الاثنين، 25 أغسطس 2025

ضحايا حوادث منسيون (1)


مع كل موسم خريف نفقد في موريتانيا عشرات الأرواح بسبب الغرق والسيول، وغالبية الضحايا – للأسف – هم من الأطفال. ورغم أن هذه المأساة تتكرر مع كل موسم خريف، إلا أنك لن تجد منظمة مجتمع مدني واحدة تهتم بهذه المأساة، وتقوم بالتالي  بالتوعية الاستباقية للحد من ضحاياها، أما النزول إلى الميدان لإنقاذ ضحايا الغرق فذلك أمر مستبعد أصلا.

في المقابل،  وأقولها بكل اعتزاز، فإن حملة "معا للحد من حوادث السير"، أخذت على عاتقها، ومنذ تسع سنوات خلت،  مهمة التوعية حول خطورة حوادث السير، سعيا منها للمساهمة في إنقاذ الأرواح  التي تزهق بشكل مستمر على الطرق، ولولا انشغالنا في الحملة بملف حوادث السير – الذي لم يجد حتى الآن اهتماما يتناسب مع مستوى خطورته – لأطلقنا ودون تردد حملة توعوية أخرى لصالح ضحايا الغرق والسيول، الذين هم اليوم في أمس الحاجة إلى من يهتم بأمرهم، على الأقل خلال موسم الخريف.

الغريب في الأمر أن بعض نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي لا شغل لهم إلا التفرج من بعيد على مآسي ضحايا الحوادث بمختلف أصنافها، ثم توجيه سهام النقد إلى الحملة، بحجة أن هذا النشاط أو ذاك قد شابه خطأ ما. 

وهنا لا بد أن نوضح، أن أي عمل بشري، مهما كان، لا يسلم من الأخطاء. لكن الفرق بين من يعمل ومن يتفرج، هو أن الأول يتحمل مسؤولية النزول إلى الميدان لإنقاذ الأنفس، بينما الثاني يكتفي بإحصاء الأخطاء – الحقيقية أو المتوهمة – وهو جالس في مكانه دون فعل اي شيء مفيد.

إن من ينتقد من يعمل على إنقاذ الضحايا، دون أن يفعل هو شيئا، لا يختلف في حقيقة أمره عن الذي يرى دار جاره تحترق، فيبقى يتفرج، ولا يفعل شيئا غير انتقاد أولئك الذين جاؤوا مسرعين بما تيسر من وسائل لإطفاء الحريق، فينتقد من جاء منهم بسطل غير مملوء بالماء، متجاهلا أن ذلك الشخص لم يكن يملك من الماء إلا ما جاء به في السطل لإطفاء الحريق. 

ألا يكفيه شرفا أنه جاء مسرعا، وبكل ما يملك من وسائل الإطفاء، للمساهمة في إخماد النيران التي اشتعلت في دار جاره؟ 

وإذا اردتم مثالا آخر، إنه يشبه من يكتفي بالتفرج على شخص يغرق أمام عينه دون أن يفعل شيء غير انتقاد ذلك الشخص الآخر الذي جاء مسرعا يلهث لينقذ الغريق، مصحوبا بالحبل الذي يملك، فتبين لاحقا أن الحبل الذي جاء به لم  يكن بالطول الكافي. 

إذا كان المنتقدون صادقين في غيرتهم على المجتمع، فليذهبوا الآن إلى الميدان، وليطلقوا حملة توعوية لصالح ضحايا الغرق والسيول، فهؤلاء لا يجدون حتى الآن منظمة واحدة ترفع صوتها لأجلهم. وليحرصوا – في حملاتهم التوعية ضد الغرق– على أن لا يقعوا في أي خطأ من الأخطاء التي وقعت فيها حملة معا للحد من حوادث السير، حينها، وحينها فقط،  سيكون من حقهم أن ينتقدوا الحملة والقائمين عليها، بالحق أو الباطل، لا يهم.

أما أن تبقى - هداك الله -  متفرجا، لا تفعل شيئًا، لإنقاذ ضحايا حوادث  السير، أو ضحايا الغرق،  أو ضحايا أي مأساة أخرى، ثم تسارع في انتقاد من قرر أن يتحمل المسؤولية وينزل إلى الميدان بما هو متاح لديه من وسائل متواضعة، فأنت في هذه الحالة، كان الأولى بك أن تنتقد نفسك قبل أن تنتقد الآخرين، أن تنتقد صمتك، تفرجك، تقاعسك، وخذلانك للضحايا، وذلك قبل أن تبدأ في التفتيش عن أخطاء من نزل إلى الميدان، لإنقاذ الضحايا، وبما توفر لديه من وسائل بسيطة.

إننا في حملة "معًا للحد من حوادث السير" لا ندعي الكمال، ولا يمكن لمن يقوم بعمل بشري - أيا كان - أن يدعي الكمال، ولكننا في المقابل ندعي بأننا لم نقبل بالاستمرار في التفرج على مجازر الطرق، بل بادرنا ومنذ تسع سنوات إلى النزول إلى الميدان،  من أجل المساهمة في إنقاذ الأرواح. ولذا فمن حقنا – بل من واجبنا – أن نطالب من كل من ينتقدنا اليوم أن يقدم  بديلا عمليا، ولو في مجال آخر، كالتوعية ضد الغرق في موسم الخريف.

إن البلد - هداك الله - مليء بالضحايا المنسيين: ضحايا حوادث السير، ضحايا الغرق، ضحايا التنقيب، ضحايا الإهمال في مجالات أخرى متعددة. والمؤلم أن الكثير من هؤلاء الضحايا يموت مرتين: مرة بسبب الحادث، ومرة أخرى بسبب تجاهل مأساتهم.

والمؤلم أكثر أن هناك من لا يفعل شيئا لإنقاذ هؤلاء الضحايا، غير انتقاد من يحاول أن ينقذهم بإمكانياته المتواضعة. 

يا للجراة ..

#السلامة_الطرقية_مسؤولية_الجميع 

#معا_للحد_من_حوادث_السير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق