الاثنين، 31 ديسمبر 2012

تعليق سريع على خبر إحصاء الصحراويين



رغم أن موقع "الأخبار انفو" يعد من أكثر المواقع الموريتانية تميزا إلا أنه مع ذلك لم يسلم من الوقوع في بعض الأخطاء الشنيعة المتعلقة بنشر بعض الأخبار التي قد تكون لها انعكاسات سلبية على أمن موريتانيا، وقد تتسبب ـ لا قدر الله ـ في ردود أفعال خطيرة لا يمكن السيطرة عليها.
وبالتأكيد فلا يزال الجميع يتذكر ذلك الخبر الغريب الذي نشره الموقع، والذي اتهم من خلاله المملكة المغربية  بالوقوف وراء محاولة اغتيال الرئيس محمد ولد عبد العزيز في حادثة 13 من أكتوبر دون أن يقدم الموقع ـ وحتى الآن ـ أدلة كافية تبرر نشر مثل ذلك الاتهام الخطير.

وفي يوم الأحد 30/ 12/ 2012 نشر الموقع خبرا آخر أكثر خطورة، وهو الخبر المتعلق بصدور أوامر رسمية ـ حسب الموقع ـ بتسجيل الصحراويين ضمن السكان بموريتانيا.

ولقد روج الموقع لهذا الخبر حتى من قبل نشره، وذلك من خلال الصفحة الشخصية لرئيس تحرير الموقع على الفيسبوك، ومع أني لم أطلع على هذا الخبر إلا في وقت متأخر جدا من مساء الأحد 30/12، إلا أني مع ذلك قد ارتأيت أن أكتب ـ وعلى وجه السرعة ـ الملاحظات الأربع التالية مع إمكانية العودة إليها بشيء من التفصيل في حالة الحصول على بيانات إحصائية وافية.
الملاحظة الأولى:
جاء في الخبر ما يلي : "وقال مراسل لوكالة الأخبار شمال البلاد إن أحد السياسيين الموريتانيين فتح منازله للصحراويين الوافدين للإحصاء، كما نصب الصحراويون مخيما قرب "بير أمكرين" من أجل تنظيم واستقبال المسجلين الجدد ضمن عملية أحيطت بالكثير من السرية".  السؤال الذي يفرض نفسه هنا هو : أين السرية التي تحدث عنها الخبر مادام يتم نصب الخيام بشكل علني من أجل استقبال من يراد تجنيسه؟

الملاحظة الثانية : لم يكتف الموقع بصياغة الخبر على أساس أنه اتهام للحكومة، وإنما صاغه بشكل يقيني مما زاد من الشكوك المرتبطة بنشر مثل هذا الخبر. وقد نُشر الخبر تحت العنوان التالي:  "أوامر رسمية بتسجيل الصحراويين ضمن السكان بموريتانيا".

الملاحظة الثالثة : تحدث الخبر عن زيادة في عدد المسجلين في ولاية تيرس الزمور من خلال المقارنة بين إحصاء 2000 والإحصاء الجاري حاليا، وتحدث الموقع عن تلك الزيادة باعتبارها تشكل دليلا قويا على تسجيل الصحراويين. ومع أن الزيادة في كامل الولاية لم تصل إلى 10000، ومع أنه يمكن البحث عن تفسير إحصائي آخر لتلك الزيادة المسجلة، وهو ما سأحاول أن أقوم به عند توفر بيانات كافية، إلا أني في هذا التعليق السريع سأكتفي بتقديم حالة أكجوجت، والتي كانت من بين مدن وولايات من ولايات الوطن لم ينشر الموقع الأرقام المتعلقة بها.
يبين الموقع الرسمي لتقييد السكان بأن عدد المسجلين في أكجوجت قد زاد على 16500 مسجلا، رغم أن عدد المسجلين  في إحصاء 2000 لم يصل إلى هذا الرقم.
 لم أجد حتى الآن بيانات المدينة في إحصاء 2000، إلا أن هناك رقما منشورا في موقع ويكيبديا يقول ـ إن صح ـ بأن عدد سكان أكجوجت في إحصاء 2000 لم يكن يتجاوز 7000 نسمة، أي أن هناك زيادة  في مدينة أكجوجت لوحدها تساوي الزيادة الحاصلة في ولاية تيرس الزمور بمختلف مقاطعاتها وقراها، مما يعني أن تلك الزيادة  المسجلة في ولاية تيرس الزمور لا يمكن الاعتماد عليها لتأكيد تسجيل آلاف الصحراوين في موريتانيا.
الملاحظة الرابعة: علق البعض بالقول بأن من واجب الموقع نشر كل الإخبار التي تصل إليه، وبغض النظر عما يمكن أن يترتب عليها. والحقيقة أن الموقع ـ لسبب أو لآخر ـ  لم يكن ينشر كل ما يصل إليه من أخبار، والأمثلة على ذلك كثيرة، وإن كنت سأكتفي هنا بمثال واحد يتشابه تماما مع الخبر موضع التعليق.
 لم يتحدث موقع الأخبار عن اعتقال عمدة لكصيبة في الشهر الثامن من السنة الجارية في قضية تزوير أوراق، وذلك بعد أن اعترف بعض الأجانب السنغاليين بأن العمدة المذكور كان يساعدهم في تزوير أوراق الإحصاء.
حفظ الله موريتانيا..

الأحد، 30 ديسمبر 2012

هل حان الوقت لتغيير النشيد الوطني؟



مرة أخرى يدور جدل واسع ونقاش حاد بين المطالبين بضرورة تغيير النشيد الوطني والمتمسكين بهذا النشيد، وقد شغل هذا النقاش رواد مواقع التواصل الاجتماعي ليوم السبت 29/12، وذلك بعد أن طالب رئيس تيار الفكر الجديد بضرورة تغيير هذا النشيد خلال المهرجان الذي نظمه التيار في دار الشباب القديمة يوم الجمعة 28 ـ 12 ـ 2012.
ولأننا تعودنا دائما على أن لا ننظر إلا بعين واحدة لكل قضايانا وهمومنا فقد احتد النقاش بين الطائفتين، وهو سيظل محتدا كلما تمت إثارة الموضوع، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن لكل طرف من الطرفين حججا قوية وكافية لمواصلة هذا النقاش إلى ما شاء الله له أن يتواصل.
وبعيدا عن الشحن العاطفي، وتقديرا لكل الحجج التي تم تقديمها، فيمكن القول بأن تغيير النشيد الوطني سيبقى مطلبا وجيها (لأسباب سأبينها لاحقا)، ولكن إثارة مثل هذا المطلب الوجيه في مثل هذا الوقت سيفقده الكثير من وجاهته.
إن النقاش حول تغيير النشيد الوطني يجب أن لا يثار إلا في الأوقات التي تكون فيها البلاد تعيش وضعية سياسية طبيعية، أما إثارته في مثل هذا الوقت فلن تكون مجدية، خصوصا وأن الأطراف السياسية لا زالت عاجزة عن الاجتماع لنقاش قضايا سياسية أشد إلحاحا وأكثر استعجالا من تغيير كلمات النشيد الوطني.
إن هناك أولويات في الظرف الحالي، وليس من بينها قطعا تغيير النشيد الوطني الذي لم يتسبب منذ اعتماده في إثارة أية مشاكل تستدعي أن يُلِح البعض في المطالبة بتغييره، وكأن عدم تغييره في الوقت الحالي،  ستتسبب في مزيد من المشاكل.
كما أن إثارة مثل هذا الموضوع، في مثل هذا الوقت قد يحسبها البعض تطاولا على النشيد الوطني والذي يشكل رمزا من رموز الوطن، وبالتالي فإن احترامه يعد مسألة في غاية الأهمية، خصوصا في بلدنا كبلدنا، حيث لا يزال الانتماء للوطن ولرموزه ضعيفا جدا لدى أغلبية الموريتانيين.
ولكن، ورغم ذلك كله، فإنه يمكن القول أيضا بأن المطالبة بتغيير نشيدنا الوطني ستتحول إلى مطلب شرعي ومُلِح، في ذلك الوقت الذي ستتجاوز فيه بلادنا أزمتها السياسية، وتنتقل فيه إلى وضعية سياسية طبيعية تساعد في نقاش أمور عديدة من بينها، أو على رأسها، تغيير النشيد الوطني.
إن هناك أسبابا عديدة تدعو إلى تغيير نشيدنا الوطني عندما تأتي الظرفية المناسبة لذلك، ومن بين تلك الأسباب سأكتفي بثمانية:
1 ـ إن تغيير الأناشيد الوطنية، أو حذف أبيات منها، أو إضافة أبيات جديدة، ليست من الكبائر السياسية، وليست من البدع السياسية، وهي أمور قد حصلت في العديد من دول العالم المتقدم أوالمتخلف على حد سواء.
2 ـ إن نشيدنا الوطني الحالي ليس فيه ما يميز هويتنا الوطنية أو الإسلامية، وهو يمكن أن يتغني به أي مسلم سواء كان ينتسب لجماعة إسلامية أو لدولة إسلامية، فهذا النشيد يمكن أن يتغني به المسلم في الشيشان أو في بنجلادش أو في النيجر، وحتى المسلم المنخرط  في أي تنظيم إسلامي (سياسي أو جهادي أو ..) يمكن أن يتغنى به.
3 ـ إن هويتنا الإسلامية الخاصة، والتي تميزنا عن غيرنا من المسلمين قد غابت تماما عن نشيدنا الوطني، وأقصد بهويتنا الإسلامية الخاصة، مصطلحات مثل : شنقيط، الرباط، المرابطون، المحظرة، أو أي مصطلح آخر له دلالة موريتانية و إسلامية في نفس الوقت.
4 ـ إن نشيدنا الوطني لم يمجد المقاومة المسلحة أو السياسية رغم أن ذكر المقاومة وتمجيدها يعد من القواسم المشتركة  التي اشتهرت بها أناشيد الدول التي عانت من الاستعمار في فترة من فترات تاريخها.
5 ـ إن نشيدنا الوطني قد تمت صياغته في فترة تجاذبات عقدية مما انعكس على بعض أبياته، ومن المعروف أن الأناشيد الوطنية يجب أن تكون مُوحدة لا مفرقة.
6 ـ لم يتم ذكر كلمة وطن، أو دولة، أو بلاد مما لا يساعد في تعزيز الانتماء للوطن الموريتاني، ومن المعروف أن مشكلة الموريتاني ليست في ربطه بانتماءاته الأوسع (إسلامية أو عربية أو افريقية)، فالمشكل الأساسي للإنسان  الموريتاني كان ولا يزال في فشله  في أن يكون موريتانيا من قبل أن يكون أي شيء آخر.
7 ـ أبيات النشيد تصلح لقبيلة أو لقوم متجانسين بالكامل، ولكنها لا تصلح لشعب متعدد الأعراق.
8 ـ يقال إننا بلد المليون شاعر لذلك فلن نواجه مشكلة في الحصول على أبيات شعرية تحتفظ بالبعد الديني لنشيدنا الوطني الحالي، مع إضافة أبيات تعزز من اللحمة الوطنية، وتقوي وتعزز من الانتماء للوطن الموريتاني.
يبقى أن أشير في الأخير إلى أن الحديث عن أي تعديل مستقبلي للنشيد الوطني يجب أن لا يشمل "كن للإله ناصرا"، وذلك لأن الموريتانيين لن يجدوا ـ حتى ولو أفنوا أعمارهم في البحث ـ مطلعا أروع من ذلك المطلع.
تصبحون وقد رتبتم أولوياتكم النضالية..

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

ارحل بلحن 2013



لم يعد خافيا أن شعار الرحيل الذي رفعته المعارضة في مطلع هذا العام قد أصبح بحاجة إلى أن تتم إعادة صياغته من خلال البحث عن وسائل وأساليب نضالية جديدة  قادرة على فرض رحيل "الجنرال"،  بدلا من التمسك بالوسائل والأساليب القديمة والتي أثبتت أنها عاجزة عن فرض الرحيل.
لقد آن الأوان لابتداع لحن جديد لشعار الرحيل، وذلك لأن اللحن القديم للشعار لن يُطرب الجمهور في العام 2013، بل إن التمسك بشعار الرحيل، والإصرار على تقديمه بنفس اللحن القديم في صالة الحفلات المعهودة لذلك (ساحة ابن عباس) قد يؤدي بالكثير من جمهور المعارضة إلى ترك الصالة، وربما إلى هجرانها وإلى الأبد.
إن المقارنة بين حجم الحضور ومستوى تفاعله مع أغنية الرحيل بلحنها القديم في أول حفل يقام في ساحة ابن عباس مع الحفلات التي نُظمت بعد ذلك في نفس الساحة ليؤكد بأن مستوى الحضور ومستوى التفاعل في تراجع ملحوظ، وأن ذلك التراجع سيظل في تزايد كلما اقتربنا من موعد انتهاء مأمورية الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
ولذلك التراجع أسبابه العديدة، والتي يمكن أن أذكر منها:
أولا:  لقد اتضح لكثير من جمهور المعارضة بأن المنسقية ليست لها إستراتيجية واضحة لفرض الرحيل، وكل ما في الأمر هو أن المعارضة قد قررت ـ وبشكل مرتجل ـ  أن ترفع شعار الرحيل، وذلك في انتظار "شيء ما" يحصل، أو بيان ما يتلى ويؤدى بلحن عسكري قديم جديد . وفي انتظار ذلك، قررت المعارضة أن تستغل فترة الانتظار بتنظيم مسيرات ومهرجانات متباعدة تَحَمَّس لها الجمهور في البداية تحمسا شديدا، ولكنه بدأ يشعر بالملل عندما أن أيقن بأن الأمر لا يتعدى : دعوة لمسيرة، فمهرجان بساحة ابن عباس، فتبادل للخطب، فتفرق، فسبات، فموعد جديد ..وهكذا.
ثانيا: من الأسباب التي أدت إلى ذلك التراجع هو أن المعارضة لم ترفع شعار الرحيل إلا في وقت متأخر جدا، وبعد أن ظهر للكثيرين حجم التحديات والصعوبات التي تواجه الثورات بعد إسقاط الأنظمة، فما يجري الآن في تونس، وفي مصر، وفي ليبيا قد أثر سلبا على تحمس البعض لرفع شعار الرحيل، خاصة لدى العامة من الناس.
لقد كان الوقت المناسب لرفع شعار الرحيل هو ذلك الوقت الذي ظهر فيه حراك شباب 25 فبراير، والذي تجاوب معه في البداية الكثير من الشباب، ولكن أحزاب المعارضة خذلت حينها الشباب المنادي بالتغيير، على العكس مما حصل في تونس وفي مصر حيث سارعت أحزاب المعارضة هناك إلى الالتحاق وفي وقت مبكر بالشباب في الميادين، وشاركت بفعالية في المسيرات والحشود التي تم تنظيمها في كل من تونس ومصر.
 فأحزاب المعارضة عندنا لم تتحمس لحراك 25 فبراير 2011، ولم تدعمه بما يكفي، وتركته في مواجهة النظام لوحده، فحصل ما حصل.
ثالثا: علينا أن نعترف بأن موريتانيا تختلف فعلا عن تونس، وعن مصر، وعن ليبيا. ففي تونس وفي مصر وفي ليبيا لم يكن بالإمكان أن يحصل تغييرا إلا بالثورات، أما في موريتانيا فإن هناك احتمالا حتى ولو كان ضعيفا لحصول التغيير عن طريق صناديق الاقتراع (في رئاسيات 2007 كان من المحتمل جدا أن يحصل ذلك التغيير من خلال الانتخابات، ولكن المعارضة ـ ومن خلال بعض مكوناتها ـ وقفت ضد حصوله).
إن احتمال حدوث التغيير من خلال الانتخابات لا يزال قائما، حتى ولو كان ضعيفا، ووجود مثل هذا الاحتمال هو الذي جعل بعض الموريتانيين ممن ينشد التغيير فعلا لا يتحمس كثيرا لشعار الرحيل بلحنه القديم، لأنه يؤمن بوجود وسيلة أخرى لفرض ذلك التغيير، خصوصا بعد أن ظهر للجميع حجم التحديات الكبيرة  التي لا زالت تقف عائقا أمام نجاح الثورة التونسية والمصرية والليبية.
لقد آن الأوان لتغيير لحن شعار الرحيل، وعلى المعارضة إن كانت تحترم ذائقة الجمهور أن تدرك بأنه ليس من الحس الفني أن تنظم المزيد من الحفلات في العام 2013 لتأدية أغنية الرحيل بلحنها القديم، خاصة وأنه لم يعد يفصلنا عن سنة الترحيل عبر صناديق الاقتراع إلا سنة واحدة.
وسيكون من العبثي، بل ومن السخيف جدا أن تظل المعارضة تصر على تأدية أغنية الرحيل بلحنها القديم في العام 2013، أي في العام الذي يفصلنا عن العام الذي ستجرى فيه الانتخابات الرئاسية، تلك الانتخابات التي قد تتيح للمعارضة فرض الرحيل إذا ما تمكنت من استغلال ما تبقى من وقت فاصل استغلالا ذكيا، وذلك من خلال وضع إستراتيجية نضالية جديدة قادرة على فرض الرحيل بطرق وبأساليب ديمقراطية، بدلا من انتظار انقلاب جديد، تقوده مجموعة من الضباط قد لا يختلف كثيرا عن كل الانقلابات التي سبقته.
إن على المعارضة أن تفتح نقاشا واسعا للبحث عن أساليب نضالية جديدة، تمكنها من الاحتفاظ بشعار الرحيل، ولكن من خلال أساليب ووسائل جديدة يتم تفصيلها على مقاس اللحن الجديد لشعار الترحيل، والذي يجب أن يعتمد على إيقاع صناديق الاقتراع.
وفي اعتقادي الشخصي فإنه على منسقية المعارضة أن توافق ـ وبشكل فوري ـ على مبادرة مسعود، وأن تعمل كل ما في وسعها من أجل أن يوافق النظام على المبادرة المذكورة، وأن تسقط كل الحجج التي يمكن أن يحتج بها النظام، أو يبرر من خلالها رفضه للمبادرة على أساس أن منسقية المعارضة لم تقبل بها.
فإن لم يوافق النظام على المبادرة، فعلى المنسقية حينها أن تعمل لكسب الرئيس مسعود إلى صفها، خاصة وأنه لن تكون لديه حجة ـ بعد قبول المعارضة لمبادرته ورفض النظام لها ـ   للبقاء صامتا ومنعزلا في معتكفه السياسي.
وإن وافق النظام على المبادرة، ففي تلك الحالة على منسقية المعارضة أن تبدأ بوضع خطة محكمة لفرض الرحيل على إيقاع صناديق الاقتراع، ولن يتم ذلك إلا إذا اتفقت المعارضة على مرشح واحد من خارج قياداتها، بل ومن خارج أحزابها، وأن تبحث من الآن عن ذلك المرشح الذي يجب أن يكون شخصية وطنية مستقلة ومعروفة بالكفاءة وبالاستقامة وقابلة للتسويق، حتى يكون بالإمكان أن يتسع الإجماع على ذلك المرشح حتى يشمل أحزابا قد لا تكون منخرطة الآن في المنسقية، وحتى يشمل كذلك أكبر قدر ممكن من الفاعلين في المجتمع المدني.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، هو أن الفرص لن تكون كبيرة بالنسبة للمرشح عزيز في أي انتخابات رئاسية قادمة، وذلك لأن شعارات المعارضة التي نجح من خلال رفعها في الانتخابات الماضية (الحرب على الفساد، تجديد الطبقة السياسية، القضاء على الفقر) لن يكون بإمكانه أن يرفعها في الانتخابات القادمة، وحتى ولو رفعها فإنها لن تجذب إليه الداعمين كما جذبتهم في الانتخابات الرئاسية الماضية. كما أن المترشح عزيز لن يكون قادرا على جذب شخصيات وازنة وذلك بعد أن أثبت بأنه مرشح غير وفي لداعميه، فأكبر داعميه في الانتخابات الماضية أصبح اليوم من معارضيه، وذلك بالتأكيد سيجعل كل الشخصيات الوازنة تفكر كثيرا من قبل أن تقرر دعمه في أي انتخابات قادمة. ثم إن ضعف أداء الرئيس عزيز خلال مأموريته الحالية سيكون ضده في أي انتخابات تنظم مستقبلا.
وعلى المعارضة أيضا أن تفتح جبهة موسعة من حولها، وأن تعمل تلك الجبهة من أجل الفوز أيضا بالأغلبية البرلمانية، وبالتالي برئاسة البرلمان في أي انتخابات تشريعية قادمة.
ولن يحصل ذلك إلا إذا اتفقت أحزاب المعارضة بشكل واضح وصريح على أن يدعم بعضها بعضا في كل دائرة يتمكن فيها أحد مرشحي المعارضة من الوصول إلى الشوط الثاني مع منافس من الأغلبية. كما أنه على أحزاب المعارضة أن تدفع بشخصيات معروفة ومقبولة في دوائرها الانتخابية لضمان الفوز، حتى ولو كانت تلك الشخصيات مستقلة، وذلك بعد أن أصبح الترشح المستقل غير ممكن، وبعد أن أصبح النائب لا يحق له أن يترك الحزب الذي نجح باسمه، وهو ما كان يشكل عائقا حقيقيا لحصول أحزاب المعارضة على أغلبية في البرلمان.
إن أفضل عمل نضالي يمكن أن تقوم به المعارضة خلال العام 2013 لفرض الرحيل، هو  العمل، ومن الآن، وبكل الوسائل النضالية المتاحة لفرض الشفافية في أي انتخابات قادمة، وعندما تُنظم مثل تلك الانتخابات الشفافة، فإن الرحيل حينها سيتحقق بأكثر الوسائل أمانا، وبأكثرها ديمقراطية أيضا.
تصبحون على رحيل لا يأتي بعد انقلاب... 

الاثنين، 24 ديسمبر 2012

أخي ..غدا سألبس ثوبك!!



ومن الأشياء التي أثارت فضول البعض، هو هذا الزي الذي أظهر به في الصورة، ولأني قررت أن أجيب على كل الأسئلة العالقة، فإليكم قصة ثوب لبسته ذات يوم، وذلك بعد أن كتبت هذه الرسالة لأخي "الوحش".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أخي العزيز،

عندما رأيتك من بعيد حسبتك وحشا مفترسا..
ولكني عندما اقتربت منك وجدتك إنسانا..
ولما اقتربت منك أكثر وجدتك أخي..
أخي العزيز،
لا تسألني لِمَ لم أفكر في الاقتراب منك قبل هذا اليوم؟ ولا تسألني لِمَ تركت نصف قرن من الزمن يضيع دون أن أفكر في الكتابة إليك؟ ولا تسألني لِمَ لم أفكر في الاعتذار لك قبل هذا اليوم؟ لا تسألني عن أي شيء من ذلك، فأنا لا أملك إجابة على الأسئلة التي قد تدور في خاطرك عندما تقرأ رسالتي هذه، إن كنت ستقرؤها أصلا.
لن ألومك يا أخي إذا مزقت رسالتي هذه، أو رميتها بعيدا، فلك الحق في أن تفعل ذلك. ولن ألومك إذا اعتقدت بأن عدم اقترابي منك، كل هذه المدة، ربما يكون بسبب أني كنت أعتبرك وحشا مفترسا. وربما تكون أنت أيضا قد اعتقدت بأني أنا لست بأخ لك، بل وأني لست بآدمي، وإنما أنا وحش مفترس.
إنه لشعور سخيف أن يعتقد الأخ بأن أخاه وحش مفترس.
أخي العزيز،
بإمكاني أن أبحث عن ألف عذر، لأبرئ نفسي. وبإمكاني أن ألوم أولياء أمورنا، وأن أحملهم المسؤولية الكاملة لهذا الجفاء الحاصل بيننا. وبإمكاني أن أقول لك بأنهم كانوا ـ ولوحدهم ـ هم السبب، في حصول القطيعة بيننا.فهم لم يشجعوننا على الاختلاط عندما كنا صغارا، وكانوا يضعون الحواجز بيننا. ففي المدرسة وضعوا حواجز بيني وبينك، فتربيتَ أنت وتعلمتَ على طريقة تختلف عن الطريقة التي تربيت أنا عليها. وتركوا الحواجز بيني وبينك تكبر وتكبر، ليزداد الجفاء بيننا أكثر فأكثر، لدرجة أصبحتُ أعتقد فيها ـ وأنا هنا لا أفشي سرا ـ بأن إخوتي الحقيقيين هم أبناء أقاربي من الأسر المجاورة لأسرتنا من الناحية الشمالية ، تماما كما أصبحت أنت تعتقد بأن إخوتك الحقيقيين هم أبناء أقاربك من الأسر المجاورة لها جنوبا.
لم أعد أتألم لآلامك، ولا أفرح لفرحك، رغم أني أتألم، بل وأبالغ ـ في أحيان كثيرة ـ في إظهار تعاطفي مع أقاربي من أبناء الأسر الشمالية.
وأنت أيضا لم تعد تتألم لآلامي، ولا تفرح لفرحي، رغم أنك تتألم، بل وتبالغ ـ في أحيان كثيرة ـ في إظهار تعاطفك مع أقاربك من أبناء الأسر الجنوبية.
فكم هو سخيف شعوري نحوك، وكم هو سخيف شعورك نحوي.
وبإمكاني أن أواصل لوم أولياء الأمور، وأن أتحدث عن أيام عصيبة رفعتُ فيها سلاحي في وجهك، كما رفعت أنت سلاحك في وجهي، ولم نتورع أنا وأنت أن نشهر السلاح، في وجه بعضنا البعض، حتى في وسط الحرم الجامعي.
بإمكاني ـ وكما كنت أفعل دائما ـ أن أحمل كل الأخطاء التي ارتكبت في حقك، أو تلك التي ارتكبتها أنت في حقي لأولياء أمورنا. بإمكاني أن أفعل ذلك، ولكني في هذه المرة، قد قررت أن أتحمل جزءا من المسؤولية، وأن ألوم نفسي بدلا من لوم أولياء الأمور، فقد لمتهم كثيرا، وانتقدتهم كثيرا.
أخي العزيز،
يؤسفني أن أقول لك، وبصراحة شديدة، بأني لم أحاول في أي يوم من الأيام أن أكسر الحواجز النفسية التي تفصل بيني وبينك، بل إني تركتها تكبر وتكبر حتى حجبتك عني، وحالت بيني وبين أن أراك على حقيقتك، فخلتك وحشا مفترسا.
لم أفكر في أي يوم من الأيام أن أتعرف عليك، أو أن أقترب منك أكثر، حتى لا أخالك وحشا. ولم أفكر في أي يوم من الأيام أن ألبس كما تلبس، رغم أن ثوبك و طريقة لبسك كانت تعجبني دائما.
وبالأمس فقط، قررت أن ألبس على طريقتك، وعندما قررت ذلك تكشفت لي حواجز كثيرة بيني وبينك، لم أحاول أن أحطمها يوما، رغم أنه كان من الواجب عليَّ أن أكون قد حطمتها منذ زمن بعيد.
بالأمس فقط، تكشفت لي أشياء كثيرة، لم أكن أتوقف عندها في العادة. فعندما قررت أن ألبس كما تلبس، اتجهت فورا إلى الأسواق المعهودة لبيع الثياب، لأشتري ثوبا كثوبك الجميل. بحثت في سوق العاصمة، وفي سوق "اكلينيك"، وفي أسواق أخرى، وفوجئت بأني لم أجد في كل تلك الأسواق محلا يبيع ثوبا كثوبك.
إنها الحواجز التي لم نحطمها، هي التي جعلت لك أسواقا خاصة بملابسك، وجعلت لي أسواقا خاصة بملابسي.
وعندما يئست من العثور على ثوب كثوبك في تلك الأسواق، قررت أن أذهب إلى سوق مقاطعاتك التي تسكن، فلابد أني سأعثر هناك على ثوب كثوبك.
وفي انتظار سيارة الأجرة، تذكرت بأني لم أزر ومنذ مدة طويلة مقاطعتك التي تسكن، تماما كما هو حالك أنت، فأنت أيضا لم تزر ومنذ زمن بعيد مقاطعتي التي أقطن فيها، هذا إن كنت قد زرتها أصلا.
توقفت سيارة أجرة أمامي، وكنت أنت تسوقها، ولم يفاجئني ذلك.فأنت تمارس النقل وفق مسار محدد، وترفض دائما أن تتجه بسيارتك نحو المقاطعة التي أسكن أنا فيها، رغم كثرة الركاب المتجهين إليها، تماما كما هو الحال بالنسبة لي. فلم يحدث بأن فكرت يوما في أن أذهب لمقاطعتك، حتى ولو وجدت ركابا على استعداد لأن يدفعوا أسعارا مغرية.
ولقد أصبح الركاب المتجهون إلى مقاطعتك لا يفكرون في إيقافي، إذا ما مررت بهم. كما أن الركاب المتجهين لمقاطعتي لا يفكرون في إيقافك إذا ما مررت بهم.
إنها الحواجز التي لم نحطمها، هي التي جعلت لسيارتك مسارا لا تحيد عنه، وجعلت لسيارتي مسارا آخر.
جلست في المقعد الأمامي بجوارك، لم أكلمك، ولم تكلمني. فكرت في أن أكسر الصمت الرهيب الذي يخيم علينا، كلما التقينا. وفكرت في أن أكسر الحواجز التي تحجبك عني، والتي لا تسمح لي برؤيتك على حقيقتك، حتى في تلك اللحظات التي أكون قريبا فيها منك، ولكنني فشلت.
لقد كانت مشكلتي أني لا افهم لغتك التي تتحدث بها، وأنت أيضا لا تفهم لغتي التي أتحدث بها، ولذلك لم يكن هناك مفر من أن أستسلم للحواجز، وأن أغرق في صمت عميق. وأنت أيضا ربما تكون قد فكرتَ فيما فكرتُ أنا فيه، ولكن اللغة، والحواجز، وأشياء أخرى جعلتك تغرق مثلي في صمت عميق.
لفنا صمت رهيب، كما كان يلفنا دائما إذا ما التقينا بشكل عابر.
لقد كنتَ قريبا مني، كما كنتَ دائما، ولكنك أيضا كنت بعيدا مني كما كنت دائما.
إنها الحواجز دائما، إنها هي التي جعلتك تكون بعيدا مني، وأكون بعيدا عنك، حتى في تلك الأوقات العابرة التي كانت تجمعنا فيها أمكنة عابرة.
كم أنت غريب يا أخي، وكم أنا غريب، وكم هي غريبة العلاقة التي تربطنا.
تركت السيارة واتجهت إلى السوق الفرعية من سوق السبخة، لأشتري ثوبا كثوبك. وكانت تلك هي المرة الأولى التي أدخل فيها ذلك السوق المتخصص في بيع ملابسك. قابلتك هناك في أكثر من محل. كنت كلما دخلت محلا وجدتك هناك، تنظر إليَّ بنفس نظراتك المعهودة، والتي أصبحت أعرفها جيدا، إنها نظرات غريبة فيها شيء كثير من الحب، وشيء من الريبة، وشيء من الخوف، وشيء من الحيرة، وشيء من اللاشيء. هكذا تنظر إليَّ دائما، وهكذا أنظر إليك دائما.
ولابد أنك تفاجأتَ بوجودي هناك، فلم تكن تتوقع بأني سأدخل عليك في سوقك، ولم تصدق في البداية بأني أريد فعلا أن أشتري ثوبا كثوبك.
ولكني خيبت ظنك، واشتريت من عندك ثوبا، قبل أن أعود من حيث أتيت.
أخي العزيز،
في الغد، أي في يوم الأربعاء الموافق 23 نوفمبر 2011، سأرتدي ـ إن شاء الله ـ الثوب الذي اشتريتُ من محلك في سوق السبخة، وسأقف لساعاتين قرب ملتقى طرق "آفاركو"، من الساعة الثامنة صباحا، وحتى العاشرة، وذلك لكي يشاهدني أكثر عدد ممكن من الناس، وأنا ألبس ثوبك لأول مرة في حياتي.
وبالتأكيد سأجدك هناك بجانبي، تلبس ثوبي كما لبست ثوبك، وربما تكون أنت أيضا قد اشتريت ذلك الثوب من سوق لم تدخلها من قبل. ( بالمناسبة في ذلك اليوم كان الأخ الذي وجدت هناك هو أحد مناضلي حزب تواصل، وقد رفع معي اللافتة لساعتين رفقة آخرين، كما اتصل بي يومها مستشار رئيس الجمهورية السابق، السيد عبد الله محمود با وقال بأنه على استعداد كامل لمد يد العون في مثل هذه النوع من الأنشطة..هناك أفكار أخرى في مجال تعزيز اللحمة الوطنية سيتم عرضها لمن يريد أن يشارك ميدانيا في تنفيذها).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا الثوب لبسته خلال الوقفة المذكورة، ولا زلت أصر أن أظهر به كتعبير بسيط عن حبي لأخي الذي قصرت في حقه كثيرا، كما قصر هو في حقي.

الأحد، 23 ديسمبر 2012

إني أحاول أن أكون موريتانيا..


1 ـ هذه حقيقة أمري
لا أدري لِمَ يصر البعض على أنه لا يمكن لأي أحد في هذا البلد أن يكون صاحب رأي "مستقل"؟ شخصيا عندما أقرر أن أنتسب إلى أي حركة أيديولوجية، أو إلى أي حزب سياسي فإن ذلك لن يكون قطعا في الثلث الأخير من الليل، ولن أخفي ذلك الانتساب، بل إني سأجعله تاجا أضعه على رأسي، وسأجاهر به، وسأفتخر به، وسأدافع عنه، أينما حللتُ، وأينما نزلتُ.
فمن حسن حظي، أو من سوئه ـ إذا شئتم ـ هو أني صريح جدا في مثل هذه الأمور.
ثم إنه لا شيء يدعو المرء لإخفاء انتمائه الأيديولوجي أو السياسي في هذا البلد المؤدلج والمسيس، والذي لا يزال الكثير من أبنائه يفتخر بالايدولوجيات، ويعيش على تراثها، ويستحضر خصومات وصراعات رموزها وقادتها، تلك الصراعات التي دارت على أرض غير أرضنا، وفي زمن ليس بزماننا هذا، ومع ذلك لا زالت حاضرة، وكأنها دارت يوم أمس على بطحاء انبيكت لحواش أو الشامي إن كانت للشامي بطحاء.
وحقيقة أمري، أو على الأصح، هكذا أريدها، هي أني أحاول دائما أن آخذ من كل طيف سياسي أو إيديولوجي أحسن ما فيه، وأترك له ما أعتقد بأنه قد لا يكون مفيدا لي ولا لبلدي.
ومن هذا المنطلق فيمكن لهواة التصنيفات ولعشاق التخندقات أن يصنفونني، إذا كان لابد من تصنيفي:
قوميا متطرفا إذا ما تعلق الأمر بالدفاع عن اللغة العربية في هذا البلد.
إسلاميا متعصبا في حياتي الخاصة والعامة، وفي كل ما له علاقة بالقضايا الإسلامية.
يساريا متشددا عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن الفقراء والبسطاء من الناس.
وليبراليا "متنورا" إذا تعلق الأمر بالدفاع عن قيم الديمقراطية والحرية المقيدة طبعا بضوابط وبحدود الشرع.


2 ـ وهذه هويتي..

أشعر بأن كل مسلمي العالم هم إخوتي، هم أشقائي، وأن من واجبي أن أفرح لفرحهم، وأن أتألم لآلامهم، وأن أنتصر لهم أينما كانوا، ولكن ذلك لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ  بأن مسلمي موريتانيا ليسوا هم الأقرب إلى نفسي من كل مسلمي العالم، بمن في ذلك مسلمي فلسطين و الشيشان و بورما أو مسلمي أي بقعة أخرى من بقاع العالم.
وأعتز أيضا بعروبتي، وأعتز بانتمائي لهؤلاء القوم الذين يسمون بالعرب، أحب لغتهم وثقافتهم وتاريخهم وأمجادهم، وأشعر بالانتماء لهم أينما كانوا، ولكني أحب من قبلهم عرب موريتانيا وأفارقتها.
فالموريتاني العربي أقرب إليَّ وأحب من كل عرب العالم..
والموريتاني الأفريقي أقرب إليَّ وأحب من كل عرب العالم..
وأشعر بالانتماء لإفريقيا، وأحب الأفارقة أينما كانوا، ولكن أفارقة موريتانيا وعربها أقرب إليَّ وأعز من عن كل أفارقة في العالم ومن كل عربه.
إني أحاول ـ  وأقول أحاول ـ  أن أكون موريتانيا من قبل أن أكون عربيا أو إفريقيا..
لا مانع عندي من الانتماء لأي تيار إيديولوجي، ولكني لابد من قبل ذلك من أن أكون موريتانيا.
ودعوني أقولها لكم فصيحة وصريحة: إن أصعب شيء يواجهه الموريتاني في حياته هو أن يكون موريتانيا من قبل أن يكون شيئا آخر، وهذا هو التحدي الأكبر في مسألة الهوية عند الموريتانيين.
تصبحون وأنتم موريتانيون...


الخميس، 20 ديسمبر 2012

إلى التواصليين في مؤتمرهم الثاني



 لا أنتمي لحزب "تواصل"، ولكني مع ذلك سأتابع أعمال مؤتمره الثاني باهتمام كبير، لن يكون أقل من اهتمام التواصليين أنفسهم، سواء منهم من سيشارك في المؤتمر، أو من سيكتفي بمتابعة أعمال المؤتمر من خارج قصر المؤتمرات.
سأتابع أعمال المؤتمر باهتمام كبير، لأني أزعم بأني من الذين يتمنون النجاح لتجربتنا الديمقراطية المتعثرة حتى الآن، ومن الذين يؤمنون بأن هذه التجربة  لن تنجح إلا بوجود أحزاب قوية. ومن هنا جاء سر اهتمامي بحزب "تواصل"، والذي سيبقى ـ وحتى إشعار آخر ـ  على رأس الأحزاب الموريتانية التي يمكن أن يُعَول عليها في المستقبل، وذلك لما يمتلك هذا الحزب من قدرات هائلة، ومن فرص عديدة، لم يتم استغلالها ـ حتى الآن ـ استغلالا كاملا.
وإن حرصي على نجاح المؤتمر الثاني لتواصل، والذي أدعي بأنه ليس أقل من حرص التواصليين أنفسهم، سواء صدقوا ذلك أو لم يصدقوه، هو الذي جعلني أتقدم بهذه الورقة كمساهمة من خارج الحزب في أعمال مؤتمره الثاني.
وسأكتفي في هذه الورقة المعدة على عجل، بتقديم بعض المقترحات دون ترتيب أو تبويب، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولا، على المؤتمرين أن يضعوا أهدافا محددة وواضحة للحزب خلال السنوات الخمس القادمة، وذلك حتى يكون بالإمكان محاسبة القيادات الجديدة في نهاية مأموريتها، محاسبة دقيقة على أسس ومقاييس واضحة ومحددة.
فعلى المؤتمرين أن يحددوا الموقع الذي على الحزب أن يحتله خلال السنوات الخمس القادمة، فهل يريدون للحزب أن يحتل المرتبة الأولى أم الثانية أم الرابعة أم؟ وإلى أي رقم يجب أن يصل عدد المنتسبين للحزب؟ وكم من المجالس البلدية التي سيسعى الحزب لترؤسها؟ وكم من النواب والشيوخ على الحزب أن يتحصل عليه في الانتخابات القادمة؟
ثانيا، على المؤتمرين في مؤتمرهم الثاني أن يضعوا آليات واضحة لتجسيد البعد الأخلاقي في العمل السياسي للحزب، والذي يجب أن لا يظل مجرد شعار يتم الحديث عنه بمناسبة أو بغير مناسبة.
إن البعد الأخلاقي يجب أن يصبح سلوكا في كل فعل سياسي يقوم به الحزب، ولن يحصل ذلك إلا من خلال:
1 ـ إن على المؤتمرين أن يخرجوا بقرارات واضحة تجرم استخدام العبارات البذيئة أو الاستعانة بأي كلمة سب أو شتم ضد أي خصم سياسي مهما كانت طبيعة ذلك الخصم، وعليهم أن يوضحوا لبعض الشباب المتحمس بأن استخدام مثل تلك العبارات يعتبر إهانة للحزب، من قبل أن يكون إهانة للخصم. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن يُظهر الحزب أي ضعف أثناء مواجهته لخصومه السياسيين، فكل ما في الأمر هو أن هناك فرقا كبيرا بين الحجة القوية والجرأة على التلفظ بالكلام الجارح والبذيء.
2 ـ على الحزب أن يبتعد مستقبلا عن كل ما يمكن أن يفهم منه أنه قد يكون تذبذبا في المواقف، أو يمكن أن يفسر على أنه مجرد سعي لتحقيق مصالح حزبية ضيقة وآنية ( المشاركة في حكومة مطبعة، الترشح للرئاسيات بصفة مستقلة من خارج عباءة الجبهة الوطنية للدفاع من أجل الديمقراطية، التنسيق مع الحزب الحاكم في التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ....).
3 ـ لا شك في أن حزب تواصل يقوم بجهد تطوعي وخيري متميز من خلال منظمات ذات صلة بالحزب، ولكن ذلك لا يكفي لوحده لإضفاء بعد أخلاقي على العمل السياسي للحزب. ولذلك فعلى المؤتمرين أن يخرجوا من مؤتمرهم الثاني بنظرة مختلفة للعمل السياسي، تنظر إلى ذلك العمل بوصفه ليس إلا مجالا فسيحا من مجالات العمل الخيري والتطوعي، وأن الغرض منه ليس تحقيق مصالح خاصة آنية، وإنما الغرض منه تحقيق مصالح عامة من خلال التضحية بمجوعة من المصالح الخاصة. ومن هذا المنطلق فقد يكون من المهم جدا أن يكون من متطلبات العضوية للحزب، استعداد العضو للتبرع بساعة من وقته كل أسبوع، أو كل شهر للخدمة العامة، وهو ما سيمنح الحزب القدرة على تنظيم أنشطة تطوعية ودورية خاصة بالحزب، وتقتصر المشاركة فيها على المنتسبين العلنيين للحزب.
ثالثا : على المؤتمرين أن يخرجوا من مؤتمرهم هذا بصيغة تجعل الحزب أكثر تحمسا للدفاع ضد التهميش الذي تعاني منه اللغة العربية في الإدارة.
لقد لوحظ تقصير كبير للحزب في هذه الجزئية ( لم يوجه نواب الحزب رغم أنهم وجهوا أسئلة عديدة سؤالا واحدا لصالح اللغة العربية، وتركوا السؤال عنها، والانتصار ضد تهميشها لأحد نواب الحزب الحاكم. كانت مداخلة النائب جميل باهتة بعد المداخلة الشجاعة للنائب سي صمبا بالبولارية، والتي كان يمكن استغلالها ضد اللغة الفرنسية لأن تعزيز مكانة اللغات الوطنية، وفرضها داخل البرلمان سيكون لصالح العربية، وسيكون على حساب الفرنسية. وحتى في يوم اللغة العربية فقد لاحظت غيابا شبه كامل لمناصرة اللغة العربية من طرف شباب تواصل في مواقع التواصل الاجتماعي، مع أن ذلك يجب أن يكون هو الحد الأدنى من المناصرة، وذلك في الوقت الذي يُظهر فيه ذلك الشباب تحمسا زائدا لخطابات مرسي، أو لأمور أخرى قد يكون الاهتمام باللغة العربية أولى منها).
فعلى الحزب أن يخرج بعد مؤتمره الثاني بخطاب أكثر وضوحا، وأكثر قوة في هذه الجزئية، وأن يبين بأن الاهتمام باللغة العربية ليس موجها ضد أي عرق أو ضد أي شريحة من المجتمع الموريتاني.
إن على تواصل أن يناضل في المرحلة القادمة، بلغة فصيحة وصريحة ضد التهميش الذي تعاني منه لغاتنا الوطنية (العربية، البولارية، السنونكية، الولفية)، والذي لا زالت تستفيد منه لغة المستعمر، تلك اللغة التي تشهد تراجعا وانحسارا لافتا على الصعيد العالمي.
رابعا، على المؤتمرين أن يبحثوا عن آليات تساعد الحزب في المستقبل إلى التوصل إلى أفكار ميدانية تزيد من اللحمة الوطنية بدلا من الاكتفاء بخطاب سياسي يمجد تلك الوحدة.
ففي مسألة العبودية مثلا، على الحزب أن يعلم بأن مرحلة النضال السياسي أو النضال الحقوقي ضد الرق لم تعد هي الأهم في هذه المرحلة، رغم أنها لا زالت مهمة، ولازالت أساسية.
إن التركيز في السنوات القادمة يجب أن يوجه إلى "النضال التنموي" ضد العبودية، وعلى الحزب أن يكون رائدا في هذا المجال، وذلك من خلال إعطاء الأولوية في جهوده التطوعية والخيرية للنضال التنموي ضد العبودية، وعليه أن يوصي في مؤتمره الثاني بضرورة تنظيم قوافل تطوعية إلى بعض قرى آدوابة تفتح فصولا لمحو الأمية، وتنظم أنشطة تنموية أخرى ليس هذا المقام مناسبا لبسطها.
خامسا: أن يفكر المؤتمرون في إيجاد آليات وصيغ تمكن من التغلب على المعضلة التي تعاني منها الأحزاب الموريتانية، والتي تتمثل في عدم  قدرة تلك الأحزاب على التفكير من أجل الصالح العام، فمشكلتنا في هذا البلد هي أننا لا نستطيع أن نستغرق في التفكير لدقائق معدودة في قضية عامة، وأننا لا نستطيع أن ننتج أفكارا قابلة للتجسيد الميداني من خلال الوسائل والإمكانيات المتاحة، لذلك فمن الضروري جدا أن يضع الحزب آليات تشجع منتسبيه على البحث عن مثل تلك الأفكار، وعلى التنافس بين مناضليه من أجل الوصول إليها.
سادسا: أن يفكر المؤتمرون في وضع تصورات وآليات تمكن الحزب من استقطاب منتسبين  من خارج "شعبيته التلقائية"، مع العمل الجاد من أجل استقطاب شخصيات وطنية شريفة من خارج "الخريطة" التقليدية للحزب، ذلك أن الحزب لا يزال غير قادر ـ رغم تميزه ونجاحه ـ على استقطاب مثل تلك الشخصيات.
وفي المقابل فعلى الحزب أن يترك أبوابه مغلقة في وجه أي موريتاني في سجله الوظيفي أي شبهة في مجال التسيير، أو شارك من قبل في أي نشاط قبلي أو جهوي علني له صبغة سياسية، أو عرف عنه أي توجه عنصري، أو أي دعوى عرقية ضيقة، أو عرف "بالخفة السياسية"، وبكثرة الترحال السياسي.
إن هناك تغييرات عميقة تحدث الآن داخل المجتمع الموريتاني ستكون لصالح حزب "تواصل"، إن تمكن الحزب في مؤتمره الثاني من قراءتها قراءة فطنة، وإن هو وضع الآليات والتصورات التي يمكن أن تساعد في استغلال تلك التغيرات استغلالا ذكيا. وإن من بين تلك التغييرات ما حصل من تطور في الوعي السياسي لدى الموريتانيين خلال السنوات الأخيرة، نتيجة للهزات العنيفة التي شهدتها البلاد، ونتيجة كذلك لما تشهده المنطقة العربية من تحولات كبرى. ومن بينها أيضا، أن النظام الحالي لعب ـ بقصد أو بغير قصد ـ دورا كبيرا في إضعاف دور رجال الأعمال والوجهاء وشيوخ القبائل في التأثير على الحياة السياسية، وذلك بعد أن سلب منهم الكثير من الصلاحيات والامتيازات التي كانت تمكنهم من التأثير بشكل قوي على الحياة السياسية، وعلى المشهد السياسي في البلاد.
إن الأخذ بتلك التغييرات، والعمل من أجل وضع الآليات اللازمة للاستفادة منها، يجب أن يكون على رأس أولويات التواصليين في مؤتمرهم الثاني.
فهل سيستفيد التواصليون في مؤتمرهم الثاني من أخطاء الماضي، ومن التغييرات الحاصلة في المجتمع؟ ذلك ما أرجوه، وذلك ما أتوقعه أيضا.
تصبحون على مؤتمر ناجح...