الخميس، 7 نوفمبر 2024

عن الاتصالات الهاتفية الساخرة!


حسب إحصائية رسمية فإن من بين 170356 مكالمة استقبلها العون الطبي الاستعجالي خلال 48 أسبوعا بعد الإعلان عن تشغيل الرقم الأخضر 101،  لم تكن مفيدة من كل تلك المكالمات إلا  2805 مكالمة، أي  نسبة 1.6 %  فقط.

من قبل الرقم 101 كان هناك الرقم 1155 الذي فُتِح في فترة جائحة كورونا، وهي فترة عمَّ فيها الخوف والقلق بين الناس، ومع ذلك لم يسلم هذا الرقم من الاتصالات الساخرة، بل إنه تحول إلى رقم لاستقبال المكالمات الساخرة والبلاغات الكاذبة، وظل ذلك حاله حتى اضطر القائمون عليه على إغلاقه.  

ومن قبل ذلك كله، وصلت سخرية البعض إلى أن اتصل بلجنة الأهلة ذات رمضان مبارك في عام مضى، وأخبرهم بأن شاهد هلال شوال، وهو لم يشاهده،  وذلك لأن هناك من قال له بأن رمضان أتعبه، وأنه يريد أن يفطر!!!

سجلت هذه الحادثة في الثمانينيات من القرن الماضي..

بالأمس نشرت صفحة الشرطة الوطنية الموريتانية على الفيسبوك بيانا للرأي العام الوطني جاء فيه أنه في يوم 5 نوفمبر استقبلت الأرقام المجانية للشرطة، والخاصة بالنجدة والزحمة والحوادث المرورية 1116 مكالمة، كان من بينها 35 اتصالا جادا فقط، أي أن نسبة الاتصالات الجادة 3% فقط، وهو ما يعني بلغة المتزسطات الإحصائية أن من بين كل 100 اتصال تتلقاها أرقام الشرطة المجانية، يكون هناك 97 اتصالا ساخرا وغير جاد!!!   

هذا الكم الهائل من الاتصالات غير الجادة يطرح مشاكل حقيقية على الجهات المعنية بتوفير خدمة استعجالية للمواطن، ويجب أن يحارب هذا النوع من الاتصال العبثي والساخر بشكل جاد، ويمكن أن يتم ذلك من خلال:

1- إطلاق حملات توعوية حول خطورة هذا النوع من الاتصالات الساخرة بأرقام خُصصت لخدمة المواطنين، والملاحظ أن صفحة الشرطة على الفيسبوك لم تقم بهذه التوعية. فيما يخص الأرقام المخصصة للزحمة والحوادث المرورية فإن شباب حملة معا للحد من حوادث السير على استعداد لأن يقوم بحملة توعوية في هذا المجال، إن وجد تعاونا من الشرطة يمكنه من عرض رسائل توعوية ليلا في بعض ملتقيات الطرق من خلال شاشات عرض كبيرة متنقلة؛

2- على القائمين على هذه الأرقام أن يجروا اتصالات رجعية على كل صاحب  اتصال ساخر يُؤَكدون له  فيه أن أي اتصال غير مفيد مستقبلا سيتحمل صاحبه عقوبات رادعة؛

3- سن قوانين لتكون هناك عقوبات رادعة لأصحاب الاتصالات الساخرة المتكررة، واليوم أصبح هذا ممكنا بعد أن أصبحت أرقام الهواتف مسجلة على بطاقات التعريف، وأصبح بالإمكان معرفة كل متصل بسهولة.

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

#معا_للحد_من_حوادث_السير

الخميس، 24 أكتوبر 2024

عن منصة عين


يعدُّ إطلاق "منصة عين" لاستقبال شكاوى المواطنين، وإبلاغهم عن التجاوزات من الإجراءات المهمة التي اتخذتها الحكومة، في سبيل تقريب خدمات الإدارة من المواطن، وخلق نوع من الرقابة الشعبية على العمل الحكومي.

بالفعل، هذه خطوة مهمة، ونحن في منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية نثمنها، فهي تدخل في صميم اهتمامنا، والذي يتمثل ـ بالأساس ـ  في متابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية، وخاصة على مستوى ثلاثة ملفات من برنامجه :

1 ـ محاربة الفساد؛

2 ـ تمكين الشباب؛ 

3 ـ إصلاح الإدارة وتقريب خدماتها من المواطن.

ونحن في المنتدى، إذ نثمن إطلاق منصة عين، فإنه لا يفوتنا بهذه المناسبة أن نلفت انتباه الجهات المعنية إلى تَحَدِّيَيْن اثنيْن ستواجههما هذه المنصة، أحدهما يعني الحكومة، والثاني يعني المواطن، وإذا لم تتم مواجهة هذين التحدين بصرامة، فإن المنصة لن تكون فعالة، ولن تأتي بالنتائج المرجوة من إطلاقها.

أولا / على مستوى الحكومة

في يوم 24 مارس 2022 ألقى فخامة رئيس الجمهورية خطابا بمناسبة تخرج دفعة من طلاب المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة القضاء، تحدث فيه عن الكثير من الاختلالات في عمل الإدارة، والتي من بينها عدم وجود مصالح في الوزارات والإدارات لاستقبال المواطنين. بعد ذلك الخطاب افتتحت العديد من الوزارات والإدارات مكاتب لاستقبال المواطنين، وأعلنت عن أرقام هواتف للاتصال، ولكن بعد فترة قصيرة من الزمن، توقف عمل العديد من مكاتب الاستقبال، وتعطل الكثير من أرقام الهواتف التي تم تخصيصها لاستقبال استفسارات وتظلمات المواطنين.

لا نريد في المنتدى تجربة من هذا النوع تتكرر، ولذا فنحن نطلب من الحكومة قدرا كبيرا من الجدية والصرامة والتفاعل الإيجابي مع شكاوى وإبلاغات المواطنين التي سيبعثون بها من خلال المنصة، ونطالبها كذلك بالاستمرارية في هذا التطبيق، والعمل على تحسينه وتطويره بشكل دائم، فالمشكلة تكون دائما في غياب الاستمرارية.

ثانيا/ على مستوى المواطن

استقبل العون الطبي الاستعجالي بعد 48 أسبوعا من تأسيسه 170356 مكالمة على الرقم الأخضر 101. فقط 2805 مكالمة من مجموع تلك المكالمات، أي نسبة 1.6%، هي التي كانت مكالمات مفيدة. حتى في فترة جائحة كورونا، وفي ظل القلق من هذا الوباء، لم يسلم الرقم المجاني 1155 من اتصالات المواطنين الساخرة والعبثية.

لا نريد من المواطن أن يكرر مثل ذلك مع منصة عين، فيغرقها بالمراسلات العبثية وغير المفيدة، وليعلم بأنه هو المتضرر الأول من ذلك، فهذه المنصة هي من أجل المواطن، وإذا تعطلت أو ضعف أداؤها بسبب إغراقها بمراسلات عبثية وغير مفيدة، فإن الذي سيتضرر في نهاية المطاف هو المواطن.

بكلمة واحدة:  منصة عين هي منصة مهمة جدا، ولكنها لن تؤدي الدور المطلوب منها، ولن تكون فعالة، إلا إذا تلاقت جدية الحكومة مع مسؤولية المواطن فيما سيتم تقديمه من شكاوى وإبلاغات.  

حفظ الله موريتانيا..

الاثنين، 21 أكتوبر 2024

كيف سُخِّرَ العدو لخدمة السنوار؟!


من الطبيعي جدا أن يسأل البعض عن السبب الذي جعل العدو يقوم "ببث شبه حي" للقطات الأخيرة من حياة الشهيد يحيى السنوار، وذلك من خلال تسريبه لصور وفيديوهات حصرية اختزنت تفاصيل تلك اللحظات.

ألم تُصِبْ هذه التفاصيل الحصرية كل دعايات العدو في مقتل؟

فلا زي نسائي ظهر، ولا نفق شوهد، ولا درع بشري برز، ولا أسرى في الخلفية.. لا شيء من كل ذلك ظهر في تفاصيل اللحظات الأخيرة التي وثقها العدو حصريا.

فبأي منطق ـ إذا ما تحدثنا بلغة المنطق ـ يطلق العدو رصاصة قاتلة على دعايته التي ظل يروج لها لعام كامل، خاصة أنه كان هو الشاهد الوحيد، والحاضر الوحيد، والموثق الوحيد لتفاصيل استشهاد السنوار؟

قد يقول قائل بأن الصور سربها أحد الجنود، وبعد تسريبها لم يعد بإمكان العدو أن يفعل أي شيء لاستراجعها أو تفنيدها. قبل العودة إلى الصور التي سربها الجندي، فلابد من التنبيه إلى أن هناك صورا وفيديوهات أخرى تضمنت التفاصيل الأكثر رمزية في الاستشهاد، نقلها فيما بعد الناطق الرسمي لجيش العدو، منها أن السنوار ألقى بقنابل على العدو، ومنها ظهوره ملثما جريحا جالسا على أريكة يرمي مسيرة بعصا. ( أذكر بمناسبة رمي العصا بالمثل العربي الجديد الذي كان عنوان مقالي يوم أمس : "رميته بعصا السنوار").

بالعودة إلى صور الجندي دعونا نطرح السؤال : بأي منطق يُسَرب الجندي تلك الصور؟

إن أي جندي يمتلك أدنى ذرة من عقل اكتشف صدفة أنه قتل قائدا كبيرا يُعد المطلوب الأول في "بلده"، لن يُسارع في نشر صوره، ويتأكد الأمر أكثر إذا كان هذا الجندي يعمل في الجيش الأكثر كذبا وخداعا وفبركة وتزييفا للحقائق في العالم.

إن أول فكرة كان من المفترض أن تخطر ببال هذا الجندي عندما وجد تشابها بين الجثة والمطلوب الأول لقادته، هي أن يتريث قليلا في التصوير، حتى يجد زيا نسائيا يلف به الجثة من قبل تصويرها، أو ينتظر حتى ينقلها إلى نفق أو إلى مدرسة أو إلى مستشفى تم تدميره مؤخرا، أو يذهب بها إلى جثث بعض الضحايا من المدنيين العزل فيلقيها بينهم ثم يصورها.

وبطبيعة الحال، لم يكن هناك من يستطيع أن يكذب بدليل ملموس متماسك منطقيا، أي رواية ينشرها العدو عن اللحظات الأخيرة في حياة الشهيد السنوار، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن العدو كان هو الحاضر الوحيد، وكان هو الشاهد الوحيد، وكان هو الموثق الوحيد لتلك اللحظات.

لقد أحيل بين العدو مع الفبركة رغم خبرته فيها، بل أكثر من ذلك، فلم يُحرم العدو فقط من فبركة صور الاستشهاد لدعم روايته التي كان يروج لها، بل إنه سُخِّر من حيث لا يدري لخدمة القائد الشهيد، فصور ووثق كل التفاصيل الصغيرة التي أدهشت الكثيرين، ليس فقط في بلاد العرب والمسلمين، بل وفي العالم كله، وما ينشره في مواقع التواصل الاجتماعي بعض النشطاء من مختلف دول العالم من إعجاب بالقائد الشهيد يؤكد ذلك.

لكي تفهموا ما حدث من تصرفات خارج المنطق، ما عليكم إلا أن تقرؤوا الآية رقم 30 من سورة الأنفال بتدبر : ((إِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ۚ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِين )).

صدق الله العظيم.

حفظ الله المقاومة..


الأحد، 20 أكتوبر 2024

رميته بعصا السنوار!

 


في يوم الأربعاء 16 أكتوبر من العام 2024 استُشهد القائد العظيم يحيى السنوار في معركته الأخيرة مع العدو، وربما يكون رميه للعصا في اتجاه مُسَيَّرة للعدو، هو آخر فعل مقاوم يسجل له في حياته الدنيوية التي انتهت في ذلك اليوم.

بعد استشهاده بيوم واحد، وتحديدا في يوم الخميس 17 أكتوبر، بدأ ميلاد القائد الرمز يحيى السنوار، وكان لبعض جنود العدو دورا مهما في توثيق شهادة الميلاد تلك.

صورٌ قليلة من اللحظات الأخيرة في حياة القائد الشهيد، تم تسريبها من طرف العدو، كانت كافية لإظهار قدر كبير من الشجاعة والشموخ والكبرياء أمام العدو، وذلك في لحظة يفترض أنها لحظة ضعف بالنسبة لقائد معركة يُعدُّ هو المطلوب الأول للعدو، مصاب بجروح، يجلس وحيدا على أريكة في منزل مدمر ينتظر في أي لحظة قدوم جند من الجيش الأكثر إجراما ووحشية ودموية في التاريخ الحديث.

عندما شهدتُ تلك الصور لأول مرة كتبتُ معلقا عليها بأن العدو سيندم كثيرا على تسريبها، وبالفعل فقد ندم العدو كثيرا على تسريبها، وها هو ينشر صورا جديدة لتلافي الأمر، وقد فاته أن ميلاد رمزية القائد الشهيد قد خرج من يده، ولم يعد بإمكانه أن يوقفه بنشر صور أو مقاطع مرئية جديدة.

بطبيعة الحال، لم يكن من سرَّب تلك الصور يُريد بتسريبها أن يجعل من القائد يحيى السنوار رمزا خالدا، بل على العكس من ذلك، فقد كان يريد بها أن يُظهره ضعيفا بلا حول ولا قوة، فتسقط هيبته عند شعبه، وتنهار معنويات كل من كان يُقاتل خلفه.

لقد فات من سرب تلك الصور بأن الكون لا يتحرك بمشيئته، ولا وفق رغباته، فجيش العدو قد يستخدم ـ ودون أن يعي ذلك ـ للرفع من شأن قادة المقاومة، وقد استخدم فعلا لذلك من خلال تسريبه لتلك الصور.

إن مما يدعو للتأمل والتدبر هو أن هذا الجيش المتخصص في الكذب والخداع والفبركة، لم يتمكن من فبركة صور للقائد الرمز لإظهاره عند استشهاده مستسلما في نفق. لقد أحيل بينه مع ذلك رغم تاريخه الطويل في الفبركة والكذب.

 لقد لاقت الصور المسربة إعجابا واسعا في العالم كله، فتفاعل معها إيجابيا الكثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في الغرب، بل إن بعض المغردين في اليابان اعتبروا القائد الشهيد ساموراي فلسطين.

إن العرب والمسلمين بحاجة اليوم إلى قائد رمز يكون ملهما للأجيال، ولا أحد في زماننا هذا تتوفر فيه صفات القائد الملهم مثلما تتوفر في الشهيد يحيى السنوار الذي قضى حياته بين السجن والمقاومة، والذي يعتبر مهندس معركة السابع من أكتوبر المجيد، وهو فضلا عن ذلك يتميز عن كل القادة الشهداء بأنه استشهد وهو يقاتل العدو وجها لوجه، وقد سخر الله له العدو لأن يوثق اللحظات الأخيرة في حياته، وما اختزنت تلك اللحظات من شجاعة وثبات.

فلنجعل من الشهيد يحيى السنوار قائدا رمزا وملهما للشباب العربي والمسلم، وهو أهل لذلك، فهو ليس أقل بذلا ولا أقل تضحية من نيلسون مانديلا الذي كان قائدا ملهما في إفريقيا، ولا من تشي جيفارا الذي كان قائدا ملهما لشباب الحركات اليسارية في العديد من بلدان العالم.

وختاما، يبقى أن أقول بأني أخذتُ هذا العنوان من منشور للمدون الموريتاني أحمدو أحمد الذي اقترح إضافة مثل عربي جديد إلى أمثالنا العربية، يخلد لحظة استشهاد القائد الرمز، ويُعَبَّر به عن الشخص الذي بذل كل ما يملك من جهد لتحقيق أمر ما، فيقال تعبيرا عن ذلك الجهد: "رماه بعصا السنوار"، أما إذا كان المتحدث هو صاحب الجهد، فيقول : "رميته بعصا السنوار".

حفظ الله المقاومة...

السبت، 19 أكتوبر 2024

رسائل الهجوم على منزل نتنياهو


إذا كان رئيس وزراء العدو قد نجا هذه المرة من الطائرة المسيرة التي استهدفت منزله، فربما لا ينجو مرة أخرى، وبغض النظر عن نتائج هذا الهجوم، فسيبقى الشيء المؤكد هو أن الطائرة المسيرة التي انفجرت في منزل نتنياهو قد وضعت في صندوق بريده، وفي صناديق بريد غيره رسائل قوية وغير مشفرة، منها :

1 ـ أن غرفة عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان لم تكن تمزح ـ وهي ليست معروفة أصلا بالمزاح ـ عندما قالتْ بأنها ستنتقل ـ بناء على توجيهات قيادة المقاومة ـ  إلى "مرحلة جديدة وتصعيدية في المواجهة مع العدو الإسرائيلي ستتحدث عنها مجريات وأحداث الأيام القادمة". لم يطل الانتظار كثيرا، فبعد يوم واحد من الوعد بالتصعيد، وصلت طائرة مسيرة إلى منزل نتنياهو، وأكدت بلسان مقاوم صريح وفصيح (أحدث صوت انفجارها دويا كبيرا حسب إعلام العدو)، أن غرفة عمليات المقاومة لم تكن تمزح في بيانها التصعيدي؛


2 ـ أن هذه الضربة قد جاءت بعد 20 يوما من بدء العمليات البرية في جنوب لبنان، وبدلا من أن يتحقق أحد أهم أهداف الحرب عند نتنياهو، أي إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم، فإذا بنتنياهو نفسه يظهر وهو عاجز عن حماية منزله في منطقة يفترض أنها من أكثر المناطق تحصينا؛


3 ـ أن هذه الضربة غير المسبوقة، والأولى من نوعها، قد جاءت في وقت يكثر فيه الحديث عن قرب رد  العدو على إيران، فإذا كان حزب الله قادرا على أن يصل إلى منزل نتنياهو، ألا يُشَرِّع لنا ذلك طرح السؤال : أين يمكن أن تصل أسلحة إيران إذا ما قررت التصعيد للرد على رد العدو المنتظر؟

من المؤكد أن هذا السؤال سيطرح كثيرا الآن لدى قيادات العدو، ومن الراجح أن الإجابة عليه ستترك بصمتها في طبيعة الرد على إيران؛


4 ـ أن هذه الضربة جاءت بعد ثلاثة أيام من الإعلان عن وصول منظومة الدفاع الجوي "ثاد" الأمريكية إلى دولة العدو؛


5 ـ أن هذه الضربة النوعية، والتي جاءت بعد استشهاد القائد العظيم يحيى السنوار، ولم تأت بعد استشهاد القائد العظيم حسن نصر الله، ستصيب دعايتين مغرضتين في مقتل يحاول البعض أن يدفع بهما للتشويش سلبا على شعار "وحدة الساحات".


من المؤكد أن اختيار توقيت هذه الضربة النوعية له أسبابه التي لا تعرفها إلا غرفة العمليات في المقاومة الإسلامية، ومع ذلك فيمكن القول بأن هذا التوقيت بالذات قد أعطى رسالتين إيجابيتين:

أولهما : أن تقاربه زمنيا مع استشهاد القائد العظيم يحيى السنوار، وليس مع استشهاد القائد العظيم حسن نصر الله، سيعري أكثر أولئك الذين يحاولون أن يخلقوا انشقاقا طائفيا في محور المقاومة، سيكون المستفيد الوحيد منه هو العدو؛


ثانيهما : أن هذه الضربة النوعية ستخرس ـ وإلى الأبد ـ ألسنة أولئك الذين كانوا يتحدثون عن "الحرب المسرحية"، فعندما تنفجر طائرة مسيرة في منزل رئيس وزراء حكومة العدو، فذلك يعني أنه لم يعد بالإمكان ـ حتى بالنسبة لأصحاب الخيال الواسع ـ وصف ما يحدث الآن بالحرب المسرحية.

ختاما، وبالعودة إلى بيان المقاومة الإسلامية في لبنان، فلا بد من التنبيه بأن كلمة "تصعيدية" التي جاءت في البيان تجعلنا نتوقع في كل حين تصعيدا جديدا بعد استهداف منزل نتنياهو، فماذا سيكون شكل ذلك التصعيد؟  

حفظ الله المقاومة..



الجمعة، 18 أكتوبر 2024

لماذا لا نجعل منه رمزا خالدا


كان مُلهماً في حياته، وكان ملهماً عند استشهاده، ولا أظن أن هناك قائدا مثله في زماننا هذا، اجتمعت فيه من الصفات والخصال ليكون ملهما للأجيال الحالية والقادمة مثلما اجتمعت فيه.

نعم سبقه إلى الاستشهاد قادة كبار، قد يكونون  أعلى منه رتبا، وهم - بكل تأكيد -  يستحقون أن تخلد ذكراهم أعظم تخليد، ولكنه تميز عن الجميع أنه استشهد وهو يقاتل العدو  وجها لوجه،  يقاتله بكبرياء ومهابة وجراحه تنزف، وتميز كذلك - وتلك نعمة عجلها الله له في الدنيا - أن لحظاته البطولية الأخيرة في الدنيا وثقها العدو، وتم تسريبها ليشاهدها العالم كله، فأسقط عند موته أكاذيب العدو التي تقول بأنه كان يعيش داخل الأنفاق، وأنه كان يحتمي بدروع بشرية أو بالأسرى.

كما أسقط من قبل ذلك في حياته، وتحديدا في يوم السابع من أكتوبر 2023 أكاذيب أخرى تقول إن جيش العدو لا يهزم، وأن مخابراته لا تخترق. 

كان مانديلا  رمزا في إفريقيا، وتشي جيفارا رمزا في آمريكا، فلماذا لا نجعل من القائد العظيم يحيى السنوار رمزا للعرب والمسلمين، وهو بالتأكيد ليس أقل نضالا ولا تضحية من مانديلا أو تشي جيفارا.

إننا نحسبه شهيدا، والشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ولكن العدو يعتقد أنه ميت الآن، فلماذا لا نجعل منه رمزا يطلق اسمه على الملايين من المواليد، وتظهر صوره في كل مكان،  في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى قمصان  الشباب، وبذلك نغيظ العدو، ونؤكد له أنه إذا كان السنوار القائد قد قُتل في نزال بطولي، فإن السنوار الرمز قد وُلِد مباشرة من بعد استشهاده، وليبقى هذا الرمز حيا حتى تتحرر فلسطين، كل فلسطين.

حفظ الله فلسطين..

الثلاثاء، 8 أكتوبر 2024

بأي منطق يستثنى النواب من التصريح بالممتلكات؟


هناك تناقض لافت للانتباه في المسار الذي مَرَّ به القانون رقم 054/ 2007 الصادر بتاريخ 18 سبتمبر 2007، المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، ويتمثل هذا التناقض في طبيعة تعامل رئاسة الجمهورية والجمعية الوطنية مع مشروع القانون،  فعندما وصلت المسودة الأولى لهذا القانون إلى الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله رحمه الله، قرر أن يجري عليها تعديلا إيجابيا، وذلك عندما لاحظ بأنه لا يوجد بتلك المسودة مادة تنص على أن رئيس الجمهورية ملزمٌ بأن يعلن عن ممتلكاته للرأي العام، فما كان منه إلا أن طلب إضافة نشر رئيس الجمهورية للتصريح بممتلكاته، لتظهر في القانون المادة الثانية، والتي تقول: "يقوم رئيس الجمهورية بعد تنصيبه وعند نهاية مأموريته بالتصريح بممتلكاته وممتلكات أطفاله القصر. وينشر هذين التصريحين". بالطبع، كان من المفترض أن تُشمل الزوجة في هذه المادة.
لابد من الإشارة هنا، ومن قبل تقديم ردة الفعل المناقضة التي جاءت من البرلمان، أن النشر الذي جاء في هذه المادة لم يطبق ـ حسب علمي ـ حتى الآن، وأتمنى من فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني، أن يَسُنَّ سنة رئاسية حسنة، وأن يكون هو أول رئيس للجمهورية الإسلامية الموريتانية يلتزم بمطلب نشر التصاريح الذي جاء في المادة الثانية من هذا القانون.
لا أدري إن كان الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله قد صَرَّح بممتلكاته، والراجح عندي أنه لم يُصرح بها، وإن كان قد صرَّح بها، فالمؤكد هو أن تصريحه لم ينشر للرأي العام، وربما يكون قِصَر الفترة التي قضاها رئيسا قد حال دون تصريحه بممتلكاته، ومع ذلك فسيبقى يحسب له، أنه أجرى تعديلا إيجابيا على مسودة القانون، وذلك ليعطي المثال الحسن في محاربة الفساد، وليُظْهِر أنه حريص على إضافة كل ما من شأنه أن يحسن من القانون، ويعزز ـ بالتالي ـ من قيم الشفافية والنزاهة، حتى وإن استدعى ذلك أن يلزم نفسه بالتصريح بممتلكاته ونشر ذلك التصريح للرأي العام. أقول فإذا كان الرئيس الراحل سيدي ولد الشيخ عبد الله قد أجرى تعديلا إيجابيا على مسودة القانون، فسنجد في المقابل، أن النواب قد أجروا على مشروع القانون تعديلا سلبيا، حذفوا بموجبه أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، وكان النواب ضمن هذه اللائحة في مشروع القانون عندما أحيل إليهم للمصادقة عليه.  
لم يوفق النواب في حذف أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، ولم يكن فعلهم ذلك مبررا، خاصة إذا ما استحضرنا:
1 ـ أن النواب في البلدان المماثلة لنا وغير المماثلة، يشملهم قانون التصريح بالممتلكات، وهم ملزمون بالتصريح بممتلكاتهم، فبأي منطق يستثنى النواب في موريتانيا؟
2 ـ أن النواب هم من يمثل الشعب، ولذا فأول ما يجب على النواب  فعله للتعبير عن تمثيلهم للشعب هو  إظهار جديتهم في محاربة الفساد، فلا شيء يتضرر منه الشعب الموريتاني أكثر من الفساد، وأول ما يجب على النواب فعله لإظهار جديتهم في محاربة الفساد هو أن يصرحوا بممتلكاتهم؛
3 ـ أن النواب لا يليق بهم أن يكونوا هم الاستثناء الوحيد من بين كل المنتَخبين في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم، تقول المادة الرابعة من القانون : "يلزم كذلك بالتصريح بالممتلكات بنفس الشكل وبنفس الشروط، أصحاب المأموريات الانتخابية"، فبأي منطق يُسْتثنى النواب لوحدهم من بين كل أصحاب المأموريات الانتخابية؟ 
4 ـ أن القانون رقم 014/ 2016 المتعلق بمكافحة الفساد يجعل من المنتخَب موظفا عموميا ينطبق عليه في هذا القانون ما ينطبق على الموظف العمومي.
وتبقى الحجة الوحيدة التي يبرر بها النواب سحب أنفسهم من لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات هي أن القانون لا يمنعهم من مزاولة الأعمال التجارية، وهذه حجة ضعيفة، فهناك في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات من لا يُحَرِّم عليه القانون ممارسة أنشطة تجارية، ثم إن السماح بممارسة الأنشطة التجارية للنواب تدعو أكثر لمطالبتهم بالتصريح بممتلكاتهم، وذلك خوفا من أن يستغلوا الصلاحيات الممنوحة لهم في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي، أن يستغلوها لتحقيق إثراء غير مشروع  من خلال الأنشطة التجارية التي يمارسونها.
ومما يزيد من ضرورة إدراج النواب في لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات هو أن هناك تزايدا كبيرا في نسبة رجال الأعمال في البرلمان، وهناك من النواب من أنفق أموالا طائلة في حملته الانتخابية، وعندما فاز في الانتخابات لم يظهر له أي نشاط برلماني، ومن النادر جدا أن يُشاهد في جلسات البرلمان،  فمن هنا وجب طرح الأسئلة التالية: لماذا ترشح هؤلاء أصلا؟ ولماذا أنفقوا أموالا طائلة لضمان فوزهم ما داموا لا يفكرون في أداء مهامهم البرلمانية؟ وهل لتشرحهم علاقة ما بمصالح تجارية يريدون تحقيقها من خلال استغلال مقاعدهم في البرلمان؟ 
تزداد وجاهة طرح هذه الأسئلة في ظل تنامي حصول شركات ومؤسسات لنواب معروفين على العديد من الصفقات العمومية خلال مأمورياتهم، وذلك حسب ما ينشر في بعض المواقع والمنصات الإخبارية.
خلاصة القول : لم يعد من المقبول أن يبقى النواب خارج  لائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بالممتلكات، خاصة في ظل هذه المأمورية التي رُفع فيها شعار محاربة الفساد عاليا، وكذلك في ظل الحديث عن قرب تعديل القانون المتعلق بالشفافية المالية للحياة العمومية، والسعي إلى تحسين آلية التصريح بالممتلكات، وإضافة التصريح بالمصالح مع التصريح بالممتلكات، والتصريح بالمصالح  قد يعني النواب أكثر من غيرهم، ومن هنا وجبت إضافتهم للائحة الأشخاص الملزمين بالتصريح بممتلكاتهم ومصالحهم.
حفظ الله موريتانيا..



.

السبت، 5 أكتوبر 2024

كيف لا أدعم إيران؟

 


استند على سلاحه وألقى خطاب حرب في خطبة جمعة معلنا المواجهة مع العدو، بلغة عربية فصيحة، وينتظر ردة فعل العدو خلال ساعات، والعرب - كل العرب - يتفرجون، بل إن بعضهم لا يكتفي بالتفرج فقط، وإنما يدعم العدو سرا أو جهرا.

بعد هذا كله، قد يأتيك أحدهم، ويقول لك : لا تدعم إيران ونظامها؟

يا هذا، كيف لا أدعم إيران ونظامها الحالي، وهي الدولة الوحيدة في هذا العاام التي تحارب اليوم العدو، وتخاطبه بلغة السلاح: الضربة بالضربة، والقصف بالقصف، والبادئ أظلم.

أشهدكم بأن كاتب هذه السطور، يدعم في هذه اللحظة العصيبة من تاريخ العرب والمسلمين، إيران شعبا وحكومة، ما دامت تقف مع فلسطين، وتحارب العدو لوحدها، وتخاطابه بلغة السلاح، لا بلغة الانبطاح والتطبيع، والتفرج التي تسود بلاد العرب من المحيط إلى الخليج.  

مع إيران، وهي تنتظر - ربما خلال ساعات - رد العدو المدعوم بقوة من أمريكا ومن كثير من بلدان الغرب.

حفظ الله إيران..

الثلاثاء، 1 أكتوبر 2024

مقترحٌ إلى معالي وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي


قد لا يلقى هذا المقترح حظا أفضل من المقترحات التي سبقته، ولكن ذلك لن يمنعني من مواصلة تقديم هذه المقترحات، فمن يدري، فربما يجد أحدها اهتماما من طرف الجهة التي وُجِّهَ إليها.

مقترحي إلى معالي وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي يدخل في إطار الجهود التي نقوم بها في "منتدى 24 ـ 29" للتوعية حول مخاطر الفساد، وهي جهود ترمي في مجملها إلى خلق بيئة مجتمعية معادية ومناهضة للفساد، وبالمناسبة فإن خلق تلك البيئة يشكل الهدف الثاني من أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والرشوة في موريتانيا، ومن المؤسف جدا أن هذه الاستراتيجية التي أطلقت في العام 2010، وجددت بعد ذلك، لم تُفَعَّل حتى اليوم، ولم يطلع عليها إلا عدد قليل جدا من الموريتانيين، بل أكثر من ذلك، فإن بعض الموظفين الكبار في وزارة الاقتصاد، وهي الوزارة المعنية بتنفيذ هذه الاستراتيجية ليسوا على اطلاع بمحتواها!!

يتعلق هذا المقترح بتخصيص أول درس في الافتتاح الدراسي في هذا العام لمخاطر الفساد، ويمكن في هذا الإطار أن يُعدَّ درسٌ نموذجي بمستويين (ابتدائي وثانوي) يتم تقديمه في السابع من أكتوبر من العام 2024 في عموم المدارس الابتدائية والمؤسسات الثانوية على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

يُعَدُّ الفساد من القضايا الشائكة التي يُجمع الموريتانيون على خطورتها، فالمعارضة الحزبية في بلادنا، ومنذ تأسيسها في بداية التسعينيات من القرن الماضي، جعلت من المطالبة بمحاربة الفساد أولوية من أولوياتها النضالية، وهي ما تزال وحتى اليوم تضعها على رأس مطالبها، والمواطن الموريتاني أينما كان يتضرر بشكل مباشر أو غير مباشر من تفشي الفساد في بلادنا.

والأغلبية الداعمة للرئيس يُفترض فيها أنها تضع محاربة الفساد على رأس أولوياتها، وذلك بعد أن جعل فخامة رئيس الجمهورية من محاربة الفساد مرتكزا أساسيا في برنامجه الانتخابي( طموحي للوطن)، وهو البرنامج الذي نال بموجبه أكثر من 56% من أصوات الشعب الموريتاني.

وحتى إن اقتصرنا على خطاب فخامة الرئيس في يوم التنصيب، فسنجد أن ما جاء في هذا الخطاب من مفردات يكفي لوحده لتقديم درس متكامل حول خطورة الفساد.

لقد صنف الرئيس في خطاب التنصيب الحرب على الفساد بأنها "حرب مصيرية"، ومن المعروف أن الحرب عندما تصنف في بلد ما بأنها حرب مصيرية، فذلك يعني أن مصير ذلك  البلد أصبح مرتبطا بنتائج تلك الحرب.

ويقول الرئيس في نفس الخطاب :" فلا تنمية، ولا عدل، ولا إنصاف مع الفساد، ومن ثم فلا تسامح معه مطلقا." وتعني هذه الفقرة من الخطاب بأن جهودنا في التنمية وإقامة دولة العدل والإنصاف ستبقى جهودا ضائعة، وعديمة الفائدة، إذا لم نحارب الفساد.

ويقول في فقرة أخرى من الخطاب نفسه بأن الحرب على الفساد هي حرب الجميع، وأنه لا سبيل للنصر فيها إلا بتضافر جهود الجميع، ومن المؤكد أن المدرسة وطواقم التدريس، وآباء التلاميذ، وكل من له صلة بالعملية التربوية، يدخل ضمن دائرة هذا "الجميع" الذي تحدث عنه الرئيس، والذي يعتبر الحرب على الفساد حربه، وهي الحرب التي لا يمكن الانتصار فيها بشكل حاسم ـ حسب ما جاء في خطاب الرئيس ـ  إلا بمشاركة هذا "الجميع".

إن أي درس تعليمي حول خطورة الفساد يتم تحضيره على أساس هذه المرتكزات الثلاثة التي جاءت في خطاب التنصيب سيكون درسا عميقا، فيكفي أن نقول في هذا الدرس أن الحرب على الفساد هي حرب مصيرية للبلد، وأنه لا تنمية ولا عدل في بلادنا من دون محاربة الفساد، وأنه لا بد من مشاركة الجميع لكسب هذه الحرب، فنحن عندما نقول ذلك لأبنائنا التلاميذ في المدارس الابتدائية والثانوية نكون قد قلنا لهم أهم ما يمكن أن يُقال حول مخاطر الفساد وضرورة محاربته.

لا تخفى أهمية تربية التلاميذ على مخاطر الفساد، فإذا كنا قد خسرنا الآباء في موريتانيا، والذين أصبحوا يمجدون الفساد والمفسدين،  وينظرون إلى المفسد المعلوم الفساد بنظرات التقدير والاحترام، فإذا كنا قد خسرنا الآباء فعلينا أن لا نخسر الأبناء، وعلينا أن نبذل كل الجهود الممكنة لتنشئتهم على أن ممارسة الفساد تعدُّ من أرذل الأفعال وأقبحها وأسوئها، وأنها من أشد الجرائم حرمة في الشرع والقانون.

لا أريد أن أختم هذا المقال المقترح من قبل أن أقول بأني لا اتفق مع الذين يقولون بأننا في هذه البلاد قد خسرنا نهائيا الكبار في مجال التوعية حول خطورة الفساد، فأنا من الذين يؤمنون بأن مجتمعنا هو مجتمع سهل الانقياد إلى ما هو صالح وإلى ما هو فاسد، وهناك أمثلة على ذلك لا يتسع المقام لبسطها، فمجتمعنا عندما يظهر له أن هناك إرادة قوية وصارمة على أعلى مستوى لمحاربة الفساد والمفسدين، فإنه سيتحول تلقائيا ـ عن قناعة أو تماشيا مع الإرادة السياسية الصارمة ـ إلى مجتمع مناهض للفساد.

حفظ الله موريتانيا..


الأحد، 29 سبتمبر 2024

بشرى في ليل الأزمة الحالك

 


هذه شبه مسلمات يجب استحضارها عند اتخاذ أي موقف مما يجرى الآن في الضاحية الجنوبية لبيروت:

1- لا يوجد نظام، ولا توجد حركة أو جماعة أو حزب في مشارق بلاد العرب والمسلمين وفي مغاربها إلا ولديه أخطاء كبيرة ارتكبها في وقت ما في حق طائفة من العرب والمسلمين هنا أو هناك.

"لا يوجد" المستخدمة في هذه النقطة بالذات، وفي غيرها من النقاط اللاحقة، تعني بالضبط "لا يوجد"؛

2 - لا يوجد في السنوات الأخيرة، إن لم أقل العقود الأخيرة، جماعة أو حزب أو نظام حاكم وجه ضربات موجعة للعدو مثلما فعل حزب الله في لبنان. لا توجد أي جماعة أو حركة أو نظام يمكن أن ينافس حزب الله في لبنان في هذا المجال اللهم إلا إذا كانت المقاومة داخل فلسطين؛

3 - لا توجد في الوقت الحالي جماعة أو حركة أو حزب أو نظام حاكم قرر أن يقف مع المقاومة في فلسطين منذ فجر السابع أكتوبر وحتى اليوم، وأن يكون سندا لها، وأن لا يقبل أن يتفاوض مع العدو إلا في إطار مفاوضات شاملة تتوقف بموجبها حرب الإبادة في فلسطين، لا توجد في الوقت الحالي جماعة أو حركة من هذا النوع إلا حزب الله في لبنان؛

لو قبلت هذه المقاومة بمفاوضات خاصة مع العدو بعد السابع من أكتوبر، لا يتم ربطها بما يجري في غزة، لما حدث ما حدث مساء الجمعة في الضاحية الجنوبية من بيروت؛

4 - لا توجد نشوة انتصار عاشها العدو في السنوات الأخيرة، إن لم أقل العقود الأخيرة، يمكن أن تُقاس بالنشوة التي يعيشها الآن بعد تمكنه من اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

المؤلم حقا أنك قد تجد بعد سرد هذه النقاط الأربع التي لا يمكن التشكيك في أي واحدة منها، قد تجد عربيا مسلما يعبر كتابة أو نطقا عن فرحه باغتيال من يسمونه نصر اللات، بل إنك قد تجد من يُصَنَّف في دائرة العلماء أو الدعاة يعلق على عملية الاغتيال بقوله تعالى : " وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ".

حقا هناك أشخاص قد يحملون شهادات كبرى، وقد يصنفون بأنهم دعاة، ومع ذلك تبقى عقولهم قاصرة، ونظراتهم ضيقة، وعجزهم بَيِّن في اتخاذ مواقف سليمة مما يجري من أحداث بالغة التعقيد في بلاد العرب والمسلمين.

وتبقى بشرى 

اغتالوا الشهيد هنية، فجاءهم السينوار وهو أكثر تشددا من سلفه، وأخيرا اغتالوا الشهيد حسن نصر الله فقد يأتيهم هشام نصر الدين، وهو أكثر تشددا من سلفه.

قد ينجح العدو في اغتيال الكثير من القادة، وقد يتباهى بذلك، ولكن كل قائد جديد يأتي سيكون أكثر قسوة على العدو، وستكون روح الانتقام لديه أعلى.

لا خلاف على أننا نتلقى اليوم ضربات مؤلمة وموجعة في لبنان، ولكننا على ثقة بأن القادة الذين سيخلفون جيل القادة الذين تعرضوا للاغتيال خلال الأيام الماضية، سيكونون أكثر حقدا على العدو، وستكون روح الانتقام لديهم عالية جدا.

أبشروا بما يسركم، وإن غدا لناظره لقريب..

الخميس، 26 سبتمبر 2024

من رقمنة المخالفات إلى رقمنة الخدمات!


طالعتُ اليوم في المواقع الإخبارية  تعميما صادرا عن مدير الأمن الوطني يتعلق برقمنة مخالفات قانون المرور في العاصمة نواكشوط، ولا خلاف على أهمية هذا التعميم، فهو من جهة سيحل عمليا العديد من المشاكل في هذا المجال، ومن جهة أخرى فهو سيساعد في الشفافية، وفي ضبط الموارد المالية المتحصلة من تلك المخالفات.

بكلمة واحدة، إنه تعميم جيد، وقد طال انتظاره، وهو يستحق الإشادة، ولكن هذه الإشادة لن تمنعنا من لفت الانتباه إلى أن الرقمنة في مجال السلامة المرورية يجب أن لا تقتصر فقط على جانب المخالفات والغرامات، بل يجب أن تشمل أيضا جانب   الخدمات المقدمة لسلامة سالكي الطرق.

قد لا يكون من المناسب أن نتذكر الرقمنة والاستفادة من التقنيات الجديدة عندما يتعلق الأمر بالمخالفات والجباية، وننسى هذه الرقمنة ولا نتذكرها عندما يتعلق الأمر بتقديم خدمات للسائق هو في أمس الحاجة إليها للحفاظ على سلامته، وسلامة مركبته. 

في يوم 11 إبريل من العام 2022 تقدمنا في حملة "معا للحد من حوادث السير" إلى كل القطاعات المعنية بالسلامة المرورية بمقترح يتعلق بتطبيق في مجال السلامة المرورية، وكان هذا التطبيق نتاج جهد أحد المهندسين الشباب من أصدقاء الحملة، كان قد اشتغل عليه لفترة طويلة من الزمن، ولما اكتمل إعداده، تقدم به مشكورا إلى الحملة، ومنحها حق التصرف الكامل فيه، فما كان منا في الحملة إلا أن تقدمنا بدورنا بهذا التطبيق إلى كل الجهات المعنية بملف السلامة المرورية، وعلى رأسها وزارة التجهيز والنقل، وذلك للاستفادة منه في توفير المزيد من السلامة لسالكي الطرق ولمركباتهم.  

منذ بداية العام 2022 وهذا التطبيق جاهز من الناحية الفنية، ولكن ومن أجل إطلاقه بشكل رسمي، فهو يحتاج إلى تعاون كل الجهات الحكومية المعنية بالسلامة الطرقية.

لقد صُمِّمَ هذا التطبيق ليغطي أهم  المحاور الطرقية في البلاد، وهو إن تم العمل به، فإنه سيمكن سالكي الطرق  من معرفة دقيقة ومحينة لوضعية الطريق الذي يسلكونه، وذلك من خلال تحديد الأماكن التي توجد فيها حفر أو ألسنة رملية أو حيوانات أو عمليات صيانة وترميم أو سيارات متعطلة، وكذلك تلك التي توجد فيها سيارات الإسعاف وأرقام هواتف القائمين عليها، أو أي معلومات أخرى قد يحتاجها السائق عن الطريق الذي يسلكه.

كل هذه المعلومات يمكن أن يتيحها التطبيق الذي أسميناه تطبيق "سلامتك"،  والذي اخترنا له شعار "التطبيق قبل الطريق"، وهي عبارة أخذناها من العبارة العربية الشهيرة التي تقول "الصديق قبل الطريق".  ويمتاز هذا التطبيق بأنه سهل الاستخدام والتحميل على أي هاتف محمول، بل ويمكن تطويره ليتماشى أكثر مع قواعد السلامة المرورية، بحيث لا يضطر السائق لاستخدام الهاتف أثناء القيادة، ويمكن للمعلومات التي يقدمها التطبيق أن تقدم أيضا لسالكي الطرق من خلال نشرة يومية عن وضعية الطرق في بلادنا موجهة إلى مستخدمي الطرق، تبث عبر الإذاعة مثلا، وتقدم فيها كل المعلومات الموجودة على التطبيق، والتي يتم تحيينها بشكل شبه يومي.

ولأن تطبيق "سلامتك" يحتاج إلى معلومات دقيقة يتم تحيينها بشكل مستمر، فكنا في حملة معا للحد من حوادث السير بحاجة إلى شراكة أو تعاون مع الجهات التي تمتلك تلك المعلومات من خلال نقاط التفتيش وممثلي بعض الإدارات على أهم المحاور الطرقية: الدرك الوطني؛ الشرطة الوطنية؛ مؤسسة أشغال صيانة الطرق؛ مصلحة السلامة الطرقية بوزارة الصحة، وقد راسلنا أغلب تلك الجهات بالمقترح، ولكننا لم نتلق أي رد إيجابي. 

لم يكن هذا هو المقترح الوحيد الذي قدمناه في الحملة للجهات المعنية بالسلامة المرورية، بل قدمنا مقترحا آخر لا يقل أهمية للاستفادة من النقنيات الجديدة في مجال السلامة المرورية، يتعلق المقترح بمراقبة السرعة في حافلات وسيارات النقل البيني، ومن المعروف أن السرعة تعدُّ هي السبب الأول في حوادث السير في بلادنا، حسب الإحصائيات الرسمية.

يؤكد المسؤولون في وزارة التجهيز والنقل، وفي كل القطاعات المعنية بالسلامة المرورية، بأن السرعة المفرطة هي السبب الأول في حوادث السير، ومع ذلك لا يفعلون أي شيء يذكر لمراقبة السرعة في حافلات وسيارات النقل البيني، وذلك على الرغم من وجود حلول تقنية بسيطة وعملية لدى بعض الشركات الخاصة، وقد اطلعنا في الحملة على تلك الحلول، بل إن القائمين على إحدى هذه الشركات أكدوا لنا على أنهم على استعداد لتقديم هذه الحلول مجانا للوزارة عن طريق حملة معا للحد من حوادث السير.

تتعلق هذه الحلول، وهي بالمناسبة قد جربت أمام أحد وزراء التجهيز والنقل، بوضع شرائح إلكترونية بالسيارات والحافلات التي تمارس النقل، وعندما تتجاوز السيارة السرعة المحددة لها فإن الشريحة ترسل بشكل فوري رسالة نصية بذلك، ويمكن أن ترسلها لعدة جهات في وقت متزامن : نقاط التفتيش ـ المصالح المعنية في الوزارة ـ سلطة تنظيم النقل الطرقي ـ حملة معا للحد من حوادث السير إن كانت هناك رغبة في إشراك المجتمع المدني في مراقبة سرعة سيارات وحافلات النقل.

هذا المقترح كنا قد عرضناه على وزارة التجهيز والنقل أكثر من مرة، وقد تضمنه مقالي الأخير الذي وجهته لمعالي وزير التجهيز النقل الجديد، ضمن سلسلة من المقالات التي وجهتها لعدد من الوزراء في الحكومة الحالية، وهي مقترحات لم تجد في المجمل أي اهتمام يذكر.

ليس أمامنا إلا تكرار تقديم هذه المقترحات، فمن يدري، فربما يجد أحدها اهتماما من هذا الوزير أو ذاك. 

حفظ الله موريتانيا..


الثلاثاء، 17 سبتمبر 2024

عن مصادر أموال أبناء الشيخ آياه


لقد أصبح السؤال عن مصادر أموال بعض أبناء أسرة أهل الشيخ آياه الفاضلة، هو السؤال الأكثر إلحاحا في أيامنا هذه، وأصبحت محاولات الإجابة عليه هي الشغل الشاغل لرواد مواقع التواصل الاجتماعي.

إن المتابع لما يُثار حاليا من نقاش واسع حول مصادر تلك الأموال سيجد أن هناك ثلاث فرضيات تعتبر هي الأكثر تداولا حول تلك المصادر.

الفرضية الأولى : يحاول أصحاب هذه الفرضية أن يربطوا ـ تلميحا أو تصريحا ـ بين مصدر هذه الأموال والتجارة في "أدكيكة البيظة"، ومن أبرز من حاول أن يدفع بتلك الفرضية في بثوثه المباشرة المدون عبد الرحمن ودادي، والذي حظي بثه المباشر الذي أوصل النقاش حول الموضوع إلى ذروته، بمليون وثلاثمائة ألف مشاهدة، كما حظي بثه الثاني بمليون مشاهدة، بينما وصل بثه الثالث بعد 8 ساعات (وقت كتابة هذا المقال) إلى أكثر من نصف مليون مشاهدة، والراجح أنه سيتجاوز مليون مشاهدة من قبل أن يُكمل يومه الأول.

نحن أمام أرقام مشاهدة استثنائية، وتفاعل غير مسبوق في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني بأن هذه الفرضية وصلت إلى كل بيت موريتاني، إن لم أقل كل موريتاني، فأن تحظى ثلاثة بثوث متتالية لمدون واحد، خلال ثلاثة أيام، بما يُقارب 3 مليون مشاهدة، فهذا يعني أننا أمام تفاعل استثنائي وغير مسبوق في مواقع التواصل الاجتماعي لم يحظ به أي موضوع من قبل.

لا يملك أصحاب هذه الفرضية ـ وعلى رأسهم عبد الرحمن ودادي ـ أدلة مؤكدة يقدمونها للمتابع، ولا يطلب منهم تقديم أدلة مؤكدة، ولكنهم في المقابل، استطاعوا ـ وبذكاء ـ أن يربطوا من خلال تحليل متماسك منطقيا بين سلسلة من الأحداث، واستطاعوا كذلك أن يطرحوا بعض الأسئلة، التي من شأنها أن تعزز من قوة فرضيتهم. يتحدث أصحاب هذه الفرضية عن الثروة الضخمة التي ظهرت فجأة عند بعض أفراد الأسرة، والتي تزامنت مع " ظهور طائرة لغز" في سماء الترارزة، كما يتحدثون عن إنفاق تلك الأموال بطريقة مثيرة للشكوك، وعن عطايا كان فيها نصيب كبير لبعض التافهين، لا يمكن أن يُعطيها إلا من حصل على أموال ضخمة بطرق "سهلة".

هذه الفرضية ـ إن تأكدت ـ  تجعلنا أمام أموال حرام حُصِّلت من فعل إجرامي محرم محليا ودوليا.

الفرضية الثانية : ومن أشهر من قال بها ـ إن لم أقل الوحيد الذي قال بها ـ صاحب حساب مستعار (سيدي محمد المعروف باكس ول اكرك)، حيث أشار في منشور له تم تداوله بشكل واسع إلى أن أحد الموريتانيين، ويفهم من سياق المنشور أنه يقصد أحد أبناء أسرة أهل الشيخ آياه، قد حصل على 170 مليون أيرو في لعبة "يانصيب".

هذه الفرضية تجعل مصدر الأموال قانوني في دول الغرب، ومحرم شرعا في بلادنا، ويفترض أنه محرم كذلك في كل بلاد المسلمين.

الفرضية الثالثة: تحدث عنها كثيرون، ولعل من أبرزهم الصحفي المعروف عبد الله اتفاغ المختار، حيث قالوا بأن مصدر هذه الأموال هو "لحجاب"، ويقول الصحفي عبد الله  في منشور له أنه علم من بعض المصادر: "أن بزوغ نجم العزة منت الشيخ آياه كان بسبب حاجة سيدات خليجيات محافظات جدا، إلى حجابة أنثى، لكونهن لا ينكشفن على غير محرم". ويضيف في نفس المنشور: "شخصيا خدمتُ سبع سنوات في دولة الإمارات، وكثيرا ما التقيتُ بحجابة موريتانيين، وقليل منهم من غنم منها وعاد إليها، والسبب دائما هو التحايل، باستثناء الطالب بوي الذي كان يغادرنا في دبي هذا الأسبوع، ثم يعود إلينا في الأسبوع الموالي وذلك دأبه حتى الساعة، ولم نعلم بمأخذ على نشاطه وسلوكه هناك."

هذه الفرضية ـ إن صحت ـ سنكون أمام أموال مشروعة، مع اعترافنا بأن "لحجاب" أصبح يصاحبه الكثير من عمليات الغش والتحايل.

من يستطيع أن يحسم الجدل القائم حول هذه الفرضيات؟

هناك جهتان فقط يمكن لهما أن تحسما هذا الجدل القوي الدائر حاليا  حول مصدر أموال أسرة أهل الشيخ آياه. الجهة الأولى هي من يمتلك تلك الأموال، أي الأسرة نفسها، ولكن يبدو أن الأسرة لم تقرر حتى الآن الكشف عن مصادر أموالها، بل إن ما يُصرح به من طرف بعض أفرادها يزيد من وجاهة السؤال عن مصدر تلك الأموال.

إن أهم تصريحات أبناء الأسرة حول مصدر تلك الأموال انحصر حتى الآن في منشور كتبه الشيخ الطالب بوي ولد الشيخ أياه (الناطق الرسمي باسم الأسرة) على حسابه في الفيسبوك، قال فيه :" مصدر أموال أهل الشيخ آياه : قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)".

هناك أيضا فيديو متداول للشيخ عبد العزيز الشيخ آياه (الخليفة العام) يقول فيه إنه أغنى من يوجد حاليا بين السماء والأرض، وأنه لا يزاول أي عمل!!!

أما الجهة الثانية التي يمكن أن تجيب بدقة على السؤال هي الدولة طبعا، وذلك من خلال أجهزتها الأمنية والقضائية، والدولة أصبحت ملزمة اليوم بالإجابة على هذا السؤال، وأصبحت ملزمة كذلك باتخاذ القرار المناسب في هذا الموضوع بعد تحديد مصدر تلك الأموال، فإن كان مصدرها هو ما تحدثت عنه الفرضية الأولى، وهذا مما لا أتمناه،  فإننا في هذه الحالة سنكون أمام واحدة من أخطر الجرائم التي تستوجب معاقبة كل الضالعين فيها، وإن كان مصدر الأموال له صلة بالفرضية الثانية، أي القمار، فإننا نكون في هذه الحالة أمام تكسب غير مشروع للمسلم، ويزداد الأمر هنا خطورة لأنه يتعلق ببعض أفراد أسرة يتبع لطريقتها الكثير من الموريتانيين ومن غير الموريتانيين، وبهذا التصرف يكون أحد أبناء الأسرة قد أساء إلى تاريخ طويل وعريض لأسرة فاضلة لها طريقتها الصوفية التي كانت ـ وما تزال تستقطب الكثير من المريدين والأتباع.

وإن كان مصدر الأموال هو الفرضية الثالثة، أي لحجاب، وهذا ما نرجو، فهنا نكون أمام مصدر شرعي، حتى وإن ارتبط "لحجاب" في بعض الحالات بالشعوذة والتحايل.

إننا نتمنى حقا، أن يكون مصدر أموال هذه الأسرة هو لحجاب، وفي هذه الحالة سيكون من واجبنا جميعا أن نقف صفا واحدا ضد تشويه سمعة هذه الأسرة الفاضلة من خلال اتهامها بأبشع جريمة يمكن أن يُتهم بها أبناء مشيخة معروفة في موريتانيا وخارجها.

نعم سيكون من واجبنا في حالة تحققت هذه الفرضية الثالثة أن نقف مع هذه الأسرة الفاضلة التي اتهمت بأبشع تهمة، خاصة وأن هذه التهمة قد سارت بها ركبان البثوث المباشرة، وأوصلتها إلى كل موريتاني يملك هاتفا مزودا بالأنترنت.

نعم سيكون من واجبنا جميعا إن صدقت الفرضية الثالثة أن نقف صفا واحدا ضد واحدة من أخطر عمليات التشويه الإعلامي التي تعرضت لها أسرة موريتانية في كل تاريخ البلد.

بكلمة واحدة لقد أصبح لزاما على الأجهزة الأمنية والقضائية أن تكشف ـ وبشكل فوري ـ عن مصدر أموال أسرة أهل الشيخ آياه، فإن كان المصدر غير مشروع تم اتخاذ الإجراءات العقابية المناسبة، وإن كان المصدر مشروعا ـ وهذا ما نرجو وما نتمنى ـ عوقب كل من حاول تشويه سمعة هذه الأسرة الفاضلة، مع القيام بكل ما يلزم لوقف هذا التشويه الإعلامي الواسع الذي تتعرض له هذه الأسرة الفاضلة.   

حفظ الله موريتانيا..


الأحد، 15 سبتمبر 2024

فَلِنطالب بكشف الحقيقة..هذا هو واجب اللحظة


أثير في الفترة الأخيرة ملفان شائكان وفي غاية التعقيد، أولهما يتعلق بتهم بالفساد، وقد أثاره رئيس منظمة الشفافية الشاملة الشيخ السابق محمد غدة ضد تجمع شركات من بينه شركة تحسب على رئيس أرباب العمل الذي يملك 40% من رأسمالها.

أما ثانيهما فهو يتعلق ب"البدرة البيضاء"، وقد أثاره المدون والكاتب عبد الرحمن ودادي، ويفهم من أحاديثه أنه يتهم بعض أفراد مشيخة معروفة في البلد بتبييض الأموال والتجارة في الممنوعات.

يُحسب لولد غدة وولد ودادي أنهما:

1 -  أثارا ملفين شائكين ضد شخصيات لها وزنها وتأثيرها الكبير في البلد؛

2 - أنهما قدما كل ما لديهما من فرضيات وأدلة للرأي العام الوطني؛

3 - أنهما فتحا هذين الملفين الشائكين من داخل موريتانيا، وليس من خارجها، وهذا يؤكد أولا شجاعتهما، ويؤكد ثانيا أنهما على استعداد  تام لتحمل كل ما قد يترتب على فتح الملفين من أضرار ومخاطر وتبعات شخصية، وبالفعل فقد بدءا في دفع الكلفة، فهما ما بين من سُجِن أو استدعي للتحقيق، في حين أن المتهمين يزاولون مهامهم وأنشطتهم دون أي مساءلة. 

ما حدث بعد فتح الملفين معروف، فقد انقسم أهل هذا الفضاء كعادتهم دائما إلى فسطاطين اثنين لا ثالث لهما : فسطاط يدافع عن المتهمين في الملفين، ويبالغ في تزكيتهما، بل ويرفعهما إلى مراتب عليا، وكأنهما منزهان عن كل الأخطاء والنواقص، وفسطاط آخر يقف مع ولد غدة وولد ودادي ويعتبر أن ما قالا حقائق ثابتة لا يجوز التشكيك فيها تحت أي ظرف، وأنه من الواجب على الدولة أن تنفذ العقوبات ضد المتهمين بشكل فوري.

أيها النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي :

إن المطلوب منا جميعا ليس التضامن مع من اتَهَمَ أو التضامن مع من اتُهِم، بل المطلوب منا خدمةً للحقيقة وللوطن هو أن نقف صفا واحدا للمطالبة بتحقيقات شفافة في الملفين، والتعامل مع نتائج تلك التحقيقات بصرامة، وبما ينص عليه القانون، فإن كانت الاتهامات حقيقية عوقب المعنيون بما يحدده القانون في هذا المجال من عقوبات، وإن كانت التهم غير حقيقية، وأن كل ما قيل هو من أجل الإساءة إلى سمعة المعنيين، فعلى القضاء في هذه الحالة أن يعاقب ولد غدة وولد ودادي بما يحدده القانون من عقوبات ضد من يمارس الافتراء والإساءة إلى سمعة المواطنين الأبرياء.

إني أدعوكم - يا نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي -  إلى التضامن مع الحقيقة، وبذل كل الجهود واستخدام كل وسائل الضغط من أجل فتح تحقيقات شفافة لمعرفة الحقيقة، واتخاذ إجراءات عقابية ضد هذا الطرف أو ذاك، تبعا لنتائج نلك التحقيقات.

وبالمناسبة فإن هذا هو الموقف الذي يُفترض فيه أنه يرضي الجميع، فإن كان الأمر يتعلق بافتراء تمت تبرئة المعنيين، وحُقَّ لهم حينها أن يطلوا على المجتمع برؤوس مرفوعة،          

 وإن كانت التهم حقيقية فإن الواجب في هذه الحالة هو أن يعاقب المدانين بتلك التهم، ويُكرم ولد غدة وولد ودادي على جهودهما الكبيرة في كشف جرائم الفساد وغسيل الأموال والمتاجرة بالممنوعات.

وأختم بما بدأتُ به : فَلِنطالب بكشف الحقيقة..هذا هو واجب اللحظة.


فَلِنطالب بكشف الحقيقة..هذا هو واجب اللحظة




بسم الله الرحمن الرحيم

عن مصادر أموال أبناء الشيخ أياه

لقد أصبح السؤال عن مصادر أموال بعض أبناء أسرة أهل الشيخ آياه الفاضلة، هو السؤال الأكثر إلحاحا في أيامنا هذه، وأصبحت محاولات الإجابة عليه هي الشغل الشاغل لرواد مواقع التواصل الاجتماعي.

إن المتابع لما يُثار حاليا من نقاش واسع حول مصادر تلك الأموال سيجد أن هناك ثلاث فرضيات تعتبر هي الأكثر تداولا حول تلك المصادر.

الفرضية الأولى : يحاول أصحاب هذه الفرضية أن يربطوا ـ تلميحا أو تصريحا ـ بين مصدر هذه الأموال والتجارة في "أدكيكة البيظة"، ومن أبرز من حاول أن يدفع بتلك الفرضية في بثوثه المباشرة المدون عبد الرحمن ودادي، والذي حظي بثه المباشر الذي أوصل النقاش حول الموضوع إلى ذروته، بمليون وثلاثمائة ألف مشاهدة، كما حظي بثه الثاني بمليون مشاهدة، بينما وصل بثه الثالث بعد 8 ساعات (وقت كتابة هذا المقال) إلى أكثر من نصف مليون مشاهدة، والراجح أنه سيتجاوز مليون مشاهدة من قبل أن يُكمل يومه الأول.

نحن أمام أرقام مشاهدة استثنائية، وتفاعل غير مسبوق في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يعني بأن هذه الفرضية وصلت إلى كل بيت موريتاني، إن لم أقل كل موريتاني، فأن تحظى ثلاث بثوث متتالية لمدون واحد، خلال ثلاثة أيام، بما يُقارب 3 مليون مشاهدة، فهذا يعني أننا أمام تفاعل استثنائي وغير مسبوق في مواقع التواصل الاجتماعي لم يحظ به أي موضوع من قبل.

لا يملك أصحاب هذه الفرضية ـ وعلى رأسهم عبد الرحمن ودادي ـ أدلة موثوقة يقدمونها للمتابع، ولكنهم في المقابل، استطاعوا ـ وبذكاء ـ أن يربطوا من خلال تحليل متماسك منطقيا بين سلسلة من الأحداث، واستطاعوا كذلك أن يطرحوا بعض الأسئلة، التي من شأنها أن تعزز من قوة فرضيتهم. يتحدث أصحاب هذه الفرضية عن الثروة الضخمة التي ظهرت فجأة عند بعض أفراد الأسرة، والتي تزامنت مع " ظهور طائرة لغز" في سماء الترارزة، كما يتحدثون عن إنفاق تلك الأموال بطريقة مثيرة للشكوك، وعن عطايا كان فيها نصيب كبير لبعض التافهين، لا يمكن أن يُعطيها إلا من حصل على أموال ضخمة بطرق "سهلة".

هذه الفرضية ـ إن تأكدت ـ  تجعلنا أمام أموال حرام حًصِلت من فعل إجرامي محرم محليا ودوليا.

الفرضية الثانية : ومن أشهر من قال بها ـ إن لم أقل الوحيد الذي قال بها ـ صاحب حساب مستعار (سيدي محمد المعروف باكس ول اكرك)، حيث أشار في منشور له تم تداوله بشكل واسع إلى أن أحد الموريتانيين، ويفهم من سياق المنشور أنه يقصد أحد أبناء أسرة أهل الشيخ آياه، قد حصل على 170 مليون أيرو في لعبة "يانصيب".

هذه الفرضية تجعل مصدر الأموال قانوني في دول الغرب، ومحرم شرعا في بلادنا، ويفترض أنه محرم كذلك في كل بلاد المسلمين.

الفرضية الثالثة: تحدث عنها كثيرون، ولعل من أبرزهم الصحفي المعروف عبد الله اتفاغ المختار، حيث قالوا بأن مصدر هذه الأموال هو "لحجاب"، ويقول الصحفي عبد الله  في منشور له أنه علم من بعض المصادر: "أن بزوغ نجم العزة منت الشيخ آياه كان بسبب حاجة سيدات خليجيات محافظات جدا، إلى حجابة أنثى، لكونهن لا ينكشفن على غير محرم". ويضيف في نفس المنشور: "شخصيا خدمتُ سبع سنوات في دولة الإمارات، وكثيرا ما التقيتُ بحجابة موريتانيين، وقليل منهم من غنم منها وعاد إليها، والسبب دائما هو التحايل، باستثناء الطالب بوي الذي كان يغادرنا في دبي هذا الأسبوع، ثم يعود إلينا في الأسبوع الموالي وذلك دأبه حتى الساعة، ولم نعلم بمأخذ على نشاطه وسلوكه هناك."

هذه الفرضية ـ إن صحت ـ سنكون أمام أموال مشرعة، مع اعترافنا بأن "لحجاب" أصبح يصاحبه الكثير من الغش والتحايل.

من يستطيع أن يحسم الجدل القائم حول هذه الفرضيات؟

هناك جهتان فقط يمكن لهما أن تحسما هذا الجدل القوي الدائر حاليا  حول مصدر أموال أسرة أهل الشيخ آياه. الجهة الأولى هي من يمتلك تلك الأموال، أي الأسرة نفسها، ولكن يبدو أن الأسرة لم تقرر حتى الآن الكشف عن مصادر أموالها، بل إن ما يُصرح به من طرف بعض أفراد الأسرة يزيد من إلحاح السؤال عن مصدر تلك الأموال.

إن أهم تصريحات أبناء الأسرة حول مصدر تلك الأموال انحصر حتى الآن في منشور كتبه الشيخ الطالب بوي ولد الشيخ أياه (الناطق الرسمي باسم الأسرة) على حسابه في الفيسبوك، قال فيه :" مصدر أموال أهل الشيخ آياه : قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ ۚ وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)".

هناك أيضا فيديو متداول للشيخ عبد العزيز الشيخ آياه (الخليفة العام) يقول فيه إنه أغنى من يوجد حاليا على الأرض، وأنه لا يزاول أي عمل.

أما الجهة الثانية التي يمكن أن تجيب بدقة على السؤال هي الدولة طبعا، وذلك من خلال أجهزتها الأمنية والقضائية، والدولة أصبحت ملزمة اليوم بالإجابة على هذا السؤال، وأصبحت ملزمة كذلك باتخاذ القرار المناسب في هذا الموضوع بعد تحديد مصدر تلك الأموال، فإن كان مصدرها هو ما تحدثت عنه الفرضية الأولى، وهذا مما لا أتمناه،  فإننا في هذه الحالة سنكون أمام واحدة من أخطر الجرائم التي تستوجب معاقبة كل الضالعين فيها، وإن كان مصدر الأموال له صلة بالفرضية الثانية، أي القمار، فإننا نكون في هذه الحالة أمام تكسب غير مشروع للمسلم، ويزداد الأمر هنا خطورة لأنه يتعلق ببعض أفراد أسرة يتبع لطريقتها الكثير من الموريتانيين ومن غير الموريتانيين، وبهذا التصرف يكون أحد أبناء الأسرة قد أساء إلى تاريخ طوبل وعريض لأسرة فاضلة لها طريقتها الصوفية التي كانت ـ وما تزال تستقطب الكثير من المريدين والأتباع.

وإن كان مصدر الأموال هو الفرضية الثالثة، أي لحجاب، وهذا ما نرجو، فهنا نكون أمام مصدر شرعي، حتى وإن ارتبط لحجاب في بعض الحالات بالشعوذة والتحايل.

إننا نتمنى حقا، أن يكون مصدر أموال هذه الأسرة هو لحجاب، وفي هذه الحالة سيكون من واجبنا جميعا أن نقف صفا واحدا ضد تشويه سمعة هذه الأسرة الفاضلة من خلال اتهامها بأبشع جريمة يمكن أن يُتهم بها أبناء مشيخة معروفة في موريتانيا وخارجها.

نعم سيكون من واجبنا في حالة تحققت هذه الفرضية الثالثة أن نقف مع هذه الأسرة الفاضلة التي اتهمت بأبشع تهمة، خاصة وأن هذه التهمة قد سارت بها ركبان البثوث المباشرة، وأوصلتها إلى كل موريتاني يملك هاتفا مزودا بالأنترنت.

نعم سيكون من واجبنا جميعا إن صدقت الفرضية الثالثة أن نقف صفا واحدا ضد واحدة من أخطر عمليات التشويه الإعلامي التي تعرضت لها أسرة موريتانية في كل تاريخ البلد.

بكلمة واحدة لقد أصبح لزاما على الأجهزة الأمنية والقضائية أن تكشف ـ وبشكل فوري ـ عن مصدر أموال أسرة أهل الشيخ آياه، فإن كان المصدر غير مشروع تم اتخاذ الإجراءات العقابية المناسبة، وإن كان المصدر مشروعا ـ وهذا ما نرجو وما نتمنى ـ عوقب كل من حاول تشويه سمعة هذه الأسرة الفاضلة، مع القيام بكل ما يلزم لوقف هذا التشويه الإعلامي الواسع الذي تتعرض له هذه الأسرة الفاضلة.   

 

حفظ الله موريتانيا..

محمد الأمين الفاضل

Elvadel@gmail.com


الجمعة، 13 سبتمبر 2024

ضحايا سلبيون..


منذ سنوات، ونحن نحاول في حملة معا للحد من حوادث السير ، أن نشرك ضحايا حوادث السير في التوعية في مجال السلامة الطرقية سعيا للحد من حوادث السير في بلادنا، ولكننا فشلنا في ذلك.

في كل دول العالم فإن الضحايا هم أول من يتحرك للتوعية حول خطورة ما يعانون منه، فمرضى السرطان مثلا يشاركون في التوعية حول خطورة هذا المرض، وضحايا الحروب يكونون في الصفوف  الأولى في أي جهد يسعى للحد من الحروب، وهكذا.

لقد حاولنا إشراك الضحايا على صعيدين :

1- على مستوى الأفراد، أي أن يشارك معنا في التوعية أشخاص تعرضوا سابقا لحوادث سير، ويعانون من آثارها، أو أشخاص فقدوا بعض ذويهم في حوادث سير؛

2- الصعيد الثاني هو أن تدعم بعض القطاعات أو المؤسسات التي فقدت بعض عمالها أو منتسبيها في حوادث سير الجهود التوعوية التي يُقام بها في هذا المجال، فإن لم يكن ذلك من باب تحمل المسؤولية الاجتماعية في هذا المجال، فعلى الأفل، فليكن وفاءً للأرواح التي فقدتها تلك القطاعات والمؤسسات بسبب حوادث السير.

فقدنا العديد من العلماء والدعاة وحاولنا أن نشرك هيئة العلماء في التوعية حول خطورة حوادث السير، وفقدنا العديد من النواب والعمد وحاولنا أن نشرك الساسة في التوعية حول خطورة حوادث السير، وفقدنا صحفيين ومدونين، وحاولنا أن نشرك "نجوم منصات التواصل الاجتماعي"  في التوعية حول خطورة حوادث السير ، على الأقل تضامنا مع زملائهم الذين كانوا ضحية لها، ولكننا فشلنا في ذلك.

آخر المحاولات في هذا المجال كانت بعد حادث السير الأليم الذي وقع عند قرية أغنودرت، (23 يوليو 2024)، وكان ضحيته أحد  موظفي  وكالة ترقية الاستثمار، لقد طلبنا من الوكالة أن تضع نُصبا توعويا في مكان الحادث، كهذا النصب المرفق مع المنشور، وتضع فوقه سيارتها التي تعرضت للحادث المذكور،  وتوفي فيها أحد عمالها، على أن تكتب على النصب رسالة توعوية حول خطورة السرعة المفرطة، فأغلب الحوادث التي تقع بين "ملتقى البراد" ومطار أم التونسي هي في الغالب بسبب السرعة المفرطة، فالطريق هناك مزدوج من إتجاهين، وهو في وضعية مقبولة، ولا توجد به حفر، كما أنه غير مأهول فلا يوجد مشاة ولا حيوانات، مما يعني أن السبب هو في الغالب الأعم للحوادث التي تقع هناك هو السرعة المفرطة.

في الصورة الثانية تظهر صورة سيارة وكالة ترقية الاستثمار التي تعرضت للحادث المذكور، وقد نظمنا في الحملة زيارة ميدانية لموقع الحادث.

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع

#معا_للحد_من_حوادث_السير



الأحد، 8 سبتمبر 2024

نُطالب بإجراء خبرة مستقلة


لقد كنتُ من الذين تابعوا أولا بأول مسار الملف الذي فتحته منظمة الشفافية الشاملة من خلال تقرير نشرته على صفحتها على الفيسبوك، وعلق عليه  فيما بعد رئيسها محمد غدة، وقد تحدث هذا التقرير عن فساد كبير اتهمت به المنظمة تجمع شركات يضم شركة BIS-TP  المملوكة لرئيس أرباب العمل الموريتانيين السيد زين العابدين ولد الشيخ أحمد.


تابعت تقرير المنظمة وما صاحبه من ردود أفعال، كما حضرتُ أيضا لمؤتمر صحفي نظمته الشركة، وقد عرضت الشركة في مؤتمرها الصحفي أن تنظم رحلة ميدانية للمهتمين بالملف للاطلاع بشكل ميداني على العمل الذي قامت به بخصوص المشروع المذكور، وقد وافقتُ مبدئيا للانضمام لهذه الرحلة بشرط واحد، وهو أن تسمح لنا الشركة بتحديد مسار الرحلة ومدتها، وبدعوة من نعتقد بأنه قد يكون مفيدا لنا في جمع المعلومات الميدانية الضرورية.


لم تنظم الشركة الرحلة التي تعهدت بها، وحدث بعد ذلك ما حدث، فسُجن رئيس منظمة الشفافية الشاملة لفترة، وأطلق سراحه فيما بعد، وذلك بعد أن حكمت المحكمة بحكم تمهيدي بإجراء خبرة فنية، وعَيَّن رئيس الغرفة الجزائية خبيرين معتمدين ومنحهم شهرا كاملا، وكلفهم بإجراء معاينة بحضور الطرفين، وإجراء مقارنة بين المتعاقد عليه والمنجز فعلا، ودراسة الكلفة التقديرية لأجزاء المشروع ومقارنتها بكلفة ما تم إنجازه فعلا.


بعد ذلك طعنت النيابة في الحكم لدى الغرفة الجزائية بمحكمة الاستئناف فَرُفِض الطعن، ثم قام بعد ذلك المدعي العام بالطعن في الحكم من جديد أمام المحكمة العليا.


إن محاولة عرقلة إجراء خبرة فنية مستقلة يثير الكثير من الشكوك، والرأي العام المتابع لهذا الملف بحاجة اليوم إلى نتائج خبرة مستقلة تمكنه من معرفة الحقيقة، فإن كان الأمر يتعلق بافتراء ارتكبته منظمة الشفافية ورئيسها ضد شركة BIS-TP، كان من واجبنا جميعا أن نقف بقوة مع الشركة حتى تأخذ حقها كاملا حماية لسمعتها، وإن كان الأمر يتعلق بفساد حقيقي ارتكبته الشركة، طالبنا بمحاسبتها، واستعادة أموال الشعب الموريتاني التي نهبتها.


بكلمة واحدة، لابد من إجراء خبرة مستقلة، ولن نقبل بغير ذلك، فالخبرة المستقلة هي وحدها التي ستساعدنا في معرفة حقيقة هذا الملف.


ونحن بصفتنا متابعين ومهتمين بمحاربة الفساد، لن نقبل بتعطيل إجراء خبرة مستقلة، فإجراء هذه الخبرة هو الذي سيكشف حقيقة ما جرى، وهل الأمر يتعلق بافتراء للإساءة إلى سمعة الشركة، أم بفساد ارتكبته الشركة؟

----

الصورة على هامش المؤتمر الصحفي للشركة، ومن المصادفات أنه تجمعني علاقات صداقة مع الطرفين، وهي علاقات لن تؤثر على موقفي من هذا الملف، فأنا أريد الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة، والحقيقة في هذا الملف طريقها واحد: إجراء خبرة فنية مستقلة.  

#نريد_خبرة

الأحد، 1 سبتمبر 2024

فوضى حركة السير .. هل من حلول؟


من يتأمل حركة السير صباحا أو مساءً في العاصمة نواكشوط، سيخرج باستنتاج صادم مفاده أن السائقين قد قرروا ـ عن بكرة أبيهم ـ  أن ينفذوا عملية انتحار جماعي، وذلك من خلال ارتكاب كل الأخطاء والتجاوزات التي يمكن أن تتخيلها أو لا تتخيلها في وقت واحد، فهذا سائق لم يتوقف عند الإشارة الحمراء، وذلك سائق لم ُيثَبِّتْ في حياته حزام الأمان ولو لمرة واحدة، وثالث يقود سيارته بسرعة جنونية، ورابع منشغل بالهاتف أثناء القيادة، وخامس يشير بضوء سيارته الخلفي أنه سيلف يمينا ولكنه يلف يسارا، وسادس يتوقف وسط الشارع في الوقت الذي يشاء وبالطريقة التي يشاء.

هذا هو في المجمل ما يحدث يوميا على أغلب شوارع وملتقيات طرق العاصمة نواكشوط، وإذا ما أردنا أن نتحدث في التفاصيل، فلا بأس بالتوقف عند بعض العناوين الفرعية.

مجانين ينظمون حركة السير

لعل من أبلغ الأدلة وأكثرها صدمة على ما نعيش من فوضى في حركة السير، هو أنه توجد في العاصمة نواكشوط ثلاثة ملتقيات طرق حيوية ينظم فيها حركة سير مجانين.

لقد بلغت فوضى حركة السير في بلادنا حدًّا أصبح فيه "عقلاء البلد ونخبه"، ومن يقود السيارات إذا ما استثنينا سائقي سيارات الأجرة هم نخب البلد، أصبحوا بحاجة إلى مجانين لينظموا لهم حركة السير في بعض ملتقيات الطرق الحيوية.

كرمٌ هنا وبخلٌ هناك

من المعروف أن الموريتاني هو بطبيعته شخص كريم، والشعب الموريتاني يعدُّ من أكرم الشعوب، ومع ذلك فإن هذا الشعب الكريم بفطرته بخيلٌ جدا في الشارع، ومن الصعب جدا أن يتكرم عليك موريتاني من نخبة المجتمع أو عامته بأن يعطيك الأسبقية في الطريق، حتى وإن كنتَ في أشد الحاجة لذلك، بل إن بعضنا قد يبخل بفتح الطريق لسيارة الإسعاف.

وحدهم الأجانب هم الذين يتكرمون بمنح الطريق وإعطاء الأولوية لمن يحتاجها، وذلك مع الاعتراف بأن الكثير من الأجانب أصابته عدوى فوضوية الموريتانيين في الشارع، وأصبح أكثر فوضوية من الموريتانيين، فمنهم من أصبح يتصرف على الشارع برعونة كبيرة تعبر عن مدى استخفافه بأهل هذا البلد الذي يقيم فيه.

ومن قبل أن أختم هذه الفقرة لابد أن أشير إلى جفاف المشاعر الذي يعاني منه السائق الموريتاني، فأنتَ عندما تشذُّ عن القاعدة، وتقرر أن تتكرم بفتح الطريق لصاحب سيارة، فإنه يبخل عليك في الغالب الأعم، بأن يرفع إليك يده شاكرا.

من يُهدر الساعات الطوال قد يحرص على الثواني!

الشعب الموريتاني قد يكون من الشعوب الأكثر إهدارا للوقت، ويكفي لتبيان ذلك، أن نُذَكِّر ب"جيمات" الشاي الثلاثة، والتي من بينها جِيمٌ تجعل من عملية إبطاء الشاي هدرا للوقت شرطا من شروط صحته.  الغريب في الأمر، أن هذا الشعب المعروف بإهداره للوقت قد تجد فيه من يُظهر حرصا مبالغا فيه لاستغلال الوقت، قد لا تجده في أي بقعة من العالم، وذلك لدرجة أنه لا يقبل بالتوقف ـ ولو لثانية واحدة ـ عند إشارة المرور في انتظار الضوء الأخضر.

البعض منا قد يُخاطر بحياته وبحياة غيره حتى لا يضيع ثانية واحدة يتبدل فيه لون إشارة المرور، ومن يشاهد ذلك الحرص المبالغ فيه لاستغلال ثانية واحدة عند ملتقيات الطرق، قد يطرح السؤال : ما الذي جعل ذلك الشخص يُخاطر بحياته لكسب ثانية واحدة عند إشارة الضوء؟

لا بأس، سأتكرم عليكم بالجواب : ربما يكون مستعجلا لأنه في طريقه إلى جلسة شاي سيهدر فيها الساعات الطوال من وقته!

لمن ملكية الشارع؟

كثيرٌ من سالكي الطرق يتعامل مع الشارع، وكأنه ملكية خاصة به، ولذا فهو قد يتوقف في وسطه في الوقت الذي يشاء وبالطريقة التي يشاء ليتبادل أطراف الحديث مع شخص يعرفه، التقى به صدفة على الشارع، وربما يتوقف ليشتري بضاعة، أو ليحمل راكبا، أو لأي سبب آخر كان.

وعندما يستفزك هذا التصرف الغريب، فتطلب ممن مارسه أن يفتح لك الطريق، قد يلتفت إليك غاضبا، ويقول لك : هل الشارع شارعك، وكأنه شارعه هو الذي ورثه عن آبائه وأجداده، والذي يمتلك عليه وثيقة تؤكد ملكيته!

يا هذا، الشارع ليس لي ولا لك، وهو ملكية عامة للجميع، ولكل واحد منا الحق في استخدامه واستغلاله بشكل سليم، ولكن لا يحق لأي منا أن يستخدمه بشكل غير سليم.

 الواعظ الصغير

 تتعرض الشوارع لعمليات اعتداء من طرف جهات عديدة، فشركات الاتصال والماء والكهرباء والبلديات وغيرها، كل واحدة من هذه الجهات قد تأتي إلى شارع ما فتحفر فيه حفرة لتنفيذ بعض الأشغال، ثم تترك تلك الخفرة دون أي ترميم.

عمليات الاعتداء على الشوارع يشارك فيه المواطنون، فأصحاب المنازل المحاذية للشوارع قد يقتطعون منها قطعة فيحولونها إلى ملكية خاصة تضرب فيها خيمة، أو يشيد فيها خزان ماء، أو تجعل حظيرة للماعز.

ويبقى أصحاب المتاجر والباعة الصغار والمتسولون هم الأكثر اعتداءً على الشوارع، وأذكر أننا في حملة "معا للحد من حوادث السير" نظمنا زيارة ميدانية لحادث سير وقع في تفرغ زينة (عملية دهس)، توفي فيها شاب صغير كان يبيع بطاقات الرصيد والسجائر، وكان يستخدم كيسا خشبيا صغيرا وكرسيا كمحل بيع على الشارع.

بعد الحادث بيومين زرنا للمرة الثانية نفس المكان، فوجدنا الأخ الأصغر للشاب المتوفي يستخدم نفس المحل لبيع بطاقات الرصيد والسجائر، فطلبنا منه أن يبتعد قليلا عن الشارع حتى لا تتكرر معه المأساة التي حدثت مع أخيه الأكبر، فامتنع، وقال لنا بأن الأعمار بيد الله، وأن ما حدث مع أخيه كان قدرا مكتوبا. لقد تلقينا يومها موعظة من واعظ صغير يبيع بطاقات الرصيد والسجائر على قارعة الطريق.

خسائر مادية ومشاكل نفسية

قد تذهب إلى عملك في الصباح الباكر، فتصل إليه بعد تأخر طويل، بسبب اختناق مروري ناتج عن ممارسات خاطئة لسالكي الطريق، وقد يكبدك هذا التأخر أو يكبد الجهة التي تعمل معها خسائر كبيرة، ولا تتوقف الخسائر على الجانب المادي فقط.

فأنت قد تذهب إلى عملك بفائض من حماس، وفي حالة نفسية جيدة، ولكنك لا تصل إليه إلا وقد أصبحت في حالة نفسية سيئة جدا، بسبب ما تلاقي على الشارع من مسلكيات مستفزة، فهذا سائق قد يسد الطريق أمامك دون مبرر، وذاك قد يصدمك بسيارته، وثالث قد يسبك دون سبب وجيه، وهكذا يستمر الحال معك على طول الطريق إلى ان تستنفد أخرة ذرة من فائض الحماس الذي كان لديك، وذلك من قبل وصولك إلى مكان العمل.

خذها قاعدة لقياس مستوى الصبر: من لديه القدرة على أن يتجول في شوارع العاصمة نواكشوط ليوم كامل دون أن يغضب لمرة واحدة، فهذا يعني أنه يمتلك صبرا استثنائيا يحسد عليه.

يا هذا ..إنك تخدع نفسك.

من غرائب مجتمعنا أنك قد تجد فينا من تعلم في أرقى الجامعات العالمية، وعاد إلى بلده بحمْل كبير من الشهادات، ومع ذلك تجده عندما يسافر ويقترب من نقطة تفتيش للدرك أو الشرطة يمدُّ يده لحزام الأمان الذي لم يستخدمه من قبل، ويثبته قليلا، وعندما يتجاوز نقطة التفتيش يتخلص منه بسرعة، وقد بدت على وجهه ملامح نشوة الانتصار، وذلك لشعوره الزائف بأنه خدع عناصر نقطة التفتيش بتثبيته المؤقت لحزام الأمان، متجاهلا بأنه لم يخدع إلا نفسه، وأنه عندما يقع حادث سير لا قدر الله،  فإن الذي سيتضرر هو، لا عناصر الأمن الذين يعتقد أنه خدعهم بحركته الغبية تلك.

الكثير من السائقين، ولكي يتخلص من "الصوت المزعج" الذي تطلقه بعض السيارات الحديثة عندما لا يتم تثبيت أحزمة الأمان، يلجأ إلى اقتناء قطع حديدية صغيرة تستخدم لإسكات الصوت الذي تطلقه السيارات الحديثة عندما لا تُثَبت أحزمة الأمان.

الرابح هو من يرتكب المزيد من الأخطاء

إن الذين يربحون الوقت على شوارعنا، هم أولئك الذين يرتكبون الأخطاء، فعندما يقع اختناق مروري، فإن الذين يخرجون أولا من ذلك الاختناق هم أولئك الذين تسببوا فيه بكثرة أخطائهم، ثم يليهم بعض السائقين الذين لم يتسببوا في الاختناق، ولكنهم قلدوا من سبقهم في ممارسة نفس الأخطاء ليخرجوا من الزحام، ولأن هؤلاء لا يجدون من يعاقبهم، فيبقى العاضون بالنواجذ على قوانين السير في مؤخرة الركب، وهم آخر من يخرج من الزحام.

ولهذا فكثيرا ما يتخلى البعض عن قوانين السير، سعيا للخروج من الزحمة، وذلك عندما يرى بأن من يتخلى عن قوانين السير أولا، هو من يخرج أولا من الزحمة.

هل من حلول؟

رغم كل هذه الفوضى التي نعيشها اليوم على شوارعنا، فإن الحلول موجودة وسهلة، وهي تتمثل في التطبيق الصارم لقوانين السير، ولعل البشرى التي يمكن أن نقدمها هنا بعد كل التشاؤم أعلاه، هي أن المجتمع الموريتاني مجتمع سهل الانقياد، فهو مجتمع فوضوي بدرجة لا يمكن أن تُتخيل إذا كانت الفوضى هي من تحكم الشوارع، وهو قد يتخلى عن تلك الفوضى في أي لحظة عندما يشعر بأن هناك صرامة وجدية في تطبيق القانون، وأنه لا تراجع عن ذلك، وأن الكل يتساوى في العقوبة، سائق سيارة الأجرة وسائق السيارة الفاخرة التي يملكها الوزير أو الجنرال أو رجل الأعمال.

قد لا يصدق بعضكم أن المجتمع الموريتاني سهل الانقياد إلى النظام وإلى تطبيق القانون، عندما يتضح له أنه لا مفر من ذلك، فمن لا يصدق ذلك، فإليه هذا الدليل.

في العام 2010 كانت شوارع العاصمة نواكشوط، وكعادتها دائما، من قبل ومن بعد،  تعيش فوضى في حركة السير، وكان هناك استثناء واحد، عند ملتقى الطرق الموجود بجنب "نادي الضباط".

كان السائق في العاصمة نواكشوط ـ وخاصة سائق سيارة الأجرة ـ يقود سيارته بفوضويته المعهودة، ولكن عندما يصل إلى ملتقى نادي الضباط يتحول إلى سائق من نوع آخر، يتصرف بشكل حضري، وذلك لأنه كان يدرك بأن الشرطي الموجود هناك (الشيخ صار رحمه الله) لا يقبل تحت أي ظرف أي رشوة، ويتساوى عنده سائق السيارة الفاخرة وسائق السيارة المتهالكة، وكان يؤدي عمله بحيوية وحماس، وكانت الابتسامة لا تفارقه، حتى من بعد قضاء عدة ساعات تحت الشمس وهو ينظم حركة السير في أحد ملتقيات طرق العاصمة.

كان السائقون يلتزمون بقوانين السير عندما يصلون إلى ملتقى نادي الضباط، وذلك لأنهم يدركون ـ تمام الإدراك ـ  بأن القانون سيطبق بشكل صارم على الجميع ودون أي تمييز، وكانوا يعودون إلى فوضويتهم التي جبلوا عليها، عندما يتجاوزون ملتقى طرق نادي الضباط.

رحم الله الشيخ صار، فما أحوجنا إليه في هذه الأيام. لقد منحناه في العام 2010 وساما شعبيا، وذلك بعد أن قضينا معه يوما تحت الشمس عند ملتقى نادي الضباط تشجيعا له،  وقد انضم إلينا فيما بعد في حملة معا للحد من حوادث السير بعد تقاعده، وكان عضوا شرفيا فيها، وكنا على صلة به إلى أن توفي بعد معاناة من المرض في يوم الخامس من نوفمبر من العام 2022 .

هل ستنجح حملة فك الاختناق المروري؟

إن تكرار نفس الأساليب قد يؤدي إلى نفس النتائج، وذلك مما لا يبشر على الحملة،  ولعل من الأخطاء التي ارتكبت في هذه الحملة أن أساليب التحسيس بها لم تتغير، فقد تمت إعادة نفس أساليب التحسيس التي كانت تُستخدم سابقا، مجموعة من الموظفين الرسميين تنظم لهم التلفزة أو الإذاعة مقابلات يتحدثون فيها بنفس الطريقة التي كان يتحدث بها أسلافهم في أواخر القرن الماضي.

فمن الملاحظ أن التحسيس بالحملة غائب تماما في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت هي الأكثر تأثيرا، فالإعلام الرسمي لم يعد له أي تأثير يذكر رغم ما يبتلع سنويا من ميزانيات ضخمة.

ومن جهة تحسيسية أخرى، فإني لا أدري إن كانت النقابات المهنية للسائقين قد أشركت في هذه الحملة، ولا أدري كذلك إن كان المجتمع المدني بصفة عامة قد أشرك فيها ام لا؟ المؤكد عندي الآن هو أننا في حملة معا للحد من حوادث السير لم نُشعر من أي جهة بهذه الحملة، ولم يطلب منا أن نشارك فيها.

في بعض الأحيان، وفي مثل هذه الحالات، قد تُشرك منظمات وجمعيات حقائب لا وجود لها على أرض الواقع، وذلك نظرا لعلاقة أصحابها بهذا المسؤول أو ذاك، وقد عودتنا وزارة التجهيز والنقل على مثل ذلك في السنوات الأخيرة.

ومهما يكن من أمر، فهذه الحملة ستبقى حملة مهمة جدا، ويجب أن تنجح بعد الإعلان عن انطلاقها، وبغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبت أثناء التحضير.

إن هذه الحملة التي ستنطلق بعد أقل من ساعتين،  يجب أن تتواصل وتستمر حتى تنجح، ولا شيء أخطر من الاستمرار في التغاضي عن هذه الفوضوية التي نعيشها في الشوارع، لا شيء أخطر من ذلك، إلا أن تطلق حملة للحد من تلك الفوضوية ثم تتوقف في منتصف الطريق من قبل الوصول إلى نتائج حاسمة.

هذه الحملة ستشكل أول امتحان جدي للحكومة الحالية، وهي يجب أن لا تتوقف، ومهما كانت كلفتها على المواطنين، وستكون لها ـ وبكل تأكيد ـ  كلفة كبيرة على المواطنين، فتوقفها في منتصف الطريق سيعقد هذا الملف مستقبلا، وسيجعل حله أكثر صعوبة، فمثل هذه الحملات التي لا تستمر يكون ضررها أكبر من نفعها، وذلك لأنها ستشجع سالكي الطرق على المزيد من الفوضى في الشوارع، وستؤكد لهم بأن الحكومة غير جادة في وقف هذه الفوضى.

إننا في حملة "معا للحد من حوادث السير" نشجع حملة الحد من الاختناق المروري رغم عدم إشراكنا فيها بصفتنا منظمة مجتمع مدني فاعلة في المجال، ونعلن بهذه المناسبة بأننا لن ندخر أي جهد توعوي وتحسيسي في سبيل إنجاحها.   

حفظ الله موريتانيا..

الصورة يظهر فيها الشيخ صار رحمه الله بعد تقاعده في اجتماع مع بعض أعضاء الحملة تحضيرا لنشاط تحسيسي.