الاثنين، 5 نوفمبر 2012

كبيرٌ وأنت تعتذر!!



لقد لقي اعتذار رئيس الجمعية الوطنية لمدير وكالة الطواري ترحيبا كبيرا من طرف الجميع، خاصة منهم أولئك الذين يحترمون الرجل ويقدرونه ويعلقون عليه من الآمال ما لا يعلقونه على غيره. ولا شك أن مثل ذلك الاعتذار، والمسارعة في تقديمه، سيزيد من مكانة هذا المناضل الكبير ليس فقط لدى أنصاره، وإنما لدى خصومه أيضا.
وسيبقى الرئيس مسعود كبيرا في كل الأحوال: كبيرا حين يخطئ، كبيرا حين يصيب، كبيرا حين يعتذر، وكبيرا حين يغضب، وهذا ـ هو بالضبط ـ  ما جعلني أصفه في مقال سابق بأنه مناضل كبير بأخطاء كبيرة.
سيبقى الرئيس مسعود كبيرا حتى ونحن ننتقده، ولأنه سيبقى كذلك، فلا بأس من ذكر بعض الأخطاء الأخرى التي صاحبت مؤتمره الصحفي، والتي انشغل عنها الجميع ـ ولهم الحق في ذلك ـ بخطئه الذي ارتكب في حق مدير وكالة الطواري.
وإن من أخطاء الرئيس مسعود، والتي أصبحت تتكرر كثيرا في الآونة الأخيرة، هو أن الرجل لا يوفق في كثير من الأحيان في التفريق بين أدواره وصفاته وشخصياته التي يختزلها في شخصه الكريم.
فالرجل قد تجده يتحدث بلسان حزبي مبين في أوقات كان عليه أن يتحدث فيها بوصفه رئيس جمعية وطنية، أو بوصفه شخصية وطنية من الظلم لها أن يتم اختزالها في رئاسة حزب سياسي، حتى ولو كان ذلك الحزب هو حزب التحالف الشعبي.
فهناك أوقات يحق للرئيس مسعود أن يتحدث فيها بوصفه رئيس حزب التحالف الشعبي، وهناك أوقات يحق للرئيس مسعود أن يتحدث فيها بوصفه مناضلا عن حقوق شريحة من المجتمع عانت كثيرا من الظلم والاستغلال، ولكن هناك لحظات أخرى تفرض على الرئيس مسعود أن يتحدث فيها بمرجعيته الوطنية، وبوصفه رئيسا للجمعية الوطنية، والتي تجعل منه الشخصية الرسمية الثانية أو الثالثة في البلاد.
وبالتأكيد فقد كان المؤتمر الصحفي للرئيس مسعود، والذي نظمه في لحظة موريتانية عصيبة، يفرض على هذه الشخصية الوطنية الكبيرة أن تتحدث بلسان وطني فصيح ومبين يبتعد قدر المستطاع عن النزاعات والصراعات القائمة بين أطراف المشهد السياسي.
كان على الرجل أن يتحدث بذلك اللسان لأن اللحظة العصيبة التي يمر بها البلد تفرض ذلك، ولأن الرجل أيضا هو صاحب مبادرة يريد أن يجمع عليها كل الفرقاء السياسيين لذلك فلم يكن من مصلحته أن يتحدث بما يسيء لأي فريق.
ومن أخطاء الرجل كذلك هو أنه أصبح يستحضر ماضيه السياسي كثيرا، وكأنه لم يعد لديه ما يفعله في الحاضر، مع أنه لا أحد من السياسيين الموريتانيين يحيط به من الفرص في الوقت الحاضر، مثلما يحيط بالرئيس مسعود. فلِم يحنُّ الرئيس مسعود دائما إلى الحديث عن الماضي، في وقت يمكن له فيه أن يكون أكبر فاعل في المشهد السياسي والوطني؟
إن على الرئيس مسعود أن يعلم بأن كل الموريتانيين سواء كانوا من معارضيه أو من أنصاره يقدرون له تاريخه النضالي والسياسي، لذلك فلا داعي لأن يذكرهم هو به في كل حين.
ومن الملاحظ أيضا أن الرجل أصبح كثير الغضب، وكثير الانزعاج، خصوصا عند الحديث عن أصدقاء الأمس، ولم يعد بإمكانه أن ينظم مؤتمرا صحفيا إلا وتحدث عنهم بما لا يناسب مكانته، رغم أن أصدقاء الأمس والذين هم خصوم اليوم يحاولون دائما أن لا يتحدثوا عن الرئيس مسعود بما يسيء إليه، ويتفادون الرد عليه في أغلب الأحيان.
لقد تحدث الرئيس مسعود في مؤتمره الصحفي الأخير، والذي جاء في وقت غير بريء ـ على الأقل ـ  بالنسبة للمعارضة المقاطعة، بلغة لا تتناسب مع مكانته الوطنية والنضالية.
ولو أن الرئيس مسعود نظم ذلك المؤتمر بوصفه رئيسا لحزب التحالف الشعبي، لكان من حقه أن ينتقد خصومه السياسيين كما يشاء، وبالطريقة التي يشاء، ولجاز له أن يغضب، وأن يتهم، ولكن الرئيس مسعود نظم ذلك المؤتمر بصفته رئيس جمعية وطنية تجمع كل الموريتانيين لذلك فكان عليه أن يتحدث بلغة تجمع الموريتانيين، لا بلغة تتهم البعض، وتدافع عن البعض الآخر.
إن التاريخ السياسي والنضالي للرئيس مسعود هو الذي جعله اليوم يحتل مكانة وطنية فريدة من نوعها، يصعب لغيره أن يحتلها، ولكن ـ المؤسف حقا ـ هو أن هذا المناضل الكبير ينسى في كثير من الأحيان تلك المكانة، ويتصرف وكأنه مجرد رئيس حزب عادي، كغيره من رؤساء الأحزاب الأخرى.  
ورغم أني لست ممن يؤمن إطلاقا بفكرة القائد المخلص أو المنقذ ، إلا أني مع ذلك يمكنني القول بأن الرئيس مسعود بإمكانه اليوم أن يكون هو المنقذ لموريتانيا من أزمتها التي تتخبط فيها، لو أن الرجل قدَّر لنفسه المكانة التي يتمتع بها، من قبل أن يطلب ذلك من الآخرين.
إن الرئيس مسعود بإمكانه اليوم أن يقوم بدور القائد المنقذ إن هو استطاع أن ينسي خصوماته ونزاعاته الشخصية، وهي النزاعات والخصومات التي تنعكس دائما بشكل سلبي على البلاد، و تحرمها بالتالي من استغلال فرص فريدة قد لا تتاح لها في المستقبل.
وإذا صح أن الرئيس مسعود لم يرسل نسخة من مبادرته لحزب المستقبل، ولا نسخة للرئيس الأسبق أعل بوصفه اليوم أحد الفاعلين في المشهد السياسي، فإن ذلك يعني بأن الرجل لا يزال غير قادر على أن يتجاوز خلافاته الشخصية مع الآخرين.
كان بإمكان مبادرة الرئيس مسعود أن تشكل مخرجا لموريتانيا من أزمتها الحالية، لو أن الرئيس مسعود أضاف لمبادرته الحدث الطارئ الذي طرأ بعد صياغتها (إصابة الرئيس شفاه الله)، ولو أنه ـ زيادة على ذلك ـ استطاع أن ينسى خلافاته الشخصية، وأن يسمو بنفسه إلى المكانة السياسية والوطنية الرفيعة التي يتمتع بها الآن بفعل تاريخه النضالي الطويل.
تصبحون على مناضل كبير بلا أخطاء كبيرة..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق