الاثنين، 15 يناير 2018

عن فيديو تعذيب اللص


أثار الفيديو الذي ظهر فيه أحد اللصوص وهو يتعرض لتعذيب وحشي وغير إنساني جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي. ولقد تباينت الآراء حول هذا الفيديو، فكان هناك من اكتفى باستنكار عملية التعذيب الوحشي الذي تعرض له اللص دون أن يتحدث عن هذا الانفلات الأمني الخطير الذي تعيشه البلاد، وكان هناك من اكتفى بالحديث عن الانفلات الأمني، مع تجاهل كامل لعملية التعذيب والاعتداء على كرامة إنسان، بل واعتبار عملية التعذيب تلك هي عملية مبررة، وأنها نتيجة حتمية لهذا الانفلات الأمني الخطير الذي تعيشه بلادنا منذ فترة.

في اعتقادي الشخصي فإن كل من تحدث عن هذا الفيديو من زاوية واحدة فقط فقد أخطأ. إن هذا الفيديو يدخل في جملة القضايا الشائكة والبالغة التعقيد، والتي لا يجوز الحديث عنها من زاوية واحدة لمن أراد أن يتحدث بموضوعية وبمهنية.
وإذا ما حاولنا أن نتحدث عن هذا الفيديو من زوايا مختلفة، وبموضوعية تفرضها طبيعته الشائكة والمعقدة فإنه لابد لنا في هذه الحالة من أن نتوقف مع جملة من الملاحظات لعل من أهمها:  
(1)
إن الاعتداء على كرامة أي إنسان بعد التغلب والسيطرة عليه، وبعد أن أصبح غير قادر على أن يشكل خطرا أو تهديدا على من سيطر عليه، إن الاعتداء على ذلك الشخص في مثل تلك اللحظة ليعد جريمة لا تقل خطورة عن جريمة اللص إن لم تكن أكثر بشاعة. وتزداد هذه الجريمة خطورة عندما يتم تصوير عملية الاعتداء هذه ونشرها من بعد ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي، وتبلغ خطورة الجريمة ذروتها عندما يحوي هذا الفيديو عبارات ذات طابع عنصري، خاصة في هذه الفترة التي بلغ فيها الشحن العنصري والعرقي والقبلي والجهوي أعلى مستوياته.
(2)
تقول الملاحظة الأولى بأن ما قام به أولئك الأشخاص من تعذيب وحشي للص ألقوا عليه القبض في حالة تلبس بأنه جريمة تستحق العقاب. ذلك ما تقوله الملاحظة الأولى، ولكن في الملاحظة الثانية سنطرح جملة من الأسئلة التي قد تجعلنا نتفهم ـ ولا نبرر ـ أن تقرر مجموعة ما من الأشخاص أن تعذب مجرما ألقت عليه القبض وهو يحاول أن يسرق منزلها أو يغتصب إحدى النساء في المنزل.
لقد أصبح الكثير من المواطنين على قناعة شبه تامة بأنهم عندما يلقون القبض على لص ويسلمونه إلى الشرطة، فإن هناك احتمالا قويا بأن يتسلق نفس اللص منزلهم في الليلة الموالية وينفذ عملية سرقة جديدة. هذا المنطق السائد عند الكثير من الناس، والذي تدعمه الكثير من الحالات والأمثلة جعل البعض يرى بأن ضرب اللصوص وتعذيبهم بعد إلقاء القبض عليهم هو أشد ردعا لهم من تسليمهم إلى الشرطة والقضاء. ولذلك، ووفق هذا المنطق، فإن هناك عمليات تعذيب كثيرة تحدث، ولكن الجديد في حالة فيديو تعذيب اللص، هو أن هذه العملية قد تم تصويرها ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: في ظل هذا الانفلات الخطير الذي تعيشه البلاد، وفي ظل هذا التساهل ـ ولا أريد أن أقول التآمر ـ الذي يقوم به الأمن والقضاء مع اللصوص، في ظل وضعية كهذه كيف ستتصرف إن ألقيت القبض على مجرم كان يحاول أن يغتصب مثلا إحدى النساء في المنزل، هل ستقوم بتعذيبه أم أنك ستسلمه للشرطة؟
(3)
في الملاحظة الثانية تحدثنا بشكل عام، وفي هذه الملاحظة سنتحدث عن جريمتين بشعتين  تم تسجيلها في العاصمة نواكشوط، الأولى تم تسجيلها في آخر شهر من العام 2014، والثانية تم تسجيلها في آخر شهر من العام 2015.
في آخر شهر من العام 2014، وفي ضحى النهار، تم اغتصاب الطفلة "زينب" في مقاطعة عرفات وهي في طريقها إلى محظرة الحي، وتم حرقها حتى الموت من بعد الاغتصاب في واحدة من أبشع الجرائم التي تم تسجيلها في ذلك العام. مرتكبو تلك الجريمة هم من أصحاب السوابق وكان من المفترض أن يكونوا في السجن وقت ارتكابهم لجريمة اغتصاب وقتل الطفلة "زينب".
الآن لنطرح السؤال الافتراضي التالي: ماذا كان على الضحية التي سبقت "زينب" أن تفعل في حالة تمكنها من السيطرة على المجرم، هل كان الأولى بها أن تعذب هذا المجرم الذي سيغتصب ويقتل فيما بعد الطفلة "زينب" أم كان الأولى بها أن تسلمه للشرطة؟ البعض يرى بأن تعذيب المجرم قد يكون رادعا له، وبأنه في كل الأحوال سيبقى أفضل من تسليمه للأمن ليطلق سراحه من جديد، وليسمح له بالتالي بأن يرتكب المزيد من الجرائم.
في آخر شهر من العام 2015، وفي قلب العاصمة نواكشوط، وتحديدا في سوقها المركزي تم قتل السيدة "خدوج" وكان في سجل مرتكب تلك الجريمة البشعة الكثير من عمليات الإجرام، وكان في كل مرة يخرج من السجن، حتى أنه وفي مطلع الشهر الذي ارتكب فيه جريمته البشعة التي راجت ضحيتها المرحومة "خدوج"، حتى في مطلع ذلك الشهر، فسنجد بأن المعني كانت قد تمت إحالته من طرف مفوضية السبخة رقم 2 مع محضر يتضمن عددا من الأدلة التي تدينه بالسطو والحرابة وتعاطي المخدرات ومع ذلك فقد أفرج عنه القضاء دون أي متابعة، ومكنه بذلك من أن يقتل المرحومة "خدوج" أمام دكانها في سوق العاصمة المركزي.
هنا أيضا نطرح نفس السؤال الافتراضي : هل كان الأولى بالضحية التي سبقت المرحومة "خدوج" أن تعذب قاتل المرحومة "خدوج" إن تمكنت من السيطرة عليه، أم كان الأولى أن تسلمه للشرطة ليتم إطلاق سراحه من بعد ذلك؟
(4)
قد يكون من حقنا في ظل هذا الانفلات الأمني الذي تعيشه البلاد أن نطالب بشيء من القسوة اتجاه اللصوص والمجرمين الذين يقومون بعمليات السطو على المنازل، وقد نتفهم أن يقرر شخص ما أن يعذب لصا عند الإمساك به من قبل تسليمه للشرطة. قد نتفهم هذه القسوة التي يتعامل بها الموريتانيون مع صغار اللصوص، ولكن الشيء العجيب حقا أن هذه القسوة مع صغار اللصوص يقابلها تمجيد وتعظيم لكبار اللصوص الذي يسرقون عشرات بل مئات الملايين.
يقسو الموريتانيون على صغار اللصوص، وتجدهم في الوقت نفسه يخرجون في مظاهرات دون حياء ودون خجل للمطالبة بالإفراج عن هذا المفسد أو ذاك عندما يتم سجنه في ملف فساد.
إن سرقة "الكبار" هي من الأسباب التي تؤدي إلى سرقة الصغار، ولولا سرقة الكبار لما لجأ الكثير من صغار اللصوص للسرقة. لولا سرقة الكبار لكان ذلك اللص الصغير قد وجد الفرصة في تربية صالحة وفي تعليم صالح وفي العيش بطريقة كريمة تغنيه عن السرقة وعن عمليات السطو على منازل الأبرياء.
(5)
في الملاحظة الرابعة تحدثت عن بعض العموميات، وفي هذه الملاحظة سأقدم قصة تختزل ما جاء في تلك الملاحظة من عموميات. هذه القصة لا أدري إن كنت قد سمعتها في شريط للأستاذ الداعية محمد ولد سيدي يحيى، أم سمعتها من شخص آخر. المهم أن هذه القصة، وسواء كانت قد حدثت بتفاصيلها هذه أم لم تحدث، فإنها ستبقى قصة معبرة عن حالنا وعن انقلاب القيم والمفاهيم الذي يعيشه مجتمعنا.  تقول هذه القصة والتي تتكرر يوميا بشكل أو بآخر بأن موظفا حكوميا نهب مشروعا ما، وبأنه كان من بين ما اشترى من المال الذي نهبه سيارة أراد تشغيلها كسيارة أجرة، ولكنه كان كلما أجر سائقا اكتشف بأنه لص وسارق، وبأنه يسرق المحصول اليومي للسيارة. حاول مع عدة سائقين ولكنه لم يجد سائقا أمينا فما كان منه إلا أن أخذ يسب ويلعن هذا المجتمع الذي انتشرت فيه السرقة ولم يعد بالإمكان أن يوجد فيه سائق أمين..صاحبنا هذا الذي كان ينتقد المجتمع بسبب انتشار السرقة وغياب الأمانة نسى بأنه هو أيضا مجرد لص وسارق.
تلكم كانت خمس ملاحظات حاولتُ أن أعلق بها على فيديو تعذيب اللص، وأختم بالقول بأن الانفلات الأمني قد وصل إلى مرحلة بالغة الخطورة تستدعي اتخاذ إجراءات وتدابير حازمة من طرف السلطات الأمنية القضائية، وفي حالة عدم اتخاذ تلك التدابير فإن ثقة المواطنين في الشرطة والقضاء ستظل في تراجع مما سيجعل المواطن يلجأ إلى التعامل مع اللصوص بطرق غير قانونية وغير إنسانية، سواء تم توثيق ذلك أو لم يتم توثيقه. الخطير في الأمر هو أنه في ظل هذا الشحن العنصري والعرقي والجهوي فإن مثل هذه التصرفات قد يتم استغلالها فيما هو أخطر، وقد تؤدي لا قدر لها إلى ما هو أخطر.       
 حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق