الاثنين، 23 أغسطس 2010

لن أغرس شجرة!




قلت لهم إنني جائع ... فقالوا لي أغرس شجرة.
قلت لهم إني أغرق... فقالوا أغرس شجرة.
قلت لهم أين سأسكن بعد أن هدمت الأمطار بيتي .. قالوا تحت، أو فوق، أو في وسط شجرة.
قلت لهم إن الأسعار لا تطاق .. فقالوا أغرس شجرة.
قلت لهم ستموت الشجرة، كما ماتت أفران المصلحة، وكما مات الكتاب .. فقالوا لي لا يهم أغرس شجرة.
قلت لهم إن التوقيت لا يناسب لإعلان ميلاد دولة الشجرة..وقلت لهم إن طريقتكم ستجعلني أكره الشجر.. كما كرهت سابقا المطالعة.. قالوا سنفتح في كل مقاطعة دارا لبذور الشجر...وسنتيح لكل مواطن أن يغرس شجرة.
قلت لهم أين عاصمة الثقافة ؟ .. قالو تحولت إلى عاصمة للشجر.
قلت لهم وأين الثقافة؟ .. قالوا سيتم اختزالها في ثقافة الشجر.
ثم همسوا في أذني وقالوا : لا خير في كتاب لا يدعو إلى غرس الشجر..
ولا خير في أغنية لا تروج لغرس الشجر..
ولا خير في قصيدة ليست من شجر..
ولا خير في خطيب جمعة لم يخطب بخطبة الشجر.
قلت لهم أين جنة الفقراء؟ ... قالوا أغرس شجرة.
قلت لهم هل وضعت الحرب على الفساد أوزارها ؟.. قالوا أغرس شجرة.
قلت لهم أين التغيير البناء ؟ ... قالوا لي إنه يستظل بشجرة.
قلت لهم أين الحكومة ؟ ... قالوا خرجت عن بكرة أبيها لتغرس شجرة.
قلت لهم أين رئيس الفقراء؟ .. قالوا إنه يطلق حملة غرس الشجر.
قلت لهم أين الشجر؟... قالوا إنه يغرس الشجر.
قلت لهم ومتى سينتهي الشجر من غرس الشجر؟.. فقالوا لي بعد أربعة أعوام ـ بالتمام والكمال ـ ستنبت مليون شجرة.
فقلت لهم يا سادة يا كرام .. فماذا سآكل في الأعوام الأربعة.. قالوا لي ستأكل من ثمار الشجر.
وقلت لهم وماذا سأشرب؟ ... فقالوا من عصير الشجر.
وماذا سألبس؟.. فقالوا من أوراق الشجر.
وبم سأتعالج؟ ...فقالوا أبشر فسنتداوى بأوراق الشجر.
وقلت متى سأحصل على عمل ؟ ... قالوا عندما يشيخ الشجر.
قلت لهم ومتى سيشيخ الشجر؟... فقالوا عندما تصفق بيديك ورجليك للشجر.. في تلفزيون الشجر.. وتشارك في قوافل الشجر.. وفي حملات الشجر...وفي مبادرات الشجر.
قلت لهم ومتى ستتبرعون لضحايا السيول؟... قالوا أتعني ضحايا البشر.. أم ضحايا الشجر؟...
قلت لهم ألم أقل لكم بأني لا يهمني الشجر... قالوا ونحن لا يهمنا البشر.
قلت لهم ومتى سَيٌخطب في الجوامع عن ضحايا البشر؟... قالوا عندما يمل المصلون من خطبة الشجر.
قلت لهم ومتى سيتحاور الشجر مع الشجر .. فقالوا عندما تتبدل الأرض غير الأرض وتتحول كل الرمال والصحاري إلى غابات من شجر ..
قلت لهم و أين سيحاور الشجر الشجر؟ ... فقالوا فوق كثبان متحركة من شجر.
قلت فعلى أي مرجعية سيتحاور الشجر؟ ... فقالوا وفق قانون الشجر( الكثير من الشجر يسمى غابة).
قلت ومن سيصوت بعد أربعة أعوام لرئيس فقراء الشجر؟ ... قالوا ستصوت له مليون شجرة.
قلت لهم بالله ارحموني و قولوا لي قولا ليس فيه شجر.. قالوا لي بنبرة عسكرية : أغرس شجرة ... أغرس شجرة .. أغرس شجرة.
قلت لهم إني قد أموت جوعا قبل أن تنبت الشجرة ... قالوا لا يهم أغرس شجرة.
قلت لهم إني قد أموت عطشا قبل أن تنبت الشجرة... قالوا لا يهم أغرس شجرة.
قلت لهم إني قد أموت مرضا قبل أن تنبت الشجرة...قالوا لا يهم أغرس شجرة.
قلت لهم إني قد أموت غرقا قبل أن تنبت الشجرة.. قالوا لا يهم أغرس شجرة.
قلت لهم لماذا لا يهمكم جوعي؟... قالوا المهم أن لا تجوع الشجرة.
قلت لهم لماذا لا يهمكم عطشي؟... قالوا المهم أن لا تعطش الشجرة.
قلت لماذا لا يهمكم غرقي؟... قالوا المهم أن لا تغرق الشجرة.
قلت لهم إذا كان لا يهمكم أمري ... فإعدكم بأني لن أغرس شجرة.
قالوا سنقول إنك معارض ... قلت لا يهم لن أغرس شجرة.
قالوا سنقول بأنك خائن وعميل... قلت لا يهم لن أغرس شجرة
قالوا سنقول بأنك مفسد ... قلت لا يهم لن أغرس شجرة.
قالوا سنقول بأنك مجنون...قلت لهم : تصبحون على شجرة...

الخميس، 19 أغسطس 2010

خيال X خيال




تخيلت أن رئيس الجمهورية قرر أن يقضي يوما كاملا في المدن والقرى المنكوبة. وتخيلت أنه تبرع من ماله الخاص لبعض الأسر الأكثر تضررا، وتخيلت بأنه قرر أن يقيل حكومته الخيالية أثناء تواجده التخيلي في القرى والمدن المنكوبة.
وتخيلت أن وزير التوجيه الإسلامي تبرع بثلث راتبه في هذا الشهر الكريم لصالح مسجد تيشيت، وأن وزيرة الثقافة تبرعت بربع راتبها لترميم ذلك المسجد الذي يعتبر من المعالم التراثية الهامة في البلد.
وتخيلت أن مفوض الأمن الغذائي قدم استقالته ـ قبل أن يُقال ـ لشعوره بأنه لم يفعل شيئا للتخفيف من معاناة المتضررين من السيول.
وتخيلت أن مفوض حقوق الإنسان ـ في محاولة لتفادي الإقالة ـ شوهد وهو بين الحمالين يحمل خنشة من الأرز إلى إحدى الأسر المتضررة، مقلدا بذلك بعض الموظفين السامين في بعض الدول الأوروبية.
وتخيلت أن التلفزيون الرسمي نظم سهرة مفتوحة لجمع التبرعات لصالح المنكوبين، وتخيلت أنه جمع في تلك السهرة مئات الملايين بعد أن تنافس رجال الأعمال وكبار الموظفين في تقديم التبرعات التي يتم نقلها بشكل مباشر على شاشة التلفزيون، ويتابعها رئيس الجمهورية أولا بأول.
وتخيلت أن بعض رجال الأعمال قرروا أخيرا أن يتبرعوا لضحايا السيول في "لعيون" و في "كيهيدي" و في " السياسة" و في "كامور" وفي "مقطع لحجار" ... كما تبرعوا سابقا لضحايا فيضانات كاترينا في الولايات المتحدة والذين لا يحتاجون لتبرعاتهم.
وتخيلت ـ كذلك ـ أن رجال الأعمال تبرعوا لضحايا الفيضانات ب5% من مجموع ما ينفقونه عادة في جلب الصور، وتنظيم السهرات المفتوحة في الخيام لصالح مرشحي الرئاسة.
وتخيلت أن النواب والشيوخ الذين تضررت دوائرهم الانتخابية من الأمطار تبرعوا برواتبهم لشهر كامل لصالح الأسر الأكثر تضررا، وتخيلت أن بقية النواب تبرعوا بنسب من رواتبهم لتلك الدوائر المتضررة.
وتخيلت أن شركات الاتصال قررت أن تنفق قليلا من أرباحها الطائلة في أعمال اجتماعية خيرية هادفة من خلال التنافس في تقديم العون للمدن والقرى المنكوبة. فتخيلت أن شينقتل تكفلت بالمتضررين في إحدى الولايات المنكوبة، وأن ماتال تكفلت بولاية ثانية، وأن موريتل تكفلت بولاية ثالثة.
وتخيلت أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية قرر أن ينظم يوما تضامنيا لصالح ضحايا السيول وذلك بتكليف كل منتسب أن يتبرع بمائة أوقية مما مكن من جمع 50.000.000 أوقية في يوم واحد (يقال أن عدد المنتسبين نصف مليون، وبالتأكيد فإن كل مندوب سيدفع عن كل منتسب من وحدته تعذر عليه ـ لسبب أو لآخر ـ أن يدفع).
وتخيلت أن المساجد تنافست في يوم الجمعة القادم في جمع التبرعات لصالح المنكوبين. وتخيلت أن كل من حضر لصلاة الجمعة تبرع ـ على الأقل ـ بمائة أوقية، مما مكن المساجد على عموم التراب الوطني من جمع مئات الملايين.
وتخيلت أن التبرعات الوطنية التي تأتي من الأفراد والمؤسسات والمجتمع المدني قد سبقت هذه المرة التبرعات التي تأتي من مشارق الأرض ومغاربها مع حدوث كل كارثة.
وتخيلت أن التبرعات الخارجية لم تشكل في هذه المرة إلا نسبة مئوية قليلة من التبرعات المحلية.
وتخيلت أن كل تلك التبرعات ذهبت إلى مستحقيها ولم تذهب ـ كما يحدث عادة ـ إلى من يطعم نوقه بقمح الفقراء، ويزخرف قصوره بأقراص دوائهم، ويزيد من أرصدته بنهب الصدقات الممنوحة لهم.
وتخيلت أن الهندسة العسكرية استطاعت أن تنفذ " عملية ناجحة" في إحدى المدن أو القرى المنكوبة.
وتخيلت أنه تم تأسيس هيئة وطنية موسعة للتصدي للكوارث الطبيعية.
وتخيلت أن موريتانيا حكومة وشعبا تمكنت من أن تثبت ميدانيا بأنها أكثر رحمة وشفقة بمواطنيها المنكوبين من الدول الشقيقة والصديقة والتي عودتنا ـ مشكورة ـ على أن تمد يد العون للمنكوبين قبل أن تمدها لهم حكوماتهم، وكما هو الحال بالنسبة لليبيا التي سبقت الجميع للطينطان، كما سبقت الجميع للمتضررين من السيول الأخيرة.
وتخيلت أن الشعب الموريتاني استطاع هذه المرة أن يثبت ميدانيا بأنه مجتمع مسلم كالجسم الواحد، وكالبنيان المرصوص. وأنه يزداد تعاونا وتلاحما وتآزرا وتعاطفا أثناء حدوث الأزمات والكوارث الطبيعية.
وتخيلت أخيرا بأن كل ما تخيلت سابقا لم يكن خيالا، بل كان حقيقة وواقعا ملموسا.

تصبحون على واقع كالخيال...

الاثنين، 9 أغسطس 2010

ملاحظات حائرة على هامش "لقاء الشعب"



هذه بعض الملاحظات الحائرة، على بعض الأجوبة الحائرة، التي رد بها السيد الرئيس على بعض التساؤلات الحائرة، التي تم طرحها في اللقاء المفتوح بقصر المؤتمرات. وهذه الملاحظات الحائرة ما هي إلا امتداد للأسئلة الحائرة، التي كنت قد طرحتها في وقت سابق على الرئيس، وقبل لقاء الأربعاء بيومين.
لقد طرحت تلك الأسئلة الثمانية والأربعين، بعد أن حصلت على نصيبي كاملا غير منقوص من الحيرة التي وزعها الرئيس الحالي ـ وبشكل عادل ـ على كل الشعب الموريتاني. فكان بذلك أول رئيس أغرق الشعب كله بمفسديه ومصلحيه، بأغنيائه وفقرائه، بنخبه وعامته، بمعارضته وموالاته في بحر من الحيرة لا ساحل له.
فالكل حائر: الأغلبية حائرة حتى لو تظاهرت بعكس ذلك، والحكومة حائرة، والمعارضة حائرة، والفقراء حائرون، والمفسدون حائرون، والأميون حائرون، والمثقفون هم أشد خلق الله حيرة في بلد ربما يعيش خمس سنوات كاملة من الحيرة القابلة للتجديد.
إن للموالاة الحق في أن تقول ـ وهي حائرة ـ بأن البلد قد أنعم الله عليه ـ أخيرا ـ برئيس للفقراء يسلم على الفقراء، قبل الكبراء، يوم تنصيبه. ويحدثهم قبل غيرهم بمناسبة احتفاله بذكرى ذلك اليوم. فسلام على الفقراء يوم سلم عليهم رئيسهم في الملعب الأولمبي. وسلام عليهم يوم حدثهم في قصر المؤتمرات.
وللمعارضة الحق في أن تقول ـ وهي حائرة ـ بأن الفقراء قد جاعوا كثيرا، وعطشوا كثيرا، ومرضوا كثيرا، بين يوم التنصيب الذي سلم عليهم فيه رئيسهم بالملعب الأولمبي، وبين ذكرى ذلك اليوم الذي حدثهم فيه بقصر المؤتمرات. فسلام على الفقراء يوم حَلُموا فانتخبوا، وسلام عليهم يوم صُدِموا فصبروا، وسلام عليهم يوم شقت الطرق عن أيمانهم وعن شمائلهم وهم جائعون.
وسلام على كل مواطن حائر فكر مرة في أن يناصر"رئيس الفقراء" مناصرة لم يناصر بها رئيسا من قبله، ولن يناصر بها رئيسا من بعده، وذلك دعما لبعض الإنجازات والقرارات الثورية، التي لم يكن يحلم بها. وسلام على ذلك المواطن الحائر، عندما فكر مرة أخرى ـ وبنفس الحماس ـ في أن يعارض" رئيس العمل الإسلامي" معارضة لم يعارض بها رئيسا من قبله، ولن يعارض بها رئيسا من بعده، بسبب الإخفاقات الكثيرة، وبسبب تلك القرارات المؤجلة التي لم تتخذ في عام الحيرة، رغم أنه كان من المفترض أن يتم اتخاذها منذ زمن بعيد.
فسلام على ذلك المواطن الحائر، حينما فكر في مناصرة الرئيس. وسلام عليه حينما فكر في معارضته. وسلام عليه حينما لم يفكر في أي شيء.
وسلام عليه عندما تابع "لقاء الشعب"، فازداد حيرة على حيرة. حيرة بسبب كثرة النقاط المضيئة في ذلك اللقاء، وحيرة بسبب كثرة النقاط المظلمة فيه، فحار واحتار ولم يستطع ـ في المحصلة النهائية ـ أن يتخذ موقفا حاسما من ذلك اللقاء، كما فشل قبل ذلك في أن يتخذ موقفا حاسما من مبتدع ذلك اللقاء.
ولكي نَحُدَّ ـ ولو قليلا ـ من تلك الحيرة، كان لابد من تحديد النقاط المضيئة والنقاط المظلمة في ذلك اللقاء:
أولا : النقاط المضيئة :
1 ـ فكرة اللقاء في حد ذاتها كانت فكرة جريئة وثورية، وقد شكلت سابقة من نوعها، عربيا وربما إفريقيا. لذلك فهي تستحق الإشادة رغم كل الشوائب والأخطاء التي صاحبتها.
2 ـ لقد أجاب الرئيس بشكل صريح على سؤال غير بريء من المراسلة الفرنسية المشاركة في الندوة الرئاسية، وذلك عندما قال بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية لهذا البلد. وأن اللغة الفرنسية مرحب بها، كاللغة الانجليزية، وهي مجرد لغة عالمية ولغة انفتاح، لا أقل ولا أكثر. و تعلمها يعتبر أمرا مهما دون أن يعطيها ذلك منزلة تميزها عن غيرها من اللغات العالمية.
3ـ لقد كانت إجابات الرئيس واضحة أيضا فيما يتعلق بالعملية العسكرية الأخيرة، وبالحرب على الإرهاب بصفة عامة حيث أكد على أهمية تحقيق الأمن في كل شبر من أرضنا، وهو ما قد يستدعي في بعض الأحيان تنفيذ عمليات استباقية.
والمهم هنا أن الحرب على الإرهاب، خاصة في شقها الخشن ( العسكري)، يجب أن تلتزم ببعض الأساسيات التي ذكرها الرئيس ـ دون ترتيب ـ أثناء أجوبته، وتلك الأساسيات يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
ـ بما أننا نرفض أن نخوض حربا بالوكالة، علينا كذلك أن نرفض ـ وبنفس القوة ـ أن تخاض لنا حرب بالوكالة. فجيشنا عليه أن ينفذ عمليات ـ كلما كان ذلك ممكنا ـ للانتقام لجنوده وللرعايا الأجانب الذين اختطفوا على أرضه. وهذه العمليات يجب أن يقودها وينفذها الجيش بنفسه، دون أن يعني ذلك رفض أي معونة استخباراتية أو لوجستية من الغير، بما في ذلك فرنسا أو أمريكا.
ـ هذه الحرب ليست حربا مفتوحة ضد تنظيم القاعدة، وإنما هي حرب ضد قلة استباحت أرضنا، وقتلت مواطنينا. وكل عملية ينفذها جيشنا في هذا المجال يجب أن لا تتجاوز حدود توازن الرعب، و الدفاع المناسب عن النفس، وهي ـ بالتأكيد ـ ليست ضد من لم يستبح أرضنا حتى ولو أراق دماء بريئة في أمكنة أخرى.
ـ هذه الحرب يجب أن لا تشرع لقواعد أجنبية في البلد. ولقد أعلن الرئيس ـ صراحة ـ بأن موريتانيا خالية من أي قواعد عسكرية أجنبية، وأنه على استعداد للمشاركة في قافلة تجوب البلاد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا بحثا عن تلك القواعد المزعومة.
لقد تم التشويش كثيرا على تلك العملية، من خلال بعض المقالات والتحليلات التي شككت في أهداف تلك العملية ، و بخست من دور الجيش الموريتاني فيها، والذي تأكد اليوم ـ ووفق مصادر عالمية متخصصة ـ بأنه كان هو المخطط والمنفذ الأول لتلك العملية التي أعادت للجيش وللبلد شيئا من الهيبة والكرامة والثقة في النفس المفقودة.
ثانيا : النقاط المظلمة:
1ـ لقد قال الرئيس بأنه لن يشرك المعارضة في السلطة، وله الحق في أن يقول ذلك. وقال بأن المعارضة يجب أن تظل معارضة كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية، وله الحق ـ أيضا ـ في أن يقول ذلك.
ولكن الشيء الذي لم يقله الرئيس، هو أن الأغلبيات الحاكمة في الدول الديمقراطية لا تحتكر إلا الوظائف السياسية لأنصارها. أما الوظائف الإدارية الأخرى فهي مفتوحة أمام الجميع، معارضة وأغلبية، بحسب الكفاءة والخبرة والاستقامة.
وما لم يقله ـ أيضا ـ الرئيس هو أن الديمقراطيات المحترمة لا تستخدم وسائل الدولة لإغراء أنصار المعارضة. ولا تستخدم سياسة الترغيب والترهيب، من أجل فرض هجرة قسرية من المعارضة إلى الأغلبية. كما يحدث في بلدنا، والذي لا تحتاج نخبه السياسية لجهد كبير في هذا المجال. فهي معروفة ب"خفة الوزن"، وبالقدرة والسرعة الفائقة على الترحال من منتجع سياسي إلى منتجع آخر، كثيرا ما يكون منتجع الحزب الحاكم.
2 ــ لم يوفق الرئيس في حديثه عن الحوار. ولم تكن هناك ضرورة ملحة للتذكير بأن اتفاق "دكار" ليس قرآنا ولا دستورا. كان على الرئيس أن يتحدث عن الحوار بنفس النبرة الإيجابية التي تحدث بها أثناء لقائه برئيس حزب عادل، وبرئيس منسقية المعارضة، وبزعيمها الدستوري، وبنفس النبرة التي تحدث بها وزيره الأول أثناء استجوابه. لقد كانت المعارضة في ورطة قبل " لقاء الشعب" فهي كانت مجبرة ـ قبل ذلك اللقاء ـ للذهاب إلى الحوار الذي لم تكن ترغب فيه أصلا. أما اليوم فقد أصبح لديها عذرها: الرئيس لا يرغب ـ بشكل جدي ـ في الحوار، بعد أن نكص عن اتفاق "دكار" الذي كان قد وافق عليه هو ووزيره الأول كأساس للحوار، حسب ما تسرب وقتها عن لقاءات الرئيس بزعماء المعارضة.
3 ـ لقد أجاب الرئيس بطريقة غريبة عن فصل السلطات، عندما قال بأنه لن يعارض في المستقبل أي تعديل دستوري في هذا المجال. ولقد فات الرئيس بأن في الدستور الحالي ما يكفي نظريا لفصل السلطات، ولكن المشكلة هي عدم تطبيق ما في الدستور.
4 ـ لقد كانت إجابة الرئيس على سؤال شاب من كيهيدي إجابة غريبة حقا. لقد طالب ذلك الشاب بمكتبة في كيهيدي، بعد أن أغلقت المكتبة التي كانت موجودة في المدينة، كما أغلقت كل المكتبات في الولايات الأخرى.
الرئيس قال بأنه قد تم إهدار المليارات في مكتبات لم يكن يزرها زائر، وفي كتب لا يقرأها أحد. والسؤال الحائر الذي أضيفه لأرشيف الأسئلة الحائرة التي لم يجب ولن يجيب عليها الرئيس: أين هو الآن من بدد كل تلك المليارات في كتب الطبخ والحلاقة، يوم كان وزيرا للداخلية ؟؟؟ ذلك سؤال كان من المفترض أن يطرحه أحد الصحافيين المشاركين في اللقاء، بعد تلك الإجابة الرئاسية الغريبة.
5 ـ لقد تجاهل الرئيس سؤالا من مدينة لعيون ومن حي العرقوب تحديدا الذي زاره الرئيس قبل ذلك بيومين، ودشن فيه طريقا كان يراد له أن يفك العزلة فزاد من عزلة ذلك الحي بعد أن انحرف عن مساره الأصلي. وذلك بقرار من وزير خفي للتجهيز، يبدو أنه أكثر نفوذا من وزير التجهيز العلني، ومن السلطات الجهوية، ومن نواب الولاية الذين أكدوا جميعا بأن الطريق لن ينحرف عن مساره الطبيعي.
كانت الحجة التي استخدمها "الوزير الخفي للتجهيز" لتبرير حرمان سكان حي العرقوب من الطريق الذي انحرف غربا عن الكثافة السكانية للحي ، بأنه انحرف للمرور ببعض المرافق العمومية، والتي أهمها سوق صغير تم تشييده دون دراسة في مكان خال من السكان وقد تعرضت نوافذه وأبوابه للسرقة أكثر من مرة.
هذا السوق الذي تم استلامه من طرف البلدية منذ 2003 لم يفتح إلا في يوم واحد وهو يوم 02 أغسطس 2010 لساعات محدودة، أي يوم زيارة الرئيس للمدينة. ولقد أغلق السوق أبوابه من جديد، وإلى أجل غير مسمى، بعد أن أدى دوره، وتم استخدامه لتبرير انحراف طريق عن مسارها في بلد انحرف فيه كل شيء عن مساره الطبيعي.
المهم أن انحراف هذا الطريق حرم مرفقا عموميا آخر أكثر أهمية من أن يمر به الطريق، وهو المركز الصحي للعرقوب، والذي كان موضوع سؤال لأحد سكان الحي ممن استغرب مواصلة السلطات الجهوية والصحية لإغلاق هذا المركز الصحي الهام.
لم يكشف الرئيس عن السر وراء إغلاق ذلك المركز الصحي، بل أنه اختار ـ بدلا من أن يجيب ذلك المواطن البسيط الحائرـ أن يتحدث عن الصحة في "أطار" والتي لم تكن هي موضوع السؤال.
المحير في الأمر كله أن الرئيس الذي ابتدع " لقاء الشعب"، يوم الأربعاء الرابع من أغسطس للاستماع لهموم المواطنين. هو نفسه الرئيس الذي رفض يوم الاثنين الثاني من أغسطس أن يستمع لشكاوي المواطنين في حي العرقوب، الذين خرجوا عن بكرة آبائهم وأجدادهم وأعمامهم لاستقباله في ظهيرة يوم غائظ.
فلماذا لم يستمع الرئيس لشكاوي سكان العرقوب إذا كان يسعى فعلا لسماع هموم المواطنين؟ وهل كان " لقاء الشعب" مجرد لقطة دعائية و إعلانية، أم كان يهدف حقا للاستماع لهموم المواطنين؟؟ ولماذا سُمِح بحضور من تتبخر دائما مشاكله وتتحول إلى نعم كلما أتيحت له فرصة الظهور في التلفزيون؟ ولماذا جيء بالغارقين ـ نظريا ـ في نعم التصحيح ( اللهم لا حسد)، والذين لم تكن لديهم مشاكل يطرحونها في لقاء المصارحة والمكاشفة؟؟؟؟؟
تصبحون وأنتم أقل حيرة...

الخميس، 5 أغسطس 2010

أسئلة حائرة إلى رئيس الجمهورية



سيدي الرئيس،
أكتب لكم اليوم الرسالة الثانية عشر، والتي ستقتصر على طرح بعض الأسئلة الحائرة، للمساهمة في إنعاش اللقاء المباشر والمثير، الذي قررتم أن تقدموا فيه حصيلة أول عام من فترتكم الرئاسية، وأن تجيبوا فيه على أسئلة بعض المواطنين التي قد يطرحونها في هذا اللقاء الذي يشكل سابقة من نوعه.
ولأنني مواطن من الدرجة الثانية، لا يحق له أن يستفيد من خدمات الإعلام الحكومي. فقد ارتأيت أن أطرح " نصيبي" من الأسئلة على سيادتكم، عن طريق الصحافة المستقلة. كما ارتأيت كذلك أن أنشرها قبل اللقاء بيومين، عسى أن تجد متطوعين أو فاعلي خير من القراء المحظوظين، الذين قد تتاح لهم فرصة الاتصال بالبرنامج، فيطرحوا بعضها على سيادتكم وأجرهم على الله.
سيدي الرئيس،
لقد عبرت لكم سابقا وبمناسبة تنصيبكم في العام الماضي ـ وفي أولى هذه الرسائل المفتوحة ـ عن إعجابي الشديد بلفتتكم المثيرة نحو الجماهير الفقيرة المشاركة في حفل التنصيب. لقد تركت تحيتكم للفقراء، قبل "الكبراء" والرسميين، أثرا طيبا في نفسي، وفي نفوس الكثيرين ممن تابعوا تلك اللقطة المتميزة التي وُفِقتم في تقديمها يوم التنصيب ذاك.
واليوم أجدني أيضا ملزما لأن أعبر لكم عن إعجابي الشديد بلقاء المصارحة والمكاشفة، الذي اخترتموه للاحتفال بالذكرى الأولى لتنصيبكم، عكس ما كان يجري سابقا، خاصة في عهد الرئيس السابق حيث بدد الكثير من ميزانية الدولة في الموسيقى والصخب للاحتفال بتلك المناسبة.
حقا إنهما لقطتان فريدتان، ثوريتان، جريئتان، بناءتان، متميزتان، لم يوفق لهما رئيس من قبلكم. وهما لقطتان تستحقان الإشادة من كل معارض منصف ـ أرجو أن أكون أنا هو ـ يمتلك شيئا قليلا من شجاعة الاعتراف.
وبين تلك اللقطتين الفريدتين ظلت على شفاه بسطاء هذا البلد أسئلة كثيرة وحائرة، تنتظر إجابات شافية من سيادتكم . وهي أسئلة تسحق بالمقابل أن تطرح من كل موالٍ مخلص ـ وأرجو أيضا أن أكون أنا هو ـ يمتلك شيئا يسيرا من شجاعة النقد والنصح، خاصة في هذه المناسبة التي اخترتموها لتكون مناسبة للمصارحة والمكاشفة ولمراجعة ما تم انجازه من برنامجكم الانتخابي، الذي صوت لكم عليه فقراء هذا البلد، أقول فقراء هذا البلد، ثم أعيد فقراء هذا البلد.
ستكون بداية هذه الأسئلة عن التلفزيون الذي اخترتموه لهذا اللقاء، دون إهمال أو تهميش لبقية مؤسسات الإعلام الرسمي التي أردتم لها أن تكون قريبة من المواطن العادي فإذا بها تزداد بعدا عنه.
وفي هذه الأسئلة سيتم استخدام " ترمومتر" دقيق جدا لمعرفة ما إن كان هذا الإعلام قد اقترب من المواطن العادي أم ازداد بعدا. وسنقارن هنا بين إعلام التغيير البناء في عهد تحرير الفضاء السمعي البصري، وبين الإعلام الرسمي في المرحلة الانتقالية الأولى.
1 ـ فلماذا كان عدد لا بأس به من المواطنين العاديين ينفق مائة أوقية من ماله الخاص لشراء نسخة من جريدة الشعب في المرحلة الانتقالية الأولى، في حين أنه يستحيل اليوم أن يشتري مواطن عادي نسخة من هذه الجريدة؟
2 ـ ولماذا كان الكثير من المواطنين يتابع ويناقش ويعلق على الكثير من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في المرحلة الانتقالية، في حين أنه اليوم لم تعد هناك برامج تهم كثيرا هذا المواطن؟
3 ـ ولماذا سُمِح لبعض الإعلاميين المتميزين أن يقدموا برامج هامة في المرحلة الانتقالية الأولى ( إسحاق، سيدي ولد أمجاد)، في الوقت الذي لم يسمح لهم بذلك في عهد تحرير الفضاء السمعي البصري؟
4 ـ ولماذا لم يتم تعيين بعض الإعلاميين الذين في سجلهم المهني حسنات كثيرة قدموها لهذا الإعلام :( عبدالله ولد محمدو، موسى ولد حامد، كابر ولد حمودي...)؟
5 ـ ولماذا تم إقصاء كل من كان يمكن له أن يساهم في تقريب الإعلام الرسمي من المواطن، حتى أولئك الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، كما هو الحال بالنسبة لحمود ولد امحمد؟
6 ـ ولماذا تم اختيار من لم تسجل في صحيفته المهنية حسنة واحدة لإدارة مؤسسات الإعلام الرسمي التي يراد لها ـ عبثا ـ أن تكون قريبة من المواطن العادي؟
7ـ ولماذا ترفض الشعب نشر زاوية تنموية لا صلة لها بالسياسة ؟ ولماذا يرفض مدير التلفزيون تقديم برنامج شبابي تنموي مع العلم أن التلفزيون في أمس الحاجة إلى مثل هذا البرنامج؟ ولماذا رفض المدير ذلك البرنامج، رغم أوامر وزير الاتصال السابق، ورغم تدخل مستشاركم الإعلامي، والمستشار الإعلامي لوزير الاتصال وآخرين أعجبتهم الفكرة الرائدة لذلك البرنامج المقترح؟
8 ـ ولماذا يسد وزير الاتصال قنوات الاتصال بموظفيه الذين لم يتعلموا إلا لغة القرآن والتي يقال ـ نظريا ـ بأنها هي اللغة الرسمية للبلد؟
9 ـ ولماذا تقبلون من بعض وزرائكم أن يسيئوا للغة القرآن ولغة الدستور، وكما هو الحال بالنسبة لوزير التعليم الثانوي ووزير الاتصال؟
10 ـ ولماذا يشذ وزير الاتصال عن كل الوزراء الأحياء منهم والأموات، ويرفض أن يحدد يوما معينا للاتصال بالجمهور، حتى وإن كان سيتغيب أو سيتظاهر بانشغالات أخرى لا تسمح بلقائه، كما يفعل ـ عادة ـ أغلب الوزراء، ولأسابيع وشهور متواصلة؟
11 ـ وأخيرا فلماذا لم يتحسن أداء الإعلام الرسمي، رغم اجتماعاتكم الكثيرة بالمسؤولين عن هذا القطاع، ورغم زياراتكم الميدانية، ورغم وعودكم المتكررة بتقريبه من هموم المواطن العادي؟؟؟؟؟
جواب على السؤال رقم 11 : يقول خبراء التغيير بأن التغيير لا يمكن أن ينجح إلا إذا كانت هناك رغبة ذاتية لإحداث التغيير. ويقول الخبراء أيضا بأن الشخص الذي يرغب في التغيير يركز في الغالب على الفرص المتاحة أمامه لإحداث التغيير. ولا يضيع وقته في تعداد العوائق حتى ولو كانت كثيرة. أما الأشخاص الذين لا يرغبون في التغيير كما هو حال من تم تعيينهم لإدارة مؤسسات الإعلام الرسمي، فهؤلاء يضيعون الأوقات في تعداد العوائق لتبرير وتشريع فشلهم.
وبالمختصر المفيد، فلو أنكم اخترتم لتلك المؤسسات بعض الموظفين الذين يسعون فعلا للتغيير، لاستطاعوا وفي وقت قياسي أن يتجاوزوا العوائق الكثيرة، ويستغلوا الإمكانيات القليلة المتاحة، ولأعادوا لتلك المؤسسات شيئا من المصداقية التي كانت تتمتع بها في المرحلة الانتقالية الأولى، هذا إن لم يمنحوها مصداقية أكثر.
أسئلة حائرة عن الحرب على الفساد والمفسدين:
12ـ لماذا احتضنتم وعينتم بعض رموز الفساد في وظائف حساسة، رغم أنهم نهبوا ثروات البلاد، نظاما بعد نظام، وفي الوقت الذي توجد فيه كفاءات شابة في الشارع ؟
13 ـ ولماذا تقربتم واحتضنتم بعض رموز الفساد، وأنتم لستم بحاجة إليهم بعد أن انتخبكم ضحايا الفساد من الشعب الموريتاني.في الوقت الذي كنتم فيه تنتقدون أولئك المفسدين، وأنتم في أمس الحاجة إلى دعمهم أثناء الحملة الانتخابية؟
14 ـ ألا تُشرِّع تلك الازدواجية في التعامل مع المفسدين أثناء الحملة الانتخابية وبعد التنصيب لأسئلة حائرة كثيرة؟
15 ـ ولماذا توقفت الزيارات المفاجئة التي بدأتم بها عامكم الأول؟ ولماذا يتم الآن الإشعار بتلك الزيارات قبل موعدها بفترة تكفي لتجديد طلاء الإدارة المزورة، ولقص أشجارها، ولإصلاح بعض نوافذها المكسورة، ولتنظيف حماماتها ومراحيضها. وتكفي كذلك لاستجلاب كل موظفيها الأشباح، الأحياء منهم والأموات ؟
16 ـ ولماذا لا تزال التعيينات حتى اليوم لا تنسجم ـ إطلاقا ـ مع الحرب على الفساد المعلنة ؟ ولماذا لا زالت تلك التعيينات تتم بطرق بدائية لا علاقة لها بالكفاءة والخبرة والاستقامة؟
17 ـ ولماذا يتم إقصاء بعض الأطر لأسباب سياسية رغم حاجة البد إلى كفاءتهم؟ فلماذا لم تتم الاستفادة من كفاءة الوزيرة نبقوها التي استطاعت في فترة وجيزة ـ ورغم بعض الأخطاء ـ أن تعيد للمدرسة وللتعليم شيئا من هيبتهما المفقودة؟ ولماذا تم إقصاء ولد هيين الذي يرجع له الفضل في بقاء " سنيم " على قيد الحياة في عهد كان ينهار فيه كل شيء.؟ ولماذا يتم إقصاء هذا الموظف الذي ساهم في إنقاذ شركة الكهرباء من هلاك محقق؟
18 ـ ولماذا يتم إقصاء بعض الكفاءات الوطنية، لا لشيء، إلا لأنها تحب هذا الوطن وتريد أن تخدمه؟ فلماذا تم إقصاء مدير الرقابة البيئية؟ ألأنه يحمل من الشهادات والخبرة الشيء الكثير؟ أم لأنه كشف حيل بعض الشركات الأجنبية التي تدمر بها البيئة؟ وفي المقابل لماذا تمت ترقية موظف آخر، في نفس المجال، ألأنه بدلا من أن يفند فنيا وتقنيا تلك المخاطر البيئية التي يقال بأنها تهدد البلد، تفرغ لشتم وسب بعض السياسيين الذين كان يلهث وراءهم حتى وقت قريب؟
19 ـ ولماذا لا زالت التكريمات والتوشيحات لا يستفيد منها إلا من هو ليس أهلا لها ؟ فلماذا يتم حرمان الشرطي الشيخ صار مثلا من أي تكريم رغم اتفاق الجميع ( معارضة وأغلبية، نخبا وعامة) على استقامته وتفانيه وإخلاصه في العمل؟ بل لماذا رفضت السلطات السماح لبعض منظمات المجتمع المدني " ضحايا ضد الفساد" من تكريم هذا الشرطي الذي سيحال إلى التقاعد في مطلع العام القادم؟
20 ـ وبالمناسبة فهل ستتشابه التوشيحات والتكريمات بمناسبة الاحتفال بخمسينية الاستقلال بالتوشيحات والتكريمات السابقة، والتي لم يكن يحددها إلا مزاج القائمين عليها؟
21 ـ ولماذا تغيب الحكومة وإعلامها الرسمي عن إعلان اكتمال أضخم جهد علمي تم انجازه في السنوات الأخيرة، وبعد عقدين ونصف من البحث ؟ ولماذا لا يعامل الباحث الكبير يحيى ولد البراء بما يليق بمقامه وبجهده العلمي؟
22 ـ ولماذا ـ يا سيادة الرئيس ـ تواصل الحكومات المتعاقبة، حكومة بعد حكومة، تجاهل أعظم شخصية خدمت هذا البلد ؟ فلماذا لم نقدر للأستاذ الجليل محمد ولد سيدي يحيى جهوده الكبيرة ليس في الدعوة فقط، بل وفي تعزيز الوحدة الوطنية، وفي إذابة الفوارق في التعلم بين شرائح المجتمع؟ ثم ألا يعتبر تجاهل هذا الأستاذ الجليل الذي لم يستفد ماديا ولا معنويا من الدولة ولا من غيرها ـ رغم خدماته الجليلة ـ خطيئة كبرى من أعظم الخطايا ؟
أسئلة حائرة في محاربة الفقر:
23 ـ لماذا كان أداء وكالة تشغيل الشباب في هذا العام هو الأسوأ منذ تأسيس هذه الوكالة؟
24 ـ ولماذا كان أداء صناديق الادخار التي هي أهم مؤسسة تمويلية للفقراء سيئا للغاية في هذا العام، حيث يتم الحديث عن إغلاق بعض الفروع وتسريح بعض العمال؟ ولماذا كان أداء هذه الصناديق أفضل بكثير في عهد مديرها المسجون بتهمة الفساد، من أدائها في عهد محاربة الفساد؟
25 ـ ولماذا تعاملت الحكومة مع الحمالين بمسيلات الدموع بدلا من أن تستمع ـ ولو قليلا ـ لأنينهم؟
26 ـ ولماذا لم يتم حتى الآن التفكير في سياسة تشغيلية تقلل من التباين المخيف في نسب البطالة بين الشرائح الاجتماعية، وتحد من البطالة في الأوساط الأكثر فقرا؟
27 ـ ولماذا لم يتم التعامل مع القمامة بطريقة إبداعية، تقضي على القمامة في أسابيع معدودة، وتخلق مصادر دخل في الأوساط الأكثر فقرا، وكما فصلت ذلك الرسالة المفتوحة الثالثة من هذه الرسائل؟
28 ـ ولماذا لم يتم حتى الآن اعتماد برامج تدريبية مهنية وحرفية قصيرة المدة وموسعة تثقف حرفيا ومهنيا أكثر عدد ممكن من الفقراء، خاصة في الحرف البسيطة التي لا تحتاج لمهارات كبيرة، والتي تنهب من خلالها ثروات البلد؟
29 ـ ولماذا تتم زيادة الضرائب على السلع التي تبقي الفقراء أحياء يرزقون، ولا تتم زيادتها على السجائر التي تميتهم، وتميت الأغنياء معهم؟
30 ـ ولماذا لم يفتح أول رئيس للفقراء أبواب القصر لفقراء هذا البلد؟ ولماذا لم يتم ـ حتى الآن ـ استقبال حملة الشهادات العاطلين عن العمل في القصر؟ أو استقبال بعض المنكوبين من الطينطان مثلا على إفطار رمضاني؟ أو استقبال المعوقين؟ أو بعض الحمالين؟ ولماذا لم يتم القيام بزيارة خاصة لبعض "آدوابة"حيث ينتشر الفقر والجهل والمرض؟
31 ـ ولماذا لم يتم حتى الآن استحداث ديوان للمظالم، تابع لرئاسة الجمهورية، ينقل شكاوي الفقراء إلى رئيسهم الذي انتخبوه؟

أسئلة حائرة في الحكامة السياسية:
32 ـ لماذا تم تسييس بعض الإدارات التي كان من المفترض أن تبقى بعيدة عن التجاذبات والصراعات السياسية؟
33 ـ ولماذا تم تعيين مفتش للدولة غارق في السياسة حتى أصموخ رأسه؟
34 ـ ولماذا تم تعيين رئيس للمجلس الدستوري غارق في السياسة حتى فروة رأسه؟
35 ـ ولماذا تم انتخاب رئيس محكمة عدل سامية غارق في السياسة حتى أم رأسه؟
36 ـ ولماذا أغرقت السلطة العليا للصحافة والسمعيات البصرية في السياسة حتى عفرية رأسها؟
37 ـ ولماذا لازالت التعيينات والاستفادة من الصفقات العمومية تقتصر على الموالين دون غيرهم؟
38 ـ وإلى متى سيظل ابن القبيلة مدللا، وابن الجهة والعرق مدللا، وابن الطائفة السياسية مدللا، في حين أن ابن الوطن البار يعيش حياته كلها منبوذا، مذموما ومهمشا؟ وإلى متى سيظل أسوأ الناس حظا في هذا البلد هم أولئك الذين يضعون ولاءهم للوطن فوق ولائهم للقبيلة أو للجهة أو للعرق أو للطائفة السياسية؟
أسئلة حائرة في مجال الصحة :
39 ـ لماذا أضاع وزير الصحة والأطباء أوقاتا ثمينة من هذا العام في الصراعات، وفي لي الأذرع والأرجل، في الوقت الذي كان فيه المرضى يموتون فرادى وجماعات؟
40 ـ ولماذا ترفض الدولة استيراد بعض الأجهزة الرخيصة التي لا تكلف إلا مئات الآلاف، رغم أنه يبعث بسبب غيابها الكثير من المرضى للعلاج في الخارج؟
41 ـ ولماذا لم يتحسن حال المرضى في الداخل أو في الخارج رغم اهتمامكم الكبير بهذا القطاع؟
42 ـ ولماذا ـ وأنا هنا استخدم الترمومتر الآنف الذكر ـ لازالت الصيدلية الوحيدة المجاورة لمركز الأمومة والطفولة من أقل الصيدليات في العاصمة مبيعات؟
43 ـ ولماذا لا زال هذا المركز الفاخر الذي قامت له الدنيا ولم تقعد، عاجز ـ حتى الآن ـ عن استقطاب عدد يفوق أو يساوي ما تستقطبه نقطة صحية ريفية من غرفة واحدة، أو من غرفتين؟

أسئلة حائرة متفرقة :
44 ـ لماذا في زمن ثورة تشييد الطرق لم يستفد الشارع الفاصل بين كارفور مدريد و قصر العدالة من طريق مزدوج يخفف قليلا من الزحمة، خاصة وأن الكلفة لن تكون عالية، لقصر المسافة، ولغياب المباني على أطراف الشارع المذكور؟
45 ـ ولماذا لا يتم نقل سوق البيع بالجملة من قلب العاصمة إلى دار النعيم للتخفيف من الضغط والزحمة التي تسبب فيها الشاحنات الكبرى والعربات وذلك من أجل إعطاء وجه حضاري لقلب العاصمة؟
46 ـ ولماذا كان حظ الكتاب سيئا في هذا العام الذي تم فيه اختيار نواكشوط عاصمة للثقافة الإسلامية، حيث دُفنت كتب المكتبات العامة في مخازن الحالة المدنية، بعد أن كانت قد وُلدت بطريقة غريبة في وزارة الداخلية؟
47 ـ ولماذا رغم الاهتمام المعلن بالشباب، والذي بلغ ذروته من خلال إشراكهم ـ ولأول مرة ـ في المجلس الوطني للحزب الحاكم، فلماذا تلغى مشاركة موريتانيا في منتدى الشباب الإفريقي؟ ولماذا لم تشارك موريتانيا في أنشطة شبابية أخرى؟ ولماذا شكلت الحكومة عائقا كبيرا في حصول بعض المنظمات الشبابية على تمويلات؟
48 ـ ولماذا ـ وهذا السؤال يحيرني حقا ـ تفاجئوننا بقرارات ثورية لم نكن نحلم بها إطلاقا ولم نكن نتوقعها في المستقبل المنظور، كما هو الحال بالنسبة للقاء المصارحة والمكاشفة هذا، في الوقت الذي تفاجئوننا فيه كذلك بعدم اتخاذ قرارات أخرى، كان من المفترض أن تتخذوها؟ فعلى سبيل المثال لِمَ لَمْ تستمعوا ـ وبشكل عشوائي ـ لبعض البسطاء في مدينة لعيون والذين استقبلوكم في ظهيرة يوم حار؟ فلو استمعتم إليهم لأخبروكم بأن الطريق الذي دشنتموه قد انحرف عن مساره الأصلي بسبب قصة فساد جديدة،من قصص الفساد في موريتانيا الجديدة ، والتي لم تتوقف فيها قصص الفساد، حتى في أيام ذكرى انتخابكم وتنصيبكم، حيث تم تهديد وفد كبير من الوزراء والموظفين السامين بالطرد من فندق صيني، بسبب عدم دفع الفاتورة. وفقنا لها جميعا لما فيه خير البلد، وإلى الرسالة الثالثة عشر إن شاء الله.

الورطة/ قصة قصيرة



اعتكف الأهالي في "أكواخ الدجاج" التي يسكنونها، استجابة لحظر التجوال الإجباري الذي تفرضه ـ عادة ـ شمس يونيو الحارقة، في أغلب أيام هذا الشهر، من منتصف النهار وحتى الساعة الرابعة مساءً.
لم يتعود الأهالي أن يخالفوا حظر التجوال الشمسي، رغم أنهم جُبِلوا على مخالفة القوانين، وحُبِّبَ إليهم كسر الأوامر. ولم يكن من المتوقع أن يخالف البعض ذلك الحظر في خامس أيام يونيو، والذي بلغت فيه درجة الحرارة رقما قياسيا جديدا.
في البداية كانت الأمور طبيعية جدا، فقد خلت الشوارع من المارة تقريبا، باستثناء بعض الحالات المحدودة جدا، والتي لا يمكن اعتبارها كسرا لحظر التجوال: أطفال يبحثون ـ عبثا ـ عن قطعة ثلج في دكاكين الحي، رجل يخطو مسرعا إلى كوخه بعد أن دفع ـ على غير عادته ـ مائة أوقية إضافية، لكي تنعرج به سيارة الأجرة لتوصله إلى أقصى مكان في الحي يمكن أن تصل إليه سيارة، سيدة أجبرتها ظروف قاهرة للخروج.
كانت النساء أكثر استجابة للحظر من الرجال، وكانت القليلات منهن اللاتي تفرض عليهن الظروف كسر الحظر، يخرجن ملثمات منقبات، لكنهن كن يكشفن عن رؤوسهن وصدورهن، في أول لحظة يلجن فيها مساكنهن المكشوفة للمارة وللجيران. فشمس يونيو لا تكتفي بحظر التجوال, وإنما تفرض على النساء اللواتي يكسرن الحظر, أن يلبسن زيا محتشما في الشارع، في حين أنها كانت تبيح للملتزمات بالحظر التبرج في أكواخ الصفيح المكشوفة.
ظلت الأمور شبه طبيعية، إلا في حي سكني واحد, من أفقر الأحياء السكنية في مقاطعة الميناء. فقد لوحظت في ذلك الحي حركة غير مألوفة.
لقد كانت حركة الناس في ذلك اليوم مثيرة للدهشة وللاستغراب...
وكان اتجاه الحركة أكثر إثارة للدهشة وللاستغراب, حيث كانت أفواج الرجال والنساء والشباب والفتيات, تتجه فرادى وجماعات, إلى محل الخياطة الوحيد في ذلك القطاع السكني الذي تكثر فيه أكواخ وأعرشة الخشب والصفيح.
وكان الأغرب من ذلك كله، أن تلك الحركة كانت تزداد كثافتها كلما اقتربت عقارب الساعة من الثانية ظهرا, وكلما زادت حرارة الشمس، ودنت أشعتها الحارقة من رؤوس المارة.
لقد شكل محل الخياطة في ذلك القطاع السكني قبلة لتلك الأفواج التي كسرت الحظر، وخرجت بشكل استثنائي، في وقت استثنائي، ولغاية استثنائية.
ولقد كان أول شيء يقوم به القادم لمحل الخياطة، هو إخراج ثلاثة آلاف أوقية، وتقديمها للخياط.
أخذت الأصوات ترتفع شيئا فشيئا في محل الخياطة، وكان كل واحد من الوافدين يدعي بأنه أولى من غيره بمرافقة واستضافة الخياط الخمسيني لدقائق معدودة.
قالت سيدة عجوز: عليكم أن تحترموا سني، فالشيب تحترمه الملائكة، وأنا أحق منكم بمرافقة الخياط.
قاطعها شيخ بلغ من العمر عتيا: الرجال قوامون على النساء.
تدخل شاب في مقتبل العمر وقال: إن الزبون الأكثر وفاء والتزاما بأوقات التسديد، هو الأجدر بأن يُبدأ به.
رد عسكري غاضب : أنا أولى منكم جميعا، لأني اشتغل في الليل، والفرصة الوحيدة المتاحة لي هي فرصة الثانية ظهرا.
اختلطت الأصوات وتداخلت، ولم يعد من الممكن تمييز بعضها عن بعضها الآخر. كانت الأصوات تزداد ارتفاعا وحدة، كلما اقتربت عقارب الساعة من إعلان تمام الساعة الثانية ظهرا.
وكان الارتفاع المتصاعد للأصوات ينبئ بأن الصراخ لن يكون لوحده كافيا لحسم الصراع الدائر بين تلك الجموع، للفوز بمرافقة الخياط. لذلك فقد أخذت الأيادي تتحرك. في البداية كانت تتحرك بهدوء وبحياء، لكنها سرعان ما أخذت تتحرك بخشونة وباستهتار.
بدا الناس في داخل محل الخياطة في ذلك اليوم الحار، وكأن ضربات شمس يونيو قد أصابتهم بمس من الجنون، أو بمرض نفسي نادر: كسر جماعي للحظر، صراخ جماعي، غضب جماعي، وحركات وتراشق جماعي بالأيادي.
حاولت السيدة العجوز ـ من جديد ـ أن تحسم الأمور لصالحها، واستخدمت هذه المرة يدها، بعد يئست من الفوز بالخياط عن طريق لسانها. أدخلت يدها في كم دراعة الخياط، وأخذت تسحبه خارج محل الخياطة. وهنا أيضا تدخل الشيخ الذي بلغ من العمر عتيا، وشد إليه الكم الآخر، وأخذ يسحبه بقوة مساوية لقوة العجوز، لكنها معاكسة لها في الاتجاه.
أصابت العدوى بقية الأيادي الأخرى، فامتدت كل يد لتنال نصيبها من ثوب الخياط.
أشارت الساعة المتهالكة المعلقة بأحد جدران محل الخياطة المتهالك، إلى تمام الساعة الثانية ظهرا، ولم يستطع الخياط ـ في هذه المرة ـ أن يفتح جهازه الإذاعي المتهالك، ليتأكد من أن ساعة " بيكبن" لا زالت تحتفظ بتوقيتها الصحيح.
كان دليل الخياط الوحيد لدقة توقيت تلك الساعة الشهيرة، هو أن يتوافق توقيتها مع توقيت ساعته الجدارية المتهالكة. أما إذا حدث وأن خالفت " بيكبن" ساعته الجدارية ـ ولو بثوان قليلة ـ فذلك يعني أنه على "بيكبن" السلام ، وعلى التوقيت العالمي الموحد السلام، وعلى العالم أجمع السلام.
في ذلك اليوم ـ وعلى غير عادته ـ لم يستطع الخياط أن يتأكد بأن "بيكبن" لا زالت بخير، وأن العالم لازال بخير. بل إنه لم يعد قادرا على أن يتأكد في تلك اللحظة بأنه هو بنفسه لا زال بخير. لقد كان يخاف في تلك اللحظة بالذات، من أن يموت بسبب الاختناق بفعل ضغط الأكوام البشرية المحيطة به، أو أن يموت شنقا بدراعته، لذلك فقد كان يعمل جاهدا من أجل شق دراعته، من قبل أو من دير، حتى يتخلص منها، ويهرب بعيدا عن تلك الجموع المجنونة، إلى أي مكان آخر من أرض الله الواسعة.
أيقن الخياط ـ الذي هو أيضا مؤسسة صغيرة لتوزيع الكهرباء في الحي ـ بعد أن فشل في التحرر من دراعته، بأنه قد أوقع نفسه في ورطة كبيرة، عندما قطع الكهرباء عن زبائنه قبل حلقة حرجة جدا من مسلسل "مراد"، وذلك لإجبارهم على تسديد الفواتير، التي تأخرت بخمسة أيام كاملة عن موعد تسديدها.
تصبحون على اهتمامات أخرى...