الأربعاء، 16 يونيو 2021

ما هي مصادر ثروةالرئيس السابق؟


في ظل موجة التحدي والتحدي المضاد التي تنتشر في بلادنا في أيام الناس هذه، والتي كان آخرها تحدى الرئيس السابق لأربعة ملايين من الموريتانيين بأن يأتوه بما يثبت أنه أخذ أوقية واحدة من الخزينة العامة أو من البنك المركزي، وكذلك تحدي الأربعة الملايين من الموريتانيين للرئيس السابق بأن يأتيهم بما يثبت أن مصدر ثروته مشروعة..في ظل هذه الموجة من التحدي والتحدي المضاد، فإني أنا بدوري أتقدم إليكم بالتحدي التالي، والمتعلق بسبعة استنتاجات حول مصادر ثروة الرئيس السابق. أتحدى أي واحد منكم أن يفند استنتاجا واحدا من هذه الاستنتاجات السبع بأسلوب مقنع ومتماسك منطقيا.

الاستنتاج الأول : أن الرئيس السابق يملك أموالا طائلة (اللهم لا حسد)، وأدلتي غير القابلة للتفنيد على هذا الاستنتاج هي :

1ـ تصريحات الرئيس السابق المتكررة والتي قال فيها بأنه يملك أموالا طائلة؛

2ـ المحجوزات لدى القضاء والتي بلغت حتى الآن عشرات المليارات؛

3ـ القيمة المالية للساعات التي يملك الرئيس السابق، والتي بلغت حسب تصريحه هو مليون ونصف المليون دولار، فمن يملك ساعات بهذا المبلغ، لابد وأنه يملك ثروة طائلة.

الاستنتاج الثاني : أن هذه الأموال طارئة من بعد انقلاب 6 أغسطس 2008، والدليل على ذلك:

  تصريحات موثقة  بعد انقلاب 2008  للرئيس السابق، وقد أكد من خلالها أنهم كقادة للانقلاب لا يملكون أموالا تذكر؛

2ـ شهادات بعض الذين يعرفونه من قبل انقلاب 2008؛

الاستنتاج الثالث : أن الرئيس السابق لم يكن يملك قبل العام 2016 أي شاحنة أو جرافة، وهذا الاستنتاج دليله واحد ويتمثل في رد الرئيس السابق على سؤال تقدم به المدير الحالي للتلفزة الموريتانية، وكان ذلك خلال مؤتمر صحفي تم تنظيمه في مطلع يناير من العام 2016، وقد قال الرئيس السابق في رده بأنه لا يمتلك شاحنة واحدة ولا جرافة، وأنه لا يملك إلا حفارة واحدة يستخدمها في بعض الأنشطة الخيرية، وأنه لا يتلقى مقابل تلك الأنشطة الخيرية أية مبالغ مالية.

الاستنتاج الرابع : أن هذه الثروة الطائلة ليست متحصلة من استثمار الراتب في أنشطة تجارية، فقد قال الرئيس نفسه في تصريح موثق بأنه لم يمسس راتبه خلال فترة رئاسته.

الاستنتاج الخامس : أن هذه الثروة ليست متحصلة أصلا من أنشطة تجارية، والدليل على ذلك بسيط جدا وقريب جدا، وهو أن الرئيس لا يجوز له أثناء تأدية مهامه أن يزاول أي نشاط تجاري.

الاستنتاج السادس: أن هذه الثروة ليست متحصلة من أموال مأخوذة من الخزينة العامة أو البنك المركزي، فلو كانت متحصلة من تلك المصادر لرفع النظام القائم التحدي، وسرب أدلة تفيد بسحب الرئيس السابق لأموال من البنك المركزي أو الخزينة العامة.

الاستنتاج السابع: أن مصدر هذه الثروة غير قانوني، فلو كان قانونيا لرفع الرئيس السابق التحدي، ولأثبت بالدليل القاطع أن ثروته تحصلت من مصادر مشروعة.

الخلاصات :

ـ أن الرئيس السابق يملك ثروة طائلة (اللهم لا حسد)؛

ـ أن هذه الثروة الطائلة طارئة من بعد انقلاب 2008؛

ـ أنها ليست متحصلة من الراتب ولا من أي أعمال تجارية؛

ـ أنها ليست مسحوبة من البنك المركزي أو الخزينة العامة؛

ـ أنه لا يمكن للرئيس السابق أن يُعلن عن مصدرها.

ويبقى السؤال : ما هي مصادر ثروة الرئيس السابق؟

 

حفظ الله موريتانيا... 

السبت، 12 يونيو 2021

نعم لإعادة النظر في ملف التعيينات

 


تعدُّ التعيينات من أهم المواضيع التي يتابعها الموريتانيون بانتظام واهتمام كبير، وهي بالنسبة لهم من أهم المقاييس أو المعايير التي يحددون على أساسها موقفهم من أي نظام حاكم.

أهمية التعيينات عند الموريتانيين تظهر من خلال المتابعة الواسعة للإجراءات الخصوصية في بيانات مجالس الوزراء, وكثيرا ما يتم تجاهل مراسيم القوانين التي تصدر في بيانات مجالس الوزراء، حتى من طرف النخب، لتقتصر المتابعة على الإجراءات الخصوصية فقط، الشيء الذي يُظهر مدى أهمية تلك الإجراءات الخصوصية عند الموريتانيين.

إن هذه الأهمية الكبيرة التي تحظى بها التعيينات تفرض على من تهمه حقا مصلحة النظام القائم ـ وأظنني من الذين تهمهم حقا مصلحة النظام القائم ـ أن يًطالب وبصوت مسموع بإعادة النظر في ملف التعيينات.

نعم، هناك ضرورة ملحة لإعادة النظر في ملف التعيينات، فهذه التعيينات لم تحمل في أغلبها تلك الرسائل التي كان يجب أن تحملها في هذا العهد. ففي اعتقادي الشخصي أن هناك رسائل هامة كان يجب أن تظهر واضحة وجلية مع كل حزمة تعيينات جديدة، وهذه الرسائل هي:

رسائل إصلاحية : أي أن يظهر مع كل حزمة جديدة  من التعيينات أن هناك إرادة جدية في الإصلاح الإداري، وأن تلك الإرادة هي التي أتت بموظفين يتوقع منهم أن يساهموا في ذلك الإصلاح، وأبعدت آخرين بعد أن جُربوا وجُربوا وجُربوا، ومنحوا الفرصة تلو الأخرى، فثبت أنه لا قدرة لهم على الإصلاح، أو أنه لا رغبة لهم فيه إن كانت هناك قدرة عليه.

ما حدث في أغلب التعيينات هو أن من ثَبتت عدم قدرته على الإصلاح تمت ترقيته أو تم الاحتفاظ به على الأقل، أما من تُلتمس فيه القدرة على الإصلاح فلم يتم تعيينه أو ترقيته، إلا في حالات محدودة جدا.

رسائل ضد الفساد : من الضروري جدا أن تعكس التعيينات ـ أو على الأقل نسبة هامة منها ـ الأجواء التي تعيشها البلاد، والتي تم بموجبها فتح واحد من أكبر ملفات الفساد في تاريخ موريتانيا.

ليس من المستساغ أن نسمع عن تعيين أو ترقية موظف مفسد معلوم الفساد في هذا العهد الذي تم فيه فتح أكبر ملف فساد في تاريخ البلاد، وليس من المستساغ في الوقت نفسه أن يستمر إقصاء أو تهميش موظفين يُشهد لهم بالاستقامة وحسن السمعة في الإدارة.

رسائل التجديد: لا خلاف على أن الجزء الأكبر من أغلبية الرئيس الحالي كان من أغلبية الرئيس السابق، ولذا فقد لا يكون من الإنصاف أن نطلب من الرئيس الحالي أن تكون تعييناته في الوظائف السياسية من خارج ذلك الجزء الأكبر من أغلبيته. قد لا يكون من الإنصاف أن نطلب منه ذلك، ولكننا في المقابل يمكن أن نطلب منه بأن ينتقي من تلك الأغلبية وجوها جديدة لم تفقد كل رصيدها السياسي خلال العشرية الماضية.

في "الأغلبية التقليدية" توجد وجوه جديدة، وأيادي نظيفة، وأطر أكفاء تم تهميشهم خلال العشرية الماضية، مثل هؤلاء كانوا أولى بالتعيين من موظفين آخرين لم يقدموا خلال مسارهم الوظيفي الطويل ما يبرر إعادة تدويرهم من جديد.

يقول البعض بأن الرئيس يحتفظ بمثل هؤلاء لأنه لا يريد أن يغضب أحدا من داعميه، ولذا فهو يقوم بإعادة تعيين كل من تتم إقالته. ما لا يدركه من يقول بذلك القول أن الرئيس إذا كان يعيد تعيين أولئك لكي لا يغضب أحدا من أغلبيته، فإنه بذلك يغضب أعدادا أكبر من خيرة أغلبيته. إن إعادة تدوير موظف واحد ثبت فشله، ستؤدي حتما إلى إغضاب العشرات من الموظفين الأكفاء الذين لم تتلطخ سمعتهم، والذين كانوا يحلمون ـ ولهم الحق في ذلك ـ  بالحصول على تلك الوظيفة التي مُنحت للموظف الفاشل الذي تم تدويره.

لقد آن الأوان لأن يلتفت الرئيس إلى الأطر الذين لم تتلطخ سمعتهم الإدارية والسياسية خلال العقود الماضية، وعليه أن ينتقي منهم واجهته الإدارية والسياسية، فتعيين مثل أولئك سيزيد من رصيده، وسيُحَسِّن من صورة نظامه، وسيخلق أملا لدى المواطن بإمكانية الوفاء ببرنامج "تعهداتي".  أما إعادة تدوير موظفين لم يقدموا شيئا يحسب لهم بعد عقود أو سنوات من التعيين، فتدوير مثل أولئك من ذوي السمعة الإدارية والسياسية السيئة فسيكون على حساب رصيد الرئيس، وسيسيء إلى سمعة نظامه، وسيقلل من ثقة المواطن بإمكانية الوفاء ببرنامج "تعهداتي".

حفظ الله موريتانيا... 

الأحد، 6 يونيو 2021

كيف نحدُّ من الجريمة في بلادنا؟


لقد أصبح من الواضح جدا أن أساليبنا التقليدية في محاربة الجريمة لم تعد تجدي نفعا، ومن هنا فقد بات من الضروري والملح وضع خطة جديدة أو على الأصح رسم إستراتيجية متكاملة للحد من الجرائم في بلادنا، ويجب أن تقوم هذه الإستراتيجية على حقيقة مفادها أن الحلول الأمنية مهمة، ولابد منها للحد من الجرائم، ولكنها لا تكفي لوحدها، إن لم تسبقها وتصاحبها وتأتي من بعدها حلول أخرى في مجالات أخرى سيأتي الحديث عنها في هذا المقال.

هناك إجراءات "بعدية" يجب اتخاذها عندما تقع الجريمة، وهناك إجراءات أخرى "قبلية"، ويمكن تسميتها بأنها إجراءات وقائية يجب اتخاذها من قبل وقوع الجريمة.

ماذا يجب فعله بعد وقوع الجريمة؟

إن الإجراء الأهم الذي يجب اتخاذه بعد وقوع الجريمة هو المسارعة في إلقاء القبض على المجرم، وفي العادة فإن الأجهزة الأمنية لا تقصر في هذا المجال، ولكن التقصير يأتي من  بعد ذلك، ويظهر جليا في عدم الصرامة في تنفيذ العقوبات وفي عدم العمل بقول الله تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". إذا لم تنفذ أحكام الإعدام فيمن قتلته الشريعة، فلن تتوقف مثل هذه الجرائم البشعة التي تنسي الواحدة منها في كل ما سبقها من جرائم بشعة.

صحيح أن بلادنا قد وقعت على اتفاقيات دولية، ولكن ألا يمكن مراجعة هذه الاتفاقيات؟ أليست مصر مثلا أكثر استفادة من تلك المنظمات الدولية، وأكثر احتياجا للتمويلات، ومع ذلك فهي لم توقع على تلك الاتفاقيات وتنفذ أحكام الإعدام علنا.

إن حقوق الإنسان كما يراها الغرب قائمة على بعض الاختلالات البينة، منها أن هذا الغرب "الإنساني جدا" مستعد لحماية "المجرم" وتضييع حقوق الضحايا، فبأي منطق نحمي مجرما قاتلا من القتل الذي مارسه هو بنفسه ضد أشخاص أبرياء؟ أليس في ذلك تشجيع له ولغيره من المجرمين لقتل المزيد من الأنفس البريئة؟

على "أولي الألباب" أن يعلموا بأن الله جلَّ جلاله لم ينزل عليهم هذه الآية لتلاوتها فقط، وإنما لتطبيقها والعمل بها.

قبل وقوع الجريمة

إن محاربة الشر أولى وأهم من محاربة الأشرار، وإن محاربة الجريمة وتجفيف منابعها أولى وأكثر نجاعة من محاربة المجرمين. وتجفيف منابع الجريمة يقتضي منا أولا أن نبحث عن القواسم المشتركة بين أغلب الجرائم التي تقع في بلادنا، وإن أي عملية بحث سريعة ستوصلنا إلى أن القواسم المشتركة بين أغلب الجرائم البشعة التي تم تسجيلها في السنوات الأخيرة تتمثل في:

القاسم المشترك الأول هو أن مرتكبي هذه الجرائم أغلبهم شباب أو قُصَّر لم يدرسوا أصلا في المدارس أو تسربوا في وقت مبكر من المدرسة؛

القاسم المشترك الثاني هو أن أغلب هذه الجرائم البشعة التي تم تسجيلها في السنوات الأخيرة كان وراءها أصحاب سوابق، وهذه تلفت الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية مفادها أن العديد من المجرمين يتم إصدار أحكام مخففة ضدهم، وأن بعضهم يخرج بطريقة أو بأخرى من السجن من قبل انتهاء تلك الأحكام المخففة. هناك نسبة معتبرة من السجناء تدخل السجن وهي تحمل صفة "مجرم مبتدئ" أو "مشروع مجرم" أو "مجرم هاوِ"، ولكنها لا تخرج من السجن إلا وبعد أن تكون قد اكتسبت صفة "مجرم محترف". السجون في بلادنا أصبحت مدارس متخصصة لتخريج "مجرمين محترفين" وب"شهادات عالية" في الإجرام".

القاسم المشترك الثالث هو أن أغلب المجرمين يكونون تحت تأثير المسكرات و المخدرات لحظة ارتكاب الجريمة، ولذا فإن محاربة الجريمة في بلادنا يجب أن تبدأ بمحاربة تعاطي المخدرات في صفوف الشباب والقُصَّر. المؤسف هنا أن ما تخصصه وزارة الداخلية من ميزانيتها لمحاربة المخدرات لا يتجاوز 60 مليون أوقية قديمة!

المؤسف أكثر أن أنواع هذه المخدرات التي يستخدمها الشباب والقُصَّر متوفرة في الأسواق و بأسعار زهيدة : الحبوب المهلوسة، الحشيش، الغراء ، العطور .

القاسم المشترك الرابع هو أن أغلب جرائم القتل البشعة تم ارتكابها بأسلحة "بيضاء" (سكاكين وسيوف) يمكن لأي مجرم أن يحصل عليها وبأسعار زهيدة.

إن أي محاولة جدية للحد من هذه الجرائم يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حقيقة مفادها أن أغلب مرتكبي هذه الجرائم هم من القصر والشباب ومن أصحاب السوابق، ومن متعاطي المخدرات، وأنهم يرتكبون جرائمهم بأسلحة "بيضاء" متاحة للجميع.

وانطلاقا من تلك القواسم المشتركة، فهذه بعض النقاط التي يمكن أن تحدَّ من الجريمة في بلادنا إن تم الأخذ بها:

1 ـ  الاهتمام أكثر بالأسرة والعمل على الحد من التفكك الأسري؛

2 ـ المسارعة في إصلاح التعليم، والعمل على إعادة الاعتبار لمادتي التربية الإسلامية والتربية المدنية؛

3 ـ إيواء الأطفال الذين فشلت ـ أو عجزت ـ أسرهم عن تربيتهم وتعليمهم، وتكفل الدولة بتربيتهم وتعليمهم والبحث من بعد ذلك عن فرص عمل لهم؛

4 ـ إنشاء مراكز ثقافية ورياضية في كل الولايات والمدن لصالح الشباب والعمل على تنشيطها بشكل مستمر؛

5 ـ  إنشاء مراكز متخصصة في علاج الإدمان؛

 إنشاء المزيد من مراكز الإيواء والتدريب لصالح الأطفال المشردين وأصحاب السوابق الإجرامية مع العمل على دمجهم في الحياة النشطة ؛

7 ـ  إنشاء مراكز للتثقيف الحرفي (تكوبن مهني مبسط) بما يلبي حاجة السوق، وبما يمكن من امتصاص أعداد من المتسربين من المدرسة؛

8 ـ  تفعيل دور المجتمع المدني وحثه على العمل في مجال التوعية ضد الجريمة وتعاطي المخدرات في أوساط الشباب والمراهقين.

9 ـ  رسم سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى الحد من اليد العاملة الأجنبية، ومحاولة إحلالها بيد عاملة وطنية مدربة؛

10 ـ  إصلاح ودعم القطاع الأمني وإعادة الاعتبار لقطاع الشرطة؛

11 ـ  إصلاح قطاع السجون والقضاء؛

12 ـ  تشديد العقوبة علي مستوردي وبائعي ومروجي المخدرات وكل المؤثرات العقلية؛

13 ـ  تشكيل مجالس داخل الأحياء ومن جماعات المساجد تتولى السهر على أمن الحي، وإبلاغ الجهات الأمنية بكل ما يثير الشبهات داخل الحي.

14 ـ تدريب العلماء والأئمة والدعاة الشباب على التقنيات الحديثة وحثهم على التواصل مع الشباب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؛

15 ـ تفعيل دور الإعلام بشقيه التقليدي والجديد في مجال التوعية والتوجيه خاصة  ما هو موجه منه إلى الشباب والقُصَّر.

16 ـ العمل بإلزامية التجنيد الإجباري أو على الأقل إلزامية الانخراط في الخدمة العامة لفترة محددة.

ومن قبل أن أختم هذا المقال فهذه بعض إجراءات السلامة التي على كل واحد منا أن يعمل بها لحماية نفسه وذويه :

ـ تجنب المرور بالشوارع الضيقة أو المظلمة وكل الأماكن المهجورة؛

ـ تجنب قدر الإمكان إخراج الهاتف أو النقود أمام سالكي الشوارع والأمكنة العامة، وخاصة في الليل؛

ـ إذا كنت تقود سيارة فلا تتوقف في الأماكن المشبوهة، ولا تنخدع بالمفاجآت "المفخخة" التي قد يضعها بعض  المجرمين في طريقك من أجل أن تتوقف؛

ـ إذا اعترض طريقك بعض المجرمين من الشباب والمراهقين فلا تدخل معهم في معركة غير متكافئة، فهؤلاء في العادة لديهم أسلحة بيضاء ومن أصحاب السوابق وهم تحت تأثير المخدرات وعلى استعداد لارتكاب جريمة قتل من أجل الحصول على هاتف أو على مبالغ زهيدة.

#معا_للحد_من_الجرائم

حفظ الله موريتانيا...  

الاثنين، 31 مايو 2021

التعديل الوزاري الأخير: قراءة تحليلية متأخرة!


تزامن التعديل الوزاري الأخير مع انشغالات ميدانية متعددة حالت دون التعليق عليه في الوقت المناسب، وبما أني كنتُ قد التزمت لعدد من
 القراء والمتابعين بالتعليق على هذا التعديل كما جرت بذلك العادة مع كل تعديل وزاري، فإليكم هذه القراءة التحليلية المتأخرة، والتي ربما تكون قد جاءت في وقت بدأ فيه الجميع يتوقف عن الحديث عن التعديل الأخير.

ستكون هذه القراءة متعددة الأوجه، وستكون البداية مع الرسائل السياسية لهذا التعديل.

 

أي رسائل سياسية للتعديل الوزاري الأخير؟

 

كانت هناك التفاتة واضحة في هذا التعديل على الداعمين السياسيين، حتى وإن جاءت أقل مما كان يُنتظر. فمن المعروف أن الكثير من داعمي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، خصوصا أولئك الذين يمكن اعتبارهم "أغلبيته الخاصة" بقوا على الهامش خلال ما مضى من مأمورية الرئيس، وهو الشيء الذي أدى إلى تراجع حماس البعض داخل هذه "الأغلبية الخاصة".

إن هذه "الأغلبية الخاصة" يمكن تقسيمها إلى طائفتين متمايزتين: طائفة قادمة من رحم أغلبية الرئيس السابق، ولكنها تميزت وضاعفت من جهودها في دعم الرئيس الحالي، وهذه الطائفة يمثلها خير تمثيل سعادة السفير المختار ولد داهي، والذي تم تعيينه وزيرا للثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان ناطقا باسم الحكومة. أما الطائفة الثانية فهي قادمة من خارج أغلبية الرئيس السابق، وهذه تمثلها خير تمثيل الوزيرة السابقة توت منت خطري، والتي تم تعيينها مفوضة للأمن الغذائي.

لقد جاء التعديل الوزاري الأخير والتعيينات المتزامنة معه باثنين من أهم داعمي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، احدهما من رحم الأغلبية والثاني من رحم المعارضة، وفي ذلك رسائل إيجابية اتجاه الأغلبية الخاصة بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، والتي بدأ التململ في صفوفها منذ فترة بسبب عدم الالتفات إليها.

 

هذا عن الرسائل السياسية الضيقة أي تلك الخاصة بالأغلبية الداعمة للرئيس، أما عن الرسائل السياسية الأوسع الموجهة إلى كل الموريتانيين، والتي يمكن القول بأنها تشكل تجسيدا لبعض ما جاء في خطاب إعلان ترشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، فهي تتمثل في تعيين ابنة رئيس سابق وزيرة للتعليم العالي، وابن قائد محاولة انقلابية سابقة مفوضا لحقوق الإنسان. هناك رسالة بالغة الوضوح في هذين التعيينين مفادها أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يُحاول بجد أن يطوى صفحة الصراع على السلطة الذي عرفته موريتانيا خلال العقود الماضية، وما ترتب على ذلك الصراع من خلافات وتجاذبات.

 

توازنات بالميلليغرام

 

تعودنا في التعديلات الوزارية أن يتم احترام التوازنات الجهوية والقبلية والشرائحية، ولذا فلم يكن من الغريب أن يحترم التعديل الأخير تلك التوازنات.

ولكن الجديد هنا هو أن التعديل الأخير قد بالغ كثيرا في احترام تلك التوازنات، فعندما أقيلت سيدة تم التعويض بسيدة أخرى، وعندما تمت إقالة وزير من شريحة تم التعويض بوزير من نفس الشريحة، وعندما أقيل وزير ووزيرة من مجموعتين قبليتين جيء بوزير ووزيرة من نفس المجموعتين القبليتين، وعندما تمت إقالة موظف كبير من مجموعة قبلية معينة جيء في مكانه بموظفة من نفس المجموعة القبلية.

لقد كنا بحاجة إلى تدرج لتجاوز مثل هذه الترضيات القبلية والشرائحية والجهوية في التعيينات، ولكن التعديل الوزاري الأخير جذرها بشكل أكبر وأوضح.

 

عن الخارجين من الحكومة:  

 

خرج بموجب هذا التعديل وزيران ووزيرة، وسأتوقف هنا مع الوزيرين الخارجين، فأحدهما يمكن القول بأنه وجد فرصة لم يجدها وزير من قبله، وربما لن يجدها وزير من بعده، وأقصد هنا وزير الصحة السابق الدكتور نذيرو ولد حامد، والذي كان قد وجد تضامنا شعبيا غير مسبوق، وقد كنتُ أحد داعميه، كما وجد إشارة خضراء من الرئيس لتنفيذ خطته الإصلاحية دون أي تدخل، ولكن الوزير لم يحسن ترتيب الأولويات للأسف الشديد، فانشغل بالتباعد بين الصيدليات بدلا من قضايا أخرى كانت أكثر أولوية وإلحاحا، فضيع بذلك فرصة ثمينة لإصلاح القطاع. الوزير الثاني المقال، والذي ارتاح الكثير من متابعي الشأن العام لإقالته هو وزير التعليم العالي السابق الدكتور سيدي ولد سالم، والذي كان هو الناطق الرسمي باسم الحكومة، وقد تسبب للحكومة في كثير من المشاكل بسبب نطقه غير الموفق، كما تسبب لها بمشاكل أخرى لا تقل خطورة بسبب نهجه الصدامي مع الطلاب. الغريب في أمر هذا الوزير أنه كان هو الوزير الأقل احتراما للأحكام القضائية (رفض تنفيذ بعض الأحكام الصادرة ضد قطاعه)، وكان في نفس الوقت هو الوزير الأكثر لجوءا إلى القضاء فقد تقدم بشكوى ضد أستاذ جامعي وأخرى ضد مدير مؤسسة صحفية.

 

عن الداخلين في الحكومة

 

هناك تعيينات جاءت بأشخاص من القطاع أو لهم صلة بالقطاع، ويمكن الحديث هنا عن الدكتور سيدي ولد الزحاف الذي تم تعيينه وزيرا للصحة، والمهندس الزراعي سيدي محمد ولد سيدي أعلي الذي تم تعيينه وزيرا للزراعة، ونرجو أن يُثبت هذان الوزيران أهمية تعيين أهل الاختصاص في قطاعاتهم، فبعض أهل الاختصاص كان قد خيب آمالنا في تجارب سابقة. كما يمكن القول بأن اختيار السفير المختار ولد داهي لقطاع الثقافة والعلاقات مع البرلمان والنطق باسم الحكومة كان اختيارا مناسبا فالرجل له صلة وطيدة بالثقافة والإعلام وبخصوص النطق باسم الحكومة فمن المتوقع أنه سيكون متحدثا جيدا. أيضا يمكن القول بأن اختيار الوزيرة توت منت خطري مفوضة للأمن الغذائي كان اختيارا مناسبا، فالوزيرة لها تجارب عديدة لاشك أنها ستعينها في مهتمها الجديدة. لكن في مقابل ذلك فإن هناك تعيينات أخرى لا علاقة لأصحابها بالقطاع الذي عينوا فيه، ولعل من أبرز الأمثلة في التعديل الوزاري الأخير هو تعيين آمال منت سيدي ولد الشيخ عبد الله وزيرة للتعليم العالي ..صحيح أن هذا التعيين حمل رسالة سياسية بالغة الأهمية، ولكن كان بالإمكان أن يتم تعيين آمال مفوضة لحقوق الإنسان والعلاقات المجتمع المدني، بدلا من وزيرة للتعليم العالي والبحث العلمي فمثل ذلك التعيين كان سيكون أقرب لتجربتها في الاتحاد الإفريقي.

 

عن الوزير الأكثر ترحالا

 

يتمتع الوزير سيد أحمد ولد محمد بسمعة طيبة في مواقع التواصل الاجتماعي ولدى العديد من المهتمين بالشأن العام، ويرى كثيرون أنه من الوزراء الساعين فعلا للإصلاح، لكن المشكلة أن هذا الوزير لم يمنح الفرصة الكافية لإصلاح أي قطاع، وذلك بسبب ظهور اسمه في كل تعديل وزاري جديد، فقد مر هذا الوزير حتى الآن  بثلاثة وزارات في أقل من سنتين.   

لا يمكن تحقيق أي إصلاح في ظل عدم استقرار الوزراء وعدم استقرار الهيكلة الوزارية، ولا يمكن أن نتوقع أي إصلاح ما دامت الهيكلة الوزارية تتغير مع كل تعديل قريبا، وما دام الوزراء لا يمنحون فرصة زمنية تمكنهم من إصلاح قطاعاتهم.

الوزير إما أن يكون وزيرا قادرا على الإصلاح ففي هذه الحال يجب أن يمنح المزيد من الوقت لإصلاح قطاعه، وإما أن يكون فاشلا ففي هذه الحالة يجب أن يلفظ بعيدا خارج الحكومة، أما أن يمنح وزارة أخرى ليواصل فيها فشله، فذلك أمر يجب أن يتوقف.

فمثلا إذا كان وزير التنمية الريفية سابقا قد نجح في إدارته لقطاع التنمية الريفية فكان يجب منحه المزيد من الوقت لمواصلة إصلاحه الذي بدأه. أما إذا كان قد فشل فشلا ذريعا في إدارة قطاع التنمية الريفية، ولم يسلم في الوقت نفسه من بعض الشكوك حول تسييره المالي، فبأي منطق يتم تعيينه وزيرا للصيد؟ أليس قطاع الصيد من القطاعات الهامة التي يجب الالتفات إليها بشكل جدي خاصة بعد جائحة كورونا؟ ألا يحتاج هذا القطاع الحساس إلى وزير له سمعة جيدة في مجال التسيير؟

 

وزراء لا نعرف لماذا تم الاحتفاظ بهم؟

 

هناك وزراء لم يحققوا إنجازات تذكر في قطاعاتهم ومع ذلك تم الاحتفاظ بهم، ولعل المثال الأبرز هو وزير التهذيب الوطني وإصلاح التعليم، والذي كان قد تم تكليفه بإصلاح قطاع التعليم، أي القطاع الذي إذا لم يتم إصلاحه فلا معنى للحديث عن أي إصلاح آخر.   

ربما تكون سمعة الوزير في مجال التسيير جيدة، وربما تكون لديه خطة إصلاحية..ربما يكون كل ذلك صحيحا، ولكن لا أهمية لكل ذلك إذا لم يتمكن الوزير من كسب ثقة الأساتذة والمعلمين، فلا إصلاح يمكن أن يتحقق في قطاع التعليم في ظل هذه الإضرابات الواسعة التي يقودها الأستاذة والمعلمون، والتي تكررت كثيرا خلال السنتين الماضيتين، بل إنها تزامنت مع التعديل الوزاري.

 

لا رسالة في التعديل لصالح المهتمين بمحاربة الفساد

 

لقد فتح النظام القائم واحدا من أكبر ملفات الفساد في تاريخ البلاد (ملف العشرية)، ومع ذلك فقد غابت عن التعديل الأخير أية إشارة توحي أن النظام قد فتح مثل ذلك الملف. لقد تم الاحتفاظ على الأقل بوزير سمعته غير جيدة في مجال التسيير، وتم تعيين آخر سمعته غير جيدة في مجال التسيير.

لقد كان من المفترض أن تتناغم التعديلات الوزارية والتعيينات مع الحرب المعلنة على الفساد، ولكن ذلك لم يحصل مع هذا التعديل، ونرجو له أن يحصل مستقبلا مع أي تعديل وزاري قادم.

 

التعديل الوزاري في نقاط سريعة

 

ـ لقد أعطى التعديل الوزاري الأخير إشارات سياسية إيجابية تتناغم تماما مع خطاب إعلان ترشح الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؛

ـ لقد أعطى التعديل الوزاري الأخير إشارات سياسية مطمئنة للأغلبية الداعمة للرئيس، قد لا تكون تلك الإشارات بالحجم الذي كان متوقعا، ولكنها مع ذلك كانت موجودة وواضحة؛

ـ لم يعط التعديل الوزاري الأخير أية إشارة لصالح شعار محاربة الفساد؛

ـ لم يكن هذا التعديل من ناحية الكم والكيف بحجم الآمال التي تولدت لدى الرأي العام الوطني بعد انتقاد رئيس الجمهورية ووزيره الأول للأداء الحكومي.

 

حفظ الله موريتانيا... 

الاثنين، 24 مايو 2021

نُثَمن وننتقد (2)


"إن خيروك بين أمرين، فاختر ثالثهما".

الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي "إدغار موران"

يصرُّ البعض على أن يحشر الآخرين ضمن بدائل نمطية وخيارات محددة سلفا، وهو ما يعني إجبارهم على التفكير من داخل الصندوق. في كثير من الأحيان قد نكون بحاجة إلى التفكير من خارج الصندوق للخروج بأفكار غير تقليدية، وربما إبداعية.

وإذا ما قمنا بتنزيل هذا الكلام على الواقع السياسي، فسيعني ذلك أنه إذا خيرك أحدهم بين المعارضة والموالاة، فإنه يمكنك إن لم تكن راضيا عنهما معا ـ كما هو الحال بالنسبة لي ـ  أن تختار بديلا ثالثا لهما، لا يمكن تصنيفه على أنه معارضة خالصة أو موالاة خالصة.

هذا البديل أو هذا الخيار الثالث هو ما أطلقتُ عليه في مقالي السابق خيار: "نثمن وننتقد" أو "ننتقد ونثمن".

في اعتقادي الشخصي أن هذا الخيار هو الخيار الأمثل في هذه الفترة من تاريخ البلاد. إننا بالفعل بحاجة ماسة إلى كتلة أو تجمع سياسي غير تقليدي قادر على أن يدعم ويثمن ما يستحق الدعم والتثمين دون تطبيل ودون بحثِ عن أي مصلحة ضيقة أو خاصة، وقادر في الوقت نفسه على أن يعارض وينتقد ليس من أجل إظهار عيوب النظام وتعريته، وإنما سعيا للإصلاح وحثا للقائمين على الشأن العام على معالجة ما يقع من خلل وتقصير.

إننا بحاجة بالفعل إلى مثل هذا التوجه السياسي غير التقليدي، والذي لن ترضى عنه الموالاة التقليدية ولا المعارضة التقليدية ولا جيوش المثبطين والسلبيين الذين لا ينتجون أفكارا ولا يقدمون أعمالا مفيدة للوطن، وإنما يكتفون فقط بتثبيط الآخرين إن حاولوا خدمة وطنهم بما هو متاح من أفكار ومن وسائل محدودة.

إن مثل هذا الخيار السياسي غير التقليدي ستفتح عليه النيران من كل جهة إن تم الإعلان عنه، سيتلقى طعنات قوية من الأصدقاء والخصوم على حد سواء، وسيواجه طعنات أقوى أخرى من قبل السلبيين والمثبطين الذين لا يحاربون في العادة إلا الأفكار الجادة والبناءة.

نعم سيواجه مثل هذا الخيار السياسي غير التقليدي خصومات بلا أول ولا آخر إن هو أُطْلِقَ، ولكن مع ذلك فإن الظرف الزمني سيكون في صالحه، وكما يقول "فيكتور هيغو" فإنه لا توجد قوة في الأرض يمكن أن تقف في وجه فكرة حان وقتها.

وبطبيعة الحال فإن هذا الخيار السياسي غير التقليدي بحاجة إلى أشخاص بمواصفات غير تقليدية، مواصفات كنتُ قد تحدثتُ عنها في مقالي السابق، وسأختم بها هذا المقال :
 ـ أن لا يكون في ماضيهم أي شبهة فساد أو تزلف أو تطبيل؛

ـ أن لا يكون قد عُرِف عنهم أي نشاط قبلي أو جهوي أو شرائحي؛

ـ أن لا يكونوا من طائفة السلبيين العدميين أو المثبطين أو المكتفين بالتفرج على ما يجري في البلد من أحداث دون أن تكون لهم أي ردة فعل؛ 

ـ أن يكونوا من المؤمنين بأهمية الإصلاح الآمن والمتدرج، وكذلك من المقتنعين بأن إصلاح المجتمع يبدأ أولا بإصلاح النفس؛

ـ أن يكونوا على استعداد للتبرع بساعة على الأقل من كل أسبوع للخدمة العامة.

 

حفظ الله موريتانيا... 

الأحد، 16 مايو 2021

ما أحوجنا إلى حراك "نُثَمن وننتقد" أو "نَنتقد ونثمن"!


هناك سؤال يتكرر طرحه دائما في أغلب النقاشات التي تجمعني مع بعض المهتمين بالشأن العام، والذين لم تعد تقنعهم الموالاة التقليدية ولا المعارضة التقليدية ...يقول السؤال في إحدى صيغه الأكثر مباشرة : أيُ حراك سياسي يناسب هذه المرحلة؟

في اعتقادي الشخصي أن الإجابة المباشرة على هذا السؤال المباشر قد لخصها عنوان المقال، فالحراك السياسي الذي يناسب هذه المرحلة هو حراك " نثمن وننتقد" أو "ننتقد ونثمن"، فمن كان أقرب للموالاة فيمكنه أن يبدأ ب :"نثمن"، ومن كان أقرب إلى المعارضة فيمكنه أن يبدأ ب : "ننتقد"، وسيبقى من الضروري في كل الأحوال أن يتم الجمع بين التثمين والنقد، فذلك هو ما يناسب سياسيا هذه المرحلة من تاريخ بلادنا.

نحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية تختلف عن طبقتنا السياسية التقليدية التي تعودت  على واحد من نمطين اثنين: إما التطرف في موالاة الأنظمة، أو التطرف في معارضة تلك الأنظمة.

نحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة قادرة على أن تثمن وتسوق ما تحقق من إنجازات هامة للطبقات الهشة، وقادرة في الوقت نفسه على أن تنتقد ما يجري من تعيينات وإعادة تدوير لموظفين فاسدين أو فاشلين لا يمتلكون أي قدرة ولا حتى أي رغبة في الإصلاح.

نحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة قادرة على أن تثمن فتح واحد من أكبر ملفات الفساد في تاريخ البلد ( ملف فساد العشرية)، وقادرة في الوقت نفسه على أن تنتقد عدم الصرامة في التعامل مع ما قد يحصل من فساد من بعد العشرية.

نحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة إذا ثمنت لا تثمن تصفيقا أو تطبيلا للنظام، ولا تثمن بحثا عن مصالح ومكاسب شخصية، وإنما تثمن لتشجيع النظام على القيام بمزيد من الإصلاح.

ونحن في هذا العهد بحاجة إلى طبقة سياسية جديدة إذا انتقدت لا تنتقد من أجل تلميع نفسها والظهور على أنها هي من يدافع عن المواطن المطحون، ولا تنتقد  من أجل تعرية النظام وإظهار عيوبه للمواطنين، وإنما تنتقد من أجل إظهار مكامن الخلل وأوجه التقصير وحث النظام على تصحيح ما يحصل من خلل وتقصير.

لا خير فيمن يوالي تطبيلا أو تصفيقا أو بحثا عن مصالح ضيقة، ولا خير كذلك فيمن يعارض لتلميع نفسه أو لإظهار عيوب النظام، ودون أن تهمه المصلحة العليا للوطن.

بين الموالاة التطبيلية والمعارضة المتطرفة توجد منطقة وسطى هي ما يمكن أن نطلق عليه منطقة : " نثمن وننتقد" أو "ننتقد ونثمن"..هذه المنطقة الوسطى هي التي تليق بمن تهمه حقا المصلحة العليا للوطن من قبل أي مصلحة ضيقة أخرى.

مثل هذه المنطقة الوسطى التي تجمع بين التثمين والنقد هي التي تحتاجها بلادنا في مثل هذا الوقت،  وهي التي يحتاجها النظام القائم حاليا، ومن الضروري لمن أراد تأشيرة دخول لهذه المنطقة أن يتمتع بالصفات التالية :
 ـ أن لا يكون في ماضيه أي شبهة فساد أو تزلف أو تطبيل؛

ـ أن لا يكون قد عُرِف عنه أي نشاط قبلي أو جهوي أو شرائحي؛

ـ أن لا يكون من طائفة السلبيين العدميين أو المثبطين أو المكتفين بالتفرج على ما يجري في البلد من أحداث دون أن تكون لهم أي ردة فعل؛ 

ـ أن يكون من المؤمنين بأهمية الإصلاح الآمن والمتدرج، وكذلك من المقتنعين بأن إصلاح المجتمع يبدأ أولا بإصلاح النفس؛

ـ أن يكون على استعداد للتبرع بساعة على الأقل من كل أسبوع للخدمة العامة؛

خلاصة القول هي أننا في هذا الظرف من تاريخ البلد بحاجة ماسة إلى حراك سياسي جديد تنشط فيه مجموعة من الموريتانيين بالمواصفات المبينة أعلاه، على أن يمتلك هذه الحراك من القدرات والمؤهلات والشجاعة والجرأة ما يمكنه من تثمين وتسويق المنجز وانتقاد ما يحصل من أخطاء و تقصير مع الضغط لتصحيح ما يحصل من أخطاء وتقصير.

إننا بالفعل بحاجة إلى حراك سياسي جديد يرفع شعار "نُثَمن وننتقد" أو "نَنتقد ونثمن".

حفظ الله موريتانيا... 

الأحد، 2 مايو 2021

عن بطء العمل الحكومي


قال معالي الوزير الأول على هامش زيارة نظمها لوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي يوم الاثنين الموافق 26 إبريل 2021 إن وتيرة تنفيذ برنامج فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بطيئة. وأكد معالي الوزير الأول ـ حسب ما نشرته الوكالة الموريتانية للأنباء ـ أن ذلك البطء لا يعود إلى نقص في الوسائل ولا غياب الإرادة السياسية القوية، وإنما يعود حسب التشخيص الموضوعي الذي قيم به بعد عشرين شهرا من عمل الحكومة (ثلث المأمورية) إلى قصور في الإدارة التي هي أداة كل عمل حكومي ناجح وناجع
.

بعد ذلك بيومين أكد معالي وزير الشؤون الاقتصادية وترقية القطاعات الإنتاجية على هامش تعليقه على بيان مجلس الوزراء أن التأخر الملاحظ في تنفيذ المشاريع يعود بنتيجة سلبية على ميزانية الدولة وعلى صورتها في الخارج.

إن هذا التشخيص الذي قدمه معالي الوزير الأول ووزير الاقتصاد يستدعي أن يتبعه ـ وبشكل فوري ـ العلاج، فما هو العلاج المقترح؟ وهل بدأ تقديمه أم أن تقديمه سيعاني هو أيضا من بطء في التنفيذ؟

تزامنت تصريحات معالي الوزير الأول ووزير الاقتصاد مع خبر غريب تناولته بعض الوكالات الدولية مفاده أن زعيم كوريا الشمالية "كيم جون أون" أعدم أحد الموظفين الحكوميين بعد تأخره في إنهاء مشروع يتعلق بتجهيز أحد المستشفيات.

ذلكم كان مجرد قوس فتحته، فكوريا الشمالية ليست نموذجا يحتذى به، وما يصلح لها لا يصلح لنا، فلنغلق القوس، ولنعد إلى تصريحات معالي الوزير الأول ووزير الاقتصاد التي اتفقت على وجود بطء في أداء العمل الحكومي.

بدءا لابد من التذكير بحقيقة أظن أنه لا خلاف عليها، وهي أن الوزراء وكبار المسؤولين في هذا العهد قد مُنحوا صلاحيات واسعة، على عكس ما كان يحدث في السابق. هذه الحقيقة يجب أن تترتب عليها ضريبة ما، وتلك الضريبة هي أن يتحمل كبار الموظفين مسؤولية أي تقصير قد يقع خلال تأديتهم لمهامهم، وأن يحاسبوا على ذلك التقصير، فتلكم هي ضريبة منح الصلاحيات الكاملة.

وحتى ندرك خطورة هذا البطء الملاحظ الذي تحدث عنه معالي الوزير الأول ووزير الاقتصاد علينا أن نُذكر بأن تنفيذ برنامج فخامة رئيس الجمهورية الذي تعهد به للشعب الموريتاني محكوم بسقف زمني محدد، لا يتجاوز خمس سنوات، وهو ما يعني أن أي بطء في وتيرة التنفيذ خلال العشرين شهرا التي مضت (ثلث المأمورية)، لابد وأن يؤثر على الثلثين الباقيين، ومن هنا تبرز ضرورة الإسراع في تقديم علاج ناجع لهذا البطء الملاحظ.

لكي ندرك أكثر خطورة البطء في التنفيذ دعونا نأخذ هذا المثال المبسط:

تصوروا مثلا أن شخصا ما أعطى لمقاول ما 20 مليون أوقية قديمة ليشيد له منزلا خلال عام، مع راتب شهري قدره 200 ألف أوقية كل شهر، أي 2400000 للعام. لما جاء هذا الشخص إلى المقاول بعد نهاية السنة وجد العشرين مليون أوقية لم تنقص أوقية واحدة، ولكن المنزل لم يُشيد، في حين أن المقاول سيأخذ رواتبه لكل أشهر السنة.

تصوروا أيضا أن نفس الشخص أعطى مبلغا مساويا لمقاول آخر وبنفس الراتب ولما جاءه نهاية السنة وجده شيد المنزل مع عمليات احتيال وغش في النوافذ والأبواب تقدر في المجمل بمليون أوقية.

البعض قد يعتبر المقاول الأول مستقيما وأمينا وأنه أفضل من المقاول الثاني، والحقيقة أن ما أهدره المقاول الأول من مال الشخص المذكور يفوق ما سرقه المقاول الثاني بكثير.

إن إهدار الوقت ـ خصوصا إذا كان هذا الوقت محددا بسقف زمني لا يتجاوز خمس سنوات ـ قد لا يقل خطورة عن نهب المال العام، بل إنه في بعض الأحيان قد يكون أكثر خطورة من نهب المال العام.

لقد تعهد رئيس الجمهورية للشعب الموريتاني ببرنامج انتخابي يجب أن يتحقق خلال خمس سنوات، ومن هنا فإنه من الواجب على كل قطاع حكومي أن يتولى إنجاز حزمة من التعهدات التي تضمنها ذلك البرنامج الانتخابي، وأن لا يتأخر في إنجاز تلك الحزمة، فبذلك، وبذلك وحده سيفي رئيس الجمهورية بتعهداته للشعب الموريتاني مع نهاية مأموريته. وحتى يكون بالإمكان محاسبة كل قطاع وزاري محاسبة دقيقة على ما أهدر من وقت ومال، وعلى ما أخل به من تعهدات رئيس الجمهورية فإنه على كل قطاع أن يتعهد بإنجاز حزمة محددة من المشاريع خلال سقف زمني محدد، وبكلفة مالية محددة، وحينها سيكون بالإمكان محاسبة القائمين على ذلك القطاع بشكل دقيق.

لتوضيح الأمر أكثر دعونا نفترض مثلا أن الوزير (س) حدد 5 مشاريع ستنجزها وزارته خلال العام 2021، وبكلفة إجمالية تصل إلى 5 مليار أوقية قديمة.

ولنفترض مثلا أن التفتيش اهتم بمستوى الإنجاز، فنظم زيارة في الشهر السادس من العام 2021 لتلك الوزارة، فوجد أن مستوى الإنجاز، وبالمعايير المتفق عليها وصل إلى 45% مثلا، وبأنه في يوم 31 ديسمبر 2021 وصل إلى مستوى 95% مثلا . هنا يبدأ التدقيق المالي فإذا كانت الموارد المتبقية من المشاريع، أي 5% موجودة في حسابات الوزارة، فهذا يعني أن هذا الوزير يعتبر وزيرا مثاليا قل نظيره، ومثل هذا الهامش في تأخر الإنجاز مقبول ومبرر.  أما إذا كانت الأموال غير موجودة، فهذا يعني أن الوزير وموظفي وزارته اختلسوا 250 مليون من المال العام، مع مستوى إنجاز كبير يصل إلى 95%.

الآن لنفترض أن الوزير (ص) حدد أيضا حزمة من المشاريع تصل إلى 5 مشاريع، وبكلفة مالية تقدر ب 5 مليارات أوقية قديمة، مع سقف زمني يصل إلى سنة.

لنفترض أنه بعد 6 أشهر كان الإنجاز في هذه المشاريع لا يتعدى 5% ، وأنه في يوم 31 ديسمبر 2021 وصل مستوى الإنجاز إلى 13% مثلا. بعد التدقيق المالي وُجِد أن المبلغ المتبقي الذي يمثل 87% ( 4 مليار و35 مليون أوقية) موجود بالكامل ولم تنقص منه أوقية واحدة.

في العادة يتم وصف الوزير (س) بالمفسد، وتشن عليه الحملات، وهذا طبيعي جدا لأنه اختلس 250 مليون أوقية من مال الشعب، ولكن ما هو غير طبيعي أن لا يتم الحديث بشكل سلبي عن الوزير (ص) رغم أن عجزه وسوء تسييره كلف خزينة الدولة أضعاف ما سرقه الوزير (س) . فكل ما أنفقته الدولة كرواتب للوزير (ص) وعمال وزارته، وكل ما تم إنفاقه من علاوات و ملتقيات وأسفار على العمال في الوزارة (ص) خلال العام 2021 لم يعد بنتيجة على المواطن، وهو في حقيقة أمره يعتبر مالا مهدورا.

ليس هذا فقط، فبالإضافة إلى كل ذلك فإن هذه النسبة الضعيفة من الإنجاز للوزير (ص) ستَحْرِمُ البلاد من موارد مالية كان بالإمكان أن تحصل عليها من شركائها في التنمية، ولكن البطء في تنفيذ المشاريع سيحرمها من تلك الموارد، وهو ما أشار إليه وزير الاقتصاد في تعليقه على بيان مجلس الوزراء.

ختاما

بما أن كل عملية تشخيص يتبعها في العادة تحديد العلاج وتقديمه، فهذه بعض المقترحات التي قد تكون مفيدة في علاج البطء الملاحظ في الأداء الحكومي:

1 ـ لابد من محاسبة المسؤولين عن هذا البطء، فمنح صلاحيات واسعة يجب أن يتبعه حساب عسير في حالة أي تقصير؛

2 ـ لابد من محاربة الفساد الإداري وإعادة الاعتبار لأصحاب الكفاءة من ذوي الأيادي النظيفة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالوظائف الفنية، والتي يجب أن تبعد بشكل كامل عن السياسة؛

3 ـ لابد من ابتداع آليات جديدة في محاسبة المسؤولين، على أن لا تقتصر تلك المحاسبة على ما يتم نهبه من مال عام، بل تمتد لتشمل المحاسبة على ما يتم إهداره من وقت.