الاثنين، 6 يناير 2014

ثلاثة دروس للمعارضة الموريتانية


لا خلاف على أن المعارضة الموريتانية، خاصة منها تلك التي كانت تناضل من قبل انقلاب 3 أغسطس 2005، قد قدمت تضحيات كبيرة في سبيل إرساء الديمقراطية في موريتانيا. ولا خلاف على أن التضحيات التي قدمها القادة، على وجه خاص، كانت تضحيات عظيمة لا يمكن لأي كان أن يقلل من قيمتها، ولا من حجمها.

لا خلاف على ذلك، ولكن لا خلاف أيضا على أن قادة أحزاب المعارضة قد تناوبوا جميعا، وفي لحظات حاسمة من تاريخ المسار الديمقراطي في موريتانيا، على ارتكاب أخطاء جسيمة انعكست سلبا على الانتقال الديمقراطي. وهي ذات الأخطاء التي ما يزال الشعب الموريتاني، وحتى يومنا هذا، يدفع كلفتها الباهظة.
والمتتبع لتلك الأخطاء ولتسلسلها الزمني ربما يتخيل ـ وله الحق في ذلك ـ بأن هناك اتفاقا سريا بين أحزاب المعارضة وقادتها على تبادل الأدوار،  وعلى ارتكاب الأخطاء الفادحة كلما لاحت فرصة خاطفة لإمكانية إحداث التغيير في هذه البلاد المتعطشة للتغيير.
إن هذا التناوب العجيب والمنتظم من طرف أحزاب المعارضة الموريتانية على ارتكاب الأخطاء قد زاد من يأس وإحباط الكثير من الموريتانيين، بل إنه جعل البعض منهم يعتقد بأن الجهود التي تقوم بها المعارضة الموريتانية من أجل وأد الديمقراطية في موريتانيا قد لا تقل خطورة عن تلك التي تقوم بها السلطة الحاكمة.
ولذلك فإنه على المعارضة الموريتانية، وبكل أطيافها، أن تنسى الآن مصالحها الحزبية الضيقة، وأن تقدم تضحيات كبيرة للوطن ولديمقراطيته المتعثرة، وإن قامت بذلك فإن الشعب الموريتاني لن يتأخر في مسح كل ما علق بذاكرته من تلك الأخطاء التي تناوب قادة المعارضة وأحزابها على ارتكابها. أما إذا تمادت في ارتكاب المزيد من الأخطاء، في مثل هذه اللحظة الحرجة، فإن الشيء الذي سيبقى عالقا في ذاكرة الشعب الموريتاني، لن يكون بالتأكيد هو تلك التضحيات العظيمة التي قدمتها المعارضة الموريتانية في الماضي، وإنما سيكون تلك الأخطاء الفادحة التي تم ارتكابها في حق الوطن، وفي حق ديمقراطيته الناشئة.
وعلى المعارضة الموريتانية أن تعلم بأن موريتانيا تعيش اليوم لحظة حرجة من تاريخها. وفي اللحظات الحرجة من تاريخ الشعوب والأمم تكون أخطر الجرائم التي يمكن أن يرتكبها القادة والزعماء السياسيون هي أن يستحضروا خلافاتهم الشخصية، أو أن يغلبوا مصالحهم الشخصية أو الحزبية على المصلحة العليا للبلاد.
هذه ليست لحظة يمكن أن نبحث فيها عن مصالح شخصية، ولا أن نتنافس فيها من أجل تحقيق مصالح حزبية. هذه لحظة تضحيات، ليس إلا. ونحن إن تأخرنا الآن - شبابا وأحزابا ومنظمات ونقابات- عن تقديم التضحيات، فإن موريتانيا ستضيع، ستضيع إلى الأبد، لا قدر الله. وعندما تضيع موريتانيا، فإن كل مكاسبنا الشخصية التي جمعناها خلال رحلة تكسبنا ستضيع هي أيضا، بالتأكيد.
وقد يكون من المهم جدا أن نشير هنا إلى أن تقديم التضحيات هو الطريق الأكثر أمانا لتحقيق المصالح الحزبية الخاصة، حتى وإن كان ذلك قد لا يظهر بشكل واضح لحظة تقديم تلك التضحيات. كما أنه لا يفوتنا أيضا  أن نشير إلى أن التقاعس عن تقديم التضحيات، والبحث عن مصالح خاصة من خلال تقديم تنازلات أو إبرام صفقات سرية أو علنية مع السلطة القائمة، لن يأتي بمصالح، خاصة لمن لا يبحث إلا عن مصالحه الخاصة.
إن البحث عن تحقيق مصلحة حزبية ضيقة تمنحها سلطة قائمة، لم تُعرف  بكرمها في هذا المجال، هو الذي جعل البعض يرتكب أخطاءً فادحة انعكست سلبا على المسار الديمقراطي في بلادنا، ومع أن الذي يحصل دائما هو العكس؛ فالسلطة القائمة أثبتت أنها أكثر ميلا  وأكثر تحمسا إلى إذلال كل من قدم لها خدمة بدلا من منحه أي مكاسب خاصة، حتى ولو كانت مجرد مكاسب هزيلة.
ولو أن أحزاب المعارضة عملت على استعادة الثقة في ما بينها، ولو أن المعارضة الموريتانية في مجموعها استعادت الثقة في نفسها، ولو أنها - بعد استعادة تلك الثقة المفقودة- اتفقت على إستراتيجية واضحة المعالم، لتمكنت هي نفسها من الوصول إلى السلطة، وبالتالي إلى تقاسم السلطة ومنافعها دون الحاجة إلى إبرام صفقات مشبوهة مع سلطة أثبتت أنها ليست وفية إطلاقا لا في عقودها، ولا في صفقاتها.
وإن من أهم الآليات التي قد توصلنا إلى فرض التناوب السلمي على السلطة ثقة المعارضة في نفسها، وعملها على أن تكتسب ثقة الشعب الموريتاني، ومن المؤكد أن ذلك لن يكون من خلال اتخاذ مواقف متباينة ومتناقضة في كثير من الأحيان.
إن ما حدث من انقسام بين أحزاب المعارضة في الانتخابات التشريعية والبلدية الماضية شكل كارثة حقيقية على الديمقراطية في موريتانيا، وأعادها عشرات السنين إلى الوراء. ومما يؤسف له كثيرا أن بعض الأحزاب المعارضة، التي كان يعول عليها كثيرا في انتزاع عدد مهم من النواب والمستشارين والعمد، هي من سارعت إلى خيار المقاطعة،  في حين أن بعض الأحزاب المعارضة، التي كان يعول عليها في إعطاء زخم إعلامي واحتجاجي كبير للمقاطعة من خلال قدرتها على الحشد والاحتجاج، هي من سارعت إلى خيار المشاركة.
 وكانت النتيجة في المحصلة النهائية هي أن من شارك لم يستطع - بمشاركته-  أن ينتزع للمعارضة نسبا مرضية في المجالس المنبثقة عن انتخابات 23 من نوفمبر، ومن قاطع لم يستطع أن يربك – بمقاطعته- سير العملية الانتخابية.
إن الدرس الأول الذي يجب أن تستخلصه المعارضة الموريتانية من انتخابات 23 من نوفمبر، هو أنها إن لم تقاطع، وبكل أحزابها، فإنه لن يكون لمقاطعتها أي معنى، وإن لم تشارك، وبكل أحزابها، فإنه لن يكون لمشاركتها أي معنى.
أما الدرس الثاني الذي على المعارضة الموريتانية أن تستخلصه من انتخابات 23 من نوفمبر هو أن السلطة القائمة لن تقدم أي تنازلات مهما كان حجمها إذا ما دخلت في حوار مع معارضة لا تتفق على رؤية موحدة. إن من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل حوار السلطة مع منسقية المعارضة، هو أن حزب "تواصل"  كان قد أعلن بأنه سيشارك في الانتخابات التشريعية والبلدية من قبل بدء الحوار مع السلطة. كما أن السلطة كانت قد توصلت بأن اتحاد قوى التقدم سيشارك هو أيضا في الانتخابات، وبالطبع فإن مشاركة تواصل واتحاد قوى التقدم كانت ستجر إلى مشاركة بقية أحزاب المنسقية، ولكن الشيء الذي حصل فيما بعد هو أن اتحاد قوى التقدم قد تمكن في اللحظة الأخيرة من اتخاذ قرار حازم بالمقاطعة، وهو القرار الذي شكل سدا منيعا ضد مشاركة بقية أحزاب منسقية المعارضة.
لقد دخلت السلطة في حوار مع المنسقية وهي تعتقد جازمة بأن أحزاب المنسقية ستشارك في النهاية في انتخابات 23 من نوفمبر، فلماذا تقدم سلطة لم تعرف بكرمها تنازلات لأحزاب تعلم بأنها ستشارك في نهاية المطاف في انتخابات 23 من نوفمبر؟
أما الدرس الثالث الذي يجب على المعارضة الموريتانية أن تستخلصه فهو أن الحوار مع السلطة القائمة، بل وإبرام اتفاق معها، لن تكون له أي فائدة تذكر، حتى ولو كان ذلك الاتفاق مليئا بالتنازلات والتعهدات الكبيرة، هذا إذا لم تكن لدى المعارضة وسائل ضغط كافية لإجبار السلطة على الالتزام الحرفي بما قدمت من تنازلات وتعهدات.
ولذلك فإن أي دعوة للحوار مع السلطة لن تأتي بأي نتيجة تذكر ما لم يسبق تلك الدعوة حوار واسع بين الطيف المعارض لا يقتصر فقط على الأحزاب السياسية المعارضة، بل يمتد ليشمل النقابات وهيئات المجتمع المدني وكل الحركات والقوى الشبابية، وكذلك بعض الشخصيات الوطنية المستقلة، وذلك من أجل خلق حلف واسع أو جبهة وطنية قوية قادرة على أن تنتزع من السلطة القائمة كل التنازلات اللازمة لتنظيم انتخابات رئاسية شفافة تختلف عن الانتخابات التشريعية والبلدية الماضية، وإجبارها (وهذا هو الأهم) على الالتزام الكامل بتلك التنازلات.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق