إنه لمشهدٌ مهيب : أن ينظم الرئيس التركي أكبر احتفال
في تركيا، وأن يكون الاحتفال الأول من نوعه بمناسبة الذكرى 562 لفتح القسطنطينة على
يد السلطان محمد الفاتح.
إنه لمشهدٌ مهيب : أن تسمع رئيسا تركيا يتلو آيات كريمات
ويستدل بأحاديث شريفة أمام جموع تقدر بمليون ونصف، وذلك بعد أن تمكن ـ وفي سنوات معدودة
ـ من أن ينهض ببلده، وأن يرفعه مكانا عليا
في صفوف الدول المتقدمة.
أعرف أن البعض منكم يبغض الرئيس التركي بغضا شديدا، وأعرف
أن البعض منكم سيحمله كل الخراب والدمار الذي أصاب أمة العرب في أيامنا هذه.
ولكن لحظة من فضلكم..
إن من يتحمل الخراب الذي أصابنا كعرب هو أننا ابتلينا
بأسوأ طائفة من الرؤساء في العالم، وابتلينا أيضا بأن فينا من هو على استعداد لأن يمجد
أولئك الطغاة الذين ابتلينا بهم، ولأن يمدحهم حتى ولو ذبحوا عشرات الآلاف من المواطنين
الأبرياء.
لتركيا مصالحها كدولة، ولإيران مصالحها، ولآمريكا والغرب
مصالحهم الخبيثة، لا خلاف على ذلك، ولكن لا خلاف أن الذي يتحمل المسؤولية الأعظم في
ما حل بأمة العرب من خراب هم الرؤساء، عفوا هم الطغاة العرب.
قد نختلف على الربيع العربي، ولكن علينا جميعا أن نعلم
بأن الشعوب لا تنتظر رأيي أو رأيك، وبأنه ليس بإمكاني أنا أو أنتَ أن نأتي لكل مواطن
عربي مظلوم ونقول له لا تتحرك، لا تعبر عن معاناتك حتى لا يستغلها الآخرون..هذا أمر
مستحيل.
إن من كان بإمكانه أن يقف في وجه الربيع العربي هم الرؤساء
العرب، ولا أحد غيرهم، فلو أن الرؤساء العرب قدموا جرعات قليلة من الإصلاح لما تحركت
الشعوب في سوريا أو في ليبيا أو في اليمن. ولقد أتيح للرؤساء العرب ذلك، ولكنهم لم
يفعلوا. يبقى الرئيس العربي الوحيد الذي حاول أن يسبق الربيع العربي بجملة من الإصلاحات
هو الملك المغربي الذي تقدم بإصلاحات (حتى ولو لم تكن على المستوى) إلا أنها مكنته
من أن يوقف الحراك الذي ظهر في المغرب، وتمكن بالتالي من أن يجنب بلاده مصير دول شقيقة
أخرى، ابتليت بطغاة لم يتعظوا أبدا.
صحيح أن خرابا قد حل بليبيا من بعد ثورتها، وأن خرابا
قد حل باليمن، وبسوريا، وصحيح أيضا أن هذا الخراب قد لا يتوقف في المستقبل المنظور،
ولكن الصحيح أيضا هو أنه لم يكن هناك من كان بإمكانه أن يقف في وجه ذلك الخراب سوى
الرؤساء العرب، لا أحد غيرهم كان بإمكانه أن يقف في وجه هذا الخراب الذي حل بعد الربيع
العربي ..
لم يكن بإمكان أي كان أن يجنب ليبيا ما حل بها سوى القذافي..
ولم يكن بإمكان أي كان أن يجنب سوريا ما حل بها سوى الطاغية
بشار لو كانت في قلبه مثقال ذرة من وطنية أو من إنسانية.
إن أكبر متآمر على أمة العرب هم الرؤساء العرب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق