الأحد، 9 فبراير 2025

أوقفوا العنف اللفظي


يشرفني كثيرا أني أدرتُ نقاشا مع الأخ الفاضل المدون الموريتاني الأكثر متابعة الطالب عبد الودود لمدة ساعة وربع دون أن يستخدم أيُّ واحد منا كلمة مسيئة في حق الآخر، رغم التباين الكبير في آرائنا حول بعض القضايا التي ناقشنا، وهو تباين  قد يصل إلى 180°.

أذكر حينها أني كنتُ أتلقى اتصالات عديدة من أخوة وأصدقاء أفاضل، دقائق قليلة قبل أن تبدأ الحلقة، يطالبونني بالانسحاب من قبل أن تبدأ المناظرة، وهذا هو أسوأ تشجيع، أي أن تُطالب من تشجعه أن ينسحب من قبل "المعركة"، ولكني كنتُ أرفض كل تلك الطلبات، وكنتُ واثقا أنه بإمكان الطالب عبد الودود ومحمد الأمين الفاضل أن يديرا نقاشا راقيا، يختلفا فيه بقوة، ولكن دون أن يسيء أي منهما للآخر، وقد نجحا في نهاية المطاف في ذلك، والفضل يرجع أولا للطالب. 

تؤكد تلك المناظرة أن بإمكان أي شخصين آخرين أن يديرا نقاشا راقيا دون أن يسيء أي واحد منهما للآخر حتى ولو كانت آراؤهما ومواقفهما متباينة تماما.

على المستوى الشخصي فإني - كغيري من المهتمين بالشأن العام - منزعج تمام الإنزعاج من تنامي العنف اللفظي، ومن اتساع وانتشار لغة السب والشتم في مواقع التواصل الاجتماعي.

نحن الآن نربي أبناءنا وشبابنا، وهم جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، على أسوأ عبارات السب والشتم، ونلقنهم على أن الخلاف في الأراء والمواقف لا يُدار ولا يُعبر عنه إلا بالتنابز بالألقاب وبالشتائم واستخدام كل أسلحة العنف اللفظي.

كثيرٌ من نخبنا المؤهلة لفتح نقاش جدي وراق من مختلف الاتجاهات والآراء انسحبت من هذه المواقع، أو اكتفت في أحسن الأحوال بالتفرج، مما يزيد الأمور تعقيدا...

إن استمر الحال على هذا الحال، فقد تفاجؤون بعد سنوات قليلة بجيل كامل لا يتلفظ فيه أحد إلا بشتيمة، يسلم عليك الواحد منهم بشتيمة، ويودعك بإساءة، حتى وإن لم يكن يعرفك مسبقا، ولا بينك وبينه ما يستدعي كل تلك الشتائم والإساءات.

قد تقتضي مصلحتي السياسية، على الأقل مؤقتا، وأنا ممن يُحسب حاليا على النظام الحاكم، أن أشجع هذا التنابز القائم بين صاحبي الحسابين الأكثر متابعة في موريتانيا، حساب الطالب وحساب "الطاقم المتخفي" الذي يديره سيدي ولد أكماش، فاستمرار الحسابين على هذا النهج  سيشغلهما لفترة عن نقد النظام، ولكن المشكلة هي أني لا أفكر بهذه الطريقة، فأنا من الذين يضعون في قضايا الشأن العام، المصلحة العامة أولا، ومصلحة الخندق السياسي الذي أنتمي إليه ثانيا، ومصلحتي الشخصية ثالثا. فإذا كان هذا التنابز بين صاحبي الحسابين الأكثر متابعة، والمحسوبين على المعارضة يفيدني سياسيا بشكل مؤقت، إلا أنه سيضر البلد كثيرا، فهذا الأسلوب سيشيع العنف اللفظي، وسيزيد من استخدام لغة السب والشتم في صفوف شبابنا، وسيبعد المزيد من النخب الجادة عن هذا الفضاء، وهو ما ستنتج عنه كوارث خطيرة في المستقبل القريب قبل البعيد.

نعم، أنا منشغل جدا منذ فترة بهذا الخطر القادم، وأرى أن التصدي له أصبح اليوم هو أولوية الأولويات، ولدي بعض الأفكار القابلة للتنفيذ، وسأعرضها إن شاء الله على بعض المهتمين بالشأن العام من مختلف الاتجاهات والتخندقات، وأرجو أن نوفق جميعا في تنزيل تلك الأفكار على أرض الواقع ، وسيكون في ذلك مصلحة كبيرة للبلد.   

فهل هناك من هو مستعد للمشاركة ولو بالرأي؟

السبت، 8 فبراير 2025

اقتراحات انتهت صلاحيتها!


من كان يتوقع أنه سيأتي يوم يطالع فيه خبرا عن عريضة موجهة من طرف القضاء إلى زعيم التكتل أحمد داداه تمنحه 20 يوما فقط للرد عليها؟ ومن كان يتوقع أن هذه العريضة يقف وراءها أحد أطراف القيادات المتصارعة على شرعية تمثيل حزب التكتل؟

مرَّ هذا الخبر دون أن يثير أي اهتمام، فالتكتل لم يعد كما كان، والرأي العام لم يعد كذلك كما كان، فهو منشغل هذه الأيام بنقاشات أغلبها يدخل في دائرة النقاشات التافهة.

على المستوى الشخصي فقد آلمني كثيرا هذا الخبر، ويؤسفني حقا أن تكون خاتمة حزب التكتل، أكبر وأعرق حزب معارض في تاريخ البلد، وخاتمة زعيمه أشهر زعيم للمعارضة الموريتانية في العقود الأخيرة بهذا الشكل.

فمن كان يصدق أن الزعيم أحمد داداه والذي التف حوله في فترة من الفترات كل الطيف السياسي المعارض، لم يعد اليوم قادرا على السيطرة على ما تبقى من حزب التكتل، وذلك مع العلم أن الحزب عجز ـ وبطرفيه المتصارعين حاليا ـ عن الحصول على مقعد واحد في البرلمان في الانتخابات الأخيرة.


لا يختلف حال حزب التكتل عن حال حزب التحالف الشعبي التقدمي، ولا يختلف حال الزعيم أحمد داداه عن حال الزعيم مسعود ولد بلخير، فكلا الزعيمين قدم تضحيات كبيرة للمعارضة الموريتانية في العقود الأخيرة، وكلاهما ظل متمسكا بقيادة حزب لم يعد قادرا على الحصول على مقعد واحد في البرلمان، حسب ما قالته صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة.

وما قيل عن الحزبين ( التكتل، والتحالف)، وعن الزعيمين (أحمد ومسعود)، يمكن أن يُقال أيضا عن حزب اتحاد قوى التقدم، وعن زعيمه الدكتور محمد ولد مولود، والذي قدم هو أيضا تضحيات كبيرة للمعارضة الموريتانية، ولكنه ظل كذلك متمسكا بقيادة حزبه، والذي لم يتمكن ـ حاله في ذلك كحال التكتل والتحالف ـ من الحصول على نائب واحد أو عمدة واحد في آخر انتخابات تشريعية وبلدية.


مؤلم حقا أن تكون الخاتمة السياسية لأهم ثلاثة أحزاب سياسة معارضة، ولأهم ثلاثة زعماء للمعارضة الموريتانية في العقود الأخيرة بهذا الشكل القاسي.

المؤلم أكثر أن هذه الخاتمة كانت متوقعة، بل كانت مؤكدة، في ظل تمسك القادة الثلاثة برئاسة أحزابهم، فلماذا لم ينسحب القادة الثلاثة في الوقت المناسب؟ ولماذا لم ينسحبوا وهم ما زالوا يحتفظون ببريق القيادة والزعامة، تاركين لأجيال أخرى في أحزابهم مواصلة المسار النضالي؟

ألم يكن الأجدر بهؤلاء القادة أن ينسحبوا في التوقيت المناسب من قيادة أحزابهم، ويشتغلوا في مجالات أخرى تليق بهم، ويخدمون من خلالها وطنهم الذي ما زال بحاجة إلى عطائهم، ولكن في مجالات أخرى غير سياسية؟

ألم يكن الأجدر بهؤلاء القادة، والذين كانوا يطالبون الأنظمة الحاكمة بالديمقراطية والتناوب السلمي على السلطة، أن يقدموا هم المثال الحسن على التناوب السلمي من خلال أحزابهم، وذلك بدلا من أن يتشبثوا برئاسة تلك الأحزاب رغم الانسحابات الواسعة التي عرفتها تلك الأحزاب في السنوات الأخيرة، وكأنهم يريدون أن لا يتركوا تركة حزبية لمن سيتولى بعدهم قيادة تلك الأحزاب.

لقد قلتها منذ سنوات وفي الوقت المناسب، وأكررها الآن، وبعد فوات الأوان، مع التأكيد على أن هذا الاقتراح انتهت صلاحيته، لقد كان من الأنسب للرئيس أحمد داده أن ينسحب بعد رئاسيات 2007 من العمل السياسي الحزبي، وذلك بعد أن منحه نصف الشعب الموريتاني أصواته، أن ينسحب من العمل السياسي الحزبي بشكل متدرج وهو مرفوع الرأس، وأن يتفرغ بعد ذلك لإطلاق مؤسسة باسمه لتطوير الديمقراطية في موريتانيا تبتعد عن التجاذبات السياسية الآنية، وعن التخندقات والاصطفافات الآنية، وعن الصراعات المعهودة بين المعارضة والموالاة، وتهتم فقط بالأمور الفنية لتنمية وتطوير الديمقراطية الموريتانية.

 ولقد قلتها منذ سنوات وفي الوقت المناسب ، وأكررها الآن، وبعد فوات الأوان، مع التأكيد على أن هذا الاقتراح انتهت صلاحيته، لقد كان من الأنسب للرئيس مسعود ولد بلخير أن ينسحب من العمل السياسي الحزبي بشكل متدرج وهو مرفوع الرأس بعد رئاسيات 2009، وأن ينشغل بإطلاق مؤسسة باسمه للتنمية الاجتماعية تُعنى بالنضال التنموي ضد الاسترقاق ومخلفاته، وذلك من خلال التركيز على محاربة الجهل والفقر في الأوساط الأكثر هشاشة. لو فعلها الزعيم مسعود في ذلك الوقت، وقد قدمتُ له مقترحا بذلك في العام 2013، لكانت مؤسسته الاجتماعية تقدم اليوم خدمات تنموية كبيرة للفئات الهشة، ومما لا شك فيه أنه كان سيجد تمويلا كافيا لتلك المؤسسة، وبذلك يواصل خدمة موريتانيا في مجال آخر لا يقل أهمية عن المجال السياسي.

ولقد قلتها من قبل، وفي الوقت المناسب ، وأكررها الآن، وبعد فوات الأوان، مع التأكيد على أن هذا الاقتراح انتهت صلاحيته، لقد كان من الأنسب للرئيس محمد مولود أن ينسحب من العمل السياسي الحزبي بعد رئاسيات 2019، وربما من قبل ذلك، وأن يطلق مؤسسة للحوار السياسي والاجتماعي، وهو الخبير بإدارة الحوارات، تكون قادرة على تنظيم حوارات سياسية وربما اجتماعية في الأوقات التي يكون فيها البلد بحاجة لتلك الحوارات، والبلد بحاجة دائما إلى تلك الحوارات.

اليوم يَعدُ النظام بحوار، وتشكك المعارضة في ذلك الحوار، وتطعن فيه حتى من قبل أن يبدأ، فلو كانت هناك مؤسسة شبه مستقلة للحوار، يترأسها شخص بتاريخ وخبرة محمد مولود في إدارة الحوارات، لكان بإمكان هذه المؤسسة أن تلعب دور الوسيط أو المسهل لضمان نجاح الحوار المرتقب بين الفرقاء السياسيين. 

إننا في موريتانيا بحاجة إلى شخصيات وطنية ومرجعية يقدرها الجميع، تأخذ نفس المسافة من الجميع، وهذه الشخصيات لم تعد اليوم موجودة بسبب الاصطفافات والتخندقات والصراعات السياسية الآنية، وكان بإمكان الرئيس أحمد داداه أن يكون شخصية مرجعية في مجال تنمية الديمقراطية وتطويرها إن كان قد انسحب في الوقت المناسب من العمل الحزبي، وأطلق مؤسسة باسمه لتنمية الديمقراطية يبتعد بها عن ثنائية المعارضة والموالاة و تركز على الجوانب الفنية والتقنية في التنمية الديمقراطية، وكان بإمكان الرئيس مسعود أن يكون شخصية مرجعية في النضال التنموي ضد مخلفات الاسترقاق، إن هو انسحب من العمل الحزبي في الوقت المناسب، وأطلق مؤسسة باسمه للتنمية الاجتماعية، وكان بإمكان الرئيس محمد مولود أن يكون شخصية مرجعية في المساعي الحميدة والحوارات السياسية، إن هو انسحب من العمل الحزبي في الوقت المناسب وأطلق مؤسسة للحوار السياسي.

للأسف لم يحدث أي شيء من ذلك، ولذا فلم تحظ موريتانيا بشخصيات مرجعية قادرة على خدمتها في مجالات أخرى لا تقل أهمية عن المجال السياسي بمفهومه الضيق، وفي المقابل، فلم يحظ هؤلاء القادة الثلاثة بتقاعد سياسي مشرف يتناسب مع تاريخهم السياسي المشرف.

ختاما

هذه مقترحات قدمتها في وقت سابق، وأخلصتُ النصح لمن قدمتها له، وقد انتهت صلاحيتها منذ مدة، ولم تعد قابلة للتنفيذ، ومع ذلك سيعاد نشرها ـ إن شاء الله ـ مع مقترحات كثيرة أخرى، في أحد أجزاء سلسلة كتب الإصلاح في موريتانيا، وهو الجزء  الذي سيخصص للمقترحات الكثيرة التي قدمتها لجهات مختلفة خلال العقدين الأخيرين.

حفظ الله موريتانيا..



الجمعة، 7 فبراير 2025

عن أهمية إطلاق "منصة 304"!


في يوم الأربعاء الموافق 29 مايو 2024 تم الإعلان عن تأسيس "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية"، وقد ركز المنتدى على متابعة ثلاثة ملفات أساسية من برنامج فخامة رئيس الجمهورية (طموحي للوطن)، وهي الملفات المتعلقة بمحاربة الفساد، وإصلاح الإدارة، والتمكين للشباب.

وفي إطار هذه المتابعة، أصدر منتدى 24 ـ 29 تقريره الأول بمناسبة المائة يوم الأولى، ووعد في ذلك التقرير بأن يُصدر تقريره الثاني في بداية العام 2025، وأن يخصصه  لثلاثة عشر مشروعا وعد معالي الوزير الأول في إعلان السياسة العامة للحكومة بإكمالها قبل نهاية العام 2024.

لم نُعِد في المنتدى تقريرا عن تلك المشاريع، كما وعدنا في تقريرنا الأول، وذلك بعد أن كشف معالي الوزير الأول في خطاب "الحصيلة والآفاق" عن ما تحقق بخصوص تلك المشاريع، حيث أكد أن العمل اكتمل في 11 مشروعا منها، وبقي مشروعان اثنان أحدهما قد يتأخر لشهر، والثاني قد يتأخر لثلاثة أشهر وزيادة.

لم تقتصر أنشطة المنتدى في الفترة الماضية على متابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، بل عمل جاهدا من أجل التحضير لتأسيس حلف وطني واسع لمحاربة الفساد، وقد مهَّد لذلك بإصدار ميثاق شرف لمحاربة الفساد من نسختين، إحداهما خاصة بالمجتمع المدني، وقد وقعتها عشرات المنظمات الفاعلة، والثانية خاصة بالأحزاب السياسية، وقد وقعتها بعض الأحزاب السياسية.

هذا عن حصيلة عمل المنتدى خلال النصف الثاني من العام 2024، أما عن الآفاق المستقبلية، فقد اجتمعت اللجنة التأسيسية للمنتدى في يوم السبت الموافق 1 فبراير 2025، وبعد استعراض الحصيلة وتثمينها في مجال دعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وكذلك في مجال التحضير لتأسيس حلف وطني واسع لمحاربة الفساد، فقد اتخذت اللجنة التأسيسية خلال الاجتماع المذكور قرارين مهمين، ستكون لهما انعكاسات ايجابية كبيرة على عمل المنتدى في الفترة القادمة.

القرار الأول : المنتدى مبادرة جمعوية

لقد تأسس المنتدى قبيل الحملة الانتخابية الرئاسية الماضية، وأسسه داعمون لفخامة رئيس الجمهورية، ولذا فقد شارك بقوة في الحملة الانتخابية الماضية، وأنشطته في الحملة موثقة، وكانت أنشطة متميزة، ولكن من جهة أخرى فإن أنشطة المنتدى فيما بعد الانتخابات الرئاسية كانت أقرب لأنشطة منظمات المجتمع المدني، فالملفات التي كان يتابعها هي ملفات أقرب لعمل المجتمع المدني : محاربة الفساد، إصلاح الإدارة، تمكين الشباب. كما أن طبيعة الأنشطة التي كان يقوم بها كانت أقرب هي أيضا لأنشطة المجتمع المدني : إصدار التقارير، تنظيم الندوات، العمل على تشكيل حلف وطني لمحاربة الفساد، وإصدار ميثاق شرف وجمع التوقيعات عليه.

إن هذا التداخل في عمل المنتدى، بين ما هو سياسي وما هو جمعوي، فرض على اللجنة التأسيسية للمنتدى في اجتماعها الأخير أن توقف هذا التداخل، وأن تحسم تصنيف المنتدى، من خلال الإجابة وبوضوح على السؤال : من نحن، فهل نحن في المنتدى مبادرة سياسية أم مبادرة جمعوية؟

بعد نقاشات معمقة على هذا السؤال، ولأسباب وجيهة لا يتسع المقام لبسطها، وربما أخصص لها مقالا مستقلا في المستقبل،  قررت اللجنة التأسيسية للمنتدى في اجتماعها الأخير أن تحسم هذا التداخل لصالح العمل الجمعوي، وأن تصنف المنتدى على أنه مبادرة جمعوية، وهو ما اقتضى تعديلا طفيفا في تسميته، لتصبح تسميته الجديدة: "منتدى 24 ـ 29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي".

القرار الثاني : متابعة الأداء الحكومي

استعرض معالي الوزير الأول  في خطاب "الحصيلة والآفاق" خطة الحكومة  للعام 2025، ووعد بتنفيذ 304 التزامات تضمنتها تلك الخطة، وقد كانت في مجملها التزامات واضحة ومحددة بسقف زمني، وهو ما يجعلها قابلة للقياس والتقييم، ولهذا فقد قررنا في المنتدى في اجتماع فاتح فبراير الجاري أن نتابع تنفيذ تلك الخطة، خاصة وأنها تشكل "مقطعا سنويا" من برنامج فخامة رئيس الجمهورية، والذي تأسس المنتدى أصلا لمتابعته.

وفي إطار متابعة خطة الحكومة للعام 2025، فقد قرر المنتدى أن يعمل على :

1 ـ إطلاق "منصة 304 لمتابعة الأداء الحكومي"، وستركز هذه المنصة على متابعة تنفيذ 304 التزامات التي تعهد بها الوزير الأول في خطة الحكومة السنوية للعام 2025، وستظهر على واجهة المنصة خريطة موريتانيا، وبها كل الولايات، وعلى خريطة كل ولاية ستوضع نقاط بلون محايد تمثل عدد الالتزامات الخاصة بتلك الولاية في خطة الحكومة للعام 2025، وكلما نفذَت الحكومة أحد تلك الالتزامات تحول لونه إلى اللون الأخضر، مع تلوين الالتزامات التي لم تنفذ باللون الأحمر في نهاية السنة، على أن يسبق ذلك، اللون الأصفر التحذيري الذي ستلون به الالتزامات التي لم يحصل تقدم في تنفيذها، كلما اقتربنا من نهاية السنة.

وفي ختام السنة سيكون من السهل جدا تقييم أداء العمل الحكومي في مجمله، وذلك من خلال حساب النسبة المئوية لكل لون على خريطة المنصة.

كما سيتم بالتوازي مع توزيع الالتزامات على الولايات، توزيع تلك الالتزامات على القطاعات الحكومية، وذلك من أجل تقييم أداء كل وزير على حدة، فلكل وزير التزامات خاصة بقطاعه في خطة 2025، وفي نهاية السنة سيتم حساب النسبة المئوية  لكل لون في كل قطاع على حدة، وبذلك يُقَيَّم أداء كل وزير على حدة، بعد أن تم تقييم أداء الحكومة في المجمل.

وبالإضافة إلى متابعة تنفيذ ما جاء في خطة الحكومة للعام 2025، فإن رقابة المنتدى على العمل الحكومي ستشمل أيضا توصيات المنتديات الجهوية للتخطيط التنموي التشاركي، وذلك من خلال مراقبة تنفيذ ما سيتم فرزه والإعلان عنه من تلك التوصيات و الأولويات التنموية لكل ولاية على حدة.

2 ـ ستركز جهودنا في المنتدى خلال العام 2025 على كل ما من شأنه أن يُفعِّل من رقابة المواطن، ويؤسس مستقبلا لرقابة شعبية فعالة على الأداء الحكومي، فنحن في هذه البلاد بحاجة ماسة إلى هذا النوع من الرقابة الشعبية، وتقييم أداء الحكومة بكل موضوعية بعيدا عن التجاذبات السياسية التي تؤثر على طبيعة ذلك التقييم، وسنحاول في هذا المسعى إشراك بعض منظمات المجتمع المدني، وكذلك بعض المدونين نظرا للدور الكبير الذي يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في تفعيل الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي.

ولضمان تفعيل ذلك الدور،  سيكون من المهم جدا أن نطلق في المنتدى برنامجا تكوينيا لصالح المنظمات الفاعلة والمدونين الراغبين في الانخراط في هذا الجهد، ففي كثير من الأحيان قد تجد ناشطا جمعويا أو صحفيا أو مدونا يسعى بحسن نية لمراقبة الصفقات العمومية مثلا، ولكشف ما قد يشوب هذه الصفقة أو تلك من فساد، ومع ذلك فهو قد يكون شبه أمي في مساطر إجراءات الصفقات العمومية، ومن هنا تظهر أهمية التكوين، حتى تكون رقابتنا الشعبية على الصفقات العمومية رقابة أكثر جدية، وما ينطبق على الصفقات العمومية ينطبق على الملفات الأخرى التي قد تهم كل من يريد أن يساهم في التأسيس لرقابة شعبية فعالة على الأداء الحكومي:

3 ـ إن الرقابة الشعبية على العمل الحكومي  تتطلب كذلك توعية المواطن بأهمية استغلال المنصات المتاحة، وخصوصا منصة عين لإيصال شكاويه وما يريد أن يبلغ عنه من اختلالات ونواقص في أداء الإدارة العمومية.

ولأن التوعية في هذا المجال في غاية الأهمية، ولأنه لم تظهر حتى الآن، أي مبادرة جمعوية للقيام بهذا الدور التوعوي الهام، فإنه علينا في المنتدى أن نقوم بهذا الدور، مع مطالبة الحكومة بضرورة إشراك المجتمع المدني في متابعة تعامل القطاعات الحكومية مع الشكاوي والتبليغات التي يقدمها المواطنون من خلال منصة عين، ونشر تقارير دورية عن الشكاوي والتبليغات التي تمت معالجتها عن طريق المنصة.

4 ـ من المهم كذلك أن يستمر المنتدى في جهوده الرامية لتأسيس تحالف وطني واسع لمحاربة الفساد، ومما لاشك فيه أن الرقابة الشعبية على الأداء الحكومي تدخل في صميم الجهود الرامية لمحاربة الفساد.

هذه بعض النقاط التي سيعمل عليها "منتدى 24 ـ 29 للرقابة الشعبية على الأداء الحكومي" خلال العام 2025، وسيبقى المنتدى بحاجة إلى دعم الحكومة، فبدون تعاون الحكومة لا يمكن أن نتحدث عن رقابة شعبية فعالة. كما أنه سيبقى بحاجة إلى دعم كل الذين يتقاسمون معه هذه الأفكار، ويسعون إلى محاربة الفساد، وتفعيل رقابة المواطن، والتأسيس لرقابة شعبية جادة على الأداء الحكومي.  

حفظ الله موريتانيا...

الخميس، 6 فبراير 2025

ركز على نقاط قوتك...


في "مدرسة الغابة" المتخصصة في تعليم وتدريب الحيوانات، لم يتمكن الأرنب الصغير ـ وللمرة الثالثة ـ  من تجاوز سنة أولى ابتدائي من قسم السباحة.

كان في كل عام يفشل في امتحان التجاوز، وفي العام الثالث، وبعد الرسوب الثالث، قرر الأرنب أن يذهب إلى "البوم الحكيم" طلبا للاستشارة والنصح.

ولما عرض الأرنب الفاشل مشكلته على "البوم الحكيم"، ما كان من "البوم الحكيم" إلا أن التفت إلى الأرنب، وقال له يا بني إذا كنت تريد النجاح في المدرسة فعليك أن تذهب الآن وتسجل في قسم الجري و السباق بالمدرسة. 

استجاب الأرنب لنصيحة "البوم الحكيم" وسجل في قسم الجري والسباق، وفي العام الأول نجح الأرنب متفوقا، أما في العام الثاني فقد تمكن من أن يصبح هو "التلميذ" الأكثر شهرة في قسم الجري والسباق بمدرسة الغابة المتخصصة في تعليم وتدريب الحيوانات.

الأرنب فشل في بداية دراسته في "مدرسة الغابة"، لأنه حاول أن ينجح في تخصص لا يتناسب مع قدراته وإمكانياته التي أودعها الله فيه، وهذا يحدث كثيرا معنا نحن البشر، فتجد الكثير منا يسعى لأن ينجح في مجالات لا تناسب قدراته وإمكانياته الذاتية.

صحيح أنه بكثير من المثابرة والجهد يمكننا أن ننجح في مجالات لا تتناسب مع قدراتنا وإمكانياتنا، لأنه لا مستحيل أمام الإصرار وقوة الإرادة، ولكن لن نتميز إطلاقا في تلك المجالات التي لا تتناغم مع قدراتنا وإمكانياتنا.

ثم إن الوقت والجهد الذي قد ننفقه لكي ننجح في مجالات لا تتناسب مع قدراتنا وإمكانياتنا، قد يكفينا خمسه أو سدسه لكي نصبح متميزين ومشهورين في مجالات أخرى تتناسب مع قدراتنا وإمكانياتنا.

فلماذا ننفق وقتا وجهدا كبيرا لتحقيق نجاح متواضع، وغير مضمون، في مجال ما، وذلك في الوقت الذي كان فيه بإمكاننا أن نحقق نجاحات عظيمة بجهد ووقت أقل لو استثمرنا ذلك الوقت والجهد المهدور في مجالات تتناسب مع قدراتنا وإمكانياتنا؟

خلاصة القول : ركز على نقاط قوتك لتربح المزيد من الجهد والوقت، ولتحقق نجاحا أفضل.

#ومضة_في_دروب_الحياة

#خلاصات_في_تنمية_وتطوير_الذات

الأربعاء، 5 فبراير 2025

الناس معادن..


سنتوقف في هذه الحلقة الأولى من برنامج "ومضة في دروب الحياة" مع تشبيه الناس بالمعادن الذي جاء في حديث نبوي شريف، وسنقدم في هذه الحلقة أربعة نماذج من المعادن وكيف تتأثر بالنار : 

1 ـ الذهب يزداد بريقا ولمعانا؛

2 ـ الحديد يزداد قوة وصلابة؛ 

3 ـ الزنك يتبخر ويختفي؛

4 ـ الزئبق يطلق رائحة كريهة وسامة.

هكذا هم الناس في تعاملهم مع المصائب والمحن:

1 ـ طائفة تُبدع وتزداد بريقا ولمعانا عندما تتعرض للمحن والمصائب كالذهب بعد التسخين بالنار، ولذا فهناك مقولة شائعة تقول إن الإبداع يولد من رحم المعاناة. هناك نقاش واسع حول دقة هذه المقولة، ولكنها تبقى في كل الأحوال صالحة لأن يستأنس بها في هذا المقام؛

2 ـ طائفة تزداد قوة وصلابة عندما تتعرض للمحن والمصائب كالحديد بعد التسخين بالنار. فبعض الناس تزيده المشاكل والمحن صلابة وقدرة على مواجهة تحديات الحياة؛

3 ـ طائفة تتبخر وتختفي عندما تتعرض للمحن والمصائب كالزنك بعد تعرضه للنار. هناك من الناس من يتبخر وينسحب ويرفع الراية البيضاء عند مواجهة أول معركة من معارك الحياة، ويصبح بلا دور ولا تأثير في المجتمع، وكأنه غير موجود أصلا في هذه الحياة؛

4 ـ طائفة تتحول إلى الإجرام والانتقام من المجتمع، وتصبح ضارة عندما تتعرض للمحن والمصائب كالزئبق الذي يطلق غازات سامة عندما يتعرض للتسخين. فبعضُ الناس إذا تلقى ضربات قاسية في معاركه مع الحياة يتحول إلى مجرم يعمل على الانتقام من المجتمع، ويصبح بذلك ضارا وساما، تماما كالزئبق الذي يصدر عنه بخار سام عند التسخين.

كن كالذهب يزداد لمعانا إذا ما تعرض للنار، أو كن على الأقل كالحديد الذي يزداد صلابة وقوة، ولا تكن كالزنك الذي يتبخر أو كالزئبق الذي يطلق غازات سامة عندما يتعرض للنار.

يتواصل ....

الثلاثاء، 4 فبراير 2025

هل سنأخذ عبرة من هذا الخطأ الفادح؟


 أثار استلام وتوقيع هذه الرسالة استغرابا واسعا لدى الرأي العام الوطني، وهو استغراب مبرر وفي محله، فبأي منطق تستلم وتوقع السكرتيريا في وزارة الداخلية طلب إذن بوقفة سلمية للمطالبة بإطلاق سراح رئيس الجمهورية؟

في اعتقادي الشخصي، وهو اعتقاد له ما يدعمه، أن السبب في الوقوع في مثل هذا الخطأ الفادح هو عدم احترام الإدارة الموريتانية للمادة السادسة من الدستور الموريتاني، فالسكرتير أو السكرتيرة التي استلمت هذه الرسالة ووقعتها قد تكون أمية تماما في اللغة الرسمية للبلد، وهو ما جعلها - أو جعله -  يقع في هذا الخطأ الفادح.

لم أمر منذ زمن طويل بسكرتيريا وزارة الداخلية، وعهدي بها قديم، ولكني أعرفها في عهد كان يوجد بها بعض الموظفين الذين يستقبلون الرسائل الموجهة للوزارة، وهم مع ذلك لا يستطيعون قراءة محتواها إن كانت قد كتبت باللغة الرسمية للبلد.

عموما توجد حاليا مكاتب سكرتيريا في بعض الوزارات والمؤسسات العمومية، يوجد بها موظفون أميون في اللغة الرسمية للبلد، ومن الصعب أن تجد مثل هذا في غير بلدنا، ومثل هذه الرسائل سيبقى بالإمكان تمريرها في بعض الإدارات لمن رغب في ذلك، وكتبها باللغة  الرسمية للبلد!!!!

هذه  الرسالة مليئة بالأخطاء التي سيطلع عليها كل من يستطيع القراءة باللغة العربية، فقد بدأت بصاحب السعادة التي يخاطب بها السفراء بدلا من صاحب المعالي التي يخاطب بهاالوزراء، وعُنونت بطلب إذن وقفة، والذي كان يجب أن يكتب هو إشعار بوقفة، ومثل هذه الطلبات توجه في العادة إلى الحكام لا إلى وزير الداخلية. هذا فضلا عن الخطأ الفادح المتعلق بمضمون الوقفة. 

 لقد آن الأوان لأن نأخذ العبرة من هذا الخطأ الفادح، وأن تتصالح الإدارة الموريتانية وموظفيها مع اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

الاثنين، 3 فبراير 2025

نوابنا الموقرين : أليس هذا فسادا بيِّنا؟


 لقد أصبح من العادي جدا أن تظهر قاعة الجلسات العلنية في الجمعية الوطنية شبه فارغة تماما من النواب خلال مناقشة مشاريع القوانين التي يُفترض أنها مهمة.

ومن الأمثلة على كثرة تغيب النواب عن الجلسات العلنية ما حدث في الجلسة التي انعقدت يوم الاثنين الموافق 20 يناير 2025، والتي خصصت لمناقشة مشروعيْ قانونين، يفترض أنهما مُهمان: الأول مشروع القانون رقم 24 ـ 043 المتعلق بالمصادقة على النظام الأساسي لصندوق تنمية الصادرات في إفريقيا، والثاني مشروع القانون رقم 24 ـ 045 المتعلق بمدونة الاستثمارات.

في هذه الجلسة، وكغيرها من الجلسات العلنية، كان الحضور ضعيفا، ولكن ما ميزها عن غيرها من الجلسات التي يتغيب عنها النواب عادة، هو أنها شهدت مداخلتين مهمتين تدعمان ما أريد لفت الانتباه إليه في هذا المقال. المداخلة الأولى كانت للنائب المعارض خالي جالو، وكانت وعلى غير العادة، بلغة عربية (لهجة حسانية) فصيحة جدا، والمداخلة الثانية كانت للنائب محمد الأمين ولد أعمر رئيس الفريق البرلماني لحزب الإنصاف، وكانت وعلى غير العادة أيضا، بلغة صريحة جدا غير معهودة عند نواب حزب الإنصاف.

النائب خالي جالو طالب بتأجيل الجلسة لساعة حتى يكتمل النصاب القانوني، والنائب محمد الأمين ولد أعمر دعم ذلك الطلب، وقال وبوضوح شديد: " أنا بدوري أشدد على ما قاله النائب خالي جالو، ليس من المقبول، ولا من المستساغ، أن جمعية وطنية مبرمجة فيها جلسة علنية، يحضر لها هذا النوع من الناس ( وأشار بيده إلى العدد القليل من النواب الحاضرين وقد قدرتُ عددهم من خلال اللقطة المرئية ب17 نائبا فقط). ثم واصل رئيس فريق الأغلبية الكلام، فقال: "النواب موجودون في نواكشوط، ولم يُبَلِّغ أي أحد منهم عن مشكلة من أي نوع، هذا غير مقبول، غير مقبول (يقصد تغيبهم)".

لقد أصبح من الطبيعي جدا، في ظل ظاهرة تغيب النواب عن الجلسات العلنية، أن نتابع جلسة برلمانية يحضرها 17 نائبا فقط من مجموع 176 نائبا، أي بنسبة حضور أقل من 10%. أما الحضور لاجتماعات اللجان الخمس الدائمة في البرلمان، والتي تتم بعيدا عن الإعلام، فحدث عن كثرة الغياب ولا حرج.

وأصبح كذلك من الطبيعي جدا، أن يحضر رئيس البرلمان أو أحد نوابه ممن سيترأس الجلسة، ويحضر الوزير، ويظل الجميع ينتظر وينتظر ثم ينتظر، وقد يستمر الانتظار لأكثر من ساعة،  من قبل أن يحضر الحد الأدنى من النواب الموقرين : 20 أو 30 نائبا مثلا، حتي يكون بالإمكان افتتاح الجلسة (الحد الأدنى هنا لا تعني النصاب القانوني المطلوب فذلك من النادر أن يكتمل، فالنصاب القانوني في المداولات 53 وفي التصويت 89).

لقد أصبح الوزير ملزما بأن يُضيِّعَ في كل مرة تكون لديه جلسة في البرلمان ساعةً أو أكثر من وقته في انتظار حضور الحد الأدنى من نوابنا الموقرين لافتتاح الجلسة. إنهم لا يضيعون أوقات القلة القليلة جدا من النواب التي تلتزم بالحضور في الوقت المحدد، بل يضيعون معها أوقات الوزراء دون مبرر مقنع.

لا تتوقف لا مبالاة النواب وعدم جديتهم، وعدم وفائهم بالتزاماتهم التي قطعوها للناخبين، عند تضييع الوقت فقط، بل إن القليل ممن يحضر منهم للجلسات العلنية، قد يشهد انسحابات من قبل اكتمال الجلسة، والتصويت على مشاريع القوانين، وقد يوجه بعضهم أسئلة أو ملاحظات للوزير، وينسحب ـ بكل بساطة ـ ومن قبل أن يستمع إلى الرد عليها.

فماذا ينتظر من نائب لا يُخفي لا مبالاته وعدم جديته، كثير التغيب عن الجلسات العلنية، بخيل الكلام في الأوقات التي كان ينتظر فيها ناخبوه أن يتلفظ بكلمات في جلسة علنية، حتى ولو كانت كلمات غير مفيدة؟.

المستفز في الأمر أن هذا النائب المتغيب دائما، لا يمكن أن يُحرم من تعويض الجلسات التي يتغيب عنها، وهذا إجراء تأديبي منصوص عليه في النظام الداخلي للجمعية، ولكنه لم ينفذ ـ ولو لمرة واحدة ضد أي نائب ـ منذ العام 1992، وحتى يوم الناس هذا.

فيا نوابنا الموقرين أليس هذا فسادا بيِّنا وواضحا، حتى ولو كان من الفساد المسكوت عنه؟ فبأي حق تأخذون رواتب كبيرة من أعلى الرواتب في البلد، وتمتلكون القطع الأرضية في أرقى الأحياء التي توزع عليكم مع كل إنابة، وتمنحون عطلة سنوية من أربعة أشهر إذا لم تكن هناك دورة استثنائية، وقلما تكون هناك دورة استثنائية، ومع ذلك تبخلون بالحضور للجلسات العلنية، وليس في كل يوم من أيام عملكم خلال ثلثي السنة جلسة علنية، بل إن الأسبوع قد يمر، وقد يمر الأسبوعان دون أن تكون هناك جلسة علنية واحدة.

نحن لا نطلب منكم القيام بواجبكم التشريعي والرقابي الذي تأخذون بموجبه أموالا طائلة من خزينة الدولة، فذلك مما لا طمع فيه، نحن نطالبكم فقط بالحضور الشكلي للجلسات العلنية، حتى ولو خصصتم ذلك الحضور للتثاؤب أو النوم أو الانشغال بالهاتف، فحتى الحضور الشكلي للجلسات العلنية تبخلون به على ناخبيكم يا نوابنا الموقرين، أليس هذا بفساد بيِّن، بلى إنه فساد بيِّن، حتى وإن سكت عنه الجميع.

إننا نُطالبكم فقط  ـ يا نوابنا الموقرين ـ بأن يكون حضوركم للجلسات العلنية التي تُناقش فيها مشاريع القوانين، بحجم حضوركم للجلسات التي يُعلن فيها عن تأسيس فرق برلمانية للصداقة مع دول شقيقة أو صديقة، وقد شهدت هذه الدورة طفرة كبيرة في تأسيس تلك الفرق.

ومن قبل أن استرسل في الحديث عن غياب بعض النواب وعدم جديتهم، فلابد من أفتح قوسا قصيرا لأقول بأن هناك ثلة قليلة من النواب في المعارضة والموالاة لا ينطبق عليهم ما تضمنه هذا المقال من نقد للسادة النواب، ولكن هؤلاء يبقون قلة قليلة جدا، ولا يتجاوزن في عددهم الاستثناء الذي يؤكد صحة القاعدة، وصحة كل ما انتقدنا به نوابنا الموقرين في هذا المقال.

كثيرٌ من نواب الأغلبية منشغل بتجارته ومصالحه الخاصة عن الشأن البرلماني، وهو لم يترشح أصلا إلا من أجل الحصول على جواز سفر دبلوماسي وبعض الامتيازات المعنوية الأخرى التي قد تزيد من أرباح تجارته، وما دام الأمر كذلك، فلماذا لا نسن قوانين تتيح الفرصة للمشتغلين بالتجارة والأعمال الخاصة أن يترشحوا للبرلمان، مع إلزامهم بأن يختار كل واحد منهم خلفا يمتلك من المؤهلات والاستعداد ما يلزم لتأدية الدور الرقابي والتشريعي للنائب على أحسن وجه، وبعد الفوز في الانتخابات يمنح جواز السفر الدبلوماسي لمن ترشح من أجله، ويترك الراتب وتأدية مهام النائب للخلف الذي يمتلك المؤهلات ولديه الرغبة في تأدية تلك المهام (قد يبدو هذا المقترح ساخرا، ولكني ما وجدتُ غيره لحل هذه المعضلة الشائكة).

وفي الفسطاط الآخر، فإن بعض نواب المعارضة منشغل هو كذلك بأموره الخاصة عن تأدية مهامه كنائب، وكثيرا ما يتغيب بعض نواب المعارضة عن الجلسات العلنية وأعمال اللجان، وحجتهم التي يبررون بها ذلك الغياب أن حضورهم وتصويتهم على مشاريع القوانين لن يغير في الأمر شيئا، وكأنهم لم يكونوا على علم بذلك من قبل أن يترشحوا للبرلمان.

هذا عن الغائبين من النواب عن الجلسات، أما بخصوص الحاضرين بأجسادهم من الفسطاطين، فليعلم من يحضر من نواب الأغلبية للجلسات العلنية ليبالغ في مدح النظام، وبلغة تطبيلية تصطك منها المسامع، فليعلم هؤلاء النواب بأنهم يضرون النظام أكثر مما ينفعونه، وليعلم كذلك نواب أو "نائبات" المعارضة ممن يخضر في بعض الأحيان ليبالغ كثيرا في نقد النظام، فيستخدم لغة سوقية ساقطة وعبارات مسيئة، فليعلم هؤلاء النواب بأنهم يسيئون إلى أنفسهم ويضرون المعارضة من قبل أن يَضُرُّوا النظام.

إننا اليوم ـ وكما كنا بالأمس ـ بحاجة إلى نواب لديهم من الكفاءة والمؤهلات ما يمكنهم من القيام بدورهم التشريعي والرقابي على أحسن وجه، ولديهم من الشغف بالعمل البرلماني ما يشجعهم على الحضور للجلسات والتدخل بحماس في النقاشات، فإن انتقدوا النظام انتقدوه بقوة وبلغة محترمة دون إساءة، وذلك مما ينفع المعارضة ويضر النظام، وإن امتدحوا النظام امتدحوه بقوة وبلغة راقية دون تزلف، وذلك مما ينفع النظام ويضر المعارضة.

فهل سيأتينا زمانٌ برلمانيٌّ يكون فيه نوابنا الموقرون بتلك المواصفات والصفات؟

لا اخفيكم أني في بعض الأحيان أشعر بالحرج والعار عندما أسمع مداخلات بعض نوابنا الموقرين، ممن يبالغ منهم في التزلف إن كان داعما للنظام، أو يبالغ في الإساءة واستخدام لغة سوقية إن كان معارضا له، كلاهما ـ أي النائب المبالغ في التزلف والمبالغ في الإساءة ـ يشعرني بالحرج عندما أسمعه يتحدث، ويجعلني أتساءل : هل هذا نائب حقا، يمثل الشعب، ويتمتع بالحصانة البرلمانية؟

ختاما

ربما تكون الدورة البرلمانية الماضية قد حطمت الرقم القياسي في غياب النواب عن الجلسات العلنية، وتأخر تلك الجلسات عن موعدها المحدد لها سلفا في انتظار حضور الحد الأدنى من النواب، لم يسجل في الدورة المنتهية، أن جلسة واحدة، وأقول جلسة واحدة افتتحت في الموعد المحدد لها، والسبب دائما هو عدم حضور الحد الأدنى من النواب عند موعد الافتتاح، ولهذا كتبتُ هذا المقال بعد اختتام تلك الدورة للتنبيه على ذلك التغيب الذي سجل رقما قياسيا جديدا، راجيا أن يصحح هذا الخلل على الأقل خلال الدورة القادمة، ومتمنيا في نفس الوقت أن نحظى في المستقبل بنسخة برلمانية أكثر جدية وإقناعا من نسختنا الحالية، تكون قادرة على تأدية مهامها الرقابية والتشريعية على أحسن وجه.

حفظ الله موريتانيا..

 الفيديو :

 

الجمعة، 31 يناير 2025

أيها المواطنون الصالحون: أنتم المشكلة!


عرفت أوروبا في القرن التاسع عشر تزايد نسبة الوفيات لدى الأمهات بعد الولادة بسبب حمى النفاس. كان عدد الوفيات مرتفعا جدا، وقد انشغل الأطباء بالبحث عن أسباب هذا الارتفاع الكبير في الوفيات، ولكن دون جدوى. في تلك الفترة كان بعض الأطباء ينتقل من تشريح الجثث مع طلابه في الصباح إلى أقسام توليد النساء في المساء دون غسل اليدين، ولم تكن حينها توجد قفازات طبية، ولم تكن هناك أي ممارسة لأي شكل من أشكال التطعيم والتطهير. وقد لاحظ الطبيب المجرِّي "أجناتس سيملويس " الذي كان يعمل في قسم التوليد بمستشفى فيينَّا العام، أن نسبة الوفيات لدى الأمهات في جناح الأطباء أعلى بكثير من نسبة الوفيات في جناح القابلات، وقد توصل هذا الطبيب إلى استنتاج صادم مفاده أن الأطباء كانوا هم أصل المشكلة.

لم يكن القول باتهام الأطباء بأنهم هم السبب في وفاة مرضاهم بالقول البسيط، ولم يكن الأطباء ليقبلوا بتلك التهمة، ولذلك فقد تعرض الطبيب "أجناتس سيملويس" لهجوم شديد من زملائه الأطباء، فرُفض طلبه بغسل اليدين، وطُرد من المستشفى الذي كان يعمل به، رغم النتائج الإيجابية الكبيرة التي تتحقق عند الالتزام بغسل اليدين، وتسبب له ذلك في حالة غضب شديد، وإصابة بالاكتئاب، وأصبح سلوكه عدوانيا، وألقاه أحد زملائه في عنبر المجانين بأحد المستشفيات، فتشاجر مع الحراس، وأصيب بجرح في يده تحول إلى غرغرينا، وكان ذلك هو السبب المباشر في وفاته.

تم الاعتراف بجهود الطبيب "أجناتس سيملويس " بعد قرن من وفاته، فلقب بمنقذ الأمهات، وثبت اليوم لدى الجميع أن غسل اليدين وتعقيمهما يؤدي إلى ممارسة طبية أكثر أمانا، ويحدُّ من نقل العدوى، ويقلل من الوفاة الناتجة عن نقل الجراثيم من الطبيب إلى المريض.

هذا السرد التاريخي لبعض تفاصيل حياة طبيب وصف زملاءه الأطباء بأنهم هم المشكلة، أردتُ من خلاله أن أبين أنه في بعض الأحيان قد تأتي المشكلة ممن كنا نتوقع منهم حل تلك المشكلة.

فلنترك أوروبا في القرن التاسع عشر، ولنتحدث عن موريتانيا في العام 2023، ولنترك الطب ولنتحدث في السياسة، فإذا ما قمنا بذلك، فسيكون بإمكاننا ـ وعلى طريقة الطبيب المَجَري ـ أن نقول لمن يرى نفسه مواطنا صالحا: أنتَ هو المشكلة!

نعم إن المواطنين الصالحين في هذه البلاد، إذا لم يحاولوا أن يتحولوا إلى مواطنين مُصْلِحين وإلى نخبة مُصلحة سيصبحون هم المشكلة.

وعملية التحول هذه من نخب صالحة إلى نخب مُصلحة، تتطلب تجاوز بعض نقاط الضعف التي عُرِف بها أغلب من يعدُّ نفسه مواطنا صالحا، ومن أهم نقاط الضعف تلك، يمكننا أن نذكر:

1 ـ تتمثل نقطة الضعف الأولى التي تعانيها "النخب الصالحة" في استقالة هذه النخب من قضايا الشأن العام، وقبولها لمواصلة التفرج على ما يجري في البلد دون فعل أي شيء. وعلى العكس من ذلك فإن أولئك الذين يصنفون ضمن النخب الانتهازية أو الفاسدة لا يقبلون بالتفرج، وإنما يتحركون هنا وهناك بحيوية ونشاط، ليس من أجل إصلاح البلد، وإنما من أجل إفساده؛

2 ـ فشل هذه النخب الصالحة ـ والتي هي نخب في منتهى الخمول ـ في إطلاق مبادرات إصلاحية، أو في خلق عناوين سياسية أو جمعوية تمكنها من توحيد الجهود في عمل سياسي أو جمعوي هادف يعود بالنفع على الوطن. وعلى العكس من ذلك فإن أولئك الذين يصنفون ضمن النخب الفاسدة يعرفون بالحيوية والنشاط، والقدرة على إطلاق المزيد من المبادرات ذات "الضرر العام"؛

3 ـ فشل هذه النخب الصالحة في خلق مساحات للعمل المشترك، فمن الصعب أن تجد عشرة من "المواطنين الصالحين" يخلقون مساحة للعمل المشترك فيما يتفقون عليه، وكأنهم ينتظرون تطابقا تاما في الآراء والمواقف حتى يعملوا معا، وهو الشيء الذي لن يحدث أبدا، أو كأن كل واحد منهم يعتقد أنه يكفيه من خدمة البلد أن يبقى مواطنا صالحا، وأن لا ينخرط فيما يقع من فساد وإفساد. يا أيها المواطن الصالح إن صلاحك لا أهمية له، ولن يفيد المجتمع، إذا لم تستطع أن تتحول إلى مواطن مُصلح، وإذا لم تخلق مساحة مشتركة مع مواطنين مصلحين آخرين بهدف تنسيق جهودكم لخدمة المجتمع. وعلى العكس من النخب الصالحة، فإن النخب الانتهازية والمفسدة تمتلك قدرة كبيرة على خلق مساحات للعمل المشترك دفاعا عن مصالحها الضيقة، واستمرارا في "جهودها الجبارة" في إفساد المجتمع؛

4 ـ الانسحاب المبكر من معركة الإصلاح. هناك قلة من المواطنين الصالحين تقبل بالنزول إلى الميادين من أجل الإصلاح، ولكن هذه القلة القليلة من المواطنين الصالحين إذا لم تشاهد ثمار جهودها تنضج في وقت مبكر، وإذا لم تجد من يقدر تلك الجهود، فإنها تسارع إلى الانسحاب من معركة الإصلاح. هذه الطائفة مشكلتها قصر النفس النضالي، ومن المعلوم أن معركة الإصلاح تحتاج إلى نفس نضالي طويل.

إن اكتفاء النخب الصالحة بالتفرج على ما يحدث في البلد دون فعل أي شيء، وسرعة انسحاب القلة القليلة من هذه النخب الصالحة التي تقبل بالنزول إلى الميادين عند خسارة أول معركة من معارك الإصلاح، إن كل ذلك ترك هموم البلد ومشاكله لنخب انتهازية فاسدة ومفسدة تضع مصالحها الخاصة في أعلى سلم الاهتمامات، ومصلحة الموالاة إن كانت موالية أو مصلحة المعارضة إن كانت معارضة في الرتبة الثانية في السلم، في حين تكون المصلحة العليا للبلد في الرتبة الثالثة، أي في أدنى رتبة.

إن البلد بحاجة اليوم ـ وأكثر من أي وقت مضى ـ إلى نخب صالحة ومُصلحة، تضع المصلحة العليا للبلد في الرتبة الأولى في سلم الاهتمامات، ومصلحة الموالاة إن كانت موالية، والمعارضة إن كانت معارضة في الرتبة الثانية، في حين تكون المصالح الشخصية الضيقة في الرتبة الثالثة، أي أدنى رتبة في سلم الاهتمامات.

 

تنبيهات :

1 ـ سئلتُ كثيرا عن السبب في اختيار هذا العنوان للكتاب، ولتكرر السؤال قررتُ أن أعيد نشر المقال الذي اخترتُ عنوانه ليكون عنوانا فرعيا للكتاب؛

2 ـ هناك عنوانان للكتاب، والعنوان الأصلي للكتاب هو "في نقد المصلحين"، وهذا عنوان غير دقيق، وقد اخترته تجنبا للدخول في نقاش بلا أول ولا آخر ، فالعنوان الذي كان يجب أن يكتب في مقدمة الكتاب هو "في نقد الصالحين"، فالنقد موجه للصالحين، لأنهم لم يستطيعوا أن يكونوا مصلحين، والكتاب قد شخص الحالة المرضية  للمواطنين الصالحين، بأنهم "صالحون بلا فعل إصلاحي".

3 ـ هذه فقرة من الكتاب من المهم أن تكون من بين التنبيهات الملحقة بالمقال: "قد يستغرب البعض منكم أن أخصص أول كتاب في هذه السلسلة التي تنظر للإصلاح في موريتانيا لنقد المواطنين الصالحين، والذين لم يتمكنوا من أن يكونوا مصلحين، أرجو أن لا تستغربوا ذلك، فهذا أمرٌ مقصودٌ في حد ذاته، وهو يهدف إلى ما تهدف إليه إحدى القصص المتداولة في موروثنا الشعبي، والتي تتحدث عن شخص بدأ بمحاولة حلب تيس أو كبش ليؤكد للنعاج أن الدور قادم عليها لا محالة. لقد بدأتُ في هذا الكتاب بنقد المواطنين الصالحين، وذلك حتى يعلم غيرهم أن  الدور قادم إليهم، وأن نصيبهم من النقد سيأتيهم كاملا غير منقوص. "  

حفظ الله موريتانيا..

 


ما هو التصرف الأنسب؟ (تدوينة)


نادرا ما أسافر، وهذا الموضوع لا يهمني بشكل مباشر أو ملح، ولكنه قد يهم آخرين، وهو  يستحق في كل الأحوال نقاشا معمقا.

مشهد يتكرر في المطارات:

- هل أكملتَ وزن الأمتعة؟

- نعم

- إذا كان وزن امتعتك ناقصا فأرجو أن تسجل بعض أمتعتي على تذكرتك.

هذا طلب عادي عند الموريتانيين، وهو طلب بريئ، والامتعة هي أمتعة طبيعية ولا تشكل أي خطر في أغلب الأحوال، وبالتالي فالمطلوب هو أن تساعد مواطنا من بلدك في نقل أمتعته، حتى لا يتحمل كلفة مادية زائدة.  

ذاك هو الاحتمال شبه المؤكد، ولكن ذلك لا يعني إلغاء أي احتمال آخر، حتى ولو كان ضعيفا جدا، فمن الممكن أن يترتب على تسجيل أمتعة شخص آخر على اسمك مخاطر ما.

السؤال : هل الأنسب أن تقبل تسجيل أمتعة أي موريتاني لا تعرفه على اسمك في حالة طلب منك ذلك بسبب زيادة الوزن أم الأنسب أن ترفض الطلب حيطة وحذرا؟ 

ولأن الشيء بالشيء يذكر

في سنوات خلت، ومن قبل التحسينات التي حدثت في الوثائق المؤمنة، كنتَ عندما تمر بقصر العدل قد يصادفك شخص لا تعرفه، وبعد السلام يسألك :

- هل لديك بطاقة تعريف؟

- نعم

-أريدك أن تشهد لي على : زواج أو وفاة أو أي أمر آخر قد ترتبط به حقوق ما أو قد يتسبب في أضرار لأشخاص ما..

عندما ترفض الشهادة في هذه الحالة لشخص لا تعرفه، فإنه يغضب عليك، ويعتبرك من الذين "يمنعون الماعون".

هذان المثالان يطرحان سؤالا كبيرا يقول :

هل الأنسب أن نستمر في التعامل مع من لا نعرف من مواطني بلدنا بعفوية وطيبة وحسن نية، أم أنه علينا أن نأخذ بمتطلبات المدنية وتعقيداتها، فنأخذ حذرنا حتى لا نتورط في مشاكل كنا في غنى عنها؟

الخميس، 30 يناير 2025

القبيلة والمجتمع المدني والقضاء والترتيب بالمقلوب!


نحن مجتمع مجاملٌ، نخبا وعامة، ويصعب أن ننظر إلى أي ملف بموضوعية وشمولية، والمبادرات والحلول تأتي عندنا دائما مقلوبة رأسا على عقب، وهذا ما بدأ يظهر الآن في ملف "حنفي ـ زين العابدين"، فالترتيب الصحيح كان يجب أن يكون على النحو التالي:

القضاء  أولا

إن هذا الملف كان يجب أن يترك بشكل كامل للقضاء، فينال من مارس عنفا جسديا ضد صحفي أمام قناته ما يستحق من عقوبات، ويُنظر في الوقت نفسه لشكوى رجل الأعمال من الصحفي، فإن كان رجل الأعمال قد تعرض فعلا للقذف والإساءة دون بينة أو دليل، وتم تكرار ذلك عدة مرات، ثم مُنع بعد ذلك كله من حق الرد، ففي هذه الحال وجب إنصافه قضائيا، فهو أيضا مواطن يستحق أن تُحمى سمعته وعرضه.

المؤسسات المدنية ثانيا

كان من المفترض في حالة التفكير ـ لأي سبب كان ـ في حل الملف دون اللجوء إلى القضاء، أي تغليب الصلح على التقاضي، كان يُفترض في هذه الحالة أن تظهر دعوات الصلح من مؤسسات مدنية وهيئات نقابية لا من الأطر التقليدية (القبائل).

فكان الأولى أن تتولى مساعي الصلح النقابات الصحفية التي ينتسب لها أحد الأطراف، واتحاد أرباب العمل الذي ينتسب له الطرف الثاني.

الملاحظ أن هذه الهيئات ـ كغيرها من هيئات المجتمع المدني ـ تغيب دائما عن مثل هذه المساعي، ولا تسارع إلى إطلاق مبادرات للصلح عندما يتعرض أحد أعضائها للظلم أو يرتكب خطأ في حق الآخرين، تاركة بذلك فراغا كبيرا تستغله في العادة الأطر التقليدية، فتزيد هذه الأطر من نفوذها وحضورها في قضايا الشأن العام.

فلماذا لم نسمع بعد اعتداء رجل أعمال على صحفي عن لقاءات بين ممثلين عن أرباب العمل وآخرين من النقابات الصحفية،  بدلا من ترك مبادرة المساعي الحميدة للأطر التقليدية، أي لقبيلتي رجل الأعمال والصحفي؟

ولماذا تأخرت من قبل ذلك النقابات الصحفية بالتدخل عندما بدأ يدور الحديث عن رفض منح حق الرد لرجل الأعمال، إن صح ذلك الحديث، فتطالب تلك النقابات من  القناة المعنية بمنح حق الرد لرجل الأعمال.

من المهم جدا أن تُدافع النقابات عن أعضائها عندما يتعرضون للظلم، ويتأكد الأمر بالنسبة للنقابات الصحفية، فالصحفيون هم الأكثر تعرضا للمخاطر بسبب طبيعة عملهم، خصوصا منهم أولئك الذين يهتمون بكشف الفساد، ولكن من المهم كذلك أن لا يتوقف تدخل النقابات والروابط الصحفية على التضامن والمؤازرة عندما يتعرض الصحفي للظلم، بل يجب أن يشمل ذلك التدخل النصح والتوجيه لتصحيح الأخطاء، إن كانت هناك أخطاء، كأن يظهر مثلا أن مؤسسة إعلامية أو صحفيا ما قد أخطأ في حق آخرين.

الأطر التقليدية ثالثا

في حالة عجز القانون عن حسم ملف ما، وفي حالة عجز هيئات المجتمع المدني عن إطلاق مبادرة صلح ناجحة، قد نقبل في هذه الحالة اللجوء إلى الحل الأسوأ، أي إدخال القبائل في قضايا الشأن العام من خلال إطلاق مبادرات مساعي الصلح بين شخصين ينتميان أو ينتسبان لهيئتين مدنيتين، فنحن وللأسف ما زلنا مجتمعا تقليديا تتمتع فيه القبائل بشيء من النفوذ يجب أن يُقضى عليه بحكمة وتدرج.

المشكلة  في هذا الملف، وفي ملفات أخرى، أن هرم التدخل كان مقلوبا، فالقبيلة كانت هي أول ما ظهر في هذا الملف، والقضاء تأخر كثيرا في التعامل مع الملف، هذا إن كانت شكوى رجل الأعمال صحيحة. أما المؤسسات المدنية والهيئات النقابية، فهي غائبة تماما عن الملف، كما هو الحال بالنسبة لاتحاد أرباب العمل، أو اكتفت ـ في حالة ظهورها ـ  بدور المتضامن فقط، بعد تعرض أحد أعضائها للاعتداء، كما هو الحال بالنسبة للنقابات والروابط الصحفية.

حفظ الله موريتانيا...

الاثنين، 27 يناير 2025

هل ستنجح الحكومة في تنفيذ خطة 304/2025؟


تعودنا أن نسمع من الحكومات السابقة خطابات مليئة بعبارات والتزامات مبهمة، ووعود ضبابية، غير قابلة للقياس، وكثيرا ما كان يتعهد الوزير الأول أمام البرلمان بأن حكومته ستقوم ب"جهود جبارة" في هذا القطاع، وستحقق "قفزة نوعية" في ذلك القطاع، وستسجل "إنجازات غير مسبوقة" في ذاك القطاع، وهكذا حتى تُعَمَّم الالتزامات المبهمة على كل القطاعات الوزارية.

وبطبيعة الحال، فلا يخفى عليكم، أنه لا توجد وحدات للقياس، لا بالطول، ولا بالوزن، ولا بالحجم، يمكن أن نقيس بها هذه العبارات الفضفاضة والمبهمة لنعرف ماذا تحقق من "الجهود الجبارة" في عهد هذه الحكومة، أو من" الإنجازات المسبوقة أو غير المسبوقة" في عهد تلك الحكومة، ونحن لا نعرف أيضا، حتى عند استخدام وحدات القياس المعروفة، إن كان من المناسب أن نستخدم الكيلومتر أو المليمتر  لقياس المسافة التي قطعتها بلادنا في إحدى "قفزاتها النوعية" التي تتكرر دائما، وفي كل القطاعات، حسب ما تعودنا أن نسمع من القائمين على تلك القطاعات.

لم يكن بإمكاننا في الماضي أن نتابع أو نراقب أو نقيم الأداء الحكومي بشكل دقيق، فبرامج الحكومات المتعاقبة كانت قائمة على وعود والتزامات فضفاضة لا يمكن قياسها، ولا التحقق من مستوى التقدم في إنجازها، ولذا فقد كان من الطبيعي جدا أن يقول الداعم للنظام بأن الإنجازات التي تحققت كانت عظيمة، ويقول في نفس الوقت المعارض للنظام بأن الإخفاقات كانت أعظم، وأنها إخفاقات غير مسبوقة.

في اعتقادي الشخصي أن هذا الخلاف الكبير في التقييم بين القائلين بالإنجازات العظمى، والقائلين بالإخفاقات الأعظم، لم يعد مبررا في عامنا هذا، وذلك بعد أن ألقى معالي الوزير الأول خطابا هاما أمام البرلمان، يمكن أن يُصنَّف بأنه أول خطاب لوزير أول يتضمن خطة عمل سنوية للحكومة واضحة المعالم، وقائمة على التزامات محددة، يمكن أن تُقيم بسهولة في نهاية العام، وذلك من خلال تحديد نسبة ما تم تنفيذه من التزامات الخطة، والتي بلغت في مجموعها 304 التزامات. 

لقد أتاح خطاب الحصيلة والآفاق الفرصة لكل متابعي الشأن العام، معارضين كانوا أو موالين أو مستقلين، أن يتحدثوا ببرهان، وأن يقيموا أداء الحكومة الحالية في عام الناس هذا بشكل علمي دقيق، وذلك اعتمادا على نسبة ما أنجز وما لم ينجز من الالتزامات التي تضمنتها خطة الحكومة للعام 2025. 

وإذا ما تحدثنا بلغة إحصائية فصيحة، فإن الحكومة مطلوب منها ـ وبلغة المتوسطات الحسابية ـ أن تنفذ التزاما واحدا في كل يوم من العام 2025، أو على الأصح، واحتراما لدقة الأرقام، أن تنفذ التزاما واحدا كل 28 ساعة و48 دقيقة.

لم تعد هناك ضرورة للاستمرار في التقييمات المتباينة جدا بين المعارضة والموالاة، وذلك بعد أن استعرض الوزير الأول أمام البرلمان 304 من الالتزامات المحددة بشكل دقيق، ووعد بتنفيذها خلال سنة، فما على المعارضة إلى أن تعُدَّ ما تحقق من تلك الالتزامات خلال العام، فإن كانت نسبة الإنجاز قليلة، وجدت حجة لا يمكن الطعن فيها لتنتقد النظام بقوة وحدة، وما على الموالاة كذلك إلى أن تعُدَّ ما نُفِّذَ من تلك الالتزامات عدَّا، فإن كانت نسبة ما تم تنفيذه عالية، جاز لها أن تثمن أداء النظام تثمينا تمتلك على وجاهته كل البراهين والأدلة المطلوبة.  

إنها مجرد أسئلة بسيطة جدا علينا أن نجيب عليها خلال العام 2025، وبذلك سنمتلك من الأدلة ما يكفي لأن نصدر حكما إيجابيا أو سلبيا على أداء الحكومة، فيمكننا مثلا أن نسأل في نهاية العام: إن كانت الأعمال قد انتهت فعلا في مستودعات التخزين للشركة الوطنية للمحروقات؟ وهل انتهت الأعمال في الخط الكهربائي الرابط بين نواكشوط وازويرات؟ وهل وُضِع الحجر الأساسي لمشروع تزويد كيفة بمياه الشرب من النهر؟ وهل تم تشييد 18 منشأة صحية بيطرية جديدة؟ وهل نُظمت في نواكشوط النسخة الأولى من المعرض الدولي للكتاب؟ وهل انتهت الأشغال في مستشفى تجكجة ومستشفى لعيون، وهل دخلا الخدمة فعلا؟ وهل تم اكتتاب حوالي 3000 موظف ما بين مهندس وطبيب وأستاذ ومعلم في العام 2025، أي بمعدل اكتتاب 8 موظفين في كل يوم؟ وهل أصبحت هناك سلطة وطنية لمحاربة الفساد تتمتع بالاستقلالية وتمتلك الصلاحيات الكاملة لمحاربة الفساد؟ وهل تم إصلاح نظام الصفقات العمومية ورقمنة إجراءاتها؟ وهل شُقت في العاصمة نواكشوط 136 كلم من الطرق، منها 50 كلم عبارة عن طريق التفافي؟ وهل بدأ العمل في خط أمل الكهربائي الذي يربط نواكشوط بالنعمة؟ وهل بدأت الدراسة في جامعة نواذيبو؟ وهل انطلقت الأشغال في مستشفى سلمان الجامعي؟ وهل بدأت الأشغال لبناء المختبر الوطني لمراقبة جودة الأدوية؟ إلى غير ذلك من الأسئلة التي تتعلق ب304 من الالتزامات التي تعهد بها الوزير الأول أمام البرلمان، ووعد بتنفيذها في العام 2025.

كل الالتزامات التي تضمنتها خطة الحكومة في العام 2025 كانت التزامات واضحة جدا، يمكن تحديد مستوى تنفيذها بدقة عالية جدا، باستثناء التزام واحد، استخدمت فيه واحدة من العبارات التقليدية المبهمة، وهو الالتزام المتعلق بإحداث "نقلة نوعية في مجال مرتنة مناصب الشغل في أسطولنا الوطني"، فكم من موظف موريتاني علينا أن نوظفه في أسطولنا الوطني خلال هذا العام، حتى يكون بمقدورنا أن نقول بأننا قد أحدثنا فعلا "نقلة نوعية" في مرتنة الأسطول؟ في هذا الالتزام، وفي هذا الالتزام فقط، قد نختلف في تحديد العدد المطلوب.

جاء خطاب الحصيلة والآفاق بعد خطاب آخر سبقه، ألقاه معالي الوزير الأول أمام البرلمان، ولم تغب فيه هو أيضا بعض الالتزامات الواضحة والمحددة بسقف زمني قصير جدا، ففي يوم 4 سبتمبر 2024 تعهد الوزير الأول أمام البرلمان بتسريع وتيرة العمل لإكمال 13 مشروعا قبل نهاية السنة، وقد اكتمل العمل في 11 مشروعا منها، وبقي مشروعان أحدهما قد يتأخر لشهر، والثاني لثلاثة أشهر وزيادة، والتزم أيضا في نفس الخطاب بتسريع العمل لوضع حجر الأساس لتسعة مشاريع قبل نهاية السنة، فانطلقت الأعمال في سبعة منها، وبقي اثنان تأخرا لشهرين، هذا فضلا عن الالتزام بعشرة برامج لتحسين ظروف عيش وسكن المواطنين، وقد أنجزت، كما أطلقت ثلاث مبادرات لإشراك المواطن في مراقبة العمل الحكومي، وكانت من بين ما التزم به الوزير الأول في خطاب 4 سبتمبر.

يعني هذا ـ وبلغة الأرقام ـ أن نسبة الالتزام بتعهدات الأشهر الأخيرة من العام 2024 قد وصلت إلى 88.5%، وأن التأخر في تنفيذ تلك الالتزامات لم يتجاوز نسبة 11.5% ، ويتعلق التأخر بأربعة مشاريع فقط من بين 35 مشروعا، وتأخر هذه المشاريع كان لفترة غير طويلة جدا، وكان على النحو التالي : مشروعان تأخرا لشهر واحد، ومشروع واحد تأخر لشهرين، ومشروع واحد تأخر لثلاثة أشهر.

لقد نجح الوزير الأول وحكومته في امتحان الأشهر الأربعة الأخيرة من العام 2024، فهل سينجح في امتحان العام 2025، والذي يتعلق هذه المرة بمئات الالتزامات؟

إن نجاح الوزير الأول وحكومته في امتحان 2025 سيبقى مرهونا بتنفيذ 304 من الالتزامات التي تعهد بها أمام البرلمان في خطاب الحصيلة والآفاق، وفي حالة نجاحه في تنفيذ هذه الخطة سيكون بذلك قد حقق أكثر من 5/1 برنامج "طموحي الوطن"، فهذه الالتزامات ال304 ما هي إلا أقساط سنوية من الركائز الخمس التي تضمنها برنامج فخامة رئيس الجمهورية، والتي وعد بالعمل عليها خلال هذه المأمورية. 

ختاما

لقد خاطر معالي الوزير الأول سياسيا عندما تعهد في خطابه أمام البرلمان بأن الحكومة ستنفذ 304 من الالتزامات الموثقة في خطة الحكومة خلال العام 2025، ولقد أشار هو بنفسه في خطابه إلى تلك المخاطرة، والتي أعتبرها شخصيا مخاطرة في غاية الأهمية، وذلك لأنها قدمت للنخبة السياسية من معارضة وموالاة، ولكل متابعي الشأن العام، التزامات واضحة ومحددة ستمكنهم من تقييم الأداء الحكومي في العام 2025 تقييما علميا قائما على أدلة وبراهين، إيجابيا كان أو سلبيا، حسب ما سينفذ من تلك الالتزامات.

هناك تفاؤل له ما يبرره، وهناك توقع بأن نسبة الإنجاز في العام 2025 لن تكون بعيدة من نسبة الإنجاز التي تحققت بخصوص التزامات الرابع من سبتمبر من العام 2024.  

حفظ الله موريتانيا...


الأحد، 26 يناير 2025

لنخلد ذكراهم بالمزيد من التوعية


بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الأمين العام لهيئة العلماء الموريتانيين،

أصحاب الفضيلة علماءنا الأجلاء، وأئمتنا الفضلاء، ودعاتنا الأخيار،

أسر وأقارب وزملاء ضحايا حوادث السير من العلماء والأئمة والدعاة،

إخوتي الأفاضل، أيها الجمع الكريم.

انطلقت حملة "معا للحد من حوادث السير" منذ ما يُقارب تسع سنوات، وتحديدا في يوم السابع من أغسطس من العام 2016، وكان الهدف من إطلاقها المساهمة في إنقاذ الأنفس من حرب الشوارع ومجازر الطرق التي كانت ـ وما تزال ـ تخلف في كل عام أعدادا كبيرة من الجرحى، ونفقد فيها أعزاء على قلوبنا تغمدهم الله بواسع رحمته.

وللحد من هذا النزيف في الأرواح عملت الحملة منذ انطلاقها على توعية السائقين والركاب في مختلف المحاور الطرقية، وقدمت المقترحات والعرائض المطلبية للقطاعات الحكومية المعنية، وسعت إلى خلق رأي عام وطني واعِ بخطورة حوادث السير، والتي أصبحت هي القاتل الأول في العالم للأطفال والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 5 إلى 29 سنة، حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية في العام 2018. 

ومع أنه لا توجد إحصائيات دقيقة عن نسبة الوفيات الناتجة عن حوادث السير في بلادنا بالقياس إلى الوفيات الناتجة عن أسباب أخرى، إلا أنه يصعب اليوم ـ إن لم أقل يستحيل ـ أن تجد أسرة موريتانية إلا ولها ذكرياتها الأليمة وقصصها الحزينة مع حوادث السير، ومع ذلك فما تزال الجهود المبذولة رسميا وشعبيا دون المستوى المطلوب، حتى وإن كان قد حدث تحسن ملحوظ على المستويين الرسمي والشعبي خلال السنوات الأخيرة.


إننا في حملة معا للحد من حوادث السير، ومنذ أن انطلقنا في منتصف العام 2016، لم ندخر جهدا للفت الانتباه إلى الحصيلة الثقيلة التي نتكبدها في موريتانيا بسبب حوادث السير، ومواصلة لهذا الجهد يأتي برنامجنا التأبيني والتوعوي هذا، والذي نسعى من خلاله إلى إظهار حجم الكلفة البشرية التي يتكبدها كل قطاع على حدة، وذلك من خلال تنظيم يوم تأبيني خاص بضحايا كل قطاع، وقد بدأنا اليوم بقطاع الشؤون الإسلامية من خلال هذا التأبين لمجموعة من خيرة علمائنا وأئمتنا ودعاتنا.

ونحن إذ ننظم هذا اليوم التأبيني فإننا نسعى كذلك إلى إشراك العلماء والأئمة والدعاة في هذا الجهد التوعوي، إنقاذا للأنفس، ووفاء لذكرى هذه الكوكبة من المشايخ والعلماء الذين توفوا في حوادث سير أليمة، وإننا بهذه المناسبة نتوجه إلى علمائنا وأئمتنا ومشايخنا ودعاتنا بالمطالب التالية :

1 ـ تخصيص بعض خطب الجمعة لتبيان خطورة حوادث السير، وأهمية التوعية في مجال السلامة الطرقية؛

2 ـ تخصيص مساحة معتبرة خلال شهر رمضان القادم في السهرات الرمضانية للتوعية في مجال السلامة الطرقية؛

3 ـ منح وقت أكبر للسلامة الطرقية في الدروس والمواعظ وخطب الجمعة في المساجد التي تقع قرب محطات للنقل، والتي تشهد إقبالا معتبرا من طرف السائقين؛

4 ـ طرح موضوع مبلغ الدية والمطالبة بمراجعته، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية، كلما وُجِدت فرصة لذلك.

وفي الأخير، فإننا في الحملة نؤكد أن جهودنا في مجال التوعية للحد من حوادث السير ستتواصل إن شاء الله، وأن هذه الأيام التأبينية والتوعوية ستشمل قطاعات أخرى، ونحن نخطط في الوقت الحالي ليكون اليوم التأبيني القادم لصالح المنتخبين، من نواب وعمد وشيوخ ورؤساء جهات، تذكيرا بالعديد من المنتخبين الذين فقدناهم في حوادث سير، وسعيا لإشراك المنتخبين بشكل أكبر في الجهود الرامية للحد من حوادث السير في بلادنا.




الخميس، 23 يناير 2025

قراءة في كتاب

 


خصص اتحاد الأدباء والكتاب الموريتانيين حلقته لهذا الأسبوع من "شاي الأربعاء" لقراءة في كتاب " أيها المواطنون الصالحون أنتم المشكلة" لمؤلفه الكاتب محمد الأمين ولد الفاضل.

وقد افتتح رئيس الاتحاد النائب الخليل النحوي الحلقة بالإشادة بدور الكاتب في التوعية والإصلاح، وأهمية كتابه الذي ينظر للإصلاح في موريتانيا.

بعد ذلك تناول الكلام الكاتب محمد الأمين ولد الفاضل فتحدث عن محتوى الكتاب بشكل مفصل، مبرزا الأسباب التي جعلته يختار هذا العنوان، والذي استلهمه من قصة طبيب مجري اكتشف أن الأطباء الذين يقومون في العادة بعلاج المرض وإنقاذ المرضى قد يتحولون في ظروف معينة إلى ناقل للمرض وقاتل للمرضى، كما حدث في أوروبا في القرن التاسع عشر، حيث تسببوا حينها في موت أعداد كبيرة من النساء أثناء الولادة.

وفي حديثه عن محتوى الكتاب عدَّدَ المؤلف 16عرضا مرضيا تعاني منه النخب الصالحة في موريتانيا، وقال بأن تلك النخب لن تستطيع أن تؤدي دورها الإصلاحي ما لم تعالج تلك الأعراض المرضية التي تعاني منها، والتي تم استعراضها بشيء من التفصيل  من خلال مقالات الكتاب، وأكد المؤلف في ختام حديثه أن كتاب "أيها المواطنون الصالحون أنتم المشكلة" يعدُّ الجزء الأول من سلسلة من الكتب يعمل على إصدارها خلال السنوات القادمة إن شاء الله.

وقد خُصص الجانب الثاني من حلقة شاي الأربعاء لمؤازرة شاعر موريتانيا المختار عبد الله صلاحي، المنافس في سباق أمير الشعراء، وقد تبرع الكاتب بمبيعات كتابه خلال الحلقة لصالح لجنة مؤازرة ودعم الشاعر المختار عبد الله صلاحي.

نشير في الأخير إلى أن الحلقة قد أدارها الأمين التنفيذي في الاتحاد عبد الباقي محمد، وقد شهدت العديد من المداخلات، واختتمت بتكريم المؤلف من طرف الاتحاد.

الاثنين، 20 يناير 2025

لنخلد ذكراهم بالمزيد من التوعية(تدوينة)


في إطار التحضير لليوم التأبيني الذي سننظمه في حملة معا للحد من حوادث السير يوم السبت القادم إن شاء الله، اتصلت اليوم بالأخت الفاضلة النجاح بنت محمذن فال، وذلك في إطار تحديد أسماء المتدخلين في تأبين الوالد القاضي والمقرئ محمد ولد محمذن فال الذي توفي بسبب حادث سير أليم تعرض له فجر يوم الجمعة الموافق 06 يونيو 2006.

وعلمتُ منها أن ابنه الشيخ ماء العينين ولد محمد محمذن فال توفي هو أيضا في حادث سير وقع بعد أقل من أربع سنوات من رحيل الأب، وتحديدا في  يوم 19 ابريل 2010.

وحدثتني أيضا عن حادث آخر، ولكنه هذه المرة يتعلق بحادث طائرة عسكرية توفي فيه ابنها النقيب الطيار سيد أحمد محمدن في يوم الأربعاء الموافق 15 مايو 2024 رحم الله الجميع.

الأخت النجاح التي فقدت الوالد، والأخ، والابن في حوادث أليمة متفرقة كتبت مقالا شهيرا عن حوادث السير في العام 2010 من قبل أن تتأسس الحملة، ونشرته يومية الأمل الجديد، وترك صدى قويا، وهي نفسها التي تحدثت بشجاعة بعد وفاة الابن في فيديو شهير تم تداوله بشكل واسع في هذا الفضاء.

 سيشمل النشاط التأبيني عدة علماء وأئمة ودعاة آخرين توفوا في حوادث سير، ويأتي في مقدمتهم القاضي والمقرئ محمد ولد محمذن فال الذي كان ضمن بعثة العلماء والقضاة الشهيرة التي درست في تونس، وهو أول من جاء بالقراءات العشر إلى موريتانيا، وقد أجاز فيها العديد من الأئمة والعلماء، وعلى رأسهم فضيلة العلامة بداه ولد البصيري رحمه الله.

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

#معا_للحد_من_حوادث_السير



الأحد، 19 يناير 2025

بيان من منتدى 24-29


صادق مجلس الوزراء  المنعقد يوم الخميس 16 يناير 2025 على ثلاثة مشاريع قوانين مهمة، في مجال محاربة الفساد، وتعكس المصادقة على مشاريع القوانين الثلاثة دفعة واحدة، وفي نفس الاجتماع، أن هناك إرادة سياسية جادة لدى فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، وحكومته في تنفيذ ما تضمنه برنامج "طموحي للوطن" من التزامات قوية  في مجال محاربة الفساد، وخاصة ما يتعلق منها ب"إنشاء منظومة متكاملة لمكافحة الفساد والرشوة على مستوى القطاعين العام والخاص استنادا إلى الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة". 

إن مصادقة الحكومة على مشاريع قوانين تتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح، ومكافحة الفساد، وتأسيس سلطة وطنية لمكافحة الفساد وفق أحدث المقاييس والمعايير الدولية في هذا المجال ليؤكد جدية الإرادة السياسية للوفاء بالتعهدات في مجال محاربة الفساد، وإننا في منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، لنؤكد بمناسبة إجازة الحكومة لهذه القوانين على ما يلي :

1 ـ تثميننا القوي لمصادقة الحكومة على مشاريع القوانين الثلاثة المذكورة أعلاه؛

2 ـ دعوتنا لإسراع الإجراءات حتى تتم مصادقة البرلمان على مشاريع القوانين هذه، خلال الدورة الحالية التي تقترب من نهايتها؛

3 ـ تأكيدنا على أن السلطة الوطنية لمكافحة الفساد لن تؤدي بفعالية المهام الجسيمة الموكلة إليها، إلا إذا تم اختيار تشكلتها من الذين يجمعون بين الكفاءة والاستقامة وتحدوهم الرغبة الصادقة والجادة في محاربة الفساد.  

نواكشوط : 19 يناير 2025

اللجنة التأسيسية لمنتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.

#منتدى24_29

السبت، 18 يناير 2025

داعمون يحاربون النظام إعلاميا وسياسيا!


أتابع منذ أيام نقاشات في مواقع التواصل الاجتماعي في غير صالح النظام الحاكم، وإذا كان من الطبيعي جدا أن يُسَعِّر المدونون المعارضون تلك النقاشات، فإن الغريب حقا هو أن ينخرط فيها مدونون داعمون  للنظام.

مثل هذه الأخطاء، تتكرر دائما، ربما بسبب غياب رؤية إعلامية واضحة المعالم في مواقع التواصل الاجتماعي لدى داعمي النظام، وفي ظل غياب تلك الرؤية سيبقى الارتجال والاجتهاد الفردي هما سيدا الموقف، وسيبقى من الممكن دائما وضع الطعم في مواقع التواصل الاجتماعي، من هذا الطرف أو ذاك، لجر مدوني النظام إلى نقاش قضايا، يعدُّ نقاشها ـ ومن أي زاوية ـ  يضر النظام أكثر مما ينفعه.

ومن تلك القضايا، يمكننا أن نذكر ثلاثا:

1 ـ الحديث المبكر عن مرشح النظام المحتمل في العام 2029، فمن ينخرط الآن من داعمي النظام  في أي حديث من هذا القبيل، ولأي سبب كان، فإنما يحارب النظام إعلاميا وسياسيا بحديثه في هذا الموضوع، علم ذلك أو لم يعلم، قصد ذلك أو لم يقصده.

إن السياسة تقوم أساسا على خلق الآمل لدى المواطنين، ومن يتحدث الآن عن المرشح المفترض للرئيس في العام 2029 ، إنما يُريد أن يقول سياسيا  بأنه لا إنجازات تحققت تستحق أن نتحدث عنها، ولا إنجازات  تنتظر، ولذا فإنه علينا أن ننشغل من الآن بالبحث عن مرشح الرئيس وخليفته القادم.

لا خلاف على أن حديث مدوني المعارضة في هذا الوقت المبكر عن "مرشحين مُتَخيلين" للنظام، وترجيح كفة بعضهم على البعض، اعتمادا على الخيال والإشاعات، قد يكون حديثا مقبولا على المستوى السياسي، حتى وإن كان غير مقبول أخلاقيا لاعتماده على الإشاعة والكذب، ومثل هذا الحديث لمن لا يعني له الكذب والتلفيق أي شيء، قد يدخل في صميم العمل المعارض، لأنه يهدف أساسا إلى إرباك النظام، وإلى قتل الأمل لدى المواطن، هذا فضلا عن كونه يخلق نوعا من عدم الثقة بين أركان النظام، ولكن الغريب حقا هو أن ينجرف مدونون محسوبون على النظام في مثل هذا الحديث، ومن يشارك منهم في نقاش كهذا، معززا هذه الفرضية أو تلك، إنما يقوم بعمل عدائي للرئيس أولا، ولنظامه الحاكم به ثانيا.

اللافت في الأمر أن الجهة السياسية التي  كان يفترض فيها أن تسمي مرشحها في وقت مبكر، وتبدأ في الدعاية له من أول عام من المأمورية الحالية هي المعارضة، ولكن المعارضة عاجزة عن ذلك لغياب الرؤية السياسية، ولما تعاني منه من تشظي وانشطار تزداد حدته عاما بعد عام، وهو ما يعني أن عجزها في اختيار مرشح توافقي سيبقى قائما إلى ما بعد انتخابات 2029، وهذا استشرافي بخصوص المعارضة. أما الأغلبية فما يخدمها سياسيا وإعلاميا هو أن تؤخر الحديث عن هذا الموضوع إلى آخر سنة من المأمورية الحالية، ولكن بعض مدونيها يبدو أنه استعجل الأمر، وانخرط ـ بالتالي ـ  في موجة التخمينات التي أطلقت عن إمكانية ترشيح فلان أو علان.

لستُ بحاجة للقول بأن الأسماء التي تذكر حاليا ما هي إلا مجرد تخمينات ليس لها ما يدعمها، وأي مدون داعم للنظام يروج لهذا الوزير أو ذاك العسكري المتقاعد، أو ذلك الموظف السامي، بوصفه مرشحا مفترضا للرئيس في العام 2029، إنما يضر من يروج له من حيث أراد أن ينفعه. ويمكنني أن أجزم تحليليا، واعتمادا على اختيارات الرئيس في مأموريته السابقة، حيث ظلت الاختيارات  بالنسبة لوزرائه الأول أو لرئيس حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (الإنصاف حاليا)، أو لبعض الوظائف السامية الأخرى، ظلت كلها خارج دائرة التوقع حتى أعلن هو عنها. أقول يمكنني أن أجزم تحليليا بأن هذا الأسلوب لن يتغير، ومن الراجح عندي أن مرشح الرئيس في العام 2029 لن يعلن عنه ولن يعرف إلا في آخر لحظة، ولا أحد سيكون بإمكانه أن يتكهن به اليوم أو غدا، ولا أن يجزم الآن بأنه سيكون من بين الأشخاص المتوقعين أو غير المتوقعين من قبل أن يعلن عنه الرئيس في آخر لحظة، وهذا هو استشرافي لمرشح النظام في العام 2029.

2 ـ وتأتي في الرتبة الثانية من قائمة المواضيع التي يعتبر نقاشها يضر النظام  أكثر مما ينفعه، المشاركة في أي نقاش من أي نوع يتحدث عن وجود منافسة وهمية على المستوى الإعلامي أو السياسي  بين الرئيس ووزيره الأول.

مثل هذه المنافسة التي يتخيلها البعض لا يمكن أن تقع، والحديث عنها بلا معنى، فالرئيس هو من عين الوزير الأول، وهو القادر على إقالته في أي وقت، وكلما يقوم به الوزير الأول من عمل صالح يُحسب سياسيا وإعلاميا للرئيس، وكلما يرتكب من أخطاء سيحسب سلبا على الرئيس، فالرئيس ووزيره الأول  في كفة واحدة إعلاميا وسياسيا، فأي دعاية إعلامية وسياسية للوزير الأول هي دعاية للرئيس، وأي  حملة إعلامية أو سياسية ضد الوزير الأول هي حملة إعلامية وسياسية ضد الرئيس الذي عين الوزير الأول واختاره من بين بدائل أخرى  ليكون وزيرا أول في بداية مأموريته الثانية المثقلة بما يُعلق عليها المواطنون من آمال. وتبقى هناك جزئية خاصة بطبيعة الوزير الأول الحالي، وهي جزئية قد ينتقده البعض بسببها، وقد يمدحه البعض الآخر بسببها، وهي في كل الأحوال تنفي وجود ما يتحدث عنه البعض من إمكانية وجود تنافس إعلامي أو سياسي، فالوزير الأول الحالي معروف بأنه من الذين لا يدخرون جهدا في إرضاء الرئيس الذي يشتغل تحت إمرته، ومن هنا تسقط نهائيا أي فرضية يمكن أن تطرح عن وجود مثل ذلك التنافس. 

إن كل ما قيل في هذا الموضوع يتعلق بفخ آخر نصبه بعض معارضي النظام ووقع فيه ـ وبكل براءة ـ بعض المدونين المحسوبين على النظام.

الفخ تم نصبه بعد تزامن زيارتين، لم يكن من الموضوعي إطلاقا أن يُقارن بين تغطيتهما الإعلامية،  فالزيارة الأولى كانت للرئيس السوداني الذي يعاني بلده من حرب أهلية، يقودها  من ينازعه في السلطة، وقد جاء إلى موريتانيا في إطار زيارة ستشمل دولا أخرى، جاء مرفقا بمدير مخابراته وبعض القادة العسكريين الآخرين، ولذا فملفات الزيارة أقرب إلى السرية، وهذا يعني أنه كلما أبعدت الزيارة وملفاتها عن الإعلام، كلما كان ذلك أفضل، لأنه  يزيد من احتمالات نجاحها، وعلى العكس من ذلك، فإن الزيارة الثانية التي قام به الوزير الأول السنغالي، والذي يمثل نظاما حاكما لا يمكن الطعن في شرعيته من أي سنغالي، ضمت وفدا كبيرا من الوزراء ورجال الأعمال، وقد جاؤوا لنقاش قضايا وملفات اقتصادية وسياسية كبرى تهم البلدين، وهو ما يعني أن نجاح هذه الزيارة يرتبط أولا بما سيتم التوصل له من اتفاقيات، ويرتبط ثانيا بمستوى التداول الإعلامي والسياسي معها، وهو ما استوجب أن تُحظى بمواكبة إعلامية واسعة، وهي المواكبة التي انتقدها البعض، ناسيا أنه كان ينتقد في وقت قريب جدا الوزير الأول السابق لعدم اهتمامه بالإعلام، ولتقصيره في تسويق العمل الحكومي للرأي العام الوطني.

بكلمة واحدة، لا تنافس إعلامي يمكن أن يحدث بين الرئيس ووزيره الأول، وحتى إذا افترضنا جدلا أن مثل هذا التنافس يمكن أن يقع بين رئيس ووزيره الأول، فلن يكون ذلك في عهد الوزير الأول الحالي المعروف بمدى استماتته في خدمة وإرضاء الرئيس الذي يشتغل تحت إمرته.

3 ـ وتأتي في الرتبة الثالثة من قائمة المواضيع التي يعتبر نقاشها يضر النظام  أكثر مما ينفعه المشاركة في أي حديث من أي نوع عن وجود أقطاب تتنافس داخل النظام.

لا يعني هذا الكلام بأنه لا يجب أن ننتقد هذا الوزير أو ذاك إن قصر في عمله، فأنا من الذين يشجعون انتقاد العمل الحكومي من طرف داعمي النظام، مع ضرورة أن يكون لذلك النقد ضوابطه، وأن يكون الهدف منه هو تحسين الأداء الحكومي، ولا شيء غير ذلك.

أقول، لا يعني هذا الكلام بأنه على من يدعم النظام أن لا ينتقد هذا الوزير أو ذاك إن قصر في عمله، وإنما يعني فقط أن لا ننتقد هذا الوزير أو ذاك أو نمتدح هذا الوزير أو ذاك دعما لحلف وهمي نتخيله، أو مناصبة العداء لحلف وهمي آخر نتخيله.

على من يقوم بذلك، معتقدا أنه يدعم الرئيس، أن يتوقف عن هذا الفعل الذي يضر الرئيس أكثر من غيره، ومن لم يستطع أن يتوقف عن مثل هذا الفعل، عليه أن يكون شجاعا، وينخرط علنا في العمل المعارض، ويتفرغ  بالتالي للنقد المباشر للرئيس، فالمعارضة ـ وكما هو الحال بالنسبة للموالاة ـ ليست عيبا، وإنما هي مجرد خيار سياسي لمن اقتنع بها.

إن ما  يمكن أن تُنتقد عليه هنا هو أن ترفع شعار الانتماء للمعارضة، وتعمل في الخفاء ضدها، أو ترفع شعار الموالاة، وتعمل في الخفاء ضد الرئيس، وفي اعتقادي الشخصي فإن كل من يتحدث الآن عن مرشح النظام في العام 2029، أوعن وجود منافسة إعلامية بين الرئاسة والوزارة الأولى، أو يغذي إعلاميا الصراع  بين أقطاب النظام ، إن من يفعل أي شيء من ذلك، إنما يعمل ضد الرئيس، حتى وإن رفع شعار دعمه عاليا.

حفظ الله موريتانيا..