الأربعاء، 29 فبراير 2012

هذه استقالتي يا سيادة الرئيس!!



سيدي الرئيس،

 منذ عدة أشهر وأنا أفكر في تقديم استقالتي، وكنت مع كل مجلس أسبوعي للوزراء أفكر في تقديمها لسيادتكم، ولكن كانت تخذلني دائما الجرأة والشجاعة. وحتى لا تخذلني شجاعتي خلال مجلس الوزراء لهذا الأسبوع، الموافق 01 ـ 03 ـ 2012، فقد قررت أن أقدم لكم استقالتي مكتوبة عبر الصحافة المستقلة، والتي أعلم يقينا بأنها ستسارع في نشرها، ولن تقبل بحذفها إذا ما طلبت منها ذلك في وقت لاحق، وهو ما سأطلبه منها حتما، فقرار الاستقالة من الوزارة ليست بالقرار السهل، خصوصا بالنسبة لوزير مثلي، لم يكن يحلم في أي يوم من الأيام بأن يصبح أمينا عاما، أحرى أن يكون وزيرا لواحدة من أهم الوزارات في البلد.

سيدي الرئيس،
 لا بد أن أعترف في بداية هذه الاستقالة بأني مدين لكم بالنقلة الكبيرة التي عرفتها حياتي المهنية والاجتماعية، والتي لم تكن لتحدث لولا تعيينكم لي وزيرا في أول حكومة تشكلونها بعد انتخابات يوليو 2009، وهو التعيين الذي فاجأني قبل أن يفاجئ غيري، وهذا ما جعلني أتردد كثيرا قبل تقديم هذه الاستقالة، رغم ما كنت أعاني من ألم نفسي فظيع خلال الفترة الأخيرة من مزاولتي لمهامي الافتراضية في الوزارة. لقد كنت أتعذب كثيرا لأنكم لم تنصفوني يوما، وكنتم تُحَمِّلونني كل الأخطاء التي كانت تحدث في الوزارة، ولا تتوقفون عن شتمي في كل اجتماع للوزراء، بسبب أخطاء لا أعتقد بأني أتحمل لوحدي المسؤولية الكاملة في حدوثها. ومما كان يؤلمني أكثر، هو أني لم أكن قادرا على أن أرد على سيادتكم بشكل مباشر، ولا أن أقول لكم بأني ومنذ تعييني لم أشعر يوما بأني أمتلك صلاحيات وزير، لذلك فلم أكن قادرا على اتخاذ القرارات المناسبة وتنفيذها، من قبل أن تصلني تعليماتكم السامية باتخاذ تلك القرارات.

لقد كنت أشعر بأني مجرد سكرتير في الوزارة، ولا يحق لي أن أتصرف في أي شيء، دون أن تصلني تعليماتكم السامية. والحقيقة أني كنت راضيا بذلك، نظرا للراتب الكبير، وللسيارة السوداء الفاخرة، ولأشياء أخرى، لا أريد ذكرها في هذه الاستقالة. ولقد كنت على استعداد كامل ـ حتى لا ينقطع الراتب الكبير ـ لأن أتحمل مسؤولية كل الأخطاء التي كانت تحدث في الوزارة، أمام النواب، وأمام الصحافة، وأمام المواطنين، بل أني كنت على استعداد كامل لتحمل شتائمهم، ولكن أن أتحمل ذلك منكم أنتم، وفي كل أسبوع، فذلك مما لم يكن بإمكاني أن أتحمله، لأنه أمر لا يطاق، يا سيادة الرئيس. ولقد زاد الأمر تعقيدا بعدما قررتم أن تحدوا من مكالمتي الهاتفية، والتي كنت أشغل بها نفسي، في مكتبي الفاخر، خلال أوقات الدوام الرسمي، والتي كانت أوقات فراغ مطلق بالنسبة لي. سيدي الرئيس، لم يعد لديَّ ما أفعله في الوزارة، حتى المكالمات الهاتفية التي أدمنت عليها منذ تعييني وزيرا، لم يعد مسموحا لي بها، بعد أن أعطيتم أوامركم السامية بضرورة إيقافها.

وللأمانة فلا بد أن أعترف للتاريخ بأنكم لم تتدخلوا في أي يوم من الأيام في أي قرار اتخذه أو في أي مبادرة أقوم بها للصالح العام، لأني وببساطة شديدة لم أتجرأ في أي يوم من الأيام ـ ومنذ تعييني ـ على اتخاذ أي قرار، أو أي مبادرة من تلقاء نفسي. ولا أدري إن كنتم ستعترضون على أي قرار للصالح العام اتخذه، أم أنكم لن تعترضوا عليه، فذلك أمر غيب بالنسبة لي. وما أستطيع قوله هنا هو أني لم أتجرأ على اتخاذ مبادرة أو قرار، حتى في الأوقات التي كنتم تطالبونني فيها ـ مع غيري من الوزراء ـ بضرورة اتخاذ قرارات ومبادرات دون العودة لسيادتكم. لم يكن مظهركم ولا تعاملكم معي يشجع على اتخاذ القرارات من تلقائي نفسي، أو بالقيام بمبادرات نافعة. لم يكن مظهركم مشجعا، وربما يكون ذلك نتيجة لنظرة خاطئة، أو انطباع غير سليم، تولد لدي من خلال احتكاكي وتعاملي معكم. وربما تكون تلك هي حقيقتكم التي تحاولون إخفاءها، من خلال مطالبتنا نحن الوزراء باتخاذ قرارات والقيام بمبادرات دون العودة إلى سيادتكم.

ولقد عشت في الفترة الأخيرة في حيرة شديدة، لأني لم أكن شجاعا ولا جريئا حتى أمتحن سيادتكم، لأعرف إن كانت انطباعاتي عنكم صادقة أم كانت كاذبة. ولأني لم أعد قادرا على أن أظل وزيرا في ظل هذه الحيرة، وفي ظل هذا الكم الهائل من الشتائم، فلم يكن أمامي إلا أن أستقيل. وربما يصبح هذا القرار هو أهم قرار اتخذه في حياتي، خاصة إذا ما كنتم تفكرون حقا ـ حسب تسريبات بعض الصحف المستقلة ـ في إقالة بعض الوزراء، والذين ربما أكون أنا من بينهم. فساعتها سيكون بإمكاني أن أقول : بيدي لا بيدكم يا سيادة الرئيس..

مع كامل الود..

من خارج مبنى الحكومة الساعة الرابعة وخمس دقائق من مساء الأربعاء الموافق 29 ـ 02 ـ 2012

توقيع الوزير المعذب

 اعتذار : أرجو أن يعذرني بسطاء الناس الذين أكتب باسمهم رسائلي المفتوحة، لتخصيص هذه الرسالة المفتوحة لوزير معذب من حكومة التراكمات، وذلك لأن الوزراء هم أيضا بحاجة ماسة لمن يكتب عن معاناتهم، خاصة في أيامهم العصيبة هذه..

وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلاد، وإلى الرسالة المفتوحة رقم 27 إن شاء الله...

"تواصل"... نظرتان من وراء ثقب الباب



يُعَدُّ حزب "تواصل" من أكثر الأحزاب الموريتانية إثارة للجدل والاهتمام. ورغم أن هذا الحزب حُظِيَّ منذ نشأته بكتابات كثيرة، إلا 
أن تلك الكتابات لم تستطع في مجملها أن تقدم للقراء صورة دقيقة عن حزب "تواصل"، ويعود ذلك لأن بعض تلك الكتابات كتبه تواصليون من داخل البيت التواصلي، فغفل بعضهم، و تغافل البعض الآخر، عن نقاط ضعف الحزب. أما بعضها الآخر فقد كتبه خصوم لتواصل، تعمدوا إهمال نقاط قوة الحزب، وركزوا في كتاباتهم على نقاط ضعفه، وضخموها كثيرا، لخلاف إيديولوجي، أو مزاجي حتى، فجاءت كتاباتهم غير منصفة على الإطلاق، وظلت بعيدة ـ كل البعد ـ عن الدقة و الموضوعية.
 وبعيدا عن هؤلاء وأولئك فسأحاول في هذا المقال أن أكون موضوعيا ومحايدا قدر المستطاع، وأن أنظر من وراء ثقب الباب إلى داخل البيت التواصلي بعينين، ستركز إحداهما على نقاط قوة الحزب، بينما تركز الثانية على نقاط ضعفه، عسى أن تساعدني تلك النظرة المتوازنة (والتي لا أريد أن يتم تفسيرها أمنيا لأنها من وراء ثقب الباب) على تقديم حقيقة هذا الحزب إلى القراء الكرام، والذين طلب مني بعضهم، ومنذ مدة، أن أخصص مقالا لأداء حزب "تواصل"، وألح في طلبه ذلك، فكان هذا المقال.

 وجهان لحزب واحد:

 إذا كان من نقاط قوة حزب "تواصل" هي أنه هو الحزب الموريتاني الوحيد الذي ظل متماسكا منذ تأسيسه، ولم يشهد هجرات من داخله، عكس غيره من الأحزاب، ولم تتأثر شعبيته بالأزمات والتقلبات السياسية التي عرفتها البلاد. إذا كانت تلك واحدة من نقاط قوة الحزب، فإن من نقاط ضعفه هي أنه لم يستطع حتى الآن أن يستقطب مناضلين بأعداد تذكر من خارج "شعبيته التلقائية" التي التحقت به مباشرة بعد الإعلان عن تأسيسه. وإذا ما أخذنا معيار القدرة على الاستقطاب والجذب كمعيار من معايير نجاح الأحزاب، فسنجد بأن حزب "الوئام" الذي تأسس حديثا، كان من حيث هذه الجزئية أكثر نجاحا من حزب "تواصل". 

وحزب "تواصل" ـ وهذه نقطة أخرى من نقاط قوته ـ هو الحزب الموريتاني الوحيد الذي يمتلك منظمات أهلية ناشطة، ومؤسسات إعلامية فاعلة، ولا مجال لمقارنته، في هذين المجالين، بغيره من الأحزاب الموريتانية. وإذا ما وُضِع الأداء الخيري و الإعلامي لكل الأحزاب الموريتانية في كفة، ووضع أداء حزب "تواصل" في كفة أخرى، لرجحت ـ بالتأكيد ـ كفة حزب "تواصل".
 تلك حقيقة لا يمكن إنكارها، ولكن ذلك لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ بأن قادة "تواصل" قد تمكنوا من استغلال كل الفرص المتاحة لهم في المجالين الإعلامي والخيري، وتلك أيضا واحدة من نقاط ضعف الحزب. فالقدرات الهائلة المتاحة لهذا الحزب لم يتم ـ حتى الآن ـ استغلالها بشكل أمثل، خاصة في مجال العمل الخيري. فتواصل يملك ـ عكس غيره من الأحزاب ـ قنوات هامة للحصول على تمويلات إسلامية معتبرة لتمويل أنشطته الخيرية. كما يمتلك فضلا عن ذلك طاقات شبابية هائلة على استعداد كامل للعمل في مشاريع خيرية وتطوعية كبرى، مع شيء كبير من نكران الذات، ولا ينقصها إلا وضع التصورات، وتقديم أفكار جديدة من خارج الصندوق، غير تلك الأفكار التقليدية التي لا يزال التواصليون يحصرون فيها أنشطتهم الخيرية والتطوعية، مما أدخل الرتابة والملل على تلك الأنشطة، وقلل من فعاليتها، رغم الجهد الكبير المبذول لإنجازها.
 وفي المجمل فيمكن اعتبار حزب "تواصل" حزبا ناجحا إذا ما قورن بغيره من الأحزاب الموريتانية الموجودة على الساحة. كما يمكن اعتباره ـ في نفس الوقت ـ حزبا يعاني من خلل كبير إذا ما قورن بغيره من الأحزاب ذات التوجه الإسلامي في عالمنا العربي، تلك الأحزاب التي حققت نجاحات معتبرة، وتمكنت من الاستفادة من الربيع العربي، واستطاعت أن تستثمر المزاج الشعبي العام لصالحها، ذلك المزاج الذي يميل في العادة لكل ما هو إسلامي.
 إن على التواصليين، للالتحاق بركب الأحزاب الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، أن يتساءلوا قبل غيرهم عن الأسباب التي قد تجعلهم يشكلون استثناءً في المنطقة. وفي اعتقادي الشخصي فإن التفتيش عن تلك الأسباب يجب أن يكون من خلال التوقف عند المحاور الثلاثة التالية:

المحور الأول : "تواصل" والبعد الأخلاقي:

إن على التواصليين أن يعلموا بأن ارتكابهم لبعض "الصغائر" في مجال الأخلاق أثناء الممارسة السياسية، سيعد عند المتابعين للشأن السياسي بأنه من "الكبائر"، وذلك نظرا لسمو الشعارات الدينية التي يرفعونها، والتي وإن كانت تمنحهم ميزة عن غيرهم من الأحزاب، إلا أنها في المقابل قد تعطي مبررا لانتقادهم بقسوة لا ينتقد بها غيرهم من السياسيين إن هم ارتكبوا نفس الأخطاء. ولقد ارتكب حزب "تواصل" منذ تأسيسه العديد من الأخطاء التي أثرت سلبا على البعد الأخلاقي الذي يحاول التواصليون أن يضفونه على العمل السياسي، حسب تصريحاتهم، ومن بين تلك الأخطاء يمكن أن أذكر:

1 ـ المشاركة في حكومة مُطَبعة :
لقد كان قرار حزب "تواصل" بالمشاركة في حكومة مطبعة من القرارات التي شوشت كثيرا على البعد الأخلاقي في العمل السياسي لحزب "تواصل". ولقد كان من الخطأ أن يحسب مثل ذلك القرار بمنطق الخسارة والربح كما يحدث مع أي قرار آخر. فقرار المشاركة في حكومة مطبعة قد ترك بقعة سوداء سيحتاج الحزب إلى جهد كبير، و كبير جدا، لإزالة آثارها من سجله الأبيض الناصع الذي قدمه لصالح القضية الفلسطينية.

 2 ـ الانسحاب من الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية :
في مجتمع كمجتمعنا عُرفت تكتلاته وتجمعاته السياسية بكثرة الانشقاقات والتشرذم، لم يكن من الحكمة لحزب يحاول أن يضفي بعدا أخلاقيا على الحياة السياسية أن يكون هو الحزب الوحيد الذي ينسحب من الجبهة، ويقدم مرشحا خاصا به، بحجة أن من حقه أن يختبر جماهيره ويقدم لها مرشحا خاصا. يضاف إلى ذلك أن قرار الانسحاب ذلك حرم حزب "تواصل" من أن يُظهر عمليا بأنه على استعداد كامل لأن يدعم أي مرشح من أي عرق أو أي شريحة إذا ما كان أهلا للترشح.
لقد كان من الأنسب لتواصل أن يقدم مرشحا مستقلا في انتخابات 2007 ، حيث تقدمت المعارضة بعدة مترشحين، بدلا من الترشح بشكل مستقل في العام 2010 عندما أجمعت الجبهة على تقديم مرشح واحد.

 3 ـ لقد اتخذ حزب "تواصل" بعد انسحابه من الجبهة، وإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية موقفا سليما عندما اعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية التي لم يتوصل بما يثبت تزويرها، ولكن "تواصل" أخطأ عندما تحالف بعد اعترافه ذاك مع الحزب الحاكم في انتخابات تجديد ثلث مجلس الشيوخ. ولقد أفرغ التحالف مع الحزب الحاكم موقف "تواصل" من بعده الأخلاقي، وجعل الحزب يظهر وكأنه قد اعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية ليمهد بذلك الاعتراف لمغازلة النظام الحاكم. لقد كان الموقف السليم أخلاقيا هو الاعتراف بنتائج الانتخابات مع رفض التحالف مع الحزب الحاكم في انتخابات تجديد ثلث مجلس الشيوخ، ومواصلة المعارضة "الناطحة" للنظام الحاكم، وهذا ما كنت قد طالبت به التواصليين في حينه.

 المحور الثاني: تواصل ومسألة الهوية:

 من اللازم أن أعترف هنا بأني لم أقرأ حتى الآن أي برنامج انتخابي لأي حزب سياسي، بما في ذلك برنامج حزب "تواصل"، وذلك لاعتقادي بأن ما تسطره الأحزاب في برامجها لا يعبر بالضرورة عن رؤية تلك الأحزاب، ولا عن حقيقتها. فبرامج الأحزاب السياسية المكتوبة لا يختلف بعضها عن البعض، إلا في بعض التفاصيل الصغيرة، رغم الاختلاف الظاهر بين تلك الأحزاب. 

فموقف حزب "تواصل" الإسلامي من اللغة العربية ومن اللهجات الوطنية المعلن في وثائق الحزب، قد لا يختلف عن موقف حزب "الصواب" البعثي، رغم اتساع الهوة والاختلاف بين الحزبين. لذلك فإن مواقف الأحزاب من القضايا الوطنية لا يمكن تحديده من خلال برامجها السياسية، وإنما من خلال رصد مواقف تلك الأحزاب، ومتابعة ردود أفعالها على مجمل الأحداث المرتبطة بتلك القضايا.
 ومن خلال متابعتي لردود فعل حزب "تواصل"، ولمواقفه المستجدة من كل القضايا ذات الصلة بمسألة الهوية، فقد خرجت بجملة من الملاحظات، والتي أعتقد بأنها بحاجة إلى أن يتم نقاشها ـ بشكل عميق ـ داخل البيت التواصلي، حتى تتم مراجعتها بطريقة تخدم حزب "تواصل"، وتزيد من قدرته على جذب واستقطاب منتسبين من خارج شعبيته التلقائية.
 وإن من بين المواقف التي أرى بأنه أصبح من الضروري أن يعاد النظر فيها:

 1 ـ ترتيب الأولويات النضالية : إن من الأخطاء التي تقع فيها الأحزاب الإيديولوجية بشكل عام، والتي لم يسلم منها حزب "تواصل" هي تحجيم الدائرة المتعلقة بالوطن في الخطاب وفي الفعل السياسي، لصالح الدائرة "الضيقة" المتعلقة بالحزب، أو لصالح الدائرة الأوسع، والتي تتعلق بالدائرة العربية بالنسبة للأحزاب القومية، وبالدائرة الإسلامية بالنسبة للأحزاب ذات التوجه الإسلامي. فمن الملاحظ أن ما يخصصه الكثير من التواصليين من نضالهم من أجل مصالح حزبية ضيقة، أو لصالح قضايا عامة تهم الأمة الإسلامية في مجموعها، لا يتناسب مع ما يخصصه التواصليون لصالح القضايا الوطنية البحتة، دون أن يعني ذلك التقليل من نضالهم الوطني ( تحضرني الآن أمثلة عديدة يمكن تقديمها لتبيان الخلل الحاصل في "النسب النضالية" لدى "تواصل").
 إن ترتيب الأولويات النضالية لصالح القضايا الوطنية البحتة هو أمر ملح جدا، خاصة وأننا في بلد لا تزال قضاياه وهمومه الوطنية غائبة عن عقول وقلوب الكثير من أبنائه، رغم حضور الهموم العربية والإسلامية والعالمية حتى، في تلك القلوب والعقول.

 2 ـ "تواصل" واللغة العربية : لقد قَصَّر حزب "تواصل" منذ تأسيسه في الدفاع عن اللغة العربية، وغاب التنديد بتهميش اللغة العربية في الدوائر الرسمية عن لائحة القضايا والهموم التي تُشغل بال التواصليين، والتي يدافعون عنها بشكل يومي. كما غاب التنديد بتهميش اللغة العربية عن الكتابات المحسوبة على هذا الحزب.
ومن اللافت أن نواب "تواصل" الذين طرحوا أسئلة شفهية كثيرة في قضايا متعددة، لم يفكروا في طرح سؤال شفهي واحد عن اللغة العربية. وكان السؤال الوحيد الذي طُرح لصالح اللغة العربية قد تم طرحه من طرف أحد نواب الأغلبية، وهو ما يعكس تقصيرا صريحا في حق اللغة العربية من طرف نواب المعارضة عموما، ومن نواب "تواصل" خصوصا.
ومن المؤسف حقا أن تقصير التواصليين في حق اللغة العربية لا يتعلق فقط بعدم التحمس للدفاع عنها، لحسابات سياسية آنية، بل أصبح يمتد للوقوف ـ ربما بغير قصد ـ أمام أي محاولة رسمية لإعادة الاعتبار لهذه اللغة بحجج غير مقنعة، وسأبين ذلك أكثر، في الفقرة التالية.

3 ـ "تواصل" والكيل بمكيالين: إن الخوف من العنصرية قد أوقع البعض في العنصرية، ويتضح ذلك عندما نتتبع بعض مواقف حزب "تواصل" من بعض القضايا الوطنية الشائكة. فعندما بايعت بعض الأحزاب "معمر القذافي" ندد "تواصل" بقوة بذلك الموقف، وكان من حقه أن يندد بذلك. ولكن في نفس الأيام، وعندما تظاهر بعض الطلاب الزنوج ضد اللغة العربية، لم يتجرأ "تواصل" على التنديد بذلك، رغم مخالفة ذلك للدستور الموريتاني، والذي ينص في مادته السادسة على أن اللغة العربية ـ لا الفرنسية ـ هي اللغة الرسمية للبلاد.
 وعندما تظاهر بعض الطلاب المتضررين من تهميش اللغة العربية في الدوائر الرسمية، ارتفعت الأصوات لمطالبتهم بالتوقف عن التظاهر خوفا من الفتنة.
 إن من الأسباب التي قد تؤدي إلى الفتنة ـ وهذا ما على التواصليين أن يعلموه ـ أن تظل اللغة العربية مهمشة في الدوائر الرسمية، ولا يرتفع صوت ليندد بذلك. وإن من الأسباب التي قد تؤدي إلى الفتنة، أن يتظاهر البعض ضد اللغة العربية، ولا تندد الأحزاب السياسية بذلك، خوفا من أن تتهم بالعنصرية.
وإن من أسبابها أيضا أن يتخلى البعض عن الدفاع عن لغاته الوطنية، ويتفرغ للدفاع عن اللغة الفرنسية، ولا يجد من ينبهه على خطورة فعله ذلك.
 وإن من أسباب الفتنة كذلك أن يسيء البعض للعَلَم، أو للوحدة الوطنية، أو للغة العربية، ولا يجد من النخبة السياسية من يندد صراحة بذلك .
 إن على "تواصل" حتى لا يكون حزبا عنصريا أن تكون له القدرة على أن يندد بكل فعل يسيء للوطن، أو يمس من سيادته، سواء جاء ذلك الفعل من موريتانيين عرب أو موريتانيين زنوج .
 إن من العنصرية أيضا أن لا نساوي بين الموريتانيين في واجباتهم، أو أن لا نساويهم في النقد إذا ما ارتكبوا نفس الأخطاء.
إن الكيل بمكيالين قد امتد حتى إلى الدعوة في سبيل الله، فقد تجد داعية ينتقد فتاة موريتانية لأن ملحفتها رقيقة لا تستر رأسها، ولا يتجرأ على نقد فتاة موريتانية أخرى، لم تضع على رأسها أي ساتر، حتى ولو كان رقيقا، وكأن هناك بعض الأوامر الدينية التي تخص بعض الموريتانيين دون بعضهم الآخر.

 المحور الثالث : "تواصل" والخطاب الإعلامي:
يُنظر إلى حزب "تواصل" باعتباره من أهم الأحزاب التي تُعَلق عليها آمال كبيرة في قيادة أي تغيير، أو أي ثورة يمكن أن تحدث في المستقبل. ومن هنا كان على "تواصل" أن يراجع خطابه الإعلامي، وأن ينزع منه كل الشوائب التي قد تحدث شرخا في اللحمة الوطنية. ومن المهم هنا أن ننبه على أن الثورات العربية التي تم التمهيد لها بخطاب مُوَحِد وجامع، لم تسلم من بعض مظاهر الفتن بين مكونات الشعب بعد نجاح الثورة.
ففي مصر مثلا، والتي تلاحمت فيها مكونات الشعب أثناء الثورة، حتى سُمع بعض المسيحيين وهم يرددون تكبيرات إمام الجمعة في ميدان التحرير، بأصوات عالية، ليُسمِعوا المصلين المسلمين في الصفوف الخلفية، فرغم ذلك لم تسلم مصر من مواجهات دموية بين المسيحيين والمسلمين بعد نجاح الثورة. فكيف إذا كان الخطاب الذي يسبق الثورة خطابا متطرفا في بعض جزئياته، كما هو حال الخطاب المتطرف الذي تناصره اليوم بعض التشكيلات السياسية، والتي يتوقع منها أن تقود أي تغيير أو أي ثورة في المستقبل؟
إن المواقع والصحف التي تحسب على حزب "تواصل" أصبحت تعد عند البعض ممن كان من المحتمل أن ينضم مستقبلا لحزب "تواصل"، بأنها أصبحت ناطقا رسميا لبعض الأصوات المتطرفة، التي يثير خطابها القلق والفزع لدى كثير من الموريتانيين. 

وإنه لمن المؤسف حقا أن تُعطى لمثل تلك الأصوات مساحات واسعة، لدرجة أن 70% من واجهة الصفحة الرئيسية لأحد المواقع خُصِصَت في وقت من الأوقات للأخبار الخاصة بواحد من تلك الأصوات المتطرفة. بينما خُصصت 30% الباقية لباقي الأخبار الوطنية بما في ذلك كل أنشطة الحكومة، وأنشطة المعارضة، وأنشطة الأغلبية، وأنشطة المجتمع المدني، وأخبار الجرائم والإشاعات...إلخ
وكمثال واحد من بين عشرات الأمثلة التي يمكن تقديمها هنا، فإن بعض المواقع يبخل بنشر خبر من سطر أو سطرين عن ندوة من الندوات الفكرية التي ينظمها "حراس المستقبل" بشكل دوري، رغم أهمية تلك الندوات، ورغم نوعية المشاركين، ورغم أهمية المواضيع التي تناقشها تلك الندوات، وذلك في الوقت الذي تُخصص فيها تلك المواقع عشرات الأسطر لكل كلمة طائشة تلفظ هنا، أو تلفظ هناك.
 إن تجاهل أنشطة "حراس المستقبل" التي تضم المئات من نخب البلد، ومن كل المكونات، ومن مختلف الأطياف والمشارب، ليثير الكثير من الأسئلة خصوصا في ظل هذا الاهتمام المتنامي لكل الخطابات المتطرفة.
إن على "تواصل" أن يراجع سياسته الإعلامية إذا ما أراد أن يكون قبلة لكل الغيورين على وطنهم من مختلف الشرائح والمكونات.

 ختاما :

من الوارد جدا أن يحقق حزب "تواصل" ـ في الاستحقاقات القادمة ـ نتائج انتخابية أفضل من كل النتائج التي حققها في الاستحقاقات السابقة، ودون الحاجة للقيام بأي مراجعات، ولا لأي إصلاحات من أي نوع. فتحقيق نتائج انتخابية أفضل قد يتحقق بشكل تلقائي، في أي منافسة قادمة، يخوضها حزب "تواصل" نظرا للضعف الهيكلي الذي تعاني منه كل الأحزاب السياسية الموجودة. ولكن سيظل دائما هناك فرق كبير جدا، بين طعم النجاح الذي نحققه لعوامل ذاتية نمتلكها، وطعم النجاح الذي نحققه نتيجة لعوامل الفشل الموجودة لدى منافسينا أو خصومنا، إن كان أصلا لذلك النوع من النجاح طعم يمكن تذوقه.
 تصبحون على فوز انتخابي مستحق....

الأحد، 19 فبراير 2012

افعلوا ما شئتم ..فإنه لن يهتم


يتسلل أنصاره واحدا بعد واحد..فلا يهتم

ترحل عنه الأحزاب الصغيرة ..فلا يهتم

يعارضه شيوخ العساكر ..فلا يهتم

يبتعد عنه الحكماء ...فلا يهتم

يتركه العقلاء ..فلا يهتم

يسخط عليه السفهاء ..فلا يتهم

يهجره الأغبياء.. فلا يهتم

يكفر بجنانه الفقراء.. فلا يهتم

يرحل عن بلده أغنى الأغنياء..فلا يهتم

يعاديه أعز الأصدقاء ..فلا يهتم

يجافيه أقرب الأقرباء..فلا يهتم

تحترق الأجساد أمام قصره وتتحول إلى أشلاء..فلا يهتم

إنه لن يهتم..

إن ناصرتموه ..فلن يهتم

إن عارضتموه ..فلن يهتم

إن حاورتموه ..فلن يهتم

إن "قاطعتموه" ..فلن يهتم

إن مدحتموه ..فلن يهتم

إن هجوتموه ..فلن يتهم

إن احترقتم..فلن يهتم

إن تجمدتم ..فلن يهتم

إن تبخرتم..فلن يتهم 

افعلوا ما شئتم ..فإنه لن يهتم

تصبحون على رئيس يهتم..

ملاحظات سريعة على الحلقة الثانية من كتاب "نجاة العرب"



لقد جاءت الحلقة الثانية من كتاب معاوية ولد سيد أحمد الطايع لتزيد من احتمال صدق ما توقعت خلال تعليقي على الحلقة الأولى، فيبدو أن شخصية "عمر" في الكتاب قد تكون هي الشخصية الأكثر تعبيرا عن الرئيس معاوية ولد سيدأحمد الطايع، وأرجو من القراء الكرام أن يسمحوا لي بأن أعتبر ـ وحتى إشعار آخر ـ بأن شخصية عمر في الكتاب إنما تعبر عن شخصية  معاوية على أرض الواقع، خاصة معاوية الرئيس الذي حكم البلاد لعقدين من الزمن.

وقبل التعليق على هذه الحلقة دعونا نتأمل هذه الفقرة من الحلقة الثانية، وذلك قبل أن نطرح أسئلة واردة نجيب بها على الأسئلة الواردة التي اختار الكاتب معاوية أن يجعلها عنوانا للحلقة الثانية من كتابه.
 يقول حسن مخاطبا عمر:  "نحن نعلم أنك تحب أن يكون الناس متعلمين ومتحضرين وأنك في الماضي أطلقت في بلدك حملة واسعة لمكافحة الأمية والجهل.

عمر: هذا صحيح ولكن تلك الحملة لم تسفر عن شيء؛ فبعد انطلاقها بسنوات قدُم إلي رجل اسمه محمد الحسن تابع دروس فصولها في مدينة النعمة في منطقة الحوض الشرقي، وأخذ يتكلم بالفصحى فقال لي: "سيدي أنا امتثلت لأوامرك وتعلمت التعبير والقراءة والكتابة ووصلت إلى مستوى متقدم في العربية لكني لم أجد أحدا لأتكلم معه بها. حاولت في البيت أن أخاطب بها أفراد أسرتي فسخروا مني وقالوا باللهجة الموريتانية الحسانية، (التي يقول العارفون بها من المثقفين العرب إنها أقرب اللهجات الإقليمية إلى العربية): محمد الحسن كف عن التكبر وتكلم بكلام مفهوم كجميع الناس. ثم حاولت أن أتكلم بلغتي مع الباعة في السوق ومع المارة في الشارع وفي كل مرة كنت موضع نظرات غريبة أزعجتني كثيرا فتوقفت عن التعبير بالعربية الفصحى حتى لقائنا هذا".

لقد سعدت جدا باعتراف عمر بأن حملة محو الأمية لم تسفر عن شيء، ولكني  صدمت بعد أن علمت بأن عمر أو معاوية الرئيس الأسبق ، لا يزال يعتقد ـ وبعد ست سنوات من الخلوة مع الذات ـ بأن فصول محو الأمية في النعمة استطاعت أن تنتقل بمحمد الحسن  من مواطن أمي إلى رجل يتحدث  العربية بطلاقة وبفصاحة لا تطيقها عامة الناس.

فيبدو من هذه الفقرة بأن الرئيس معاوية لا يزال مقتنعا بأن حملات محو الأمية نجحت في تعليم الناس، ولكن المشكلة تكمن في عزوف الناس عن الحديث بالعربية الفصحى، وهذا يعني بأنه لو قدر للرئيس معاوية أن يعود إلى الحكم لواصل حملاته المسرحية لمحاربة الأمية مع إصدار قرار يجبر المتعلمين في فصول محو الأمية على التحدث بالعربية الفصحى، حتى لا يضيع ما تعلموه في فصول محو الأمية، وحتى لا تفشل حملات محاربة الأمية، تلك الحملات التي اكتشف الرئيس معاوية، بعد ست سنوات من التأمل بأن سبب فشلها إنما يعود إلى عزوف المتعلمين عن الحديث بالعربية الفصحى.

دعونا هنا نرحل قليلا إلى المستقبل، ونتخيل حدوث المشهد التالي : الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يصدر من منفاه في جمهورية أذربيجان كتابا  تحت عنوان "نجاة الأفارقة" يقول فيه بأن حملات محاربة الفساد ومكافحة الفقر لم تسفر عن شيء لا لأنها كانت حملات فاشلة، بل لأن الفقراء الذين تحولوا إلى أغنياء بفعل تلك الحملات لم يقبلوا بإنفاق ما حصلوا عليه من أموال طائلة لشراء المواد الغذائية من دكاكين التضامن ودكاكين أمل. 

لقد احتاج رئيس موريتانيا الأسبق إلى ست سنوات من التأمل في المنفى ليتوصل إلى استنتاج ينافس في الغباء الاستنتاج الذي توصل إليه الشاذلي الرئيس الجزائري الأسبق في قصته المشهورة مع المعزاة التي كسر أرجلها الأربع، حتى يكتشف بأن المعزاة تصبح صماء إذا ما كُسرت أرجلها الأربع.
لا أعتقد بأني بحاجة لأن أتحدث عن فشل حملات محو الأمية في عهد الرئيس الأسبق، فقد تحدثت عنها بما فيه الكفاية، ولقد أعددت عن فشل تلك الحملات دراسة من مائة وقدمتها للرئيس معاوية وهو لا يزال في الحكم.

ما أحتاج إليه الآن هو أن أطرح بعض "الأسئلة الواردة" على المؤلف معاوية: فهل كان محمد الحسن هو الأمي الوحيد الذي استفاد من حملات محو الأمية في ولاية الحوض الشرقي؟ ألم تقل على لسان حسن بأنك أطلقت حملة واسعة في البلد لمحاربة الأمية والجهل فأين أولئك الذين استفادوا مع محمد الحسن من حملتكم الواسعة؟ ولماذا لا يُحدث بعضهم بعضا باللغة العربية الفصحى التي تعلموها في فصول محو الأمية، حتى لا ينسوها، خاصة وأنا نعلم بأن الكبار يحبون دائما أن يُبرزوا للآخرين ما تعلموا؟

وفي الأخير فإنه لابد لي من أن أهنئ المؤلف معاوية على قراءته المركزة لأمجاد العرب في الماضي، والتي قدم منها في هذه الحلقة بعض الأمثلة المضيئة.  كما أهنئه على الوفاء لحملات محو الأمية ولمدينة النعمة بولاية الحوض الشرقي.  
تصبحون على  الحلقة الثالثة من "نجاة العرب".....

السبت، 18 فبراير 2012

ملاحظات سريعة على الحلقة الأولى من كتاب "نجاة العرب"



بالأمس كنا نُنفق ببذخ لتشييد دور الكتاب، وكنا نفتخر عندما يلتقط لنا التلفزيون صورة عابرة ونحن نطالع كتابا في الطبخ أو في الخياطة، وكنا نتمايل طربا كلما سمعنا أغنية الكتاب، وكانت تغمرنا سعادة عارمة  كلما مررنا ـ ذهابا أو إيابا ـ  بمجسمات الكتاب عند ملتقى طرق "كارفور مدريد".
ثم نسينا قصة الكتاب لسنوات ست، فأبدلنا مطالعة الكتب بغرس الشجر.

نسينا الكتب ودورها وأغانيها ومجسماتها إلى أن فاجأتنا المواقع والصحف بخبر صدور أول كتاب للرئيس الأسبق معاوية، وهو الكتاب الذي أعادنا  ـ رغما عنا ـ إلى الحديث من جديد عن الكتب.
كان الخبر مثيرا وغريبا، وكان مُحيرا أيضا..

فبعد صمت كامل لست سنوات، يقرر الرئيس السابق معاوية، أو الكاتب معاوية، على الأصح، أن يكسر صمته من خلال  إصدار كتاب تحت عنوان: " نجاة العرب".

ومع أني لم أطلع حتى الآن على الكتاب بشكل كامل، إلا أني مع ذلك طالعت الحلقة الأولى من الكتاب، والتي نشرها موقع "صحراء ميديا"، وهي الحلقة التي أثارت لدي بعض الملاحظات السريعة، والتي أردت أن أطلع عليها القراء الأعزاء، ومن هذه الملاحظات:

1 ـ لقد بدأ المؤلف معاوية كتابه بالجملة التالية : "أذهلتني سرعة انتشار الفتن والاضطرابات في البلدان العربية، وقادني الأمر إلى التفكير في العرب، ثم إلى تخيل حوار حول تلك الأحداث المفاجئة، يدور بين رجل سياسي ذي خبرة طويلة وشبان يمثلون نماذج من فئات الشباب المنتفضين، يثير الحوار أساسا مسألة عجز العرب عن مسايرة الأمم المتقدمة، وعن إقامة أنظمة ديمقراطية في بلدانهم إلى الآن" 
.
إن التأمل في هذه القرة لوحدها  ليؤكد بأن الكاتب معاوية غير راض عن الربيع العربي فاختياره  لكلمتي الفتن والاضطرابات لوصف ما يجري، لم يكن اختيارا عفويا أو عبثيا.

وتأتي فكرة الحوار بين خمس شخصيات ، التي يعتمد عليها كتاب "نجاة العرب" ، لتعويض الحوار الذي ظل غائبا  خلال عشرين سنة من حكم الرئيس معاوية، خاصة مع فئة الشباب، والتي أعطاها الكاتب معاوية مساحة واسعة في كتابه من حيث عدد الشخوص، وربما من حيث حجم الأفكار والآراء الواردة في الكتاب (وهذا ما سيتم التحقق منه بعد الإطلاع على الكتاب كاملا).

كما تُظهر الفقرة نفسها بأن الكاتب معاوية  لا يزال ـ رغم كل ما حدث ـ يثق في نفسه ثقة كاملة، وإذا ما صدق حدسي، فالرجل السياسي ذي الخبرة الطويلة، كما وصفه الكاتب معاوية، إنما جاء به الكاتب ليقدم من خلاله وجهة نظره واقتراحاته للعرب، والتي ستنجيهم من الفتن والاضطرابات التي يمرون بها.

إن معاوية الرئيس الذي فشل في أن يجنب بلاده الانقلابات، لا يزال يعتقد بأنه لديه القدرة  على أن ينجي العرب من شر قادم إن هم استمعوا لاقتراحاته ونصائحه التي اختار أن يقدمها بشكل غير مباشر،  من خلال شخصية سياسية تخيلية وصفها بأنها صاحبة خبرة طويلة. 

2 ـ  يعطي الكاتب معاوية أهمية بالغة لتهميش اللغة العربية فيما يحدث من مشاكل، ويعتقد الكاتب أن الاهتمام باللغة قد يحل جميع المشاكل التي يعاني منها العرب، وهذا ما يظهر ـ على الأقل ـ من خلال مقدمة الكتاب: وهذا الاهتمام الكبير من طرف المؤلف باللغة العربية يثير الاستغراب، خصوصا إذا ما علمنا بأن معاوية الرئيس هو الذي عمل على زيادة الفجوة بين مكونات شعبه من خلال "الإصلاحات" التي قام بها في فترة حكمه، والتي انعكست سلبا على اللغة العربية، كما أنها زادت من  حجم الحواجز، ومن اتساع الفجوة وغياب التواصل بين مكونات  الشعب الموريتاني.

إن هذا الاهتمام الذي يعطيه معاوية الكاتب للغة العربية، لم يكن ظاهرا عند معاوية الحاكم، وإن كان ذلك لا يعني بأننا لن نعترف للرجل بأنه قد بذل جهدا كبيرا في تعلم اللغة العربية أثناء حكمه، وهو ما مكنه من أن يخطب بها أثناء حكمه، وأن يؤلف بها بعد ست سنوات من الانقلاب عليه كتابا أسماه "نجاة العرب".

3 ـ إن التركيز  في هذا الكتاب على الشباب الذي خصص له المؤلف أربع شخصيات من بين شخصيات الكتاب الخمسة، قد يكون له ما يبرره خاصة وأن الكتاب قد جاء بعد الثورات التي قادها الشباب: ولكن ذلك لا يمنع من القول بأن الاهتمام لدى المؤلف بالشباب، ربما يكون أيضا نتيجة لشعوره  بالذنب لتهميشه للشباب خلال عقدين من حكمه، حتى وإن كان في حملته الرئاسية الأخيرة قد قدم وعودا مغرية للشباب فشل في تجسيدها على أرض الواقع.

ولقد لفت انتباهي أن الشخصية الأولى التي ذُكرت في الكتاب هي شخصية لعاطل عن العمل، ولقد عانى العاطلون عن العمل في عهد الرئيس معاوية، وإن كان وضعهم في عهده أحسن بكثير من وضعهم في عهد كل من الرئيس أعل، و الرئيس سيدي، و الرئيس محمد ولد عبد العزيز. ففي عهد معاوية كان الآلاف من حملة الشهادات يتقاضون رواتب في حملات محو الأمية، وفي دور الكتاب، وحتى من اتحادية المخابز . وكانت تلك الرواتب رغم تواضعها تعين العاطل عن العمل على مواجهة تحديات الواقع، وكان يمكن اعتبارها بمثابة تعويض في فترة البطالة تستفيد منه نسبة هامة من العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات.

أما أسماء شخصيات الكتاب أو الرواية فيبدو أنها أسماء محايدة، اختارها المؤلف بعفوية، حتى وإن كان اسمح "صالح" الذي اختاره الكاتب لشخصية الرجل السياسي صاحب الخبرة الطويلة لا يمكن الجزم بأنه كان نتيجة لاختيار عفوي.

تبقى الملاحظة الأخيرة التي لفتت انتباهي وأنا أقرأ الحلقة الأولى من كتاب "نجاة العرب" هي أن الكاتب اختار  أن يتحدث في السياسة من خلال شخصيات متخيلة اختارها الكاتب ليقدم من خلالها اقتراحاته  للعرب والتي ستنجيهم  ـ إن عملوا بها ـ من الفتن والاضطرابات التي يمرون بها حسب رأي المؤلف.

إن الكتابة في السياسية من خلال شخصيات روائية جعلتني أتشوق كثيرا لمطالعة كتاب "نجاة العرب" لمؤلفه معاوية ولد سيد أحمد الطايع، دون أن يعني ذلك بأني أصبحت في شوق للرئيس معاوية، وإن كنت لا أستطيع أن أنكر بأن نسبة معتبرة من الشعب الموريتاني أصبحت في حنين إلى عودة الرئيس معاوية بعد أن ساءت أوضاعها المعيشية شيئا كثيرا.

تصبحون على  الحلقة الثانية من "نجاة العرب".....