الخميس، 21 أغسطس 2025

تفاهات (4)


في هذا الفضاء، كلما كتبتَ "كلامًا.. مجرد كلام"، ستجد التفاعل حاضرا. ويزداد التفاعل أكثر كلما كان نقدك حادا جارحا إن كنتَ "ضد"، أو كان مديحك متزلفا مطبِّلا إن كنتَ "مع" .

ويبلغ التفاعل ذروته حين تُطعِّم نقدك بعبارات مسيئة وبذيئة، أو تُطعِّم تثمينك بكلمات تملق وتزلف وتصفيق.

أما إذا تجنبت النقد والتثمين، وجئتَ بفكرة عملية، أو مقترح يعالج خللا كنتَ تنتقده، أو يدعم إنجازًا كنتَ تثمّنه، فستجد التفاعل يتلاشى، أو يكاد أن يتلاشى.

ويختفي التفاعل تماما إن أبدلت الكلام بالفعل، ونزلت إلى الميدان لتترك أثرا طيبا ينفع الناس ويمكث في الأرض..

أعرف أشخاصًا يعملون في الميدان بإخلاص لا يذكرهم أحد، وأعرف آخرين يكتبون بعمق وأسلوب أنيق فلا يحصدون إلا قليلا من الإعجاب.

وفي المقابل، هناك من ينشر كلاما تافها، وجملا ركيكة سخيفة، لكنه يَحصد سيلا من التعليقات والإعجابات.

الغريب أن كثيرا من أصحاب الإعجابات المزاجية ينتقدون الحكومة لأنها لا تضع "الشخص المناسب في المكان المناسب"، بينما هم أنفسهم لا يضعون "الإعجاب المناسب على المنشور المناسب"! ، ولو أوكلت لهم السلطة التعيين في إدارة ما، لوضعوا الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، تماما كما يضعون الآن الإعجاب غير المناسب في المكان غير المناسب، وستكون أخطاؤهم أكثر فداحة في التعيبن  من أخطاء الحكومات التي يهاجمونها حاليا.

إن من لم يُحسن إدارة "إعجاباته" وتعليقاته على الفيسبوك – وهو لا يملك غيرها – لن يُحسن - بكل تأكيد -  إدارة مؤسسة عمومية لو أوكلت له إدارتها؟ والراجح أنه سيغرقها في فوضى من التعيينات المزاجية البعيدة عن أي منطق أو معيار، تماما كما يغرق الآن المنشورات التافهة بسيل من الإعجابات والتعليقات.

ومن يسرق منشورا في الفيسبوك وينشره باسمه دون أن يُشير لصاحبه الأصلي، فهو لن يتورع إن وجد الفرصة لذلك عن سرقة المال العام. والفرق الوحيد هنا أن السرقة الأولى متاحة له حاليا، والسرقة الثانية لم تتَح له بعد.

فالسرقة سرقة، سواء كانت "منشورًا" أو "مالًا عامًا".

وغياب الموضوعية هو غياب الموضوعية، سواء كان في "إعجاب زائف" أو في "تعيين غير مستحق".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق