في
الثاني من أكتوبر من العام 2013، أي في يومنا هذا، أصدر حزب التحالف الشعبي بيانا
حادا انتقد فيه اللجنة المستقلة للانتخابات، وبمناسبة إصدار هذا البيان الذي تأخر
كثيرا، فإني أهدي لحزب التحالف الشعبي هذا المقال الذي تم نشره منذ عدة أشهر،
وتحديدا في يوم 19 مايو من العام 2013.
ومن قبل
أن أنتقل إلى المقال المذكور، فإنه لابد لي من أن أذكر من صاغ بيان التحالف الذي
تأخر كثيرا، بأن نصف الحكماء السبعة هم من اختيار الأحزاب المكونة للمعاهدة، ولو
أن تلك الأحزاب اختارت نصيبها من اللجنة وفق معايير سليمة لما اضطرت اليوم لأن
تصدر مثل هذا البيان الحاد.
وبالمباشر
دعونا نطرح هذا السؤال : لماذا لم يكن من بين الحكماء الذين اختارتهم أحزاب
المعاهدة الرئيس الأسبق للجنة المستقلة للانتخابات والذي أثبت ميدانيا كفاءته
وجدارته واستحقاقه لهذا المنصب، وأقصد بالرئيس الأسبق : الشيخ سيد أحمد ولد باب
مين؟
أتدرون
لماذا لم تفكر أحزاب المعاهدة في هذا الرجل أو في غيره ممن يمكن أن يعول عليه في
تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة؟
إليكم
هذا الجواب المباشر: لم تفكر أحزاب المعاهدة في الرئيس الأسبق للجنة المستقلة
للانتخابات ولا في غيره من الأكفاء لأنها لم تكن تهتم في ذلك الوقت بالكفاءة ولا بالشفافية
في اختيارها، وهذا هو ما حدث بعد ذلك مع الحكماء السبعة عندما بدؤوا في اكتتاب
للموظفين، وهذا هو بالضبط ما ينتقده التحالف الشعبي في بيانه الحاد الذي أصدره
اليوم.فلو أن المعاهدة اعتمدت على
الشفافية في اختيار ممثليها في لجنة الحكماء، لأعتمد هؤلاء بدورهم على الشفافية
عند اكتتابهم للموظفين، ولكن المعاهدة لم تكن نزيهة في اختياراتها، لذلك فلا غرابة
أن تغيب النزاهة في اكتتاب ينظمه من تم اختياره بطرق غير نزيهة، وغير شفافة.
وبالعودة
إلى البيان المتأخر فإليكم الدليل القاطع على أنه تأخر كثيرا، وهذا الدليل هو عبارة
عن مقال تم نشره في يوم 19 مايو من العام 2013 ، وكان بعنوان: هل نحن أمام
مصيبة مستقلة للانتخابات..!؟
وهذا
نص المقال دون أي تعديل.
ــــــــــــــــــــــــ
كان من
المفترض باللجنة المستقلة للانتخابات، إن كان يقودها حقا سبعة من حكماء البلد، أن
تبذل جهودا مضاعفة من أجل كسب ثقة كل الشركاء، وكل الأطراف المعنية بالعملية
الانتخابية، بما في ذلك منسقية المعارضة التي لم تُشارك في تأسيس هذه اللجنة. أما
أن تتخذ هذه
اللجنة
بعض القرارات المستفزة، وتصدر بعض البيانات المربكة التي أربكت قطبا سياسيا
يعد هو القطب الثاني المشارك في تأسيس هذه اللجنة، فإننا في هذه الحالة، قد نعذر
إن أطلقنا على هذه اللجنة: المصيبة المستقلة للانتخابات، بدلا من اللجنة المستقلة
للانتخابات.
لا أحد
يطلب من هذه اللجنة، أو على الأصح، من هذه المصيبة التي ابتلينا بها بأن
تتحول إلى فاعل خير أو إلى وسيط يعمل من أجل تقريب وجهات نظر الأطراف
المعنية بالعملية الانتخابية، لا أحد يطلب منها ذلك، وإن كان من المفترض بأن ذلك
يدخل في صميم عملها، ولكن ـ في المقابل ـ لا أحد كان يتوقع منها أن تتحول
إلى بلاء ومصيبة حقيقية، ليس لديها ما تفعله سوى إصدار قرارات وبيانات منحازة
لطرف، ومستفزة لبقية الأطراف بما في ذلك المعاهدة التي كان لها الفضل في اقتراح
نصف أعضائها.
كان على
الحكماء السبعة، إن كانوا حقا حكماء، أن يتجنبوا في مثل هذا الظرف الحساس، كل تلك
القرارات أو البيانات التي يمكن أن تثير شكوك المنسقية التي لم تشارك في تأسيس هذه
اللجنة، لأن مثل ذلك قد يُؤدي إلى فشل مبادرة مسعود، والتي تبقى ـ إلى حد الآن ـ
هي المخرج السياسي الوحيد من الأزمة السياسية التي تتخبط فيها البلاد.
أما أن
يعمل الحكماء السبعة، على إثارة الشكوك لدى المعاهدة نفسها، وعلى إرباكها من قبل
المنسقية، فإن ذلك مما لا يمكن فهمه، إلا إذا كان الحكماء السبعة يعملون
فعلا لإفشال مبادرة مسعود.
فكيف
يمكن أن نطلب من المنسقية بأن تقبل بمبادرة مسعود، وذلك في الوقت الذي لم يستطع
فيه مسعود ولا المعاهدة بكاملها أن يضبطوا سلوك لجنة كان لهم الفضل في تعيين نصف
أعضائها؟
وهل يحق
لنا أن نطلب من منسقية المعارضة أن تمنح مثقال حبة خردل من ثقة لهذه اللجنة
المستقلة، ما دامت هذه اللجنة نفسها، وبعد فترة قصيرة من تنصيبها تصدر مثل هذه
القرارات والبيانات التي لا يخفى مدى تحيزها لطرف على حساب طرف آخر يعود له
الفضل في اقتراح نصف أعضائها؟
كان
الإعلان من طرف اللجنة المستقلة عن موعد للانتخابات البلدية والتشريعية، ودون
التشاور مع الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية هو أول تلك القرارات الخاطئة التي
اتخذتها اللجنة المستقلة للانتخابات. ولقد كان من الواضح أن تحديد مثل ذلك الموعد
إنما جاء لصالح السلطة، ولدعم موقفها وحجتها، على طريقة الإعلان عن انتخابات 6/6
التي أعلنت عنها السلطة قبل اتفاق دكار وذلك من أجل إجبار الجبهة للقبول بالتفاوض
على موعد آخر.
وقد يكون
مفهوما أن تعلن السلطة حينها عن موعد 6/6 كموعد استفزازي للانتخابات، وذلك للضغط
على خصمها من أجل القبول بموعد لاحق، ولكن أن تتولى عملية الضغط تلك لجنة من
المفترض أنها مستقلة فذلك مما لا يمكن تفهمه.
لم يكن
تحديد اللجنة المستقلة للموعد المفتوح من 15 أكتوبر إلى 15 سبتمبر كموعد
للانتخابات إلا من أجل الضغط على الأطراف الأخرى، تماما كما كان القصد من تحديد
موعد 6/6. فلو كانت اللجنة المستقلة جادة في موعدها ذلك لما اكتفت بتحديده من خلال
بيان خجول تم إرساله ـ بخجل ـ إلى بعض المواقع والصحف المستقلة. فتحديد موعد للانتخابات
هو من أهم قرارات اللجنة، لذلك فكان يجب أن يسبق اتخاذه تشاور مع الأحزاب المنخرطة
في المعاهدة على الأقل. كما كان يجب أن يُعلن من خلال مؤتمر صحفي كبير تحضره
الصحافة الوطنية والدولية ويستدعى له كل المعنيين بالعملية الانتخابية.
ومن بين
قرارات اللجنة الخاطئة كذلك، هو إعلانها عن أسماء رؤساء لجانها الجهوية في مثل هذا
الوقت بالذات، وذلك دون التشاور مع أي طرف، وباعتماد أكثر الوسائل بدائية
للاكتتاب، أي الاكتتاب اعتمادا على القرابة، وعلى العلاقات الشخصية، وعلى
الاقتراحات القادمة من بعض المحسوبين على السلطة، وعلى الحزب الحاكم.
ولقد
صاحب هذه القرارات الخاطئة، عدم شفافية في تسيير موارد اللجنة، هذا فضلا عن ابتعاد
حكمائها عن الإعلام لشرح مضامين تلك القرارات، وكذلك شرح الآليات التي تم بموجبها
اتخاذ مثل تلك القرارات.
إن كل
ذلك يجعلنا نعتقد بأننا قد أصبحنا فعلا أمام مصيبة مستقلة للانتخابات، بدلا من أن
نكون أمام لجنة مستقلة للانتخابات تسعى بجد لتنظيم انتخابات شفافة يرضى الجميع
بنتائجها. ويبدو أن هذه اللجنة أو المصيبة تعمل بالتنسيق مع السلطة، وذلك من أجل
إعادة تجربة الانتخابات الماضية من خلال إقامة لجان وهياكل منحازة للسلطة،
وذلك في الوقت الذي ستواصل فيه السلطة الإعلان عن رفضها لحكومة توافقية، حتى إذا
ما اقترب موعد الانتخابات، وحتى إذا ما اكتمل تنصيب كل الهيئات واللجان التابعة
للجنة أو للمصيبة المستقلة للانتخابات، فسيكون حينها بإمكان الرئيس أن يعلن
عن موافقته على حكومة وفاق تشارك فيها المعارضة وبحقائب معتبرة، ولكن بشرط أن لا
يتم تأجيل الانتخابات عن موعدها.
إنها
محاولة جادة من السلطة القائمة لإعادة ما جرى في الانتخابات التي جاءت بعد اتفاق
داكار، ولكن المصيبة في هذه المرة، هو أن ذلك يخطط له بالتنسيق مع لجنة مستقلة
للانتخابات يعود الفضل في تعيين نصف حكمائها لطرف معارض.
وتبقى
كلمة خاصة بالحكماء السبعة: إن من أخطر ما يهدد الديمقراطيات الناشئة في منطقتنا
هو ذلك العنف الذي قد يندلع بعد الإعلان عن نتائج انتخابات غير شفافة، وغير نزيهة.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق