اختار الحزب
الحاكم وقتا حساسا وعصيبا، وربما يكون من أصعب الأوقات التي تمر على الرئيس عزيز
بعد انتخابه وتنصيبه رئيسا، اختار الحزب الحاكم هذا الوقت بالذات ليشارك في جهود المعارضة المتصاعدة والهادفة إلى
إجبار الرئيس عزيز على الرحيل.
هذا ما تقوله
القراءة المتأنية للبيان الذي وزعه الحزب الحاكم على المواقع والصحف، وأعلن من
خلاله بأنه سيوفد عددا من قادته في أول حملة تحسيسية ينظمها الحزب الحاكم لهذا العام.
والحزب الحاكم
هو ذلكم الحزب ـ إذا ما أردنا أن نعرفه بشكل سريع ـ الموالي بلسانه، والمعارض
بقلبه وبعقله، أو بتعريف أكثر دقة، هو ذلكم الحزب الداعم نظريا للرئيس عزيز،
والمعارض له عمليا.
ولتأكيد ذلك،
دعونا نقرأ الوجه المعارض في الحملة التحسيسة التي أعلن عنها الحزب الحاكم، والتي
سيتحدث عن تفاصيلها في مساء الاثنين هذا، بفندق "عزة آتلانتيك" تحت عنوان:
"حملة التحسيس الوطنية الأولى لسنة 2012 "..
ففي الوقت الذي تحتج
فيه المعارضة، وتقول بأن الرئيس عزيز لا يؤمن باستقلالية القضاء، وتتحدث عن أدلة
كثيرة تثبت ذلك، يقوم الحزب الحاكم بتقديم دليل إضافي للمعارضة من خلال الأسماء
التي أعلن أنها ستقود أول حملة تحسيسية للحزب في العام 2012.
لقد كان من بين
تلك الأسماء اسم الوزير المفترض للعدل "عابدين ولد الخير" ، والذي فرض
عليه الحزب الموالي نظريا، والمعارض عمليا، أن ينشغل في هذه الأيام الحرجة عن
العدل في مهام حزبية تحسيسية.
وتقول المعارضة
بأن من بين الأسباب التي جعلتها تطالب برحيل النظام، هي أنها تريد أن تبعد الجيش
عن السياسة، لكي يتفرغ لمهامه الأمنية والدفاعية، والتي لابد أنها ستتعاظم بعد تفكك مالي..
يقول الحزب
الحاكم إننا سنشغل وزير الدفاع في حملتنا التحسيسية للعام 2012، عن مهامه الأمنية،
وسنرسله إلى ولاية "أترارزة"،
ليقوم بالتحسيس هناك.
معلومة على
السريع : هذه هي أول مرة في تاريخ موريتانيا يشارك فيها وزير الدفاع ووزير العدل
في مهمة حزبية علنية، وفي وقت واحد.
وتقول المعارضة
بأن الهيئات والمحاكم السامية تم تسييسها، ويقول الحزب الحاكم إليكم الدليل: سنرسل
النائب "سيدي محمد ولد محم"
رئيس محكمة العدل السامية، إلى ولاية "تكانت"، ليشارك في حملة التحسيس
هناك، وسنكلف "عبد الله ولد أحمد دامو" عضو اللجنة الوطنية لحقوق
الإنسان، بالتحسيس في العاصمة، وسنرسل "عبد الله ولد خطرة" مفوض حقوق
الإنسان للتحسيس في ولاية "كيدي ماغا".
تقول المعارضة بأن التعليم يزداد انهيارا، وأن منتديات التعليم
التي وُعِد بها منذ ثلاث سنوات لم يعد هناك من يفكر فيها.
يقول الحزب الحاكم هذا صحيح، وإليكم الدليل، فوزير التعليم الثانوي، الأمين العام لحزبنا،
والذي ما كان له أن يجمع بين الوظيفتين سنكلفه بالتحسيس في نواكشوط 3، أما وزير
التعليم الأساسي فسنرسله للتحسيس في "آدرار"، في حين أن كبير وزراء
التعليم قد تم تكليفه بمتابعة الحوار مع المعارضة المحاورة.
بالمختصر المفيد: لا
أحد هنا في حكومة معاليه يهتم بالتعليم.
تقول المعارضة بأن اهتمام الرئيس عزيز بالتكوين المهني ما هو إلا
مجرد شعارات، حتى ولو تظاهر بالعكس.
يقول الحزب الحاكم هذا صحيح، وإليكم الدليل : ففي الوقت الذي
أغضب فيه الرئيس عزيز كل خريجي العلوم
الإنسانية انتصارا للتكوين المهني، فإننا في الحزب الحاكم، طلبنا من وزير التكوين
المهني أن ينسى التكوين المهني في هذه الأيام، ويتفرغ للتحسيس في ولاية "لعصابة".
تتفاقم احتجاجات العاطلين عن العمل، وتزداد اعتصامات الموظفين
والعمال، فيقرر الحزب الحاكم ـ ردا على ذلك ـ أن يرسل وزيرة الوظيفة العمومية
وعصرنة الإدارة إلى ولاية "تيرس الزمور" للتحسيس هناك.
تغضب النساء، وتظهر كتابات نسائية حادة، من نساء مقربات من
النظام، ضد تهميش النظام للنساء، فتكون ردة الفعل المعارضة في باطنها، والموالية
في ظاهرها هي إشغال وزيرة المرأة عن النساء، وتكليفها بالتحسيس في ولاية
"كيدي ماغا".
يغضب الشعراء، ومن يتبعهم، ويساء لكل أهل الثقافة، ويختار الحزب
الحاكم أن يشغل وزيرة الثقافة عن الغاضبين والمتذمرين، فيرسلها للتحسيس في ولاية "لبراكنة".
نفس الشيء يحدث مع بقية الوزراء، وبالمناسبة فبعضهم لم أعرف في
أي وزارة يعمل، فلائحة الحزب كانت تكتفي بكتابة وظيفة وزير دون تحديد وزارته. ويمكن
اعتبار ذلك على أنه أقوى دليل على فشل
الحكومة، فمادامت أسماء بعض الوزراء لم ترتبط
في أذهان المواطنين ـ كما هو الحال بالنسبة لي ـ بوزاراتهم التي عينوا فيها منذ
مدة ليست بالقصيرة، فذلك يعني بأن حضورهم وأداءهم كان ضعيفا.
ومن بين الوزراء الذين تم تكليفهم بمهام حزبية، بدلا من تركهم
لمهامهم الوزارية:
الوزير
آمدي كمرا (لا أعرف أي وزارة يشغل)، الوزير باه حسينو حمادي ( إذا كان هو وزير الصحة حسب ما أعتقد فإشغاله
بالتحسيس عن الصحة كارثة)، الوزير بمب ولد درمان، الوزير محمد الأمين ولد آبي ( كان عليه أن يذهب إلى مكطع لحجار)، الوزير
حمدي ولد محجوب ( كان عليه أن يطلب من التلفزة أن تبث الحلقة الثانية من برنامجي
"خطوة إلى القمة"، والذي أوقفته التلفزة لأسباب سياسية، رغم أن البرنامج
غير سياسي، وهو أول برنامج متخصص في التنمية البشرية، أو يأمرها على الأقل أن تسدد لي فاتورة الحلقة
الثانية)، الوزير الطالب ولد عبدي فال ( لا أعرف أي وزارة يشغل)، الوزير سيدي ولد
التاه، الوزير إسماعيل ولد بده ولد الشيخ سيديا .
ختاما:
لو كان الحزب الحاكم حزبا مواليا بحق، لأرسل بدلا من هؤلاء الوزراء بعض
"المناضلين" العاطلين عن العمل في حملاته التحسيسية. ولو كان الحزب الحاكم
مواليا بحق لطلب من كل الوزراء أن يتركوا نهائيا مهامهم الحزبية، وأن يتفرغوا
لخدمة المواطنين في وزاراتهم عسى أن يخفف ذلك ـ ولو قليلا ـ من درجة الاحتقان المتنامية
ضد الرئيس وحكومته المشغولة عن مهام المواطنين، بالتحسيس للحزب الحاكم.
تصبحون
وأنتم تعارضون علنا من خارج الحزب الحاكم....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق