لا جديد تحت سماء نواكشوط، لا جديد
إطلاقا، إننا أمام نفس المشهد الذي تعودنا عليه منذ عهد ولد الطايع وحتى يوم الناس
هذا. إنه نفس المشهد الذي يتكرر دائما: القمامة تحتل نواكشوط من جديد، والسلطات
تطلق حملة تنظيف جديدة، والنتيجة معروفة سلفا، فتكرار نفس الأساليب سيؤدي دائما
إلى نفس النتائج.
إنها نفس الحلقة المفرغة: قمامة
تزحف؛ حملة تنظيف تطلق؛ حضور رسمي بارز، تغطية واسعة للإعلام الرسمي، فتور وتوقف
للحملة؛ قمامة تزحف من جديد فحملة تنظيف جديدة، وهكذا..
وإذا ما اكتفينا بحملات التنظيف في
العهد الحالي، فسيقول لنا موقع الوكالة الموريتانية للأنباء، بلسان إخباري غير
مبين، بأن النظام الحالي قد تعود منذ وصوله إلى السلطة على أن يطلق في كل عام حملة
جديدة لتنظيف العاصمة نواكشوط، وبأن الاستثناء الوحيد كان في عامي 2013 و2015.
يقول موقع الوكالة الموريتانية للأنباء بأنه:
ـ في يوم السبت الموافق 17 ـ 10 ـ
2009 أشرف الوزير الأول على انطلاق حملة واسعة لتنظيف العاصمة، وتم التعهد خلال
هذه الحملة بأن العاصمة نواكشوط ستتحول ـ بجهود هذه الحملة ـ إلى مدينة نظيفة
وعصرية.
ـ في يوم الأربعاء الموافق 10 ـ 11
ـ 2010 انطلقت حملة جديدة لتنظيف العاصمة ونواكشوط، وقد شاركت في هذه الحملة وحدات
من الشرطة والحرس.
ـ في يوم الخميس الموافق 17 نوفمبر
2011 تم إطلاق حملة استثنائية لتنظيف العاصمة نواكشوط.
ـ في يوم الأربعاء الموافق 29 ـ 08
ـ 2012 أعطى الرئيس من مقاطعة تفرغ زينة إشارة انطلاق حملة جديدة لتنظيف العاصمة
من البرك والمستنقعات والأوساخ.
ـ في يوم السبت الموافق 25 ـ 10 ـ
2014 أشرف الرئيس من مقاطعة الميناء على انطلاق الحملة الكبرى لتنظيف العاصمة نواكشوط.
ـ في يوم الجمعة الموافق 08 ـ 07 ـ
2016 أشرف الوزير الأول من نواكشوط
الجنوبية على انطلاق حملة لتنظيف المدينة، وهذه الحملة تتولاها شركة خصوصية تعرف
باسم "مالكود". كانت حملة هذه الشركة الخصوصية هي الحملة الوحيدة التي
أشرف الوزير الأول على انطلاقها وتمت تغطيتها من طرف الوكالة، ويُقال بأن هناك
علاقة قوية بين الوزارة الأولى وهذه الشركة.
ـ في يوم الأحد الموافق 18 ـ 08 ـ
2017 ذكرت الوكالة الموريتانية للأنباء بأن الرئيس قد نظم عدة زيارات لتفقد أشغال
التنظيف في الحملة التي انطلقت منذ يوم أمس.
لا جديد تحت سماء نواكشوط، ومن
الراجح بأن حملة التنظيف السابعة لمدينة نواكشوط لن تختلف عن الحملات الست التي
سبقتها، فتكرار نفس الأساليب سيؤدي دائما إلى الحصول على نفس النتائج.
إن تنظيف العاصمة نواكشوط سيبقى
مسألة في غاية التعقيد إن كررنا نفس الأساليب القديمة، وربما يتحول إلى مسألة في
غاية البساطة إن حاولنا أن نبتدع أساليب جديدة تتناسب مع العقلية الموريتانية التي
تمتاز بسلوك غريب يصعب تفسيره.
من هذه المسلكيات الغريبة أنك قد
تشاهد ربة بيت تحمل القمامة من منزلها، وتقطع بها مسافة قد لا تكون بالقصيرة في
اتجاه الحاوية أو في اتجاه المكان المخصص للقمامة، ولكنها عندما تصل إلى الحاوية، تفاجئك
ـ ولأسباب محيرة ـ برمي القمامة خارج الحاوية بدلا من رميها داخلها حتى وإن كانت
الحاوية فارغة، ليأتي من بعدها من يتصرف نفس التصرف الغريب، ثم يأتي ثالث ورابع
إلى أن يصبح الوصول إلى الحاوية في غاية الصعوبة، حتى بالنسبة لمن يريد فعلا أن
يرمي قمامته داخل الحاوية.
ومن هذه المسلكيات الغريبة هو أنه
يمكن لأي واحد منا أن يرمي جيفة حمار على شارع عام ومع ذلك فإنه لن يجد من يلومه
على ذلك الفعل المشين، حتى من تلك الأسر التي تقع منازلها بجوار ذلك الشارع.
ويمكن لتلك الجيفة أن تتحلل دون أن تجد من يبادر بإزاحتها من أصحاب المنازل
المجاورة رغم أن رائحتها النتنة ستؤذي الجميع.
ومن هذه المسلكيات الغريبة أنك قد
تجد من يدعو إلى إماطة الأذى عن الطريق، قد تجده وهو متلبس برمي قمامة منزله في
وجه أخيه وجاره!!
إن هذه المسلكيات الغريبة تفرض علينا أن نفكر بجد في أساليب جديدة تمكن من تنظيف
العاصمة، وأذكر في هذا المجال بأني كنت قد قدمتُ إلى السلطات المعنية مقترحا منذ
عقد من الزمن ، وكان المقترح يهدف
إلى:
1ـ العمل على تغيير سلوك المواطن الموريتاني حتى يصبح هذا المواطن يأتي إلى الشارع لجمع القمامة بدلا من سلوكه المألوف، أي رمي القمامة على الشارع.
1ـ العمل على تغيير سلوك المواطن الموريتاني حتى يصبح هذا المواطن يأتي إلى الشارع لجمع القمامة بدلا من سلوكه المألوف، أي رمي القمامة على الشارع.
2ـ تحويل القمامة إلى مصدر للدخل
خاصة بالنسبة للفئات الأكثر فقرا.
3ـ أتحويل القمامة إلى مورد
اقتصادي لا تستفيد منه إلا الفئات الأكثر فقرا، على عكس مما هو حاصل حاليا، حيث
تعود الاستفادة الكبرى لرجال الأعمال وللسياسيين الذين تم التعاقد معهم لتنظيف
العاصمة نواكشوط فحصلوا بتلك العقود على أموال طائلة، وذلك في الوقت الذي لم
يستطيعوا فيه أن ينظفوا العاصمة، بل إنهم تركوا القمامة تتراكم في العاصمة إلى الحد
الذي أجبر الجيش على التدخل، ومن المعروف بأن الجيش لا يتدخل في مثل هذه الحالات
إلا في حالة الوصول إلى مستوى الكارثة.
إن القمامة لن تختفي من العاصمة
نواكشوط بتدخل الجيش الذي كان قد تدخل في مرات سابقة، إنها لن تختفي إلا إذا حولناها
إلى سلعة تباع و تشترى، وعندها ستختفي كما اختفت الخردة وكما اختفت المواد
البلاستيكية الصلبة، فاليوم أصبح من الصعب جدا أن تجد قنينة ماء فارغة مرمية على
الشارع، وذلك بسبب أن هذه القنينات الفارغة قد تحولت إلى سلعة تباع وتشترى.
إنه على السلطات أن تؤسس شركة
لشراء القمامة، وعليها أن تحدد نقاط شراء خارج العاصمة، ولو أن السلطة قامت بذلك
لتنافس أصحاب العربات التي تجرها الحمير في جمع القمامة من شوارع العاصمة، وربما
لحق بهم حملة الشهادات من أصحاب السيارات ذات العجلات الثلاثة، فكل واحد من أصحاب
هذه السيارات سيكون بإمكانه أن يشغل عددا من العمال لجمع القمامة ولحملها في
سيارته خارج العاصمة لبيعها عند نقاط شراء القمامة خارج العاصمة.
لقد كانت الدولة تمنح لشركة
"بيزورنو" ـ من قبل فسخ العقد ـ
ملياري أوقية سنويا لتنظيف العاصمة، ولقد نقل عن مدير هذه الشركة في إحدى
المقابلات بأن شركته كانت تعالج يوميا 600 طن من القمامة، وهذا يعني بأن
الكيلوغرام من القمامة كان يكلف الدولة الموريتانية 10 أوقية، وربما يكلفها الآن
أكثر في ظل التعاقد مع شركات خاصة لتنظيف العاصمة. ولو أن السلطة منحت 10 أوقية
لكل مواطن يأتيها بكيلوغرام من القمامة، لتنافس المواطنون في جمع القمامة، ومن
يدري فربما تحدث نزاعات على ملكية القمامة، وربما تقع خصومات عند جمعها من الشوارع
إذا ما تحولت هذه القمامة إلى سلعة تباع وتشترى.
ويمكن أيضا أن تخصص الأموال
الطائلة المنفقة على شركات خاصة فشلت في تنظيف العاصمة، أن تخصص تلك الأموال للجيش
الوطني على أن يتولى الجيش هذه المهمة، ولكن بشرط أن توزع تلك الأموال ـ وبأساليب
شفافة ـ على الجنود البسطاء الذين سيتولون
عملية تنظيف العاصمة.
وفي هذا الإطار يمكن تقسيم نواكشوط
على عدة وحدات عسكرية، ويمكن أن يطلق تنافس بين تلك الوحدات يكرم على أساسه الضباط
الذي نجحت وحداتهم في تحقيق نتائج أفضل، ولكن بشرط أن يكون الجندي العادي الذي
يتولى عملية التنظيف هو المستفيد الأول والأخير من العائد المادي لهذه العملية.
من المهم جدا أن يشارك الجيش في
تنظيف العاصمة، ولكن ما يحدث الآن يعتبر إهانة للمؤسسة العسكرية. فبأي منطق توزع
الأموال الطائلة المخصصة لتنظيف العاصمة على أشخاص مقربين من أركان النظام أو على
آخرين بدلوا ولاءهم السياسي ثم يدفع من بعد ذلك بجنود بسطاء في أواخر الشهر الكريم
ويطلب منهم أن ينظفوا العاصمة لأنك أولئك الذين استلموا الأموال الطائلة قد فشلوا
في المهمة الموكلة إليهم.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق