الثلاثاء، 15 أكتوبر 2019

ومن المناصرة ما قتل!


  يحاول البعض ممن تبقى من أنصار الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أن يحتفظ له بدور محوري في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، ولا يعلم هؤلاء بأنهم بذلك سيكونون أشد خطرا على الرئيس السابق من ألد خصومه. تلك حقيقة يجب أن تُقال بلغة سياسية فصيحة وصريحة حتى يسمعها كل من يحاول الآن أن يحتفظ للرئيس السابق بأي دور سياسي في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية.
لقد بينتُ في ورقة كاشفة نُشرت من قبل حفل التنصيب بعشرة أيام، وكانت تحت عنوان: "أي دور
لولد عبد العزيز في المرحلة القادمة؟"، لقد بينتُ في تلك الورقة بأن الرئيس ولد عبد العزيز سيخرج من السلطة بيدين فارغتين من أي ورقة ضاغطة يمكن أن يؤثر بها مستقبلا في مجريات الأمور.
فعلى الصعيد السياسي، فقد ترك ولد عبد العزيز حزب الاتحاد من أجل الجمهورية في وضعية معقدة وذلك على الرغم مما يمتلك هذا الحزب من نواب ومن مجالس جهوية ومن منتسبين قيل بأنهم تجاوزوا مليون ومائة ألف منتسب! تركه بلجنة تسيير مؤقتة غير قادرة على تسيير الأمور وضبطها، ولا على التحضير للمؤتمر الذي كلما أعلن عن موعد له تم تأجيل ذلك الموعد.  لم يؤسس الرئيس السابق خلال عشريته التي قضاها في الحكم ذراعا سياسيا قائما على نواة صلبة، وبالتالي فهو لم يخلف وراءه "تركة سياسية" يمكنه أن يوظفها من بعد خروجه من السلطة كورقة ضاغطة على من سيحكم من بعده.
فأولئك الذين كان يُفترض بهم أن يشكلوا نواة سياسية صلبة لنظام ولد عبد العزيز، وأن يشكلوا بالتالي ورقة ضاغطة بيده، هم الآن في حال يرثى له، فالكتيبة البرلمانية تفككت وتفرق أعضاؤها وتشتتوا، ولم يعد لديهم أي حضور في المشهد السياسي ولا أي تأثير يذكر.
فمن كان يصدق بأن السيد محسن ولد الحاج ( رئيس مجلس الشيوخ المنحل) سيكون نسيا منسيا في آخر حكم ولد عبد العزيز؟ ومن كان يصدق بأن السيد سيدي محمد ولد محم  قائد الكتيبة البرلمانية والرئيس السابق للحزب سينتهي به المطاف مُستقيلا أو مُقالا؟ ومن كان يصدق بأن منت عبد المالك الشخصية الأقوى انتخابيا في نظام ولد عبد العزيز سينتهي بها المطاف في آخر أيام حكم ولد عبد العزيز محاصرة أبروتوكوليا ومهددة ببعثات التفتيش؟ ومن كان يصدق بأن وزير العدل ووزير النطق السابقين (دعاة التمديد والمأمورية الثالثة) سينتهي بهما الحال، ما بين وزير مقال، وسفير ممنوع من تأدية مهامه؟ ومن كان يصدق بأن رئيس البرلمان وهو الذي كان يُعتبر من أقرب المقربين من ولد عبد العزيز ومن أخلص خلصائه، من كان يصدق بأن علاقاته بولد عبد العزيز سيصيبها في آخر حكم ولد عبد العزيز ما أصابها من جفاء؟
حتى على مستوى الوسط الاجتماعي الضيق، فإن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، وفي سابقة من نوعها لم تعرف مع الرؤساء السابقين، خلق خلال عشريته خصوما سياسيين داخل وسطه الاجتماعي، وهو ما نتج عنه انخراط شخصيات سياسية ومالية وازنة مقربة  اجتماعيا من الرئيس السابق في العمل المعارض. 
على أولئك الذين يحلمون بدور فاعل للرئيس السابق في المؤتمر القادم لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية أن يعلموا بأن الأحزاب الحاكمة في هذه البلاد كان وجودها ـ وسيبقى كذلك ـ  مرتبطا بالرؤساء الحاكمين، وأنه لا يمكن لحزب حاكم أن يبقى حيا يرزق من "بركات" رئيس سابق، وعليهم أن يعلموا بأن الرئيس السابق لم يعد يمتلك منذ مغادرته للسلطة من أوراق اللعب غير ورقة واحدة وهي الورقة المتعلقة بالثقة والعلاقة القوية التي تجمعه بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ولذلك فليس من مصلحة أنصار ولد عبد العزيز أن يشوشوا على تلك الثقة بكثرة الحديث عن "الرئيس المؤسس"، وبمحاولة فرض وجود له في هيئات الحزب، فعندما تنهار تلك الثقة فسيكون الخاسر الأكبر هو الرئيس السابق، والذي سيجد نفسه مكشوف الظهر أمام خصومه كل خصومه، وما أكثر خصومه.
إن ما يقوم به بعض أنصار الرئيس السابق من عمليات تشويش، ومن محاولة إظهار الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وكأنه لا يتحكم في الحزب سيؤدي في المحصلة النهائية إلى اهتزاز الثقة بين الرئيسين السابق والحالي، وعندما تهتز تلك الثقة وتتسع الفجوة بينهما، فإن الرئيس السابق سيجد نفسه وقد أصبح رئيس "نظام بائد"، وفي مواجهة غير متكافئة مع السلطة الحاكمة ومع المعارضة ومع رأي عام وطني يرى بأن العشرية الماضية قد شهدت الكثير من الفساد والنهب، والأدلة واضحة على ذلك، فكثير من المؤسسات العمومية قد تم إفلاسها، والكثير من الممتلكات والعقارات العامة قد تحولت إلا أملاك خاصة.
إن أي محاولة لفرض أي دور سياسي للرئيس السابق ستفشل، ولن يكون من نتائجها إلا أنها ستجعل الرئيس السابق هدفا سهلا ومكشوف الظهر للنيران الصديقة ولنيران الخصوم، ولذلك فإن أكبر خدمة يمكن أن تقدم للرئيس السابق ـ لمن تهمه بحق مصلحة الرئيس السابق ـ  هي أن يبعد اسمه عن التداول اليومي وعن النقاش السياسي الدائر حاليا، وأن يترك يواصل ـ وبأمان ـ تنقلاته بين الدول الأوروبية.
على أولئك الذين يريدون أن ينتزعوا من الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني جزءا من صلاحياته السياسية لصالح الرئيس السابق أن يعلموا بأن الرئيس غزواني يمتلك شرعية كاملة فهو رئيس منتخب، والمعارضة تعترف به عمليا، وهو ابن المؤسسة العسكرية وقائدها الأعلى لما يزيد على عقد من الزمن، وعلى المستوى الخارجي فهو يمتلك علاقات قوية مع الدول المؤثرة، وداخليا فله عمقه الشعبي الكبير، ولذا فليست هناك أي ثغرة يمكن أن ينفثوا منها، أو ينتزعوا من خلالها جزءا من صلاحياته لصالح رئيس سابق.
على أولئك الذين يروجون لوجود نفوذ للرئيس السابق، وأنه هو من يتحكم في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، أن يعلموا بأنهم بذلك يهدمون ما تبقى من ثقة بين الرئيسين السابق والحالي، وفي حالة انهيار تلك الثقة، وفي حالة بدء الصراع بين الرئيسيين الحالي والسابق فإن الرئيس الحالي سيدخله وهو يمتلك كل الأسلحة لحسمه، بينما سيدخله الرئيس السابق مكشوف الظهر وبلا أي ورقة ضغط.
وفي حالة حدوث أي معركة سياسية بين الرئيسين الحالي والسابق فإن هناك جهات كثيرة من المعارضة ومن القوى الشبابية ستدخل تلك المعركة وبحماس، وستكون في صف الرئيس الحالي.
سيكون الرابح الأكبر في تلك المواجهة هو الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لأنه بتلك المواجهة سيحقق مطالب فئات واسعة من الشعب الموريتاني، وسيكسب من وراء ذلك شعبية كبيرة، وسيكون الخاسر الأكبر هو الرئيس السابق، والذي سيتحول من رئيس سابق مسكوت عنه من طرف السلطة على الأقل، إلى رئيس "حكم بائد" تستهدفه السلطة الحاكمة والمعارضة الموريتانية في الداخل والخارج، وحتى هؤلاء الذين يدعون اليوم مناصرته سعيا للحفاظ على مصالح ضيقة فإنهم سيلتحقون بخصومه عندما يوقنون بأن المواجهة معه قد أصبحت مواجهة جدية.
فهل سيدرك أنصار الرئيس السابق خطورة ما يروجون له الآن من نفوذ للرئيس السابق؟ وهل سيتوقفون عن ترديد أغنية "الرئيس المؤسس" عند الحديث عن مؤتمر الحزب؟ وهل سيقتنعون بأن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية هالك لا محالة، ولن ينجيه من ذلك الهلاك المحقق إلا إذا بدل جلده، وارتدى ثوبا جديدا مفصلا بالكامل على مقاس وعلى ذوق الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني؟
فهل سيدرك أنصار الرئيس السابق ذلك أم أنهم سيواصلون ترديد أغنية "الرئيس المؤسس"؟
فليواصلوا ـ إذا ما أرادوا ـ ترديد تلك الأغنية، ولكن عليهم أن يعلموا بأن من المناصرة ما قتل.    
حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق