في هذا الظرف العربي والإسلامي العصيب الذي تتعدد فيه الأزمات والحروب
والفتن، والذي أصبح من الصعب أن نجد فيه موضع أصبع معافى على خارطة العديد من
بلداننا العربية، فسوريا قد حلت بها فتنة داخلية وطائفية وإقليمية لا يلوح في
الأفق بأنها ستتوقف في المستقبل القريب، والعراق أصبح أرضا للميلشيات وللجماعات
الطائفية والإرهابية، واليمن يعود بعد استراحة لم تدم طويلا إلى الحروب
والانقسامات، والسودان قد تم تقسيمه بالفعل، وليبيا تتخبط في أزماتها وفي صراع
حكوماتها..
في هذا الظرف العربي والإسلامي العصيب الذي تتعدد فيه الأزمات والحروب
والفتن، والذي أصبحت فيه النصال تتكسر على النصال، والذي لم تعد فيه قضيتنا الأولى
(القضية الفلسطينية) تجد ما تستحق من
اهتمام بسبب ما يشتعل في المنطقة من نيران وحروب..في هذا الظرف بالذات فوجئنا بتفجر
أزمة دبلوماسية غير مسبوقة في منطقة الخليج، آخر منطقة عربية آمنة، وآخر منطقة
عربية تحتفظ بالحد الأدنى من التنسيق والتعاون الإقليمي عن طريق مجلس التعاون
الخليجي، وقد صاحبت هذه الأزمة الدبلوماسية غير المسبوقة، حرب إعلامية شرسة تجاوزت
كل الخطوط الحمر مما ينذر بقرب اشتعال المنطقة إذا ما ظلت الأمور تسير في هذا
الاتجاه الخطير.
في مثل هذه الأوقات العصيبة تتجه الأنظار في العادة إلى الحكماء وإلى رجال
الإطفاء في المنطقة، وذلك لأنهم هم وحدهم من يمتلك القدرة على محاصرة النيران
الدبلوماسية والإعلامية من قبل أن تتحول إلى حريق شامل يأتي على الأخضر واليابس،
ومن هنا، فقد اتجهت الأنظار إلى أمير دولة الكويت بعد تفجر هذه الأزمة الدبلوماسية
غير المسبوقة في منطقة الخليج، والتي وصلت إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية، وإلى
إعلان حصار جوي وبحري وبري على إحدى الدول الخليجية.
اتجهت الأنظار إلى أمير دولة
الكويت، والذي لم يتأخر في التحرك لإطفاء نيران الأزمة، أو على الأقل، لمحاصرة
نيرانها حتى لا تتسع و تتمدد أكثر. بدأ الأمير مهمته والتي لا خلاف على أنها مهمة في غاية الصعوبة،
حتى لا نقول مستحيلة، ولكن لا خلاف أيضا على أن أمير الكويت يمتلك العديد من
المؤهلات والقدرات التي يمكنها أن تساعده في نجاح هذه المهمة الصعبة، ومن هذه
المؤهلات والقدرات يمكننا أن نذكر:
1 ـ حكمة الأمير وخبرته
الدبلوماسية الكبيرة، والتي تمتد إلى ما
يزيد على أربعة عقود من العمل الدبلوماسي في منطقة من العالم تعد دبلوماسيا من
أكثر المناطق حيوية، ومن أكثرها توترا و التهابا.
2 ـ اعتماد السياسة الخارجية الكويتية
على التهدئة، وابتعادها عن سياسة المحاور والأقطاب والأحلاف في حالة حصول خلافات بين
الأشقاء، وقد سمح ذلك للكويت بأن تبقى
قادرة على أن تتحرك دبلوماسيا، في أي وقت، وفي كل الاتجاهات.
3 ـ الدور الذي لعبته الكويت
وأميرها في حل أزمة مماثلة (أزمة مارس 2014)، والتي تم خلالها سحب السفراء، حتى
وإن لم تصل تلك الأزمة من حيث العمق والتعقيد إلى مستوى الأزمة الحالية.
4 ـ الترحيب الدولي بهذه الوساطة والإعلان عن الاستعداد لدعمها، الشيء
الذي عبرت عنه الخارجية الأمريكية
والروسية والتركية، هذا فضلا عن الترحيب الذي جاء من فرنسا وألمانيا ومن الاتحاد
الأوروبي.
5 ـ وتبقى نقطة القوة الأهم هي
أن هذه الوساطة قد جاءت من داخل البيت الخليجي للوقوف ضد أي تدويل للأزمة، كما أن صدق وإصرار الأمير على مواصلة وساطته تبقى هي أيضا
من أهم العوامل التي قد تساعد في إنجاح هذه الوساطة، فمن المعروف بأن مجلس التعاون
الخليجي هو في الأصل فكرة كويتية، ولذلك فإن أمير الكويت لن يدخر أي جهد، وسيبذل
كل ما في وسعه من أجل إعادة العلاقات
الأخوية بين الدول الخليجية إلى طبيعتها، والحفاظ بالتالي على بقاء مجلس التعاون
الخليجي قائما ومتماسكا.
ختاما: يمكننا القول بأن مهمة أمير دولة الكويت هي مهمة صعبة جدا، ولكن
الأمير يمتلك من المؤهلات والقدرات ما قد يمكنه من تذليل الصعاب وإنجاح وساطته
التي تستحق الدعم والإشادة من طرف الجميع.
حفظ الله منطقة الخليج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق