في يوم الثلاثاء الموافق 27 أكتوبر اتصل الوزير الأمين
العام للرئاسة هاتفيا برئيس المنتدى ودعاه إلى لقاء، ولقد كان من المفترض برئيس
المنتدى أن يلبي تلك الدعوة بعد ساعات، أو بعد يوم أو يومين على أكثر تقدير، ولكن
ذلك لم يحدث، ولقد احتاج المنتدى لشهر كامل، ولكثير من الاجتماعات والمشاورات داخل
قطبه السياسي من أجل تقديم رد على هذه المكالمة، والتي يبدو أن الرد عليها قد
يتسبب في انشقاق داخل المنتدى.
فهل كان الرد على هذه المكالمة يحتاج إلى شهر كامل من
المشاورات واللقاءات؟ وهل يمكن أن نتقبل من أكبر تجمع للمعارضة أن يتصدع بسبب
مكالمة؟ وهل ما يحدث الآن من نقاش حاد ومن جدل محتدم هو بسبب المكالمة أم أنه بسبب
أشياء أخرى لم يكن يُراد لها أن تطفو على السطح، ولكن هذه المكالمة جعلتها تطفو
على السطح؟
إن ما يجري الآن من نقاش متشعب حول هذه المكالمة
ليستدعي تقديم بعض الملاحظات التي قد تفسر أو تجيب على عدد من الأسئلة التي تطرح
في هذه الأيام.
1 ـ كان بإمكان
رئيس المنتدى أن يرد على دعوة الوزير الأمين العام للرئاسة ودون العودة إلى أي قطب
من الأقطاب الأربعة، فالرد على تلك المكالمة هو من صلاحيته، وهو فوق ذلك يشكل
استجابة لمطلب للمنتدى، ففي الرسالة الجوابية التي بعث بها الرئيس الدوري السابق
للمنتدى، والتي كانت كل الأقطاب قد اتفقت على مضمونها، بل وشاركت في صياغتها، في
تلك الرسالة طلب الرئيس الدوري السابق للمنتدى من الحكومة أن تستأنف اللقاءات
الممهدة للحوار، ولم يشترط لاستئناف تلك اللقاءات ردا مكتوبا، وبهذا يمكن اعتبار
دعوة الوزير الأمين العام للرئاسة ما هي إلا استجابة لطلب سابق للمنتدى. كان
بإمكان رئيس المنتدى أن يرد على الدعوة دون العودة إلى الأقطاب، ولكن حرص رئيس المنتدى
على التشاور مع الجميع جعله يعرض أمر المكالمة على رؤساء الأقطاب، فكان ما كان.
2 ـ إن الرد على المكالمة لا يحتاج إلى مشاورات ولا
إلى إجماع داخل المنتدى، ومن يقول بذلك إنما يغالط الرأي العام. إن الذي يحتاج إلى
إجماع هو رفض اللقاء، وذلك لأن رفض اللقاء لا يمكن أن يتم إلا بإلغاء الطلب الذي
جاء في رسالة الرئيس الدوري السابق، وذلك الطلب لا يمكن إلغاؤه إلا إذا اجتمعت كل أقطاب
المنتدى، وقررت ـ وبالإجماع ـ أن تلغي ما جاء في الرسالة المذكورة.
ثم إن القطب السياسي لم يكن هو أيضا بحاجة إلى كل هذه
الاجتماعات والمشاورات والوساطات، ولكن حرص هذا القطب على تماسك المنتدى هو الذي
جعله يبذل كل هذا الجهد من أجل أن يقنع حزب "التكتل" و
"إيناد" بضرورة الموافقة على اللقاء بالوزير الأمين العام للرئاسة.
3 ـ في إطار البحث عن الإجماع على قرار لم يكن يستحق أصلا
لا التشاور ولا الإجماع اضطر القطب السياسي للقبول بشرط تقدم به رئيس حزب "التكتل"،
ولكن هذا القطب فوجئ من بعد قبوله لذلك
الشرط بعدم التزام رئيس حزب "التكتل" بما كان قد تعهد به للقطب السياسي. لقد فوجئ القطب السياسي بالرسالة
التي حملها نائب رئيس حزب "التكتل"، والتي تنصل فيها الحزب من تعهدات
رئيسه. لقد أبلغ نائب رئيس الحزب القطب السياسي بأن حزب "التكتل" يرفض
أي لقاء بالوزير الأمين العام للرئاسة، وبأن ذلك هو قراره الأخير والنهائي.
4 ـ لقد كانت هناك محاولات عديدة خلال شهر كامل من أجل
أن يخرج المنتدى بموقف موحد وجامع، ولقد كان من بين تلك المحاولات أن يترك للتكتل
الحق في أن يصدر بيانا لتسجيل تحفظه على لقاء الوزير الأمين العام للرئاسة، ولكن "التكتل"
رفض أيضا ذلك المقترح. لقد كانت الوسيلة الوحيدة للمحافظة على الإجماع وعلى تماسك
المنتدى هو أن تتنازل ثلاثة من أقطاب المنتدى عن موقفها الذي أجمعت عليه، ويتنازل 15 حزبا عن موقفه، وأن يرضخ الجميع (ثلاثة أقطاب و15 حزبا
من القطب السياسي) لإرادة "التكتل"، وأن يرفض الجميع لقاء الوزير الأمين
العام للرئاسة، كان ذلك هو المخرج الوحيد الذي أتاحه حزب "التكتل" لشركائه
ولحلفائه لضمان بقاء المنتدى موحدا ومتماسكا.
5 ـ يرى البعض بأن اشتراط الإجماع في قرارات التكتلات
السياسية قد يكون معيقا ومربكا في كثير من الأحيان، وهذا قول صحيح, ولكن من الصحيح
أيضا هو أن مما جرى به العرف أن تتنازل الأقلية لرأي الأكثرية إذا لم يحصل إجماع،
فهذه التكتلات هي في العادة تجمعات لحلفاء لا لخصوم وأعداء، ومن الطبيعي جدا أن
يتنازل المتحالفون بعضهم لبعض في حالة عدم حصول إجماع، ومن الطبيعي كذلك أن يأتي
التنازل من الأقلية، هذا هو ما يجري في تجمعات الأصدقاء، على العكس من التكتلات
التي تجمع الأعداء، والتي يمكن للأقلية فيها أن تستخدم حق "الفيتو" ضد
قرارات الأغلبية، ففي هذه التجمعات لا تكون المصلحة العليا للتجمع هي التي توجه
قرارات الأعضاء، بل إن عرقلة قرارات الخصوم تكون هي الأولى، حتى ولو كانوا على صواب ويمثلون
رأي الأكثرية، ولذلك فلا غرابة أن يتم تكرار استخدام الأقلية للفيتو ضد قرارات الأغلبية، وللأسف هذا هو ما يفعله "التكتل"
الآن في داخل المنتدى.
6 ـ لم يتردد "التكتل"
في إظهار جفائه للمنتدى، وذلك منذ أول يوم تأسس فيه هذا المنتدى، بل أكثر من ذلك فلقد
حاول "التكتل" أن يعيق ميلاد المنتدى، ولقد هدد بالانسحاب منه في مرحلة
التأسيس، وذلك بعد أن تم توجيه الدعوات للشركاء السياسيين وللسلك الدبلوماسي لحضور
الأيام التشاورية التي تم تنظيمها في قصر المؤتمرات، والتي أعلن في ختامها عن
ميلاد المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة.
لقد كان تهديد"التكتل" بالانسحاب من المنتدى في الوقت الأكثر إحراجا، ولقد ظل
"التكتل" يهدد بالانسحاب حتى من قبل يوم واحد من افتتاح الأيام
التشاورية، وكان ذلك من الأمور التي أثارت
استغراب الجميع، ولقد اضطرت اللجنة التحضيرية لأن تتخلى عن أعمالها التحضيرية وأن
تتفرغ في اللحظات الأخيرة لإطلاق الوساطات من أجل إقناع "التكتل" بعدم
الانسحاب. ومما يلاحظ أيضا في هذا المجال أن رئيس حزب "التكتل" لما تولى
الرئاسة الدورية للمنتدى ظل يرفض دائما أن يجتمع بمجلس رئاسة المنتدى، وكانت
اجتماعاته تقتصر بقيادات حزبه، وهو ما أثار استياءً كبيرا في المنتدى. لم يقبل
رئيس حزب "التكتل" بأن يجتمع قي كل مأموريته بمكتب الرئاسة في المنتدى
إلا لمرة واحدة، وذلك بعد طول انتظار، وبعد أن كثر الاحتجاج، ومن المعلوم بأن
اجتماعات رئاسة المنتدى هي في العادة اجتماعات دورية، وقد تتكرر في الأسبوع الواحد
لأكثر من مرة.
هكذا ظل "التكتل" يتصرف داخل المنتدى، وكأن
ليس بالمنتدى شركاء، وإنما به مجموعة من المناضلين في حزب "التكتل"،
والذين يجب عليهم أن يستجيبوا ـ ودون تفكير ـ لكل القرارات التي تأتي من رئاسة حزب
"التكتل" أومن أي هيئة من هيئاته العليا.
7 ـ لقد أكدت تصرفات القادة في حزب "التكتل"
بأن هذا الحزب لا يرغب بأي شكل من الأشكال في أن يشترك في أي حوار مع السلطة
القائمة، حتى ولو قررت أن تستجيب لكل ما جاء في وثيقة الممهدات. هذا هو موقف حزب
"التكتل"، وهو موقف له وجاهته وله ما يبرره، ولكن كان على "التكتل"أن
يعلن عن موقفه صراحة، وأن يدافع عن ذلك الموقف، وأن يحاول أن يقنع حلفاءه بوجاهة
ورجاحة موقفه هذا. أما أن يكتم حزب "التكتل" موقفه ذلك، وأن يعمل في نفس
الوقت من أجل إجبار الآخرين على تبني هذا الموقف، وأن يستخدم لذلك أساليب ووسائل
ليس من العادة أن تستخدم بين الحلفاء والشركاء فذلك هو ما يمكن أن نعيبه على حزب
"التكتل".
لقد أصبح من الواضح جدا بأن كل ما يريده
"التكتل"من البقاء في المنتدى هو استخدام شرط الإجماع من أجل إرباك
المنتدى، وتعطيل كل قراراته ومواقفه التي تحتاج إلى الإجماع. كان على "التكتل"
أن يتصرف مع المنتدى كما تصرف حزب "تواصل" في وقت سابق مع المنسقية،
فلما قرر "تواصل" أن يشارك بمفرده في الانتخابات التشريعية الماضية، وكنتُ من الذين انتقدوه وبشدة على ذلك القرار، قرر
هذا الحزب في الوقت نفسه أن يجمد عضويته في المنسقية، وأن يسمح بذلك لحلفائه
السابقين بأن يتخذوا ما شاؤوا من قرارات. كان بإمكان "تواصل" أن يربك
المنسقية، وأن لا يسمح لها باتخاذ أي قرار ضد الانتخابات إلا من بعد أن تتفكك وأن
تتشكل في إطار جديد، ولكن "تواصل" قرر تجميد عضويته فأتاح بذلك للمنسقية
أن تتخذ ما تشاء من قرارات، ودون أن تتفكك.
8 ـ لقد وقع خلط مقصود بين لقاء الوزير الأول والحوار،
والحقيقة أن لقاء الوزير الأمين العام لا يعني أن الحوار قد انطلق، فهذا اللقاء لا
يتعدى كونه مجرد فرصة للتذكير بأن المنتدى لا يزال ينتظر ردا على وثيقة الممهدات،
كما أنه قد يشكل أيضا فرصة للاستماع إلى
ما سيقدمه الوزير الأمين العام للرئاسة من عروض. وبالطبع فإن هناك احتمالا قويا
بأن لا يقدم الوزير الأمين العام للرئاسة أية عروض، وأن تكون هذه الدعوة هي مجرد
دعوة غير جادة لن يترتب عليها أي جديد فيما يخص تحريك ملف الحوار. إن هذا الاحتمال
يبقى واردا، ولكن في هذه الحالة فإن المنتدى سيكسب أيضا بتلبيته للدعوة، وذلك لأنه
سيمتلك دليلا إضافيا على عدم جدية السلطة في دعواتها المتكررة للحوار.
إن على المنتدى أن لا يترك للسلطة الفرصة لأن تستغل
شعار الحوار كما استغلت في وقت سابق شعار الحرب على الفساد. لقد أخطأت المعارضة
الموريتانية عندما تركت الرئيس عزيز يخدع الشعب الموريتاني، ويظهر وكأنه هو الفارس
الأوحد الذي بإمكانه أن يقضي على الفساد، وأن المعارضة ما هي إلا شلة أو تجمع
لرموز الفساد. لقد كسب الرئيس عزيز في بداية مأموريته شعبية كبيرة من استغلال شعار
الحرب على الفساد، ولقد ساعدته المعارضة على ذلك، ولذلك فإنه على المعارضة أن لا
تترك للرئيس عزيز بأن يظهر وكأنه داعية حوار، وأن المعارضة ما هي إلا تجمع لشلة من
رافضي الحوار . إن على المنتدى أن يحقق واحدا من أمرين في غاية الأهمية، فإما أن
يفرض حوارا جديا وشاملا على السلطة، وإما أن يكشف للشعب الموريتاني بأن السلطة هي
من يرفض مثل ذلك الحوار الجدي.
9 ـ لقد أرسلت
السلطة عدة إشارات إيجابية في الفترة الأخيرة، وهذه الإشارات قد تكون إشارات
إيجابية من أجل إطلاق حوار جدي، وقد تكون مجرد إشارات خداعة لمغالطة الرأي العام
ولخداع المنتدى. وفي الحالتين فإنه على المنتدى أن يختبر حقيقة تلك الإشارات.
إن من بين تلك الإشارات أن لجنة الحوار في السلطة ردت
ببيان إيجابي جدا على تصريحات رئيس المنتدى، وأنها ألغت المرحلة الثانية من مشاورات
السابع من سبتمبر، وأنها أوقفت حملاتها الإعلامية ضد المعارضة، وأنها لم تعد تتحدث
عن ضرورة تجديد مجلس الشيوخ في مطلع العام 2016، وأنها طرقت في هذه المرة باب
المنتدى، وانتظرت لشهر كامل أن يأتيها الرد ، وذلك دون أن تحاول في فترة الانتظار
أن تتسلل من النوافذ، وأن تجري لقاءات سرية من أجل تفكيك وحدة المنتدى، وهو ما
كانت قد عودتنا عليه من قبل.
10 ـ إن من الأسباب التي أدت إلى تأخير الرد على
المكالمة لشهر كامل هو أن رافضي اللقاء داخل المنتدى أرادوا ـ وقد كان لهم ذلك ـ
أن يتحدث الرئيس عزيز في خطاب الاستقلال من قبل أن يحصل رسميا على رد من المنتدى
على دعوة الوزير الأمين العام للرئاسة، ومن المعروف بأن الرئيس عزيز يتصرف بشكل
مزاجي وهو ما قد يؤدي به إلى أن يتحدث عن الحوار بطريقة متشنجة قد تلغي عمليا دعوة
الوزير الأمين العام للرئاسة. لقد نجح الرئيس عزيز في تفادي ذلك في خطاب
الاستقلال، ولا أدري إن كان سينجح في ذلك لمرة ثانية خلال مؤتمره الصحفي الذي
سيعقده بعد ساعات.
11 ـ إن الذين لا يتحمسون للحوار داخل المنتدى هم
أنفسهم الذين لا يتحمسون أيضا للنزول إلى الشارع، وذلك بحجة أن ترك السلطة
لأخطائها قد يغني عن الاحتجاج، وبذلك يكون الشعار المرفوع من طرف هؤلاء: لا حوار ولا
احتجاج!!
حفظ الله موريتانيا..
منذ متى كان رئيس حزب التكتل يكترث للآخرين ؟
ردحذفمنذ متى كانت تهمة مصلحة الغير ؟ خاصة مصلحة الوطن.