الجمعة، 29 نوفمبر 2024

بيان


طالعنا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية" بيان مجلس الوزراء الأخير، المنعقد يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024، وقد استوقفتنا فقرة تُنشر لأول مرة في بيانٍ لمجلس الوزراء، تُوَّضحُ أن عملية الإعفاء من المهام التي اتُخذت في المجلس، كانت بناءً على تقرير أصدرته المفتشية العامة للدولة إثر مهمة تفتيش قامت بها لإحدى المؤسسات العمومية في البلد.

إننا في "منتدى 24 ـ 29" لنثمن كثيرا ورود هذه الفقرة لأول مرة في بيانٍ لمجلس الوزراء، وذلك لكونها سترفع من قيمة تقارير واحدة من أهم هيئات الرقابة في البلد (المفتشية العامة للدولة)، وذلك بعد أن رُفِع من مكانة الهيئة نفسها في وقت سابق بإلحاقها برئاسة الجمهورية.

ونحن في المنتدى إذ نُثمن عاليا هذه الخطوة المهمة وذات الدلالة، والتي لا شك أنها ستنعكس إيجابا على واحد من أهم الملفات في برنامج فخامة رئيس الجمهورية التي نتابعها في المنتدى (الحرب على الفساد)، فإننا بهذه المناسبة، وسعيا إلى إعطاء تقارير المفتشية العامة للدولة المزيد من الأهمية، فإننا ندعو إلى:

1 ـ  عدم تعيين من أعْفِي أو جُرِّدَ من مهامه بناء على تقارير المفتشية العامة للدولة، أو تقارير أي جهاز رقابي آخر، وأن يستمر الحرمان من التعيين على طول المأمورية (2024 ـ 2029)؛

2 ـ عدم ترشيح من أدين في ملف فساد لأي مقعد انتخابي، وأن تتبنى الأحزاب السياسية ميثاقا شرفيا بذلك، ويتأكد الأمر بالنسبة لحزب الإنصاف، وذلك باعتباره أكبر حزب داعم لفخامة رئيس الجمهورية، والذي جعل الالتزام بمحاربة الفساد  من أهم  الالتزامات في برنامجه الانتخابي؛

3 ـ عدم السماح بالإفلات من العقاب في حالة الإدانة بتهم تتعلق بالفساد، وذلك تنفيذا  لما جاء من التزامات قوية بهذا الخصوص في برنامج "طموحي للوطن" ورسالة إعلان الترشح، والتي قال فيها فخامة رئيس الجمهورية: "سنضرب بيد من حديد، ونواجه بكل قوة وصرامة كافة مسلكيات وممارسات الفساد والرشوة والتعدي على المال العام، ومن أجل ذلك سنتخذ مع بداية المأمورية المقبلة كل الإجراءات الضرورية لتعبئة الأجهزة الإدارية والرقابية والقضائية كافة من أجل تحقيق هذا الهدف".

وتنفيذا كذلك لما جاء في إعلان السياسة العامة للحكومة في هذا الصدد، حيث أكد معالي الوزير الأول في خطابه أمام البرلمان بأن الحكومة ستعمل على : "توفير الشروط اللازمة لتعزيز الدور الرادع للقضاء في مكافحة الفساد إجمالا، وفي منع الإفلات من العقاب".

وفي الأخير، فإننا في المنتدى نتقدم بأخلص التهاني وأصدق التبريكات لفخامة رئيس الجمهورية وللشعب الموريتاني بمناسبة الذكرى الرابعة والستين لعيد الاستقلال الوطني، ولا يفوتنا بهذه المناسبة أن نُذَكِّر بأن الفساد لا يختلف كثيرا عن الاستعمار، فإذا كان الاستعمار ينهب خيرات البلد، فإن الفساد ينهبها كذلك، وإذا كان الاستعمار يُفسد قيم المجتمع فإن الفساد يفسدها كذلك، وإذا كانت محاربة الاستعمار ومقاومته شكلت بالنسبة للآباء والأجداد حربا مصيرية، فإن محاربة الفساد يجب أن تُشَكِّل بالنسبة لنا اليوم حربا مصيرية، وقد وصفها فخامة رئيس الجمهورية في خطاب التنصيب بالحرب المصيرية، وهو ما يعني أن مستقبل بلدنا مرهون بالنتائج التي سيحقق في حربه المصيرية التي يخوض ضد الفساد.

نواكشوط : 28 نوفمبر 2024

اللجنة التأسيسية لمنتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.

#منتدى24_29

فرنسا لم تعد كما كانت!


و مازال في موريتانيا من يكلمك بلغة خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي، فيحدثك عن فرنسا في العام 2024 بصفتها قوة عظمى اقتصاديا وعسكريا ودبلوماسيا، وأنها هي صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في إفريقيا الغربية!

وما زال في موريتانيا من يعبد صنم فرنسا ويقدس لغتها، ويقول لك بأننا في موريتانيا لا يمكن أن نستغني عن اللغة الفرنسية لأنها لغة علم ولغة انفتاح على العالم!

يا هذا استيقظ، فنومك قد طال، استيقظ من قبل فوات الأوان، فمن يدري فربما تجد نفسك بعد عقد أو عقدين من الزمن بحاجة إلى لغة أخرى غير الفرنسية لتتفاهم مع الفرنسيين في قلب العاصمة باريس.

مرة أخرى، أجدد القول بأنه لا مشكلة لي مع فرنسا ولغتها، فأهلا بعلاقات صداقة وشراكة مع فرنسا قائمة على احترام مبدأ السيادة الوطنية، لا هيمتة فيها ولا استعلاء، وأهلا باللغة الفرنسية بصفتها لغة أجنبية أولى في موريتانيا، وأقول لغة أجنبية، أي لا يحق لها أن تغتصب مكانة في الإدارة أو التعليم كان يجب أن تبقى خالصة للغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية.

على فرنسا أن تدرك بأنها لم تعد قوة عظمى تمتلك من القدرات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية ما يؤهلها للحفاظ على علاقات قائمة على الهيمتة والاستعلاء مع مستعمراتها القديمة.

وعليها أن تدرك كذلك أن لغتها لم تعد لغة علم وانفتاح على العالم بالدرجة التي تؤهلها لأن تأخذ مكانة أي لغة رسمية أخرى في أي بلد من بلدان العالم.

يكفي اللغة الفرنسية أن تصنف اليوم في موريتانيا أنها اللغة الأجنبية الأولى، وأن لا نجعل مكانها اللغة الانجليزية، فنعتبرها اللغة الأجنبية الأولى كما فعلت بلدان أخرى.

وما على فرنسا أن تدركه  هو أن استمرارها في محاولة انتزاع مكانة للغتها على حساب لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى مواقف متشددة في غير صالحها، كالمطالبة بجعل اللغة الانجليزية هي اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا بدلا من اللغة الفرنسية، ومما لا شك فيه أن إبدال اللغة الفرنسية باللغة الإنجليزية في موريتانيا سيجلب لنا مصالح أكثر، ولمن يشك في ذلك فيمكنه أن يسأل رواندا.

#معا_لتفعيل_المادة6



الثلاثاء، 26 نوفمبر 2024

هل ستتم دعوة مجلة العربي لمهرجان شنقيط؟


في العام 2016 زرتُ الكويت بدعوة كريمة من وزير الإعلام الكويتي، وكان حينها الشيخ سلمان الحمود الصباح، وعلى هامش تلك الزيارة شرفني الدكتور عادل سالم العبد الجادر رئيس تحرير مجلة العربي في ذلك الوقت بلقاء في مكتبه بمقر المجلة، وخلال اللقاء اقترحتُ عل  إدارة المجلة برمجة زيارة إلى موريتانيا لإجراء استطلاع عن مدينة وادان بمناسبة النسخة التي كانت ستنظم في تلك الفترة من مهرجان المدن القديمة في مدينة وادان.

حصلتُ على موافقة مبدئية من رئيس تحرير العربي الذي رحب كثيرا بالمقترح، كما أن وكيل وزارة الاعلام الكويتي حينها (سيصبح فيما بعد وزيرا) تعهد ـ مشكورا ـ باسم الوزارة بتحمل كل تكاليف الزيارة وبتذليل كل المصاعب الفنية التي قد تعيق تنظيمها. 

لم تتم تلك الزيارة، ولم يكن متاحا لي في تلك الفترة أن أنسق موضوعها مع وزارة الثقافة، بسبب التصنيف السياسي في تلك الفترة.

أظن أن الفرصة متاحة اليوم أمام وزارة الثقافة لدعوة مجلة العربي لحضور مهرجان مدائن التراث الذي سينظم هذا العام بمدينة شنقيط، خاصة وأن مجلة العربي كانت قد خصصت استطلاعها الثاني عن موريتانيا، والذي جاء في العدد رقم  118 الصادر بتاريخ 1 سبتمبر 1968 لمدينة شنقيط، وكان بعنوان : "تحت هذه الرمال ترقد شنقيط". وفي هذا الاستطلاع المتميز قدمت مجلة العربي لقرائها العرب شيئا من تراث شنقيط، وثروتها الثقافية المهددة بالضياع، وكشفت في ذات الوقت عن تعلق الموريتانيين بالثقافة. 

فكم هو جميل أن تعود مجلة العربي إلى مدينة شنقيط باستطلاع جديد بعد أكثر من نصف قرن (56 عاما) من أول استطلاع  لها عن هذه المدينة.

تستحق مجلة العربي الكثير على الموريتانيين، فقد كانت في عقد الستينيات من القرن الماضي بمثابة سفارة متنقلة لموريتانيا في الدول العربية، وذلك من قبل أن تنضم بلادنا للجامعة العربية.

الأحد، 24 نوفمبر 2024

المادة 61 خط أحمر !

                                                                                     


أُعْلِن مؤخرا عن تشكيل لجنة برلمانية لمراجعة النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وتتشكل هذه اللجنة من 13 نائبا، ويترأسها النائب سيدينا سوخنه.

قد يبدو لكم ـ ولأول وهلة ـ أن هذا الخبر هو مجرد خبر عادي يخص النواب لوحدهم، ولا يستحق أي تعليق من خارج الجمعية الوطنية. ربما يكون الأمر كذلك بالنسبة لكم، ولكنه بالنسبة لي، أنا الذي كنتُ شاهدا في الفترة الماضية على معركة شرسة لم يعلن عن دوافعها الحقيقية، وغابت تفاصيلها عن الرأي العام، وكانت ساحتها الخفية المادة 61، فإن هذا الخبر بالنسبة لي ليس خبرا عاديا، ولا شأنا داخليا يخص النواب، وإنما هو خبر مقلق، إن كانت المادة 61 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية من بين المواد المستهدفة بهذه المراجعة.

عن أول تعديل للمادة 61

في شهر يوليو من العام 2019 أُجْرِيَّ أول تعديل على المادة 61 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وكانت ردود الأفعال المناهضة لذلك التعديل قوية جدا، وكانت تُدافع في مجملها، حتى وإن لم يُعلن عن ذلك، عن مكانة اغتصبتها اللغة الفرنسية في جمعيتنا الوطنية، وبغير وجه حق.

لقد بذل الرئيس السابق للبرلمان الشيخ ولد بايه، وهذا مما يُحسب له، جهدا كبيرا لصالح لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية خلال فترة رئاسته للبرلمان، ومن ذلك الجهد أنه تمكن في ظل رئاسته للبرلمان من إجراء تعديل على المادة 61 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية، ليصبح نصها بعد التعديل :" تُوفر إدارة الجمعية الوطنية الترجمة الفورية لمداولات البرلمان باللغات الوطنية".  

تَرتَّب على هذا التعديل، أن اتخذ ولد بايه إجراءات في غاية الأهمية مكنت في المحصلة النهائية من ترجمة  كل مداخلات النواب  في البرلمان إلى كل اللغات الوطنية، بل أكثر من ذلك فقد أصبح بإمكان كل موريتاني أينما كان، أن يستمع لكل ما يدور في غرفته التشريعية من نقاش بلغته الأم أيا كانت لغته الأم، وكان ذلك بفضل تعديل المادة 61، واكتتاب مترجمين للغات الوطنية، وإطلاق قناة البرلمانية المتخصصة في بث مداولات البرلمان، والتي يصل بثها إلى الجميع. 

بعد هذا التعديل الهام شُنَّت حرب إعلامية شرسة ضد الرئيس السابق للجمعية الوطنية، وقد قيل حينها إنه منع التحدث باللغة الفرنسية في البرلمان، وهذا غير صحيح، فكل ما فعله الرجل هو أنه ألزم بترجمة المداخلات التي يتحدث أصحابها بإحدى لغاتنا الوطنية، وأوقف الترجمة من وإلى اللغة الفرنسية، مع السماح لكل من يريد من النواب أن يتحدث بالفرنسية أن يتحدث بها، ولكن من دون الاستفادة من خدمة الترجمة الفورية التي أصبحت خاصة بلغاتنا الوطنية.

هذا هو ما حدث بالضبط حينها، مع أن الطبيعي، لو كان برلماننا يعمل بشكل طبيعي كبقية البرلمانات في العالم، أن يُحَرَّم، بل ويُجَرَّم الحديث بأي لغة أجنبية داخله، ففي البرلمان الفرنسي مثلا يُحظر استخدام أي لغة غير الفرنسية، وفي تونس التي تصل فيها نسبة المتحدثين باللغة الفرنسية إلى ما يقارب 50 % من الشعب التونسي، فإن المادة 104 من النظام الداخلي للبرلمان التونسي تحظر استخدام اللغة الفرنسية داخل البرلمان، وفي المغرب يحظر استخدام أي لغة غير العربية والأمازيغية داخل البرلمان المغربي، وفي الجزائر نفس الشيء، وهكذا في العديد من دول العالم.

لم يحظر ولد بايه الحديث باللغة الفرنسية داخل الغرفة التشريعية، وهذا ما كان يجب أن يحصل، وإنما اكتفى ـ وهذا هو أقل ما يجب ـ بأن أوقف الترجمة من وإلى الفرنسية، ومع ذلك فقد شُنت ضد الرجل حملة إعلامية شرسة، فأصدرت بعض أحزاب المعارضة وبعض الجهات المحسوبة عليها، بيانات شديدة اللهجة للتنديد بهذا التعديل، وبدأت إذاعة فرنسا الدولية في التحريض ونشر الأكاذيب  في محاولة لتأجيج الرأي العام لفرانكفوني ضد التعديل.  وقد بلغ حجم التلفيق بالإذاعة أن قالت في إحدى نشراتها على لسان مراسلها في نواكشوط الصحفي "سالم مجبور سالم" إن اللغة الفرنسية ـ حسب الدستور الموريتاني ـ هي لغة عمل في موريتانيا!!!

كما أنها قالت في نفس النشرة بأنه قد تم تحريم التحدث باللغة الفرنسية في مداولات البرلمان الموريتاني، وهي المغالطة التي كررتها في خبر نشرته على موقعها يوم 03 ـ 02 ـ 2020 عند منتصف الليل وست وعشرين دقيقة، واختارت أن تعنونه بنفس الكذبة التي تقول بأنه تم تحريم التحدث باللغة الفرنسية في البرلمان الموريتاني.

ولم تتوقف الحملة ضد تعديل المادة 61 عند تلفيق إذاعة فرنسا الدولية، بل إن السفير الفرنسي في نواكشوط شارك في الجهود الرامية لإعادة الترجمة من وإلى اللغة الفرنسية، حيث ذكرت بعض وسائل الإعلام المحلية أنه استدعى بعض النواب، وحثهم على التمسك بالمطالبة بتوفير ترجمة مداولات البرلمان من وإلى اللغة الفرنسية، ومع أن السفارة الفرنسية نفت فيما بعد هذا اللقاء، إلا أن هناك قرائن عديدة لا يناسب المقام لذكرها تدعم صحة ما تحدثت عنه بعض وسائل الإعلام المحلية عن لقاء السفير الفرنسي ببعض النواب.

أول محاولة للالتفاف على التعديل

في شهر يناير من العام 2022 تم تشكيل لجنة برلمانية جديدة من 5 نواب لمراجعة النظام الداخلي للجمعية الوطنية، وكانت هناك محاولة جادة لتعديل المادة 61. فبعد شيء من التقصي قمتُ به حينها، وبعد اتصال ببعض أعضاء اللجنة، فهمتُ أن هناك محاولة جدية لتعديل هذه المادة يقودها أحد النواب، ويدعمه أربعة نواب من خمسة هم أعضاء اللجنة، والحجة التي كان يُدفع بها هي أن اللجنة ترى أن ترجمة الجمعية الوطنية للمداخلات باللغات الوطنية كانت مسألة في غاية الأهمية ويجب أن تستمر، ولكن ـ والمشاكل تأتي دائما بعد ولكن ـ فإن اللجنة ترى أنه من المهم كذلك أن تشمل الترجمة أيضا المداخلات المقدمة باللغة الفرنسية.

لا تخفى بالطبع خطورة العودة إلى ترجمة المداخلات باللغة الفرنسية، فخطوة كهذه، وبالإضافة إلى أنها ستشكل مساسا بالسيادة الوطنية في غرفتنا التشريعية، وتعدُّ شذوذا عن أعراف البرلمانات في العالم، فإنها ستشكل أيضا  طعنة قوية في الظهر، بل وفي الصدر أيضا، للغاتنا الوطنية الثلاث.

إن العديد من النواب الناطقين بلغاتنا الوطنية الثلاث ما زال يرفض ـ حتى الآن ـ التحدث بلغته الأم في البرلمان، ومن المؤسف أن بعض هؤلاء النواب لا يتذكر لغته الأم إلا عند ما يتم الحديث عن تفعيل ترسيم اللغة العربية، فهنا وهنا فقط يتذكرها، بل إنه قد يُطالب بترسيمها، ومساواتها قانونيا باللغة العربية، ولا يخفى أن طلبا كهذا لا يقصد من ورائه إلا الوقوف ضد تفعيل ترسيم اللغة العربية، فهل سمعتم عن وجود دولة في هذا العالم لا يتجاوز سكانها خمسة ملايين، لديها أربع لغات رسمية؟

إن المطلوب لمن يهتم حقا بلغاتنا الوطنية، هو أن يعمل على تطويرها لتصبح قابلة للكتابة، وأن يسعى لحضورها بشكل أوسع في الفضاءات العامة، وقد اتخذت في  السنوات الأخيرة خطوات مهمة في هذا الاتجاه، حيث أُطلقت وحدة لتدريس لغاتنا الوطنية لشعبتي القضاء والإدارة في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، وبدأ تدريسها في المدارس بشكل متدرج، تنفيذا لما جاء في القانون التوجيهي للنظام التربوي، هذا بالإضافة إلى توفير الترجمة منها وإليها في الجمعية الوطنية، ولا تقل هذه الخطوة الأخيرة أهمية عن سابقتيها، ومع ذلك ـ وهذا من غرائب الأمور ـ فقد وقف بعض الناطقين بلغاتنا الوطنية ضد هذه الخطوة، ورفض بعضهم أن يتحدث بلغته الأم في البرلمان، ولعل خير مثال يمكن تقديمه هنا هو رفض أحد النواب الشباب المحسوببين على المعارضة أن يتحدث بلغته الأم في أول مداخلة له في البرلمان، وتحدث بدلا منها باللغة الفرنسية، وقد شجعه على ذلك بعض نواب المعارضة، رغم أن حديثه بلغته الأم كان سيترجم إلى كل اللغات الوطنية، وهو ما سيمكن كل الموريتانيين من سماع مداخلته بلغاتهم الأم، ففضل بدلا من ذلك، الحديث باللغة الفرنسية، مع علمه مسبقا بأن مداخلته لن تترجم إلى اللغات الوطنية، ولن تفهمها إلا القلة القليلة جدا من الموريتانيين التي تفهم اللغة الفرنسية، والتي لا تصل نسبتها إلى 10% من مجموع الموريتانيين. 

إن أي تعديل جديد للمادة 61، يهدف إلى فتح المجال مرة أخرى للترجمة من وإلى اللغة الفرنسية، سيجعل بعض النواب النطاقين بلغاتنا الوطنية الثلاث، والذين بدؤوا يتحدثون في البرلمان بلغاتهم الأم، يتوقفون عن الحديث بها، ويعودون إلى الحديث باللغة الفرنسية بعد أن ضُمِنَتْ لهم ترجمة مداخلاتهم باللغة الفرنسية إلى كل اللغات الوطنية، وسيعني ذلك تراجع استخدام لغاتنا الوطنية في البرلمان، أي انحسار استخدامها في فضائنا التشريعي.

وشهادة للتاريخ، فإن الذي وقف بحزم ضد هذا التعديل هو الرئيس السابق للبرلمان الشيخ ولد بايه، والذي ينقل عنه أنه قال ما مضمونه: إن المادة 61 لن تمس، ولن يجرى عليها أي تعديل جديد، ما دمتُ أنا رئيسا للبرلمان.

لا مشكلة لديَّ مع فرنسا ولغتها

يحاول بعض لفرانكفونيين، ممن لا يجد حججا مقنعة، ولا حتى حججا غير مقنعة، يُدافع بها عن استمرار اغتصاب اللغة الفرنسية لمساحات لا تستحقها في الإدارة والتعليم في موريتانيا، يحاول أولئك أن يلصقوا بي ـ وبغيري من المدافعين عن لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية ـ  تهمة "معاداة الفرنسية" أو "معاداة فرنسا"، ولؤلئك أقول، وكما قلتُ سابقا: إذا برَّ الابن والديه فهذا لا يعني أنه عاق لآباء وأمهات الآخرين، وإذا أحب المواطن وطنه فهذا لا يعني أنه يبغض أوطان الآخرين، وإذا دافع هذا المواطن عن لغته الرسمية أو لغاته الوطنية، فهذا لا يعني ـ بأي حال من الأحوال ـ  أنه يعادي لغات الآخرين.

إن العاق حقا هو من يعق والديه، حتى وإن برَّ كل الآباء والأمهات في العالم، والخائن حقا هو من يخون وطنه، حتى وإن ضحى بحياته من أجل أي دولة أخرى في العالم، والمستلَبُ حقا هو من لا يتعلم اللغة التي نزل بها القرآن، ولا يدافع عنها، ولا يفتخر بأن لغة بلده الرسمية هي اللغة التي اختارها الله لتكون لغة القرآن العظيم، ووعاء الشريعة الإسلامية.  إن المستلب حقا هو من لا يتعلم لغة بلده الرسمية، ولا يدافع عنها، ولا يفتخر بها، وسيبقى هذا المستلبُ مستلبا حتى وإن تعلم كل لغات العالم الأخرى.

تلك كلمة كان لابد أن تقال ـ وبأعلى صوت ـ عن لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية، وما دامت تلك الكلمة قد قيلت، فإليكم كلمة مكملة عن فرنسا ولغتها.

فيا أيها لفرانكفونيون الذين تتهمونني ب"معاداة الفرنسية" : أنا لستُ معاديا للغة الفرنسية، واللغات ليس أصلا محل عداء أو كره، وأنا من الذين يرون أن تعلم أي لغة مهما كانت يعتبر إضافة وميزة لمن تعلمها، وليست منقصة أبدا، خاصة إن تعلم تلك اللغة بعد تعلم لغة بلده الرسمية، والتي هي بالمناسبة لغة كل مسلم في هذا العالم يريد أن يتدبر القرآن أو أن يتفقه في دينه. 

وأنا من الذين يرون ـ وهنا سأزيدكم من الشعر بيتا ـ أن فرنسا يجب أن تكون أقرب لبلدنا من كل دول الغرب الأخرى، وأن علاقتنا معها يجب أن تكون أقوى من علاقاتنا مع أي دولة غربية أخرى، وأرى كذلك أن اللغة الفرنسية يجب أن تكون اللغة الأجنبية الأولى في بلدنا، حتى وإن كنتُ أدركُ أن جعل اللغة الإنجليزية هي اللغة الأجنبية الأولى في بلدنا قد يجلب لنا مصالح أكثر، وأن إقامة علاقات أقوى مع دول غربية أخرى غير فرنسا قد يجلب لنا كذلك مصالح أكثر.

نعم إن فرنسا ولغتها، وبحكم تاريخ العلاقات بين بَلدينا، وهي علاقات لم تكن في مصلحتنا دائما، ففرنسا المستعمرة لم تترك لنا من بنية تحتية إلا مباني قليلة أغلبها كان من الطين، وأكثرها كان سجونا. أقول إن فرنسا ولغتها، ورغم كل ما يمكن أن يُستحضر من ماض غير مشرف، يجب أن تحظى في بلادنا بمكانة خاصة بالقياس مع دول الغرب الأخرى ولغاتهم، ويجب أن تمنح اللغة الفرنسية كلغة أجنبية، مكانة خاصة في بلدنا بالقياس مع اللغات الأجنبية الأخرى، وتُمنح فرنسا علاقات خاصة بالقياس مع دول الغرب الأخرى.

هذا ما أراه بخصوص علاقتنا بفرنسا ولغتها، ولكن على فرنسا أن تعلم ومن الآن،  بأن استمرار اغتصاب اللغة الفرنسية لمكانة لا تستحقها في إدارتنا أو في تعليمنا على حساب لغتنا الرسمية أو لغاتنا الوطنية لم يعد مقبولا، بأي حال من الأحوال.

نعم للغة الفرنسية بصفتها لغة أجنبية أولى في موريتانيا، ولا، وألف لا، للسماح لهذه اللغة الأجنبية بأن تغتصب، ولو ملليمترا واحدا، من فضاءاتنا الرسمية وشبه الرسمية، والتي يجب أن تبقى حكرا للغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية. 

على فرنسا أن تأخذ العبرة مما جرى في بعض مستعمراتها السابقة في إفريقيا، وعليها أن تدرك بأن استمرارها في محاولة فرض هيمنتها ولغتها على شعوب ودول مستقلة، سيأتي بنتائج سلبية، وقد يولد عداءً قويا لدى شعوب تلك الدول لفرنسا ولكل ما لها به علاقة، مثلما ما حصل في مالي والنيجر واتشاد وفي دول إفريقية أخرى.

عذرا، يبدو أن المقال قد تجاوز أضعاف المساحة المخصصة له، ومع ذلك فقد بقي في الصدر كثيرٌ مما كان يجب أن يُقال، وفي ختام هذا المقال أذكر بما بدأتُ به : المادة 61 خطٌ أحمر.

حفظ الله موريتانيا..


الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024

متى ستتوقف الإساءة إلى اللغة الرسمية للبلد؟


في الوقت الذي تستعدُّ فيه بلادنا (حكومة وشعبا) لتخليد الذكرى الرابعة والستين للاستقلال الوطني، وفي الوقت الذي تُحضِّر فيه الهيئات العاملة من أجل التمكين للغة العربية لتخليد شهر اللغة العربية في موريتانيا، في هذا الوقت بالذات تعرضت اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية للعديد من الإساءات من مؤسسات رسمية يُفترض فيها أنها تسهر على تطبيق القانون.

لم تسلم اللغة العربية في هذا البلد من الإساءة على طول السنة، وحتى في شهر الاستقلال وشهر اللغة العربية، فإنها لم تسلم من الإساءة، وسأكتفي هنا بتقديم ثلاثة أمثلة صادمة من تلك الإساءات المتكررة.

المثال الأول

للعلم، وعلم الشيء خيرٌ من جهله، توجد في موريتانيا هيئة رسمية تُعنى بالإشهار تدعى سلطة تنظيم الإشهار، وهذه السلطة هي المعنية  بفرض تطبيق القانون رقم 017/2018 المنظم للإشهار، والذي تقول مادته 66 : " تصاغ رسائل الإشهار على عموم التراب الوطني باللغة الرسمية واللغات الوطنية حسب الجمهور المستهدف، مع وجوب مراعاة سلامتها نحويا، ويمكن استخدام لغات أجنبية عند الاقتضاء...وتكون اللغة الأجنبية وجوبا تحت اللغة الرسمية أو اللغات الوطنية إذا رتبت اللغات بشكل عمودي من الأعلى إلى الأسفل، وتكون اللغة الأجنبية على اليسار إذا رتبت اللغات أفقيا من اليمين إلى الشمال".

إليكم الصدمة الأولى: من مرَّ خلال هذه الأيام من أمام المقر الرسمي الجديد لسلطة تنظيم سلطة الإشهار، المسؤولة عن تطبيق المادة أعلاه على كل اللافتات الإشهارية على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية. من مرَّ من أمام ذلك المقر، وتوقف أمام لافتته المثبتة على واجهته الأمامية، فلن يُشاهد حرفا عربيا واحدا على تلك اللافتة!!

المثال الثاني:

كنتُ من الذين استبشروا خيرا بتعيين وزير الصحة الحالي على قطاع الصحة، ويُعد قطاع الصحة من القطاعات الحكومية الأكثر عبادة والأشد تقديسا للغة الفرنسية. استبشرتُ خيرا بتعيين الوزير الحالي لأني طالعتُ منذ فترة تعميما موقعا باسمه خلال فترة إدارته لمركز الاستطباب الوطني، جاء فيه، وبالنص : "عملا بمقتضيات دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية الذي ينص على أن اللغة الرسمية للبلد هي اللغة العربية أطلب من الجميع التقيد في المراسلات الرسمية داخل المؤسسة وخارجها وجميع الوثائق الإدارية باللغة العربية."

لقد توقعتُ من هذا الوزير أن يحيي سنة حسنة بدأها الوزير الراحل محمد محمود ولد الديه في الفترة ما بين (1982 ـ 1984) لما تولى إدارة قطاع الصحة، ولكني بدلا من ذلك، فوجئت اليوم بهذه الصدمة، فإليكم الصدمة الثانية : 

في يوم 18 نوفمبر 2024 أشرف معالي وزير الصحة على إطلاق مشروع "عناية الموسع" لتعزيز النظام الصحي من مدينة كيهيدي، وظهرت خلف الوزير عند افتتاحه للنشاط لافتة رسمية لا توجد فيها كلمة واحدة باللغة العربية، مع وجود عشرة أسطر أو أكثر باللغة الفرنسية!!!

لقد تعودنا من وزارة الصحة تجاهل اللغة الرسمية واللغات الوطنية في كل أنشطتها، وهي لا تتذكر لغتنا الرسمية ولغاتنا الوطنية إلا عندما تبلغ القلوب الحناجر خوفا من وباء أو جائحة، فخلال فترة جائحة كورونا نست وزارة الصحة اللغة الفرنسية تماما، أو كادت أن تنساها، وأخذت تستخدم لغاتنا الوطنية عند مخاطبة المواطنين في حملات التحسيس والتوعية ضد الجائحة التي نظمتها في تلك الفترة.

تصورا أن الوزارة أطلقت في فترة جائحة كورونا حملات تحسيسية باللغة الفرنسية فقط، والتي يجهلها أكثر من 90% من الموريتانيين، تصوروا ماذا كان سيحدث؟!

المثال الثالث


وسنتحدث فيه وبدون مقدمات عن الصدمة الثالثة، فإليكم الصدمة الثالثة:

 في يوم 18 نوفمبر 2024 سيبدأ ميناء نواذيبو المستقل استقبال العروض بخصوص مناقصة أعلن عنها في وقت سابق، واشترط ـ وكما جرت بذلك العادة ـ أن تكون العروض باللغة الفرنسية فقط.

فأيُّ صدمة أشد وقعا في النفس من أن ترفض مؤسسة رسمية استقبال وثيقة في شهر الاستقلال، لا لشيء، إلا لأنها كُتبت باللغة الرسمية للبلد!!!!!؟

وبالتأكيد فإن هذا الشرط مخالف للقانون من خمسة أوجه، وهو ما أكده منسق الشؤون القانونية في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، الأستاذ محمد المامي مولاي أعل، والذي عدد أوجه  مخالفته للقانون في النقاط الخمس التالية:

1 ـ مخالفته للمادة 6 من الدستور، التي تجعل اللغة الرسمية هي اللغة العربية؛

2 ـ مخالفته للمادة 66 من قانون الإشهار التي توجب صياغة الرسائل الاشهارية باللغة الرسمية أو اللغات الوطنية حسب الحاجة؛

3 ـ مخالفته لتعميم رئاسة الجمهورية رقم 32 بتاريخ 11 دجمبر 1972 الذي يمنع منعا باتا رفض استقبال العروض والطلبات والملفات المحررة باللغة العربية؛

4 ـ مخالفته لمبادئ قانون الصفقات العمومية وخاصة مبدأ حرية الولوج، ومبدأ مساواة المترشحين، وشفافية الإجراءات؛

5 ـ مستوجب للإلغاء على ما قرره القضاء الإداري المقارن في عدة قرارات في كل من: فرنسا والجزائر والأردن والمغرب وموريتانيا.

أشير بخصوص رفض العروض المكتوبة باللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية من طرف أغلب ـ إن لم أقل ـ  كل الوزارات والمؤسسات الرسمية، إلى أن الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية قررت دعم ومؤازرة مؤسسة "خطوة للاستشارة والتسويق الإعلامي" في طعن إلغاء تقدمت به بخصوص مناقصة أعلن عنها الصندوق الوطني للتأمين الصحي في يوم 15 يوليو 2023، واشترط للمشاركة فيها، وكما جرت بذلك العادة، أن تقدم العروض  باللغة الفرنسية فقط.

الملف يوجد منذ فترة طويلة لدى رئيس الغرفة الإدارية في المحكمة العليا، وما زلنا في الحملة ننتظر البت فيه. 

أختم المقال بتنبيهين :

التنبيه الأول : أنه لا يمكن الاستمرار في التمييز بين مواد الدستور، فمواد الدستور يجب أن تُحترم بكاملها، ولم يعد من المقبول أن ترتفع الأصوات عند انتهاك إحدى مواد الدستور، وذلك في وقت يتم فيه تجاهل الانتهاك اليومي لمادة أخرى من الدستور، توجد في مقدمته، وأقصد المادة السادسة منه تحديدا.

لم يعد من المقبول أن تستمر الإساءة إلى اللغة الرسمية للبلد بعد مرور 64 سنة على استقلال البلاد، وبعد مرور ثلث قرن على المصادقة على دستور تقول مادته السادسة بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للجمهورية الإسلامية الموريتانية.

التنبيه الثاني : أيها الموريتانيون استيقظوا وتوقفوا عن عبادة "الصنم الفرنسي"، ففرنسا اليوم لم تعد كما كانت بالأمس، ولغتها في تراجع، وحتى جيراننا من الأفارقة والذين لا يملكون لغة عالمية بديلة، بدؤوا يفكرون ـ بجد ـ  في التخلي عن اللغة الفرنسية وإبدالها بلغة أخرى، بل أكثر من ذلك، فإن اللغة الفرنسية أصبحت مهددة حتى في قلب العاصمة باريس.

أيها الموريتانيون استيقظوا، من قبل أن تكتشفوا بعد سنوات قليلة أنكم أنفقتم الكثير من الجهد والمال في تعلم لغة لا مستقبل لها، فصنم اللغة الفرنسية آيل إلى السقوط بعد سنوات قليلة، وإذا كان لابد لكم أن تبيعوا لغة القرآن ولغة دستوركم بلغة أخرى، وبئس التجارة إن فعلتم ذلك، فلتبيعوها باللغة الإنجليزية، والتي هي لغة العالم في هذه الفاصلة من تاريخ البشرية، أما اللغة الفرنسية فقد أصبحت، أو كادت أن تصبح، من لغات الماضي.

حفظ الله موريتانيا..


الخميس، 7 نوفمبر 2024

عن الاتصالات الهاتفية الساخرة!


حسب إحصائية رسمية فإن من بين 170356 مكالمة استقبلها العون الطبي الاستعجالي خلال 48 أسبوعا بعد الإعلان عن تشغيل الرقم الأخضر 101،  لم تكن مفيدة من كل تلك المكالمات إلا  2805 مكالمة، أي  نسبة 1.6 %  فقط.

من قبل الرقم 101 كان هناك الرقم 1155 الذي فُتِح في فترة جائحة كورونا، وهي فترة عمَّ فيها الخوف والقلق بين الناس، ومع ذلك لم يسلم هذا الرقم من الاتصالات الساخرة، بل إنه تحول إلى رقم لاستقبال المكالمات الساخرة والبلاغات الكاذبة، وظل ذلك حاله حتى اضطر القائمون عليه على إغلاقه.  

ومن قبل ذلك كله، وصلت سخرية البعض إلى أن اتصل بلجنة الأهلة ذات رمضان مبارك في عام مضى، وأخبرهم بأن شاهد هلال شوال، وهو لم يشاهده،  وذلك لأن هناك من قال له بأن رمضان أتعبه، وأنه يريد أن يفطر!!!

سجلت هذه الحادثة في الثمانينيات من القرن الماضي..

بالأمس نشرت صفحة الشرطة الوطنية الموريتانية على الفيسبوك بيانا للرأي العام الوطني جاء فيه أنه في يوم 5 نوفمبر استقبلت الأرقام المجانية للشرطة، والخاصة بالنجدة والزحمة والحوادث المرورية 1116 مكالمة، كان من بينها 35 اتصالا جادا فقط، أي أن نسبة الاتصالات الجادة 3% فقط، وهو ما يعني بلغة المتزسطات الإحصائية أن من بين كل 100 اتصال تتلقاها أرقام الشرطة المجانية، يكون هناك 97 اتصالا ساخرا وغير جاد!!!   

هذا الكم الهائل من الاتصالات غير الجادة يطرح مشاكل حقيقية على الجهات المعنية بتوفير خدمة استعجالية للمواطن، ويجب أن يحارب هذا النوع من الاتصال العبثي والساخر بشكل جاد، ويمكن أن يتم ذلك من خلال:

1- إطلاق حملات توعوية حول خطورة هذا النوع من الاتصالات الساخرة بأرقام خُصصت لخدمة المواطنين، والملاحظ أن صفحة الشرطة على الفيسبوك لم تقم بهذه التوعية. فيما يخص الأرقام المخصصة للزحمة والحوادث المرورية فإن شباب حملة معا للحد من حوادث السير على استعداد لأن يقوم بحملة توعوية في هذا المجال، إن وجد تعاونا من الشرطة يمكنه من عرض رسائل توعوية ليلا في بعض ملتقيات الطرق من خلال شاشات عرض كبيرة متنقلة؛

2- على القائمين على هذه الأرقام أن يجروا اتصالات رجعية على كل صاحب  اتصال ساخر يُؤَكدون له  فيه أن أي اتصال غير مفيد مستقبلا سيتحمل صاحبه عقوبات رادعة؛

3- سن قوانين لتكون هناك عقوبات رادعة لأصحاب الاتصالات الساخرة المتكررة، واليوم أصبح هذا ممكنا بعد أن أصبحت أرقام الهواتف مسجلة على بطاقات التعريف، وأصبح بالإمكان معرفة كل متصل بسهولة.

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

#معا_للحد_من_حوادث_السير

الخميس، 24 أكتوبر 2024

عن منصة عين


يعدُّ إطلاق "منصة عين" لاستقبال شكاوى المواطنين، وإبلاغهم عن التجاوزات من الإجراءات المهمة التي اتخذتها الحكومة، في سبيل تقريب خدمات الإدارة من المواطن، وخلق نوع من الرقابة الشعبية على العمل الحكومي.

بالفعل، هذه خطوة مهمة، ونحن في منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية نثمنها، فهي تدخل في صميم اهتمامنا، والذي يتمثل ـ بالأساس ـ  في متابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وخاصة على مستوى ثلاثة ملفات من برنامجه :

1 ـ محاربة الفساد؛

2 ـ تمكين الشباب؛ 

3 ـ إصلاح الإدارة وتقريب خدماتها من المواطن.

ونحن في المنتدى، إذ نثمن إطلاق منصة عين، فإنه لا يفوتنا بهذه المناسبة أن نلفت انتباه الجهات المعنية إلى تَحَدِّيَيْن اثنيْن ستواجههما هذه المنصة، أحدهما يعني الحكومة، والثاني يعني المواطن، وإذا لم تتم مواجهة هذين التحدين بصرامة، فإن المنصة لن تكون فعالة، ولن تأتي بالنتائج المرجوة من إطلاقها.

أولا / على مستوى الحكومة

في يوم 24 مارس 2022 ألقى فخامة رئيس الجمهورية خطابا بمناسبة تخرج دفعة من طلاب المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة القضاء، تحدث فيه عن الكثير من الاختلالات في عمل الإدارة، والتي من بينها عدم وجود مصالح في الوزارات والإدارات لاستقبال المواطنين. بعد ذلك الخطاب افتتحت العديد من الوزارات والإدارات مكاتب لاستقبال المواطنين، وأعلنت عن أرقام هواتف للاتصال، ولكن بعد فترة قصيرة من الزمن، توقف عمل العديد من مكاتب الاستقبال، وتعطل الكثير من أرقام الهواتف التي تم تخصيصها لاستقبال استفسارات وتظلمات المواطنين.

لا نريد في المنتدى تجربة من هذا النوع تتكرر، ولذا فنحن نطلب من الحكومة قدرا كبيرا من الجدية والصرامة والتفاعل الإيجابي مع شكاوى وإبلاغات المواطنين التي سيبعثون بها من خلال المنصة، ونطالبها كذلك بالاستمرارية في هذا التطبيق، والعمل على تحسينه وتطويره بشكل دائم، فالمشكلة تكون دائما في غياب الاستمرارية.

ثانيا/ على مستوى المواطن

استقبل العون الطبي الاستعجالي بعد 48 أسبوعا من تأسيسه 170356 مكالمة على الرقم الأخضر 101. فقط 2805 مكالمة من مجموع تلك المكالمات، أي نسبة 1.6%، هي التي كانت مكالمات مفيدة. حتى في فترة جائحة كورونا، وفي ظل القلق من هذا الوباء، لم يسلم الرقم المجاني 1155 من اتصالات المواطنين الساخرة والعبثية.

لا نريد من المواطن أن يكرر مثل ذلك مع منصة عين، فيغرقها بالمراسلات العبثية وغير المفيدة، وليعلم بأنه هو المتضرر الأول من ذلك، فهذه المنصة هي من أجل المواطن، وإذا تعطلت أو ضعف أداؤها بسبب إغراقها بمراسلات عبثية وغير مفيدة، فإن الذي سيتضرر في نهاية المطاف هو المواطن.

بكلمة واحدة:  منصة عين هي منصة مهمة جدا، ولكنها لن تؤدي الدور المطلوب منها، ولن تكون فعالة، إلا إذا تلاقت جدية الحكومة مع مسؤولية المواطن فيما سيتم تقديمه من شكاوى وإبلاغات.  

حفظ الله موريتانيا..

الاثنين، 21 أكتوبر 2024

كيف سُخِّرَ العدو لخدمة السنوار؟!


من الطبيعي جدا أن يسأل البعض عن السبب الذي جعل العدو يقوم "ببث شبه حي" للقطات الأخيرة من حياة الشهيد يحيى السنوار، وذلك من خلال تسريبه لصور وفيديوهات حصرية اختزنت تفاصيل تلك اللحظات.

ألم تُصِبْ هذه التفاصيل الحصرية كل دعايات العدو في مقتل؟

فلا زي نسائي ظهر، ولا نفق شوهد، ولا درع بشري برز، ولا أسرى في الخلفية.. لا شيء من كل ذلك ظهر في تفاصيل اللحظات الأخيرة التي وثقها العدو حصريا.

فبأي منطق ـ إذا ما تحدثنا بلغة المنطق ـ يطلق العدو رصاصة قاتلة على دعايته التي ظل يروج لها لعام كامل، خاصة أنه كان هو الشاهد الوحيد، والحاضر الوحيد، والموثق الوحيد لتفاصيل استشهاد السنوار؟

قد يقول قائل بأن الصور سربها أحد الجنود، وبعد تسريبها لم يعد بإمكان العدو أن يفعل أي شيء لاستراجعها أو تفنيدها. قبل العودة إلى الصور التي سربها الجندي، فلابد من التنبيه إلى أن هناك صورا وفيديوهات أخرى تضمنت التفاصيل الأكثر رمزية في الاستشهاد، نقلها فيما بعد الناطق الرسمي لجيش العدو، منها أن السنوار ألقى بقنابل على العدو، ومنها ظهوره ملثما جريحا جالسا على أريكة يرمي مسيرة بعصا. ( أذكر بمناسبة رمي العصا بالمثل العربي الجديد الذي كان عنوان مقالي يوم أمس : "رميته بعصا السنوار").

بالعودة إلى صور الجندي دعونا نطرح السؤال : بأي منطق يُسَرب الجندي تلك الصور؟

إن أي جندي يمتلك أدنى ذرة من عقل اكتشف صدفة أنه قتل قائدا كبيرا يُعد المطلوب الأول في "بلده"، لن يُسارع في نشر صوره، ويتأكد الأمر أكثر إذا كان هذا الجندي يعمل في الجيش الأكثر كذبا وخداعا وفبركة وتزييفا للحقائق في العالم.

إن أول فكرة كان من المفترض أن تخطر ببال هذا الجندي عندما وجد تشابها بين الجثة والمطلوب الأول لقادته، هي أن يتريث قليلا في التصوير، حتى يجد زيا نسائيا يلف به الجثة من قبل تصويرها، أو ينتظر حتى ينقلها إلى نفق أو إلى مدرسة أو إلى مستشفى تم تدميره مؤخرا، أو يذهب بها إلى جثث بعض الضحايا من المدنيين العزل فيلقيها بينهم ثم يصورها.

وبطبيعة الحال، لم يكن هناك من يستطيع أن يكذب بدليل ملموس متماسك منطقيا، أي رواية ينشرها العدو عن اللحظات الأخيرة في حياة الشهيد السنوار، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن العدو كان هو الحاضر الوحيد، وكان هو الشاهد الوحيد، وكان هو الموثق الوحيد لتلك اللحظات.

لقد أحيل بين العدو مع الفبركة رغم خبرته فيها، بل أكثر من ذلك، فلم يُحرم العدو فقط من فبركة صور الاستشهاد لدعم روايته التي كان يروج لها، بل إنه سُخِّر من حيث لا يدري لخدمة القائد الشهيد، فصور ووثق كل التفاصيل الصغيرة التي أدهشت الكثيرين، ليس فقط في بلاد العرب والمسلمين، بل وفي العالم كله، وما ينشره في مواقع التواصل الاجتماعي بعض النشطاء من مختلف دول العالم من إعجاب بالقائد الشهيد يؤكد ذلك.

لكي تفهموا ما حدث من تصرفات خارج المنطق، ما عليكم إلا أن تقرؤوا الآية رقم 30 من سورة الأنفال بتدبر : ((إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين )).

صدق الله العظيم.

حفظ الله المقاومة..


الأحد، 20 أكتوبر 2024

رميته بعصا السنوار!

 


في يوم الأربعاء 16 أكتوبر من العام 2024 استُشهد القائد العظيم يحيى السنوار في معركته الأخيرة مع العدو، وربما يكون رميه للعصا في اتجاه مُسَيَّرة للعدو، هو آخر فعل مقاوم يسجل له في حياته الدنيوية التي انتهت في ذلك اليوم.

بعد استشهاده بيوم واحد، وتحديدا في يوم الخميس 17 أكتوبر، بدأ ميلاد القائد الرمز يحيى السنوار، وكان لبعض جنود العدو دورا مهما في توثيق شهادة الميلاد تلك.

صورٌ قليلة من اللحظات الأخيرة في حياة القائد الشهيد، تم تسريبها من طرف العدو، كانت كافية لإظهار قدر كبير من الشجاعة والشموخ والكبرياء أمام العدو، وذلك في لحظة يفترض أنها لحظة ضعف بالنسبة لقائد معركة يُعدُّ هو المطلوب الأول للعدو، مصاب بجروح، يجلس وحيدا على أريكة في منزل مدمر ينتظر في أي لحظة قدوم جند من الجيش الأكثر إجراما ووحشية ودموية في التاريخ الحديث.

عندما شهدتُ تلك الصور لأول مرة كتبتُ معلقا عليها بأن العدو سيندم كثيرا على تسريبها، وبالفعل فقد ندم العدو كثيرا على تسريبها، وها هو ينشر صورا جديدة لتلافي الأمر، وقد فاته أن ميلاد رمزية القائد الشهيد قد خرج من يده، ولم يعد بإمكانه أن يوقفه بنشر صور أو مقاطع مرئية جديدة.

بطبيعة الحال، لم يكن من سرَّب تلك الصور يُريد بتسريبها أن يجعل من القائد يحيى السنوار رمزا خالدا، بل على العكس من ذلك، فقد كان يريد بها أن يُظهره ضعيفا بلا حول ولا قوة، فتسقط هيبته عند شعبه، وتنهار معنويات كل من كان يُقاتل خلفه.

لقد فات من سرب تلك الصور بأن الكون لا يتحرك بمشيئته، ولا وفق رغباته، فجيش العدو قد يستخدم ـ ودون أن يعي ذلك ـ للرفع من شأن قادة المقاومة، وقد استخدم فعلا لذلك من خلال تسريبه لتلك الصور.

إن مما يدعو للتأمل والتدبر هو أن هذا الجيش المتخصص في الكذب والخداع والفبركة، لم يتمكن من فبركة صور للقائد الرمز لإظهاره عند استشهاده مستسلما في نفق. لقد أحيل بينه مع ذلك رغم تاريخه الطويل في الفبركة والكذب.

 لقد لاقت الصور المسربة إعجابا واسعا في العالم كله، فتفاعل معها إيجابيا الكثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الغرب، بل إن بعض المغردين في اليابان اعتبروا القائد الشهيد ساموراي فلسطين.

إن العرب والمسلمين بحاجة اليوم إلى قائد رمز يكون ملهما للأجيال، ولا أحد في زماننا هذا تتوفر فيه صفات القائد الملهم مثلما تتوفر في الشهيد يحيى السنوار الذي قضى حياته بين السجن والمقاومة، والذي يعتبر مهندس معركة السابع من أكتوبر المجيد، وهو فضلا عن ذلك يتميز عن كل القادة الشهداء بأنه استشهد وهو يقاتل العدو وجها لوجه، وقد سخر الله له العدو لأن يوثق اللحظات الأخيرة في حياته، وما اختزنت تلك اللحظات من شجاعة وثبات.

فلنجعل من الشهيد يحيى السنوار قائدا رمزا وملهما للشباب العربي والمسلم، وهو أهل لذلك، فهو ليس أقل بذلا ولا أقل تضحية من نيلسون مانديلا الذي كان قائدا ملهما في إفريقيا، ولا من تشي جيفارا الذي كان قائدا ملهما لشباب الحركات اليسارية في العديد من بلدان العالم.

وختاما، يبقى أن أقول بأني أخذتُ هذا العنوان من منشور للمدون الموريتاني أحمدو أحمد الذي اقترح إضافة مثل عربي جديد إلى أمثالنا العربية، يخلد لحظة استشهاد القائد الرمز، ويُعَبَّر به عن الشخص الذي بذل كل ما يملك من جهد لتحقيق أمر ما، فيقال تعبيرا عن ذلك الجهد: "رماه بعصا السنوار"، أما إذا كان المتحدث هو صاحب الجهد، فيقول : "رميته بعصا السنوار".

حفظ الله المقاومة...

السبت، 19 أكتوبر 2024

رسائل الهجوم على منزل نتنياهو


إذا كان رئيس وزراء العدو قد نجا هذه المرة من الطائرة المسيرة التي استهدفت منزله، فربما لا ينجو مرة أخرى، وبغض النظر عن نتائج هذا الهجوم، فسيبقى الشيء المؤكد هو أن الطائرة المسيرة التي انفجرت في منزل نتنياهو قد وضعت في صندوق بريده، وفي صناديق بريد غيره رسائل قوية وغير مشفرة، منها :

1 ـ أن غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان لم تكن تمزح ـ وهي ليست معروفة أصلا بالمزاح ـ عندما قالتْ بأنها ستنتقل ـ بناء على توجيهات قيادة المقاومة ـ  إلى "مرحلة جديدة وتصعيدية في المواجهة مع العدو الإسرائيلي ستتحدث عنها مجريات وأحداث الأيام القادمة". لم يطل الانتظار كثيرا، فبعد يوم واحد من الوعد بالتصعيد، وصلت طائرة مسيرة إلى منزل نتنياهو، وأكدت بلسان مقاوم صريح وفصيح (أحدث صوت انفجارها دويا كبيرا حسب إعلام العدو)، أن غرفة عمليات المقاومة لم تكن تمزح في بيانها التصعيدي؛


2 ـ أن هذه الضربة قد جاءت بعد 20 يوما من بدء العمليات البرية في جنوب لبنان، وبدلا من أن يتحقق أحد أهم أهداف الحرب عند نتنياهو، أي إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم، فإذا بنتنياهو نفسه يظهر وهو عاجز عن حماية منزله في منطقة يفترض أنها من أكثر المناطق تحصينا؛


3 ـ أن هذه الضربة غير المسبوقة، والأولى من نوعها، قد جاءت في وقت يكثر فيه الحديث عن قرب رد  العدو على إيران، فإذا كان حزب الله قادرا على أن يصل إلى منزل نتنياهو، ألا يُشَرِّع لنا ذلك طرح السؤال : أين يمكن أن تصل أسلحة إيران إذا ما قررت التصعيد للرد على رد العدو المنتظر؟

من المؤكد أن هذا السؤال سيطرح كثيرا الآن لدى قيادات العدو، ومن الراجح أن الإجابة عليه ستترك بصمتها في طبيعة الرد على إيران؛


4 ـ أن هذه الضربة جاءت بعد ثلاثة أيام من الإعلان عن وصول منظومة الدفاع الجوي "ثاد" الأمريكية إلى دولة العدو؛


5 ـ أن هذه الضربة النوعية، والتي جاءت بعد استشهاد القائد العظيم يحيى السنوار، ولم تأت بعد استشهاد القائد العظيم حسن نصر الله، ستصيب دعايتين مغرضتين في مقتل يحاول البعض أن يدفع بهما للتشويش سلبا على شعار "وحدة الساحات".


من المؤكد أن اختيار توقيت هذه الضربة النوعية له أسبابه التي لا تعرفها إلا غرفة العمليات في المقاومة الإسلامية، ومع ذلك فيمكن القول بأن هذا التوقيت بالذات قد أعطى رسالتين إيجابيتين:

أولهما : أن تقاربه زمنيا مع استشهاد القائد العظيم يحيى السنوار، وليس مع استشهاد القائد العظيم حسن نصر الله، سيعري أكثر أولئك الذين يحاولون أن يخلقوا انشقاقا طائفيا في محور المقاومة، سيكون المستفيد الوحيد منه هو العدو؛


ثانيهما : أن هذه الضربة النوعية ستخرس ـ وإلى الأبد ـ ألسنة أولئك الذين كانوا يتحدثون عن "الحرب المسرحية"، فعندما تنفجر طائرة مسيرة في منزل رئيس وزراء حكومة العدو، فذلك يعني أنه لم يعد بالإمكان ـ حتى بالنسبة لأصحاب الخيال الواسع ـ وصف ما يحدث الآن بالحرب المسرحية.

ختاما، وبالعودة إلى بيان المقاومة الإسلامية في لبنان، فلا بد من التنبيه بأن كلمة "تصعيدية" التي جاءت في البيان تجعلنا نتوقع في كل حين تصعيدا جديدا بعد استهداف منزل نتنياهو، فماذا سيكون شكل ذلك التصعيد؟  

حفظ الله المقاومة..



الجمعة، 18 أكتوبر 2024

لماذا لا نجعل منه رمزا خالدا


كان مُلهماً في حياته، وكان ملهماً عند استشهاده، ولا أظن أن هناك قائدا مثله في زماننا هذا، اجتمعت فيه من الصفات والخصال ليكون ملهما للأجيال الحالية والقادمة مثلما اجتمعت فيه.

نعم سبقه إلى الاستشهاد قادة كبار، قد يكونون  أعلى منه رتبا، وهم - بكل تأكيد -  يستحقون أن تخلد ذكراهم أعظم تخليد، ولكنه تميز عن الجميع أنه استشهد وهو يقاتل العدو  وجها لوجه،  يقاتله بكبرياء ومهابة وجراحه تنزف، وتميز كذلك - وتلك نعمة عجلها الله له في الدنيا - أن لحظاته البطولية الأخيرة في الدنيا وثقها العدو، وتم تسريبها ليشاهدها العالم كله، فأسقط عند موته أكاذيب العدو التي تقول بأنه كان يعيش داخل الأنفاق، وأنه كان يحتمي بدروع بشرية أو بالأسرى.

كما أسقط من قبل ذلك في حياته، وتحديدا في يوم السابع من أكتوبر 2023 أكاذيب أخرى تقول إن جيش العدو لا يهزم، وأن مخابراته لا تخترق. 

كان مانديلا  رمزا في إفريقيا، وتشي جيفارا رمزا في آمريكا، فلماذا لا نجعل من القائد العظيم يحيى السنوار رمزا للعرب والمسلمين، وهو بالتأكيد ليس أقل نضالا ولا تضحية من مانديلا أو تشي جيفارا.

إننا نحسبه شهيدا، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ولكن العدو يعتقد أنه ميت الآن، فلماذا لا نجعل منه رمزا يطلق اسمه على الملايين من المواليد، وتظهر صوره في كل مكان،  في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى قمصان  الشباب، وبذلك نغيظ العدو، ونؤكد له أنه إذا كان السنوار القائد قد قُتل في نزال بطولي، فإن السنوار الرمز قد وُلِد مباشرة من بعد استشهاده، وليبقى هذا الرمز حيا حتى تتحرر فلسطين، كل فلسطين.

حفظ الله فلسطين..

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2024

بأي منطق يستثنى النواب من التصريح بالممتلكات؟


هناك تناقض لافت للانتباه في المسار الذي مَرَّ به القانون رقم 054/ 2007 الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2007، المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، ويتمثل هذا التناقض في طبيعة تعامل رئاسة الجمهورية والجمعية الوطنية مع مشروع القانون،  فعندما وصلت المسودة الأولى لهذا القانون إلى الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله، قرر أن يجري عليها تعديلا إيجابيا، وذلك عندما لاحظ بأنه لا يوجد بتلك المسودة مادة تنص على أن رئيس الجمهورية ملزمٌ بأن يعلن عن ممتلكاته للرأي العام، فما كان منه إلا أن طلب إضافة نشر رئيس الجمهورية للتصريح بممتلكاته، لتظهر في القانون المادة الثانية، والتي تقول: "يقوم رئيس الجمهورية بعد تنصيبه وعند نهاية مأموريته بالتصريح بممتلكاته وممتلكات أطفاله القصر. وينشر هذين التصريحين". بالطبع، كان من المفترض أن تُشمل الزوجة في هذه المادة.
لابد من الإشارة هنا، ومن قبل تقديم ردة الفعل المناقضة التي جاءت من البرلمان، أن النشر الذي جاء في هذه المادة لم يطبق ـ حسب علمي ـ حتى الآن، وأتمنى من فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، أن يَسُنَّ سنة رئاسية حسنة، وأن يكون هو أول رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية يلتزم بمطلب نشر التصاريح الذي جاء في المادة الثانية من هذا القانون.
لا أدري إن كان الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله قد صَرَّح بممتلكاته، والراجح عندي أنه لم يُصرح بها، وإن كان قد صرَّح بها، فالمؤكد هو أن تصريحه لم ينشر للرأي العام، وربما يكون قِصَر الفترة التي قضاها رئيسا قد حال دون تصريحه بممتلكاته، ومع ذلك فسيبقى يحسب له، أنه أجرى تعديلا إيجابيا على مسودة القانون، وذلك ليعطي المثال الحسن في محاربة الفساد، وليُظْهِر أنه حريص على إضافة كل ما من شأنه أن يحسن من القانون، ويعزز ـ بالتالي ـ من قيم الشفافية والنزاهة، حتى وإن استدعى ذلك أن يلزم نفسه بالتصريح بممتلكاته ونشر ذلك التصريح للرأي العام. أقول فإذا كان الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله قد أجرى تعديلا إيجابيا على مسودة القانون، فسنجد في المقابل، أن النواب قد أجروا على مشروع القانون تعديلا سلبيا، حذفوا بموجبه أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، وكان النواب ضمن هذه اللائحة في مشروع القانون عندما أحيل إليهم للمصادقة عليه.  
لم يوفق النواب في حذف أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، ولم يكن فعلهم ذلك مبررا، خاصة إذا ما استحضرنا:
1 ـ أن النواب في البلدان المماثلة لنا وغير المماثلة، يشملهم قانون التصريح بالممتلكات، وهم ملزمون بالتصريح بممتلكاتهم، فبأي منطق يستثنى النواب في موريتانيا؟
2 ـ أن النواب هم من يمثل الشعب، ولذا فأول ما يجب على النواب  فعله للتعبير عن تمثيلهم للشعب هو  إظهار جديتهم في محاربة الفساد، فلا شيء يتضرر منه الشعب الموريتاني أكثر من الفساد، وأول ما يجب على النواب فعله لإظهار جديتهم في محاربة الفساد هو أن يصرحوا بممتلكاتهم؛
3 ـ أن النواب لا يليق بهم أن يكونوا هم الاستثناء الوحيد من بين كل المنتَخبين في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، تقول المادة الرابعة من القانون : "يلزم كذلك بالتصريح بالممتلكات بنفس الشكل وبنفس الشروط، أصحاب المأموريات الانتخابية"، فبأي منطق يُسْتثنى النواب لوحدهم من بين كل أصحاب المأموريات الانتخابية؟ 
4 ـ أن القانون رقم 014/ 2016 المتعلق بمكافحة الفساد يجعل من المنتخَب موظفا عموميا ينطبق عليه في هذا القانون ما ينطبق على الموظف العمومي.
وتبقى الحجة الوحيدة التي يبرر بها النواب سحب أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات هي أن القانون لا يمنعهم من مزاولة الأعمال التجارية، وهذه حجة ضعيفة، فهناك في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات من لا يُحَرِّم عليه القانون ممارسة أنشطة تجارية، ثم إن السماح بممارسة الأنشطة التجارية للنواب تدعو أكثر لمطالبتهم بالتصريح بممتلكاتهم، وذلك خوفا من أن يستغلوا الصلاحيات الممنوحة لهم في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي، أن يستغلوها لتحقيق إثراء غير مشروع  من خلال الأنشطة التجارية التي يمارسونها.
ومما يزيد من ضرورة إدراج النواب في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات هو أن هناك تزايدا كبيرا في نسبة رجال الأعمال في البرلمان، وهناك من النواب من أنفق أموالا طائلة في حملته الانتخابية، وعندما فاز في الانتخابات لم يظهر له أي نشاط برلماني، ومن النادر جدا أن يُشاهد في جلسات البرلمان،  فمن هنا وجب طرح الأسئلة التالية: لماذا ترشح هؤلاء أصلا؟ ولماذا أنفقوا أموالا طائلة لضمان فوزهم ما داموا لا يفكرون في أداء مهامهم البرلمانية؟ وهل لتشرحهم علاقة ما بمصالح تجارية يريدون تحقيقها من خلال استغلال مقاعدهم في البرلمان؟ 
تزداد وجاهة طرح هذه الأسئلة في ظل تنامي حصول شركات ومؤسسات لنواب معروفين على العديد من الصفقات العمومية خلال مأمورياتهم، وذلك حسب ما ينشر في بعض المواقع والمنصات الإخبارية.
خلاصة القول : لم يعد من المقبول أن يبقى النواب خارج  لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات، خاصة في ظل هذه المأمورية التي رُفع فيها شعار محاربة الفساد عاليا، وكذلك في ظل الحديث عن قرب تعديل القانون المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، والسعي إلى تحسين آلية التصريح بالممتلكات، وإضافة التصريح بالمصالح مع التصريح بالممتلكات، والتصريح بالمصالح  قد يعني النواب أكثر من غيرهم، ومن هنا وجبت إضافتهم للائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم ومصالحهم.
حفظ الله موريتانيا..



.

السبت، 5 أكتوبر 2024

كيف لا أدعم إيران؟

 


استند على سلاحه وألقى خطاب حرب في خطبة جمعة معلنا المواجهة مع العدو، بلغة عربية فصيحة، وينتظر ردة فعل العدو خلال ساعات، والعرب - كل العرب - يتفرجون، بل إن بعضهم لا يكتفي بالتفرج فقط، وإنما يدعم العدو سرا أو جهرا.

بعد هذا كله، قد يأتيك أحدهم، ويقول لك : لا تدعم إيران ونظامها؟

يا هذا، كيف لا أدعم إيران ونظامها الحالي، وهي الدولة الوحيدة في هذا العاام التي تحارب اليوم العدو، وتخاطبه بلغة السلاح: الضربة بالضربة، والقصف بالقصف، والبادئ أظلم.

أشهدكم بأن كاتب هذه السطور، يدعم في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ العرب والمسلمين، إيران شعبا وحكومة، ما دامت تقف مع فلسطين، وتحارب العدو لوحدها، وتخاطابه بلغة السلاح، لا بلغة الانبطاح والتطبيع، والتفرج التي تسود بلاد العرب من المحيط إلى الخليج.  

مع إيران، وهي تنتظر - ربما خلال ساعات - رد العدو المدعوم بقوة من أمريكا ومن كثير من بلدان الغرب.

حفظ الله إيران..

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2024

مقترحٌ إلى معالي وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي


قد لا يلقى هذا المقترح حظا أفضل من المقترحات التي سبقته، ولكن ذلك لن يمنعني من مواصلة تقديم هذه المقترحات، فمن يدري، فربما يجد أحدها اهتماما من طرف الجهة التي وُجِّهَ إليها.

مقترحي إلى معالي وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي يدخل في إطار الجهود التي نقوم بها في "منتدى 24 ـ 29" للتوعية حول مخاطر الفساد، وهي جهود ترمي في مجملها إلى خلق بيئة مجتمعية معادية ومناهضة للفساد، وبالمناسبة فإن خلق تلك البيئة يشكل الهدف الثاني من أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والرشوة في موريتانيا، ومن المؤسف جدا أن هذه الاستراتيجية التي أطلقت في العام 2010، وجددت بعد ذلك، لم تُفَعَّل حتى اليوم، ولم يطلع عليها إلا عدد قليل جدا من الموريتانيين، بل أكثر من ذلك، فإن بعض الموظفين الكبار في وزارة الاقتصاد، وهي الوزارة المعنية بتنفيذ هذه الاستراتيجية ليسوا على اطلاع بمحتواها!!

يتعلق هذا المقترح بتخصيص أول درس في الافتتاح الدراسي في هذا العام لمخاطر الفساد، ويمكن في هذا الإطار أن يُعدَّ درسٌ نموذجي بمستويين (ابتدائي وثانوي) يتم تقديمه في السابع من أكتوبر من العام 2024 في عموم المدارس الابتدائية والمؤسسات الثانوية على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

يُعَدُّ الفساد من القضايا الشائكة التي يُجمع الموريتانيون على خطورتها، فالمعارضة الحزبية في بلادنا، ومنذ تأسيسها في بداية التسعينيات من القرن الماضي، جعلت من المطالبة بمحاربة الفساد أولوية من أولوياتها النضالية، وهي ما تزال وحتى اليوم تضعها على رأس مطالبها، والمواطن الموريتاني أينما كان يتضرر بشكل مباشر أو غير مباشر من تفشي الفساد في بلادنا.

والأغلبية الداعمة للرئيس يُفترض فيها أنها تضع محاربة الفساد على رأس أولوياتها، وذلك بعد أن جعل فخامة رئيس الجمهورية من محاربة الفساد مرتكزا أساسيا في برنامجه الانتخابي( طموحي للوطن)، وهو البرنامج الذي نال بموجبه أكثر من 56% من أصوات الشعب الموريتاني.

وحتى إن اقتصرنا على خطاب فخامة الرئيس في يوم التنصيب، فسنجد أن ما جاء في هذا الخطاب من مفردات يكفي لوحده لتقديم درس متكامل حول خطورة الفساد.

لقد صنف الرئيس في خطاب التنصيب الحرب على الفساد بأنها "حرب مصيرية"، ومن المعروف أن الحرب عندما تصنف في بلد ما بأنها حرب مصيرية، فذلك يعني أن مصير ذلك  البلد أصبح مرتبطا بنتائج تلك الحرب.

ويقول الرئيس في نفس الخطاب :" فلا تنمية، ولا عدل، ولا إنصاف مع الفساد، ومن ثم فلا تسامح معه مطلقا." وتعني هذه الفقرة من الخطاب بأن جهودنا في التنمية وإقامة دولة العدل والإنصاف ستبقى جهودا ضائعة، وعديمة الفائدة، إذا لم نحارب الفساد.

ويقول في فقرة أخرى من الخطاب نفسه بأن الحرب على الفساد هي حرب الجميع، وأنه لا سبيل للنصر فيها إلا بتضافر جهود الجميع، ومن المؤكد أن المدرسة وطواقم التدريس، وآباء التلاميذ، وكل من له صلة بالعملية التربوية، يدخل ضمن دائرة هذا "الجميع" الذي تحدث عنه الرئيس، والذي يعتبر الحرب على الفساد حربه، وهي الحرب التي لا يمكن الانتصار فيها بشكل حاسم ـ حسب ما جاء في خطاب الرئيس ـ  إلا بمشاركة هذا "الجميع".

إن أي درس تعليمي حول خطورة الفساد يتم تحضيره على أساس هذه المرتكزات الثلاثة التي جاءت في خطاب التنصيب سيكون درسا عميقا، فيكفي أن نقول في هذا الدرس أن الحرب على الفساد هي حرب مصيرية للبلد، وأنه لا تنمية ولا عدل في بلادنا من دون محاربة الفساد، وأنه لا بد من مشاركة الجميع لكسب هذه الحرب، فنحن عندما نقول ذلك لأبنائنا التلاميذ في المدارس الابتدائية والثانوية نكون قد قلنا لهم أهم ما يمكن أن يُقال حول مخاطر الفساد وضرورة محاربته.

لا تخفى أهمية تربية التلاميذ على مخاطر الفساد، فإذا كنا قد خسرنا الآباء في موريتانيا، والذين أصبحوا يمجدون الفساد والمفسدين،  وينظرون إلى المفسد المعلوم الفساد بنظرات التقدير والاحترام، فإذا كنا قد خسرنا الآباء فعلينا أن لا نخسر الأبناء، وعلينا أن نبذل كل الجهود الممكنة لتنشئتهم على أن ممارسة الفساد تعدُّ من أرذل الأفعال وأقبحها وأسوئها، وأنها من أشد الجرائم حرمة في الشرع والقانون.

لا أريد أن أختم هذا المقال المقترح من قبل أن أقول بأني لا اتفق مع الذين يقولون بأننا في هذه البلاد قد خسرنا نهائيا الكبار في مجال التوعية حول خطورة الفساد، فأنا من الذين يؤمنون بأن مجتمعنا هو مجتمع سهل الانقياد إلى ما هو صالح وإلى ما هو فاسد، وهناك أمثلة على ذلك لا يتسع المقام لبسطها، فمجتمعنا عندما يظهر له أن هناك إرادة قوية وصارمة على أعلى مستوى لمحاربة الفساد والمفسدين، فإنه سيتحول تلقائيا ـ عن قناعة أو تماشيا مع الإرادة السياسية الصارمة ـ إلى مجتمع مناهض للفساد.

حفظ الله موريتانيا..


الأحد، 29 سبتمبر 2024

بشرى في ليل الأزمة الحالك

 


هذه شبه مسلمات يجب استحضارها عند اتخاذ أي موقف مما يجرى الآن في الضاحية الجنوبية لبيروت:

1- لا يوجد نظام، ولا توجد حركة أو جماعة أو حزب في مشارق بلاد العرب والمسلمين وفي مغاربها إلا ولديه أخطاء كبيرة ارتكبها في وقت ما في حق طائفة من العرب والمسلمين هنا أو هناك.

"لا يوجد" المستخدمة في هذه النقطة بالذات، وفي غيرها من النقاط اللاحقة، تعني بالضبط "لا يوجد"؛

2 - لا يوجد في السنوات الأخيرة، إن لم أقل العقود الأخيرة، جماعة أو حزب أو نظام حاكم وجه ضربات موجعة للعدو مثلما فعل حزب الله في لبنان. لا توجد أي جماعة أو حركة أو نظام يمكن أن ينافس حزب الله في لبنان في هذا المجال اللهم إلا إذا كانت المقاومة داخل فلسطين؛

3 - لا توجد في الوقت الحالي جماعة أو حركة أو حزب أو نظام حاكم قرر أن يقف مع المقاومة في فلسطين منذ فجر السابع أكتوبر وحتى اليوم، وأن يكون سندا لها، وأن لا يقبل أن يتفاوض مع العدو إلا في إطار مفاوضات شاملة تتوقف بموجبها حرب الإبادة في فلسطين، لا توجد في الوقت الحالي جماعة أو حركة من هذا النوع إلا حزب الله في لبنان؛

لو قبلت هذه المقاومة بمفاوضات خاصة مع العدو بعد السابع من أكتوبر، لا يتم ربطها بما يجري في غزة، لما حدث ما حدث مساء الجمعة في الضاحية الجنوبية من بيروت؛

4 - لا توجد نشوة انتصار عاشها العدو في السنوات الأخيرة، إن لم أقل العقود الأخيرة، يمكن أن تُقاس بالنشوة التي يعيشها الآن بعد تمكنه من اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

المؤلم حقا أنك قد تجد بعد سرد هذه النقاط الأربع التي لا يمكن التشكيك في أي واحدة منها، قد تجد عربيا مسلما يعبر كتابة أو نطقا عن فرحه باغتيال من يسمونه نصر اللات، بل إنك قد تجد من يُصَنَّف في دائرة العلماء أو الدعاة يعلق على عملية الاغتيال بقوله تعالى : " وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ".

حقا هناك أشخاص قد يحملون شهادات كبرى، وقد يصنفون بأنهم دعاة، ومع ذلك تبقى عقولهم قاصرة، ونظراتهم ضيقة، وعجزهم بَيِّن في اتخاذ مواقف سليمة مما يجري من أحداث بالغة التعقيد في بلاد العرب والمسلمين.

وتبقى بشرى 

اغتالوا الشهيد هنية، فجاءهم السينوار وهو أكثر تشددا من سلفه، وأخيرا اغتالوا الشهيد حسن نصر الله فقد يأتيهم هشام نصر الدين، وهو أكثر تشددا من سلفه.

قد ينجح العدو في اغتيال الكثير من القادة، وقد يتباهى بذلك، ولكن كل قائد جديد يأتي سيكون أكثر قسوة على العدو، وستكون روح الانتقام لديه أعلى.

لا خلاف على أننا نتلقى اليوم ضربات مؤلمة وموجعة في لبنان، ولكننا على ثقة بأن القادة الذين سيخلفون جيل القادة الذين تعرضوا للاغتيال خلال الأيام الماضية، سيكونون أكثر حقدا على العدو، وستكون روح الانتقام لديهم عالية جدا.

أبشروا بما يسركم، وإن غدا لناظره لقريب..

الخميس، 26 سبتمبر 2024

من رقمنة المخالفات إلى رقمنة الخدمات!


طالعتُ اليوم في المواقع الإخبارية  تعميما صادرا عن مدير الأمن الوطني يتعلق برقمنة مخالفات قانون المرور في العاصمة نواكشوط، ولا خلاف على أهمية هذا التعميم، فهو من جهة سيحل عمليا العديد من المشاكل في هذا المجال، ومن جهة أخرى فهو سيساعد في الشفافية، وفي ضبط الموارد المالية المتحصلة من تلك المخالفات.

بكلمة واحدة، إنه تعميم جيد، وقد طال انتظاره، وهو يستحق الإشادة، ولكن هذه الإشادة لن تمنعنا من لفت الانتباه إلى أن الرقمنة في مجال السلامة المرورية يجب أن لا تقتصر فقط على جانب المخالفات والغرامات، بل يجب أن تشمل أيضا جانب   الخدمات المقدمة لسلامة سالكي الطرق.

قد لا يكون من المناسب أن نتذكر الرقمنة والاستفادة من التقنيات الجديدة عندما يتعلق الأمر بالمخالفات والجباية، وننسى هذه الرقمنة ولا نتذكرها عندما يتعلق الأمر بتقديم خدمات للسائق هو في أمس الحاجة إليها للحفاظ على سلامته، وسلامة مركبته. 

في يوم 11 إبريل من العام 2022 تقدمنا في حملة "معا للحد من حوادث السير" إلى كل القطاعات المعنية بالسلامة المرورية بمقترح يتعلق بتطبيق في مجال السلامة المرورية، وكان هذا التطبيق نتاج جهد أحد المهندسين الشباب من أصدقاء الحملة، كان قد اشتغل عليه لفترة طويلة من الزمن، ولما اكتمل إعداده، تقدم به مشكورا إلى الحملة، ومنحها حق التصرف الكامل فيه، فما كان منا في الحملة إلا أن تقدمنا بدورنا بهذا التطبيق إلى كل الجهات المعنية بملف السلامة المرورية، وعلى رأسها وزارة التجهيز والنقل، وذلك للاستفادة منه في توفير المزيد من السلامة لسالكي الطرق ولمركباتهم.  

منذ بداية العام 2022 وهذا التطبيق جاهز من الناحية الفنية، ولكن ومن أجل إطلاقه بشكل رسمي، فهو يحتاج إلى تعاون كل الجهات الحكومية المعنية بالسلامة الطرقية.

لقد صُمِّمَ هذا التطبيق ليغطي أهم  المحاور الطرقية في البلاد، وهو إن تم العمل به، فإنه سيمكن سالكي الطرق  من معرفة دقيقة ومحينة لوضعية الطريق الذي يسلكونه، وذلك من خلال تحديد الأماكن التي توجد فيها حفر أو ألسنة رملية أو حيوانات أو عمليات صيانة وترميم أو سيارات متعطلة، وكذلك تلك التي توجد فيها سيارات الإسعاف وأرقام هواتف القائمين عليها، أو أي معلومات أخرى قد يحتاجها السائق عن الطريق الذي يسلكه.

كل هذه المعلومات يمكن أن يتيحها التطبيق الذي أسميناه تطبيق "سلامتك"،  والذي اخترنا له شعار "التطبيق قبل الطريق"، وهي عبارة أخذناها من العبارة العربية الشهيرة التي تقول "الصديق قبل الطريق".  ويمتاز هذا التطبيق بأنه سهل الاستخدام والتحميل على أي هاتف محمول، بل ويمكن تطويره ليتماشى أكثر مع قواعد السلامة المرورية، بحيث لا يضطر السائق لاستخدام الهاتف أثناء القيادة، ويمكن للمعلومات التي يقدمها التطبيق أن تقدم أيضا لسالكي الطرق من خلال نشرة يومية عن وضعية الطرق في بلادنا موجهة إلى مستخدمي الطرق، تبث عبر الإذاعة مثلا، وتقدم فيها كل المعلومات الموجودة على التطبيق، والتي يتم تحيينها بشكل شبه يومي.

ولأن تطبيق "سلامتك" يحتاج إلى معلومات دقيقة يتم تحيينها بشكل مستمر، فكنا في حملة معا للحد من حوادث السير بحاجة إلى شراكة أو تعاون مع الجهات التي تمتلك تلك المعلومات من خلال نقاط التفتيش وممثلي بعض الإدارات على أهم المحاور الطرقية: الدرك الوطني؛ الشرطة الوطنية؛ مؤسسة أشغال صيانة الطرق؛ مصلحة السلامة الطرقية بوزارة الصحة، وقد راسلنا أغلب تلك الجهات بالمقترح، ولكننا لم نتلق أي رد إيجابي. 

لم يكن هذا هو المقترح الوحيد الذي قدمناه في الحملة للجهات المعنية بالسلامة المرورية، بل قدمنا مقترحا آخر لا يقل أهمية للاستفادة من النقنيات الجديدة في مجال السلامة المرورية، يتعلق المقترح بمراقبة السرعة في حافلات وسيارات النقل البيني، ومن المعروف أن السرعة تعدُّ هي السبب الأول في حوادث السير في بلادنا، حسب الإحصائيات الرسمية.

يؤكد المسؤولون في وزارة التجهيز والنقل، وفي كل القطاعات المعنية بالسلامة المرورية، بأن السرعة المفرطة هي السبب الأول في حوادث السير، ومع ذلك لا يفعلون أي شيء يذكر لمراقبة السرعة في حافلات وسيارات النقل البيني، وذلك على الرغم من وجود حلول تقنية بسيطة وعملية لدى بعض الشركات الخاصة، وقد اطلعنا في الحملة على تلك الحلول، بل إن القائمين على إحدى هذه الشركات أكدوا لنا على أنهم على استعداد لتقديم هذه الحلول مجانا للوزارة عن طريق حملة معا للحد من حوادث السير.

تتعلق هذه الحلول، وهي بالمناسبة قد جربت أمام أحد وزراء التجهيز والنقل، بوضع شرائح إلكترونية بالسيارات والحافلات التي تمارس النقل، وعندما تتجاوز السيارة السرعة المحددة لها فإن الشريحة ترسل بشكل فوري رسالة نصية بذلك، ويمكن أن ترسلها لعدة جهات في وقت متزامن : نقاط التفتيش ـ المصالح المعنية في الوزارة ـ سلطة تنظيم النقل الطرقي ـ حملة معا للحد من حوادث السير إن كانت هناك رغبة في إشراك المجتمع المدني في مراقبة سرعة سيارات وحافلات النقل.

هذا المقترح كنا قد عرضناه على وزارة التجهيز والنقل أكثر من مرة، وقد تضمنه مقالي الأخير الذي وجهته لمعالي وزير التجهيز النقل الجديد، ضمن سلسلة من المقالات التي وجهتها لعدد من الوزراء في الحكومة الحالية، وهي مقترحات لم تجد في المجمل أي اهتمام يذكر.

ليس أمامنا إلا تكرار تقديم هذه المقترحات، فمن يدري، فربما يجد أحدها اهتماما من هذا الوزير أو ذاك. 

حفظ الله موريتانيا..


الثلاثاء، 17 سبتمبر 2024

عن مصادر أموال أبناء الشيخ آياه


لقد أصبح السؤال عن مصادر أموال بعض أبناء أسرة أهل الشيخ آياه الفاضلة، هو السؤال الأكثر إلحاحا في أيامنا هذه، وأصبحت محاولات الإجابة عليه هي الشغل الشاغل لرواد مواقع التواصل الاجتماعي.

إن المتابع لما يُثار حاليا من نقاش واسع حول مصادر تلك الأموال سيجد أن هناك ثلاث فرضيات تعتبر هي الأكثر تداولا حول تلك المصادر.

الفرضية الأولى : يحاول أصحاب هذه الفرضية أن يربطوا ـ تلميحا أو تصريحا ـ بين مصدر هذه الأموال والتجارة في "أدكيكة البيظة"، ومن أبرز من حاول أن يدفع بتلك الفرضية في بثوثه المباشرة المدون عبد الرحمن ودادي، والذي حظي بثه المباشر الذي أوصل النقاش حول الموضوع إلى ذروته، بمليون وثلاثمائة ألف مشاهدة، كما حظي بثه الثاني بمليون مشاهدة، بينما وصل بثه الثالث بعد 8 ساعات (وقت كتابة هذا المقال) إلى أكثر من نصف مليون مشاهدة، والراجح أنه سيتجاوز مليون مشاهدة من قبل أن يُكمل يومه الأول.

نحن أمام أرقام مشاهدة استثنائية، وتفاعل غير مسبوق في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني بأن هذه الفرضية وصلت إلى كل بيت موريتاني، إن لم أقل كل موريتاني، فأن تحظى ثلاثة بثوث متتالية لمدون واحد، خلال ثلاثة أيام، بما يُقارب 3 مليون مشاهدة، فهذا يعني أننا أمام تفاعل استثنائي وغير مسبوق في مواقع التواصل الاجتماعي لم يحظ به أي موضوع من قبل.

لا يملك أصحاب هذه الفرضية ـ وعلى رأسهم عبد الرحمن ودادي ـ أدلة مؤكدة يقدمونها للمتابع، ولا يطلب منهم تقديم أدلة مؤكدة، ولكنهم في المقابل، استطاعوا ـ وبذكاء ـ أن يربطوا من خلال تحليل متماسك منطقيا بين سلسلة من الأحداث، واستطاعوا كذلك أن يطرحوا بعض الأسئلة، التي من شأنها أن تعزز من قوة فرضيتهم. يتحدث أصحاب هذه الفرضية عن الثروة الضخمة التي ظهرت فجأة عند بعض أفراد الأسرة، والتي تزامنت مع " ظهور طائرة لغز" في سماء الترارزة، كما يتحدثون عن إنفاق تلك الأموال بطريقة مثيرة للشكوك، وعن عطايا كان فيها نصيب كبير لبعض التافهين، لا يمكن أن يُعطيها إلا من حصل على أموال ضخمة بطرق "سهلة".

هذه الفرضية ـ إن تأكدت ـ  تجعلنا أمام أموال حرام حُصِّلت من فعل إجرامي محرم محليا ودوليا.

الفرضية الثانية : ومن أشهر من قال بها ـ إن لم أقل الوحيد الذي قال بها ـ صاحب حساب مستعار (سيدي محمد المعروف باكس ول اكرك)، حيث أشار في منشور له تم تداوله بشكل واسع إلى أن أحد الموريتانيين، ويفهم من سياق المنشور أنه يقصد أحد أبناء أسرة أهل الشيخ آياه، قد حصل على 170 مليون أيرو في لعبة "يانصيب".

هذه الفرضية تجعل مصدر الأموال قانوني في دول الغرب، ومحرم شرعا في بلادنا، ويفترض أنه محرم كذلك في كل بلاد المسلمين.

الفرضية الثالثة: تحدث عنها كثيرون، ولعل من أبرزهم الصحفي المعروف عبد الله اتفاغ المختار، حيث قالوا بأن مصدر هذه الأموال هو "لحجاب"، ويقول الصحفي عبد الله  في منشور له أنه علم من بعض المصادر: "أن بزوغ نجم العزة منت الشيخ آياه كان بسبب حاجة سيدات خليجيات محافظات جدا، إلى حجابة أنثى، لكونهن لا ينكشفن على غير محرم". ويضيف في نفس المنشور: "شخصيا خدمتُ سبع سنوات في دولة الإمارات، وكثيرا ما التقيتُ بحجابة موريتانيين، وقليل منهم من غنم منها وعاد إليها، والسبب دائما هو التحايل، باستثناء الطالب بوي الذي كان يغادرنا في دبي هذا الأسبوع، ثم يعود إلينا في الأسبوع الموالي وذلك دأبه حتى الساعة، ولم نعلم بمأخذ على نشاطه وسلوكه هناك."

هذه الفرضية ـ إن صحت ـ سنكون أمام أموال مشروعة، مع اعترافنا بأن "لحجاب" أصبح يصاحبه الكثير من عمليات الغش والتحايل.

من يستطيع أن يحسم الجدل القائم حول هذه الفرضيات؟

هناك جهتان فقط يمكن لهما أن تحسما هذا الجدل القوي الدائر حاليا  حول مصدر أموال أسرة أهل الشيخ آياه. الجهة الأولى هي من يمتلك تلك الأموال، أي الأسرة نفسها، ولكن يبدو أن الأسرة لم تقرر حتى الآن الكشف عن مصادر أموالها، بل إن ما يُصرح به من طرف بعض أفرادها يزيد من وجاهة السؤال عن مصدر تلك الأموال.

إن أهم تصريحات أبناء الأسرة حول مصدر تلك الأموال انحصر حتى الآن في منشور كتبه الشيخ الطالب بوي ولد الشيخ أياه (الناطق الرسمي باسم الأسرة) على حسابه في الفيسبوك، قال فيه :" مصدر أموال أهل الشيخ آياه : قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)".

هناك أيضا فيديو متداول للشيخ عبد العزيز الشيخ آياه (الخليفة العام) يقول فيه إنه أغنى من يوجد حاليا بين السماء والأرض، وأنه لا يزاول أي عمل!!!

أما الجهة الثانية التي يمكن أن تجيب بدقة على السؤال هي الدولة طبعا، وذلك من خلال أجهزتها الأمنية والقضائية، والدولة أصبحت ملزمة اليوم بالإجابة على هذا السؤال، وأصبحت ملزمة كذلك باتخاذ القرار المناسب في هذا الموضوع بعد تحديد مصدر تلك الأموال، فإن كان مصدرها هو ما تحدثت عنه الفرضية الأولى، وهذا مما لا أتمناه،  فإننا في هذه الحالة سنكون أمام واحدة من أخطر الجرائم التي تستوجب معاقبة كل الضالعين فيها، وإن كان مصدر الأموال له صلة بالفرضية الثانية، أي القمار، فإننا نكون في هذه الحالة أمام تكسب غير مشروع للمسلم، ويزداد الأمر هنا خطورة لأنه يتعلق ببعض أفراد أسرة يتبع لطريقتها الكثير من الموريتانيين ومن غير الموريتانيين، وبهذا التصرف يكون أحد أبناء الأسرة قد أساء إلى تاريخ طويل وعريض لأسرة فاضلة لها طريقتها الصوفية التي كانت ـ وما تزال تستقطب الكثير من المريدين والأتباع.

وإن كان مصدر الأموال هو الفرضية الثالثة، أي لحجاب، وهذا ما نرجو، فهنا نكون أمام مصدر شرعي، حتى وإن ارتبط "لحجاب" في بعض الحالات بالشعوذة والتحايل.

إننا نتمنى حقا، أن يكون مصدر أموال هذه الأسرة هو لحجاب، وفي هذه الحالة سيكون من واجبنا جميعا أن نقف صفا واحدا ضد تشويه سمعة هذه الأسرة الفاضلة من خلال اتهامها بأبشع جريمة يمكن أن يُتهم بها أبناء مشيخة معروفة في موريتانيا وخارجها.

نعم سيكون من واجبنا في حالة تحققت هذه الفرضية الثالثة أن نقف مع هذه الأسرة الفاضلة التي اتهمت بأبشع تهمة، خاصة وأن هذه التهمة قد سارت بها ركبان البثوث المباشرة، وأوصلتها إلى كل موريتاني يملك هاتفا مزودا بالأنترنت.

نعم سيكون من واجبنا جميعا إن صدقت الفرضية الثالثة أن نقف صفا واحدا ضد واحدة من أخطر عمليات التشويه الإعلامي التي تعرضت لها أسرة موريتانية في كل تاريخ البلد.

بكلمة واحدة لقد أصبح لزاما على الأجهزة الأمنية والقضائية أن تكشف ـ وبشكل فوري ـ عن مصدر أموال أسرة أهل الشيخ آياه، فإن كان المصدر غير مشروع تم اتخاذ الإجراءات العقابية المناسبة، وإن كان المصدر مشروعا ـ وهذا ما نرجو وما نتمنى ـ عوقب كل من حاول تشويه سمعة هذه الأسرة الفاضلة، مع القيام بكل ما يلزم لوقف هذا التشويه الإعلامي الواسع الذي تتعرض له هذه الأسرة الفاضلة.   

حفظ الله موريتانيا..


الأحد، 15 سبتمبر 2024

فَلِنطالب بكشف الحقيقة..هذا هو واجب اللحظة


أثير في الفترة الأخيرة ملفان شائكان وفي غاية التعقيد، أولهما يتعلق بتهم بالفساد، وقد أثاره رئيس منظمة الشفافية الشاملة الشيخ السابق محمد غدة ضد تجمع شركات من بينه شركة تحسب على رئيس أرباب العمل الذي يملك 40% من رأسمالها.

أما ثانيهما فهو يتعلق ب"البدرة البيضاء"، وقد أثاره المدون والكاتب عبد الرحمن ودادي، ويفهم من أحاديثه أنه يتهم بعض أفراد مشيخة معروفة في البلد بتبييض الأموال والتجارة في الممنوعات.

يُحسب لولد غدة وولد ودادي أنهما:

1 -  أثارا ملفين شائكين ضد شخصيات لها وزنها وتأثيرها الكبير في البلد؛

2 - أنهما قدما كل ما لديهما من فرضيات وأدلة للرأي العام الوطني؛

3 - أنهما فتحا هذين الملفين الشائكين من داخل موريتانيا، وليس من خارجها، وهذا يؤكد أولا شجاعتهما، ويؤكد ثانيا أنهما على استعداد  تام لتحمل كل ما قد يترتب على فتح الملفين من أضرار ومخاطر وتبعات شخصية، وبالفعل فقد بدءا في دفع الكلفة، فهما ما بين من سُجِن أو استدعي للتحقيق، في حين أن المتهمين يزاولون مهامهم وأنشطتهم دون أي مساءلة. 

ما حدث بعد فتح الملفين معروف، فقد انقسم أهل هذا الفضاء كعادتهم دائما إلى فسطاطين اثنين لا ثالث لهما : فسطاط يدافع عن المتهمين في الملفين، ويبالغ في تزكيتهما، بل ويرفعهما إلى مراتب عليا، وكأنهما منزهان عن كل الأخطاء والنواقص، وفسطاط آخر يقف مع ولد غدة وولد ودادي ويعتبر أن ما قالا حقائق ثابتة لا يجوز التشكيك فيها تحت أي ظرف، وأنه من الواجب على الدولة أن تنفذ العقوبات ضد المتهمين بشكل فوري.

أيها النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي :

إن المطلوب منا جميعا ليس التضامن مع من اتَهَمَ أو التضامن مع من اتُهِم، بل المطلوب منا خدمةً للحقيقة وللوطن هو أن نقف صفا واحدا للمطالبة بتحقيقات شفافة في الملفين، والتعامل مع نتائج تلك التحقيقات بصرامة، وبما ينص عليه القانون، فإن كانت الاتهامات حقيقية عوقب المعنيون بما يحدده القانون في هذا المجال من عقوبات، وإن كانت التهم غير حقيقية، وأن كل ما قيل هو من أجل الإساءة إلى سمعة المعنيين، فعلى القضاء في هذه الحالة أن يعاقب ولد غدة وولد ودادي بما يحدده القانون من عقوبات ضد من يمارس الافتراء والإساءة إلى سمعة المواطنين الأبرياء.

إني أدعوكم - يا نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي -  إلى التضامن مع الحقيقة، وبذل كل الجهود واستخدام كل وسائل الضغط من أجل فتح تحقيقات شفافة لمعرفة الحقيقة، واتخاذ إجراءات عقابية ضد هذا الطرف أو ذاك، تبعا لنتائج نلك التحقيقات.

وبالمناسبة فإن هذا هو الموقف الذي يُفترض فيه أنه يرضي الجميع، فإن كان الأمر يتعلق بافتراء تمت تبرئة المعنيين، وحُقَّ لهم حينها أن يطلوا على المجتمع برؤوس مرفوعة،          

 وإن كانت التهم حقيقية فإن الواجب في هذه الحالة هو أن يعاقب المدانين بتلك التهم، ويُكرم ولد غدة وولد ودادي على جهودهما الكبيرة في كشف جرائم الفساد وغسيل الأموال والمتاجرة بالممنوعات.

وأختم بما بدأتُ به : فَلِنطالب بكشف الحقيقة..هذا هو واجب اللحظة.


فَلِنطالب بكشف الحقيقة..هذا هو واجب اللحظة




بسم الله الرحمن الرحيم

عن مصادر أموال أبناء الشيخ أياه

لقد أصبح السؤال عن مصادر أموال بعض أبناء أسرة أهل الشيخ آياه الفاضلة، هو السؤال الأكثر إلحاحا في أيامنا هذه، وأصبحت محاولات الإجابة عليه هي الشغل الشاغل لرواد مواقع التواصل الاجتماعي.

إن المتابع لما يُثار حاليا من نقاش واسع حول مصادر تلك الأموال سيجد أن هناك ثلاث فرضيات تعتبر هي الأكثر تداولا حول تلك المصادر.

الفرضية الأولى : يحاول أصحاب هذه الفرضية أن يربطوا ـ تلميحا أو تصريحا ـ بين مصدر هذه الأموال والتجارة في "أدكيكة البيظة"، ومن أبرز من حاول أن يدفع بتلك الفرضية في بثوثه المباشرة المدون عبد الرحمن ودادي، والذي حظي بثه المباشر الذي أوصل النقاش حول الموضوع إلى ذروته، بمليون وثلاثمائة ألف مشاهدة، كما حظي بثه الثاني بمليون مشاهدة، بينما وصل بثه الثالث بعد 8 ساعات (وقت كتابة هذا المقال) إلى أكثر من نصف مليون مشاهدة، والراجح أنه سيتجاوز مليون مشاهدة من قبل أن يُكمل يومه الأول.

نحن أمام أرقام مشاهدة استثنائية، وتفاعل غير مسبوق في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني بأن هذه الفرضية وصلت إلى كل بيت موريتاني، إن لم أقل كل موريتاني، فأن تحظى ثلاث بثوث متتالية لمدون واحد، خلال ثلاثة أيام، بما يُقارب 3 مليون مشاهدة، فهذا يعني أننا أمام تفاعل استثنائي وغير مسبوق في مواقع التواصل الاجتماعي لم يحظ به أي موضوع من قبل.

لا يملك أصحاب هذه الفرضية ـ وعلى رأسهم عبد الرحمن ودادي ـ أدلة موثوقة يقدمونها للمتابع، ولكنهم في المقابل، استطاعوا ـ وبذكاء ـ أن يربطوا من خلال تحليل متماسك منطقيا بين سلسلة من الأحداث، واستطاعوا كذلك أن يطرحوا بعض الأسئلة، التي من شأنها أن تعزز من قوة فرضيتهم. يتحدث أصحاب هذه الفرضية عن الثروة الضخمة التي ظهرت فجأة عند بعض أفراد الأسرة، والتي تزامنت مع " ظهور طائرة لغز" في سماء الترارزة، كما يتحدثون عن إنفاق تلك الأموال بطريقة مثيرة للشكوك، وعن عطايا كان فيها نصيب كبير لبعض التافهين، لا يمكن أن يُعطيها إلا من حصل على أموال ضخمة بطرق "سهلة".

هذه الفرضية ـ إن تأكدت ـ  تجعلنا أمام أموال حرام حًصِلت من فعل إجرامي محرم محليا ودوليا.

الفرضية الثانية : ومن أشهر من قال بها ـ إن لم أقل الوحيد الذي قال بها ـ صاحب حساب مستعار (سيدي محمد المعروف باكس ول اكرك)، حيث أشار في منشور له تم تداوله بشكل واسع إلى أن أحد الموريتانيين، ويفهم من سياق المنشور أنه يقصد أحد أبناء أسرة أهل الشيخ آياه، قد حصل على 170 مليون أيرو في لعبة "يانصيب".

هذه الفرضية تجعل مصدر الأموال قانوني في دول الغرب، ومحرم شرعا في بلادنا، ويفترض أنه محرم كذلك في كل بلاد المسلمين.

الفرضية الثالثة: تحدث عنها كثيرون، ولعل من أبرزهم الصحفي المعروف عبد الله اتفاغ المختار، حيث قالوا بأن مصدر هذه الأموال هو "لحجاب"، ويقول الصحفي عبد الله  في منشور له أنه علم من بعض المصادر: "أن بزوغ نجم العزة منت الشيخ آياه كان بسبب حاجة سيدات خليجيات محافظات جدا، إلى حجابة أنثى، لكونهن لا ينكشفن على غير محرم". ويضيف في نفس المنشور: "شخصيا خدمتُ سبع سنوات في دولة الإمارات، وكثيرا ما التقيتُ بحجابة موريتانيين، وقليل منهم من غنم منها وعاد إليها، والسبب دائما هو التحايل، باستثناء الطالب بوي الذي كان يغادرنا في دبي هذا الأسبوع، ثم يعود إلينا في الأسبوع الموالي وذلك دأبه حتى الساعة، ولم نعلم بمأخذ على نشاطه وسلوكه هناك."

هذه الفرضية ـ إن صحت ـ سنكون أمام أموال مشرعة، مع اعترافنا بأن "لحجاب" أصبح يصاحبه الكثير من الغش والتحايل.

من يستطيع أن يحسم الجدل القائم حول هذه الفرضيات؟

هناك جهتان فقط يمكن لهما أن تحسما هذا الجدل القوي الدائر حاليا  حول مصدر أموال أسرة أهل الشيخ آياه. الجهة الأولى هي من يمتلك تلك الأموال، أي الأسرة نفسها، ولكن يبدو أن الأسرة لم تقرر حتى الآن الكشف عن مصادر أموالها، بل إن ما يُصرح به من طرف بعض أفراد الأسرة يزيد من إلحاح السؤال عن مصدر تلك الأموال.

إن أهم تصريحات أبناء الأسرة حول مصدر تلك الأموال انحصر حتى الآن في منشور كتبه الشيخ الطالب بوي ولد الشيخ أياه (الناطق الرسمي باسم الأسرة) على حسابه في الفيسبوك، قال فيه :" مصدر أموال أهل الشيخ آياه : قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)".

هناك أيضا فيديو متداول للشيخ عبد العزيز الشيخ آياه (الخليفة العام) يقول فيه إنه أغنى من يوجد حاليا على الأرض، وأنه لا يزاول أي عمل.

أما الجهة الثانية التي يمكن أن تجيب بدقة على السؤال هي الدولة طبعا، وذلك من خلال أجهزتها الأمنية والقضائية، والدولة أصبحت ملزمة اليوم بالإجابة على هذا السؤال، وأصبحت ملزمة كذلك باتخاذ القرار المناسب في هذا الموضوع بعد تحديد مصدر تلك الأموال، فإن كان مصدرها هو ما تحدثت عنه الفرضية الأولى، وهذا مما لا أتمناه،  فإننا في هذه الحالة سنكون أمام واحدة من أخطر الجرائم التي تستوجب معاقبة كل الضالعين فيها، وإن كان مصدر الأموال له صلة بالفرضية الثانية، أي القمار، فإننا نكون في هذه الحالة أمام تكسب غير مشروع للمسلم، ويزداد الأمر هنا خطورة لأنه يتعلق ببعض أفراد أسرة يتبع لطريقتها الكثير من الموريتانيين ومن غير الموريتانيين، وبهذا التصرف يكون أحد أبناء الأسرة قد أساء إلى تاريخ طوبل وعريض لأسرة فاضلة لها طريقتها الصوفية التي كانت ـ وما تزال تستقطب الكثير من المريدين والأتباع.

وإن كان مصدر الأموال هو الفرضية الثالثة، أي لحجاب، وهذا ما نرجو، فهنا نكون أمام مصدر شرعي، حتى وإن ارتبط لحجاب في بعض الحالات بالشعوذة والتحايل.

إننا نتمنى حقا، أن يكون مصدر أموال هذه الأسرة هو لحجاب، وفي هذه الحالة سيكون من واجبنا جميعا أن نقف صفا واحدا ضد تشويه سمعة هذه الأسرة الفاضلة من خلال اتهامها بأبشع جريمة يمكن أن يُتهم بها أبناء مشيخة معروفة في موريتانيا وخارجها.

نعم سيكون من واجبنا في حالة تحققت هذه الفرضية الثالثة أن نقف مع هذه الأسرة الفاضلة التي اتهمت بأبشع تهمة، خاصة وأن هذه التهمة قد سارت بها ركبان البثوث المباشرة، وأوصلتها إلى كل موريتاني يملك هاتفا مزودا بالأنترنت.

نعم سيكون من واجبنا جميعا إن صدقت الفرضية الثالثة أن نقف صفا واحدا ضد واحدة من أخطر عمليات التشويه الإعلامي التي تعرضت لها أسرة موريتانية في كل تاريخ البلد.

بكلمة واحدة لقد أصبح لزاما على الأجهزة الأمنية والقضائية أن تكشف ـ وبشكل فوري ـ عن مصدر أموال أسرة أهل الشيخ آياه، فإن كان المصدر غير مشروع تم اتخاذ الإجراءات العقابية المناسبة، وإن كان المصدر مشروعا ـ وهذا ما نرجو وما نتمنى ـ عوقب كل من حاول تشويه سمعة هذه الأسرة الفاضلة، مع القيام بكل ما يلزم لوقف هذا التشويه الإعلامي الواسع الذي تتعرض له هذه الأسرة الفاضلة.   

 

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين الفاضل

Elvadel@gmail.com