السبت، 25 يناير 2014

بيان طائش!!


لم أكن أصدق بأنه يمكن لمجموعة من الموريتانيين أن تصدر بيانا كذلك البيان الطائش الذي صدر يوم الأربعاء 22 يناير 2014، والذي وقعته ثلاث منظمات حقوقية وحركة سياسية وهي على التوالي: رابطة النساء المعيلات للأسرـ الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان ـ ضمير ومقاومة ـ نجدة العبيد.

كان هذا البيان طائشا ومستفزا، ومما يزيد من طيشه بأنه كان قد جاء بعد صمت مريب وغريب لهذه المنظمات الحقوقية عن فاجعة مؤلمة حدثت منذ ما يزيد على  ستة عشر شهرا (المجزرة التي ارتكبها الجيش المالي ضد مجموعة من الدعاة الموريتانيين). كما جاء أيضا بعد عام على بيان طائش آخر كانت هذه المنظمات قد أصدرته للتعبير عن موقفها من الحرب التي قادتها فرنسا ضد القاعدة في الشمال المالي.
ففي يوم 9 سبتمبر من العام 2012 ارتكبت فرقة من الجيش المالي مجزرة ضد جماعة من الدعاة الموريتانيين، وهي المجزرة التي أجمع الكل على إدانتها باستثناء هذه المنظمات الحقوقية التي بخلت بإصدار بيان من سطر أو سطرين، ورفضت أن تعلق على تلك المجزرة البشعة ولو بشطر كلمة، وذلك رغم أن منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية دانت وبشدة قتل الدعاة، ووصفته بأنه "عمل فظيع"، وطالبت هذه المنظمة بوقف الجنود ورؤسائهم ومحاسبة الجميع، وبضرورة تطبيق العدالة على الجناة وبشكل سريع.
تجاهلت المنظمات الحقوقية تلك الجريمة البشعة، ولم ترق قلوب أصحابها لأسر الضحايا، ولكنها في المقابل، وبعد ذلك بأشهر، ستصدر بيانا قويا لتأييد فرنسا في حربها في الشمال المالي، وهو البيان الذي عنونته ب"تحرير مالي حرب العادلين ضد الامبريالية السلفية الجديدة".
رقصت هذه المنظمات الحقوقية على طبول الحرب في مالي، وطالبت من الحكومة الموريتانية أن تدعم تلك الحرب، كما طالبت من الشعب الموريتاني أن يرقص وأن يغني لمواجهة "السلفية الجديدة".
ولعل أغرب ما في ذلك البيان المطبل للحرب الفرنسية هو أنه صادر عن منظمات تدعي بأنها منظمات حقوقية، ومن المعروف وفي كل بقاع العالم بأن المنظمات الحقوقية قد عُرفت بمعارضتها الشديدة والمبدئية لكل أشكال الحروب، بما في ذلك تلك الحروب التي لا يمكن لأي كان أن يشكك في شرعيتها، فلماذا شذت منظماتنا الحقوقية عن كل المنظمات الحقوقية في العالم وسارعت إلى دعم حرب لا يتفق الجميع على شرعيتها؟
ومن الغريب أيضا أن هذه المنظمات تحدثت في بيانها الراقص على إيقاع الحرب في شمال مالي عن مسلسل تعريبي غادر تحاول السلفية الجديدة أن تفرضه، ومن المعروف أيضا بأن ما تصفه تلك المنظمات بالسلفية الجديدة لا يعرف عنه أي اهتمام خاص باللغة العربية، ولم يهتم بتعريب الأمصار التي فتحها.
هذا الحقد الذي أظهرته هذه المنظمات على اللغة العربية بدا واضحا بعد إصدار البيان الأخير، والذي أثبت بأن هذه المنظمات تعاني من جهل فظيع لهذه اللغة، حيث أنها لم تستطع أن تكتب جملة واحدة سليمة لغويا في بيانها الطويل العريض الذي طالبت فيه بإطلاق سراح كاتب المقال المسيء دون أي متابعة له، وبتوفير الحماية له بعد ذلك.
وهنا لابد من أن أسجل بعض الملاحظات السريعة على هذا البيان الطائش:
1 ـ   النسخة العربية من البيان كانت رديئة جدا، وحالت دون فهم الكثير مما جاء في هذا البيان، وبدت هذه النسخة وكأن الذي كتبها هو شاب غربي حديث العهد بتعلم اللغة العربية.
2 ـ على الحقوقيين أن يعلموا بأن أسمى حقوقنا كمسلمين هو الدفاع عن حقوق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن لم يدافع عن تلك الحقوق فلا حاجة لنا به لأن يدافع عن أي حقوق أخرى.
3 ـ من السخيف جدا أن تختزل الاحتجاجات الحالية في تيار سياسي واحد، فهذه القضية تعني كل الموريتانيين، بل وكل المسلمين في العالم، وذلك لأنها تسيء إلى نبيهم ورسولهم وحبيبهم محمد صلى الله عليه وسلم.
4 ـ  إن الذي عليه أن يعود إلى "تقاليد الإسلام السمحة" هو من وقع على هذا البيان، وليس الشعب الموريتاني المعروف بتشبثه بدينه وبقيمه وبحبه لرسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام. ففي هذا البيان صدرت الكثير من العبارات المقلقة فالرسوم المسيئة يطلق عليها الموقعون على البيان : " قضية الكاريكاتور الدانماركي"، والمقال المسيء يطلقون عليه : "خطاب ولد أمخيطير" ، وما جاء في هذا المقال المسيء وصفه الموقعون على البيان  بالتحليل الذي خلص صاحبه إلى أن : "المعاملة المزموع طائفيتها و قبليتها والتي واجه الرسول صلي الله عليه وسلم يهود الحجاز تماثل تعامل الزوايا مع فئة المعلمين في المجتمع البظاني"، حتى العمامة التي ظهر بها الرئيس تم وصفها بأنها عمامة سلفية!!
5 ـ من كتب هذا البيان قد كتبه لجهة أخرى غير الشعب الموريتاني، ويظهر ذلك من خلال تحويل كاتب البيان للأربعة ملايين التي وعد بها رجل أعمال لمن يقتل كاتب المقال المسيء إلى عشرة آلاف أورو، وذلك لكي يعرف من وُجه إليه البيان القيمة الحقيقية للمبلغ المذكور، وبالعملة التي يتعامل بها، وإلا فما حاجة الشعب الموريتاني لأن تحدد له قيمة الأربعة ملايين بالأورو؟ كما يظهر ذلك أيضا من خلال وصف مدينة نواذيبو بأنها مدينة سياحية ومن أهم مراكز النشاط الاقتصادي في البلد.
وتبقى ملاحظات أخرى موجهة لغير الموقعين على البيان:
ـ إن ما قام به رجل الأعمال المذكور من تحديد مبلغ لمن يأتيه برأس كاتب المقال المسيء هو عمل مسيء ويستحق الإدانة.
ـ إن خير كلمة يمكن أن ترفع على لافتة هي : "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، ولا يحق لأي كان أن يطلب من المحتجين بأن لا يرفعوها في مسيراتهم، ولكن على الجميع أن يعلم بأن هناك لونا معينا وطريقة معينة لكتابة لا إله إلا الله محمد رسول الله أصبحت ترمز إلى القاعدة وإلى علمها، ولذلك فيجب أن يتم تجنب ذلك اللون وتلك الطريقة في مثل هذه المسيرات.
ـ يقول البعض بأن قضية المقال المسيء قد تكون من القضايا التي تثيرها السلطة من حين لآخر لشغل المواطنين عن الأزمات التي يعيشها البلد. هذا كلام لا أنفيه، ولا أجزم به، ولكن وفي كل الأحوال فهذا لا يمنح مبررا لتجاهل هذا المقال المسيء الذي يشكل إساءة لكل موريتاني، وعلى أولئك الذين يعتقدون بأن للسلطة علاقة بالموضوع بأن لا يتخذوا ردة فعل سلبية، وإنما عليهم أن يتصرفوا بذكاء حتى ينقلب السحر على الساحر.

حفظ الله موريتانيا..     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق