الأحد، 22 نوفمبر 2015

حتى لا يتغير مضمون الصراخ!! (تدوينة)

تعرفتُ عليه منذ سنوات، جمعتني وإياه المعارضة في الرأي والجوار في السكن، كنا نلتقي من حين لآخر كأي جارين، وكنا كلما التقينا تحدثنا عن قضايا الشأن العام، وعن أحوال البلاد والعباد. وكنتُ في كل لقاء، ومع كل نقاش،  يُخَيَّل إليَّ أن جاري عندما يتركني، فإن أول شيء سيفعله هو أنه سيذهب للبحث عن متفجرات وعن حزام ناسف، وأنه من بعد الحصول على المتفجرات فإنه سيقضي ما تبقى من أيامه في هذه الحياة الدنيا وهو يتحين الفرص للقاء بالجنرال في واحدة من الإطلالات أو الزيارات التي كان يقوم بها الجنرال من حين لآخر، وكان يُخيَّل إلىَّ أن جاري المعارض عندما يلتقي بالجنرال فإن آخر شيء سيفعله في حياته، هو أنه سيفجر نفسه بطريقة تضمن رحيله هو والجنرال عن دنيانا الفانية.

في لقاءاتنا التي كانت تحدث صدفة،  كان جاري المعارض  يتحدث  في بعض الأحيان بصوت مرتفع جدا، وكان ينتقي أقبح الأوصاف والألقاب عندما يتحدث عن الجنرال، وكان ذلك مما يثير فضول بعض المارة، وكان ذلك مما يحرجني في سلوك جاري المعارض.
في يوم من الأيام، وبينما أنا أتابع إحدى القنوات التلفزيونية المحلية، فإذا بي أفاجأ بمشاهدة جاري المعارض يتوسط مجموعة من المعارضين في فندق من فنادق العاصمة، وذلك للإعلان عن انضمامه مع مجموعته لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وعن إعلان دعمهم اللامشروط للبرنامج الانتخابي للأخ القائد الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
لقد جعلتني تلك الحادثة مع حوادث أخرى مشابهة أتوصل إلى استنتاج مفاده بأن من يكتفي بالهمس بمعارضة السلطة، ويتمكن من الصبر على ذلك الهمس لعدة سنوات عجاف، أي أن نفسه المعارض طويل، لهو خير بطبيعة الحال من ذلك الذي يصرخ بصوت مرتفع جدا بمعارضة النظام لأيام أو لأشهر معدودة ثم يتوقف فجأة عن المعارضة، ويتفرغ من بعد ذلك لحياته الخاصة، مبتعدا بشكل كامل عن الخوض في قضايا الشأن العام، أي أنه يقرر اعتزال السياسية، وأسوأ من هذا الصنف من المعارضين قصيري النفس، ذلك الصنف الذي يقرر رواده ومريدوه أن يصرخ  الواحد منهم ملئ حنجرته لأيام أو لأشهر معدودة في صفوف المعارضة، لا لشيء إلا لكي يلفت إليه الانتباه، وذلك من قبل أن يقرر في اللحظة الحاسمة أن يغير مضمون صراخه، وأن يحوله من صراخ معارض للنظام إلى صراخ مطبل ومصفق للنظام.
إن على كل واحد منا أن يضبط معارضته، وحدتها، ومستوى صوته، بالحجم والمستوى الذي يستطيع أن يحافظ عليه لسنوات. فمن كان قادرا على الصراخ لسنوات عدة فليصرخ بمعارضة النظام، وقليل من يستطيع ذلك، ومن لم يكن قادرا على الصراخ بالمعارضة فليعارض ولكن بصوت هادئ أو هامس حتى، وليحافظ على معارضته الهادئة أو الهامسة لأطول فترة ممكنة، فذلك خير له وللمعارضة من أن يصرخ بمعارضة النظام لأسابيع أو لأشهر معدودة ثم يتوقف من بعد ذلك عن الصراخ بشكل كامل، أو يقرر مواصلة الصراخ، ولكن هذه المرة بمدح النظام وبشتم المعارضة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق