى قنوات جديدة لتسوقوا من خلالها انجازاتكم، ولترسلوا من خلالها رسائلكم التي ترغبون في إرسالها إلى المواطنين العاديين، وذلك بعد أن فشلت وسائل الإعلام الرسمي، وبعد أن فشلت الأغلبية فشلت مريرا في تحقيق ذلك. فعلى سبيل المثال فقد فشلت الأغلبية، والإعلام الرسمي، في تسويق الحرب على الإرهاب التي تم التشويش عليها كثيرا، رغم أنها بدأت تعطي نتائج طيبة. يقول الخبراء بعد شيء من التعديل ليس المهم فقط أن يكون القائد على حق، بل إن من المهم أيضا أن يستطيع أن يثبت لمن يقود بأنه على حق.

الملاحظة السادسة : ليس من المعيب أن نستفيد من بعض الإيجابيات القليلة التي تحققت في العهود السابقة، خاصة ونحن سنحتفل بعد أيام معدودة بخمسينية الدولة الموريتانية التي يفترض أن ما تحقق فيها من إنجازات ـ رغم ضآلته ـ هو نتيجة لتراكمات تلك العهود. وبما أن هذه الرسائل ـ وكما قلت لكم سابقا ـ ستنحاز دائما للشرائح الأكثر فقرا، فإني هنا سأقدم لكم ثلاث مؤسسات، من ثلاث عهود "بائدة"، قدمت في الماضي للفقراء بعض الإنجازات الهامة، وهي اليوم عاجزة ـ في عهد الاهتمام بالفقراء ـ عن تقديم نسبة ضئيلة من تلك الانجازات. لقد أصبح من الضروري الاستفادة من ماضي تلك المؤسسات، والعمل بشكل جاد من أجل إعادة مستوى أدائها إلى ماضيه، حتى ولو تم اللجوء إلى إعادة تعيين من كان يديرها في تلك الفترات المضيئة من تاريخها.
أول هذه المؤسسات وكالة تشغيل الشباب والتي اكتتبت قبل 3 أغسطس 2005 وفي مدة قصيرة جدا، آلاف حملة الشهادات في وظائف مؤقتة، كما مولت مئات المشاريع الفردية والجماعية من خلال تقديم قروض معتبرة. هذه المؤسسة منذ 6 من أغسطس 2008 لم تقدم أي إنجاز، أكرر، لم تقدم أي إنجاز، لصالح حملة الشهادات العاطلين عن العمل والذين يعيشون ظروفا مقلقة ومأساوية.
ثاني هذه المؤسسات صناديق القرض والادخار، والتي كانت حاضرة كمؤسسة تنموية، وبشكل ميداني في عهد الرئيس السابق، وهي تعيش اليوم وضعية مزرية، جعلتها غير قادرة على أن تلعب أي دور تنموي مهما كان حجمه.
وثالث هذه المؤسسات الإعلام الرسمي وخاصة التلفزيون الذي كان قريبا شيئا ما من هموم المواطن العادي، في المرحلة الانتقالية الأولى، والذي هو الآن ـ رغم زيارتكم له ـ يمر بوضعية بائسة، تثير الشفقة والاشمئزاز في نفس الوقت.

وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلد، وإلى الرسالة الخامسة عشر إن شاء الله.

الأحد، 14 نوفمبر 2010

الاتحاد من أجل التصفيق


لقد صفق الموريتانيون كثيرا لرؤسائهم وخاصة في العقود الأخيرة، لقد صفقوا كابرا عن كابر، وصاغرا عن صاغر لأفران المصلحة، ولمحاربة السمنة، ولفصول محو الأمية، ولبرامج التدخل الخاص، ولمتاجر رمضان، ولحملات التنظيف، وللطاولات المدرسية، ولغرس الأشجار..
لقد صفق هذا الشعب المصفق بطبعه، كما لم يصفق أي شعب آخر.صفق العلماء والعقلاء والوجهاء والمثقفون والأغنياء والفقراء والأميون والمهمشون والصالحون والطالحون والأصحاء والمرضى والجياع والمتخمون والراشدون والسفهاء.صفق الرجال والنساء والشباب والكهول والشيوخ والأطفال...
لقد صفق كل شيء في هذا البلد، لذلك فإنه يُشرع لنا ـ بمناسبة الخمسينية ـ أن نتساءل ما الذي كنا نصفق له في طيلة هذه العقود؟؟؟
فهل حققنا في العقود الأخيرة أي إنجاز يستحق كل هذا التصفيق؟ ألسنا من أكثر الدول تخلفا؟ ومن أكثرها فقرا وجهلا ومرضا وفسادا؟ ألسنا من أقل شعوب الأرض وطنية؟ ألسنا في أسفل القاع رياضيا وثقافيا وأخلاقيا وتنمويا؟ ألسنا نحن البلد الوحيد الذي لا يزال وبعد مرور نصف قرن من استقلاله يتعامل رسميا بلغة غير دستورية ؟
المقلق حقا أن المخزون الاستراتيجي الموريتاني من التصفيق لا ينضب أبدا، بل إن احتياطنا من التصفيق ـ عكس غيره ـ من ثرواتنا الطبيعية في تجدد دائم، وفي ازدياد مذهل.
أقول هذا الكلام بمناسبة وصول عدد المصفقين في اتحاد جمهورية التصفيق إلى ثمانمائة ألف مصفق ومصفقة، مما يعني ـ إذا ما استثنينا الأرجل المصفقة ـ أن مليونا وستمائة ألف يد ستتنافس وستصفق بحرارة وحماس في اتحادية المصفقين، كما صفقت في عادل، وفي الحزب الجمهوري، و في هياكل المصفقين، أو كما صفقت قبل ذلك، أو صفق آباؤها أو إخوة لها في حزب الشعب المجبول على التصفيق.
ولأن البعض قد ينزعج من تسمية المناضلين الشرفاء، فرسان التغيير البناء، والجنود الجدد للحرب على الفساد، والحرب على الإرهاب، و الحرب على التصحر بالمصفقين، لأن البعض قد يزعجه ذلك فإنه قد يكون من المناسب أن أطرح التساؤلات التالية:
لماذا فشل ثمانمائة ألف "مناضل" في تقديم مقترح واحد لحكومة هي بأمس الحاجة للمقترحات؟ وكيف فشل ثمانمائة ألف "مناضل" في تقديم نصيحة واحدة لرئيس بحاجة ماسة لمن يقدم له النصح؟ وكيف عجز ثمانمائة ألف "مناضل" و"مناضلة" في تسويق إنجاز واحد من إنجازات رئيس الجمهورية؟ ( هناك إخفاقات وهناك ـ كذلك ـ إنجازات تحققت لم يستطع المصفقون تسويقها للرأي العام وأقصد هنا شق الطرق، والحرب على الإرهاب والتي تعتبر أهم إنجازات الرئيس الحالي رغم أنه تعرض بسببها لانتقادات كثيرة).
لقد فشل الثمانمائة ألف "مناضل" و"مناضلة" في كل ذلك، لأنهم ـ وببساطة شديدة ـ لم يجتمعوا في اتحاد المصفقين ليقدموا مقترحا أو نصيحة أو يسوقوا انجازا. لقد اجتمعوا لهدف واحد، ولغاية واحدة، وهي أن يصفقوا بأياديهم وبأرجلهم، فرادى وزمرا، كما صفقوا بالأمس في كل ساحات التصفيق وملاعبه التي تعرفهم ويعرفونها، فهناك هتفوا كثيرا.. وهناك تجمهروا كثيرا.. وهناك صفقوا كثيرا..وهناك زغردوا كثيرا..
لذلك فإنه من الحماقة أن نطلب من الثمانمائة ألف مصفق ومصفقة أفكارا أو مقترحات أو نصائح. فالثمانمائة ألف ولدوا ليصفقوا ويزغردوا، لا ليفكروا، ولا ليقترحوا، ولا لينصحوا. إنهم مصفقون بالفطرة..هكذا وُلدوا .. هكذا جُبلوا ..هكذا خُبزوا ..هكذا نشؤوا ..هكذا شبوا..هكذا شابوا..وهكذا قد يموتون..
ومن لطف الله بنا أن جيشنا على مذهب فقهي واحد، فلو كان في جيشنا ضابط حنبلي أو حتى شيعي وقاد انقلابا ناجحا لتحول ـ وبتلقائية عجيبة ـ ثمانمائة ألف مالكي موريتاني إلى شيعة أو حنابلة في أول يوم من أيام التصحيح الشيعي أو الحنبلي..
ولو أن ذلك الانقلاب نجح لقادت وزارة التوجيه الإسلامي حملة ضد مختصر خليل وموطأ مالك في كل القرى والمدن الموريتانية.
حتى أيادينا تحورت ولم تعد تصلح للبناء أو الأعمار بعد أن تخصصت وتفرغت للتصفيق. فحامل الشهادة العاطل عن العمل لم تعد له وسيلة يجربها للحصول على وظيفة غير التصفيق، والموظف لا يترقى في وظيفته بالكفاءة وإنما بالتصفيق، ورجل الأعمال يصفق لكي يحصل على صفقة عمومية، والمهتم بالشأن العام يصفق لكي تفتح أمامه قنوات التصفيق الرسمي من إذاعة وتلفزيون. والمظلوم يضطر للتصفيق لكي يرفع عنه الظلم. وبصفة عامة فالمواطن ـ أي مواطن ـ يصفق إجباريا لكي يحصل على حقوق المواطنة، أو على الأصح حقوق التصفيق، فحقوق المصفقين محفوظة دائما، أما حقوق المواطنين فهي ضائعة أبدا.
لقد فشلت كل حروبنا السابقة ضد السمنة والأمية والفقر لأننا خضناها بجيش جرار من المصفقين. ونحن اليوم مهددون بالفشل أيضا لأن حروبنا الجديدة ( الحرب على الفساد، والحرب على التصحر، والحرب على الإرهاب) نخوضها بثمانمائة ألف مصفق ومصفقة.
لذلك فنحن اليوم بحاجة ـ قبل أي حرب أخرى ـ لحرب جادة على ظاهرة التصفيق بكل أشكاله وتجلياته، ونحن في هذه الحرب الجديدة ـ والتي سيصفق لها المصفقون الذين نحارب تصفيقهم ـ ربما نحتاج إلى:
1 ـ إعلان يوم وطني تحت شعار يوم بلا تصفيق.
2 ـ تقديم مشروع قانون للبرلمان الموريتاني يجرم ظاهرة التصفيق بكل أشكالها.
3 ـ إطلاق حملات وقوافل داخل القرى والمدن للتحسيس بمضار التصفيق، مع التحذير من خطورة التصفيق لحملات محاربة التصفيق.
4 ـ تقييد أيادي و أرجل الثمانمائة ألف مصفق ومصفقة المنخرطين في الاتحاد من أجل التصفيق لمدة عامل كامل، بسلاسل حديدية قوية، مع إخضاعهم للتجارب التالية:
• الإعلان عن فشل محاولة انقلابية عبر قنوات التصفيق الرسمي ( تلفزيون، إذاعة) وبعد ذلك الإعلان يتم تحديد المصفقين والمصفقات الذين سيتمكنون من تحطيم السلاسل الحديدية للالتحاق بالمسيرات "العفوية" التي ستخرج للتنديد بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.
• الإعلان بعد ذلك وبمدة عن بيان رقم واحد لحركة تصحيحية ناجحة عبر قنوات التصفيق الرسمي، ولا يهم تحديد اسم قائدها، ثم بعد ذلك يتم تحديد المصفقين والمصفقات الذين تمكنوا للمرة الثانية من تحطيم قيودهم للمشاركة في المسيرات "العفوية" التي ستخرج لتأييد حركة التصحيح الجديدة . يتم بعد ذلك نفي كل من تمكن من تحطيم قيوده لمرتين متتاليتين خارج البلاد لأنه مدمن تصفيق، ولا أمل في علاجه.
• يتم إخضاع ما بقى من الثمانمائة ألف مصفق ومصفقة لبرنامج تأهيلي مكثف لتدريبهم على عدم التصفيق، وذلك من خلال تقسيمهم إلى مجموعات. يتم إجبار كل مجموعة على قضاء أسبوع كامل في قصر المؤتمرات، حيث يستمعون وبشكل متواصل ولمدة أسبوع كامل لشريط يتم فيه تكرار جملة واحدة، كما يفعل محولو الرصيد، وهذه الجملة هي : " طبقا للتوجيهات السامية لرئيس الجمهورية". يتم بعد ذلك إطلاق سراح كل من تمر عليه الجملة ـ ولو لمرة واحدة ـ دون أن يصفق، أما الذين تمكنوا من مواصلة التصفيق ليل نهار ولأسبوع كامل فيتم إخضاعهم لدورة تدريبية أخرى أكثر قسوة قبل أن يتم دمجهم في حياة صحية خالية من التصفيق..
تصبحون على وطن خال من التصفيق...

الأربعاء، 10 نوفمبر 2010

الحزام الناسف!


بسم الله الرحمن الرحيم
ابتدع مواطن مصري في فيلم سينمائي حيلة ذكية لخداع شرطة المرور، حيث صمم قميصا أبيض بعارضة سوداء كان يلبسه أثناء قيادته لسيارته لكي يوهم شرطة المرور بأنه يضع حزام الأمان.
لقد فات ذلك المصري بأنه كان يتحايل على نفسه ويخدعها قبل أن يخدع شرطة المرور. ونشوة الانتصار التي كان يشعر بها كلما تمكن من المرور بالشرطة بحزامه الوهمي دون أن يدفع غرامة كانت نشوة خداعة، ناتجة عن نظرة خاطئة لحزام الأمان. ولو أن ذلك المواطن المصري نظر نظرة سليمة لحزام الأمان لما خلعه حتى في الأماكن التي لا توجد فيها شرطة، وما فكر ـ أصلا ـ في ابتداع تلك الحيلة الذكية في الأماكن التي توجد فيها شرطة مرور.
ومن يتأمل هذه القصة سيكتشف ـ بلا عناء ـ أننا نحن جميعا، بشكل أو بآخر، لا نختلف عن المواطن المصري صاحب القميص الأبيض بالعارضة السوداء، وأننا جميعا نضع أحزمة وهمية، وأننا جميعا نخدع أنفسنا قبل أن نخدع "شرطة المرور". فأغلب الموريتانيين يصحو من نومه كل صباح ليبدأ التمثيل والسمسرة والاحتيال لكي يقنع الآخرين بدوره الذي يمثل وبحزامه الوهمي، لذلك فإن كل صاحب حزام وهمي مطالب ـ وبشكل فوري ـ أن يخلع ذلك الحزام . فكفانا ضحكا على أنفسنا، كفانا،كفانا، كفانا....
فالمنتخب(بفتح الخاء) صاحب الثوب الأبيض بالعارضة الزرقاء، والذي يُذكر بالبطاقة البيضاء ذات العارضة الزرقاء، لا يختلف كثيرا عن ذلك المواطن المصري صاحب القميص الأبيض بالعارضة السوداء. فهذا المنتخب الذي قد تسمع منه كلاما جميلا وهو يمثل دور البرلماني الذي ينتقد وزيرا أثناء مداولات البرلمان، هو نفسه الذي يتبدل حديثه إلى حديث آخر، إذا ما قابل ذلك الوزير في مكان خفي لا يوجد فيه تلفزيون.
والمنتخب صاحب العارضة الزرقاء، برلمانيا كان، أو عمدة، أو شيخا ينسى دائما هموم الوطن والمواطن كلما خلا بوزير أو مدير، وهو لا يتذكر في تلك الخلوة إلا همومه الخاصة. مما يعني أن ما نسمعه منه ليس إلا تمثيلا وخداعا للمواطنين، وهو لا يختلف في جوهره عن خداع المواطن المصري صاحب الحزام الوهمي لشرطة المرور.
لهذا المنتخب نقول كفى تمثيلا، كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
والوزير صاحب السيارة السوداء ذات العارضة الزرقاء قد يخدعك وتتوهم أنه وزيرعندما تشاهده وهو يقلب مجلدا من الملفات أثناء الاجتماع الأسبوعي للوزراء، أو عندما تشاهد حرسيا مسكينا يفتح له باب السيارة السوداء،كلما هبط منها أو "هبط" إليها، أو عندما تسمعه يتحدث عن الإنجازات "الجبارة" و"المعتبرة" التي حققتها الوزارة في ظل عهده الميمون. فهذا الوزير الذي قد تتوهم للحظات عابرة أنه وزيرا ليس بوزير حقيقي، وإنما هو شخص يتقن فن التمثيل وله قدرة عجيبة لأن يمثل دور الوزير في اجتماعات مجلس الوزراء، وأن يمثل ذلك الدور أثناء جلوسه في المقعد الخلفي لسيارته السوداء.
والحقيقة أنه إنما يرتدي حزاما وهميا لخداع المواطن البسيط، فهو إن خلا بنفسه لا يفكر إلا في طريقة لنهب شيء من موارد الوزارة، وهو يستطيع أن ينهي كل مأموريته دون أن يفكر ولو لخمس دقائق في هم من الهموم الكثيرة لوزارته. و يستطيع ـ وليته فعلها ـ أن يغط في نوم عميق طوال مأموريته، ولو أنه نام لكان حال الوزارة أفضل.
لهذا الوزير الممثل نقول لقد أصبحنا نعرفك على حقيقتك، ولقد عرفناك في عهد "العزيز" أكثر، فالعزيز الذي عينك وزيرا لا يعاملك على أنك وزير، وإنما يعاملك بوصفك موظفا من الدرجة العاشرة، فلا داعي لارتداء الحزام الوهمي لخداعنا، فاخلع حزامك الوهمي، وكفى تمثيلا،كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يكون سببا في حزام ناسف.
والسياسي الذي يختفي فجأة مع غروب شمس يوم التصويت، ولا تشرق شمسه إلا في المواسم الانتخابية، أو في المواسم التصحيحية، هو أيضا إنما يرتدي حزاما وهميا.
والسياسي ـ في هذا البلد ـ كلما فكر في خداع أمة من الفقراء، ارتدى حزامه الوهمي ولبس ثوبه الأشد بياضا من أرز الفقراء، وذلك قبل أن يهبط على حشد من الفقراء لا هو يعرفهم ولا هم يعرفونه، ليقول لهم ـ وهو لا تبدو عليه آثار السفر ولا السهرـ بأنه ما أغمض جفنا وما استراح له جنب لكثرة انشغاله بهموم المواطنين، خاصة الفقراء منهم.
لهذا السياسي نقول لقد اكتشفناك على حقيقتك، فاخلع حزامك الوهمي، فكفى خداعا، كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
وللمثقف صاحب الرأي المستطير( بالطاء لأنه لا شيء ينير في هذا البلد ) والذي يقيس كل شيء وفق "ترمومتر" مصالحه الخاصة، فإن عُيِّن أو أُعْطِي قال بأن أحوال البلد بخير. وإن مُنِع عطاءً أو أقيل من وظيفة أطلق صفارات الإنذار معلنا قرب دمار، وخراب، وهلاك البلاد والعباد.
وللمثقف الذي علمنا تقديس الأشخاص وازدراء الأوطان، وللمثقف الذي عرفناه نشطا كلما كانت هناك مناسبة تصحيحية أو انتخابية تستحق أن يجمع لها المنحدرون من القبيلة أو الولاية في فندق من الفنادق لتقديم بيانات التأييد والمساندة، وللمثقف الذي عرفناه كسولا خاملا إذا ما تعلق الأمر بالهم العام لمدينته أو لوطنه.
لذلك المثقف ـ إن جازت تسميته بالمثقف ـ نقول لقد انكشفت فلا داعي للتمادي في الخداع، اخلع حزامك الوهمي، فكفى خداعا، كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
وللصحفي الذي تأتيه الأوامر من أعلى سلطة في البلاد بأن يهتم بهموم المواطن ومع ذلك يظل ـ كما عهدناه ـ وفيا لمدرسة السمنة، وأفران المصلحة، وبرنامج التدخل الخاص، ومواكب غرس الشجر.
وللصحفي الذي يمدح بثمن، ويكتب بثمن، وينتقد طلبا لثمن، ويصفق بثمن، ويصور بثمن، ويصرخ بثمن، ويسكت بثمن، ويحيا بثمن، ويموت بلا بثمن.
لذلك الصحفي نقول أنت لست صحفيا، فالصحفي في العالم يناضل ويضحي في سبيل الحقيقة، أما أنت فتأتيك الأوامر من الرئيس لقول الحقيقة، ومع ذلك لا تستطيع أن تجرب قولها، ولا تستطيع أن تحاول ـ ولو لمرة ـ قولها حتى نعرف إن كان الرئيس جادا في أوامره أم لا؟ أنت لست صحفيا ولم يعد بإمكانك أن تخدعنا، فاخلع الحزام الوهمي، إن كنت تريد أن تكون صحفيا، وإلا فسنقول لك كفى خداعا، كفى، كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
وللإمام صاحب العمامة البيضاء، واللحية الكثة البيضاء، والذي يبيع وصل إفطار الصائم داخل مباني الوزارة، وللإمام الذي يتقاضى راتبا عن تدريسه في فصول وهمية لمحو الأمية، وللإمام الذي يجمع الأموال من دول الخليج لبناء المساجد وكفالة الأيتام، فيبذرها ذات الشمال وذات الشمال في مصالحه الخاصة والخاصة جدا.
لذلك الإمام نقول اتق الله في نفسك، واتقيه فينا، واخلع حزامك الوهمي، فكفى خداعا، كفى، كفى،كفى ،كفى..فحزامك الوهمي قد يتسبب في حزام ناسف.
للقاضي السمسار بالثوب الأسود، وللطبيب السمسار بالثوب الأبيض،وللأستاذ السمسار، وللشرطي السمسار، وللموظف السمسار، وللمثقف السمسار، وللصحفي السمسار، وللإمام السمسار، وللمواطن السمسار، وللسمسار السمسار...لكم جميعا نقول لقد آن الأوان لأن نخلع أحزمتنا الوهمية، فقد بلغت بلادنا من العمر خمسين حولا، فكفانا خداعا، كفانا، كفانا.. فأحزمتنا الوهمية هي التي تسبب في الأحزمة الناسفة.
فيا ليت قومي يفقهون ذلك.. ليتهم يفقهونه..
تصبحون بلا أحزمة وهمية......

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

لكم استقلالكم..ولنا استقلالنا!


بسم الله الرحمن الرحيم
لكم استقلالكم..ولنا استقلالنا!
يبدو أننا سنحتفل في الثامن والعشرين من نوفمبر القادم بالذكرى الثالثة للاستقلال الوطني "المصحح" لا بخمسينية الاستقلال. ويبدو أنه لا زالت تفصلنا عقود من الزمن ـ ومن الوعي أيضاـ لكي نحتفل بطريقة لائقة بهذه الخمسينية. ويبدو كذلك أن اللجنة المحضرة لخمسينية الاستقلال لا زالت تصر على أن تقسم الشعب الموريتاني إلى فسطاطين : فسطاط يحق له أن يشارك وأن يحتفل بخمسينية الاستقلال في 28 من نوفمبر القادم. وفسطاط آخر، عليه أن يبحث عن وطن آخر، وعن استقلال آخر، وعن نوفمبر آخر، وعن خمسينية أخرى، وربما عن رئيس آخر.
فمن المؤسف حقا أن تتعامل اللجنة المحضرة للخمسينية بازدواجية صارخة مع الموريتانيين الراغبين في المشاركة في الاحتفالات المخلدة للذكرى الخمسين لاستقلال الدولة الموريتانية.
ومن المخجل حقا أن تخصص هذه اللجنة زاوية المقالات في موقعها على الانترنت لخمسة مقالات أصحابها من فسطاط واحد، في الوقت الذي ترفض فيه نشر مقالات متميزة كُتبت عن هذه الذكرى لأن كتابها من الفسطاط الآخر الذي يحاول جاهدا أن يجعل الولاء للوطن أهم من الولاء للموالاة أو للمعارضة.
و لابد لمن يزور موقع اللجنة المحضرة للاستقلال أن يُصدم عندما يكتشف بأن المقالات المنشورة في هذا الموقع لا صلة لها بالاحتفالية، اللهم إذا استثنيا مقالا أو اثنين حاول صاحبهما أن يختزل تاريخ وذاكرة أمة في طرق معبدة شيدت في العهد الحالي، أو لا تزال ـ على الأصح ـ أثناء التشييد.
لذلك فإنه من الضروري أن نُذكر اللجنة المحضرة للخمسينية بأن الشعب الموريتاني قد سئم من عمليات اختزال تاريخ البلد في فاصلة إعلانية قصيرة، تأتي قبل التاريخ الحقيقي، وهي فاصلة تُضغط فيها عقود من تاريخ البلد سبقت "العهد الميمون" الذي وُلِد فيه التاريخ مرة في 12 ـ 12 ـ 84. ووُلِد فيه مرات أخرى في أول أربعاء من أغسطس من العام 2005 و العام 2008.
لقد سئم الشعب الموريتاني تلك الاحتفالات التي تُضغط فيها سنوات وعقود من عمر الدولة الموريتانية، وتبسط فيها أيام وشهور أعقبت قدوم ساكن جديد للقصر الرئاسي بسطا عجيبا.
وإذا كان يحق للبعض أن يصغر و يتصاغر وينكمش ويتمدد ويتفاعل كيف ما شاء حتى يتحول إلى فرن من أفران المصلحة، أو كتاب من كتب الطبخ مع الميلاد الأول للتاريخ، أو أن يتحول إلى شجيرة، أو طريق معبد، أو إلى صرة من اللبن المجفف مع الميلاد الثاني أو الثالث للتاريخ الموريتاني . فإذا كان يحق لأولئك أن يتحولوا إلى كتب أو أفران أو شجيرات فإنه لا يحق لهم أن يختزلوا وطنا بكامله ويحولوه إلى حرف هجائي يكتبه أمي ظل أميا حتى في العهد الذي تم فيه القضاء على الأمية ـ حسب الإعلام الرسمي ـ في كل دول الجوار. أو يحولوا ذلك الوطن إلى شجيرة يغرسها فقير جائع كُتب عليه أن يزداد فقرا وبؤسا في العصر الذهبي للفقراء.
لقد كنا نتوقع من اللجنة المحضرة لخمسينية الاستقلال أن تجعل من يوم الثامن والعشرين من نوفمبر القادم مناسبة وطنية، من حق كل الموريتانيين أن يشاركوا فيها لأنها من المفترض أنها تهمهم جميعا، ولأنها قد لا تتكرر ثانية في حياة الكثيرين منهم. ولكن المؤسف أن اللجنة لا زالت تصر أن تجعل منها مناسبة سياسية خاصة ببعض الموريتانيين دون غيرهم ككل الاحتفالات السابقة بذكرى الاستقلال.
فالثامن والعشرون من نوفمبر القادم قد لا يختلف كثيرا عن 18.250 يوما سبقته هي عمر الدولة الموريتانية.
واللجنة المحضرة للخمسينية لا تختلف عن اللجان والسلطات العليا والمجالس الوطنية الكثيرة، والتي تبتلع كثيرا من أموال هذا الشعب الفقير دون أن تقدم شيئا مذكورا يبرر تلك الأموال الطائلة التي تم ابتلاعها.
لقد اختارت هذه اللجنة أن تكون عبئا ثقيلا على كاهل هذا الشعب المسكين مثلها مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي، والمجلس الإسلامي الأعلى، والسلطة العليا للصحافة، ووسيط الجمهورية، وغيرهم من المجالس واللجان والسلطات التي لم تقدم حسنة واحدة تشفع لها وتبرر بقاءها. ويكاد المرء يوقن أن مصائب هذا الشعب هي بالذات مصادر فوائد هؤلاء.
ولعل من أشد مصائبنا في هذا البلد أننا تعودنا على أن نختزل الوطن في وظيفة بالنسبة لمن له وظيفة، أو في قبيلة، أو في جهة، أو في عرق، أو في ايدولوجيا، أو في زعيم بالنسبة للمعارضين أو في رئيس بالنسبة للذين يولدون وهم موالون، ويعيشون وهم موالون، ويموتون وهم موالون.
ونحن بهذه المناسبة بحاجة إلى أن نتعلم درسا بسيطا جدا وهو درس من سطر واحد: إن الوطن أكبر من الرئيس، ومن الزعيم، ومن الموالاة، ومن المعارضة، ومن القبيلة، ومن العشيرة.
أضف إلى جملة المصائب في هذا البلد أن الأغلبية لا يهمها من أمور الوطن إلا أن ترضي الرئيس. والمعارضة لا يهمها إلا أن تغضبه. فالمعارضة التي تمت دعوتها للمشاركة في هذه الاحتفالية اختارت أن ترفض، وهي لم تتقدم بأي مقترح للجنة المحضرة للاحتفالية والتي هي في أمس الحاجة لمقترحات تملأ بها ـ على الأقل ـ صفحات موقعها الذي نشرت فيه كتابا لا صلة له بالاستقلال بمجرد أن مؤلفه عضو ناشط في اللجنة الإعلامية للحزب الحاكم.
لقد كان من واجب المعارضة أن تقدم اقتراحاتها لهذه الاحتفالية رغم أنها مقترحات كان من المؤكد أنها ستفرض لأنها لم تأت من الفسطاط الذي من حقه أن يشارك في احتفاليات خمسينية الاستقلال.
ومن مآسي هذا البلد أن الأغلبية لا تفعل شيئا من أجل هذا الوطن، والحكومة لا تنجز شيئا لصالحه، واللجان والسلطات العليا والمجالس لا تفكر في أي شيء. فكل هؤلاء يقتاتون من إنجازات الرئيس التي هي في مجملها أقل بكثير مما حلم بها الفقراء ذات يوم مجيد من أيام أغسطس المجيدة.
ومن أشد معضلاته أن المعارضة لا تختلف عن الأغلبية في أي شيء، فهي أيضا تقتات من إخفاقات الرئيس، ولا تفعل شيئا من أجل أن تقلل من تلك الإخفاقات والتي تكفي ـ بالمناسبة ـ لإطعام كل المعارضات في الدول المجاورة.
ولعل أشد ما نقاسيه أننا مخيرون بين أن نختزل الوطن في شجيرة أو في رئيس أو في وظيفة أو في قبيلة أو في أي شيء أو أن نعيش بلا وطن...
وحق لنا أن نتساءل هل نحن مخيرون بين أن نشارك فسطاطا من هذا البلد في خمسينية قرر أن يختزلها ويختصرها ويضغطها في ثلاث سنوات أو أن ننتظر خمسينية أخرى من الراجح أننا لن نعيش لحظة قدومها؟
إننا مجبرون على أن نقول بالعربي الفصيح والصريح للفسطاس الذي سيحتفل بخمسينيته في الثامن والعشرين من نوفمبر القادم:
لكم وطنكم الذي إذا شئتم اختزلتموه في طريق معبد أو في شجرة أو في متجر رمضاني.. وسيبقى لنا وطننا الذي اختزلناه في حلم جميل لا بد له أن يتجسد حتى وإن طال الانتظار.
لكم خمسينيتكم ... وسننتظر خمسينيتنا التي لابد وأن تأتي.
لكم استقلالكم.. وسننتظر استقلالنا.
تصبحون على الوطن الحلم ..

الاثنين، 11 أكتوبر 2010

حراس المستقبل .. ومستقبل الحراس(1)

لم يعد خافيا أن "السفينة" قد امتلأت صفائحها بالثقوب والفجوات، وأنها قد خُرِقت في أكثر من موضع. ولم يعد خافيا كذلك أن من أخطر ما يهددها بالغرق هو تلك الثقوب والفجوات التي تُحدث خرقا في السلم والوئام الاجتماعيين، لذلك فقد كان من الملح والملح جدا أن تتشكل مبادرة وطنية تتخصص وتتفرغ في سد الثقوب والفجوات الأكثر خطورة، ثم تعمل بعد ذلك لمنع حدوث أي ثقوب جديدة، حتى تتمكن سفينتنا من العبور الآمن إلى الشاطئ دون الغرق في بحار مخيفة وموحشة، موجها كالطود العظيم، ونهارها كليلها حالك الظلمة، شديد الرهبة.
ميلاد مبادرة : لقد ولدت مبادرة "حراس المستقبل" في لحظة تاريخية فاصلة، تنفرد بعديد من الميزات لعل من أهمها:
 أن ميلادها قد جاء قبيل الاحتفال بخمسينية الاستقلال بأسابيع معدودة وفي ذلك دلالات وإشارات كثيرة.
 أن الإعلان عنها قد جاء في وقت كان فيه الكثير من الموريتانيين يبحث عن مشروع وطني هادف ينخرط فيه من أجل مواجهة التحديات الكبرى التي تهدد مستقبل البلاد، بعيدا عن التجاذبات والصراعات السياسية الآنية.. الرسائل وردود الأفعال تؤكد هذه الحقيقة.
 أن الإعلان عنها قد جاء في وقت انقسمت فيه النخبة حول الاسترقاق ومخلفاته إلى فريقين: فريق يتعامل مع الرق بسلبية فاضحة، وفريق آخر يتعامل معه بتطرف صادم.
لذلك فقد كان من الضروري جدا أن يولد مشروع جديد، لحلف جديد، يركز على ثلاث نقاط أساسية:
أولاهما: أن محاربة مخلفات الرق هي أولوية الأولويات لأنه لم يعد من اللائق ـ ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لميلاد الدولة الموريتانية ـ أن تظل هذه القضية مطروحة وبهذه الحدة.
ثانيهما: لا يمكن أن نفسر فشلنا كدولة أو كنخب في استئصال هذه الظاهرة ومخلفاتها بشكل نهائي بتفسيرات عنصرية، كعنصرية الدولة أو النظام، أو نفسرها بتحالف بعض الشرائح ضد شريحة معينة...إلخ
فالحقيقة أن الدولة لم تفشل في القضاء نهائيا على مخلفات الرق لأنها دولة عنصرية، وإنما فشلت لنفس الأسباب التي جعلتها تفشل في محاربة الجهل والفقر والتخلف رغم ما تمتلك من ثروات متنوعة. والمقارنة هنا لا تعني أننا ننظر لمشكل العبودية كنظرتنا للفقر أو للجهل أو لأي ظاهرة أخرى، وإنما هي مقارنة من أجل تفنيد نظرية عنصرية الدولة والشرائح التي يحلو للبعض أن يتحدث عنها كلما تحدث عن العبودية. ومن المؤكد أن هذه النظرية لا تساعد في القضاء على مخلفات الاسترقاق لأنها تقزم محاربة مخلفات الرق وتجعل منه مجرد ظاهرة تخص شريحة واحدة وليس قضية وطنية كبرى، نريدها نحن في "حراس المستقبل" أن تظل من أهم القضايا التي يجب أن يتنافس في محاربتها المتنافسون من أبناء هذا الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم وأعراقهم وشرائحهم الاجتماعية.
ثالثهما : على "حراس المستقبل" أن يستنهضوا الهمم ويستنفروا كل النخب وبالأخص أولئك الذين لا يزالون يتعاملون مع هذه الظاهرة بسلبية فاضحة. وهناك نوعان من التعامل السلبي أحدهما لا يهتم بالظاهرة أصلا، ولا يعتبرها من القضايا الشائكة التي تهدد مستقبل البلاد. وثانيهما وهو الأقل سلبية يكتفي بالحديث عن الظاهرة دون أن يقدم جهدا ميدانيا لمحاربة مخلفاتها وذلك نتيجة لاعتقاده الخاطئ أن الحكومة هي المعنية أولا و أخيرا بمعالجة مخلفات الاسترقاق. ومن هنا فعلى القائمين على حلف "حراس المستقبل" أن يهتموا بمجالين اثنين في إستراتيجيتهم لمحاربة مخلفات الاسترقاق.
المجال الأول : تقديم المقترحات للسلطة والضغط من أجل تنفيذها، وهذه المقترحات يجب أن تمتد لتشمل كل القضايا ذات الصلة بظاهرة الرق ومخلفاته كالفقر والجهل والفساد..
المجال الثاني: وهو ما أشار إليه الإعلان التأسيسي للحلف، فعلى "حراس المستقبل" أن يصمموا برامج عملية على مقاسهم، يكون بالإمكان تنفيذها بوسائلهم وبإمكانياتهم الخاصة، دون الحاجة لدعم السلطات. وهناك بعض المقترحات العملية التي ستترك للنقاشات الداخلية لأعضاء الحلف.
المهم أنه على "حراس المستقبل" أن يمتلكوا وسائل تمكنهم من أن يبتدعوا ويصمموا برامج قادرة على أن تصل للمزارع في حقله، ولربة البيت في كوخها، وللطالب في مدرسته، وللقروي في قريته. وأن لا يقتصر عمل الحلف على بعض الندوات والنقاشات والحوارات النخبوية التي لا يتجاوز صداها جدران القاعات التي تحتضنها.
ومن المصادفات اللافتة أنه في الوقت الذي كنت أكتب فيه عن "حراس المستقبل" كانت الفضائيات تنقل صورة "حسن نصر الله " الأمين العام لحزب الله وهو يغرس الشجرة المليون أمام بيته.
لقد استطاعت منظمة لبنانية غير حكومية وهي منظمة الجهاد للبناء الإنمائية أن تغرس لوحدها في أقل من عام واحد مليون شجرة. هذا في الوقت الذي لا نستطيع فيه نحن أن نجزم إن كانت الحكومة والأغلبية الداعمة لها ستتمكنان من غرس مليون شجرة في السنوات الأربع القادمة! وهذه المقارنة لا أوردها هنا لانتقاد مشروع غرس مليون شجرة في العاصمة، وإنما أوردها لتقديم حقيقة في غاية الأهمية أتمنى أن يعيها كل عضو من الأعضاء المائة والخمسين المؤسسين لحلف "حراس المستقبل". فبإمكان الحلف أن يحقق للمهمشين في هذا البلد ما عجزت الدولة الموريتانية أن تحققه لهم. والأمثلة أكثر من أن يتم حصرها، وهي لا تقتصر قطعا على مليون شجرة غرستها منظمة لبنانية غير حكومية في أقل من عام، في الوقت الذي لم تستطع فيه الحكومة اللبنانية أن تنجز مثل ذلك، وفي الوقت الذي تجعل فيه الحكومة الموريتانية من مشروع غرس مليون شجرة خلال أربع سنوات إنجازا عظيما حتى من قبل أن يكتمل. فهناك مثال آخر تقدمه منظمة غير حكومية أخرى هي "بنك غرامين" الذي أسسه "محمد يونس"، والذي قدم من التمويلات الصغيرة في "بنجلادش" ما لم تستطع الحكومة البنجالية أن تقدمه. وفي "الكويت" استطاعت منظمة "العون المباشر" أن تنجز في بعض دول إفريقيا من المشاريع الدعوية والتنموية ما لم تستطع "الكويت " ولا أي دولة خليجية أخرى أن تنجزه في تلك البلدان.
وتلك الأمثلة وغيرها، مما لا يتسع له المقام، تجعلنا في "حراس المستقبل" نعتقد بأنه بإمكاننا أن نضع بصمتنا الخاصة، وأن نحقق في مجال الوئام الاجتماعي ما فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيقه. و يمتلك الحلف العديد من الطاقات والقدرات التي قد تساعده في تحقيق ذلك، ومن هذه الطاقات والقدرات يمكنني أن أذكر:
1ـ لقد استقطب الفريق المؤسس للمبادرة تشكلة نادرة من الشخصيات الفكرية والثقافية والدينية والإعلامية والحقوقية والتي يمكن لها أن تشكل ـ بحق ـ فريقا متميزا للإصلاح وللوئام الاجتماعي.
2 ـ لهذا الفريق القدرة الكافية لأن يفكرـ بشكل استراتيجي واستشرافي ـ في كبريات القضايا وأن يستنبط لها حلولا جذرية، وأن يجسد تلك الحلول في صيغة عمل ميداني.
3ـ بإمكان هذه "الكتلة الوطنية" المشكلة للحلف أن تتحول إلى كتلة مغناطيس لجذب واستقطاب كل الوطنيين المخلصين والذين تشرأب أعناقهم منذ عشرات السنين إلى مشروع وطني طموح وجاد يوظف إمكاناتهم وقدراتهم الهائلة في عمل وطني كبير. فالكثير من أبناء هذا البلد قد طال انتظاره لعنوان جاد يحتضن الأفكار الجادة، لذلك فأمام حلف "حراس المستقبل" فرصة نادرة لأن يكونوا ذلك العنوان المفقود.
تحيين الأهداف وتطوير الوسائل:

في اعتقادي أن مستقبل "حراس المستقبل" يكمن في القدرة على التركيز على "أمهات" المشاكل التي يعاني منها البلد في الوقت الحالي والتي تهدد مستقبل وجوده، وذلك لتفادي أخطاء كثيرا ما تقع فيها نخبنا التي لا زال الكثير منها ـ وهو على أبواب العقد الثاني من الألفية الثالثة ـ يخاطبنا بخطاب الستينات والسبعينات ويصر على نبش " تراث" و "أرشيف" هموم ومشاكل الستينات ليستخرج لنا منها المشاكل والهموم التي يجب علينا أن نناضل من أجلها في العقد الثاني من الألفية الثالثة!
فإذا كان يشرع لنا في الستينات أو في السبعينات أن نحلم بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، فإننا اليوم ـ للأسف الشديد ـ أصبح أقصى ما يمكننا أن نحلم به هو أن نصون وحدة وطننا المهدد في وحدته مثلما هو حال الدول العربية الأخرى كالسودان والعراق والبحرين واليمن و مصر...
وإذا كنا بالأمس القريب يحق لنا أن نُحَمل كل قطرة دم تسيل في أي بلد مسلم للغرب الكافر، فإننا اليوم لم يعد بإمكاننا أن نتجاهل الدماء الكثيرة التي تسكب على أراضينا بسبب قتال بعضنا للبعض الآخر لأسباب ترتبط بخلافات مذهبية أو عقائدية أو فكرية...
لقد أصبحت لدينا هموم ومشاكل وأحلام قد لا تتطابق تماما مع هموم ومشاكل وأحلام الستينات والسبعينات.
واليوم لم يعد بالإمكان أن نتقبل تقاعس النخب عن مسؤولياتها الاجتماعية بحجة التفرغ لكشف ومواجهة المؤامرات الخطيرة التي نتعرض لها صباحا ومساء من طرف الغرب الكافر أو الغرب الاستعماري.
ومع أنه لا أحد مهما كان مستوى براءته أو طيبته أو سذاجته، يمكن أن يشكك أو يقلل من حجم المؤامرات التي نتعرض لها من طرف الآخر، إلا أنه يمكننا مع ذلك أن نقول ـ ونحن مرتاحو البال ـ بأن أخطر مؤامرة تعرضت لها بلداننا تتمثل في تخلي النخب عن أدوارها وعن مسؤولياتها الاجتماعية والوطنية.
فبأي منطق يمكن للنخب أن تعيش فراغا ـ وأقصد هنا الفراغ في العمل الاجتماعي والتطوعي والخيري ـ في بلد همومه ومشاكله بحجم همومنا ومشاكلنا؟
وأي شرع أجاز لهذا الفريق الرائع من نخبتنا الذي أسس "حراس المستقبل" أن يظل متفرقا وأن لا يجتمع إلا في أيامنا هذه، وبعد أن أصبح الماء يتسرب إلى داخل السفينة من خلال ثقوب وفجوات شتى؟
لقد تأخر هذا الفريق كثيرا في التشكل، ولكنه في النهاية اجتمع في حلف مبارك إن شاء الله. وهو حلف نرجو له أن يتيح لنا جميعا فرصة للتوبة من سنوات الانسحاب والتفرج على هموم وأوجاع البلد.
والحلف ـ وهذا من أهم ما يميزه ـ لا يقدم حلولا جاهزة لكبريات القضايا، وإنما يفتح غرفا للتفكير المتخصص في كل جوانب و أبعاد المشكل وذلك من أجل مساهمة الكل في وضع تصورات للحلول، وفي تنزيلها للواقع مع المشاركة في تنفيذها ميدانيا في إطار مبادرة وطنية تتحدد فيها قيمة الأعضاء ومكانتهم وفق الجهد الذي يقدمونه، ولا تتحدد وفق أي معيار آخر.
تصبحون وأنتم أعضاء في الحلف...

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

خاص برئيس الجمهورية (13)


سيدي الرئيس،
لقد انتقدتم بشدة التلفزيون أثناء زيارتكم له، وطلبتم من القائمين عليه أن يهتموا أكثر بهموم المواطنين. ولقد استدعيتم ثلاث مرات ـ على الأقل ـ مديري مؤسسات الإعلام الرسمي، وطلبتم منهم نفس الطلب. بل إنكم فوق ذلك قررتم أن تجعلوا من ذكرى التنصيب مناسبة للقاء مفتوح للإجابة على أسئلة بعض الصحفيين والمواطنين العاديين الذين أتيحت لهم فرصة المشاركة في ذلك البرنامج الهام، والذي شكل سابقة من نوعه في المنطقة. كل ذلك حدث بعد تنصيبكم، وكل ذلك جعلنا نتوقع أن يتحسن أداء الإعلام الرسمي، خاصة بعد أن صادق البرلمان على قانون تحرير الفضاء السمعي البصري. ولكن الذي حدث كان هو العكس تماما، فقد ابتعدت تلك المؤسسات كثيرا عن هموم المواطن العادي، في تحدٍ سافر لتعليماتكم وتوجيهاتكم الصريحة والواضحة في هذا المجال.
لقد أردتم للتلفزيون أن يكون قريبا من هموم المواطن العادي، وأراد له مديره أن يكون بعيدا من هموم المواطن. فكان ما أراد المدير، لا ما أردتم أنتم.
صحيح أن المدير استحدث بعد زيارتكم للتلفزيون برنامج " الحكومة في الميزان". وصحيح أيضا أنه سمح بتقديم بعض الحلقات الحوارية التي تم فيها نقاش بعض القضايا التي تهم المواطن العادي. ولكن صحيح أيضا أن كل ذلك كان مجرد ردة فعل عابرة، على تعليمات وتوجيهات سيادتكم السامية، والتي كانت بالنسبة لمدير التلفزيون مجرد تعليمات وأوامر عابرة، يجب التعامل معها بشكل عابر.
لقد توقف برنامج "الحكومة في الميزان" قبل أن يستضيف كل الوزراء. وتوقف برنامج " المنتدى" الذي كان يناقش ـ من حين لآخرـ بعض القضايا التي تهم المواطن. كما تجاهل التلفزيون المعركة الأخيرة التي خاضها جيشنا الوطني ضد بعض الإرهابيين في الشمال المالي، بل إنه ركز على برامج الغناء والطرب في الأوقات التي كان فيه بعض جنودنا الأبطال يقدمون أرواحهم دفاعا عن الوطن. ولم يبذل التلفزيون أي جهد ـ حتى ولو كان قليلا ـ من أجل تصحيح نظرة البعض للعمليات التي يقوم بها جيشنا ضد الإرهاب، والتي لا زال البعض يعتبرها حربا بالوكالة.
سيدي الرئيس،
لقد أصبحت لكل مؤسسة من مؤسساتنا الإعلامية سياستها الإعلامية الخاصة بها، والتي لا يحدد معالمها إلا مزاج المدير لوحده. فوزارة الاتصال ليست هي من يحدد السياسة الإعلامية، وليس لوزيرها سلطة على من يدير هذه المؤسسات. ويكفي أن أقدم مثالا واحدا من أمثلة عديدة يمكن تقديمها في هذا المجال. لقد قرر مدير الإذاعة أن يبث بيان السلطة العليا للصحافة الأخير، في حين أن مدير التلفزيون رفض بث ذلك البيان. ألا يعني ذلك أن التلفزيون والإذاعة لا يتبعان لنفس الوزارة، ولا لنفس الحكومة، ولا يخضعان لنفس السياسة الإعلامية؟ أم أن المسألة تتعلق بمجرد اختلاف في "الأمزجة" حيث كان مزاج مدير الإذاعة رائقا وقت تسلمه للبيان فبثه. في حين أن مزاج مدير التلفزيون لم يكن كذلك فرفض بث البيان.
عموما لقد اتسمت ردة فعل السلطة العليا للصحافة "بدروشة" ألفناها. ولقد كان رئيسها يعلم أنه لا سلطة له عمليا على مؤسسات الإعلام الرسمي، حتى ولو كان نظريا يملك سلطات واسعة. لذلك فهو لم يتجرأ حتى على الاحتجاج على عدم بث البيان لأنه يعرف جيدا بأن احتجاجه لن تكون له نتيجة. ولم يشفع له ـ لبث بيانه ـ أنه تعامل مع الإعلام الرسمي والمستقل بازدواجية واضحة، وذلك عندما اكتفى بانتقاد بعض المواقع والصحف المستقلة، ولم ينتقد سلبية الإعلام الرسمي.
نفس الازدواجية انتهجها رئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، الذي كان قد وعد في وقت سابق بأنه سينتقد كل تقصير من طرف الحكومة، ورغم ذلك فلم يتجرأ على نقد الموقف السلبي للإعلام الرسمي. وإنما اكتفى بانتقاد بعض القنوات الفضائية بحدة لافتة، وهدد بسحب تراخيصها. وربما كانت تلك الحدة اللافتة جاءت كمحاولة ذكية للتغطية على عجزه اللافت عن انتقاد أي مؤسسة إعلامية عمومية، حتى ولو كان قد وعد بذلك في " التقرير المذهبي للحزب"
فلماذا الكل يخاف من مديري الإعلام الرسمي؟ وإلى متى يظل المواطن الموريتاني يزداد ابتعادا عن الإعلام الرسمي كلما كانت هناك أحداث وطنية كبيرة؟
سيدي الرئيس،
لقد كتبت لكم سابقا عن مصير المقترح الذي قدمته من أجل استحداث برنامج شبابي متخصص في التنمية البشرية، كان يمكن ـ لو تم قبوله ـ أن يشكل إضافة نوعية لما يقدمه التلفزيون.
الشيء الذي أضيفه في هذه الرسالة، هو أن مدير التلفزيون تلقى أوامر من وزير الاتصال السابق بضرورة إطلاق البرنامج. كما تلقى توصية إيجابية من إدارة السمعيات البصرية بضرورة اعتماده، وذلك بعد أن كلفها الوزير الحالي بدراسة المقترح والرد عليه. هذا فضلا عن تدخل مستشاركم الإعلامي والذي كان قد أكد هو الآخرـ بعد أن اطلع على تفاصيل المقترح ـ بأن البرنامج سيتم اعتماده. لقد تم رفض البرنامج لأنه ـ ببساطة شديدة ـ لم يوافق مزاج المدير، والذي يظهر أن مزاجه أهم من أوامر وزير الاتصال، ومن أوامر مستشاركم الإعلامي، وأهم ـ بالتأكيد ـ من اقتراحات كل العاملين في وزارة الاتصال.
فإلى متى ستظل المؤسسات العامة تسير وفق مزاج من يديرها، لا وفق القوانين ولا وفق المصلحة العامة ؟ وهل من اللائق أن نظل دولة " أمزجة" لا دولة مؤسسات في الوقت الذي سنحتفل فيه ـ بعد أسابيع معدودة ـ بخمسينية استقلال الدولة الموريتانية؟ وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلد ... وإلى الرسالة الرابعة عشر إن شاء الله.