الأربعاء، 27 أغسطس 2025

إلى السيد الرئيس محمد جميل منصور


بدءًا أعتذر لكم، سيادة الرئيس، عن تأخري في شكركم على توضيحاتكم المهمة المتعلقة بحديثكم، أو بالأصح، ترجمتكم لمداخلة ألقيتموها في نشاط لجبهة المواطنة والعدالة بلغة أجنبية، كما أعتذر لكم أيضًا عن تأخر هذا الرد بسبب انشغالات ضاغطة.

السيد الرئيس،

أما بخصوص سؤالكم المتعلق بمدى اهتمام الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية باللغات الوطنية، فإليكم هذه التوضيحات:

1 ـ إن الحملة الشعبية تنظر إلى المادة السادسة من الدستور الموريتاني كوحدة واحدة لا يمكن تجزئتها بأي حال من الأحوال. فنحن نعتبر أن من أفدح الأخطاء التي ارتكبتها بعض النخب في المسألة اللغوية يتمثل في تجزئة هذه المادة، وتشكيل طائفتين من الموريتانيين على أساس تلك التجزئة: إحداهما تُطالب بتفعيل ترسيم اللغة العربية مع تجاهل المطالبة بتطوير اللغات الوطنية الأخرى، وطائفة ثانية تُطالب بتطوير اللغات الوطنية وتتجاهل ترسيم اللغة العربية. وهذا ما أتاح للفرانكفونيين استغلال تلك التجزئة وتعميق الخلاف بين الطائفتين لصالح بقاء اللغة الفرنسية مسيطرة، تحتل مساحات في التعليم والإدارة والفضاءات العمومية ليست من حقها، على حساب تفعيل ترسيم اللغة العربية، وكذلك على حساب تطوير اللغات الوطنية. ونحن في الحملة قررنا عند التأسيس ألا نقع في هذا الخطأ، وأن نتعامل مع المادة السادسة من الدستور كوحدة واحدة لا تقبل التجزئة. فنحن نعتبر أن الجهد الذي نقوم به للمطالبة بتفعيل ترسيم اللغة العربية يجب أن يصاحبه جهد موازٍ للمطالبة بتطوير لغاتنا الوطنية، فكون الدستور الموريتاني اعتبر في مادته السادسة أن هذه اللغات لغات وطنية، فهذا يستوجب أن تكون لها مكانة أرفع شأنًا عند المواطن الموريتاني الذي يحترم دستور بلاده من أي لغة أجنبية أخرى لم يرد ذكرها في الدستور؛

2 ـ نحن في الحملة لم نأت بجديد، ولا نخطط إطلاقًا للإتيان بجديد للموريتانيين. فكل ما نريده هو أن يوقفوا تعطيل مادة من دستورهم ظلت معطلة في جوانب عديدة لأكثر من ثلث قرن، فلا اللغة الرسمية للبلاد تم ترسيمها بشكل كامل، ولا اللغات الوطنية تم تطويرها، والسبب في ذلك أن هناك لغة أجنبية تحتل مساحة لا يحق لها احتلالها وعلى حساب كل لغاتنا الوطنية، وقد آن الأوان لتحرير تلك المساحة، وبدون تحريرها لا يمكن الحديث عن تفعيل ترسيم اللغة العربية، ولا عن تطوير لغاتنا الوطنية.

إن كل ما نطلب من الموريتانيين هو أن يفعلوا مادة من دستورهم ظلت معطلة لأكثر من ثلث قرن، دون أن يندد أغلب السياسيين بتعطيلها، أو يجروا تعديلاً دستوريًا لتغييرها إن لم ترضهم بصيغتها الحالية، إن استطاعوا حشد ما يكفي من أصوات النواب والشعب لتعديلها، والراجح، بل المؤكد، أنهم لن يجدوا النصاب التشريعي ولا الشعبي الكافي لتعديل تلك المادة؛

3 ـ وحتى نوضح موقفنا بشكل كامل في المسألة اللغوية، فإننا في الحملة الشعبية لا نعادي اللغة الفرنسية، فاللغة ـ أي لغة ـ ليست محل عداء أصلًا، بل نعتبر هذه اللغة لغة عالمية لنا بها صلة تاريخية، وأنه علينا في هذه البلاد أن نمنحها مكانة اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا، وأن نعطيها كل الامتيازات التي تُمنح لأي لغة أجنبية أولى في أي بلد من بلدان العالم. أليس هذا في غاية الإنصاف؟

إننا ندعو لأن تُعطى للغة الفرنسية مكانة متميزة في موريتانيا بصفتها اللغة الأجنبية الأولى في بلادنا، ولو على حساب اللغة الإنجليزية التي تُعد لغة العلم والعالم في هذه المرحلة من تاريخ البشرية.

إننا في الحملة الشعبية ندعو لأن تُمنح اللغة الفرنسية مكانة اللغة الأجنبية الأولى في موريتانيا، ولكن بشرط وحيد لا يمكننا التنازل عنه تحت أي ظرف، وهو ألا تسطو على مساحة لا تستحقها على حساب تفعيل ترسيم اللغة العربية أو على حساب تطوير لغاتنا الوطنية؛

4 ـ إن الشرط الأول لتطوير لغاتنا الوطنية هو أن تجد مساحة مناسبة من التداول في الفضاءات العامة. ولذلك فنحن ندعو الأحزاب السياسية إلى ترجمة خطاباتها في الأنشطة السياسية إلى اللغات الوطنية، كما يحصل في البرلمان، بدلًا من ترجمتها إلى لغة أجنبية. فترجمة الخطابات السياسية في الأنشطة الجماهيرية إلى اللغات الوطنية تشكل احترامًا للدستور الذي اعتبرها لغات وطنية، هذا  أولًا، وتعزز اللحمة الوطنية ثانيًا، وتساهم ثالثًا في تطوير هذه اللغات التي لا يمكن أن تتطور دون استخدامها في الفضاءات العامة كلما أتيحت الفرصة لذلك.

ولهذا فقد استغربتُ شخصيًا ـ يا سيادة الرئيس ـ أن تترجموا خطابكم في نشاط حزبي إلى لغة أجنبية بدلًا من أن تترجموه إلى اللغات الوطنية، خاصة وأننا نعلم يقينًا أن جبهة المواطنة والعدالة تضم قيادات حزبية قادرة على ترجمة خطابكم إلى كل اللغات الوطنية؛

5 ـ أما بخصوص قولكم إنكم لم تسمعوا عن أي نشاط أو مبادرة تتعلق بالجزء الثاني من مهام الحملة الشعبية، أي تطوير لغاتنا الوطنية، فأذكر هنا أن الحملة تعتمد أساسًا في أنشطتها على توجيه الرسائل وتقديم العرائض المطلبية. وبخصوص الرسائل، فإن أول رسالة وجهتها الحملة بعد تأسيسها كانت إلى معالي وزير الثقافة، طالبت فيها بمنح مساحة أوسع للغات الوطنية في قناة الموريتانية، وفي أوقات الذروة، بل طالبنا بأن تُخصص لكل لغة وطنية قناة من القنوات التابعة للتلفزة الموريتانية؛

6 ـ قمنا في الحملة بتكريم رئيس البرلمان السابق اعترافًا بجهوده لصالح لغاتنا الوطنية، والتي مكنت من توفير الترجمة في البرلمان من وإلى اللغات الوطنية بدلًا من الترجمة من وإلى لغة أجنبية كما كان سائدًا. وقد مكنت هذه الخطوة البالغة الأهمية من أن يسمع الموريتاني كل ما يجري في الجلسات العلنية في برلمانه بلغته الأم - أيا كانت لغته الأم - عبر قناة البرلمانية؛

7 ـ ليس هذا فقط، بل تقدمنا بعريضة مطلبية من تسعة بنود اقترحتها الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية، ووقعتها حتى الآن أكثر من ستين هيئة ومنظمة فاعلة. ومن بين الموقعين عليها: مدارس الفلاح التي تأسست قبل ميلاد الدولة الموريتانية، ومركز المرحوم فودي بوبو كوريرا، وهيئة جيرنو مختار ساغو، ومنظمات وهيئات أخرى معروفة لا يتسع المقام لذكرها جميعًا. وقد تضمنت هذه العريضة بعض البنود الخاصة بلغاتنا الوطنية، وإليكم تلك البنود كما وردت في العربضة:

1 ـ استخدام إحدى لغاتنا الوطنية بدلًا من اللغات الأجنبية في كل الأنشطة الرسمية التي يتعذر فيها إلقاء الخطابات الرسمية باللغة العربية، مع ضرورة توفير الترجمة بين اللغة الرسمية واللغات الوطنية؛

2 ـ توفير الترجمة من وإلى اللغات الوطنية في المؤسسات الخدمية التي تقع في أحياء أو مدن يكثر فيها استخدام إحدى لغاتنا الوطنية؛

3 ـ البدء في وضع خطة عملية ذات سقف زمني محدد، والعمل على تنفيذها من أجل الوصول إلى مرحلة يكون فيها كل الموظفين في القطاع العام قادرين على التحدث والعمل باللغة الرسمية للبلد، ولغة وطنية أخرى، من خلال منح امتيازات أو تحفيزات للموظفين الذين يتعلمون إحدى لغاتنا الوطنية إلى جانب اللغة الرسمية.

هذه بعض المطالب التي تضمنتها عريضة الثامن والعشرين من نوفمبر للسيادة اللغوية، وهي العريضة التي قدمناها في لجنة العرائض برئاسة معالي الوزير السابق صو آداما صمبا لرؤساء عدة أحزاب في الأغلبية والمعارضة، وكنا نود تقديمها لسيادتكم للاطلاع على مضامينها، وما زلنا ننتظر منكم تحديد موعد لتسلمها، مع العلم أننا كررنا الطلب، وأن فترة الانتظار طالت أكثر من اللازم، وتجاوزت الشهر، على خلاف ما جرى مع بقية رؤساء الأحزاب الذين التقينا بهم في أوقات سابقة.

حفظ الله موريتانيا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق