كنتُ أعتقد بأن قراءة أفكار الرئيس "محمد ولد عبد
العزيز" هي مسألة في غاية الصعوبة، وكنتُ على قناعة بأنه قد يكون من الأسهل
بالنسبة لي أن أقرأ كتابا باللغة اليابانية أو الصينية أو البشتوية أو الفارسية أو
البنغالية من أن أقرأ أفكار الرئيس "محمد ولد عبد العزيز"، ذلك هو ما
كنتُ اعتقد، وإلى وقت قريب، ولكن يبدو أن هذا الاعتقاد قد بدأ يتغير، فقراءة أفكار
الرئيس والتنبؤ بتصرفاته لن تكون في غاية الصعوبة، إذا ما انطلقت تلك القراءة و
ذلك التنبؤ من فرضية تقول بأن ردود أفعال الرئيس تأتي دائما خارج دائرة المتوقع.
فمن يريد أن يقرأ أفكار الرئيس، أو يتنبأ بتصرفاته المستقبلية،
فما عليه إلا أن يستبعد من قراءته ومن تنبؤاته
كل ردود الأفعال المتوقعة والمنطقية، فالرئيس
عزيز قد عودنا على أن يتصرف دائما خارج دائرة الاحتمالات وردود الأفعال المتوقعة.
فلعلكم تتذكرون يوم قدم إلى العاصمة المئات من حراس "ازويرات"
سيرا على الأقدام، وهم يرفعون صور الرئيس، ومع ذلك فقد منعوا من دخول العاصمة فما
كان منهم إلا أن اعتصموا على مشارفها لشهر ونصف..لقد توقع الجميع من "رئيس
الفقراء" أن يزور الحراس الفقراء في مكان اعتصامهم، أو أن يستقبل مناديبهم في قصره ، ولكن الرئيس لم يفعل شيئا من ذلك، بل
إنه اختار أن يفعل الشيء الذي لم يكن يتوقعه أي أحد، وهو أن يسافر إلى مدينة "ازويرات"
في وقت كان لا يزال فيه المئات من العمال القادمين من هذه المدينة يواصلون اعتصامهم
عند مشارف العاصمة.
ولعلكم تتذكرون أيضا مقطع الفيديو المثير الذي ظهر في
تلك الفترة، والذي يعترف فيه عمدة "ازويرات" بالعشرين مليار أوقية التي
استولى عليها باعتبارها تعويضا لما تصبب من عرق من جبينه. لقد توقع الجميع من
"الرئيس المحارب للفساد" أن يبعث وعلى وجه السرعة بعثة من مفتشية الدولة
إلى العمدة، ولكن الرئيس لم يفعل شيئا من ذلك، بل إنه اختار أن يفعل الشيء الذي لم
يكن يتوقعه أي أحد وهو أن يزور العمدة في بلديته، وأن يطلب من بقية العمد بأن
ينتخبوا "آن متليت من الفظة" رئيسا لرابطة العمدة الموريتانيين. لم نكن
نتوقع من الرئيس أن يزور مدينة "ازويرات" في تلك الفترة، ولكنه زارها، وستأتي
أيام بعد ذلك سنتوقع فيها أن يزور الرئيس
مدينة "ازويرات" ولكنه لن يزورها.
فبعد أربعة أشهر من انطلاق مسيرة الحراس الراجلة ستشهد مدينة
"ازويرات" إضرابا غير مسبوق نظمه عمال "اسنيم". ولقد أجمع
المتابعون على أن والي "ازويرات" قد تعامل مع الإضراب بأسلوب في غاية
الحكمة، يختلف تماما عن تعامل الوالي السابق مع إضراب سابق شهدته المدينة، وقد نتج
عنه إحراق بعض المباني الحكومية بما فيها مكتب الوالي نفسه. لقد أجمع المتابعون
على أن تعامل الوالي مع الإضراب كان في غاية الحكمة، وان تعامل مدير شركة "اسنيم"
مع الإضراب كان في غاية السوء، ولذلك فقد توقع الجميع من الرئيس أن يرقي وأن يكرم
الوالي، وأن يقيل مدير شركة "اسنيم"، ولكن الرئيس لم يفعل شيئا من ذلك،
بل على العكس تماما، فقد قرر أن يحول الوالي وأن يحتفظ بمدير الشركة الذي فشل فشلا
ذريعا في إدارة الشركة، وفي إدارة
الإضراب.
لا أحد كان يتوقع من الرئيس عزيز الذي يدعي بأنه هو من
وقف ضد بيع "اسنيم" ذات عهد سابق، أن يترك هذه الشركة تنهار. لقد توقع
الجميع من الرئيس عزيز أن يقوم بزيارة لمدينة "ازويرات" لحل الأزمة التي
تمر بها الشركة منذ شهر ونصف، ولكن الرئيس لم يفعل ذلك، بل على
العكس من ذلك، فلقد اختار أن يقوم بزيارة للمدينة الأبعد جغرافيا من مدينة "ازويرات".
لقد توقعنا من الرئيس أن يظهر لنا في مدينة "ازويرات" فإذا به يطل علينا
من مدينة "النعمة".
لم يكن من المتوقع إطلاقا أن ينظم الرئيس عزيز أي زيارة
لأي مدينة أو ولاية من قبل حل أزمة "اسنيم"، ولكن ذلك هو بالضبط ما حصل.
المستفز في الأمر هو أنه لا أحد يعرف الهدف من الزيارة الحالية
التي يقوم بها الرئيس للحوضين، فنحن لم نشاهد تدشين مشاريع جديدة، وإنما شاهدنا
إعادة تدشين لمشاريع تم تدشينها أكثر من مرة. ونحن لم نشاهد خلال الزيارة أي
اهتمام خاص، ولا أي استعداد لمواجهة الجفاف الذي يهدد سكان المنطقة. كما أن هذه الزيارة
لم تكن من أجل الاتصال بسكان المنطقة، فلو كانت كذلك لطلب الرئيس من القادمين من
العاصمة أن يعودوا من حيث أتوا.
لقد توقع الكثيرون ـ وأنا لستُ منهم ـ بأن تكون هذه
الزيارة قد جاءت من أجل التمهيد لتعديل الدستور، ولكن الرئيس خيب أيضا التوقعات في
هذه المسألة، وأعلن بأنه لا يفكر في تعديل الدستور، وكانت هذه واحدة من تصرفات
الرئيس التي خالفت المتوقع، ولكنها كانت تتميز عن كل ما سبقها من مخالفات بأنها
مخالفة مرحب بها.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق