الخميس، 22 مارس 2012

الوجه الآخر لاعتقال "السنوسي"


لقد وجدتني مجبرا لأن أكتب عن اعتقال السنوسي، رغم أني حاولت أن أتجنب الحديث عن هذا الموضوع  لشح المعلومات حول عملية الاعتقال، ولحساسية الحديث في مثل هذا الموضوع الذي تتداخل فيه الجوانب الأمنية والقانونية مع سيادة موريتانيا من جهة، ومع مصالحها وعلاقاتها الخارجية من جهة أخرى.
ولكن رغم شح المعلومات فقد أصبح من اللازم تقديم الوجه الآخر لعملية الاعتقال، وذلك بعد أن اعتمدت الصحف والمواقع الوطنية على روايات من مصادر إعلامية غير بريئة، وقدمتها للقراء وكأنها هي الرواية الوحيدة لقصة اعتقال السنوسي.
والحقيقة أن هناك دولتين شقيقتين إحداهما يغيظها أي انتصار أمني تحققه موريتانيا لذلك فمن مصلحة بعض الأصوات الإعلامية في تلك الدولة أن تتحدث عن عملية الاعتقال بوصفها ستشكل كارثة على موريتانيا. ولكن ليس من مصلحتنا نحن أن نردد كالببغاوات ما تقوله تلك المصادر الإعلامية، ولا أن نقوم بعملية نسخ ولصق لما تقوله "الشروق" الجزائرية وأن نقدمه على أساس أنه حقيقة لا يمكن التشكيك فيها، خاصة وأن "الشروق" لم تكن ـ في أي وقت من الأوقات ـ  بريئة في تغطيتها للقضايا الأمنية في بلادنا. ونحن لا زلنا نتذكر تغطيتها لمعركة "حاس سيدي"، حيث تحدثت ـ والمعركة لا تزال دائرة  ـ عن عشرات القتلى في الجيش الموريتاني، وعن خسائر كبيرة في العتاد، وهو ما كانت تردده بعض الصحف والمواقع الموريتانية وكأنه هو حقيقة المعركة .
أما في المغرب فقد حاولت بعض الصحف ـ والتي ربما يكون قد ساءها أن الأمن المغربي  لم يتمكن من اعتقال السنوسي بينما تمكنت موريتانيا من اعتقاله ـ أن تقدم رواية مغلوطة لعملية الاعتقال، وهي رواية حاولت أن تنتصر للأمن المغربي من خلال تقديم بعض الأخبار والتحليلات التي حوت مغالطات عديدة.
ولقد بينت عملية اعتقال السنوسي، وتعاطي الصحافة الوطنية معها  بأننا بحاجة لأن نذكر مرة أخرى ببعض الحقائق التي تغيب عن بعض الصحف أثناء تغطيتها لبعض الأجداث الأمنية، ومن هذه الحقائق:
ـ إذا كان من الواجب علينا أن ننتقد ـ وبقوة ـ كل تدخل للجيش الموريتاني في السياسة، فإنه من واجبنا أيضا أن نشيد بأي انتصار أمني تحققه قواتنا المسلحة بمختلف أجهزتها، حتى ولو كانت تلك الانتصارات مجرد انتصارات بسيطة.
ـ إذا كان من واجبنا أن نبين للناس حجم إخفاقات النظام الحالي، وفي مختلف جوانب الحياة، فإنه من واجبنا أيضا أن نبين لهم التحسن الملحوظ الذي عرفته القوات المسلحة في السنوات الأخيرة.
وفي هذا الإطار فيمكن القول بأن لاعتقال السنوسي وجها آخر غير ذلك الوجه المخيف الذي تحدثت عنه كثيرا صحافتنا الخاصة في الأيام الماضية.
لقد حاولت الصحف الوطنية أن تسوق رواية لحدث اعتقال السنوسي تقول بأن المخابرات المغربية كانت على علم بتحركات السنوسي، وأنها بالتعاون مع المخابرات الفرنسية تركت السنوسي يذهب إلى موريتانيا لاعتقاله هناك، وهو ما سيمكن المغرب من تجنب تبعات اعتقال السنوسي فوق أرضها، في الوقت الذي سيتيح لفرنسا من خلال الضغط على الحكومة الموريتانية جلب السنوسي لفرنسا ومحاكمته هناك على "الجرائم" التي ربما يكون قد ارتكبها في حق فرنسا.
دعونا نتأمل هذه الرواية قليلا وذلك لإظهار نقاط الخلل فيها رغم عدم توفر معلومات دقيقة يمكن تقديمها عن قصة الاعتقال.
إن هذه الرواية تفرض ثلاث احتمالات وهي:
1 ـ أن يكون السنوسي قبل قدومه إلى المغرب كان يوجد في بلد ثالث وهو مالي حسب الأرجح فلماذا لم تعتقله فرنسا هناك ونحن نعلم بأن الأراضي المالية كانت مستباحة للجميع؟ ولماذا تركته حتى يذهب إلى المغرب وبعد ذلك إلى موريتانيا لتفاوض على تسليمه؟
2 ـ أن يكون السنوسي قد جاء إلى المغرب من فرنسا وهو ما تداولته بعض المصادر الإخبارية  فكيف لم تتمكن فرنسا من اعتقاله وهو فوق أراضيها؟ ألا يشكل ذلك فشلا كبيرا للمخابرات الفرنسية؟
3 ـ  أن يكون السنوسي قد توجه مباشرة إلى المغرب، وأن يكون قد ظل في المغرب منذ سقوط النظام الليبي دون أن يشعر الأمن المغربي بوجوده، ألا يشكل ذلك فشلا كبيرا للأمن المغربي؟
وهناك أنباء تحدثت عن عقوبات لبعض العناصر الأمنية المغربية لعدم قدرتها على التعرف على السنوسي مما يرجح بأن السنوسي ربما يكون قد قضى وقتا طويلا وهو في المغرب دون أن يشعر الأمن المغربي بوجوده.
إن الأمن الموريتاني كان هو الوحيد الذي تمكن من إلقاء القبض على السنوسي من قبل أن تطأ قدماه الأراضي الموريتانية حتى ولو كان ذلك قد تم بالتعاون مع جهات أمنية خارجية.
أما في فرنسا والمغرب والتي يبدو أن البعض يثق ثقة عمياء في مخابراتهما فمن المحتمل أن يكون السنوسي قد قضى وقتا في بلديهما دون أن تشعر بذلك مخابراتهما.
ويبقى السؤال المطروح : كيف نتعامل مع السنوسي بعد إلقاء القبض عليه ولأي دولة نسلمه؟
أعتقد أنه علينا أن نحتفظ بالسنوسي، وعلينا أن نحقق معه هنا في موريتانيا، وأن نحاكمه هنا إذا ما اقتضت الأمور ذلك. وعلينا أن نقنعه بأن من الأفضل له ولنا أن يقدم كل المعلومات ـ وهي ستكون موجودة ـ التي قد تساعد في محاكمته هنا ( أعني الجرائم التي ارتكبها النظام الليبي في حق موريتانيا) لأن ذلك وحده هو الذي سيحميه من أن يسلم للحكومة الليبية أو لمحكمة العدل الدولية أو لأي حكومة أخرى.
ويمكن لموريتانيا أن تسمح لمحققين من دول أخرى أن يشاركوا في التحقيق مع السنوسي حول بعض  الجرائم التي ربما يكون قد ارتكبها ضد بلدانهم.
لموريتانيا الحق في الاحتفاظ بالسنوسي ومحاكمته هنا في انتظار وجود حكومة ليبية قادرة على بسط السيطرة على كل الأراضي الليبية، وقادرة على أن توفر محاكمة عادلة للسنوسي، فساعتها وساعتها فقط  فسيكون من الواجب على موريتانيا أن تسلم السنوسي لحكومة بلاده لمحاكمته على الجرائم البشعة التي ارتكبها في حق الشعب الليبي.
تصبحون على الوجه الأخر للحقيقة ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق