الجمعة، 23 يونيو 2017

ردود أفعال غير متوقعة!

منذ اليوم الأول من أزمة الخليج وإلى غاية يوم الناس هذا، وأنا أبحث جاهدا بين سطور مقالات كبار الكتاب وفي ثنايا التقارير والتحاليل التي تبثها كبريات الفضائيات لعلي أجد تفسيرا مقنعا، أو على الأقل منطقيا، لما يحدث في منطقة الخليج، ولكن، وعلى الرغم من كل ذلك الجهد فقد كانت النتيجة الوحيدة التي توصلتُ إليها خلال عملية البحث هذه هي أني كنتُ أطارد خيط دخان.

إن قرارات الدول يجب أن تكون مصانة عن العبث، ولأنها كذلك، فقد تعذر عليَّ فهم الدوافع والأسباب الحقيقية التي جعلت المملكة العربية السعودية تقرر محاصرة قطر، فأي مصلحة للملكة للعربية السعودية في محاصرة قطر؟ وهل محاصرة قطر هي ردة الفعل المناسبة للتعامل مع  التحديات الكبيرة التي تواجهها المملكة العربية السعودية بشكل خاص ومنطقة الخليج بشكل أعم؟
وإذا كان  قرار حصار قطر مفهوما عندما يتخذه حكام مصر، ومتفهما عندما يتخذه حكام الإمارات، إلا أنه سيبقى عصيا على الفهم والتفهم عندما تتخذه المملكة العربية السعودية، وهو سيبقى في المحصلة النهائية مجرد ردة فعل غير طبيعية وغير موفقة على جملة من التحديات الكبيرة التي تواجهها المملكة العربية السعودية.
قرار المملكة العربية السعودية بمحاصرة قطر ذكرني بقصة تحكي عن طفل غريب الأطوار، عُرف بردات فعل غير متوقعة، وإليكم قصة هذا الطفل الغريب بعد شيء يسير من التصرف.
تقول القصة بأن أبا ثريا كان يملك قصرا فخما، قرر ذات يوم أن يأخذ ابنه في رحلة إلى بلدة فقيرة في الريف لا يسكنها إلا الفقراء، وكان الأب يريد من تلك الرحلة أن ينبه ابنه إلى أنه يعيش في نعيم ورخاء قد حُرم منه الكثير من أطفال الفقراء. قضى الأب وابنه أياما في ضيافة أسرة فقيرة جدا كانت تسكن في مزرعة بالبلدة الفقيرة وفي طريق العودة دار بين الأب والابن الحوار التالي:
الأب : كيف كانت الرحلة ؟ 
الابن : كانت رحلة رائعة
الأب : هل شاهدت يا ابني كيف يعيش أهل هذه البلدة، وكيف كانت تعيش الأسرة التي أقمنا عندها؟
الابن : نعم يا أبي لقد شاهدتُ  كل ذلك، فالأسرة التي أقمنا عندها تملك أربعة كلاب ونحن لا نملك إلا كلبا واحدا، وهي تملك بركة ماء لا حدود لها ونحن في منزلنا لا نملك إلا حوض سباحة صغير، ونحن نضيء حديقتنا الصغيرة بمصابيح، أما هم فإنهم يضيئون حديقتهم ذات المساحة الشاسعة بنجوم تتلألأ في السماء، وباحة منزلنا ضيقة في حين أن باحة منزلهم تمتد مع الأفق.
ظل الوالد يستمع لمقارنات الابن الغريبة دون أن يعلق عليها، وذلك من قبل أن يختم الابن حديثه بالاستنتاج التالي:
لقد عرفتُ يا أبي كم نحن فقراء، وكم هم أغنياء!!
وإذا ما عدنا إلى الأزمة الخليجية فإنه لابد من التذكير في هذا المقام بما كنا نسمع في السنوات الأخيرة من أحاديث بلا أول ولا آخر عن الخطر الإيراني وعن المد الفارسي وعن الهلال أو البدر الشيعي. لقد ظلت السعودية تحذرنا خلال السنوات الأخيرة، ولها الحق في ذلك، من الغول الإيراني، ولقد حاولت ـ  وبوصفها تمثل الدولة العربية الكبرى ـ  أن تشكل حلفا عربيا قويا لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة.
لقد تم تصوير إيران بأنها تعادي العرب والمسلمين السنة، ولقد كانت هناك أدلة بعضها لا يخلو من وجاهة تؤكد وجود مثل تلك العداوة، ولكن المفاجأة هي أننا استيقظنا ذات ذكرى جديدة  لنكسة متجددة على حصار بري وجوي وبحري تفرضه السعودية ودول عربية أخرى لا على إيران بل على قطر! ولو أن السعودية قررت أن تحاصر دولة الإمارات التي تربطها علاقات تجارية قوية مع إيران، والتي يدعم حكامها خصوم السعودية في اليمن، بحجة أن ذلك الحصار قد يضر قليلا بإيران، لكان بإمكاننا وبمشقة كبيرة أن نبتلع تلك الحجة.
إن الشيء الذي لا يمكن ابتلاعه بأي حال من الأحوال ، حتى بالنسبة للسذج من الناس، هو أن تتحول  قطر في غمضة عين إلى إيران، تماما كما تحولت الأسرة الفقيرة جدا في قصة الطفل الغريب إلى أسرة في منتهى الثراء. الأدهى والأمر هو أن هذا الحصار الغريب الذي تم فرضه على قطر قد أتاح الفرصة لإيران بأن تظهر في مشارق بلاد العرب وفي مغاربها على أنها جارة تحب العرب كثيرا وتشفق عليهم، وعلى أنها على أتم الاستعداد لفعل أي شيء من أجل أن تقنع العرب بضرورة حل مشاكلهم البينية بالحوار حفاظا على أمن منطقتهم وعلى مستقبلها الذي أصبح مفتوحا على كل الاحتمالات بسبب هذه الأزمة الغبية.
إن هذه الأزمة الغبية قد أظهرت إيران على أنها أكثر حرصا من العربية السعودية على أمن الخليج، بل إنها أظهرتها، وكأنها تحاول بحكمتها أن تنقذ المنطقة من غباء وتهور بعض الحكام العرب.
لقد كانت النتيجة الأبرز لهذا الحصار الغبي على قطر هو أنه فكك نواة الحلف الذي كانت السعودية تريد أن تشكله لمواجهة التغلغل الإيراني في المنطقة، كما أن هذا الحصار الغبي قدم لإيران، وعلى طبق من ذهب، حليفا أو حلفاء جدد في المنطقة، لم تكن تتوقع أن تحصل عليهم بكل هذه السهولة.
ومن النتائج السلبية الأخرى لهذه الأزمة التي يصعب فك طلاسمها هو أن السعودية قد فتحت بابا خطيرا سيكون من الصعب إغلاقه في المستقبل، وسيكون المتضرر الأول منه هو السعودية نفسها. إن مسارعة السعودية والدول المحاصرة في اتهام قطر بالإرهاب، وفي إعداد لائحة بمن تتهمهم بالإرهاب سيشرع مستقبلا لدول ولأنظمة أخرى، أن تعد في أول خلاف سياسي لها مع السعودية لوائح بأسماء لسعوديين تتهمهم بالإرهاب.
لقد كان من مصلحة السعودية أن تقف ضد أي تساهل في توزيع تهمة الإرهاب ذات اليمين وذات الشمال، أما أن تسارع السعودية بنفسها في توجيه تلك التهمة لدولة شقيقة وللائحة من 59 شخصا على رأسها العالم والشيخ الكبير القرضاوي، فإن مثل ذلك يعد من الأمور التي يصعب فهمها أو تفسيرها.
لقد كنا نتوقع من المملكة العربية السعودية في هذا الزمن العربي العصيب ـ وهي الدولة العربية  المؤهلة حاليا لذلك،  في ظل الظروف التي تمر بها العراق وسوريا ومصر ـ  أن تعمل على لملمة جراح الأمة، وأن تعمل على توحيد جهود الدول العربية لمواجهة الأخطار والتحديات التي تهدد العرب في ديارهم.
لقد كنا نتوقع من المملكة في هذا الزمن العربي الرديء أن تعمل على جمع المسلمين السنة شعوبا ودولا وحركات سياسية في حلف واحد لمواجهة الأخطار المحدقة بهم، أما أن تطل علينا المملكة بلائحة غريبة ترتب فيها أعداء الأمة ترتيبا غريبا، فتضع على رأس  تلك اللائحة دولة قطر وجماعة الإخوان المسلمين وقناة الجزيرة وحركة حماس المتفرغة لمقاومة العدو الصهيوني المحتل، فأن تفعل السعودية مثل ذلك، فذلك يعني بأنها قد قرأت الأحداث التي هزت المنطقة في السنوات الأخيرة قراءة خاطئة، وبأنها استخلصت من تلك القراءة استنتاجات غريبة وغير متوقعة لا تختلف في أي شيء عن الاستنتاجات الغريبة التي استخلصها الطفل الغريب في القصة أعلاه.

 حفظ الله منطقة الخليج العربي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق