السبت، 21 نوفمبر 2020

من عزل الرئيس السابق إلى عزل نمط حكمه!

 


تمر بنا اليوم أول ذكرى للاجتماع المثير الذي عقده الرئيس السابق مع لجنة التسيير المؤقتة لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية. بعد ذلك الاجتماع المثير بساعات قليلة نشرتُ مقالا تحت عنوان :" ماذا بعد اجتماع الرئيس السابق بلجنة تسيير الحزب؟"، وأعيد اليوم نشر هذا المقال دون أبسط تعديل، هذا إذا ما استثنينا تصحيح خطأ مطبعي ورد في كلمة، وإضافة نقطة لم تكن في المقال الأصل.

نص المقال

ماذا بعد اجتماع الرئيس السابق بلجنة تسيير الحزب؟

إن أول ملاحظة يمكن الخروج بها من اجتماع البارحة هو أننا قد دخلنا مرحلة جديدة لن تكون سهلة. لقد قرر الرئيس السابق أن يخاطر من جديد وأن يغامر، وهو الذي تعود على المخاطرة، والمخاطر إما أن يكسب كل شيء أو يخسر كل شيء، فهل ستكون هذه هي آخر مخاطرة سياسية للرئيس السابق؟

لقد أبرق الرئيس السابق من خلال اجتماع البارحة ببرقية واضحة وصريحة جدا تقول بلسان الحال : أنا هو مرجعية الحزب، ولذا فقد ترأست لجنة تسييره رغم عدم عضويتي فيها، وعلى من يرفض مرجعيتي للحزب أن يخرج من باب الحزب أو من نافذته، وإلى غير رجعة.

لقد جاء في بيان الحزب الذي صدر بعد الاجتماع بأن الحزب غير مرتبط بالأشخاص وبالسلطة، وتعني هذه العبارة سياسيا بأنه غير مرتبط بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يمثل السلطة، أما ارتباطه بالأشخاص، أو بصفة أدق بشخص محدد، فهو أمر معلوم، وقد أكده اجتماع البارحة الذي ترأسه شخص ليس عضوا في لجنة تسييره.

لقد قرر الرئيس السابق أن يخاطر وأن يدخل في معركة مفتوحة مع جهات عدة، فهل سينجح في هذه المخاطرة أم أنها ستكون آخر مخاطرة؟
من المؤكد بأنه لا يمكن لأي بلد أن يقاد برأسين، ولقد قرر الرئيس السابق أن يطل برأسه إلى السلطة من خلال اجتماع البارحة، فهل ستنجح تلك الإطلالة أم أن الرأس سيقطع هذه المرة؟

هذه بعض النقاط المتفرقة التي قد تساعدنا في الإجابة على السؤال العنوان:

1 ـ لم يعد بإمكان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يستمر في تجاهل ما يحدث داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فتجاهل ما حدث البارحة، سيعزز من حجة أولئك الذين يقولون بأن الرئيس السابق هو من يتحكم في الأمور. إن "الحقيقة السياسية" هي تلك التي تتشكل في أذهان المواطنين، فعندما يقتنع المواطنون بأن الرئيس السابق هو من يتحكم في الأمور فإن ذلك سيتحول إلى حقيقة وإلى أمر واقع، حتى وإن لم يكن كذلك في الأصل.

2 ـ هناك خصوم كثر للرئيس السابق، فهناك المعارضة، وهناك داعمو الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من خارج حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وهناك داعموه من داخل الحزب، وهناك ضحايا الرئيس السابق ..فهل سيتمكن الرئيس السابق أن ينتصر على كل هؤلاء وهو يحارب بسلة مملوء بالبيض، ويمكن لبيضها أن ينكسر بكامله عند أبسط حركة؟

3 ـ لا شك أن خصوم الرئيس السابق كثر ، ولكن السؤال هو : هل سيكون بإمكان خصومه السياسيين أن ينسقوا فيما بينهم لتوجيه الضربة القاضية سياسيا على الرئيس السابق؟

مهما يكن من أمر، فإن إدارة هذا الصراع تحتاج إلى احترافية كبيرة، وتحتاج من قبل ذلك كله إلى الاعتراف ـ ومن أعلى مستوى ـ  بأننا قد انتقلنا من مرحلة الاحتواء والصراع من وراء حجاب إلى مرحلة الصدام الحتمي والصراع المكشوف. انتهى المقال.

تعقيب سريع على المقال بعد مرور عام على كتابته

بعد مرور عام على الاجتماع المثير الذي عقده الرئيس السابق مع اللجنة السابقة لتسيير حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فإنه يمكننا أن نقول ـ وبكل اطمئنان ـ بأن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أدار الصراع مع الرئيس السابق باحترافية كبيرة، وأنه قد تمكن خلال سنة واحدة من عزل الرئيس السابق بشكل كامل، وأن يبعد عنه أي دعم سياسي يمكن أن يعول عليه مستقبلا.

لا خلاف على أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني قد أدار هذا الصراع باحترافية كبيرة، وأنه تمكن ـ وفي وقت قياسي ـ من عزل الرئيس السابق، ولكن السؤال الذي يمكن أن يطرح بعد مرور عام على ذلك الاجتماع المثير هو : هل كان الهدف هو عزل الرئيس السابق وحشره في أضيق زاوية ، أم أن الهدف هو عزل نمط تسيير معين كان الرئيس السابق يتبعه في تسييره لشؤون البلاد ؟

قد يرضى البعض ممن لديه أحقاد ومشاكل شخصية مع الرئيس السابق بالاكتفاء بعزل الرئيس السابق والتضييق عليه ومحاسبته قضائيا من بعد ذلك، ولكن أغلبية الموريتانيين ليست لديها أي أحقاد ولا أي مشاكل مع شخص الرئيس السابق، وإنما لديها مشاكل مع نمط حكم مارسه الرئيس السابق ومارسه رؤساء من قبله، وكانت محصلته النهائية كل هذه المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها بلادنا اليوم.

لقد آن الأوان لأن يبدأ نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مرحلة جديدة لا تكتفي بعزل الرئيس السابق، وإنما تعمل بالإضافة إلى ذلك على عزل نمط سيء من الحكم مارسه الرئيس السابق ورؤساء من قبله، وقد سئم الموريتانيون من ذلك النمط من الحكم، ولم يعد بإمكانهم أن يتحملوه أكثر.

إن أغلبية هذا الشعب تريد نمط حكم جديد يأتيها بأساليب جديدة في التعامل مع ملفات حساسة، كملف التوظيف والتعيينات، وملف الزيارات التفقدية، ويأتيها أيضا ـ وهذا لا يقل أهمية ـ بواجهة سياسية وإدارية جديدة قادرة على أن تبعث الأمل في نفوس المواطنين.

فليكن عامنا هذا عام عزل أنماط الحكم السابقة، وذلك بعد أن كان العام الماضي عام عزل للرئيس السابق.

الخميس، 12 نوفمبر 2020

بأي منطق تبقى اللغة الفرنسية هي لغة الإدارة في موريتانيا؟

 


(1)

لا معنى لأن تبقى اللغة الفرنسية هي لغة الإدارة في موريتانيا، ذلك هو ما يقوله المنطق السليم:
-
 فلا الدستور الموريتاني يلزمنا باستخدامها، ولا هو ذكرها كلغة رسمية أو وطنية أو حتى كلغة ثانوية؛

-  لا الماضي الاستعماري لفرنسا ترك فينا بنية تحتية تشفع لهذا البلد الاستعماري حتى نتمسك بلغته؛

ـ لا حاضر فرنسا ومواقفها المسيئة لديننا الإسلامي يدعو  للتمسك بلغتها؛

 ـ لا المكانة المتراجعة للغة الفرنسية عالميا تغري بالاهتمام بهذه اللغة؛

فلماذا لا نبدأ بمراسيم توديع اللغة الفرنسية بشكل متدرج؟ ولماذا لا نجعل من اللغة الانجليزية والتي أصبحت هي لغة العالم والعالم في عصرنا هذا لغة ثانية بدلا من الغة الفرنسية؟

(2)

 ـ إذا زرت مواقع التواصل الاجتماعي فستجد بأن ما يزيد على 90 من رواد هذه المواقع ينشرون باللغة العربية؛

 - إذا زرت المواقع الإخبارية النشطة فستجد أن ما يزيد على 90% منها مواقع عربية؛

-  إذا شغلت القنوات التلفزيونية والإذاعات الحرة (وهي التي تبحث عن أكبر عدد من المشاهدين والمستمعين) فستجد بأنها لا تخصص للغة الفرنسية إلا نسبة أقل من 5% من برامجها؛

 - إذا ذهبت إلى الأسواق في شرق موريتانيا وغربها، في شمالها وجنوبها، فلن تسمع من يتحدث بالفرنسية إلا نادرا؛

-  إذا ذهبت إلى كل التجمعات، ومهما كانت طبيعة تلك التجمعات فلن تسمع من يتحدث باللغة الفرنسية إلا بنسبة أقل من 1%؛

 - إذا أوقفت سيارة أجرة فلن يسألك سائقها عن وجهتك باللغة الفرنسية، ولن يخاطبك بتلك اللغة؛

-  إذا ذهبت إلى مخبزة أو مجزرة أو بقالة في حيك فلن تتعامل مع البائع باللغة الفرنسية؛

 - إذا ازدحم حولك المتسولون فلن يسألك أي واحد منهم الصدقة باللغة الفرنسية؛

-  إذا ذهبت إلى المقبرة فستجد أن ما يزيد على 95% من أسماء الموتى قد كتبت باللغة العربية؛

ـ إذا ذهبت إلى الثانويات فستجد أن نسبة كبيرة من أساتذة المواد العلمية لا تستطيع أن تشرح دروسها باللغة الفرنسية، وأن نسبة أكبر من التلاميذ لا تستطيع أن تفهم الدرس إذا ما تم تقديمه كاملا باللغة الفرنسية؛

أما إذا ذهبت إلى الإدارة فستجد أن ما يزيد على 80% من الوثائق قد كتبت باللغة الفرنسية.

إننا نعيش بالفعل خللا كبيرا، وقد حان الوقت للبدء في تصحيحه.

(3)

من النادر جدا جدا أن يتحدث الناس في أسواقهم أو في إعلامهم أو في أي شكل من أشكال معاملاتهم باللغة الفرنسية، ومع ذلك فقد استنتجت الأنظمة الموريتانية المتعاقبة من ذلك أن اللغة الأنسب للإدارة والتي يجب أن تكون قريبة من المواطنين هي اللغة الفرنسية!

يحدثك  بعض المدافعين عن اللغة الفرنسية في أيامنا هذه عن الدستور وعن اللغات التي تم ذكرها فيه، وعن الإسلام وعن لغة القرآن، وعن إساءات فرنسا المتكررة للإسلام وضرورة مقاطعتها، ثم يستنتج من بعد ذلك كله بأن التحدث باللغة الفرنسية مباح في البرلمان، ومشروع في الإدارة، وتعلمها في المدارس مطلوب..فمن أين يا أخي جئت بهذا الاستنتاج الغريب؟ ألا ترى بأن كل هذه المقدمات كان يفترض بها أن تأتي باستنتاج مناقض لاستنتاجك؟

لا تختلف هذه الاستنتاجات عن قصة تروى عن طفل له استنتاجات في منتهى الغرابة والاستفزاز.

تقول القصة بأن أبا ثريا يملك قصرا فخما، قرر ذات يوم أن يأخذ ابنه في رحلة إلى بلدة فقيرة في الريف لا يسكنها إلا الفقراء، وكان الأب يريد من تلك الرحلة أن ينبه ابنه إلى أنه يعيش في نعيم ورخاء قد حُرم منه الكثير من أطفال الفقراء. قضى الأب وابنه أياما في ضيافة أسرة فقيرة جدا كانت تسكن في مزرعة بالبلدة الفقيرة وفي طريق العودة دار بين الأب والابن الحوار التالي:

الأب : كيف كانت الرحلة ؟

الابن : كانت رحلة رائعة

الأب : هل شاهدت يا ابني كيف يعيش أهل هذه البلدة، وكيف كانت تعيش الأسرة التي أقمنا عندها؟

الابن : نعم يا أبي لقد شاهدتُ كل ذلك، فالأسرة التي أقمنا عندها تملك أربعة كلاب ونحن لا نملك إلا كلبا واحدا، وهي تملك بركة ماء لا حدود لها ونحن في منزلنا لا نملك إلا حوض سباحة صغير، ونحن نضيء حديقتنا الصغيرة بمصابيح، أما هم فإنهم يضيئون حديقتهم ذات المساحة الشاسعة بنجوم تتلألأ في السماء، وباحة منزلنا ضيقة في حين أن باحة منزلهم تمتد مع الأفق.

ظل الوالد يستمع لمقارنات الابن الغريبة دون أن يعلق عليها، وذلك من قبل أن يختم الابن حديثه بالاستنتاج التالي:

لقد عرفتُ يا أبي كم نحن فقراء، وكم هم أغنياء!!

(4)

أختم بهذه القصة التي حدثت في إحدى القرى الموريتانية، وقد رواها لي صديق، وهي تعكس وجها من الأضرار الكثيرة التي تلحق بالمواطنين بفعل إصرار الإدارة على استخدام اللغة الفرنسية في معاملتها مع المواطنين.
القصة أو الحادثة تتعلق بقرية موريتانية ظلت لسنتين تصلح مضخة الماء على حسابها، وفي مرة تعطلت المضخة نتيجة عطل كبير، فسافر موفد من القرية إلى العاصمة نواكشوط لحل المشكلة، واتصل الموفد بوسيط أو نافذ وحين راجع معه الوسيط الشركة الوصية، وجدا أن العقد المحرر باللغة الفرنسية يتضمن بندا ينص على أن الجهة الوصية ملزمة بإصلاح كل الأعطاب التي قد تتعرض لها المضخة.

تصوروا لو أن العقد كان باللغة العربية، فهل تعتقدون بأن أهل القرية كان سيفوتهم بأن الشركة التي وقعوا معها العقد ملزمة بتحمل إصلاح أي خلل قد تتعرض له المضخة المائية؟

لن يفوتهم ذلك، حتى ولو كانت نسبة الأمية في قريتهم مرتفعة جدا.

حفظ الله موريتانيا..

الثلاثاء، 10 نوفمبر 2020

لا حجة مقنعة للمتمسكين باللغة الفرنسية

 


لقد آن الأوان لأن يتشبه البرلمان الموريتاني ببرلمانات العالم، ففي أغلب برلمانات العالم يُحظر استخدام اللغات الأجنبية في مداولات ونقاشات النواب، لأن ذلك يشكل انتقاصا من السيادة الوطنية. ففي فرنسا مثلا يحرم استخدام أي لغة غير الفرنسية في البرلمان الفرنسي، وفي تونس يحرم استخدام أي لغة غير اللغة العربية في البرلمان التونسي، وفي المغرب يحرم استخدام أي لغة غير العربية والأمازيغية داخل البرلمان المغربي..وهكذا، فلماذا يبقى البرلمان الموريتاني هو الاستثناء الوحيد؟

(1)

لا شيء يبرر الحديث باللغة الفرنسية في البرلمان الموريتاني، إذا ما تحدثنا بلغة القانون واحتكمنا إلى الدستور، فالدستور الموريتاني يقول في مادته السادسة بأن : " اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية." فهل جاء ذكرٌ للغة الفرنسية في هذه المادة؟ بل هل جاء أصلا أي ذكر للغة الفرنسية في أي مادة من مواد الدستور الموريتاني؟

لا فرق بلغة أهل القانون بين هذه المادة والمادة 28 من نفس الدستور الموريتاني التي تقول: "يمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة". فلماذا نقيم الدنيا ولا نقعدها عندما يتم التفكير بالمساس بالمادة 28، وذلك في الوقت الذي ندوس فيه يوميا على المادة السادسة من نفس الدستور داخل البرلمان، وفي الإدارة، وفي مراسلاتنا الدبلوماسية ؟

أوجه هذا الكلام لنواب المعارضة التقليدية الذين طرحوا خلال العقد الماضي مئات الأسئلة الشفهية والمكتوبة عن مختلف المواضيع والمجالات، ولكن لم يطرح أي واحد منهم سؤالا واحدا عن الانتهاكات اليومية المتكررة للمادة السادسة من الدستور الموريتاني.

على من يريد التحدث باللغة الفرنسية تحت قبة البرلمان الموريتاني أن يدعو إلى استفتاء على تعديل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، وأن يبحث عن المصوتين، وعندما يصوت الشعب الموريتاني على أن اللغة الرسمية لموريتانيا هي اللغة الفرنسية، فحينها سيحق للجميع التحدث باللغة الفرنسية تحت قبة البرلمان. ومن قبل أن يحصل ذلك، فعلى الجميع أن يحترم الدستور الموريتاني ويتوقف عن الإساءة إليه من خلال الحديث بلغة أجنبية تحت قبة البرلمان.

(2)

 وإذا ما تحدثنا بلغة الأرقام والإحصائيات فإن تقارير المنظمة الدولية للفرانكفونية تقول ـ وهي التي لا يمكن اتهامها بتقليل نسبة المتحدثين باللغة الفرنسية في موريتانيا ـ بأن نسبة المتحدثين بهذه اللغة في موريتانيا لا تتجاوز 13%، وهؤلاء يتحدثون بالإضافة إلى الفرنسية إحدى لغاتنا الوطنية الأخرى على الأقل . فبأي منطق نحرص على التواصل مع 13% ولا نحرص على التواصل مع 87% من الشعب الموريتاني؟

وتقول أيضا لغة الأرقام بأن اللغة العربية تأتي من حيث الانتشار في الرتبة الرابعة عالميا، وأن اللغة الفرنسية تأتي في الرتبة التاسعة (وهي في تراجع مستمر)، فبأي منطق نحرص على التواصل مع الناطقين باللغة الفرنسية  والذين يمثلون الرتبة التاسعة في العالم، ولا نحرص على التواصل مع الناطقين باللغة العربية الذين يمثلون الرتبة الرابعة عالميا؟

ومن قبل أن أختم هذه الفقرة التي تتحدث بلغة الأرقام والإحصائيات، فلا بد أن أشير إلى مغالطة أخرى يطرحها المدافعون عن اللغة الفرنسية، وذلك عندما يبررون تمسكهم باللغة الفرنسية بالخوف على مصير عدد كبير من حملة الشهادات الذين تعلموا باللغة الفرنسية. مهما كان حجم ذلك العدد فسيبقى أقل بكثير من عدد حملة الشهادات باللغة العربية، فبأي منطق يقلقكم مصير أولئك ولا يقلقكم مصير هؤلاء، وهم أكثر عددا؟

فإن طالبتم حملة الشهادات باللغة العربية بتعلم اللغة الفرنسية حتى يتمكنوا من العمل في الإدارة المفرنسة، فلماذا لا تعربوا الإدارة وتطالبوا حملة الشهادات بالفرنسية أن يتعلموا اللغة العربية حتى يتمكنوا من العمل في الإدارة المعربة، خاصة وأنهم أقل عددا من حملة الشهادات باللغة العربية.

(3)

وإذا ما تحدثنا بمنطق ترتيب الأولويات، وفي هذا رد على أولئك الذين يقولون بأن تعلم اللغات هو أمر مطلوب. صحيح أن تعلم اللغات هو أمرٌ مطلوب، فمن تعلم لغتين هو أفضل ممن تعلم لغة واحدة، ومن تعلم ثلاث لغات أفضل ممن تعلم لغتين، وهكذا. ولكن ومن باب ترتيب الأولويات، أليس الأولى بنا أن نتعلم لغتنا الرسمية من قبل أن نتعلم أي لغة أخرى، وإذا ما تعلمنا لغتنا الرسمية جاز لنا حينها أن نتعلم لغة ثانية أو ثالثة.

يتعلم أحدهم اللغة الفرنسية ولا يتعلم اللغة العربية ثم يقول لك إن ديننا الإسلامي يحث على التعلم ولا يعادي أي لغة. هذا صحيح، ولكن مادام ديننا لا يعادي أي لغة فلماذا لا تتعلم أنتَ اللغة العربية فهي لغة قرآنك وهي اللغة الرسمية لبلدك، وهي بالتالي أولى بالتعلم من أي لغة أخرى.

نحن إن طالبنا بتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، فلا يعني ذلك بأننا نعادي اللغة الفرنسية، فلتعش اللغة الفرنسية معززة مكرمة في فرنسا وفي برلمان فرنسا، ولتعش اللغة الرسمية لموريتانيا ولغاتها الوطنية معززة مكرمة في موريتانيا وفي برلمان موريتانيا. إن من يُطالب بهذا لا يعادي اللغة الفرنسية، وإنما يُناصر لغة بلده الرسمية ولغاته الوطنية، فمتى كان الانتصار للغات الوطن معاداة للغة أخرى؟

 (4)

وإذا ما تحثنا بلغة المستقبل، فعلينا أن نعلم بأن مستقبل اللغة الفرنسية مظلم وقاتم، فهي تتراجع بشكل كبير, ولذا فليس من الحكمة التمسك بلغة ليست لغتنا، ولا مستقبل لها. يحتج المدافعون عن اللغة الفرنسية بالقول بحياد اللغة، فما دامت اللغات محايدة، ومادامت الفرنسية ليست لغتنا، وما دام مستقبلها مهدد، فلماذا لا نبدلها بلغة العلم والعالم في زماننا هذا، أي باللغة الانجليزية، فنفعل مثلما فعلت رواندا.

وإبدال اللغة الانجليزية باللغة الفرنسية أصبح من مطالب الكثير من النخب في الكثير من الدول التي استعمرتها فرنسا وورثتها اللغة الفرنسية.

(5)

في الختام لابد من القول بأننا فشلنا خلال العقود الست الماضية في جعل اللغة العربية هي اللغة الرسمية للبلاد بسبب مضايقة الفرنسية لها، وفشلنا كذلك في تطوير لغاتنا الوطنية بسبب مضايقة اللغة الفرنسية لتلك اللغات. فكيف لنا أن نطور هذه اللغات في وقت يرفض فيه الناطقون بتلك اللغات التحدث بها داخل البرلمان، وذلك مع العلم بأن مداخلاتهم ستتم ترجمتها بشكل فوري، وبأن كل مداولات البرلمان أصبحت تبث مدبلجة على قناة البرلمانية بكل لغاتنا الوطنية.هناك إصلاحات كبيرة قيم بها في الجمعية الوطنية لصالح لغاتنا الوطنية، ولكن الغريب في الأمر أن من وقف ضد تلك الإصلاحات هم النواب الذين كان يفترض بهم أن يكونوا هم من يُطالب بتلك الإصلاحات.

إننا نعيش منذ ستين سنة وضعية مختلة وغير طبيعية، واستمرار الحال على هذا الحال سيزيد الأمور تعقيدا، فهو سيزيد من تهميش لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية لصالح اللغة الفرنسية، ومن هنا وجب لفت الانتباه إلى هذه الوضعية المختلة.

المؤسف في الأمر أنه كلما قيم بمحاولة للفت الانتباه إلى هذا الخلل الذي نعيشه منذ ستة عقود ماضية قامت قيامة البعض. على أولئك الذين لم ينددوا في أي يوم من الأيام بهذا الخلل، ويسارعون اليوم إلى التصدي لكل من يحاول لفت الانتباه إليه، على أولئك أن يعلموا بأنهم يخدمون اللغة الفرنسية بتصرفاتهم المشينة تلك، وأنهم يعملون ضد لغتهم الرسمية ولغاتهم الوطنية، علموا ذلك أو لم يعلموه، فبقاء الحال على حاله سيبقى لصالح اللغة الفرنسية.   

 

حفظ الله موريتانيا..

الجمعة، 6 نوفمبر 2020

كلفة تعيين!

 


في يوم الأربعاء الموافق 04 نوفمبر 2020 أعلنت رئاسة الجمهورية أنه بموجب مرسوم صادر عنها، وباقتراح من الوزير الأول، تم تعيين السيد "جا مختار ملل" وزيرا أمينا عاما للحكومة.

ربما تكون هناك "أسباب ما" لا يدركها المهتمون بالشأن العام هي التي دفعت بالوزارة الأولى إلى أن تقترح هذا التعيين، وبالرئاسة إلى تقبل به. أقول ربما تكون هناك "أسباب ما" لذلك التعيين، ولكن يبقى الشيء المؤكد أن تلك الأسباب لا يمكن التوصل إليها، ولا اكتشافها عن طريق أساليب التحليل المعهودة. بل على العكس من ذلك فإن القراءة التحليلية المتأنية لهذا التعيين تقول بأن كلفته على النظام ستكون كبيرة جدا، وسنبين ذلك من خلال هذا المقال.

إن أي تحليل متماسك منطقيا سيستنتج ـ وبلا مشقة ذهنية ـ بأن تعيين السيد "جا مختار ملل" وزيرا أمينا عاما للحكومة ستكون له كلفة ثقيلة متعددة الأبعاد والأوجه، فهناك كلفة سياسية لهذا التعيين، وهناك كلفة إعلامية، هذا فضلا عن الكلفة المتعلقة بالتأثير سلبا على مصداقية الحرب على الفساد. 

أولا / كلفة التعيين على مصداقية الحرب على الفساد

في سابقة من نوعها ارتاح لها الموريتانيون كثيرا قال الوزير الأمين العام للرئاسة يوم  الأحد الموافق (09 أغسطس 2020) بمناسبة تعيين الحكومة الحالية، بأن : " المبدأ المُوّجِهَ لتشكيل هذه الحكومةِ الجديدةِ ذو ارتباطٍ وثيقٍ بتحقيق اللجنة البرلمانية". كما قال أيضا في نفس الكلمة والتي تم من خلالها الإعلان عن تشكيلة الحكومة الحالية : "لقد ورد ذكرُ بعض أعضاء الحكومة المستقيلة في تقرير لجنة التحقيق البرلمانية. ومع التمسك والإيمان الراسخ بمبدأ أصالة البراءة حتى تثبت الإدانة، فإنه من المناسب، تمكين من تناولهم التقرير من التفرغ لإثبات براءتهم ولذلك كانوا من ضمن من شملهم التغيير."

هذا الارتياح الكبير الذي تولد لدى الموريتانيين بعد سماعهم لذلك الخطاب غير المسبوق، لاشك أنه سيتأثر سلبا بهذا التعيين، فبأي منطق يٌقال وزير لورود اسمه في تقرير اللجنة البرلمانية، ويعين آخر ورد اسمه في نفس التقرير؟

وإذا كان لابد من خرق هذا المبدأ الذي تحدث عنه الوزير الأمين العام للرئاسة عند تشكيل  الحكومة الجديدة، ألم يكن الأولى في هذه الحالة الاحتفاظ بوزير ورد اسمه في تقرير اللجنة البرلمانية بدلا من تعيين آخر وزيرا يوجد اسمه في نفس التقرير؟

ثانيا / الكلفة السياسية لهذا التعيين

للكلفة السياسية لهذا التعيين عدة أوجه سنتحدث عنها من خلال النقاط التالية:

1 ـ  ينشط الوزير "جا مختار ملل" سياسيا في مقاطعة "مونكل" المنحدر منها، وهناك شخصيات سياسية أخرى محسوبة على الحزب الحاكم والأغلبية تنشط في المقاطعة . بالعودة إلى نتائج الانتخابات الرئاسية الماضية، أي آخر استحقاقات انتخابية، فسنجد بأن الوزير المعين :

ـ كان هو الأسوأ أداءً في الحملة في مقاطعة "مونكل"، فالمكاتب المحسوبة عليه في بلديات "مونكل" و"ميت" و"آزقيليم" كانت نتائجها بالنسبة للمرشح غزواني هي الأضعف في المقاطعة.

ـ كان هو الوحيد من بين الشخصيات السياسية الوازنة في مقاطعة "مونكل" الذي رفض أن يتبرع ماليا لحملة المرشح غزواني خلال الضائقة المالية التي عرفتها الحملة وللأسباب المعروفة. لقد رفض الوزير أن يتبرع للحملة في حين تبرع آخرون في المقاطعة.

ـ يُقال، وهذه ليست معلومة مؤكدة، ولكن لها من الدلائل القوية ما يدعمها، بأن الوزير المعين كان يدعم سرا أحد منافسي المرشح غزواني، وأنه كان من الذين يعملون خفية من أجل جر المرشح غزواني لشوط ثانِ. ويبقى من أقوى الأدلة على ذلك هو أن إدارة حملة المرشح غزواني في "مونكل" ضبطت رئيس فرع حزب الاتحاد من أجل الجمهورية هناك (المحسوب على الوزير المعين)، وهو يعبئ الناخبين للتصويت لمرشح منافس!

فبأي منطق يتم اختيار السيد " جا مختار ملل" لوظيفة سياسية في حين يترك أولئك الذين دعموا بجد وصدق المرشح غزواني في مقاطعة "مونكل" دون تعيين؟

ألن يُصدم أولئك بهذا التعيين؟ ألن يضعف حماسهم في دعم النظام بعد هذا التعيين؟

إن هذا التعيين، ومن هذه الزاوية فقط له كلفته السياسية الكبيرة، وما قيل هنا عن  مقاطعة "مونكل" يمكن أن يُقال عن مقاطعات أخرى وجد فيها الداعمون الصادقون للمرشح غزواني أنفسهم على الهامش في حين تم تعيين آخرين لم يبذلوا جهدا يذكر في دعم المرشح غزواني.

2 ـ من الأوجه الأخرى للكلفة السياسية لهذا التعيين، هو أن هذا التعيين يزيد من حضور رجال العشرية في أعلى الهرم الحكومي، وذلك في وقت فُتِح فيه تحقيق ومسار قضائي بخصوص بعض ملفات العشرية.

صحيحٌ أن أغلبية الرئيس السابق هي أغلبية الرئيس الحالي، وصحيحٌ أيضا أنه ليس من الإنصاف أن نطلب من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يستجلب للوظائف السياسية في حكمه رجالا أو نساءً من خارج أغلبيته الداعمة. كل ذلك صحيح، ولكن الصحيح أيضا هو أن كل رئيس جديد يحتاج لواجهة سياسية وحكومية جديدة، ويتأكد الأمر عندما يتم فتح ملف فساد ضد الرئيس السابق وبعض أركان نظامه.

من المؤكد بأنه يوجد في الأغلبية الحالية الكثير من الرجال والنساء الذين لم تشملهم ملفات التحقيق، والذين خدموا بصدق المرشح غزواني، فهؤلاء أولى من غيرهم بالتعيين في الوظائف السياسية، وبمثل هؤلاء يمكن للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يصنع واجهة سياسية وحكومية خاصة به، قابلة للتسويق وقادرة على أن تخلق أملا لدى الشعب الموريتاني بأن هناك نظاما جديدا يمكن التعويل عليه في حل المشاكل المطروحة.

3 ـ من أوجه الكلفة السياسية لتعيين السيد "جا مختار ملل" وزيرا، هو أن هذا التعيين لا يخرج عن إطار الدائرة الضيقة التي تعودت على أن تتبادل الوظائف السامية في الحكومة. هناك في الأغلبية من أصبح على قناعة بوجود مثل هذه الدائرة الضيقة، والاقتناع بوجود هذه الدائرة لدى الفاعلين السياسيين في الأغلبية سيؤدي حتما إلى غياب التنافس الإيجابي داخل هذه الأغلبية من أجل الحصول على تلك الوظائف، وهو ما ستكون له انعكاسات سياسية سلبية على النظام. فلسان حال القوم يقول ولماذا نتنافس في خدمة النظام ما دام التوظيف والتعيين سيبقى حكرا على دائرة ضيقة تعودت على احتكار وتبادل الوظائف المتاحة؟

ثالثا/ الكلفة الإعلامية لهذا التعيين

حتى الآن ما زال الأداء الإعلامي للنظام القائم دون المستوى، وسيزيد هذا التعيين وأمثاله من التعيينات من ضعف وإرباك هذا الأداء. سيجد المدافعون عن النظام حرجا كبيرا في الدفاع عن مثل هذا التعيين، ولا شك أنهم سيجدون صعوبة كبيرة في تسويق خطاب يرتكز على محاربة الفساد مع وجود مثل هذه التعيينات، وهو ما عبر عنه بدقة أحد نواب حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في مداخلة له تم تداولها بشكل واسع في مواقع التواصل الاجتماعي. ثم إن الوزير المعين كان قد عمل سابقا في سفارة موريتانيا في تل أبيب الشيء الذي سيزيد من صعوبة تسويق تعيينه.

ختاما

إن ملف الاكتتاب والتعيينات هو من الملفات الحساسة جدا، وارتكاب الأخطاء في هذا الملف ستكون له كلفة إعلامية وسياسية كبيرة جدا، كما ستكون له كلفة كبيرة جدا على مصداقية الحرب على الفساد، ومن هنا يتحتم على النظام أن يهتم أكثر بهذا الملف، حتى لا تتكرر مثل هذه الأخطاء ذات الكلفة الكبيرة جدا.  

تنبيه : الوظائف والتعيينات التي تم الحديث عنها هنا في هذا المقال هي الوظائف السياسية، أما الوظائف الإدارية ذات الطبيعة الفنية فيجب أن تبعد نهائيا عن السياسية، وتلك لها معايير أخرى لا علاقة لها بالأداء السياسي.   

 حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 4 نوفمبر 2020

لماذا لا نطلق حملة شعبية لتفعيل المادة 6 من الدستورالموريتاني؟

 


ترددتُ كثيرا في الدعوة لإطلاق حملة شعبية جديدة، وذلك نظرا لبعض الانشغالات والالتزامات السابقة التي أجد صعوبة كبيرة في الوفاء بها. ولكن، وبعد طول تفكير وجدتُ بأنه من الخطأ الكبير أن نضيع الفرصة المتاحة حاليا. هناك فرصة حقيقية متاحة حاليا لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، ولا يحتاج الأمر إلا أن نستغل بذكاء هذا الهبة الشعبية التي أعقبت تصريحات المسيء ماكرون، والتي جعلت أغلب الموريتانيين ـ حالهم في ذلك كحال كل المسلمين في العالم ـ على استعداد تام لمقاطعة المنتجات الفرنسية، وعلى رأسها المنتجات الثقافية.

فلماذا لا نستغل إيجابيا هذا المزاج الشعبي المتحمس لمقاطعة المنتجات الفرنسية؟

ولماذا لا نستغله من أجل الحد من نفوذ اللغة الفرنسية في بلادنا؟

ألم يحن الوقت للعمل من أجل تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني، والتي ما تزال معطلة بعد ستة عقود من الاستقلال، وذلك بسبب قوة نفوذ اللغة الفرنسية في الإدارة وفي مجال التشغيل؟

ولماذا لا نرفع الصوت عاليا بالمطالبة بإبدال اللغة الفرنسية التي تحتضر على المستوى العالمي باللغة الانجليزية التي أصبحت هي اللغة الأقوى عالميا في هذه المرحلة من تاريخ البشرية، خاصة وأن مثل هذه الدعوات قد وصلت لأشقائنا في الجزائر وتونس والمغرب؟

نعم اللغة الانجليزية أصبحت هي لغة العلم والعالم في زمننا هذا، ولذا فعلينا أن نجعل منها لغة ثانية بعد لغتنا الرسمية (اللغة العربية)، وذلك أمرٌ ممكن. وتبقى ميزة الانجليزية أن الدول الناطقة بها لا تحاول فرضها على الآخرين، فهم يرون بأنها أصبحت لغة العالم، ولا يحتاجون للترويج لها ولا لفرضها على الآخرين، على العكس من اللغة الفرنسية التي تحاول فرنسا أن تفرضها كلغة أولى في بعض مستعمراتها القديمة، وذلك لقناعتها بأنها لغة تحتضر، وبأنه لا نجاة لها من الموت المحقق إلا إذا ظلت مستعملة بقوة في بعض البلدان الإفريقية.

لقد آن الأوان للتفكير الجاد في توديع اللغة الفرنسية، والعمل من أجل أن تكون اللغة الانجليزية هي اللغة الثانية في هذه البلاد، ودون أن تنافس اللغة العربية كلغة رسمية للبلاد، كما فعلت اللغة الفرنسية خلال الستين سنة الماضية.

علينا أن لا نضيع الفرصة المتاحة حاليا، وعلينا أن نستغل المزاج الشعبي من خلال إطلاق حملة شعبية قوية لتفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني.

علينا أن نبدأ من الآن مراسيم توديع وتشييع اللغة الفرنسية، على الأقل على المستوى الشعبي، ويمكن أن يتم ذلك من خلال الخطوات العملية التالية:

1 ـ الحد من ظهور اللغة الفرنسية في الشوارع والأمكنة العامة، ويمكن أن يتم ذلك من خلال النزول ميدانيا في حملة المقاطعة، ومطالبة أصحاب المؤسسات والشركات والمحال التجارية بمحو أو تظليل الكلمات الفرنسية الموجودة على واجهات محلاتهم.

2 ـ رصد أي مخالفة للمادة السادسة من الدستور الموريتاني داخل الإدارة، والاتصال الفوري بالجهة التي خالفت نص تلك المادة ومطالبتها بالاعتذار والتصحيح الفوري للخطأ الذي تم ارتكابه. ومن المخالفات الشائعة في هذا المجال إصدار وثائق رسمية باللغة الفرنسية، وحتى من دون ترجمة إلى اللغة الرسمية للبلاد.

3 ـ مطالبة كل السفارات والمنظمات والهيئات الدولية الممثلة في موريتانيا باحترام الدستور الموريتاني، ومخاطبة الحكومة والشعب الموريتانيين بلغته الرسمية. وتثمين كل خطوة في هذا الاتجاه. وفي هذا الإطار قد يكون من المهم تثمين الخطوة التي قامت بها السفارة الأمريكية في نواكشوط يوم الثلاثاء 3 نوفمبر، وذلك عندما خاطبت الموريتانيين بمناسبة الانتخابات الأمريكية بلسان عربي فصيح.

4 ـ الدعوة إلى مقاطعة الاحتفالات والتظاهرات المخلدة ليوم اللغة الفرنسية، أو على الأصح لأسبوعها الذي يُقام كل عام في موريتانيا. يجب العمل من الآن على مقاطعة النسخة القادمة من أسبوع اللغة الفرنسية في موريتانيا.

5 ـ العمل من أجل أن تكون الاحتفالات المخلدة ليوم اللغة العربية في هذا العام على المستوى اللائق بلغة تعتبر هي اللغة الرسمية لموريتانيا، مع العمل أيضا على أن تكون كل الاحتفالات ذات الصلة بلغاتنا الوطنية على المستوى، كتخليد اليوم الدولي للبقرة ( تظاهرة ثقافية للفلان)، والمهرجان السنونكي للمرأة الموريتانية..

هذه بعض المقترحات العملية أعرضها عليكم، وذلك في انتظار ورود مقترحات أخرى قد تكون مهمة لإنجاح أي حملة شعبية تهدف إلى تفعيل المادة السادسة من الدستور الموريتاني.

 حفظ الله موريتانيا..