السبت، 24 ديسمبر 2011

رسالتان إلى "رئيس الفقراء"


سيدي الرئيس،

إن هذه الرسالة المفتوحة والتي تحمل الرقم 25 ، تضم رسالتين : إحداهما رسالة كتبتها لكم على لافتة، وعلقتها خلال الأيام الماضية أمام القصر، وأمام البرلمان، وسأعيد تعليقها كلما وجدت فرصة لذلك. أما الرسالة الثانية فقد وجدتني ملزما لأن أكتبها لكم، بعد مهرجان المعارضة الحاشد، وذلك لكي أحدثكم عن سيدة فقيرة، شاركت وبحماس في مهرجان المعارضة، رغم أنها لم تكن، في أي يوم من الأيام، من أنصار المعارضة.

وهذه السيدة كنت قد حدثتكم عنها، في وقت سابق، وتحديدا في رسالتي المفتوحة رقم 10، والمنشورة بتاريخ 8 مايو 2010 . والتي جاء في مقدمتها : " سيدي الرئيس، سأحدثكم في رسالتي العاشرة عن سيدة فقيرة، قصتها مثيرة، تسكن في مقاطعة عرفات غير بعيد من ساحة "التغيير البناء".
هذه السيدة الفقيرة بذلت جهدا كبيرا من أجل نجاحكم في الانتخابات الرئاسية، وأنفقت من قوت عيالها على حملتكم الانتخابية. ورغم أنها لم تجد تعويضا من إدارة حملتكم على نفقات خيمتها التي ضربت، ورغم سخرية بعض جاراتها الداعمات لمنافسيكم من عدم التعويض لها، إلا أن ذلك كله لم يقلل من عزيمتها، ولم يؤثر مثقال ذرة على ولائها لكم.
لقد كانت تلك السيدة تقول بأنه على الفقراء أن ينفقوا من جهدهم ووقتهم ومالهم من أجل نجاحكم الذي سيشكل قطعا نصرا للفقراء، وهزيمة نكراء لرموز الفساد الذين أهلكوا البلاد والعباد، خلال العقود الماضية. بل إنها فوق ذلك جعلت من المنافسة بينكم وبين المرشحين الآخرين منافسة بين الخير المطلق، والشر المطلق. و جعلتها وكأنها حربا بين المسلمين والكفار. ولقد كانت تدعو لكم في جوف الليل ـ كغالبية الفقراء والبسطاء ـ وتسأل الله أن ينصركم على خصومكم من المفسدين.
واليوم، وبعد مرور تسعة أشهر على تنصيبكم، لم يعد لتلك السيدة إلا أمنية واحدة، وهي أن تقابلكم لتطلب منكم أن تعيدوا لها "صوتها" الذي منحته لكم خلال الانتخابات الرئاسية الماضية.
فلم تعد تلك السيدة تؤمن بالتغيير البناء، ولم تعد تبشر جاراتها بموريتانيا الجديدة، ولم تعد تحلم بأن يتحسن مستوى معيشتها. لقد تبخرت كل تلك الأحلام، ولم يعد لتلك السيدة إلا حلم واحد، وهو أن تتمكن من أن تستعيد "صوتها" لا أكثر ولا أقل." ذلك كان هو حال تلك السيدة الفقيرة منذ عام وسبعة أشهر، وكما جاء في رسالتي المفتوحة رقم 10، والتي كان عنوانها " أعيدوا لي "صوتي" ..يا سيادة الرئيس".

أما اليوم فحالها يخيف أكثر، ويقلق أكثر.

فهي لم تعد تكتفي بالمطالبة باستعادة صوتها الانتخابي، بل إنها قررت أن تتخذ قرارا، قد يبدو لكم غريبا، ألزمت نفسها من خلاله أن تعارضكم في كل مكان ناصرتكم فيه أثناء الانتخابات الرئاسية الماضية، وأن تبذل من جهدها ووقتها في معارضتكم، ما يضاعف ما بذلت من جهد ووقت في مناصرتكم.
فما الذي حدث في الثمانية والعشرين شهرا التي مضت من مأموريتكم؟ وما الذي جعل تلك السيدة تشعر بإحباط مخيف بعد حماس مفرط؟ ولماذا تُصر تلك السيدة أن تعبر عن مراراتها وإحباطها بحماس يُضاعف الحماس الذي عبرت به عن مناصرتها لكم. تلك أسئلة تستحق أن نبحث له عن أجوبة بعيدا عن "أنصاركم" الذين يضرونكم أكثر مما ينفعونكم.

إن تأسيس أحزاب جديدة، يزيد من اتساع الخريطة الحزبية للأغلبية، لن يكون هو الجواب المناسب لتلك السيدة الفقيرة التي لم تتحزب في يوم من الأيام، ولم تهتم في أي يوم من الأيام بالأحزاب.

إن الجواب على تلك الأسئلة، يجب أن يتم بطريقة أخرى، غير تأسيس المزيد من الأحزاب.

إن هذه السيدة التي كنتم تكلمونها، دون وسيط، قبل الانتخابات الرئاسية الماضية، لم تكلموها بعد نجاحكم في الانتخابات، إلا من وراء حجاب.

إن هذه السيدة التي وعدتموها بأنكم ستحاربون الفساد، قد خذلتموها عندما عينتم الكثير من المفسدين في وظائف حساسة، ووزعتم مجالس الإدارات على من لم تعينوا من المفسدين.

إن هذه السيدة التي وعدتموها بأنكم ستخلقون فرصا لتشغيل أبنائها، لا زالت هي التي تنفق على أبنائها الذين يحملون شهادات جامعية.

إن هذه السيدة التي وعدتموها بمستوى معيشة أفضل، أصبحت تشعر ومنذ تنصيبكم، بأنها بحاجة لأن تناضل أكثر، لكي توفر وجبة طعام، أو قرص دواء، أو جرعة ماء لها ولعائلتها الفقيرة.

إن هذه السيدة التي كانت تتوقع منكم أن تقيلوا "حكومة التراكمات"، وأن تبدلوها بحومة أكثر جدية، سمعتكم أكثر من مرة وأنتم تشيدون بانجازات الحكومة، وهذا هو أكثر شيء يغضب تلك السيدة، بل إنه أصبح يثير أعصابها.

إن هذه السيدة ترفض حكومة التراكمات، ولقد كتبت في وقت سابق على لسانها، وعلى لسان غيرها من الفقراء مقطوعة أرسل لكم مع هذه الرسالة فقرة منها:

إني أرفض حكومة بلا إنجازات..

إني أرفض حكومة التراكمات..

حكومة "معاليه" كلما أخفقت قال وزراؤها ذاك بسبب التراكمات..

إن ارتفعت الأسعار أنشدوا أغنية التراكمات..

إن توقف دفع الرواتب قالوا فعلتها التراكمات..

إن احتج عاطل قالوا لا وظيفة مع التراكمات..

إن مات جائع قالوا سنقتص له من التراكمات..

إن بكى طفل قالوا أبكته التراكمات..

إن أنَّ مريض لعنوا التراكمات..

إن عثرت بغلة بحثوا في أرشيف التراكمات..

وحكومة "معاليه" إذا ما أمطرت السماء قالت ذاك من الانجازات..

إن نجحت ثورة قالت حكومة "معاليه" نحن من أبدع الثورات..

إن هب نسيم سجلته في قائمة الانتصارات..

إن ضحكت طفلة بريئة كانت ضحكتها استجابة للتعليمات..

إن نامت قالوا نامت وفقا للتوجيهات..

إن استيقظت من غفوتها قالوا أيقظها شق الطرقات..

إن عملت صالحا وضعوه في ميزان الحسنات..

وإن أساءت أعادوا شريط التراكمات..

حكومة "معاليه" لها على الأثير صرخات..

وفي الميدان لم تترك أية بصمات..

إني أرفض حكومة بلا إنجازات..

إني أرفض حكومة بلا بصمات..

إني أرفض حكومة التراكمات..

وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلاد، وإلى الرسالة السادسة والعشرين، إن شاء الله..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق