الاثنين، 22 مارس 2021

عن فاجعة الكلم 82

 


زرنا كعادتنا في حملة "معا للحد من حوادث السير" مكان الفاجعة الأليمة التي وقعت يوم الأربعاء 17 مارس 2021 عند الكلم 82 على طريق الأمل، وهي الفاجعة التي أدت إلى سقوط عدد كبير من القتلى إثر تصادم سيارتي نقل من نوع "رينو".

كان منظر حطام السيارتين يوحي بقوة التصادم، لدرجة قد يُخيَّل فيها لمن مر بمكان الفاجعة في ذلك اليوم أن هذا الحطام ليس نتيجة لتصادم بين سيارتين، وإنما هو نتيجة لسقوط صاروخ عليهما!

كان هذا الحادث البشع والمؤلم نتيجة لأخطاء بشرية، فالمقطع الذي وقع فيه الحادث كان في وضعية جيدة، فلا حفر، ولا ألسنة رملية، ولا منعرجات، ولا ارتفاعات أو منحدرات تحجب الرؤية.

في اليوم الموالي، أي يوم الخميس 18 مارس، وقع حادث سير آخر عند الكلم 160 على طريق الأمل، وتسبب في إصابة 5 ركاب بجروح متفاوتة الخطورة. هذا الحادث الأخير كان بسبب حفر أدت إلى انقلاب حافلة نقل صغيرة قادمة من "مدينة سيلبابي".

تتعدد أسباب حوادث السير، ولكن يبقى الموت واحد، وتبقى الحصيلة مؤلمة في كل الأحوال، وللحد من هذه الحوادث لابد من العمل على عدة محاور كنا قد أجملناها في عريضتنا المطلبية التي سلمناها خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لفخامة رئيس الجمهورية.

وهذا هو نص العريضة المطلبية مع بعض التعديلات التي استوجبتها الفاجعة الأخيرة.

1ـ المسارعة في إصلاح وترميم المقاطع المتهالكة من الطرق الحيوية، وتشييد طريق من اتجاهين على الأقل على المقطع (نواكشوط ـ بوتلميت)؛

 2ـ توفير فرق إسعاف وإنقاذ بكامل التجهيزات على كل المقاطع الحيوية من شبكتنا الطرقية مع توفير طائرة إسعاف عسكرية للتدخل عند الاقتضاء؛

 3ـ تفعيل نقاط التفتيش والصرامة في تطبيق قواعد السلامة المرورية؛

 4ـ فرض المزيد من القيود في منح رخص السياقة، والعمل بأساليب التنقيط لسحب الرخص ممن يرتكب عددا معينا من المخالفات؛

 5ـ توفير رادارات لمراقبة السرعة، وإجبار شركات النقل على وضع أجهزة مثبت السرعة في حافلاتها (90 كلم/ للساعة) مع ضبط وتنظيم حركة الشاحنات وتحديد أوقات معينة لتحركها، وخاصة على مقطع (نواكشوط ـ بوتلميت)؛

 6ـ مراجعة مبلغ الدية، وتفعيل دور شركات التأمين؛

 7ـ إطلاق المزيد من حملات التوعية والتحسيس. وهذه النقطة هي في غاية الأهمية، ولا يعني تأخيرها عدم أهميتها.

 

حفظ الله موريتانيا...

الاثنين، 15 مارس 2021

ما لمْ يُقل عن نضال الشباب الموريتاني (ورقة كاشفة)

 

سأتحدث في هذه الورقة الكاشفة عن نضال الشباب الموريتاني خلال العقد الأخير، ومن قبل البدء في هذا الحديث سيكون من الضروري أن أوضح الآتي:

ـ أن هذه الورقة ستركز على الأخطاء ومظاهر الخلل في هذا النضال، بدلا من التركيز على الجانب الإيجابي، وسبب ذلك هو أن الأخطاء ومظاهر الخلل قلَّما تجد من يتحدث عنها، في حين أن الجانب الإيجابي قد وجد حظا كبيرا من الحديث والإشادة؛

ـ أنها ستتحدث عن نضال الشباب الموريتاني سواء كان معارضا أو مواليا وستقدم أمثلة حية من مظاهر الإخفاق، مع التركيز بطبيعة الحال على نضال الشباب المعارض، وذلك لأنه هو المعني الأول بهذه الورقة؛

ـ أن السقف الزمني لها سيمتد من تاريخ اندلاع ما يسمى بالثورات العربية إلى يوم الناس هذا.

الشباب من وقودٍ للحملات الانتخابية إلى وقودٍ للأنشطة الاحتجاجية
كثيرا ما سمعنا الشباب الموريتاني سواءً كان في المعارضة أو الموالاة يعبر عن تذمره واستيائه من تعامل الأحزاب السياسية معه، فهذه الأحزاب لا تعتبره إلا مجرد وقود لإنعاش الحملات في المواسم الانتخابية، ولا تعطيه من الأدوار إلا تلك الأدوار الهامشية المرتبطة بإنعاش الحملات. لم يُخْف الشباب الموريتاني في السنوات الأخيرة تذمره من هذه الأدوار الهامشية، فظهرت حركات شبابية مستقلة ـ بدرجة أو بأخرى ـ عن الأحزاب السياسية.

وبعيدا عن هذا الاستياء وآليات التعبير عنه، فيمكن القول إن الشباب الموريتاني، وسواء منه من انخرط في حركات شبابية مستقلة أو من بقي في الأحزاب السياسية أو من ينشط بصفة فردية قد استطاع بمختلف تشكيلاته أن يحتل واجهة مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبح تأثيرها قويا في توجيه الرأي العام وفي تحريك الشارع، كما استطاع أن يحتل الواجهة الاحتجاجية، ولكن هذا الشباب النشط في مواقع التواصل الاجتماعي وفي ميادين الاحتجاج لم يتمكن من أن يستثمر سياسيا جهوده الكبيرة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتضحياته الجسيمة التي قدم في ميادين الاحتجاجات.

كان هناك فشل واضح في الاستثمار السياسي لتلك الجهود، وعجز بين في خلق قنوات سياسية قادرة على توظيف تلك الجهود والتضحيات في مشروع أو مشاريع سياسية ذات نفس طويل، وبمقاسات شبابية. وبعبارة ألطف فإنه يمكن القول بأن الشباب الموريتاني لم يتمكن من أن يفرض حضورا سياسيا يتناسب مع مستوى جهوده المبذولة في مواقع التواصل الاجتماعي، وتضحياته المشهودة في ميادين الاحتجاجات. ولعل المثال الأبرز الذي يمكن تقديمه هنا هو تجربة حركة 25 فبراير، والتي تعتبر من أهم الحركات الشبابية التي ظهرت في العقد الأخير، فقد استطاعت هذه الحركة خلال السنوات الأولى مما بات يُعرف بالربيع العربي أن تستقطب أعدادا كبيرة من خيرة الشباب الموريتاني.

تمكنت الحركة من أن تنظم الكثير من الأنشطة الاحتجاجية خلال عدة سنوات، وتعرض الكثير من نشطائها للقمع والتنكيل والسجن، ولكنها مع ذلك لم تتمكن من أن تستثمر سياسيا كل هذه التضحيات. لم تستطع هذه الحركة أن تستوعب التحول الحاصل في مزاج الشارع  بعد انحسار الربيع العربي وظهور الثورات المضادة، ولم تدرك أن شعارات الربيع العربي لم تعد قادرة على استقطاب أعداد كبيرة من الشباب بعد تغير مزاج الشارع، وأنه قد أصبح من الضروري أن يتم تحديث تلك الشعارات وتحيينها وتحويلها من شعارات ثورية إلى شعارات سياسية تُناسب مرحلة ما بعد انحسار الربيع العربي، وهو ما كان سيمكن الحركة من الاحتفاظ بأكبر نسبة من الشباب الذي انخرط فيها خلال فترة ألق الربيع العربي.

لقد أتيحت لهذه الحركة فرصة ثمينة لاستثمار نضالها في مشروع سياسي قادر على البقاء والتطور، ولكنها للأسف لم تستغل تلك الفرصة، ففي مطلع العام 2014، والذي شكل بداية لانحسار الربيع العربي، انطلقت في موريتانيا الأعمال المحضرة لتأسيس المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.

تم تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر الذي سيُعلن فيه لاحقا عن تأسيس المنتدى، وكانت حركة 25 فبراير ممثلة في هذه اللجنة، وكانت هناك رغبة جدية لدى كل الأعضاء المؤسسين للمنتدى في أن يكون حضور الشباب قويا في هذا التجمع المعارض الجديد، والذي سينفتح لأول مرة على المنظمات الحقوقية والنقابات العمالية والشخصيات المستقلة ذات التوجه المعارض.

بعد ما يزيد على شهر من الأعمال التحضيرية، وبعد أن تم البدء في توزيع الدعوات للمؤتمر، قررت الحركة ـ وبصورة مفاجئة ـ الانسحاب من اللجنة التحضيرية، فخسر بذلك المنتدى، والذي لا شك أنه كان في حاجة ماسة إلى قطب شبابي بالإضافة إلى أقطابه الأربعة التي ستتشكل فيما بعد (القطب السياسي؛ قطب النقابات؛ قطب المجتمع المدني؛ قطب الشخصيات المستقلة). نعم خسر المنتدى بسبب انسحاب الحركة التي كانت تمثل الشباب في اللجنة التحضيرية، وخسرت أيضا الحركة وكانت خسارتها أكبر، ذلك أنها ضيعت فرصة ثمينة كانت ستتيح لها أن تكون ممثلة للشباب المعارض في أكبر تجمع معارض، وكان ذلك سيتيح لها أن تشكل ذراعا سياسيا للشباب في أكبر تجمع معارض.

ضيعت الحركة تلك الفرصة الثمينة، فكان ما كان من تراجعها وانحسارها إلى أن أصبحت اليوم عاجزة حتى عن تخليد ذكرى تأسيسها بنشاط ناجح.   

وكمثال آخر من حراك شبابي آخر،  لم يصل إلى الحجم الذي وصلت إليه حركة 25 فبراير، ولكنه مع ذلك كان حاضرا وبقوة خلال فترة التعديلات الدستورية. كان حراك "محال تغيير الدستور" من أكثر الحراكات الشبابية نشاطا في تلك الفترة، فنظم العديد من الاحتجاجات، وشارك مع غيره في احتجاجات أخرى، الشيء الذي جعل مجموعة الثمانية التي تأسست قبيل التعديلات الدستورية، تدعوه للانضمام إلى تكتلها، وكان بذلك هو الممثل الوحيد للشباب في هذا التجمع المعارض الكبير. لم يُدرك الحراك أهمية وجوده في هذا التجمع المعارض، ولم يدرك أن العمل داخل هذه التكتلات التي تضم العديد من الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمنظمات الحقوقية له ضوابطه وشروطه. لم يستطع الحراك أن يستفيد من هذه التجربة وأن يستغلها في التحول من حراك احتجاجي إلى مشروع شبابي ذي صبغة سياسية، وكان مثل ذلك التحول مهما للحراك الذي بدأت تسميته وشعاراته الاحتجاجية تفقد ألقها بعد تمرير التعديلات الدستورية.

الشباب المعارض والعَقْدُ الضائع سياسيا

لم يكن من السهل تصور غياب أي بصمة للشباب المعارض في رئاسيات 2019، خاصة وأن هذا الشباب المعارض كان في طليعة الرافضين للتمديد وللمأمورية الثالثة. أذكر أنه في مطلع العام 2019،  وفي محاولة لتجنب ذلك الغياب نظمت "منصة رئاسيات 2019" أياما تفكيرية لمدة يومين حضرتها أغلب الحركات الشبابية وبعض الشباب المستقل، وكانت تحت عنوان "الشباب المعارض ورئاسيات 2019 ". كان الهدف من هذه الأيام التفكيرية هو إيجاد آلية ما للتنسيق بين الشباب المعارض، وذلك لضمان مشاركة فعالة في صياغة البرنامج الانتخابي، وفي اختيار المرشح الموحد للمعارضة، ولو أن الشباب المعارض شكل إطارا للتنسيق فيما بينه، لامتلك بذلك الشرعية السياسية للتعبير عن رأي ومواقف الشباب المعارض، ولفرض في الوقت نفسه حضورا قويا في التحضيرات  لرئاسيات 2019. شهدت هذه الأيام التفكيرية في بدايتها خلافا قويا بين الشباب المنخرط في الحركات الشبابية والشباب المنتمي للأحزاب السياسية، الشيء الذي أدى في نهاية المطاف إلى توقفها، والتوقف ـ بالتالي ـ عن البحث عن آلية للتنسيق بين شباب أظهر في ذلك الوقت أنه غير مستعد أو غير مؤمن بأهمية التنسيق فيما بينه.

غاب التنسيق بين الشباب المعارض في تلك الانتخابات، وتفرقت الحركات الشبابية بين المترشحين، الشيء الذي أدى في المحصلة النهائية إلى غياب الشباب المعارض عن كل مراحل التحضير للانتخابات الرئاسية، ولم يكن أمامه في النهاية إلا أن يتوزع على المترشحين، وأن يلعب دور "منعش الحملات الانتخابية" ذلك الدور الذي طالما عبر عن استيائه منه.

خلاصة القول في هذه الفقرة هي أن الشباب المعارض لم يستطع رغم تضحياته الكبيرة خلال العقد الماضي أن يخرج من دائرة إنعاش الحملات الانتخابية أو المظاهرات الاحتجاجية، ولم يستطع أن  يفرز قيادات سياسية أو حركات سياسية قادرة على أن تملأ الفراغ السياسي الذي أنتجه ـ أو سينتجه ـ تراجع دور الأحزاب التقليدية والقيادات التاريخية للمعارضة.

الشباب والتدوين السلبي

تُعدُّ مواقع التواصل الاجتماعي هي نقطة القوة الأهم التي يمتلكها الشباب الموريتاني، ولو أن الشباب استخدم نقطة القوة هذه بشكل منظم ووفق خطة مدروسة لحقق مكاسب كبيرة للوطن بصفة عامة ولشريحة الشباب بصفة خاصة. المؤسف في الأمر أن ظاهرة الانشغال بتوافه الأمور وبالتدوين السلبي أصبحت في اتساع متزايد الشيء الذي قد يقلل مستقبلا من الدور الإيجابي لمواقع التواصل الاجتماعي.

هناك أمثلة كثيرة يمكن تقديمها عن خطورة التدوين السلبي، منها هذا المثال: في يوم 14 إبريل 2018 تم الإعلان فجرا من خلال تغريدة لرئيس الحزب الحاكم عن وقف مفاوضات سرية كانت تجري بين السلطة والمعارضة، وذلك بعد تسريب وثيقة المفاوضات قبيل التوقيع عليها، وكانت تلك المفاوضات تسعى أساسا إلى ضمان حصول المعارضة على تمثيل مناسب لها في اللجنة المستقلة للانتخابات. بعد تسريب الوثيقة والإعلان عن وقف المفاوضات السرية انطلقت واحدة من أشرس الحملات التدوينية ضد الرئيس الدوري للمنتدى، والذي كان حينها الدكتور محمد مولود. شارك في هذه الحملة التي استمرت لأيام طوال الكثير من المدونين المحسوبين على المعارضة، فقدموا بذلك خدمة كبيرة للنظام من خلال محاولة تشويه سمعة أحد أبرز قادة المعارضة، وكان ذلك في فترة حساسة جدا : خمسة أشهر قبل الانتخابات التشريعية، وأربعة عشر شهرا قبل الانتخابات الرئاسية.

لا أحد من كبار المدونين في المعارضة الذين شاركوا في تلك الحملة الظالمة سأل عن حجم التضحيات التي قدمها الرئيس محمد ولد مولود وحزبه خلال العقد الأخير، وهي تضحيات انعكست سلبا على الحزب وعلى رئيسه، وما زالا حتى الآن يدفعا فاتورتها الكبيرة. ولا أحد منهم سأل عن الهدف من تلك المفاوضات السرية، فهل كان الرئيس محمد ولد مولود يسعى لتحقيق مكاسب ضيقه له أو لحزبه حتى يحق لمدوني المعارضة أن ينتقدوه بتلك الشراسة، أم أنه كان يسعى لتحقيق مكاسب للمعارضة في مجموعها من خلال تعزيز مكانتها في لجنة الانتخابات، الشيء الذي جعل من تلك المفاوضات عملا نضاليا يستحق الرئيس محمد ولد مولود أن يشكر عليه، لا أن تشن الحملات التدوينية ضده.

ومن الأمثلة التي يمكن تقديمها أيضا عن التدوين السلبي وعن الحملات التدوينية الساذجة ما تعرض له المناضل الشاب محمد الأمين ولد سيدي مولود من هجوم تدويني بسبب حضوره لإفطار نظمه حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في العام 2016. وصل مستوى الانحطاط في تلك الحملة التدوينية أن البعض اعتبر أنه يمكن لمناضل شاب بحجم محمد الأمين ولد سيدي مولود أن يتنازل عن موقفه السياسي مقابل وجبة إفطار!!!

اللافت في تلك الحملة التدوينية الظالمة هو أن بعض مروجي هذه التهم الساذجة سيلتحقون فيما بعد بالحزب الحاكم، وسيبقى محمد الأمين ولد سيدي مولود ثابتا على موقفه، بل أكثر من ذلك فقد استطاع هذا الشاب، أن يُشكل استثناءً، وأن يستثمر سياسيا نضاله في مواقع التواصل الاجتماعي وفي ميادين الاحتجاج، فترشح للبرلمان وفاز، ليصبح اليوم من أكثر النواب في البرلمان الموريتاني دفاعا عن قضايا المواطن.

الشباب وفشل التنسيق في محاربة الفساد

من المعلوم بداهة أن الشباب هو الأكثر تضررا من الفساد، وأنه هو المعني الأول بمحاربة الفساد، وفي هذا الإطار فقد أصدرت الحركات الشبابية (حراك آفاق موريتانيا السياسي ؛حراك محال تغيير الدستور؛ حركة الطليعة التقدمية؛ حركة رفض؛ حركة كفانا؛ حركة نستطيع؛ كتلة التغيير الجاد؛ مشروع إلى الأمام موريتانيا) بيانا مشتركا في يوم 13 أغسطس 2020 ثمنت فيه عمل لجنة التحقيق البرلمانية، وطالبت فيه بتوسيع التحقيقات، وإقالة كل المشمولين في الملف، وسن قوانين تمنع التعيين لكل من ثبتت إدانته في ملف فساد.

تعهد الموقعون على هذا البيان المشترك بتأسيس إطار وطني جامع ينسق عمل هذه الحركات ويوحد جهودها. كما تعهدوا أيضا أنهم سيعلنون عن خطة عمل لهذا الإطار الجامع في وقت لاحق.

للأسف لم يتأسس هذا الإطار الشبابي، ولم يعلن عن أي خطة عمل، وتوقف التنسيق بين هذه الحركات بعد إصدار بيان 13 أغسطس اليتيم. وفي المحصلة فقد غاب أي جهد مشترك لشباب هذه الحركات، ولغيره من الشباب فيما بات يعرف  ب " ملف فساد العشرية".

فشل الشباب المعارض والمستقل في استغلال فتح ملف "فساد العشرية" لتنسيق جهوده وفرض حضوره في هذا الملف، وذلك من خلال الوقوف ضد انحرافه إذا ما ظهرت أي بوادر انحراف، والمطالبة بتوسيعه حتى يشمل ملفات أخرى، والضغط بكل وسائل الضغط المتاحة لكشف ووقف أي فساد قد يقع بعد فتح هذا الملف.

فشل الشباب المعارض والمستقل في تنسيق جهوده بخصوص هذا الملف، كما فشل في أوقات سابقة في تنسيق جهوده بخصوص ملفات أخرى، ومن المؤكد بأن ذلك الفشل لن يأتي بنتائج إيجابية لا على الحركات الشبابية ولا على مسار الملف.  

عن شباب الموالاة

لا خلاف على أن مظاهر الإخفاق عند الشباب المحسوب على الموالاة هي أكثر وضوحا من مظاهر الإخفاق عند الشباب المعارض، والأمثلة كثيرة على ذلك، فمنها ما حدث في عهد الرئيس السابق الذي حاول أن يتصدى لثورات الربيع العربي من خلال الانفتاح على الشباب، فظهرت أحزاب شبابية اختزنت في جيناتها كل مساوئ الطبقة السياسية التقليدية، وزادت على تلك المساوئ بنقص في الخبرة والتجربة، فشهدت تلك الأحزاب من النزاعات و التفكك والانشطارات والصراع على المصالح الضيقة والخاصة ما لم تشهده أحزاب الموالاة التقليدية في كل تاريخها. وخارج الأطر السياسية فقد تم تأسيس المجلس الأعلى للشباب، ولكن هذا المجلس لم يقدم شيئا ملموسا للشباب، وشكل بذلك محطة أخرى من محطات فشل الشباب الدائر في فلك السلطة الحاكمة.

وفي العهد الحالي يكفي أن نطرح الأسئلة التالية : أين تبخرت عشرات إن لم نقل مئات المبادرات الشبابية الداعمة للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟ لماذا غابت هذه المبادرات عن المشهد؟ ولماذا لم تحاول هذه المبادرات أن تشكل ذراعا سياسيا للنظام الذي دعمته بدلا من ترك الأمر لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، والذي لم يستطع حتى الآن أن يخرج في دعمه عن الأنماط التقليدية في الدعم للأحزاب الحاكمة؟

إن الحجة التي يتقدم بها بعض القائمين على هذه المبادرات الشبابية هي أن النظام أو واجهته السياسية التقليدية لم تمنحهم الفرصة للظهور! ومتى كان السياسي يُعلن عن تقاعده وينسحب من المشهد لكي يتيح لسياسي شاب أن يحتل مكانته؟

على الشباب المهتم بالسياسة سواء كان في الموالاة أو المعارضة أن يعلم أن المكانة السياسية لا تُمنح، ولا توزع مجانا، وإنما تنتزع انتزاعا.

عن نقاط الضعف لدى الشباب

يمكننا أن نجمل أهم مظاهر الخلل التي يعاني منها الشباب الموريتاني المهتم بالشأن العام في النقاط التالية:

1 ـ العجز البين في القدرة على خلق مساحات عمل مشتركة تجمع أكبر عدد ممكن من الشباب النشط، مع ضعف واضح في القدرة على التنسيق. ولعل الغريب هنا هو أن الشباب المعارض الذي لم يستطع أن يتجمع في تكتلات وتنسيقيات كثيرا ما كان ينتقد الأحزاب المعارضة عند تفكك تكتلاتها السياسية، وذلك على الرغم من أن تلك التكتلات لا تتفكك عادة إلا بعد سنوات من تأسيسها، وعند الوصول إلى محطات انتخابية حاسمة. نعم لقد استطاعت المعارضة التقليدية خلال العقد الماضي أن تتجمع وتتحالف في تكتلات سياسية تضمن الحد الأدنى من التنسيق لفترات قد تطول وقد تقصر، ولكن الشباب المعارض ظل عاجزا عن تحقيق مثل ذلك.

2 ـ  اقتناع الكثير من الشباب أن دوره يقتصر فقط على نقد الأنظمة الحاكمة أو الطبقة السياسية التقليدية في الموالاة والمعارضة، الشيء الذي أبعده عن إنتاج الأفكار وتقديم المقترحات ومحاولة خلق البدائل السياسية؛

3 ـ غياب الرؤية والتخطيط والاكتفاء بردود الأفعال على ما يجري من أحداث؛

4 ـ سرعة الانجراف وراء الأخبار الكاذبة التي قد تلقى كطعم دون تحليلها والتأكد من مصداقيتها، وكذلك سرعة الانخراط في الحملات التدوينية السلبية.

كانت هذه مجرد محاولة لتشخيص واقع الشباب المهتم بالشأن العام، وقد ركزت على الأخطاء ونقاط الخلل، وذلك سعيا للفت انتباه المعنيين إليها، وربما تأتي ورقة أخرى في وقت آخر لتقديم بعض الأفكار والمقترحات في هذا المجال.

حفظ الله موريتانيا...  

الخميس، 4 مارس 2021

عن الحصانات السلبية في المجتمع!


عرفنا في هذه البلاد عدة أشكال من الحصانات السلبية المعيقة لبناء دولة القانون والمؤسسات، وتأتي على رأس تلك الحصانات السلبية الحصانة القبلية التي ازدهرت مع بداية المسلسل الديمقراطي. في بلادنا لا يمكن أن يُلقى القبض على مفسد معلوم الفساد، إلا وتحركت قبيلته ـ دون خجل ـ للتضامن والدفاع عنه.

في السنوات الأخيرة ظهر نمطٌ جديدٌ من الحصانة السلبية، ويتمثل هذا النمط في الحصانة الحقوقية وربما الشرائحية، فأصبحت بعض المنظمات الحقوقية وبعض الشرائح تقوم بنفس الدور السلبي الذي كانت تقوم به القبيلة.

هذا النمط الجديد من الحصانة السلبية المتمثل في الحصانة الشرائحية والحقوقية هو الذي يمكننا من أن نفسر سكوت القضاة عن إساءات النائب بيرام ولد الداه ولد اعبيد المتكررة للقضاء، وسرعتهم في الإعلان عن تحريك دعوى ضد النائب عبد السلام ولد حرمه. فلماذا تجاهل قضاؤنا الموقر خلال كل السنوات الماضية إساءات صريحة ومتكررة من النائب بيرام، وذلك في الوقت الذي يُسارع فيه اليوم للتصدي لما قيل إنه إساءة من النائب عبد السلام؟  

لا تتوقف الحصانات السلبية في المجتمع عند هذا الحد، بل إنها تشمل نمطا آخر من الحصانات أكثر خطورة،  توفره النقابات العمالية والمهنية والطلابية.

اليوم يمكن لأي مدون أو صحفي أن يسيء على من يشاء، وأن ينتهك عرضه، وأن يتهمه في فضاء عام بتهم لا يملك عليها أدلة، وعندما يقرر الضحية المظلوم أن يلجأ إلى العدالة لأخذ حقه، تطلق صفارات الإنذار في هذا الفضاء الأزرق، وتتحرك نقابات وروابط واتحادات الصحفيين، فتنطلق حملات التضامن الواسعة، لدرجة قد يُخَيَّل فيها للضحية المسكين أنه هو الظالم وليس هو المظلوم!

في مرات عديدة شاهدنا مدونين و صحفيين ارتكبوا ظلما في حق مواطنين أو في حق الدولة، ومع ذلك فقد خرجوا من تلك الأحداث والمعارك برؤوس مرفوعة، بينما خرج الضحايا برؤوس منكسة! 

ما يُقال عن الصحفيين والمدونين يمكن أن يُقال عن الطبيب إذا ارتكب خطأ، وعن الأستاذ والمعلم والطالب وغيرهم من المنخرطين في اتحادات أو نقابات مهنية تدافع عنهم.

المؤسف في الأمر أن النقابات المهنية لم تعد تهتم إلا بمصالحها الضيقة كنقابات، ولا تهمها المصلحة العامة أو المصلحة العليا للبلد، ولذا فهي لا تدافع إلا عن مصالحها الضيقة، أو عن مصالح أعضائها، ودون أي مراعاة للمصلحة العامة. فنقابة الصحفيين تعودت على أن تدافع عن الصحفي ظالما أو مظلوما، ونقابة الأطباء تدافع عن الطبيب ظالما أو مظلوما، ونقابة الأساتذة تدافع عن الأستاذ ظالما أو مظلوما، ونادي القضاة يدافع عن القاضي ظالما أو مظلوما، وهكذا ...

إنه يمكننا أن نكرر بالغدو والآصال أن موريتانيا تعاني من الفساد والتخلف، ولن يعترض أي أحد على ذلك، ما دمنا قد استثنينا ذكر الأشخاص الذين يتحملون بطبيعة الحال جزءا كبيرا من ذلك الفساد، وذلك لانخراطهم في أحزاب ونقابات واتحادات توفر لهم الحصانة.

يمكننا أن نقول إن العدالة فاسدة، ولكن بشرط أن نستثني القضاة من ذلك الفساد؛

يمكننا أن نقول إن الصحافة فاسدة، ولكن بشرط أن نستثني الصحفيين من ذلك الفساد؛

يمكننا أن نقول إن التعليم فاسد، ولكن بشرط أن نستثني الأساتذة والمعلمين من ذلك الفساد؛

يمكننا أن نقول إن الصحة فاسدة، ولكن بشرط أن نستثني الأطباء والممرضين من ذلك الفساد...وهكذا.

بهذا المنطق الغريب يمكننا أن نتوصل إلى استنتاج أغرب مفاده أن بلادنا تعاني من فساد كبير، ولكن لا يوجد بها مفسدون!

   

حفظ الله موريتانيا... 

الأحد، 28 فبراير 2021

هل أصبح الطريق سالكاً إلى التشاور الشامل؟

 


"سأكون رئيسا للجميع مهما اختلفت انتماءاتهم السياسية، أو خياراتهم الانتخابية، وسيكون هدفي الأوحد والأسمى خدمتهم جميعا والعمل الجاد على تحقيق آمالهم جميعا".

من خطاب رئيس الجمهورية في يوم التنصيب (1 أغسطس 2019).

ربما لم تستوقف عبارة "سأكون رئيسا للجميع" الكثير ممن استمع في ذلك اليوم لخطاب التنصيب، وذلك لكون هذه العبارة أصبحت لازمة لا يُعْتَدُّ بها في خطابات التنصيب، فمن النادر جدا أن يخطب رئيس في يوم تنصيبه إلا وقال بها، ومن النادر كذلك أن يلتزم بها من قال بها، خاصة إذا ما كان المتحدث رئيس دولة ما تزال تخطو خطوات متعثرة في مسيرة الديمقراطية، كما هو الحال بالنسبة لبلدنا.

الآن دعونا نطرح السؤال : هل حاول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني خلال ما مضى من مأموريته أن يكون رئيسا للجميع؟

في اعتقادي الشخصي أنه حاول بجد وعمل على تحقيق ذلك، ومن مظاهر تلك المحاولات وتجليتها يمكننا أن نذكر:

1 ـ الاستقبالات المتكررة لقادة المعارضة في القصر الرئاسي؛

2 ـ رفع الظلم والإقصاء عن البعض بسبب مواقفهم السياسية؛

3 ـ  تشكيل لجنة تحقيق برلمانية تضم نوابا من الأغلبية والمعارضة؛

4 ـ إعطاء مؤسسة المعارضة مكانتها لبروتوكولية التي تستحق؛

5 ـ تعيين بعض الأطر المحسوبين عل المعارضة؛

6 ـ اصطحاب بعض المعارضين في وفود رئاسية، وحضور الوزراء لأنشطة ينظمها منتخبون معارضون؛

7 ـ مصادقة مجلس الوزراء المنعقد في يوم 02 ديسمبر 2020 على مرسوم يقضي بإنشاء المجلس الوطني للحوار الاجتماعي؛

8 ـ تشكيل تنسيقية للأحزاب الممثلة في البرلمان بعد ظهور جائحة كورونا، وضمت هذه التنسيقية أحزابا من الأغلبية وأخرى من المعارضة، ومن اللافت أنها أصدرت بيانات تنتقد فيها بعض أوجه التقصير في العمل الحكومي. أنظر بيان 14 مايو 2020، والذي جاءت فيه عشر نقاط تشير كلها إلى بعض أوجه تقصير الحكومة، وهذه النقاط العشر قد وقع عليها حزب الاتحاد من أجل الجمهورية!

في النقطتين السادسة والسابعة من البيان المذكور تمت المطالبة بتخفيض الأسعار، وقد جاء في النقطة السابعة وبالحرف الواحد : "تطالب (منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان) الحكومة بتخفيض أسعار المحروقات، خاصة وأن أسعارها العالمية وصلت أدنى مستوى لها منذ عقود".

هل فيكم من كان يتوقع أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية سيوقع على بيان يتضمن المطلب الرئيسي الذي كان يرفعه حراك "ماني شاري كزوال"، وأن ذلك البيان سينشر كاملا على موقع الوكالة الموريتانية للأنباء؟

هناك من ينتقد ـ وبقوة ـ  بعض أحزاب المعارضة، وذلك لأنها أصبحت في نظره تهرول في اتجاه النظام، ولكن هؤلاء لا ينظرون إلى الوجه الآخر من المشهد، فلو نظروا إليه لرأوا حجم الخطوات الهامة التي اتخذها رئيس الجمهورية في مجال الانفتاح على معارضيه، وهذه الخطوات الهامة والتي أشرنا إلى بعضها هي التي جعلت بعض داعمي الرئيس يقول إن الرئيس أصبح يستقبل في القصر الرئاسي معارضيه أكثر من داعميه.

علينا أن نتذكر دائما بأن السلطة الحاكمة هي التي تحدد طبيعة معارضتها، فإن كانت تلك السلطة صدامية فمن الطبيعي جدا أن تكون معارضتها راديكالية تسعى إلى التأزيم. أما إذا كانت تلك السلطة منفتحة وغير صدامية فمن الطبيعي جدا أن تكون معارضتها أكثر انفتاحا وأقل صدامية.

بالعودة إلى بيان المنسقية السابق فسنجد أن هذا البيان خُتُمَ بالفقرة التالية : "تأمل أحزاب الموالاة والمعارضة الممثلة في البرلمان أن تُفضي خطوات التنسيق الحالي إلى الدخول في مرحلة جديدة، تُمهد لنقاش القضايا الجوهرية للبلاد ووضع تصور لمعالجتها، وفق جدول زمني متفق عليه."

وعملا بهذه الفقرة الأخيرة فقد أصدرت أحزاب المنسقية في يوم الأربعاء الموافق 24 فبراير 2021 خارطة طريق من أجل تشاور شامل بين القوى السياسية. ويمكن القول إن هذه الخارطة تتضمن العديد من نقاط القوة التي قد تساعد في نجاح التشاور المنتظر، ويمكن إجمال هذه النقاط في :

1 ـ  أن الدعوة لهذا التشاور لم تأت بمبادرة من جهة سياسية واحدة، أو من فريق سياسي واحد، وإنما جاءت بمبادرة مشتركة ضمت عددا معتبرا من الأحزاب السياسية المحسوبة على الأغلبية والمعارضة؛

 أن إعداد وثيقة خارطة الطريق هذه قد أحيط بالكثير من السرية، فلم يتسرب محتواها من قبل توقيع الأحزاب عليها ونشرها، ومن المعروف أن التسريبات الإعلامية كثيرا ما كانت تؤدي إلى فشل الحوارات، وخير مثال على ذلك التسريبات الإعلامية التي أفشلت في آخر لحظة الاتفاق الذي كان سيعقد بين الحكومة والمعارضة قبيل رئاسيات 2019؛

3 ـ  أن مواضيع التشاور التي تم تحديدها في خارطة الطريق لا تخص قضايا جزئية أو ملفات محددة، وإنما تشمل أهم القضايا الوطنية الملحة؛

4 ـ  أن الدعوة لهذا التشاور لم تأت في ظل أزمة سياسية كما تعودنا من قبل، وإنما جاءت في فترة هدوء سياسي، الشيء الذي قد يساعد كثيرا في إنجاح هذا التشاور؛

5 ـ  أن التشاور المنتظر لن يقتصر فقط على الأحزاب السياسية الموقعة على وثيقة خارطة الطريق، وإنما تم تشكيل لجنة اتصال ستتصل بالحزبين اللذين انسحبا في وقت سابق من المنسقية، كما ستتصل ببقية الأحزاب والقوى السياسية الأخرى لدعوتها للمشاركة في اللجنة التحضيرية التي ستتشكل مستقبلا للتحضير للتشاور؛  

6 ـ أن الوثيقة حددت مبدئيا سقفا زمنيا معقولا، وهو قابل للتعديل: ثلاثة أو أربعة أسابيع للمرحلة التحضيرية، وخمسة أو ستة أسابيع لانطلاق التشاور؛

7 ـ  أن مواضيع التشاور ستشمل كل الملفات والقضايا الكبرى : المسار الديمقراطي؛ الوحدة الوطنية؛ الحكامة الرشيدة؛ المحافظة على البيئة ومعالجة آثار التغيرات المناخية؛ حماية المصالح العليا للبلد.

8 ـ  أن خارطة الطريق حددت مبدئيا آليات تطبيق مخرجات التشاور، حيث جاء فيها أنه سيتم إصدار وثيقة نهائية موقعة من طرف المشاركين و تتضمن نقاط الإجماع التي تم الاتفاق عليها، وأنه سيتم كذلك تحديد آلية متفق عليها لضمان تنفيذ ما جاء في وثيقته النهائية من نقاط إجماع؛

9 ـ  أن هذا التشاور سيأتي بعد عقد من الصراعات والتجاذبات الحادة بين الموالاة والمعارضة، والتي لم تأت بنتيجة تذكر، الشيء الذي يجعلنا نفترض أن حماس الجميع سيكون كبيرا لتجريب التشاور والحوار علَّهُ يأتي بنتائج أفضل مما أتى به التصادم والصراع بين الأغلبية والمعارضة، وسيأتي إن شاء الله بنتائج أفضل إن حَسُنَت نيات المشاركين .

من الراجح ـ إن سارت الأمور بشكل سليم ـ أن القوى السياسية ستتوصل في نهاية المطاف إلى وثيقة سياسية تتضمن إجماعا على كبريات القضايا الوطنية مع وضع آلية لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. وستمثل تلك النقاط "برنامجا وطنيا لا انتخابيا فقط" سيعمل الرئيس على تحقيقه، وبمشاركة ودعم من طرف كل القوى السياسية في البلد.

إنه من حقنا أن نحلم بالوصول إلى تلك اللحظة السياسية الفريدة من نوعها والتي ستجتمع فيها الأغلبية والمعارضة على "برنامج سياسي وربما تنموي موحد"، وإنه من واجبنا جميعا أن نعمل معا من أجل الوصول إلى تلك اللحظة السياسية الفريدة من نوعها، والتي نحن اليوم في أمس الحاجة إليها.

 

 

حفظ الله موريتانيا...

الثلاثاء، 23 فبراير 2021

عن الاحتجاجات الأخيرة في الشامي

 


من الطبيعي جدا أن تتحرك بعض الجهات التي كانت تستفيد من فوضوية قطاع التنقيب التقليدي عن الذهب، ومن الطبيعي كذلك أن تحاول تلك الجهات أن تقف حجرة عثرة ضد أي محاولة لتنظيم هذا القطاع الحيوي الذي أصبح يستقطب عشرات الآلاف ـ  إن لم نقل مئات الآلاف ـ من الموريتانيين العاطلين عن العمل أو الباحثين عن أنشطة مربحة.

هناك من يربح من الفوضى، ولذا فمن الطبيعي جدا أن يقف ضد أي عملية لتنظيم هذا القطاع الهام.

لقد اندلعت يوم أمس بعض الاحتجاجات في الشامي في المنطقة التي توجد بها مراكز المعالجة (مصانع طحن الحجارة)، وشارك في هذه الاحتجاجات بعض الأجانب الذين يعملون في تلك المصانع.

رفع المشاركون في هذه الاحتجاجات مطلب إلغاء الضريبة على خنشة الحجارة، والتي تبلغ 300 أوقية قديمة على الخنشة.

1ـ هذه  الضريبة هي الضريبة الوحيدة التي تفرضها شركة معادن موريتانيا على المنقبين الذي يمارسون مهنة التنقيب بصفة مباشرة؛

2ـ هذه الضريبة تم إقرارها ضمن توصيات اللقاءات التشاركية المتعلقة بالنشاط المعدني الأهلي وشبه الصناعي  المنظمة في قصر المؤتمرات يومي 22 و23 أكتوبر 2020، والتي شارك فيها المنقبون من خلال نقاباتهم.

3ـ جاء في هذه التوصيات وبالحرف الواحد :" فيما يتعلق بالضرائب، يتفق الفاعلون جميعا على ضرورة وضع نظام ضريبي مناسب، يمكن أن يكون مباشرا ( ترخيص الآبار) أو غير مباشر (خنشة الحجارة أو كمية الذهب) ويجب تحديد مبالغ الضريبة أو الرسوم بالتشاور مع الفاعلين، وقد أجمع المشاركون على أن غالبية الفاعلين يفضلون ضريبة على خنشة الحجارة. بالإضافة إلى النظر في إنشاء ضريبة بيئية".  انتهى نص التوصية رقم 26.

4ـ نستنتج من هذه التوصية أن الضريبة على خنشة الحجارة كانت من اقتراح الفاعلين في القطاع، ويمكن القول ـ وبشكل عام ـ بأن شركة معادن موريتانيا تنتهج في مزاولة أعمالها أسلوبا تشاركيا مع كل الفاعلين في القطاع.

بعد احتجاجات الشامي الأخيرة أصدرت النقابات والاتحادات الفاعلة في المجال بيانا مشتركا وقعته كل من : الوطنية للمنقبين ـ  الشامي الشاملة للتعدين الأهلي ـ  الفدرالية الوطنية لعمال المناجم والأشغال العامة ـ  رائدات التعدين التقليدي . وقد ندد هذا البيان  بكل عمل يخل بالسكينة والأمن، والتزم الموقعون على البيان بالحوار مع الدعوة لتعزيز النهج التشاركي مع شركة معادن  موريتانيا من أجل تحقيق مطالب المنقبين والحفاظ على مكتسباتهم والنهوض بقطاع التعدين الأهلي بصفة عامة.

فلماذا هذه الاحتجاجات الآن؟

إن الإجابة على هذا السؤال تحيل إلى التفكير في المتضررين من تنظيم القطاع وضبطه، أي إلى تلك الجهات التي كانت تستفيد بشكل أو بآخر من غلق بعض مناطق التنقيب، الشيء الذي سمح لها بالتربح من عبور بعض الأشخاص إلى تلك المناطق المغلقة. كما أنه يجب التفكير في بعض المستفيدين سياسيا من توتير الأجواء في منطقة الشامي في مثل هذا الوقت بالذات.

إن تنظيم هذا القطاع الحيوي وتأطير العاملين فيه  أمرٌ في غاية الأهمية، يستفيد منه المنقبون من قبل غيرهم، وفي هذا الإطار فقد تمكنت شركة معادن موريتانيا، وفي ظرف وجيز أن تحقق ما يلي :

ـ إكمال دراسات التأسيس؛

ـ  فتح منطقة الشكات أمام المنقبين، والتي تبلغ مساحتها 104000 كلم2

ـ البدء في توفير المياه

ـ توفير بعض سيارات الإسعاف

ـ توفير الاتصالات الهاتفية

ـ توفير خدمة إذاعية في منطقة الشكات

ـ  هذا فضلا عن التشاور الدائم واعتماد نهج التشارك مع المنقبين وكل الفاعلين في القطاع.

خلاصة القول: إن تنظيم هذا القطاع الحيوي من خلال الاستمرار في الحوار و التشاور واعتماد نهج التشارك سيكون في مصلحة الجميع، أما العودة إلى الفوضى فستعني خسارة الجميع.

حفظ الله موريتانيا...                                    

الاثنين، 22 فبراير 2021

الإصلاح والإضرابات...أية علاقة؟


عندما تسأل أي متابع للشأن العام عن أفضل وزير مرَّ بالتعليم خلال العقدين الأخيرين فسيكون الجواب في أغلب الحالات : الوزيرة نبغوها منت محمد فال، وعندما تطلب منه بعد ذلك أن يقترح لك شخصا مناسبا لوزارة التعليم، فسيكون جوابه في أغلب الحالات: نبغوها منت محمد فال.

اللافت في الأمر أن الفترة القصيرة التي قضتها نبغوها منت محمد فال وزيرة للتعليم شهدت الكثير من إضرابات الأساتذة والمعلمين والطلاب، وربما تكون فترتها في الوزارة هي الفترة الأكثر إضرابات بالقياس إلى المدة القصيرة التي قضتها وزيرة للتعليم. لقد واجهت الوزيرة نبغوها منت محمد فال في فترتها القصيرة في الوزارة الكثير من إضرابات الأساتذة والمعلمين والطلاب، فواجهت من الإضرابات ما لم يواجهه العديد من الوزراء الذين مروا بالوزارة، والذين يتفق الجميع على أن أداءهم كان سيئا.  

فما السبب ياترى؟

هل السبب يعود إلى محاولة الإصلاح التي كانت تسعى إليها الوزيرة أم يعود إلى أمور أخرى؟

إليكم بعض النماذج السريعة من أخبار الإضرابات في عهد الوزيرة نبغوها، وقد أخذتُ هذه الأخبار من بعض المواقع العربية والدولية:

"إضراب للمعلمين بموريتانيا للمطالبة بتحسين أوضاعهم" هذا عنوان خبر بالجزيرة نت بتاريخ : 07 فبراير 2008.

"من جهة ثانية يواصل طلاب التعليم الإعدادي والثانوي منذ نحو أسبوعين مظاهرات واحتجاجات عارمة تنديدا بقرار اتخذته وزيرة التعليم (الجزيرة نت) نفس التاريخ السابق.

"أساتذة مضربون في موريتانيا يعتبرون البدء في امتحانات آخر السنة مهزلة" هذا عنوان خبر منشور في القدس العربي بتاريخ :10 يونيو 2008. 

أذكر أني كنتُ من الذين ناصروا تلك الإضرابات ببعض المقالات، ولكني أشعر اليوم بأني ربما أكون قد أخطأتُ في حق الوزيرة، وأظن أن هذا الشعور يتقاسمه معي بعض الذين شاركوا ميدانيا في تلك الإضرابات.

لنطرح السؤال : لماذا كثُرت الإضرابات في عهد وزيرة ترفع شعار الإصلاح، ومن يتحمل المسؤولية في حدوث ذلك؟

في اعتقادي أن المسؤولية فيما حصل تتحملها ثلاث جهات:

أولا : الوزيرة التي أرادت أن تحقق إصلاحا دون التشاور والتنسيق مع الجهات المستهدفة بالإصلاح، والتي تمثلها النقابات الجادة للأساتذة والمعلمين واتحاديات الطلاب. فهل سيكرر وزير التعليم الحالي نفس الخطأ، وهو الذي يرفع شعار إصلاح مشابه للشعار الذي رفعته الوزيرة في العام 2008؟ 

ثانيا :  نقابات الأساتذة والمعلمين واتحاديات الطلاب التي قررت أن تنظم في وقت غير مناسب سلسلة من الإضرابات التي أربكت ـ بشكل أو بآخر ـ  الخطة الإصلاحية للوزيرة. فهل ستكرر اليوم  نقابات الأساتذة والمعلمين نفس الخطأ؟

إن الإضراب حق مكفول دستوريا لا جدال في ذلك، وهو مظهر صحي في البلدان الديمقراطية، ولكن هذا الحق قد يأتي بنتائج سلبية إن تم استخدامه في توقيت سيء.

يُقال إن القرار الصائب قد يتحول إلى قرار خاطئ إن تم اتخاذه في وقت غير مناسب. وفي هذا الإطار قد يكون من غير المناسب تنظيم إضرابات بحجم كبير بعد سنة دراسية شبه بيضاء بسبب جائحة كورونا. 

ثالثا : الجهة الثالثة التي قد نحملها جزءا من المسؤولية فيما حصل، تتمثل في لوبيات الفساد في قطاع التعليم، فهذه اللوبيات ترى أنها ستتضرر كثيرا من أي عملية إصلاح، ولذا فليس غريبا عليها أن تقف ضد أي عملية إصلاح يعلن عنها.

خلاصة القول

حتى لا تتكرر في العام 2021 أخطاء العام 2008، فإنه على وزير التعليم أن يُدرك بأنه لا يمكن تحقيق أي إصلاح في قطاع التعليم دون التنسيق الجيد والتشاور الواسع مع النقابات الجادة للأساتذة والعلمين. وعلى نقابات الأساتذة والمعلمين أن تدرك بأن اختيار الوقت المناسب للإضرابات هو أمر ضروري جدا. وعلى الجميع أن يدرك بأن الصراع بين الوزير والنقابات ليس في مصلحة قطاع التعليم وإنما هو في مصلحة لوبيات الفساد في هذا القطاع. 

حفظ الله موريتانيا...

السبت، 13 فبراير 2021

من الشناقطة في المشرق إلى "الموريتاني" في الغرب!


 بالأمس عرف المشرق بلادنا من خلال الشناقطة، فهل سيعرفها اليوم الغرب من خلال "الموريتاني"؟

بدءا لابد من القول بأنه لا وجه إطلاقا للمقارنة من حيث المحتوى بين ما كان يقدمه الشناقطة في الماضي، وما يمكن أن يقدمه اليوم فيلم "الموريتاني"، ووجه المقارنة المستخدم هنا يقتصر فقط على مستوى الانبهار، فلكل قوم ما يبهرهم، فإذا كانت علوم الفقه واللغة هي ما كان يبهر المشارقة في الماضي، فإن الكتب والسينما هي مما يبهر الغرب في أيامنا هذه. من هنا يمكن القول بأن ما يقدمه اليوم المهندس محمدو ولد صلاحي من خدمات للتعريف بموريتانيا في الغرب لا يقدر بثمن، ولا يُمكن أن يُقاس جهده في هذا المجال بأي جهد آخر. اللافت في الأمر أن بعض الأحداث الثقافية والرياضية، والتي لا  يتعدى تأثيرها ـ إن وُجِد أصلا ـ دول المنطقة، قد تجد اهتماما محليا كبيرا كما يحدث في أيامنا هذه، وذلك في الوقت الذي يغيب فيه ـ وبشكل شبه كامل ـ أي اهتمام بفيلم "الموريتاني" الذي بدأ عرضه في دور العرض العالمية في يوم 12 فبراير 2021.

إن ما يحدث الآن من عدم اهتمام محلي بفيلم "الموريتاني" يُذكر بما حدث سابقا مع  كتاب "يوميات غوانتانامو"، وهو الكتاب الذي كان قد نال شهرة عالمية كبيرة، فتُرجم إلى ما يُقارب 30 لغة عالمية، وتصدر قائمة "نيويورك تايمز" للكتب الأكثر مبيعا في العالم.

 بفضل كتاب "يوميات غوانتانامو" اكتسب المهندس محمدو ولد صلاحي شهرة عالمية كبيرة، وستزداد تلك الشهرة مع فيلم "الموريتاني"، فلماذا لا تستغل الدولة الموريتانية هذه الشهرة للتعريف بها، وللتحسين من صورتها في الغرب؟

إن هذه الشهرة العالمية التي اكتسبها المهندس محمدو ولد صلاحي بكتابه وفيلمه، هي شهرة لموريتانيا، ويكفي أن نذكر بأنه ولأول مرة في تاريخ هذه البلاد أصبحنا نحلم بإمكانية حصول أحد مواطنينا على جائزة نوبل، كما أصبحنا نتحدث عن إمكانية حصول فيلم يحكي قصة موريتاني لبعض جوائز الأوسكار.

صحيحٌ أن سمعة جوائز نوبل والأوسكار ليست بالسمعة الحسنة، خاصة في بلاد العرب والمسلمين، ولكن الصحيح أيضا أن هذه الجوائز كسبت شهرة عالمية كبيرة، مما يعني أنه  إذا حصل الكتاب أو الفيلم على إحدى تلك الجوائز، فإن ذلك سيشكل أكبر دعاية لموريتانيا في الغرب.

خلاصة القول هي أن هناك عوامل كثيرة تتوافر اليوم في المهندس محمدو ولد صلاحي تؤهله ـ وبجدارة ـ لأن يصبح سفيرا لموريتانيا في كل بلاد الغرب، وما يمكن أن يقدمه اليوم هذا المهندس من خدمات للتعريف بموريتانيا، ولتسويقها إعلاميا وثقافيا، ولتحسين صورتها في مجال حقوق الإنسان في الغرب لا يمكن أن تقدمه أي سفارة أخرى حتى ولو أنفقت عليها الدولة الموريتانية ملايين الدولارات، فلماذا لا تستغل الدولة الموريتانية شهرة أحد مواطنيها للتعريف بها ولتحسين صورتها في الغرب؟

حفظ الله موريتانيا...  

الأحد، 7 فبراير 2021

تهدئة هنا وعنف هناك ...ماذا يحدث؟

 


هناك تناقض واضح يحتاج إلى تفسير بين ما نشاهده من تهدئة مع السياسيين وتصعيد أمني ضد المحتجين السلميين، ومثل هذا التناقض أصبح مربكا لمتابعي الشأن العام.



تهدئة سياسية غير مسبوقة

تشهد البلاد في العهد الحالي تهدئة سياسية كانت في أمس الحاجة إليها، خاصة وأنها جاءت بعد عقد كامل من التجاذبات والصراعات والتصعيد والتأزيم بين طرفي المشهد السياسي من أغلبية ومعارضة.

نعم تشهد البلاد تهدئة سياسية غير مسبوقة، على الأقل خلال العقد الأخير، وتظهر هذه التهدئة السياسية من خلال فتح أبواب القصر الرئاسي أمام كل الطيف السياسي والنقابي والحقوقي، وخاصة من يحسب منه على المعارضة. كما تظهر أيضا من خلال رفع الظلم عن الذين ظلموا بسبب مواقفهم السياسية، وتعيين بعض المحسوبين على المعارضة، هذا فضلا عن اللقاءات المنتظمة بزعيم المعارضة، واصطحاب بعض الشخصيات المعارضة في وفود رئاسية.

تصعيد أمني غير مبرر

في الوقت الذي تشهد فيه البلاد تهدئة سياسية كانت في أمس الحاجة إليها، فإنه يُلاحظ أن مشاهد العنف غير المبرر لم تتوقف ضد المحتجين السلميين، حيث تُطالعنا مواقع التواصل الاجتماعي ـ من وقت لآخر ـ بصور وفيديوهات توثق عنفا غير مبرر مُورس ضد محتجين سلميين، ولعل آخر هذه المشاهد الصادمة التي طالعتنا بها مواقع التواصل الاجتماعي هي تلك المشاهد القادمة من قرية تيفيريت، حيث ظهر بعض عناصر الدرك وهم يضربون بقسوة ووحشية بعض النساء المشاركات في وقفة سلمية مطالبة بإغلاق مكب تيفيريت.

فلماذا يمارس كل هذا العنف ضد النساء المحتجات في قرية تيفيرت؟

ولماذا تتكرر كثيرا مشاهد العنف هذه في فترة تشهد فيها البلاد تهدئة سياسية غير مسبوقة؟

وهل الأمر يتعلق بمجرد أخطاء أمنية ازدادت وتيرتها في الفترة الأخيرة أم أن هناك من يسعى إلى توتير الأجواء لغرض ما؟

 خلاصة القول

لقد آن الأوان لوضع حد لتكرر مثل هذا العنف ضد المحتجين السلميين، ولمحاسبة المسؤولين عنه، فمثل هذا العنف لا مبرر له في أزمنة التصعيد والأزمات السياسية، مما يعني أنه لا مبرر له إطلاقا في فترات التهدئة السياسية، ونحن اليوم نعيش في هذه البلاد واحدة من أهم فترات التهدئة السياسية.

حفظ الله موريتانيا...

الخميس، 4 فبراير 2021

خطوات هامة في سبيل تطوير لغاتنا الوطنية

 


هناك خطوات هامة تم اتخاذها لصالح لغاتنا الوطنية تستحق التثمين والإشادة من كل من يهتم حقا بتطوير لغاتنا الوطنية، ومن هذا الخطوات يمكننا أن نذكر:

1 ـ إضافة مادة جديدة للنظام الداخلي للجمعية الوطنية (المادة 61 )، والتي جاء فيها:" توفر إدارة الجمعية الوطنية الترجمة الفورية لمداولات البرلمان باللغات الوطنية". وفي هذا الإطار فقد اكتتبت الجمعية الوطنية موظفين للترجمة الفورية من وإلى اللغات الوطنية، وقد تم وضع هؤلاء الموظفين في ظروف مناسبة (ماديا ومعنويا)، وذلك لتمكينهم من أداء المهمة الوطنية النبيلة التي كلفوا بها على أحسن وجه. وبهذا الإصلاح الهام في النظام الداخلي للجمعية الوطنية أصبحت كل مداخلات الوزراء والنواب داخل الجمعية الوطنية تترجم إلى كل لغاتنا الوطنية، كما أصبحت كل جلسات البرلمان تنقل على قناة البرلمانية بكل لغاتنا الوطنية.

بهذه الخطوة الجريئة والشجاعة ـ والتي لاقت بالمناسبة معارضة قوية من الفرانكفونيين داخل البرلمان وخارجه ـ أصبح بإمكان كل موريتاني أن يتابع تفاصيل ما يجري داخل برلمانه بلغته الأم. ألا تستحق هذه الخطوة التثمين والإشادة ممن يرفع شعار المطالبة بتطوير لغاتنا الوطنية؟

2 ـ إطلاق وحدة تكوين لتدريس اللغات الوطنية لشعبتي القضاء و الإدارة في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء. ألا تستحق هذه الخطوة الهامة الرامية إلى تطوير لغاتنا الوطنية وإلى تقريب الإدارة من المواطنين التثمين ممن يرفع ـ حقا لا باطلا ـ شعار المطالبة بتطوير لغاتنا الوطنية؟

3 ـ تبقى هناك خطوة ثالثة ما زلنا في انتظارها، وتتمثل هذه الخطوة في إعطاء لغاتنا الوطنية المكانة التي تستحق في التلفزة الموريتانية. وفي هذا الإطار يمكن التفكير في تخصيص ساعات من أوقات ذروة المشاهدة، للغاتنا الوطنية، وذلك عن طريق تخصيص ساعات من البث في كل قناة من القنوات التابعة للتلفزة الموريتانية لإحدى لغاتنا الوطنية، فمثلا تخصص عدة ساعات من بث قناة الثقافية للبولارية، وعدة ساعات من بث القناة الثانية للولفية، وعدة ساعات من إحدى القنوات الأخرى للسنونكية. 

المؤسف في الأمر، أنه لا أحد ممن يرفع شعار المطالبة بتطوير لغاتنا الوطنية أشاد بهذه الخطوات الهامة، بل على العكس من ذلك فقد حاول البعض داخل البرلمان وخارجه أن يعرقل الترجمة الفورية إلى اللغات الوطنية داخل الجمعية الوطنية، وذلك حتى لا يتراجع حضور اللغة الفرنسية داخل البرلمان.   

 المؤسف أكثر أن البعض لا يتذكر شعار تطوير لغاتنا الوطنية إلا إذا تم اتخاذ خطوة ـ ولو خجولة ـ في سبيل تفعيل رسمية اللغة العربية، محاولا بذلك أن يخلق عداءً بين المدافعين عن رسمية اللغة العربية والمطالبين بتطوير لغاتنا الوطنية. والحقيقة أنه لا عداء بين هؤلاء وأولئك، بل على العكس من ذلك فدورهم يجب أن يكون تكامليا، وعليهم جميعا أن يقفوا صفا واحدا خلف المادة السادسة من الدستور الموريتاني، والتي أنصفتهم جميعا، عندما قالت : " اللغات الوطنية هي العربية والبولارية والسوننكية والولفية. اللغة الرسمية هي العربية."   

حفظ الله موريتانيا...