إن الحديث عن الأزمة الغامبية في مثل هذا الوقت
بالذات هو حديث عن الشأن الداخلي الموريتاني، وذلك لأن الحلول التي سيتم اعتمادها لحل
الأزمة الغامبية ستكون لها تأثيراتها المباشرة ( إيجابية أو سلبية ) على الدولة
الموريتانية. فإن جاء الحل بجهود الوساطة فإن موريتانيا ستكون جزءا فاعلا في الحل،
وبذلك فإن المصالح الموريتانية في غامبيا لن تضرر، وإن فشلت جهود الوساطة وتم
اعتماد الحل العسكري فإن المصالح الموريتانية ستتضرر كثيرا، خصوصا إذا ما تذكرنا
بأن رئيس غامبيا المهزوم انتخابيا كانت تربطه علاقة صداقة قوية بالرئيس
الموريتاني، وبأن الوزير الأمين العام للرئاسة الذي زار غامبيا بعد الإعلان عن
نتائج الانتخابات اكتفى بلقاء الرئيس المهزوم ورفض لقاء الرئيس الفائز، يضاف إلى كل
ذلك أن السفير الموريتاني في داكار لم يحضر لحفل تنصيب الرئيس الغامبي الفائز، وهو
الحفل الذي تم تنظيمه في السفارة الغامبية بدكار. إن كل تلك المواقف السلبية ستظهر
موريتانيا في أعين الحكام الجدد على أنها دولة معادية لغامبيا.
لقد أظهرت موريتانيا الرسمية دعما صريحا لدكتاتور
غامبيا المهزوم انتخابيا، ولا شك بأن هذا الدعم سيتسبب في أضرار كبيرة للمصالح
الموريتانية في غامبيا، إذا ما تم إسقاط الرئيس الغامبي من خلال تدخل عسكري.
سيتأكد الأمر إذا ما تذكرنا بأن هذا التدخل العسكري تقوده الجارة السنغال، والتي
لها بطبيعة الحال صراعها وتنافسها مع موريتانيا في هذه المنطقة من إفريقيا.
إن الموقف الرسمي الموريتاني الداعم بشكل صريح
وقوي لدكتاتور غامبيا المهزوم انتخابيا، كان موقفا خاطئا لا شك في ذلك، ولكن هذا
الموقف الخاطئ يجب استثماره الآن بشكل إيجابي، وذلك لان استثماره بشكل إيجابي لحل
الأزمة الغامبية سلميا، هو الذي سيؤمن مستقبلا مصالح موريتانيا في غامبيا. إنه من
المهم جدا أن تستثمر موريتانيا الرسمية علاقتها القوية مع دكتاتور غامبيا المهزوم
انتخابيا للضغط عليه من أجل ترك السلطة، فبذلك فإن بلادنا ستظهر كفاعل قوي، وستكون
جزءا من الحل، وبذلك فإنها ستؤمن المصالح الموريتانية في غامبيا، كما أن ذلك سيعزز
من مكانة موريتانيا في المنطقة.
إن الحل العسكري الذي تقوده السنغال سيتسبب في
ضرر كبير للمصالح الموريتانية في غامبيا، كما أنه لن يجلب خيرا إلى الشعب الغامبي،
ولا إلى الدولة الغامبية.
صحيح أن هذا الحل العسكري إن تم اعتماده كحل
للأزمة الغامبية قد يأتي بفرحة عارمة للشعب الغامبي ولكل الرافضين للدكتاتورية
والاستبداد في المنطقة، فإجبار دكتاتور على الخروج من الرئاسة مذموما مدحورا سيشكل
وبلا شك مشهدا مفرحا وجالبا للسعادة. ولكن الصحيح أيضا بأن تلك السعادة لن تعمر
طويلا، وسيأتي من بعدها الخراب والدمار. لقد أثبتت التجارب المماثلة بأن الجيش
عندما يتدخل لإسقاط دكتاتور انتصارا للشعب والديمقراطية، فإنه في العادة يتمكن من إسقاط
الدكتاتور، ولكنه لا يجلب ديمقراطية. إنما يأتي بدكتاتور جديد أو يصنعه، وذلك بعد
أن يكون ـ أي الجيش ـ قد نصب نفسه وصيا على الديمقراطية وعلى الشعب وعلى الدولة.
تتأكد خطورة الأمر عندما تكون الجيوش المتدخلة هي
جيوش أجنبية، ويزداد الأمر خطوة عندما يكون رأس الحربة بيد جيش له أطماع توسعية في
تلك الدولة المراد تخليصها من دكتاتورها الرافض للخروج السلمي من السلطة.
إن من مصلحتنا في موريتانيا، وإن من مصلحة
غامبيا، وإن مصلحة دول المنطقة أن تنجح الدبلوماسية وأن تنجح الوساطة التي يقودها أو
يشارك فيها الرئيس الموريتاني. كاتب هذه السطور سيدعم الرئيس الموريتاني في وساطته
هذه، وذلك مع التشكيك القوي في جدية تلك الوساطة، وفي صدق نية صاحبها، ففاقد الشيء
لا يعطيه.
إن موريتانيا أولى بالوساطة فهي تسير وبخطى حثيثة
إلى أزمة سياسية لا أحد يعرف كيف ستخرج منها. إن الرئيس الذي يقود اليوم وساطة من
أجل حل سلمي للأزمة الغامبية هو نفسه الرئيس الذي يعمل على تعقيد الأمور في بلاده،
وإلى جر بلاده إلى أزمة سياسية في غاية التعقيد، وإن في ذلك لمفارقة مضحكة ومبكية.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق