لقد
تم تخصيص تغطية واسعة ل "الحدث الكبير" الذي شهدته العاصمة نواكشوط في
يوم الاثنين الموافق 21 سبتمبر 2015، والمتمثل في الإعلان عن تأسيس قطب سياسي جديد
يحمل اسم "كتلة الوفاق الوطني"، وبما أن الأحزاب والكتل مصدقة في أنسابها
وفي انتماءاتها فقد ادعى قادة هذه الكتلة الجديدة بأنهم ينتسبون للمعارضة..للتمييز
بينهم وبين المعارضات الأخرى فدعونا نسمي هذا القطب الجديد بمعارضة
"التشاور".
كل
المواقع وكل الإذاعات وكل التلفزيونيات المحلية أعطت لهذا "الحدث الكبير"
مساحة واسعة تليق به، وبطبيعة الحال فقد كان الإعلام الرسمي هو الأكثر كرما، وهو الأكثر
اهتماما بهذا الحدث الجلل، ولم يكن ذلك غريبا على الإعلام الرسمي، والذي يحاول
جاهدا أن يكون لسان صدق يعبر عن الخطاب الرسمي، وعن التوجهات الرسمية، ومن المعروف
بأن التوجهات الرسمية تسعى دائما لتمييع كل شيء في هذه البلاد بدءا بالصحافة
وانتهاءً بالأحزاب وبالكتل السياسية، ومرورا بالنقابات وبمنظمات المجتمع المدني
وبكل ما يمكن أن يخطر ببالكم مما قد يكون له تأثيرا ـ صغيرا كان أو كبيرا ـ في
قضايا الشأن العام.
ولا
يختلف الكثير من المواقع والجرائد الخاصة عن الإعلام الرسمي في هذه الجزئية، حتى
وإن كانت الدوافع مختلفة، فكثيرا ما نجد موقعا أو جريدة يمنح لمراهق( في الكتابة)
لم يكتب في حياته سوى أسطر قليلة على صفحته الشخصية على "الفيسبوك" صفة
الكاتب أو الإعلامي، وربما يصل الأمر لأن يوصف ذلك المراهق بالمفكر..تمنح تلك المواقع
والجرائد تلك الصفات والألقاب لمن لا يستحقها، وتحجبها في كثير من الأحيان عمن
يكون أولى بأن تمنح له تلك الصفات والألقاب. وقد يكون السبب الذي جعل تلك المواقع
أو الجرائد ترفع من شأن ذلك المراهق هو أن ذلك المراهق تربطه صداقة أو قرابة أو إيديولوجيا
أو مصالح آنية بالقائمين على ذلك الموقع أو الجريدة، وغياب مثل تلك الصلات قد تجعل
أصحاب تلك المواقع والجرائد يحجبون تلك الألقاب والصفات عمن هو أولى بها. شيء مثل
هذا يحدث دائما عند تغطية المواقع والجرائد لأنشطة الأحزاب الصغيرة والأحزاب
الكبيرة نسبيا.
كل
شيء في هذا البلد قد تم تمييعه، ومما يؤسف له أن الكل يشارك في هذا التمييع.
لا
شيء يستحيل في هذه البلاد، فيمكن لثلاثة أشخاص أن يؤسسوا حزبا سياسيا، ويمكن لستة أشخاص
أن يؤسسوا قطبا أو تكتلا سياسيا، وسيجدون دائما من يغطي أنشطتهم، وينشر بياناتهم،
ويعطيهم مساحة في موقعه أو في جريدته أو في إذاعته أو في تلفزته قد تفوق بكثير
المساحة التي يمنحها في العادة لتغطية أنشطة أكبر التكتلات وأكبر الأحزاب السياسية
في البلاد.
دعونا
نتعرف على هذه الأحزاب الثلاثة التي شكلت ما بات يعرف ب"كتلة الوفاق
الوطني"، وهي الكتلة التي كانت قد شغلت الإعلام الرسمي والخصوصي يوم أمس، دعونا
نتعرف على هذه الأحزاب الثلاثة، من حيث الحجم، ومن حيث صدق الانتماء للمعارضة.
1
ـ حزب التجمع من أجل موريتانيا "تمام" : في يوم 10 ـ 10 ـ 2009 أعلن هذا
الحزب عن اندماجه وذوبانه في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ولقد قال رئيسه المؤسس
على هامش حفل الاندماج : "إن موريتانيا ودعت عهد الرؤساء الضعفاء وعهد القطيعة مع المواطن، ويجب أن تودع عهد
الأحزاب الضعيفة أو المؤسسات الحزبية المصنوعة للاستهلاك اللفظي.. إذا أردنا
بالفعل أن نكون حزبا للفقراء وللوطن".
هكذا وصف الرئيس المؤسس لحزب
"تمام" حزب "تمام"، لقد وصفه وبشكل ضمني بأنه من الأحزاب
الضعيفة المصنوعة للاستهلاك اللفظي!!
ويضيف الرئيس المؤسس لحزب "تمام"
بأن الاندماج كان قد جاء: "نتيجة تشابه المشاريع السياسية للحزبين وتبنيهما
للبرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية ورغبتهما في التعاون من اجل الدفع بموريتانيا
إلى الأمام".
من خلال شهادة الرئيس المؤسس لحزب
"تمام"، والتي لا يمكن الطعن فيها، يمكننا أن نقول بأن حزب
"تمام" هو واحد من الأحزاب الضعيفة المصنوعة للاستهلاك اللفظي، وبأن
مشروعه السياسي لا يختلف عن مشروع الحزب الحاكم، وبأنه يتفق مع الحزب الحاكم في
تنبني البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية. فمن أين جاءت معارضة هذا الحزب؟ ذلك
سؤال لن أجيب عليه، ولكنني سأكتفي فقط بأن أذكر بأنه منذ تم الإعلان عن اعتزال
الرئيس السابق وتنصيب رئيس جديد للحزب، فإن الرئيس الجديد لم يجتمع برؤساء أحزاب
المعارضة، ولم يلتق بهم، وإنما انشغل منذ تعيينه أو تنصيبه رئيسا لحزب
"تمام" بالترويج للقاء التشاوري، وبالتزاحم مع مناضلي الحزب الحاكم في
قصر المؤتمرات..مرة أخرى أسأل : فمن أين جاءت معارضة حزب "تمام"؟
2 ـ حزب المستقبل: في يوم الاثنين 7 يوليو
2014 حكمت المحكمة الإدارية بنواكشوط ببطلان الدعوى التي كان قد تقدم بها
"محمد ولد بربص" للطعن في قرار عزله من رئاسة الحزب، وهو القرار الذي
كان المكتب التنفيذي لحزب المستقبل قد اتخذه في وقت سابق.
القرار كان قد تم اتخاذه في يوم 06 ـ 07 ـ
2014 بعد عقد مؤتمر طارئ للحزب، وكان السبب الذي تم الحديث عنه في ذلك الوقت هو أن
الرئيس السابق للحزب كان قد انحرف بالحزب عن خطه النضالي، وكان قد تقرب كثيرا من النظام
الحاكم.
ومهما يكن من أمر فإنه يمكن القول بأن حزب
المستقبل لم يكن مشاركا في تأسيس هذا القطب الجديد، وأن الذي شارك هو الرئيس
السابق لحزب المستقبل، وحتى إذا ما افترضنا جدلا بأن الرئيس السابق لحزب المستقبل
يمثل شظية من هذا الحزب، فإن تلك الشظية لا يمكن وصفها بأنها معارضة. إن من يعارض
من حزب المستقبل يوجد الآن في صفوف المعارضة. أما من اختار أن يكون في صف النظام،
فإن له الحق في ذلك، ولكن ستبقى معارضته محل شك وتشكيك، حتى وإن ذكَّر بها في كل
حين.
3 ـ حزب الجيل الجديد: هذا الحزب لم أسمع
به من قبل، ولقد بحثت من خلال الانترنت عن معلومات عنه، ولم أجد عنه من معلومات
سوى أنه من ضمن مؤسسي "كتلة الوفاق الوطني"، وبأنه من ضمن "الأحزاب
المعارضة" التي شاركت في مشاورات السابع من سبتمبر. لقد وجدت اسما مشابها
لاسم هذا الحزب، ويتعلق الأمر بحزب الجيل
الثالث، ولا أدري إن كان حزب الجيل الجديد هو نفسه حزب الجيل الثالث الذي كان قد
حصل ومن بعد تحالفه مع حزب الرباط الديمقراطي الاجتماعي على 86 صوتا فقط على عموم
التراب الوطني في الانتخابات البلدية والتشريعية الماضية.
هذه هي الأحزاب الثلاثة "المعارضة"
التي أسست قطبا معارضا جديدا تحت مسمى "كتلة الوفاق الوطني"، وإذا ما
حاولنا أن نعبر حسابيا عما تحدثنا عنه في هذا المقال، فإننا سنجد أنفسنا أمام هذه
المعادلة الرياضية الغريبة، والتي لا يمكن أن نجد شبيها لها خارج موريتانيا.
شخص موالي + شخص موالي + شخص موالي = قطب
سياسي معارض!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق