السبت، 14 أبريل 2012

أين الصواب في بيانات حزب "الصواب"؟



لم يختلف البيان الأخير لحزب الصواب، والمنشور في عدد من المواقع الموريتانية، لا من حيث لغته، ولا من حيث مضمونه، عن بعض البيانات السابقة للحزب، والتي ظلت تحاول ـ في مجملها ـ  أن تربط كل مشاكل الكون بشخص الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد" وبرحلاته وبإسفاره التي يقوم بها من حين لآخر.
ومن المفارقات اللافتة، أن حماس حزب الصواب في إصدار البيانات، كلما كانت هناك مناسبة يمكن أن يتم استغلالها لانتقاد الرئيس الإيراني، ظل يصاحبه دائما فتور شديد، عندما يتعلق الأمر بإصدار بيانات تتعلق بقضايا وطنية هامة، كان من المفترض بالحزب أن يصدر بيانات حولها.
إن تحمس حزب الصواب للحديث عن بعض القضايا "القومية"، وعزوفه عن الحديث عن بعض القضايا الوطنية الملحة، ليؤكد بأن هذا الحزب لم يستخلص ـ حتى الآن ـ  الدروس والعبر التي كان من المفترض به أن يستخلصها بعد كل الأحداث الجسيمة التي عاشتها الأمة العربية خلال العقود الأخيرة.
لقد كان من المفترض بحزب الصواب، وبغيره من الأحزاب القومية الأخرى، بدلا من التمادي في أخطاء  كلفتها خسائر كبيرة، أن تقوم بعملية محاسبة ومراجعة شاملة، حتى تضع حدا لتلك الخسائر، والتي ربما تؤدي في النهاية ـ إذا لم يتم التعامل معها بشكل جدي ـ إلى اختفاء تلك الأحزاب من المشهد السياسي، وبشكل كامل.
إن تلك الأحزاب مهددة بالانقراض، إذا لم تتعامل مع مفردات الواقع، ومع لغته الجديدة، بعقلية ثورية تختلف تماما عن العقلية القديمة للحركات القومية، والتي لم تعد تصلح للتعامل مع المفردات الجديدة التي أفرزتها ـ ولا زالت تفرزها ـ الثورات العربية  التي بدأت من تونس، والتي لا نعرف أين ستنتهي (ربما أخصص مقالا خاصا بذلك، إن شاء الله).
وفي انتظار ذلك المقال، فإنه قد يكون من اللازم هنا، أن أقول للأخوة في الصواب بأني لم أكتب هذا المقال للدفاع عن "أحمدي نجاد"، وإنما كتبته من باب النصح للقائمين على الحزب، ولأذكرهم بأن مشاكل وهموم العالم لا يمكن اختزالها في أسفار "أحمدي نجاد"، وأن حل تلك المشاكل لا يمكن أن يتم من خلال إصدار كومة من البيانات المنددة بزيارات "أحمدي نجاد" للجزر الإماراتية المحتلة، أو لزيارته لموريتانيا، أو لأي بلد عربي آخر.
إن مشاكلنا أكثر تعقيدا من ذلك، والبحث عن حلول لها لا يمكن أن يتم من خلال إصدار عدد من البيانات بعدد أسفار الرئيس الإيراني "أحمدي نجاد".
وحتى أثبت لأهل الصواب حسن نيتي، وبأني لم أكتب هذا المقال للدفاع عن الرئيس الإيراني، فإني سأتطوع هنا بالحديث عن أكبر جريمة يرتكبها "أحمدي نجاد" في حقنا كعرب، وهي الجريمة التي تتعلق بموقفه الداعم لدكتاتور سوريا الذي يصر على أن يضحي ببلد بكامله،  ليحافظ على كرسي، لم يكن يستحق أن يقترب منه، لو كانت الأمور في سوريا تسير وفق أي منطق.
فلو كانت الأمور في سوريا تسير وفق منطق سليم لما احتاجت سوريا، وهي المليئة بالرجال الأكفاء، إلى تعديل مادة من دستورها في أسرع عملية تغيير دستور في العالم، لم تدم إلا ربع ساعة، وكان التصويت فيها يجري خلال ثلاث ثوان، لتعدل  المادة 83 من الدستور حتى يكون بإمكان بشار أن يكون رئيسا لسوريا وعمره لا يتجاوز 34 سنة.
ولو كانت الأمور تسير وفق أي منطق، لما تمكن بشار الأسد من أن يصل إلى أعلى رتبة عسكرية في أربع سنوات فقط، متجاوزا بذلك العديد من الرتب العسكرية، لأنه ابن الرئيس. ففي العام 1994 التحق بشار الأسد بسلاح الإدارة في الجيش السوري برتبة نقيب، وفي العام 1995 رُقِي إلى رتبة رائد، وفي العام 1997 أصبح مقدم ركن، وفي العام 1999 وصل إلى عقيد ركن.
ولو كانت الأمور تسير وفق أي منطق لما كانت سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي تقبل بالتوريث، والذي تم رفضه في كل الدول العربية غير الملكية.
وبعد أن أصبح رئيسا لسوريا، وعد طبيب العيون،  بإصلاحات عميقة في العام 2000، ولم ينفذ منها شيئا. وبعد انطلاق الثورة السورية في العام 2011، أي بعد عقد من الزمن، تذكر طبيب العيون بأنه لم ينفذ الإصلاحات التي كان قد وعد بها، فما كان منه إلا أن اعتذر للشعب السوري، ووعد مرة أخرى بإصلاحات جديدة، بنفس الأسلوب السابق، وفي خطاب بائس ضحك فيه كثيرا، وصفق له على ذلك الضحك البرلمان السوري البائس، في لحظة سورية عصيبة، ما كانت سوريا لتعيشها، لولا أنها ابتليت برئيس بائس، وببرلمان أشد بؤسا.
وكان بإمكان بشار أن يتخذ ـ على الأقل ـ موقفا راشدا واحدا، يكفر به عن عقد من الزمن استولى فيه على رئاسة لا يستحقها.
فكان بإمكانه أن يستبق الثورة السورية  بتنفيذ جزء من الإصلاحات التي كان قد وعد بها في العام 2000، ولكن بشار لم يكن أهلا لأن يتخذ موقفا راشدا.
وكان بإمكان بشار أن يتخذ إجراءات استباقية، من قبل اندلاع الثورة السورية. ولقد منحته الثورة  فرصة لم تمنح لغيره من الرؤساء العرب، بعد أن تأخرت لعدة أشهر عن غيرها من الثورات، وبعد أن ظلت النداءات لا يستجاب لها بسبب خوف السوريين الذين كانوا كلما دعوا إلى تظاهرة، لا يحضر إلا العساكر والمخابرات.
فهل تآمرت أمريكا على بشار وحالت بينه وبين تنفيذ إصلاحات كان قد وعد بها قبل عقد من الزمن؟ وهل تآمرت عليه دول الخليج وحالت بينه وبين تنفيذ تلك الإصلاحات؟ وهل كانت قناة الجزيرة هي من يحول بينه وبين الإصلاح خلال عقد كامل من الزمن؟
وإذا افترضنا جدلا بأن سوريا تعرضت لمؤامرة كبيرة من كل أولئك، فلماذا ترك بشار الفجوة بينه وبين شعبه تتسع إلى الحد الذي يقبل فيه شعب بكامله أن يشارك في مؤامرة كبرى ضد وطنه؟ ثم أليس هذا الشعب المتآمر ضد وطنه هو من تربية الأب والابن؟  وأين اختفت كل الجيوش وأجهزة المخابرات السورية التي لم تستطع أن تحرر الجولان، ولا أن تكتشف ـ على الأقل ـ المؤامرة التي كانت تحيكها قناة الجزيرة ودول الخليج  ضد سوريا إلا بعد فوات الأوان؟ ولماذا هانت سوريا حتى أصبح بإمكان كل من هب ودب أن يتآمر عليها، وأن ينجح في مؤامرته؟
إن القوميين في هذا الزمان لم يعد لديهم من شغل إلا الدفاع عن دكتاتوريين أغبياء، من خلال ترديد حجج واهية لم يعد بالإمكان تصديقها في زمن أصبح فيه المتلقي أكثر ذكاء ووعيا ونضجا من كل القادة والزعماء.  
يقول القوميون اليوم، وما أكثر ما يقولون من غرائب، بأن أمريكا، والجزيرة، والصهاينة، والإخوان، ودول الخليج، والناتو، والزنجُ والإفرنجُ والقِفْجَاقُ والصِّقْلابُ والبُشْنَاقُ، والتتارُ، والأتراكُ، والهلاك، والفقراءُ والملاك، والفجارُ، والنساكُ، كما جاء  في رائعة "في القدس"،  للشاعر "تميم البرغوثي"  يتآمرون كلهم على القائد، والزعيم، والمناضل، والمجاهد، والمفكر  بشار، وهذه هي أول مرة تغيب فيها إيران عن حلف من الأشرار كهذا.
إن من يتآمر حقا على سوريا هو بشار والقوميون و"أحمدي نجاد"..
إن من يتآمر حقا على سوريا هم أولئك الذين يريدون أن يضحوا بشعب كامل من أجل أن يبقى بشار جالسا على كرسي اغتصبه منذ ما يزيد على عقد من الزمن، ولم يحاول أن يقوم بأي إصلاح ينسي السوريون عملية الاغتصاب تلك.
وإن أمريكا لتفضل ـ وهذا ما على القوميون أن يعلموه ـ  ألف بشار عن أي رئيس سوري منتخب متصالح مع شعبه وبإمكانه أن يعيد لهذا البلد أمجاده القديمة قدم التاريخ نفسه.
إن ما يهدد أمريكا في المدى المتوسط والبعيد لن يكون رئيسا دكتاتوريا كبشار،  يتعامل مع شعبه كما يتعامل الراعي مع قطيع من الحيوانات. إن ما يهدد أمريكا حقا هو رئيس منتخب يتعامل مع الشعب السوري على أساس أنه شعب عظيم يستحق أن يعيش بكرامة وبحرية تمكنه من أن يبدع ويقدم ما يمكن أن يبهر به العالم، ويهزم به الكيان الصهيوني.
أما ما يخيف أمريكا في المدى القريب، فهو أن تتفكك سوريا، وهذا ما تحاول أمريكا أن تتفاداه، وهذا ما يجب أن يتم إيضاحه، لأن أمريكا لا تقوم بذلك من أجل مصلحة سوريا، التي كانت ـ ولا زالت ـ أمريكا تتمنى زوالها، وإنما تقوم به من أجل مصلحتها هي، ومن أجل مصلحة حلفائها الصهاينة.
إن أمريكا بعد تجربة العراق، أصبحت تفضل  أنظمة دكتاتورية تعاديها بالشعارات فقط، بدلا من تفكيك تلك الدول، لأن تفكيكها سيؤدي إلى تشكيل جماعات ومنظمات قادرة على أن توجه ضربات موجعة لأمريكا ولحليفتها إسرائيل.
إن أمريكا تعلم يقينا بأن المزاج الشعبي في كل الدولة العربية يعاديها ويكرهها كرها شديدا، وتعلم بأنه لن يتأخر في توجيه ضربات موجعة إليها ولإسرائيل كلما غابت تلك الأنظمة الدكتاتورية التي لا تعادي أمريكا إلا بالشعارات الجوفاء، في الوقت الذي تحول فيه بين شعوب المنطقة من أن تعبر بلغة خشنة عن معاداتها لأمريكا.
إن أمريكا تتمنى كل سوء لسوريا، وذلك أمر مؤكد، ولكنها لا تريدها أن تتفكك لأنها تعرف بأن الثمن سيكون مكلفا لها ولإسرائيل.
إن أمريكا لا زالت تتذكر بأنها لم تفقد من الجنود، في ظل حكم  عدوها "صدام حسين" الذي كان يناصبها "العداء" إلا 112 جنديا أثناء "تحرير" الكويت، و52 جنديا خلال غزو العراق واحتلاله. أما بعد سقوط نظام "صدام حسين"، وبعد غياب أي سلطة مركزية فقد تمكن الشعب العراقي من قتل آلاف الجنود الأمريكيين، في فترة أقل من الفترة التي منحت لنظام "صدام حسين".
وإن أمريكا لا زالت تذكر بأن إسرائيل لم تهزم إلا مرة واحدة ، هزمها حزب الله الذي تأسس في فترة غابت فيها السلطة من لبنان.
وإن أمريكا لا زالت تذكر بأنها قد تلقت ضربات موجعة في دول مفككة كأفغانستان والصومال، وبأنها ـ لاهي ولا العدو الصهيوني ـ تلقت في أي يوم من الأيام أي ضربة موجعة من تلك الأنظمة التي كانت ترفع شعارات تبدو وكأنها معادية لها، وإن كانت في حقيقتها على العكس من ذلك تماما.
فقرتان من بيانين لحزب الصواب:
الفقرة الأولى مأخوذة  من بيان لحزب الصواب، تم نشره بمناسبة زيارة "أحمدي نجاد" لبلادنا يوم الأحد، الموافق 25 سبتمبر 2011: "النظام الإيراني الحالي هو نظام الملالي الجاثم في قم وهو الذي يشعل الفتنة تلو الأخرى في كل شبر من منطقتنا،  نظام شهوة ملك كسرى في عينية تخبو تحت رماد الدعوة المذهبية والطائفية التي اجتاحت منطقتنا العربية ريحها الصفراء بدعم وتخطيط استراتيجي منه، بشكل أراد إيصال العرب والمسلمين سريعا إلى فرز وتشرذم أشد فتكا من تقسيم سايس بيكو البغيض، لأنه يقوم على أساس الطائفة والمذهب ويستعيد تاريخا من الصراع والعداوة أنهكا الأمة في آباد قديمة وكادت أن تتعافى منهما في القرون الماضية المتطاولة."
الفقرة الثانية مأخوذة من بيان لحزب الصواب، تم نشره بمناسبة زيارة "أحمدي نجاد" للجزر الإماراتية المحتلة يوم الخميس، الموافق 12 ابريل 2012 "في خطوة استفزازية  طافحة بروح  وعقيدة الاحتلال والتوسع وحنين أحفاد كسرى وابن العلقمي في استعادة إمبراطورية رمتها خيول ذي قار والقادسية في هفوة تاريخية رجيمة، قام رئيس النظام الصفوي  الإيراني يوم أمس بزيارة إحدى  الجزر العربية  الثلاثة المحتلة في الخليج العربي."
تصبحون وأنتم على صواب...

هناك تعليق واحد:

  1. لن تجد الصواب لأنك لست أهلا له ..ولا تبحث عنه ...واصل في عزيزياتك التافهة..والتي تنم عن جهلك ...وجهل من تتحدث بإسمهم ..لاشأن لك باصواب ..لأنك تعيش في غيابات الأخطاء ..ولن تجد الى الصواب سبيلا .

    ردحذف