الاثنين، 9 يونيو 2025

حديث سابق لأوانه عن العام 2029!


 تابعتُ النقاش الدائر حاليا، حول غياب الوزير الأول وحكومته عن صلاة العيد في الجامع القديم (ابن عباس)، والحقيقة أن هذا النقاش لا يتعلق في جوهره بغياب أو حضور الوزير الأول لصلاة العيد، بقدر ما يخفي في حقيقة أمره فشلا سياسيا لدى المعارضة، وفشلا إعلاميا لدى الأغلبية، ولولا هذا الفشل المزدوج في الفسطاطين  لما دار هذا النقاش أصلا.

غاب الوزير الأول عن صلاة العيد في الجامع القديم فأثار غيابه نقاشا واسعا، ومن المؤكد أنه لو حضر لصلاة العيد لأثار حضوره نقاشا أوسع، ولذا فالمسألة لا تتعلق أصلا بحضور الوزير الأول أو غيابه، وإنما تتعلق في جوهرها بفشل سياسي لدى المعارضة لا يريد مدونوها أن يتحدثوا عنه، وفشل إعلامي لدى الأغلبية جعل مدونوها يقعون دائما في أي فخ ينصبه لهم مدونو المعارضة.

سيتحدث هذا المقال وبشكل سريع عن الفشل السياسي للمعارضة، وعن الفشل الإعلامي للأغلبية، أي عن الفشل المزدوج الذي تسبب في إثارة النقاش الدائر حول صلاة العيد، والذي لا شك أنه سيتسبب مستقبلا في نقاشات أخرى مماثلة، قد لا تنتظر مناسبة مقنعة لكي تنفجر من جديد.

عن الفشل السياسي للمعارضة

الحديث عن الفشل السياسي للمعارضة  حديث يطول، سأترك التفصيل فيه لكتابي الثاني من سلسلة كتب الإصلاح في موريتانيا، والذي سيتضمن وصفة طبية لعلاج الحالة المرضية التي تعاني منها المعارضة منذ عقود، ولكن قبل ذلك، سأكتفي في هذا المقام بالتذكير بأننا في "نداء 4 دجمبر" طرحنا على قادة المعارضة فكرة المرشح التوافقي، وأني في العام 2017 اشتغلتُ كثيرا على ملف رئاسيات 2019، فنشرتُ في تلك الفترة سلسلة من المقالات تحت عنوان: "حتى لا نضيع فرصة 2019"، وكان من أهم ما خَرجتْ به تلك السلسلة من المقالات أن المعارضة لن تشكل منافسا جديا للنظام في تلك الانتخابات، إلا إذا أخذت بجملة من الإجراءات التحضيرية، يمكن إجمالها إذا ما أعيد تفصيلها على مقاس رئاسيات 2029، في النقاط التالية:
1ـ أن تبدأ مبكرا في التحضير الفعلي لانتخابات 2029، وأي تحضير لا يبدأ عمليا من العام 2026 على أبعد تقدير، لن يدخل في خانة التحضير المبكر؛

2ـ يمكن لذلك التحضير أن يبدأ بتشكيل لجنة عليا تضم كل التشكيلات الوازنة  في المعارضة لصياغة البرنامج الانتخابي للمرشح التوافقي لها في رئاسيات 2029، وقد يُكتفى في هذا الإطار بإعلان مبادئ عامة أو عناوين كبرى لذلك البرنامج؛

3ـ أن يوكل لتلك اللجنة مهمة تحديد الصفات أو المواصفات التي يجب أن تتوفر في المرشح التوافقي للمعارضة؛

4 ـ بعد تحديد الصفات أو المواصفات المطلوبة في الترشح تبدأ اللجنة المشكلة من طرف المعارضة في استقبال ملفات المعارضين الراغبين في الترشح، وذلك لتختار من بينهم من تتوفر فيه أغلب صفات المرشح التوافقي المحددة سلفا ليكون هو المرشح التوافقي للمعارضة، أو على الأقل مرشحها الرئيسي الذي تلتف حوله أغلب الأحزاب والتشكيلات السياسية المعارضة، على أن تتقاسم بقية التشكيلات المعارضة الوازنة، والتي لم تحظ بتسمية المرشح التوافقي منها، رئاسة البرلمان والوزارة الأولى وغير ذلك من المناصب السامية التي تتغير مع تغير النظام، هذا إذا لم يُشترط في المرشح التوافقي أن يكون شخصية مستقلة من خارج أحزاب المعارضة؛

5 ـ لا بأس بوجود مرشحين ثانويين محسوبين على المعارضة، ويمكن لمن لم يقبل ملفه أن يترشح، ولكن بصفته مرشحا ثانويا يعتمد على قدراته وإمكانياته الشخصية لا على أحزاب المعارضة في تحصيل الأصوات.
في اعتقادي الشخصي أن المعارضة الموريتانية إذا لم تُكمل هذه الإجراءات التحضيرية، وتبدأ في حملتها الانتخابية قبل نهاية العام 2026، فسيعني ذلك أنها لم تضبط ساعتها بشكل جيد على موعد استحقاقات 2029، وأنها لم توجه بوصلتها في الاتجاه  الصحيح نحو تلك الاستحقاقات، وأنها خاسرة لا محالة في تلك الانتخابات كما خسرت من قبل في انتخابات: 2024، 2019، 2014، 2009، 2007..إلخ.

بالطبع ستبرر المعارضة فشلها في تلك الاستحقاقات، وكما جرت بذلك العادة، بالقول بتزوير الانتخابات، ثم ستعترف لاحقا وعمليا بالنتائج دون إعلان ذلك، قبل أن تشارك في استحقاقات 2034 دون أي تحضير، لتتكرر قصة فشلها من جديد. تعيد المعارضة في كل استحقاقات نفس أساليبها القديمة، وربما بطريقة أكثر سوءا من المرات السابقة، ومع ذلك تتوقع نتائج مختلفة!

الملاحظ أن المعارضة الموريتانية تعاني اليوم من انقسام  لم تعرفه في كل فتراتها السابقة، وأنها تمر بفترة تخبط وغياب للرؤية لم تعرفهما من قبل، وهو ما يعني أن الفشل الذي ينتظرها في استحقاقات 2029 قد يكون فشلا غير مسبوق. والمفارقة أن كُتاب المعارضة ومدونيها بدلا من أن يوجهوها وينيروا لها الطريق للعبور إلى العام 2029 انشغلوا بما يصفونه بصراع الأجنحة داخل النظام، وبالبحث عن مرشح النظام في رئاسيات 2029، وقد تمكنوا ـ وهذه تُحسب لهم ـ أن يجروا كتاب النظام ومدونيه إلى هذا النقاش العقيم الذي يضر النظام، ولا ينفع المعارضة.

وعلى النقيض من ذلك، فإذا كان المطلوب من المعارضة هو التحضير المبكر للانتخابات الرئاسية في العام 2029، فإن المطلوب من الأغلبية هو عكس ذلك تماما، أي تأجيل الحديث عن استحقاقات 2029 إلى آخر سنة من المأمورية.

ولأن كتاب النظام ومدونيه يعانون من فشل إعلامي كبير، ولأنهم بلا خطة إعلامية، فإنهم يقعون دائما في أي فخ إعلامي ينصب لهم ـ عن قصد أو عن غير قصد ـ  من طرف كتاب ومدوني المعارضة، فمن المعروف أن من لا يمتلك خطة، إعلامية كانت أو غير إعلامية، سيكون في النهاية جزءا من خطط الآخرين، ولذا فإن جل الكتاب والمدونين المحسوبين على النظام، انشغلوا في أيام العيد بالحديث عن غياب الحكومة عن صلاة العيد، وعن صراع الأجنحة داخلها، بل وعن المرشح أو المرشحين المفترضين للنظام في استحقاقات 2029.

إن حديثا كهذا لا يخدم النظام، ولا يخدم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فالسياسة ـ وكما قلتُ سابقا ـ تقوم أساسا على خلق الآمل لدى المواطن، ومن يتحدث الآن عن المرشح المفترض للنظام في العام 2029 ، إنما يُريد أن يقول سياسيا بأنه لا إنجازات تحققت يمكن أن نتحدث عنها، ولا إنجازات  تُنتظر، ولذا فإنه علينا أن ننشغل من الآن فصاعدا بالبحث عن مرشح الرئيس وخليفته القادم.

إن انخراط  كتاب ومدوني الأغلبية في نقاش كهذا، لا يخدم ـ بكل تأكيد ـ النظام، وأي حديث عن استحقاقات 2029 في فسطاط الأغلبية يجب أن يؤجل ـ وفي أعجل تقديرـ إلى آخر عام من المأمورية الحالية.

لا خلاف على أن 2029 لن تكون مثل 2019 على مستوى الأغلبية الحاكمة، فالفوارق كبيرة بين السنتين، ففي العام 2019 كان مرشح النظام الحاكم حينها شبه معروف للجميع، وكان محل إجماع داخل الأغلبية، بل كان هناك من المعارضة من هو على استعداد لدعمه إن ترشح، وهو ما تأكد بالفعل بعد ذلك عندما أعلن عن ترشحه,

كان هناك بالفعل شبه إجماع داخل الأغلبية في عهد الرئيس السابق، يؤازره مزاج طيف كبير في المعارضة، على المرشح المفترض للنظام في العام 2019، ومن المؤكد أن ذلك الإجماع على من هو جدير بأن يكون مرشح النظام في العام 2019، قد لا يكون قائما في الوقت الحالي، ذلك أن الشخصية الثانية في النظام الحالي، لم تبرز بنفس الوضوح، الذي برزت به في العام 2019.

كل ذلك صحيح، وهذا هو ما جعل الكثير من كتاب ومدوني النظام يقع في أي فخ يُنْصَب له في هذا المجال من طرف أي معارض، يُقدِّمُ هذا الاسم أو ذاك بصفته هو المرشح المحتمل للنظام في العام 2029.

من هنا أصبح بعض المعارضين يستغل أي حركة للوزير الأول أو لغيره من أركان النظام، لفتح نقاش مفتعل حول مرشح النظام في العام 2029، فلو أن الوزير الأول حضر صلاة العيد في مسجد ابن عباس مصحوبا بالوزراء لقيل إن ذلك يدخل في إطار سعيه ليكون مرشح النظام في العام 2029، وإن هو تغيب عنها كما حصل،  لقيل ـ كما قيل بالفعل ـ إن ذلك التغيب دليل على إبعاده من دائرة الترشح في العام 2029.

إن حضور الوزير الأول لصلاة العيد في الجامع القديم لا يزيد من حظوظ ترشيحه لرئاسيات 2029، وإن غيابه عنها لا ينقص من تلك الحظوظ، فالترشيح من طرف النظام لا يخضع لمثل هذه المعايير التي يضعها بعض المدونين لفتح نقاش حول الموضوع، لا يقدم ولا يؤخر، كما حصل في أيام العيد.

وبما أنني تحدثتُ في هذا المقال عن معايير الترشيح داخل المعارضة ( المرشح التوافقي)، فلا  بأس بالحديث قليلا عن معايير الترشيح لدى النظام، لأبين أنها تختلف تماما عن المعايير التي يضعها بعض المدونين الذين يثيرون هذا الموضوع  من حين لآخر، والذين قد يعتبرون حضور صلاة العيد أو الغياب عنها، معيارا من معايير الترشيح لرئاسيات 2029. إن المعايير التي سيحدد على أساسها مرشح النظام في العام 2029، وكما تظهر لي في الوقت الحالي، يمكن إجمالها في النقاط التالية:

1 ـ أن يكون المرشح المتوقع قد كسب ثقة رئيس الجمهورية في الماضي، وأن يعزز تلك الثقة في هذه المأمورية، فرئيس الجمهورية هو من سيحدد مرشح النظام في العام 2029، ولذا فكل عمل يقوم به أي شخص من الدائرة الضيقة في النظام  لتعزيز تلك الثقة فهو سيقربه أكثر من الترشيح، وكل عمل يشوش أو يهز تلك الثقة فسيبعد صاحبه ـ وبشكل تلقائي ـ عن الترشيح؛

2 ـ شرعية الإنجاز وتأدية المهام على أحسن وجه، فمن يؤدي مهامه الحالية من أركان النظام على أحسن وجه، فسيكون  احتمال ترشيحه هو الأقوى، والعكس صحيح؛

3 ـ كسب ثقة المواطن، أي الناخب، فأي شخص في الدائرة الضيقة من النظام يتمكن من تعزيز ثقة المواطن به، من خلال تأديته لعمله على أحسن وجه، ستكون حظوظه في الترشيح أكبر، فالرئيس سيختار من نظامه من سيكون تسويقه للمواطن (أي الناخب) أسهل؛

4 ـ صحيح أن الإجماع الذي كان يتمتع به مرشح النظام في العام 2019 داخل الأغلبية الحاكمة، وحتى خارجها، يستحيل أن يتكرر في العام 2029، ولكن مع ذلك فإن من يستطيع أن يخلق حوله إجماعا أكبر داخل أغلبية النظام وخارجها فستكون حظوظ ترشيح الرئيس له أكبر من حظوظ من يعمل على تفكيك الأغلبية من الداخل من خلال سياسة صراع الأحلاف.

في اعتقادي الشخصي أن من تحققت فيه هذه المعايير الأربع، أو تحقق فيه أغلبها، سيكون هو الأوفر حظا لأن يختاره الرئيس ليكون مرشح النظام في العام 2029.

وفي اعتقادي الشخصي أن كل من يرتكب من أركان النظام في الوقت الحالي خطأ التحدث عن استحقاقات 2029، أو يقوم بأي خطوة معلنة أو في الخفاء سعيا للترشح في العام 2029، أو يؤسس نواة حلف داخل الأغلبية لدعم ترشيحه، إن كل من يفعل أي شيء من ذلك، سيكون خارج دائرة الترشيح نهائيا، لأن أي خطوة من ذلك القبيل ستشكل إساءة للرئيس، وستهز من ثقته فيمن قام بها، وستبعد بالتالي من قام بها من لائحة خيارات الترشيح المحتملة.

حفظ الله موريتانيا..

الجمعة، 6 يونيو 2025

حتى لا تتحول فرحة العيد إلى أحزان!


جرت العادة أن تزداد كثافة حركة السير في مواسم معينة، والأكيد أنها ستزداد خلال هذه الأيام، وذلك بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك.

 هناك مواسم تكثر فيها الحوادث، وتبقى مواسم الأعياد هي الأخطر، وذلك للأسباب التالية:

أولها : أن عطلة العيد هي مجرد أيام قليلة (ثلاثة إلى أربعة أيام)، وضيق هذا الوقت مع إصرار الكثير من الموريتانيين على الذهاب إلى الأهل والعودة إلى مكان العمل خلال فترة وجيزة قد يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإفراط في السرعة، ومن المعروف أن الإفراط في السرعة يعدُّ هو السبب الأول في حوادث السير؛

ثانيها: بالإضافة إلى السرعة، فإن فترة الأعياد قد تشهد الكثير من السهر والتعب والإرهاق، وهو الشيء الذي قد يجعل بعض السائقين يقود سيارته وهو في حالة تعب وإرهاق، وخطورة ذلك معروفة؛

ثالثها : أنه في فترة الأعياد تزداد نسبة السيارات التي يقودها القصر والمراهقون بشكل كبير، وهذه السيارات التي يقودها قصر أو مراهقون قد تكون مؤجرة، وقد تكون مملوكة للأهل والأقارب.

يعني كل ذلك أن الأيام القادمة ستكون أياما حرجة على مستوى السلامة الطرقية نسأل الله السلامة الجميع، ولذا فهذه جملة من النصائح موجهة من طرف حملة معا للحد من حوادث السير إلى عدة جهات، نرجو أن يتم الأخذ بها حماية للأنفس والممتلكات.

أولا / نصائح موجهة إلى السائق

1ـ خفف السرعة (السرعة هي السبب الأول في حوادث السير)؛

2 ـ  ضع حزام الأمان ( بعض السائقين يتحايل على نقاط التفتيش فيضع الحزام عند نقطة التفتيش وينزعه بعد تجاوزها..إنه بهذا الفعل الغريب يتحايل على نفسه لا على عناصر نقطة التفتيش، فعندما يقع حادث ـ لا قدر الله ـ فإن الذي سيتضرر من عدم وضع الحزام هو السائق لا عناصر نقطة التفتيش)؛

3ـ  احذر مفاجآت الطريق : الحفر ؛ ألسنة الرمال؛ الحيوانات السائبة ...إلخ؛

4ـ  لا تستخدم الهاتف أثناء القيادة؛ وتوقف فورا عن القيادة عند الشعور بالتعب أو النعاس؛

 5 ـ التزم بكل قوانين السير.

ثانيا / نصائح موجهة إلى الراكب

1 ـ لا تشغل السائق بالأحاديث الجانبية؛

2 ـ لا تطلب من السائق أن يزيد من السرعة، ولا من الحمولة، فكثيرا ما نلاحظ أن بعض الركاب بدلا من أن يطلب من السائق التقيد بإجراءات السلامة المرورية، فإنه يشغله بالأحاديث الجانبية، ويحثه ـ في الوقت نفسه ـ على زيادة السرعة، وزيادة الحمولة حتى لا يبقى شيئا من حقائب ذلك الراكب وأمتعته.

3 ـ  لا تترك السائق يخاطر بحياتك، وهناك قصص كثيرة تؤكد أهمية الوقوف ضد تهور السائقين، ومنها أن سيدتين طلبتا من سائق حافلة ركاب صغيرة ذات سفر على طريق الأمل  أن يخفف من السرعة، فرفض، فما كان منهما إلا أن قررتا ترك الحافلة والبحث عن وسيلة نقل أخرى.. واصل سائق الحافلة طريقه وبنفس السرعة، وعلى مسافة غير بعيدة تعرضت الحافلة لحادث سير تسبب في وفاة عدد من ركابها، وإصابة آخرين بإصابات متفاوتة الخطورة.

هذا الوعي، وهذا الأسلوب المتحضر أنقذ حياة السيدتين، وهو أسلوب نطلب من كل راكب أن يتبعه إذا لم يتقيد السائق بإجراءات السلامة المرورية.

ثالثا/  نصائح إلى الآباء وإلى مؤجري السيارات

بالنسبة للآباء فنصيحتنا لهم هي أن يتوقفوا فورا عن منح السيارات لأبنائهم الصغار، وخاصة في فترة الأعياد. أما بالنسبة لمؤجري السيارات للمراهقين فندعوهم إلى أن يتقوا الله في شبابنا، وأن يتوقفوا عن تأجير السيارات للقصر والمراهقين، فتأجيرهم للسيارات للمراهقين والقصر قد تسبب في إزهاق الكثير من الأرواح.  

رابعا/  نصائح إلى نقاط التفتيش من درك وشرطة وأمن طرق

إن الصرامة في فرض إجراءات السلامة مطلوبة في كل الأوقات، ولكنها مطلوبة أكثر في مثل هذه الأيام التي تتزامن  مع عطلة العيد.

إن الصرامة مطلوبة بشدة في هذه الأيام في نقاط التفتيش، وداخل المدن خاصة في العاصمة نواكشوط. ففي هذه الأيام يجب أن تكون هناك صرامة شديدة لمنع القصر من قيادة السيارات، ووقف السباقات الليلة التي ينظمها بعض المراهقين، ووقف كل أشكال "اتكاسكادي".

خامسا/ نصائح  إلى مؤسسة أشغال صيانة الطرق

إن صيانة الطرق مطلوبة في كل الأوقات، والتقصير في هذا المجال واضح وبيِّن، ولكن هذا التقصير يجب أن يتوقف على الأقل خلال هذه الأيام التي تكثر فيها حركة السير على شبكتنا الطرقية. على مؤسسة أشغال صيانة الطرق أن تعلن عن حالة استنفار في كل الفترات والمواسم التي تزداد فيها حركة السير كثافة، كما هو الحال في أيامنا هذه.

وتبقى الوصية الأهم، وهي وصية موجهة إلى كل سالكي الطرق : لا تنسوا دعاء السفر، وأكثروا من الصدقة عند أي سفر.

حفظ الله موريتانيا..


الخميس، 5 يونيو 2025

ذكريات أليمة على مقطع مميت!


في الطريق إلى موقع حادث الكلم 110، مررتُ رفقة عدد من شباب الحملة بنقاط سوداء عدة على هذا المقطع المئوي الأول من طريق الأمل، ذكرتني كل نقطة منها بحوادث سير مميتة، ففي هذه النقطة السوداء بالذات حدثت فاجعة أليمة كنّا في الحملة شهودا عليها، وفي هذه النقطة السوداء الثانية حدثت فاجعة أليمة أخرى وثقناها بالصوت والصورة، وهنا عند الوصول إلى المكان الذي اصطدمت فيه ـ أو عليه ـ شاحنتان وحافلة، فتوفي ثلاثة أشخاص، يكاد حصى المكان يصرخ في وجهي قائلا: هنا بالضبط، وقبل عقدين من تأسيس حملتكم التوعوية، توفي شخصان ستنظمون لهما فيما بعد نشاطا تأبينيا لتخليد ذكرى رحيلهما.

 عندما تسافر على طريق الأمل، وتبدأ في استعادة ذكرياتك على هذا الطريق الحيوي، فإن ذكرى الفاجعة قد تنسيك ذكرى فاجعة أخرى ماكنتَ تعتقد أنك ستنساها أبدا، وعلى هذا الطريق يمكن أن يقع الحادث على الحادث، كما يقع الحافر على الحافر، وعلى أي مقطع منه، وفي أية لحظة، يمكن أن تتبعثر الحروف المشكلة لاسم الطريق بشكل مفاجئ، فيتحول الأمل إلى الألم في نفوس الضحايا وذويهم، ولأن شريط ذكريات الفواجع طويل جدا بطول هذا الطريق الحيوي الذي يمتد لأكثر من ألف كلم، ولأنه يستحيل على مثلي ممن يتابع باستمرار حرب الشوارع الدائرة على هذا الطريق الحيوي، أن يجمع كل ذكرياته الأليمة، في مقال حزين واحد، فقد ارتأيت أن أكتفي بسرد بعض الذكريات الأليمة دون غيرها، مكتفيا في هذا المقام الحزين بمقطع قصير من طريق الأمل، لا يتجاوز 40 كلم، أي 20 كلم قبل المائة كيلومتر الأولى من هذا الطريق، و20 كلم بعدها. سأكتفي بسرد بعض ذكرياتي الأليمة على مقطع لا يتجاوز 40 كلم، ولا أظن القارئ سيصدق بأن كل هذا العدد من الموتى، وكل هذا الكم الكبير من الأحزان والآلام والدماء يمكن أن يمتصه مقطع واحد من طريق الأمل، لا يتجاوز طوله 40 كلم فقط.

حمار يتسبب في حادث سير أليم ثم يختفي!

في حدود الساعة العاشرة من مساء السبت (ليلة الأحد 01 يونيو 2025)، وعلى بعد 110 كلم من نواكشوط على طريق الأمل، حاول سائق حافلة متجهة إلى نواكشوط ـ وحسب ما جمعنا من شهادات ـ أن يتفادى حمارا على الطريق، فاصطدم بشاحنة قادمة من نواكشوط، لم يُصَب الحمار، ولم يُشاهد أهل القرية بعد وقوع الحادث حمارا في موقع الفاجعة حسب ما أكدوا لنا، ولكنهم شاهدوا ـ كما شاهدنا من بعدهم ـ حادث سير أليم وفظيع، ناتج عن اصطدام حافلة متجهة إلى نواكشوط  بشاحنة قادمة، ثم بعد ذلك بقليل، وحتى يكتمل المشهد الكارثي، ستصطدم شاحنة ثانية قادمة أيضا من نواكشوط بحطام الحافلة والشاحنة، ربما بسبب سرعة الحافلة الثانية حسب بعض الروايات، وربما بسبب بعض الأضواء الكاشفة التي حجبت عن سائقها رؤية الحافلة والشاحنة اللتين تعرضتا لحادث قبل قليل، حسب رواية ثانية.

المهم، أننا في المحصلة النهائية، كنا أمام حادث سير فظيع، وفاجعة أليمة، وكان لابد أن تكون هناك فاجعة أليمة، عندما تصطدم شاحنتان محملتان ببضائع، بحافلة تحمل ثلاثة أشخاص وبعض المواشي (انظر الصورة رقم1).



يقول شاهد عيان، وهو أول من وصل من القرية إلى موقع الحادث، بأنه عندما سمع صوت تصادم قويا نتيجة للحادث الأول، اتجه فورا إلى عين المكان، ولكنه، وقبل أن يصل إلى مكان الحادث، سمع صوت التصادم الثاني الناتج عن اصطدام الشاحنة الثانية بالشاحنة الأولى والحافلة، ويقول هذا الشاهد إنه لما وصل إلى مكان الحادث، نسي وجود شاحنة ثانية، واعتقد لأول وهلة، أن الحادث وقع بين حافلة وشاحنة واحدة فقط.

لقد كان الشاهد معذورا في ذلك، فبعد وصولنا نحن لمكان الحادث في ضحى اليوم الموالي اعتقدنا في بادئ الأمر أن الحادث ناتج عن تصادم شاحنة وحافلة، ولم نكن نعتقد أن الأمر يتعلق بشاحنتين، نظرا لقوة التصادم بين الشاحنتين، وهو ما نتج عنه تلاحم شديد بينهما، لدرجة قد يعتقد من يراهما دون تأمل في التفاصيل بأنهما شاحنة واحدة.

لم يتسبب هذا الحادث رغم بشاعته في الموت الفوري للركاب الثلاثة الذين تكدست عليهم الحافلة، بسبب سقوط إحدى الشاحنتين عليها، بل ظلت الأصوات تأتي من داخل الحافلة مستغيثة، ولكن لم يكن هناك من يستطيع أن يستجيب لنداءات الاستغاثة تلك، نظرا لغياب وسائل وتجهيزات قادرة على رفع الشاحنة، وقطع حديد الحافلة المتكدس على الضحايا لإخراجهم، وهنا تظهر من جديد الحاجة الماسة لوجود فرق إنقاذ مجهزة بأحدث وسائل الإنقاذ على المقاطع الأكثر خطورة، لإخراج الضحايا العالقين في السيارات في الوقت المناسب، إن احتاجوا إلى ذلك، فمن المعروف في مثل هذه الحالات، أن الحياة والموت، قد لا تفصل بينهما أكثر من دقيقة واحدة، فالتأخر لدقيقة واحدة قد يتسبب في وفاة مصاب، وكسب دقيقة واحدة في توفير إسعاف المصابين، قد ينقذ بمشيئة الله نفسا بشرية من موت محقق.

وللفت الانتباه إلى أهمية اقتناء هذه التجهيزات، فقد سلمنا في الحملة، وبدعم من بعض الموريتانيين في الخارج، مجموعة من تجهيزات الإنقاذ، تم شراؤها من طرف بعض أفراد جالياتنا في الخارج، من خلال المشاركة في مزاد علني نظمه مركز للحماية المدني في إحدى المدن الفرنسية.

سلمنا تلك التجهيزات لمندوبية الحماية المدنية، والتي كان يفترض حسب مذكرة التفاهم التي وقعنا معهم أن تطلعنا مستقبلا على استخدام تلك الأجهزة في عمليات الإنقاذ، ولكن ذلك لم يحدث، وكان عهدنا بالمندوبية في يوم الاثنين 19 دجمبر 2022 عندما سلمناها تلك التجهيزات (انظر عملية التسليم في الصورة رقم 2).



بث مباشر من موقع حادث سير أليم

في حدود الساعة الثامنة من صبيحة يوم الجمعة الموافق 19 يناير 2024، وغير بعيد من قرية الغشوات، اصطدمت حافلة صغيرة بشاحنة، وحسب المصادر الأولية، فإن الحادث كان بسبب نوم أحد السائقين والسرعة المفرطة للسائق الآخر.

الحادث تسبب في وفاة 5 أشخاص بشكل فوري، وإصابة آخرين، وكنتُ من أوائل الذين وصلوا إلى موقع الحادث، وقد أجريت من موقعه بثا مباشرا، ولكن دون أن أظهر صورا من الضحايا، ودون أن اقترب كذلك من موقع الحادث، وهو ما انعكس على جودة هذه الصورة المأخوذة من البث المباشر (انظر الصورة رقم 3).



آخر لحظات في حياة داعية

على بعد سبعة كيلومترات من مكان فاجعة الكلم 110، وفي يوم الثلاثاء (ليلة الأربعاء) الموافق 17 أكتوبر 2023 اصطدمت سيارة تويوتا هيليكس بشاحنة كانت متعطلة عند الكلم 102، لم تضع أي إشارة تحذيرية، وتسبب هذا الحادث الأليم في وفاة الداعية المعروف إنجيه ولد زروق، وأحد أبنائه، وثلاثة من تلاميذه وأقاربه.

الحادث وقع قرب سيارة الإسعاف المرابطة عند الكلم 100، وقد وصل المسعفون بعد ثلاث دقائق أو أربع من وقوع الحادث، ولكنهم وجدوا ركاب السيارة الخمسة قد توفوا بشكل فوري بسبب قوة التصادم، الناتج عن وجود شاحنة متعطلة على الطريق لا تضع إشارات تحذيرية،  وربما تكون السرعة المفرطة للسيارة الأخرى قد زادت من قوة ذلك التصادم. (في الصورة 4 تظهر الشاحنة التي تسببت في الحادث، وفي الصورة 5 تظهر السيارة التي كان فيها الضحايا).








هل نحن أمام هجوم صاروخي؟

في صبيحة يوم الأربعاء 17 مارس 2021، وعند الكلم 82، حدثت فاجعة أليمة أدت إلى وفاة 13 شخصا في حادث سير واحد، وكانت الفاجعة هذه المرة نتيجة لتصادم سيارتي نقل من نوع رينو.

الحادث وقع على مقطع من الطريق حديث الترميم، شديد الاستواء، لا منعرج فيه ولا منحدر ولا حفر، مما يعني أن الحادث  كان بسبب أخطاء بشرية، كان من أهمها السرعة المفرطة والنعاس (أنظر الصورة رقم 6).


عندما وصلنا إلى مكان الحادث خُيِّل إلينا أن السيارتين قد تعرضتا لقصف صاروخي، فالمشهد كان فظيعا، فماكينة إحدى السيارات وجدناها قد انفصلت عن السيارة، وتدحرجت بعيدا، وبشكل سريع حسب ما تركت من آثار على الأرض.

وقد كان هذا الحادث الأليم من بين الحوادث الأثقل حصيلة التي زرناها في الحملة، فقد تسبب في وفاة 13 شخصا على الأقل، ومن شاهد آثار هذا الحادث لن يتفاجأ من تلك الحصيلة الثقيلة (لمشاهدة آثار الحادث أنظر الصورة 7 ).



رحيل أسرة شابة في حادث سير أليم

في ضحى يوم الجمعة الموافق 06 يوليو 2018، كان المهندس الشاب براهام أحمد خليفة يقود سيارته، وكانت برفقته زوجته الشابة شيخة بنت أحمد معلوم، وابنتهما الرضيعة، وعند الوصول إلى الكلم 95 حدثت الفاجعة، بسقوط شاحنة كبيرة على سيارتهما الصغيرة.

كان المهندس وزوجته يضعان حزام الأمان، وكانت زوجته في ثياب محتشمة لم يظهر منها إلا كفيها، وكانت تلوح بيدها طالبة النجدة، حسب شهادات الأهالي في قرية الغشوات، وقد احتاجت عملية إزاحة الشاحنة وإخراج الضحايا من السيارة الصغيرة أكثر من أربع ساعات، وهو ما يؤكد مرة أخرى ضرورة وجود فرق إنقاذ مجهزة بمعدات ثقيلة عند المقاطع الأكثر خطورة للتدخل السريع والفعال في مثل هذا النوع من الحوادث.

لقد قيل حينها أن سبب الحادث كان حفرة، حاول صاحب الشاحنة تفاديها، فكانت الكارثة، وقد قمنا في الحملة بردم تلك الحفرة للفت انتباه السلطات إلى تهالك الطريق، وبالفعل فقد كان مقطعُ (نواكشوط  ـ بوتلميت) مليئا بالحفر في تلك الفترة (في الصورة 8 يظهر بعض نشطاء الحملة يرممون الحفرة التي تسببت في الحادث، وفي الصورة 9 يظهر ما تبقى من سيارة المهندس).


من هنا بدأتُ أفكر في عمل ما للحد من حوادث السير

بعد المشاركة في نشاط لمبادرة "كنتُ طالبا في ثانوية لعيون" نظمناه في ثانوية لعيون، وفي طريق العودة إلى العاصمة نواكشوط، وعلى بعد 120 كلم منها، وفي حدود الساعة الثامنة وعشرين دقيقة من صبيحة يوم الخميس الموافق 23 أكتوبر 2014 وقع حادث سير أليم بسبب تصادم شاحنة صهريج مليئة بالبنزين وسيارة من نوع رينو، وكان من نتائج هذا الحادث أن توفي على الفور الشابان اللذان كانا في السيارة الصغيرة، بينما أصيب سائق الشاحنة ورفيقه بجروح طفيفة..

كنتُ من أوائل من وصلوا إلى مكان وقوع الحادث، فوجدت الشابين قد توفيا على الفور، وقد قال لي سائق الشاحنة بأن سائق السيارة الصغيرة كان نائما، وأن الحادث كان بسبب نومه، وأنه حاول وبكل الوسائل الممكنة أن يتفادى الاصطدام بالسيارة الصغيرة، ولكنه لم يتمكن من ذلك نتيجة لنوم سائقها.

ربما يكون المشهد المؤلم لضحايا هذا الحادث، ولضحايا حوادث سير أخرى ستقع فيما بعد، قد جعلاني أفكر في القيام بأي جهد من شأنه أن يَحُدَّ من حوادث السير على طرقنا، وسأجد فيما بعد بعض الأصدقاء يحملون الفكرة نفسها، وبعد لقاءات ونقاشات قررنا ـ وكنا ستة في البداية ـ أن نطلق حملة "معا للحد من حوادث السير"، وكان أول نشاط للحملة في يوم 07 أغسطس 2016، وتمثل ذلك النشاط في ترميم حفرة عند الكلم 29، وكان ذلك النشاط من أجل لفت انتباه السلطات إلى تهالك المقطع الرابط بين (نواكشوط ـ  وبوتلميت)، فقد كان حينها مليئا بالحفر، (انظر الصورة 10).


عودة إلى الكلم 110 مرة أخرى

في مساء الخميس (ليلة الجمعة) الموافق 15 فبراير 1996، وعند الكلم 110، وقع حادث سير أليم توفي فيه نقيب المحامين والشيخ السابق محمد شين محمادو، والمساعد الأول الجمركي هنون ولد أعمر، وكان السبب المباشر للحادث ألسنة رملية على الطريق.

وقع هذا الحادث الأليم قبل تأسيس الحملة بأكثر من عقدين من الزمن، ولكننا قررنا في الحملة أن نخلد ذكرى هذا الحادث الأليم في إطار برنامجنا التأبيني والتوعوي، والذي أطلقناه تحت شعار "لنخلد ذكراهم بالمزيد من التوعية".

كان أول نشاط تأبيني وتوعوي تنظمه الحملة، في يوم 03 دجمبر 2023، وبحضور عائلتي وأصدقاء الراحليْن محمد شين وهنون، وكان الهدف من هذه الأنشطة التأبينية والتوعوية إشراك ذوي الضحايا، والقطاعات التي سيتم تأبين ضحاياها في التوعية في مجال السلامة الطرقية، وذلك من باب تحمل المسؤولية الاجتماعية اتجاه ضحايا كل قطاع. (الصورة 11 من نشاط التأبين التوعوي).


وتبقى جملة من النقاط السريعة:

1 ـ نسأل الله تعالى أن يتغمد ضحايا حوادث السير الذين ذكرت أسماؤهم في هذا المقال الحزين، وكل ضحايا حوادث السير ممن لم يذكروا فيه، بواسع رحمته، وأن يسكنهم فسيح جناته؛

2 ـ إن حوادث السير المذكورة هنا ليست هي كل الحوادث التي وقعت بعد إطلاق الحملة في العام 2016 على هذا المقطع الممتد لأربعين كلم من طريق الأمل، وإنما تمثل فقط عددا قليلا من الحوادث التي تمكنت الحملة بوسائلها المحدودة أن تنظم زيارات ميدانية لمواقعها؛

3 ـ لم يحدث إطلاقا أن صادفنا خلال زيارتنا لكل مواقع هذه الحوادث موظفا واحدا من وزارة التجهيز والنقل، أو من أي إدارة معنية بالسلامة الطرقية، وهو يُعاينُ موقع حادث سير؛

4 ـ تعتمد الحملة في أنشطتها على إرادة شبابها وتحمسهم، وعلى ما يوفره بعض أعضائها من مساهمات مادية متواضعة؛

5 ـ لم تمتلك الحملة خلال السنوات التسع الماضية، أي منذ تأسيسها وحتى اليوم، مقرا خاصا بها حتى وإن كان من غرفة واحدة، ويتم التخطيط والتحضير لأنشطتها من خلال مجموعتها على الواتساب؛

6 ـ هذه المعلومات الأخيرة مهمة لأن هناك من يعتقد أننا نحصل على تمويلات من هنا أو هناك، فيطلب منا أن نقوم بأنشطة لا قدرة لنا على القيام بها، وعندما لا نقم بها ينتقدنا بشدة؛

7 ـ الحملة قائمة على رفض الاكتفاء بالتفرج على ما يقع من حوادث السير، دون فعل أي شيء، وهي تقوم دائما بالمتاح لها من أنشطة بفضل إرادة وحماس شبابها، أما الوسائل فهي لا تمتلكها أصلا، ولا تعتبرها - بأي حال من الأحوال -  عائقا أمام القيام بما هو متاح.

عندما تُصِرُّ على القيام بما هو متاح لك، فإنك ستجد دائما ما يمكن أن تفعله لصالح بلدك، وهذه هي قناعتنا في حملة معا للحد من حوادث السير.

صحيح أن الوسائل قد توسع من أنشطتنا في الحملة، وتزيد من فعاليتها، ولكن الصحيح أيضا، هو أن هناك الكثير من الأنشطة المفيدة التي يمكننا القيام بها دون وسائل.

حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 4 يونيو 2025

بيان (بمناسبة حوادث السير الأخيرة)


شهدت بلادنا خلال الأيام الماضية، عدة حوادث سير مميتة، تسببت في سقوط العديد من القتلى والجرحى، هذا بالإضافة إلى خسائر مادية معتبرة، ناتجة عن انقلاب العديد من الشاحنات في حوادث السير تلك، وهو ما عرض عشرات الأطنان من البضائع والسلع إلى التلف.

وفي هذا الإطار، فقد نظمت حملة معا للحد من حوادث السير زيارات ميدانية لبعض مواقع تلك الحوادث، للاطلاع الميداني على حجم الخسائر البشرية والمادية، ولمعرفة الأسباب المباشرة التي أدت إلى تلك الحوادث، وكان من بين مواقع الحوادث التي زارها نشطاء الحملة، حادث "اكريمي" الذي وقع ضحي يوم الأربعاء 21 مايو نتيجة لاصطدام سيارة هيليكس وتكدس هيكلها على الراكبين بعد دخولها تحت مؤخرة شاحنة انفجرت إحدى عجلاتها، وتسبب هذا الحادث في وفاة 5 أشخاص بشكل فوري، وكذلك حادث الكلم 110 على طريق الأمل، والذي وقع مساء السبت (ليلة الأحد) 1 يونيو، وكان ناتجا عن اصطدام ثلاثي بين حافلة وشاحنتين، وقد أدى هذا الحادث إلى وفاة 3 أشخاص، ونفوق مواشي، وتلف كميات من البضائع كانت تحملها الشاحنتين.

إننا في حملة معا للحد من حوادث السير، لنؤكد بمناسبة هذه الحوادث المميتة على ما يلي:

1ـ  ضرورة توفير فرق للتدخل السريع في المقاطع الأكثر خطورة من طريق الأمل، وتزويد تلك الفرق بآليات للتدخل السريع، تمكن من التعامل مع الشاحنات المنقلبة، وتزويد تلك الفرق بأجهزة قادرة على الوصول إلى الضحايا الذين قد يبقون عالقين لساعات داخل السيارات دون أن تتمكن فرق الإسعاف من الوصول إليهم؛

2 ـ تشكيل دوريات متنقلة من الدرك لرصد الشاحنات المتوقفة على الطرق، والتي لا تضع مثلثات تحذيرية، واتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد سائقيها؛

3 ـ إرسال عناصر من الدرك بشكل فوري إلى المواقع الأكثر خطورة عندما تتعطل فيها شاحنة، وتزويد تلك العناصر بعاكسات للضوء ليلا، لتأمين سالكي الطريق، عندما تكون هناك حاجة لذلك؛

4 ـ تسوية جوانب الطرق في المقاطع الأكثر خطورة، وجعلها مناسبة لتوقف الشاحنات، وذلك لتمكين الشاحنات من التوقف الآمن عندما تكون هناك ضرورة للتوقف؛

5 ـ التعامل بصرامة مع الحمولة الزائدة، والتي تعتبر هي السبب الأول في انقلاب الشاحنات على الطرق؛

6 ـ اتخاذ إجراءات رادعة لوقف عمليات تعديل الحاويات الأصلية للشاحنات لزيادة حجمها، من أجل حمولة أكبر؛

7 ـ فرض تثبيت حاجز أمان في خلفية الشاحنات للحد من دخول السيارات بشكل كامل تحت الشاحنات في حالة اصطدام سيارة بمؤخرة شاحنة؛

8 ـ  المسارعة في نشر المعلومات الدقيقة عن حوادث السير من طرف الجهات الرسمية المعنية، فغياب نشر معلومات دقيقة، كثيرا ما يتسبب في تداول شائعات غير دقيقة، قد يتضرر منها البعض؛

9 ـ المسارعة في تنظيم زيارات ميدانية لمواقع الحوادث من طرف الجهات المعنية بالسلامة الطرقية، مع تنظيم زيارات مواساة وتعزية لذوي الضحايا؛

10 ـ التركيز على التوعية والتحسيس للحد من حوادث السير، ومن الملاحظ في هذا الإطار غياب أي جهد توعوي يذكر من طرف الجهات المعنية بالسلامة الطرقية، وغياب لأي دعم من القطاع العام أو الخاص للجمعيات القليلة الفاعلة في مجال السلامة الطرقية، والتي تحاول بوسائلها المتواضعة أن تنظم من حين لآخر أنشطة توعوية في مجال السلامة الطرقية.

وفي الأخير، فإننا في حملة معا للحد من حوادث السير نوصي السائقين بالمزيد من التقيد بإجراءات السلامة الطرقية، وخاصة في هذه الأيام التي تسبق عيد الأضحى المبارك، والتي تكثر فيها عادة حوادث السير، بسبب الزيادة في حجم تنقل المواطنين، كما نعلن بهذه المناسبة عن إطلاق حملة "السائق اليقظ"، وهي حملة توعوية جديدة، متعددة الأهداف، تسعى إلى توعية السائق بأهمية التقيد بإجراءات السلامة الطرقية، وتنبيهه إلى العقوبات التي قد يتعرض لها في حالة مشاركته في تهريب المهاجرين غير الشرعيين، أو إدخال ممنوعات من أي نوع، وتوعيته كذلك بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه في تحصين وطنه من تهريب المخدرات وتدفق المهاجرين غير النظاميين.

نواكشوط:02 يونيو 2025

حملة معا للحد من حوادث السير.





الأربعاء، 28 مايو 2025

ثلاث قراءات لبيان نواب المعارضة


طالعتُ بيانا موقعا من طرف نواب المعارضة، صادرا في نفس اليوم الذي صادق فيه البرلمان على مشاريع القوانين المتعلقة بالفساد، والتي شملت تحديدا:

 1ـ مشروع القانون المتعلق بالسلطة الوطنية لمكافحة الفساد؛

2 ـ  مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح؛

3 ـ  مشروع القانون المتعلق بمكافحة الفساد.

طالعتُ البيان وقرأتُه قراءة أولى بعين محايدة، بحثا عن انتقاد وجيه تضمنه، ولكني لم أجد انتقادا وجيها واحدا يمكن الاستدلال به على أن قوانين الفساد المصادق عليها تشكل عبثا تشريعيا، أو أنها تخدم مراكز النفوذ وتمنحها حماية غير مستحقة، كما جاء في بيان نواب المعارضة.

ثم قرأتُ البيان قراءة ثانية، ولكن هذه المرة ليس بعين محايدة كما حصل في القراءة الأولى، وإنما بعين سياسية، لا تكتفي بالدلالة اللغوية لمحتوى البيان، وإنما تبحث في توقيت إصدار البيان، وفي مضامينه ورسائله السياسية التي يريد إيصالها للرأي العام، فخلصتُ بعد هذه القراءة الثانية، إلى أن نواب المعارضة وجدوا أنفسهم أمام ثلاثة قوانين لمحاربة الفساد أعدت وفق أحدث المقاييس الدولية، ولم يجدوا ما ينتقدونها به، فسعوا إلى أن يحرموا النظام من أي مكسب سياسي من خلال إعداده لهذه القوانين والمصادقة عليها بعد ذلك، فما كان منهم إلا أن سارعوا إلى إصدار بيان مليء بعبارات فضفاضة لصرف النظر عن أهمية القوانين المصادق عليها.

 ولمزيد من التشويش على تلك القوانين، لم يكتف نواب المعارضة ببيانهم الخالي من أي حجة متماسكة، وإنما أضافوا إليه تصريحات للتشويش أكثر، ادعى فيها بعضهم أن هذه القوانين جاءت بإملاءات وضغوط خارجية، وادعى البعض الآخر أن النواب أعطوا لأنفسهم مهلة ثلاث سنوات قبل التصريح بممتلكاتهم.

ثم قرأت البيان قراءة ثالثة ولكن هذه المرة بعين ثالثة، لا هي بالعين المحايدة، ولا هي بالعين السياسية، وإنما هي بعين المتابع الذي أتيح له أن يتابع مشاريع هذه القوانين منذ أن كانت تعهدات مسطرة في جمل قصيرة في صفحات برنامج "طموحي للوطن"، ثم تحولت بعد ذلك إلى مسودات نصوص بفضل جهد كبير بذلته لجنة فنية ضمت العديد من الخبراء الوطنيين، وكان لي الشرف بعضويتها، ثم أحيلت تلك المسودات إلى الحكومة التي عمقت دراستها، وتوقفت مع كل جملة فيها، فصاغتها من جديد وصادقت عليها في مجلس الوزراء المنعقد في يوم الخميس الموافق 16 يناير 2025، لتقدمها بعد ذلك للبرلمان، فتثير ما أثارت من نقاش، وهذا النقاش كنتُ أيضا مساهما فيه، وذلك من خلال ندوة نظمناها في صالون المدونين عن الجدل الدائر حول  استثناء النواب من التصريح بالممتلكات، وكذلك من خلال بيان وقعته 20 منظمة طالبت بإدراج النواب في لائحة الملزمين بالتصريح، أعقبه لقاء برئيس حزب الإنصاف، أكد لنا فيه أن النواب لن يستثنون من التصريح بالممتلكات، وأن الفريق البرلماني لحزب الإنصاف سيجري تعديلا على مشروع القانون لإضافة النواب إلى لائحة المصرحين بالممتلكات، وسيصوت على ذلك، وهو ما كان.

إن القول بأن هذه القوانين جاءت بإملاءات خارجية، قولٌ لا يستقيم، فهذه القوانين كانت أجنة في رحم "طموحي للوطن"، ولمن أراد أن يعيد النظر إليها، وهي ما تزال أجنة في رحم صفحات البرنامج الانتخابي طموحي للوطن، فلينظر إلى هذه الفقرة المنقولة حرفيا من برنامج طموحي للوطن:

"ج ـ مراجعة قانون مكافحة الرشوة، لا سيما فيما يتعلق بأحكام تجريم قضايا الرشوة، والتصريح بالممتلكات، وتضارب المصالح، سعيا إلى مواءمتها مع أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال".

هكذا كان مشروع القانون المتعلق بالتصريح بالممتلكات والمصالح، ومشروع القانون المتعلق بمكافحة الفساد، أما بخصوص السلطة الوطنية لمكافحة الفساد، فقد ظهرت لأول مرة في التعهد التالي، والذي ننقله بالحرف من برنامج طموحي للوطن:  

"و ـ إرساء نظام متابعة فعال لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الرشوة، يشمل على الخصوص استحداث وكالة وطنية مستقلة لمكافحة الرشوة".

يظهر من كل ما سبق، أن مشاريع قوانين الفساد جاءت نتيجة لوفاء فخامة الرئيس بالتزامات انتخابية تعهد بها للشعب الموريتاني، ولم تأت بفعل ضغط أجنبي كما يروج لذلك بعض نواب المعارضة، ولعل أول ظهور للأجانب في مسار هذه القوانين كان من خلال حضور خبيرين أجنبيين استضافتهما اللجنة الفنية ليقدما لها بعض التجارب الدولية الناجحة في المجال للاستفادة منها في إعداد مسودات القوانين المذكورة.

أما بخصوص قول بعض النواب، بأن قانون التصريح بالممتلكات والمصالح، قد أمهل النواب ثلاث سنوات للتصريح بممتلكاتهم، فهو كذلك قول غير صحيح، فقد ورد في المادة 14 من القانون بإلزام المصرحين بتقديم تصريحاتهم في غضون شهرين من تولي الوظيفة أو تجديدها، وعند انتهاء المهام لسبب آخر غير الوفاة، وفي جميع الحالات كل ثلاث سنوات على الأقل.

صحيح أن الفقرة الثالثة من المادة 26 من الفصل التاسع المتعلق بأحكام انتقالية وختامية، قد جاء فيها: "يتخذ مجلس الوزراء والسلطة الوطنية لمكافحة الفساد التدابير اللازمة لضمان قيام جميع الموظفين المذكورين في المادة 3 بتقديم تصريحاتهم في أجل أقصاه ثلاث سنوات بعد نشر هذا القانون".

من المهم جدا التنبيه هنا إلى أن هذه الفقرة لا تخص النواب دون غيرهم، وهو ما حاول البعض أن يسوقه، وقد أضيفت هذه الفقرة نظرا لوجود هيئة تستقبل حاليا التصريحات، وهي لجنة الشفافية المالية للحياة العمومية، وستبقى كذلك حتى انتهاء الفترة الانتقالية التي يجب أن لا تتجاوز سنتين بعد تاريخ إصدار هذا القانون، نظرا لذلك، فقد جاءت هذه الأحكام الانتقالية، وذلك في انتظار أن يكتمل تشكيل السلطة الوطنية لمحاربة الفساد، فتُحَلُّ لجنة الشفافية المالية للحياة العمومية، وتوكل مهامها للسلطة الجديدة.  

بالمناسبة هذه قضايا ناقشتها اللجنة الفنية في مسودات مشاريع القوانين، وذلك قبل أن تحيلها للحكومة، وقبل أن تحيلها الحكومة للبرلمان، وبالتالي، فلا معنى للقول بأن النواب استثنوا أنفسهم من التصريح بالممتلكات لثلاث سنوات قادمة.

كان على نواب المعارضة أن يفتخروا بأن البرلمان الموريتاني في إنابته هذه، قد تمكن من إضافة النواب للائحة الموظفين الملزمين بالتصريح بالممتلكات والمصالح، وهو ما فشل فيه النواب في العام 2007، لما عرض عليهم مشروع القانون المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، والذي سيحمل فيما بعد القانون رقم 054/ 2007.

ختاما

لقد تابعتُ مسار هذه القوانين، منذ أن كانت تعهدات انتخابية في برنامج طموحي للوطن، إلى أن أصبحت قوانين مصادق عليها، ويمكنني أن أقول بأنها لم تأت لضغوط أجنبية، وإنما جاءت وفاءً بتعهدات انتخابية من رئيس الجمهورية.

إن النقاش يجب أن ينصب حاليا حول تنفيذ هذه القوانين، أما التشكيك في جودتها، وكونها لم تعد وفق أفضل الممارسات الدولية، أو أنها جاءت بضغط خارجي، فكل ذلك سيبقى مجرد حديث سياسي غير مؤسس.

إن واجب اللحظة، يقتضي منا جميعا، أن نوحد جهودنا في المعارضة والموالاة، حتى نضمن تنفيذ هذه القوانين على أحسن وجه.

حفظ الله موريتانيا...


الثلاثاء، 27 مايو 2025

حلقة نقاشية عن التحايل الإلكتروني


خصص صالون المدونين جلسته النقاشية الأسبوعية الـ15 ليوم الأحد الموافق 25 مايو 2025 لموضوع التحايل الإلكتروني، واستضاف للحلقة ثلاثةً من الضحايا من مهن مختلفة (تاجر، أستاذ، لحام)، تعرضوا لعمليات تحايل تعددت أساليبها، وفقدوا بموجبها، وعلى التوالي: 3.5 مليون قديمة، 1.6 مليون أوقية قديمة، 1.2 مليون أوقية قديمة.

الضحايا شكروا في كلماتهم صالون المدونين الذي أتاح لهم الفرصة لمخاطبة الرأي العام، بعد أن سدت أمامهم وسائل الإعلام منابرها،  واستعرضوا في كلماتهم تجاربهم الخاصة، وكيف تعرضوا للاحتيال وكيف تعاملت معهم بنوكهم بعد التعرض للاحتيال.

الضحايا اعترفوا في كلماتهم بأنهم يتحملون جزءا من المسؤولية، ولكنهم يحملون البنوك جزءا كبيرا من تلك المسؤولية، وذلك لتقصيرها في توعيتهم حول مخاطر الاحتيال التي قد يتعرضون لها، ولضعف تجاوبها معهم بعد أن تعرضوا لعمليات احتيال، وهو ما لم يكونوا يتوقعونه، خاصة وأنهم وثقوا في تلك البنوك واستودعوها أموالهم.

بعد ذلك تناول الكلام ضيف الحلقة الرئيسي الاستشاري في تقنية المعلومات المهندس باب ولد الدي، فاستعرض في كلمته المراحل التي مر بها التحايل الالكتروني، والتي بدأت تظهر في بلادنا قبل عقد ونصف من خلال رسائل نصية كان يتلقاها الضحايا تتعلق بمسابقات، يدعي المتحايلون بأنها منظمة من طرف شركات الاتصال، وظلت أساليب التحايل تتطور إلى أن وصلت اليوم إلى مرحلة التزييف العميق الذي قد يظهر شخصيات معروفة لا يمكن التفريق بينها مع الشخصيات الأصلية تروج لمسابقات أو تطبيقات تستخدم للتحايل وسرقة أموال الضحايا.

وأشار المهندس باب في كلمته إلى غياب الحملات التوعوية الاستباقية، مؤكدا أن التطبيقات البنكية لم تهتم بالتوعية إلا بعد تعرض زبنائها لعمليات احتيال.

وكان من أهم توصيات الحلقة، التي وجهها الضيف الرئيسي والضحايا والمتدخلون من القاعة:

ـ عدم إعطاء الرمز السري لأي شخص، حتى ولو كان موظفا في البنك؛

ـ عدم منح هاتف لأي شخص مشبوه ليجري منه اتصالا هاتفيا؛

ـ عدم فتح الروابط المجهولة المصدر؛

ـ عدم المسارعة في التفاعل مع ما يعرض في منصات التواصل الاجتماعي من فرص يدعي أصحابها انها قد تضيع منك إلى الأبد؛

ـ توثيق رقم الهاتف بالبصمة، وتوثيق الحساب البنكي، وعدم التعامل مع الصفحات غير الموثقة التي تحمل أسماء بنوك أو مؤسسات أخرى؛  

ـ عدم المسارعة في الثقة في أي جهة مهما كانت، والاستحضار الدائم لتنوع وتطور أساليب الاحتيال قبل التفاعل مع ما يعرض في مواقع التواصل الاجتماعي.

ـ تفعيل مراكز الاتصال لدى البنوك على طول اليوم، وخلال عطل الأسبوع، خاصة وأن الكثير من عمليات الاحتيال قد تحدث في أيام عطل.

الأحد، 25 مايو 2025

الإعلان عن انطلاق حملة "السائق اليقظ" من مدينة روصو


أطلقت  "معا للحد من حوادث السير" من مدينة روصو خلال يومي الجمعة والسبت (23 و24 مايو 2025) حملة توعوية جديدة ثلاثية الأهداف تسعى للحد من حوادث السير، ومحاربة الهجرة غير النظامية، ومكافحة المخدرات، وذلك من خلال توعية السائق بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه في هذه المجالات الثلاثة التي أصبحت تشكل تحديات كبيرة للبلد، وذلك بصفته هو المعني الأول بحوادث السير، وهو كذلك أول من يلتقي بالمهاجر غير النظامي الذي يبحث عن وسيلة نقل عند حدود بلده، هذا بالإضافة إلى كونه هو من ينقل البضائع والسلع، والتي قد يخفي فيها المجرمون المخدرات التي تدخل البلد.

الحملة التوعوية الجديدة تحمل اسم "السائق اليقظ"، وترفع شعار "عين تسهر على سلامة الراكب، وعين تسهر على سلامة الوطن"، وتعمل على توعية السائق بأهمية الدور الذي يمكن أن يلعبه في سلامة الركاب من خلال التقيد بإجراءات السلامة الطرقية، والدور الذي يمكن أن يلعبه كذلك في أمن الوطن، فالسائق اليقظ الذي يرفض بصرامة المشاركة في نقل المهاجرين غير النظاميين، وتهريب المخدرات، والذي يُسارع  في إبلاغ الجهات الأمنية بكل ما من شأنه أن يساهم في تفكيك شبكات الهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات، يقوم بدور أمني كبير لصالح الوطن، لا يقل أهمية عن دور عنصر الأمن المرابط على الحدود.

كما تنبه الحملة أيضا السائق إلى خطورة العقوبات التي  قد يتعرض إليها في حالة مشاركته في تهريب المهاجرين غير النظاميين، وهي عقوبات قد تصل إلى السجن من 5 إلى 10 سنوات في حالة تهريب مهاجر غير نظامي، وغرامة من 10 آلاف أوقية إلى 100 ألف أوقية في حالة نقل أي أجنبي دون التأكد من حيازته للوثائق الضرورية. أما في حالة تهريب المخدرات فإن السائق قد يتعرض للسجن من 15 إلى 30 سنة، وقد يحكم عليه بعقوبة الإعدام في حالة العودة إلى جريمة تهريب المخدرات.

أنشطة الحملة في مدينة روصو، كانت متعددة وتضمنت تثبيت الملصقات التحذيرية في واجهة الأماكن التي يرتادوها السائقون في المدينة، وتخللها تنظيم جلسات نقاش مفتوحة مع عدد معتبر من السائقين في نقاط تجمعهم، هذا فضلا عن توزيع قصاصات إرشادية على السائقين عند بعض نقاط تفتيش الدرك على طريق روصو ـ نواكشوط.

نشير في الأخير إلى أن الحملة لقيت في مختلف أنشطتها التوعوية التي نظمتها في مدينة روصو خلال اليومين الماضيين كل التسهيلات من السلطات الجهوية في الولاية، وخاصة من والي الولاية، وحاكم المقاطعة (روصو)، وستواصل الحملة أنشطتها التوعوية في الفترة القادمة لتشمل كل الولايات الحدودية.     

مقاطع توعوية 

مداخلة المحامي محمد المامي مولاي أعل


مداخلة الصحفي الحسن المصطفى سيدي






الخميس، 22 مايو 2025

خطوتان متعثرتان: من التثقيف الحرفي إلى اكتشاف المواهب!


في هذا المقال سنتحدث عن خطوتين متعثرتين، إحداهما أطلقها مركز خطوة للتنمية الذاتية في العام 2007، والثانية أطلقتها جمعية خطوة للتنمية الذاتية في العام 2024، وسنبدأ بالخطوة الثانية.

(1)

في يوم 07 مارس 2024، تم الإعلان عن انطلاق برنامج خطوة التدريبي لاكتشاف وتنموية المواهب الشبابية، وقد جاء في الكلمة التي ألقيت بالمناسبة:

"- إيمانا منا بأن الثروات التي تسير فوق الأرض (المواهب)، ليست أقل قيمة من الثروات الموجودة في باطن الأرض (المعادن)، وأن الجهود التي تبذل والأموال التي تنفق للتنقيب عن الثروات في باطن الأرض يجب أن ينفق ما يماثلها للتنقيب عن الثروات التي تسير فوق الأرض؛

ـ قناعة منا بضرورة التحرك العاجل لمواجهة المخاطر التي يواجهها شبابنا، والتي تتمثل في البطالة، وتفشي الجريمة، والهجرة، وتنامي روح اليأس والإحباط؛

ـ  تحملا منا للمسؤولية التي يجب أن يلعبها المجتمع المدني في مواجهة هذه التحديات والمخاطر؛

ـ سعيا منا للمشاركة ميدانيا في الجهود المبذولة من طرف الحكومة لمواجهة هذه التحديات والمخاطر، فإننا في جمعية خطوة للتنمية الذاتية لنعلن على بركة الله إطلاق أول برنامج تدريبي في موريتانيا لاكتشاف المواهب الشبابية وتنميتها ورعايتها، ونأمل أن يستفيد من برنامجنا التدريبي هذا 1000 شاب خلال العام 2024، ويتمثل هذا البرنامج التدريبي في:

1ـ تقديم دورة أساسية في مجال اكتشاف الموهبة واستغلالها، وسيستفيد من هذه الدورة كل المشاركين في البرنامج. سيتلقى المشاركون في دورة الموهبة اختبارا وعلى أساس نتائجه يتم فرز من سيواصل منهم في البرنامج التدريبي للاستفادة من الدورات الأخرى ذات الصلة؛

2ـ تقديم دورات مكملة في مجال : التفكير الإبداعي ـ الاتصال الفعال ـ التخطيط الشخصي ـ إدارة الوقت ـ مهارات العمل الجماعي؛

3ـ تقديم دورات في مجال التخصص، وذلك بعد أن يتم تقسيم المشاركين في البرنامج إلى مجموعات متجانسة حسب الاتجاهات والميول والمواهب المشتركة لدى كل مجموعة، لتتلقى بعد ذلك كل مجموعة، وعلى حدة، دورة متخصصة في المجال الذي يمتلك فيه أعضاء تلك المجموعة موهبة مشتركة؛

4 ـ تقديم دورات تأطير ودعم للموهوبين الذين تأهلوا للمشاركة في مسابقات وتصفيات إقليمية أو دولية؛

5ـ تقديم الاستشارات مع المتابعة المستمرة للموهوبين المتميزين."

لم نتمكن في جمعية خطوة، وبعد أكثر من عام من الإعلان عن هذا البرنامج التدريبي الطموح من تجاوز النقطة الأولى من البرنامج، وهي النقطة المتعلقة بتنظيم دورات لاكتشاف وتنمية المواهب الشبابية، وبالفعل فقد نظمنا العديد من الدورات التي استفاد منها عدد معتبر من الشباب في العاصمة نواكشوط، وفي لعيون وأكجوجت وشنقيط.

كنا نأمل عند انطلاق هذا البرنامج التدريبي الطموح، أن ننتقل به من برنامج أطلقته جمعية بإمكانيات متواضعة، إلى برنامج وطني تشارك فيه القطاعات المعنية، ومن أجل ذلك راسلنا معالي وزير تمكين الشباب والرياضة والخدمة المدنية في يوم 08 أغسطس 2024، وأطلعناه على البرنامج، وكنا نأمل أن نتعاون مع الوزارة لتوسيع البرنامج حتى يشمل كل الجمعيات والأندية الشبابية في مختلف ولايات الوطن، وراسلنا في نفس الفترة معالي وزيرة التربية وإصلاح نظام التعليمي، سعيا لتوسيع البرنامج ليشمل الأقسام النهائية في الثانويات في كل ولايات الوطن، وراسلنا أيضا رئيسة جهة نواكشوط سعيا لأن تستفيد من البرنامج الجمعيات والأندية الشبابية في العاصمة نواكشوط، ولكن كل هذه المراسلات لم تثمر عن أي تعاون من أي نوع.

إن غياب الشراكة مع الجهات المعنية، لن يمنعنا من إطلاق الموسم الثاني من برنامجنا التدريبي الطموح، والذي نحضر له حاليا، وكلنا أمل أن يأتي اليوم الذي يستفيد فيه 1000 شاب موريتاني من كل دورات البرنامج التدريبية التي تم ذكرها في الإعلان التأسيسي.

وبكل تأكيد، فسيأتي اليوم الذي سيدرك فيه الجميع أهمية هذا البرنامج التدريبي الطموح والمتميز، والذي نهنئ أنفسنا على الجرأة في إطلاقه، رغم كل الصعاب والتحديات، وهذه التهنئة تدخل في إطار التحفيز الذاتي، ولا تخفى أهمية التحفيز الذاتي للاستمرار في تنفيذ المشاريع الطموحة التي قد لا تلقى ما تستحق من اهتمام رسمي أو شعبي.

(2)

في يوم 1 سبتمبر 2007، أطلق مركز خطوة للتنمية الذاتية من مقاطعة عرفات، برنامجا تدريبيا في مجال التثقيف الحرفي، وسعى المركز حينها لأن يقيم شراكات مع الجهات المعنية في مجال التكوين المهني ومحاربة الفقر، وذلك لتوسيع هذا البرنامج التدريبي ليصبح برنامجا وطنيا، ولكن تلك المحاولة لم تنجح، رغم زيارة العديد من المسؤولين عن التكوين ومحاربة الفقر في بعض القطاعات الحكومية للمركز، والاطلاع على أنشطته وبرامجه التدريبية، ومن بين من زار المركز موظفون من مفوضية الحماية الاجتماعية، ووكالة تشغيل الشباب، ووزارة المرأة، وقد انبهر كل الزائرين بالبرنامج التدريبي لمركز خطوة، ولكن ذلك الانبهار لم يثمر أية شراكة ولا أي تعاون.

ما يؤسفني حقا هو أن تلك الجهات ضيعت فرصة ثمينة على البلد، فلو أنه تم تبني هذا البرامج، وفتحت مراكز للتثقيف الحرفي في كل المدن الكبرى، لما واجهنا اليوم مشاكل توفير اليد العاملة بعد ترحيل المهاجرين غير النظاميين.

في يوم الجمعة 16 أغسطس 2024، أعدت تقديم هذا المقترح من خلال مقال موجه إلى معالي وزير التكوين المهني والصناعة التقليدية والحرف، وتضمن المقال مقترحين اثنين، أولهما يتعلق بنظافة مدينة نواكشوط، وحاول أن يجيب على السؤال: لماذا لا نجعل من القمامة موردا لتوفير الدخل وتشغيل الفقراء؟ وهذا المقترح ليس هو موضوع حديثنا اليوم، والمقترح الثاني يتعلق بالتثقيف الحرفي، وهذا نص المقترح، وكما ورد في المقال المذكور، والذي اطلع عليه بالفعل معالي الوزير الموجه إليه، ووعد بدعوة لنقاشه، ولكن تلك الدعوة لم تصل إلى كاتب هذه السطور لحد الآن.

لماذا لا نحارب البطالة من خلال برامج واسعة في التثقيف الحرفي؟  

لا خلاف على أن نسبة كبيرة من ثرواتنا في هذه البلاد تستنزف من طرف عمال أجانب لهم حظ لا بأس به من التكوين والتخصص في مجالات معينة، بالمقارنة مع اليد العاملة الوطنية، ومواجهة هذا النوع من منافسة اليد العاملة الأجنبية يحتاج بالفعل إلى الاهتمام بالتكوين المهني، ولكن وفي المقابل، فإن هناك نسبة كبيرة من ثرواتنا ما تزال تستنزف من طرف يد عاملة أجنبية غير متخصصة، من خلال  ممارستها لحرف ومهن بسيطة جدا، لا تحتاج لتكوين مهني بالمفهوم المتعارف عليه، ومواجهة هذا النوع من منافسة اليد العاملة لا يحتاج لتكوين مهني لمدة سنة أو سنتين، وإنما يحتاج  ـ في الأساس ـ إلى تغيير عقليات وإلى التوعية بأهمية العمل، مع تكوين أو تدريب مبسط وقصير المدة على حرفة ما أو مهنة ما، وهذا هو ما أطلقنا عليه في مركز الخطوة الأولى "التثقيف الحرفي"، تمييزا له عن التكوين المهني. ولتجسيد هذا المقترح ميدانيا قمنا في العام 2007 بفتح مركز للتثقيف الحرفي في مقاطعة عرفات، وبدأنا دورات في صناعة الحلويات، وكنا نأمل حينها أن يعمم هذا النوع من المراكز المتخصصة في التثقيف الحرفي في مختلف ولايات الوطن.

كنتُ في تلك الفترة أقرأ كثيرا عن تجربة محمد يونس الرئيس الحالي للحكومة المؤقتة في بنغلاديش، وقد استلهمت ـ بشكل أو بآخر ـ فكرة مراكز التثقيف الحرفي من فكرته التي ابتدعها في نهاية السبعينات من القرن الماضي، والتي أحدثت ثورة في مجال مكافحة الفقر من خلال القروض الصغيرة (بنك غرامين أو بنك القرية).

جاءت فكرة بنك غرامين أو بنوك الفقراء كما يسميها البعض، لتحل مشكلة تمويل مشاريع صغيرة للفقراء الذين لا يملكون ضمانا يأخذوا مقابله قروضا من البنوك، وجاءت فكرة مراكز التثقيف الحرفي من أجل أن تقدم فرصة لتكوين وتأهيل فقراء لم يتعلموا أو تركوا المدرسة في وقت مبكر، أو تجاوزوا عمريا مرحلة التكوين، وحرموا بالتالي من التكوين أو التدريب على حرفة أو مهنة بسيطة تمكنهم من العيش الكريم.

كان الفقراء في بنغلاديش يموتون بسبب الجوع في السبعينيات من القرن الماضي، وكان لابد من التفكير خارج الصندوق للبحث عن حلول لمحاربة الفقر، فكر محمد يونس خارج الصندوق وأوصلته أفكاره إلى  ضرورة تأسيس بنوك توفر التمويل للفقراء، يكون بإمكانها أن تقدم لهم قروضا بلا ضمان، ومن المعروف أن القروض البنكية قائمة بالأساس على الضمان، مما حرم الفقراء الذين هم في أمس الحاجة إلى القروض من الحصول على قروض.

كانت الفكرة غريبة ومجنونة في ذلك الوقت، وقوبلت بالكثير من السخرية والاستهزاء من طرف البنك المركزي وكبار الاقتصاديين في بنغلاديش، لأنه لم يكن حينها هناك من يستطيع أن يتخيل أنه يمكن لأي بنك في العالم أن يقدم قروضا لفقراء لا يملكون أي ضمان.

ولقد تبين فيما بعد بأن الفكرة لم تكن مجنونة، بل كانت فكرة رائدة، أحدثت ثورة حقيقية في مجال التمويلات الصغيرة ومحاربة الفقر، فحجم قروض بنك غرامين منذ تأسيسه وحتى اليوم وصل إلى 38 مليار دولار، واستفاد من تلك القروض 10 ملايين فقير، من بينهم 21 ألف متسول  انتقلوا بفضل هذه التمويلات من التسول إلى الحياة النشطة، والبنك ينشط في 94% من قرى بنغلاديش، وكانت معدلات استرداد ديونه مرتفعة جدا، رغم أنه لا يشترط أي ضمان،  فتراوحت ما بين  97% إلى 99.6 %، وفتح البنك فروعا كثيرة في العديد من الدول، وله 19 فرعا في 11 ولاية أمريكية، واستفاد من خدماته هناك أكثر من 100 ألف فقير أمريكي.

لم يكن منطقيا بالنسبة لمحمد يونس أن يتواصل حرمان الفقراء في بنغلاديش من الحصول على تمويلات هم في أمس الحاجة إليها بحجة أنهم لا يملكون ضمانات للحصول على قروض، وبنفس المنطق يمكننا القول بأنه ليس من المقبول حرمان فقراء في موريتانيا من تعلم مهنة أو حرفة بحجة أنهم لم يتعلموا أصلا، أو أنهم تجاوزا السن التي يسمح لأصحابها بالتكوين في معاهد ومراكز التكوين المهني. 

إن مراكز ومعاهد التكوين المهني الموجودة في بلادنا لا يمكن أن يستفيد منها الموريتانيون الأقل تعليما والأكبر سنا، ولا تحل مشاكل الكثير من المستهدفين، وذلك لأنها:

1 ـ  تشترط لدخولها مستويات دراسية معينة، وكذلك سنا عمرية محددة. أما الشريحة التي تستهدفها فكرة مراكز التثقيف الحرفي فهي أقل تعليما، وليست بالضرورة في مرحلة عمرية محددة.

2 ـ  مراكز التكوين المهني تدرب على آلات باهظة الثمن لذلك فالمتدرب لا يستطيع بعد التخرج أن يفتتح ورشة تعتمد على الآلات التي تدرب عليها لارتفاع أسعار تلك الآلات. أما فكرة مراكز التثقيف الحرفي فهي قائمة على أساس أن المتدرب هو شخص فقير جدا ولا يستطيع أن يفتتح ورشة إلا إذا كان رأسمالها قليل جدا.

3 ـ طول فترة التكوين في مراكز ومعاهد التكوين، قد تكون مقبولة بالنسبة لبعض المستفيدين ولبعض المهن، ولكنها ليست مناسبة لبعض المهن ولبعض المستفيدين، ولذا فدورات مراكز التثقيف الحرفي دورات قصيرة المدة ويمكن أن يشارك فيها عدد كبير جدا من المستهدفين. 

لقد أحصينا في مركز الخطوة الأولى للتنمية الذاتية عشرات الحرف والمهن الصغيرة التي يمكن أن توضع لها برامج تدريبية متكاملة في التثقيف الحرفي. وعمليا فقد نظمنا في العام 2007 ـ وبإمكانيات متواضعة جدا ـ برنامجا تدريبيا متكاملا في التثقيف الحرفي، في مجال "صناعة الحلويات"، استفاد منه العشرات من أرباب وربات الأسر في مقاطعة عرفات.

تم التدريب على صناعة الحلويات على فرن مصنع محليا ويشتغل بالغاز، ويتميز هذا الفرن بالمواصفات التالية:

ـ متوفر محليا وبسعر في متناول الفقراء.

ـ هذه الأفران قادرة على إنتاج كميات كبيرة نسبيا من الحلويات تكفي لتوفير ما يحتاجه محل حلويات صغير.

ـ هذه الأفران تنتج حلويات بجودة عالية، ولا يمكن التفريق بينها وبين منتجات محلات الحلويات الكبرى في العاصمة، والتي استثمرت فيها عشرات الملايين من الأوقية.

خلاصة هذا المقترح : إننا في هذه البلاد بحاجة في مجال محاربة الفقر إلى مراكز للتثقيف الحرفي ولتغيير العقليات وللتوعية بأهمية العمل،  فهذه المراكز قد تمكن آلاف الموريتانيين من تعلم حرفة أو مهنة توفر لهم دخلا هم في أمس الحاجة إليه. هذا عن المهارات الصلبة، أما المهارات الناعمة فستكون موضوع مقترح آخر إن شاء الله.

حفظ الله موريتانيا...

الأربعاء، 21 مايو 2025

كم هي غريبة استنتاجات الإعلامي أحمدو الوديعة؟


طالعتُ منشورا للأخ الفاضل الإعلامي أحمدو ولد الوديعة (وديعة اختصارا)، نشره على حسابه في الفيسبوك، يوم الأربعاء الموافق 23 أبريل 2025، وشاركه في اليوم نفسه صحفي أجنبي يدعى حمدي جاوارا، الذي يُعَرِّف  نفسه بأنه كاتب وباحث في القضايا الإفريقية، ولا أدري إن كانت جنسيته مالية أم لا، الشيء المؤكد هو أنه يدافع بقوة عن النظام الحاكم في مالي، ويعدُّ من أشرس المحرضين على موريتانيا، وقد أضاف حمدي جاورا لمنشور الأخ وديعة بعد أن شاركه على حسابه في الفيسبوك، تعليقا مليئا بالمغالطات، وهذا تعليقه: "كاتب موريتاني ينتقد الحملة ضد السود في موريتانيا، علما أن الحكومة تريد إسقاط الحصانة عن نائبين من الفلان بسبب مساءلتهم الوزراء في نفس الموضوع...  العنصرية في موريتانيا وصلت لقبة البرلمان...".

 اترك لكم التعليق على تلفيقات الصحفي حمدي جوارا، أما أنا فسأعود إلى منشور الأخ وديعة، الذي تضمَّن هو كذلك الكثير من المغالطات والاستنتاجات الغريبة، ذكرتني ـ عندما طالعتها ـ بمغالطات واستنتاجات أخرى لا تقل غرابة، كان قد توصل إليها طفل مشاكس ذات رحلة مع والده، ومع أني استشهدتُ سابقا بقصة ذلك الطفل، فقد وجدتني اليوم مضطرا لإعادة الاستشهاد بها مرة أخرى، وذلك بعد مطالعتي لمنشور الأخ وديعة، ولِما تضمن من مغالطات واستنتاجات غريبة وعجيبة.

(1)

تقول القصة إن أبا ثريا يملك قصرا فخما، قرر ذات يوم أن يأخذ ابنه في رحلة إلى قرية في الريف لا يسكنها إلا الفقراء، وكان الأب يريد من تلك الرحلة أن ينبه ابنه إلى أنه يعيش في نعيم ورخاء حُرِم منه الكثير من أطفال الفقراء. قضى الأب وابنه أياما في ضيافة أسرة فقيرة جدا كانت تسكن في مزرعة بالقرية الفقيرة، وخلال طريق العودة دار بين الأب والابن الحوار التالي:

الأب: كيف كانت الرحلة؟ 

الابن: كانت رحلة رائعة!
الأب: هل شاهدت يا بني كيف يعيش أهل هذه القرية، وكيف كانت تعيش الأسرة التي أقمنا عندها؟

الابن: نعم يا أبي، لقد شاهدتُ  كل ذلك، فالأسرة التي أقمنا عندها تملك أربعة كلاب ونحن لا نملك إلا كلبا واحدا، ولديها بركة ماء لا حدود لها، ونحن لا نملك في منزلنا إلا حوض سباحة صغيرًا، وهي تضيء حديقتها الغنَّاء ذات المساحة الشاسعة بالكثير من النجوم التي تتلألأ ليلا في السماء، ونحن نضيء حديقتنا الصغيرة بمصابيح معدودة، أما باحة منزلهم فإنها تمتد في الأفق، في حين أن باحة منزلنا ضيقة جدا. 

ظل الأب يستمع لمقارنات الابن دون أن يعلق عليها، وذلك من قبل أن يختم الابن حديثه باستنتاجه العجيب الغريب:

لقد عرفتُ يا أبي كم نحن فقراء، وكم هم أغنياء!! 

(2)

 يظهر النائب خالي جالو وهو يتحدث  ـ بعد استقباله من طرف نواب في البرلمان الأوروبي ـ عن العنصرية والإقصاء والتمييز الذي تمارسه إحدى المكونات الوطنية (أقلية حسب النائب)، ضد السود في موريتانيا، ويتكرر ظهور نائبتين في برنامج إساءة شبه أسبوعي، إن لم أقل شبه يومي، يبث بشكل مباشر من أماكن متفرقة، فقد يبثُّ من تحت قبة البرلمان، وقد يبثُّ من أمام مفوضية للشرطة، وقد يبثُّ من أمكنة أخرى. المهم أن النائبتين تتنافسان دائما في بثهما المباشر في الإساءة إلى عناصر الأمن، وإهانة الدولة، والتهجم على مكونة معينة، فيستنتج الأخ وديعة من كل ذلك، بأن هناك حملة تحريض بلغت مستويات غير مسبوقة ضد المواطنين من ذوي البشرة السوداء في موريتانيا، وهذا هو بالضبط ما افتتح به منشوره حيث قال: "حملة التحريض على المواطنين من ذوي البشرة السوداء والتعريض بهم باعتبارهم أجانب إلى أن يثبت العكس بلغت خلال الساعات الأخيرة مستويات غير مسبوقة، وصلت حد التصريح أن سكان مقاطعات ومناطق بكاملها من البلد أجانب.!!" 

من يقرأ هذه الفقرة من منشور الأخ وديعة، قد يُخيَّل إليه أن الذي تحدث في البرلمان الأوروبي هو نائب ببشرة غير سوداء، وأنه في حديثه تهجم على كل السود في موريتانيا، وسيُخيَّل إليه أيضا أن النائبتين اللتين تجريان بثا مباشرا بشكل شبه يومي لهما بشرتان غير سوداوَيْن، وأنهما في بثهما المسيء والمتكرر تتهجمان دائما على السود في موريتانيا.

من الواضح جدا أن هناك تشابها صارخا بين الأسلوب الذي اعتمده الطفل المشاكس لإثبات ثراء أسرة فقيرة جدا، والأسلوب الذي اعتمده الأخ وديعة لإثبات تعرض السود في موريتانيا لحملة تحريض غير مسبوقة خلال الأيام والأسابيع الأخيرة.

بعد استنتاجه الغريب هذا، يوصينا الأخ وديعة وصية في غاية الأهمية، فيقول بالحرف الواحد: "هذا السلوك خطير ويجب الوقوف في وجهه بكل حزم وصرامة" .

بالفعل، يا أخانا الفاضل وديعة، هذا سلوك خطير، فالتحريض على مكونة وطنية ـ أياَّ تكن تلك المكونة ـ  يعدُّ أمرا في غاية الخطورة، ويجب علينا جميعا أن نتصدَّى له بكل حزم وصرامة، ولكن تبقى هناك جزئية صغيرة علينا أن نتفق عليها من قبل مواجهة حملة التحريض هذه. تتعلق هذه الجزئية بالإجابة على سؤال واضح ومباشر: من المحرِّضُ ومن المحرَّضُ عليه خلال الأسابيع والأيام الأخيرة؟

(3)

قد يقول قائل بأني تحدثتُ عن قضايا لم يكن يقصدها الأخ وديعة في منشوره، فهو لم يكن يقصد بالتحريض الذي تحدث عنه في منشوره خطابات الكراهية الرائجة حاليا، وإنما كان يقصد تحديدا ملف الهجرة غير النظامية الذي فُتِح مؤخرا، والذي أثار هو الآخر نقاشا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي. 

إننا لا نستطيع أن نجزم بطبيعة التحريض الذي يقصده الأخ وديعة في منشوره هذا، خاصة، وأن المنشور ظهر عدة مرات، على  حساب الأخ وديعة على الفيسبوك، وفي مناسبات مختلفة خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، فظهر في يوم 24 فبراير، و6 مارس، و 23 أبريل، أي أنه يظهر مرة كل شهر، ودون إشارة على أنه من الأرشيف، لحاجة ما في نفس ناشره، ومع ذلك فستبقى الفرضية أن الأخ وديعة كان يقصد الهجرة غير النظامية في منشوره، فرضية قائمة، حتى وإن كان ما يفهم من الصياغة أن حديثه عن الهجرة بدأ فقط من الفقرة الثانية، عندما قال: "أما حديث الهجرة فحديث يجب أن يتأسس على المعطيات، وعلى القانون أيضا؛ المعطيات تقول إن في موريتانيا كما في كل بلدان العالم مهاجرون، والموريتانيون من أكثر الشعوب هجرة، والبلدان التي "يلحد" المحرضون على السود إليها، من أكثر البلدان التي يوجد بها مهاجرون موريتانيون مقيمون فيها منذ عقود، بل ربما نقول في بعضهم حتى منذ أكثر من قرن."

في هذه الفقرة من المنشور التي تحدث فيها الأخ وديعة عن الهجرة تجنب أن يستخدم عبارة "الهجرة غير النظامية"، وكأنه أراد بذلك أن يُبقي الالتباس والغموض قائمين حول طبيعة الهجرة التي تواجهها الحكومة حاليا، فمثل ذلك الالتباس قد يعينه ويعين قوما آخرين يشاركونه الموقف نفسه، على تمرير المزيد من المغالطات لإرباك جهود الحكومة الحالية للحد من الهجرة غير النظامية، وهي جهود نرى نحن في الفسطاط الآخر أنها جهود تستحق الدعم، حتى وإن كانت قد تأخرت كثيرا. 

سنكتفي من هذه الفقرة بقول الأخ وديعة إن الحديث عن الهجرة يجب أن يتأسس على المعطيات والقانون، فهذا قولٌ جميلٌ، حتى وإن كان الأخ وديعة لم يذكر على الإطلاق  شيئا من القانون في منشوره، واكتفى من المعطيات بمعطى يتيمٍ واحدٍ، لحاجة في نفسه، مفاده أن الموريتانيين من أكثر الشعوب هجرة، وأن الكثير منهم يوجد منذ عقود، بل إن بعضهم يوجد منذ أكثر من قرن في البلدان التي يتم التحريض على مواطنيها السود المقيمين في بلادنا.

سأعلق على هذه الفقرة من المنشور بعدة ملاحظات ومعطيات ، على الراجح أن الأخ وديعة غيبها عن قصد، وربما تكون غابت عنه عن غير قصد، وهذا هو الاحتمال الأضعف، المهم  أنها ـ وفي كل الأحوال ـ معطيات مهمة جدا غابت عن المنشور.

ا ـ لنبدأ هذه الملاحظات بطرح سؤال سريع على الأخ وديعة: ألم يحصل الموريتانيون الذين يقيمون في تلك البلدان، منذ عقود بل ومنذ قرن كما جاء في منشوركم، على جنسية تلك البلدان؟ ألا ترى بأن بلدنا في هذه الجزئية أحسن حالا من تلك البلدان، لأنه من الصعب جدا أن تجد اليوم مقيما فيه منذ عقود لم يحصل حتى الآن على الجنسية الموريتانية؛ 

ب ـ ألا يحق لموريتانيا أن تُرَحِّل المهاجر المتسلل إلى أراضيها، والذي يرفض لسبب أظنك تدركه، أن يُسوي وضعيته القانونية، رغم الإعفاء من الرسوم المادية، ورغم إعطاء مهلة زمنية طويلة جدا؟ أريد هنا إجابة قانونية، مع تذكيركم ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ بقولكم بأن الحديث عن الهجرة يجب أن يتأسس على القانون.

ج ـ أليس غريبا ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ أن لا تحاول بعض النخب في الجزائر أو السنغال أو المغرب أو تونس إرباك عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين التي تجري حاليا في تلك البلدان، وذلك في وقت ينفرد فيه بعض نخبنا بمحاولة إرباك عملية ترحيل المهاجرين غير النظاميين من بلدنا؟ ألا يبدو هذا التصرف غريبا شيئا ما، مثيرا للشكوك نوعا ما، مستفزا إلى حد ما، خاصة وإذا ما استحضرنا المعطيات التالية، والتي غابت ـ أو غُيِّبت ـ  عن منشوركم:

ـ أن بلدنا هو الأقل سكانا في المنطقة، وبالتالي فإن أي تدفق للمهاجرين من الشمال أو الجنوب سيؤثر على تركيبته السكانية (نسبة السكان الأصليين إلى نسبة المهاجرين)؛

ـ أن بلدنا يعدُّ حاليا هو البلد الأكثر استقبالا للمهاجرين  في المنطقة، هذا إذا ما رتبنا دول المنطقة من حيث استقبالها للمهاجرين، على أساس نسبة المهاجرين من مجموع سكان كل دولة؛

ـ أن بلدنا هو البلد الوحيد في المنطقة الذي وصل فيه تجمع واحد للاجئين إلى الترتيب  الثاني من حيث عدد السكان بعد العاصمة نواكشوط؛

ـ أن بلدنا ـ وحسب بعض الدراسات الموثوقة ـ هو الوجهة المفضلة الأولى ل17 مليون شخص في منطقة الساحل والصحراء يتأهبون للهجرة؛ 

ـ أن بلدنا يمتلك حدودا طويلة مع بعض دول الجوار التي لدينا معها امتدادات عرقية، وهذه الحدود تصعب السيطرة عليها، وبعضها لم يعد آمنا، وأي تدفق للمهاجرين من تلك الحدود أو من أي حدود أخرى إلى بلدنا سيؤدي إلى اختلال سريع في تركيبته الديمغرافية (نسب المكونات والأعراق بعضها إلى بعض). 

إن هذه المعطيات واضحة وجلية، يا أخانا الفاضل وديعة، وتبرر كل واحدة منها على حدة الحملة الحالية التي تقوم بها الحكومة للحد من الهجرة غير النظامية، فكيف بهذه المعطيات إذا اجتمعت في وقت واحد، لتهدد بلدا واحدا، كما هو حاصل مع بلدنا حاليا؟

من الغريب حقا أن الأخ وديعة تجاهل كل هذه المعطيات  الواضحة والجلية، وذلك بعد أن دعانا في منشوره إلى أن نؤسس حديثنا عن الهجرة على المعطيات، ولم يذكر في منشوره إلا معطى واحدا، وهو أن الموريتانيين من أكثر الشعوب هجرة، وأن هناك جاليات موريتانية في العديد من البلدان، وكأنه يُريد أن يؤكد لنا من خلال هذا المعطى اليتيم، أن حماية جالياتنا في الخارج، تستوجب ـ لزوما ـ  ترك حدودنا مفتوحة على طولها وعرضها أمام تدفق المزيد من المهاجرين غير النظاميين. 

إن من يُذَكِّر دائما بهذا المعطى اليتيم دون غيره من المعطيات الأخرى، لا يُريد من ذلك إلا أن تبقى حدودنا مفتوحة أمام تدفق المهاجرين غير النظاميين، وهذه كلمة أصبح لابد من قولها و رفع الصوت بها، فالتركيز على هذا المعطى دون غيره لا يُعدُّ انتصارا لجالياتنا في الخارج، بقدر ما يُعَدُّ انتصارا للمهاجرين غير النظاميين، فمن المعروف أن جالياتنا في إفريقيا، جاليات مسالمة ومنضبطة، لا تطمح للتجنس في بلدان إقامتها، وبالتالي فإنها لن تتردد في تسوية وضعيتها القانونية، إذا ما طُلِبَ منها ذلك، وربما من قبل أن يُطلب منها ذلك، ولذا فمطالبتنا نحن في موريتانيا لجاليات تلك الدول بتسوية وضعيتها القانونية في بلادنا  لن تتضرر منه جالياتنا في الخارج، عندما تعاملها حكومات تلك البلدان بالمثل، وتطلب منها تسوية وضعيتها القانونية في بلدان إقامتها. 

إن ما ستتضرر منه حقا جالياتنا في الخارج، هو هذا السيل العارم من المغالطات الذي يتدفق من أفواه وأقلام بعض الموريتانيين الذين يكررون بالغدو والآصال، وكأنهم يتعبدون بذلك، القول بأن موريتانيا دولة عنصرية، وأنها تحرض على الأفارقة السود، وتتعامل مع المقيمين منهم فيها بوحشية، وعلى أساس اللون!!

 إن تكرر سماع  نخب دول المنطقة لهذه المغالطات من شخصيات موريتانية معروفة، سياسية أو حقوقية أو إعلامية، سيجعل بعض تلك النخب يُطالب حكوماته بأن تُعامل الجاليات الموريتانية المقيمة في بلدانها، بمثل القسوة والعنصرية التي تتعامل بها الحكومة الموريتانية مع الجاليات الإفريقية المقيمة على أراضيها، ولمن يريد من نخب تلك الدول أن يطلع على سوء تلك المعاملة، فما عليه إلا أن يقرأ منشورا للأخ وديعة، أو يطالع بيانا للحقوقية فاتيماتا أمباي، أو يستمع إلى تصريح للنائب كادياتا، أو يتابع مقابلة للنائب خالي جالو،  ليتأكد ـ حسب ما يقول أولئك ـ بأن السود في موريتانيا، مواطنين كانوا أو مقيمين، يتعرضون بالفعل لحملة تحريض غير مسبوقة.   

لا يمكن أن نلوم بعض النخب الإفريقية إن هي صدقت هذه المغالطات، ولا يمكن أن نلومها إن هي حرضت على الموريتانيين المقيمين في بلدانها، كما يحرض الموريتانيون على السود الأفارقة في بلدهم حسب الأخ وديعة وصحبه، فلا يمكن أن نلوم تلك النخب إن طالبت بعمليات طرد جماعي للموريتانيين المقيمين في بلدانها، ردا على عمليات الطرد الجماعي التي تعرض لها المهاجرون من لون واحد في موريتانيا، حسب تصريحات النائب كادياتا، وهي تصريحات لم تتراجع عنها حتى من بعد أن أجابها وزير الداخلية على سؤالها الشفهي، إجابة يفترض أنها كانت شافية، ولا يمكن أن نلوم تلك النخب إن طالبت ـ في إطار المعاملة بالمثل ـ  باعتقال جماعي وتعسفي مهين للكرامة الإنسانية للموريتانيين المقيمين ببلدانها، وذلك بعد أن تعرض المهاجرون الأفارقة  في موريتانيا للاعتقال الجماعي والتعسفي المهين للكرامة الإنسانية، حسب ما جاء في  بيان الجمعية الموريتانية لحقوق الانسان التي ترأسها المحامية فاتيماتا أمباي. 

لو كانت هذه الحملة الهادفة إلى تشويه سمعة بلادنا، والتي قد تتضرر منها جالياتنا في الخارج، قائمة على حقائق على أرض الواقع لهانت المصيبة، ولكن المصيبة أنها حملة قائمة على مغالطات وتلفيقات غير صحيحة، ونحن في موريتانيا ندرك أنها مغالطات غير صحيحة، ولكن المشكلة أن غيرنا قد يصدقها، ويستشهد بها، وحقَّ له ذلك، تماما كما فعل الصحفي  المحرض على موريتانيا حمدي جاورا الذي استشهد بمنشور الأخ وديعة لإثبات أن موريتانيا دولة عنصرية تحرض على السود الأفارقة،  فلماذا تعطون للآخر ـ وأنا هنا أوجه السؤال للأخ وديعة وصحبه ـ أدلة مزيفة على ممارسة بلدكم لعنصرية  لم يمارسها ضد المهاجرين السود، وذلك في وقت لم نسمع فيه سنغاليا أو ماليا من النخب التي يشار إليها هناك، يتحدث عن أي ممارسة عنصرية ترتكب  ضد الموريتانيين المقيمين في البلدين، حتى وإن حصلت تلك الممارسة العنصرية في بعض الأحيان، وقد حصلت بالفعل. 

أقولها وبكل استغراب: هناك نخبٌ في الدول المجاورة تتستر على أخطاء بلدانها حتى لا تشوه سمعتها خارجيا، وهناك نخبٌ عندنا تروج المغالطات تلو المغالطات  لتشويه سمعة بلدها خارجيا. إنها حقا، لمفارقة مؤلمة جدا. 

 (4)

يختم الأخ وديعة منشوره بدعوة نبيلة يجب أن تكون محل إجماع من طرف الجميع، فقد ختمه بالقول: "فدعونا الآن نبني خطاب الأخوة المؤسسة على العدل، والاعتزاز بالتنوع المنطلق من اعتراف كل منا بلغة الآخر وثقافته".

من المهم جدا أن نُذكر من جديد، بأن الأخ وديعة كان قد أوصانا في منشوره، بأن نؤسس حديثنا على القانون والمعطيات، فلتطمئنوا وليطمئن معكم الأخ وديعة، على أننا سنتقيد بوصيته في كل فقرات هذا المقال الطويل، فكما تقيدنا بها في بداية المقال، فإننا سنتقيد بها في ختامه. لكن المشكلة التي ستواجهنا في هذا المقام، هي أن الأخ وديعة الذي يدعونا للتقيد بالقانون، لا يتقيد هو شخصيا بمادة مهمة من القانون، يفترض أن نحتكم إليها في كل ما يتعلق بقضية اللغة، والتي أوردها الأخ وديعة في ختام منشوره، وكثيرا ما يورد الأخ وديعة قضية اللغة، بل يقحمها إقحاما، في مثل هذا النوع من منشوراته.

 إن الجدل حول إشكالية اللغة أو اللغات في موريتانيا كان يجب أن يتوقف نهائيا بعد المصادقة على دستور 20 يوليو 1991، هذا إن كنا نحترم حقا القانون الذي أوصانا الأخ وديعة في منشوره بضرورة الاحتكام إليه،  ففي دستور 1991،  والدستور يوصف ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ  بأنه أبو القوانين،  وأنه القانون الأسمى والقانون الأعلى، توجد مادة تحمل الرقم 6، أي أنها في مقدمته، تقول: "اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية."، فبأي منطق  ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ تدعونا للتقيد بالقانون، وأنت الذي ترفض منذ أن عرفناك أن تتقيد بهذه المادة من الدستور التي حسمت نهائيا قضية اللغة أو اللغات؟ وبأي منطق تطلب منا في آخر جملة من منشورك أن يعترف كل واحد منا بلغة الآخر، وأنت ترفض دائما أن تعترف بالمكانة التي أعطاها الدستور للغة العربية، حيث جعلها هي اللغة الرسمية الوحيدة، وأقول الوحيدة، ثم أكرر الوحيدة، للجمهورية الإسلامية الموريتانية؟

إن اللغة العربية ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ هي اللغة الرسمية الوحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية، وستبقى كذلك بنص المادة السادسة من الدستور، ولا يمكن أن تُنتزع منها تلك المكانة التي أعطاها لها القانون إلا بالقانون، أي بتعديل للمادة السادسة من الدستور عن طريق البرلمان، أو عن طريق استفتاء شعبي، ولتطمئن ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ  فلا شيء من ذلك سيحصل أبدا، فلا برلمان موريتانيا سيصوت ـ تحت أي ظرف ـ على نزع صفة اللغة الرسمية الوحيدة عن اللغة العربية، ولا الشعب الموريتاني ينتظر منه أن يُصوت في استفتاء شعبي على شيء من ذلك القبيل.

لم يحدث ـ وهذا مما يثير استغرابي حقا ـ أن طالعتُ منشورا واحدا للأخ وديعة يدافع فيه عن اللغة العربية باعتبارها اللغة الرسمية الوحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولكني كثيرا ما أصادفه في عالمنا الافتراضي هذا، وهو يدافع بحماس عن اللغة الفرنسية، إذا ما دافع آخرون عن اللغة العربية، بل إني كثيرا ما أصادفه في هذا الفضاء وهو يدعو إلى ترسيم اللغة الفرنسية وإعطائها المكانة القانونية نفسها التي تحظى بها اللغة العربية في التعليم  والإدارة.

يقول الأخ وديعة في مقال له تحت عنوان: "الإسلاميون والقضية اللغوية" منشور على حسابه بالفيسبوك بتاريخ: 10 مارس 2017 "أما البعد الثالث فهو الفرنسية بصفتها أولا لغة من لغات العالم يعني ذلك كما قررنا سلفا أنها ءاية من ءايات الله، وبصفتها ثانيا لغة جزء معتبر من أمة الإسلام اليوم؛ يعبد الله بها اليوم عشرات الملايين بل ربما مئات الملايين هنا في افريقيا وهناك في أوروبا الغربية وفي كندا، وبصفتها ثالثا- وهذه هي الأهم - لغة مشتركة مع مكونات وطنية أصيلة". 

ويقول في منشور آخر، بتاريخ 5 مارس 2018: "لأهل هذه البلاد في الموضوع اللغوي خياران؛ إما ثنائية لغوية ( العربية والفرنسية ) أو رباعية لغوية ( العربية والبولارية والسوننكية والولفية ) وأحسب أن الأجدر بنا اختيار الأيسر وما هو بإثم؛ بمعنى أن تظل العربية لغة رسمية وأن تكون الفرنسية لغة ثانية في الإدارة والتعليم".

من الواضح لكم ـ ولا أظنني كنتُ بحاجة لأن أوضح لكم هذا ـ أن لا علاقة لما كتب الأخ وديعة عن اللغة الفرنسية باحترام القانون، والذي كان قد أوصانا باحترامه في منشوره، فاللغة الفرنسية لم تذكر في الدستور الموريتاني، لا بصفتها لغة رسمية، ولا بصفتها لغة وطنية، ولا حتى بصفتها لغة أجنبية، فلماذا يقحمها الأخ وديعة هنا ما دام يصرُّ على مطالبتنا بأن نؤسس حديثنا على القانون؟

 وحتى إذا ما تجاوزنا القانون إلى المعطيات التي أوصانا بها كذلك الأخ وديعة في منشوره، فسنجد أن معطياته التي قدم غير متماسكة، ولا تعطي أي حجة مقنعة لاعتماد اللغة الفرنسية لغة رسمية في موريتانيا، فهو عندما يَقول إن اللغة الفرنسية آية من آيات الله، فليست تلك ميزة خاصة باللغة الفرنسية دون غيرها، فكل اللغات آيات من آيات الله، وأولى اللغات بتلك الصفة هي اللغة العربية التي اختارها الله لحكمة يعلمها هو أن ينزل بها آخر كتبه، وأن يجعلها لغة السنة النبوية الشريفة، ووعاء الفقه الإسلامي، وقوله إنها لغة "يُعْبَد بها الله.." فذلك قولٌ لم أستوعبه جيدا، وأظنه كان يقصد بقوله إن العديد من الناطقين أو المتحدثين بالفرنسية هم من المسلمين الذين يعبدون الله. إذا كان هذا هو ما يقصد فعلا، فليست تلك أيضا بميزة خاصة باللغة الفرنسية دون غيرها من اللغات، فهناك لغات عالمية أخرى يتحدث بها عدد من المسلمين يفوق بكثير عدد المسلمين الذين يتحدثون باللغة الفرنسية، وعموما فإذا كانت هناك لغة أقرب للإسلام وللمسلمين، فهي وبكل تأكيد اللغة العربية التي يحتاج إليها كل مسلم لتلاوة القرآن وتدبره، ويحتاج إليها كذلك في صلاته، والتي أوجب الله عليه أن يؤديها في اليوم خمس مرات.  وتبقى الحجة الثالثة التي حاول الأخ وديعة تسويقها، وذلك لتأكيد طرحه القائل ـ أو طرح الإسلاميين عموما حسب عنوان المقال ـ  بأن المقاربة اللغوية في موريتانيا يجب أن تكون ثلاثية الأبعاد، هي قوله: "وبصفتها ثالثا- وهذه هي الأهم- لغة مشتركة مع مكونات وطنية أصيلة"، وكأنه أراد أن يقول لنا هنا إن اللغة العربية ليست لغة مشتركة مع تلك المكونات الوطنية الأصيلة، وهذا منكرٌ من القول يجب الرد عليه.

يحاول الأخ وديعة، وكما يحاول كثيرون، أن يجعل من اللغة الفرنسية حصرا، ودون غيرها من اللغات، اللغة الوحيدة التي يمكن أن تكون لغة مشتركة مع بعض مكوناتنا الوطنية. إن هذه النظرة الخاطئة عند الأخ وديعة وغيره، تستوجب منا التذكير بالمعطيات التالية:

1 ـ أن العلاقة بين اللغة العربية ولغاتنا الوطنية، أقوى من العلاقة بين اللغة الفرنسية ولغاتنا الوطنية، فاللغة العربية جاءت إلى إفريقيا يحملها الإسلام، واللغة الفرنسية جاءت إلى إفريقيا يحملها الاستعمار، وشتان ما بين لغة حملها الإسلام إلى قوم، ولغة حملها الاستعمار إليهم؛

2 ـ أن اللغة العربية هي التي نقلت لغاتنا الوطنية من لغات شفوية إلى لغات مكتوبة، فكُتِبت هذه اللغات ولأول مرة في تاريخها بالحرف العربي، وظل الحال على ذلك، إلى أن جاء الاستعمار الفرنسي فحارب المحاظر، وقتل العلماء،  وأحرق الكتب، وعمل على خلق جفاء أو فجوة بين اللغة العربية واللغات الافريقية، وكان مما استخدم لذلك اعتماد الحرف اللاتيني بدلا من العربي في كتابة بعض اللغات الافريقية؛

3 ـ  أن ما يزيد على 50% من مفردات لغاتنا الوطنية له جذور أو أصول عربية؛

4 ـ أن الموريتاني الوحيد الذي لُقِّب بجدارة برائد تعليم اللغة العربية في موريتانيا، والذي يستحق بالفعل حمل ذلك اللقب هو العالم الكبير الحاج محمود با رحمه الله. تجنبتُ القول بأنه رائد التعريب في موريتانيا، وهو  بالفعل رائد التعريب في موريتانيا، وذلك لعلمي بأن كلمة "التعريب" تثير حساسية الأخ وديعة؛

5 ـ أن هناك شيخا موريتانيا قال للرئيس الراحل المختار ولد داداه بعد أن أنهى خطابا له باللغة الفرنسية أمام جمع من إحدى مكوناتنا الوطنية، والتي يعتبر الأخ وديعة بأن اللغة الفرنسية لغة مشتركة لها، قال له، لا أحد يا سيادة الرئيس فهم شيئا من خطابك، فكل الحاضرين هنا لا يعرفون إلا لغتهم البولارية، أو اللغة العربية التي هي لغة دينهم؛

6 ـ أن الموريتاني الذي يمكن اعتباره ضحية من نوع خاص، لازدراء وتهميش اللغة العربية في الإدارة الموريتانية، هو المختفي أو المفقود موسى يورو بنجا صو، خريج المعهد العالي للاتصالات السلكية واللاسلكية بسوريا، وقد التحق موسى من قبل اختفائه بهيئة البريد والمواصلات في الفترة ما بين 1980 و1982، فهُمِّش في تلك الإدارة لأنه لا يتحدث إلا باللغة العربية، ونُقِل ـ مبالغة في تهميشه وإهانته ـ  إلى قسم البريد والطرود تحت إمرة مفتش، واستمرت الإدارة في تهميشه وإذلاله، إلى أن وصل الأمر إلى ما فوق طاقة تحمله، فقرر ذات يوم أن يختفي إلى الأبد، ولم يترك خلفه لأسرته وأصدقائه إلا قصاصة قصيرة كتب عليها: "وداعا، لقد تركت لكم إذاعتي في متجر جارنا، وأخذت منه مبلغا يسيرا، سددوه وخذوا الجهاز". 

فلتعلم ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ أنه مرت 43 سنة على اختفاء موظف موريتاني من مكونة ترى أنت بأن اللغة الفرنسية لغة مشتركة لها، وكان سبب اختفائه هو انتصاره للغة العربية، ورفضه أن يهمش ويذل في وظيفته وفي بلده، بسبب أن لغته التي تعلم بها هي اللغة العربية. ربما لم تسمع ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ بقصة هذا الموريتاني المختفي انتصارا لكرامته وللغة العربية، وربما تكون قد سمعتَ بها ولم تهتم بها، فالحديث عن هذا النوع من الضحايا قد لا يخدم طرحك، ولا يخدم المغالطة التي تروج لها، وهي المغالطة التي تقول إن اللغة الفرنسية لغة مشتركة لمكونات وطنية أصيلة.

7 ـ لعل آخر مغالطة يمكن أن تستنجدوا بها، يا أخانا الفاضل وديعة، لتبرروا بها ترسيم اللغة الفرنسية في موريتانيا، هي المغالطة التي تقول بأن بعض مكوناتنا الوطنية بحاجة لتعلم اللغة الفرنسية، وذلك لضمان تواصلها مع امتداداتها العرقية خارج موريتانيا، وخاصة في دول الجوار الإفريقي. 

فلتعلموا ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ بأن هذه المغالطة ما هي بمخرجتكم من ضيق الحجج الذي تتخبطون فيه، وهي مغالطة لم تعد قابلة للتسويق، خاصة وبعد أن اقتربت كثيرا من الوصول إلى  تاريخ انتهاء صلاحيتها، والراجح أنها ستُرمى قريبا في نفايات المغالطات المنتهية الصلاحية، ويكفي لتأكيد ذلك أن ننظر بعين استشرافية لمشهد تنامي واتساع  حضور اللغة العربية في دول الجوار الإفريقي، فمن ذلك المشهد المبشر ـ يا أخانا الفاضل وديعة  أن اللغة العربية أصبحت لغة رسمية في مالي، وهي صفة افتقدتها اللغة الفرنسية بموجب دستور مالي الجديد، فأصبحت مجرد لغة عمل فقط، وربما تفقد تلك الصفة لاحقا، فالمؤشرات تسير في ذلك الاتجاه. أما في السنغال، فإن المؤشرات أوضح، فقد نقل تقرير للجزيرة نت، يمكنكم العودة إليه في أي وقت، عن مدير المركز الإسلامي في دكار الأستاذ المبرز شارنو كاه الحبيب قوله: "إن العربية هي اللغة الأولى الأكثر انتشارا في السنغال إلى يومنا هذا"، ونقل التقرير أيضا عن وزير التعليم السنغالي السابق أبادير تام قوله: إن 35% على الأقل من الشعب السنغالي يتكلمون العربية، ومع وصول النظام الجديد للحكم في السنغال، تم اتخاذ قرارات مهمة من شأنها أن تعزز من مكانة اللغة العربية في السنغال، كان من بينها القرار بإنشاء مديرية لإدماج حملة الشهادات باللغة العربية في سوق العمل. 

 يحدث هذا في وقت شهدت فيه المنطقة موجة انسحابات من المنظمة الدولية للفرانكفونية، فقد انسحبت مالي والنيجر وبوركينافاسو من هذه المنظمة، وقد تصل موجة الانسحابات إلى دول أخرى، فالحبل على الجرار وكما يُقال، ومن المؤكد أن هذه الانسحابات سيكون لها أثرها السلبي على حضور اللغة الفرنسية في المنطقة، ويمكن أن نضيف لكل ذلك موجة العداء أو التحرر من فرنسا، ولكل ماله صلة بها، وبما في ذلك لغتها، وهي موجة متصاعدة ومتنامية لدى شباب القارة، ومن المؤكد أن كل ذلك سيساهم في تراجع حضور اللغة الفرنسية في المنطقة، وسيكون ذلك التراجع لصالح اللغة العربية، والتي أصبحت يا أخانا الفاضل وديعة تحتل اليوم الرتبة الثانية بعد الانجليزية، وربما تجاوزتها في ترتيب اللغات الأكثر حضورا في إفريقيا، حسب بعض الإحصائيات، وذلك في الوقت الذي تراجعت فيه اللغة الفرنسية إلى الرتبة الرابعة إفريقيا، وربما تتراجع أكثر في المستقبل المنظور.

إن من يشجع بعض مكوناتنا الوطنية على التمسك باللغة الفرنسية باعتبارها لغة مشتركة بدلا من اللغة العربية، والتي يفترض فيها أنها لغة مشتركة للمسلمين كافة، يظلم تلك المكونات، ويسرق مستقبل أجيالها الصاعدة، من خلال إبعادها عن لغة لم تعد لغة قوم، بل أصبحت ـ ومنذ أن نزل بها القرآن ـ  لغة دين ولغة أمة إسلامية، يبلغ تعدادها حاليا 2 مليار نسمة (ربع سكان العالم)، وسيظل كل مسلم ذي فطرة سليمة، في مشارق بلاد المسلمين وفي مغاربها،  يسعى إلى تعلمها، فبأي منطق يشجع البعض مكونات وطنية مسلمة، تنتمي إلى بلد لغته الرسمية العربية، يشجعها على ترك تعلم لغة القرآن، ولغة دستور بلدها، وتعلم لغة المستعمر بدلا من ذلك، والتي هي في تراجع كبير على الصعيدين الإقليمي والدولي على العكس من اللغة العربية؟

لقد آن الأوان ـ يا أخانا الفاضل وديعة ـ لأن تراجع موقفك الغريب من اللغة العربية، لغة القرآن، ولغة دين لأمة إسلامية بلغ تعدادها ملياري مسلم، وهي بالإضافة إلى ذلك لغة واسعة الانتشار تحتل الرتبة الرابعة في ترتيب اللغات عالميا، ثم إنها لغة رسمية وحيدة لبلدك حسب نص المادة السادسة من دستوره، فلماذا، يا أخانا الفاضل وديعة، تُطالب بترسيم لغة أخرى معها؟

أليست اللغة العربية جديرة بأن تكون اللغة الرسمية الوحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية؟

بلى، وإننا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، والحملة تضم بالمناسبة كل المكونات الوطنية، لنا رؤية بخصوص اللغات قائمة على ثلاثة مرتكزات  تختلف كثيرا عن المقاربة القائمة على ثلاثة أبعاد، والتي أوردها الأخ وديعة في مقاله: "الإسلاميون والقضية اللغوية"، وهذه هي مرتكزاتنا الثلاثة في الحملة:

المرتكز الأول:  أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية الوحيدة للجمهورية الإسلامية الموريتانية، ويجب أن تبقى كذلك، وأن ترسيمها  يجب أن يُفَعَّل بشكل كامل في التعليم والإدارة وفي كل الفضاءات الرسمية والعمومية، فليس من اللائق، ولا من المقبول، أن تستمر بعض المشاهد المناقضة لما نصت عليه المادة السادسة من الدستور، كأن يتحدث رئيس أعلى هيئة دستورية في البلد بلغة أجنبية في حفل تنصيب رئيس الجمهورية، أو يتحدث وزير موريتاني في حفل يحضره رئيس الجمهورية بلغة أجنبية (الفرنسية)، وذلك بعد أن تحدث سفير فرنسا في بلادنا بلغة عربية فصيحة، أو يتباهى عمدة بلدية من بلديات العاصمة في نشاط رسمي  بأنه حصل على الباكالوريا في موريتانيا، وتعلم الفرنسية والانجليزية والألمانية والاسبانية في موريتانيا، ولكنه لم يتعلم اللغة العربية (اللغة الرسمية للبلد)، ولذا فهو لم يستطع أن يتحدث بها في ذلك النشاط!!؛

المرتكز الثاني: أن البولارية والسنونكية والولفية لغات وطنية، يجب العمل على تطويرها، وضمان حضورها بشكل أوسع في الفضاء الثقافي والإعلامي والسياسي، وعلى مستوى التعليم فقد حُسِم حضورها من خلال القانون التوجيهي للنظام التربوي. أما المطالبة بترسيمها فهي مطالبة غير قابلة للتنفيذ، ويطرحها البعض للوقوف فقط  ضد تفعيل ترسيم اللغة العربية، وإرباك أي خطوة جادة في هذا الاتجاه، فبأي منطق تكون لبلد لا يصل عدد سكانه لخمسة ملايين نسمة أربع لغات رسمية؟ وكيف لبلد عجز بعد 34 سنة عن تفعيل ترسيم اللغة العربية، وهي لغة عالمية تحتل الرتبة الرابعة عالميا، ولغة أم لغالبية الموريتانيين، ولغة دين لجميع الموريتانيين،  فكيف لبلد عجز عن تفعيل ترسيم اللغة العربية خلال ثلاثة عقود ونصف، أن يُرسم ثلاث لغات إضافية دفعة واحدة، مع العلم أن تلك اللغات ما تزال تجد صعوبة كبيرة في كتابتها؟ 

المرتكز الثالث: أن اللغة الفرنسية يجب أن تُمنح لها مكانة اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا، وأن تُعطى لها أوسع مساحة يمكن أن تُعطى لأي لغة أجنبية في أي بلد من العالم يحترم دستوره وقوانينه. إننا في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية ندعو إلى منح اللغة الفرنسية مكانة اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا، ولكن بشرط أن لا تتجاوز المساحة الخاصة باللغات الأجنبية، وأن لا تعتدي على مساحة لا تحق لها، وأن لا تربك بذلك الاعتداء ترسيم اللغة العربية، أو تطوير لغاتنا الوطنية.

ولو كنا في الحملة الشعبية ننظر إلى المسألة اللغوية في موريتانيا بعين المكاسب والمصالح فقط، لطالبنا بجعل اللغة الإنجليزية، والتي هي لغة العالم الأولى في هذه الفاصلة من تاريخ البشرية، اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا بدلا من اللغة الفرنسية. 

(5)

تأخر كثيرا  نشر هذا الرد عن موعده المحدد، فقد كان  من المفترض أن يُنشر في يوم 24 أو 25 أو 26 من أبريل، أي بعد نشر الأخ وديعة لمنشوره بيوم أو يومين أو ثلاثة على الأكثر.

تأخر نشر الرد، لأسباب لن أفصِّل فيها في هذا المقام، وإنما سأكتفي بالقول  لكل أولئك الذين طلبوا مني أن أتوقف عن كتابة هذه الردود، بعد ردي السابق على النائب الموقرة كادياتا، بأني حسمتُ أمري، وقررت أن أرد وبقوة على كل المغالطات التي يُحاول البعض أن يمررها قبل الحوار المنتظر، خصوصا ما يتعلق منها باللغة، ولن أتوقف عن هذه الردود إلا إذا توقف الآخرون عن تسويق مغالطاتهم.

لقد التزمتُ سابقا بالصمت وعدم الرد على هذه المغالطات لأنها كانت تأتي في الغالب من نشطاء في الفيسبوك لا يستحقون الرد، أما وقد أصبحت تأتي من شخصيات سياسية ونواب وإعلاميين، بشكل متزامن ومنظم، يجعل المتابع يكاد يجزم بأن هناك خيطا ناظما للدفع بكل هذا الكم الكبير من المغالطات دفعة واحدة، في مثل هذا الظرف الحساس.

 نظرا لكل ذلك، فقد ارتأيتُ أن أكسر الصمت، وأن أرد على كبار مسوقي تلك المغالطات، لأن عدم الرد عليهم، وكشفِ زيف مغالطاتهم، قد يجعل الكثير من مواطنينا يصدقهم فيما يقولون، ويعتقد أن ما يقولون حقائق ثابتة لا يمكن التشكيك فيها.

حفظ الله موريتانيا..