يطرح الأسلوب المستفز الذي تعامل به الرئيس "محمد
ولد عبد العزيز" مع إضراب عمال "اسنيم" الكثير من الأسئلة التي لم
تجد إلى الآن أي أجوبة مقنعة.
فكيف يمكن لرئيس أن يتجاهل إضراب عمال أكبر شركة في
البلاد، خاصة في هذا العام الذي تمر فيه البلاد بوضعية اقتصادية واجتماعية وسياسية
حرجة؟
وأي مصير ينتظر نظام "ولد عبد العزيز" إن أفلست شركة "اسنيم"
في عام الناس هذا؟ وماذا لو دفع القنوط واليأس ببعض العمال إلى أن يكرروا عملية
إحراق المباني الإدارية في المدينة؟ ألم يشجعهم وزير الطاقة والمعادن على ذلك
برسالته المستفزة التي حملها إليهم بعد مرور شهر وزيادة على الإضراب؟
البعض يحاول أن يجيب على تلك الأسئلة بأن الرئيس "عزيز"
يفكر في بيع شركة "اسنيم"، وبأنه يريد أن يخلق الظروف التي قد تساعده في
تبرير عملية البيع تلك.
في اعتقادي بأن الإجابة على كل تلك الأسئلة تفرض علينا
أن نتوقف قليلا مع أقوى نقطة قوة لدى الرئيس "عزيز"، وهي بالمناسبة تمثل
أيضا أقوى نقاط ضعفه.
يمتلك الرئيس "عزيز" نقطة قوة ساعدته في تجاوز
الكثير من الصعاب، ولكن نقطة القوة هذه قد تتحول في وقت لاحق إلى نقطة ضعف وقد
تتسبب له مستقبلا في كثير من الإخفاقات.
إن نقطة القوة المقصودة هنا هي روح المخاطرة العالية عند
الرئيس "عزيز".
لقد كان انقلاب السادس من أغسطس 2008 يحتاج إلى روح مخاطرة
ومغامرة، فكيف يمكن لإنسان طبيعي أن يفكر في انقلاب في تلك اللحظة التي انقلب فيها
الرئيس "عزيز" على أول رئيس منتخب؟
ضابط تمت إقالته فقرر في لحظة حرجة أن ينقلب على من
أقاله، لم يكن هناك من كان يتوقع أن ينجح ذلك الانقلاب، ولكن الانقلاب نجح، بل
أكثر من ذلك، فإن قائد الانقلاب سيتم انتخابه بعد ذلك كرئيس شرعي للبلاد.
ولم تكن تلك هي المخاطرة الوحيدة التي حققت للرئيس "عزيز"
مكاسب كبيرة، بل تكرر الأمر كثيرا، وكان الرئيس "عزيز" يتمكن دائما،
كلما دخل في مخاطرة جديدة، من تحقيق مكاسب جمة.
فبعد إصابته برصاصات "أطويلة" قرر الرئيس
"عزيز" أن يخاطر مرة أخرى، وكانت المخاطرة في هذه المرة تتمثل في
اختفائه الكامل لشهر ونصف، وبطبيعة الحال فكان يمكن لتلك المخاطرة أن تتسبب له في
فقدان الرئاسة، ولكن الذي حدث كان العكس تماما فقد عادت عليه تلك المخاطرة بمكاسب
جمة، فازداد نظامه قوة بعد ضعف، وازدادت معارضته ضعفا بعد قوة.
هكذا تكون دائما المخاطرة: فإما أن تكسب كل شيء، أو تخسر
كل شيء، وكان "ولد عبد العزيز" يكسب مع كل مخاطرة، والأمثلة هنا عديدة،
وليس هذا هو المقام المناسب لبسطها.
هذه المكاسب المتكررة بعد مغامرات غير محسوبة هي التي
جعلت الرئيس "عزيز" وهو المخاطر بطبعه، يزداد ميلا إلى المخاطرة. لقد
أصبحت لدى الرئيس "عزيز" بعد كل تلك المكاسب رغبة عالية في المخاطرة، وهذه
الرغبة العالية في المخاطرة لدى الرجل هي التي قد تساعدنا في فهم بعض تصرفاته،
خاصة منها ما كان مرتبطا بتعامله المستفز
مع إضراب عمال "اسنيم".
إن الرئيس "عزيز" قد قرر أن يخاطر بهذه الشركة،
فهو إما أن يكسب كل شيء ويرغم العمال على أن يعودوا أذلاء إلى أماكن عملهم، وإما
أن يخسر كل شيء، فتنهار شركة "اسنيم"، وقد يتسبب انهيارها في انهيار
نظامه.
هكذا يفكر الرئيس "عزيز"، أو على الأصح، هكذا
يُخَيَّل إلي بأنه يفكر، وعلينا أن لا ننسى بأن الرئيس "عزيز" كان قد
كسب رهانا آخر منذ وقت غير بعيد، وذلك بعد أن أصر على أن لا يفتح أي حوار مع حراس "ازويرات"
والذين قضوا شهرا ونصف وهم على مشارف العاصمة دون أن يسمح لهم بدخولها. إن نجاحه
في إفشال اعتصام حراس "اسنيم" قد يغريه بأن يكرر نفس الأسلوب مع عمال
"اسنيم" المضربين .
ولكن، على الرئيس "عزيز" أن يعلم بأن المخاطرة
قد لا تأتي دائما بمكاسب كبيرة، وبأنها قد تأتي في بعض الأحيان بخسائر كبيرة.
وقديما قيل : "ما كل مرة تسلم الجرة".
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق