شكرا لأولئك الشباب الذين رفعوا شعار رابعة
في قصر المؤتمرات أثناء خطاب وزير الثقافة المصري، وشكرا لهم لأنهم أربكوا وزيرة
الثقافة الموريتانية وأحرجوها أثناء خطابها، وشكرا لهم لأنهم شوشوا على الحفل عند
افتتاحه.
فشكرا لهم حين رفعوا شعار رابعة في قصر
المؤتمرات، وشكرا لهم حين كشفوا الغطاء عن أقمصتهم الصفراء، وشكرا لهم حين بدؤوا
الصراخ للتشويش على الحفل.
شكرا لهم، أقولها بأعلى صوتي، وليقل من شاء
منكم : لقد جنَّ الرجل وأصبح من الإخوان.
فقولوا ما شئتم، ولكن أرجو أن تسمحوا لي بأن
أذكركم بهذه : لقد كنتُ أول من انتقد رفع شعار رابعة في مباني الجمعية الوطنية في
أول اجتماع للبرلمان الجديد، ويومها قد قال شباب من الإخوان : لقد جنَّ الرجل
وأصبح من الظلمة.
إنه من الظلم البين أن نصنف كل من خالفنا
الرأي في قضية ما بأنه من الظالمين. كما أنه من السذاجة أن نصنف كل من دافع عن
شعار رابعة بأنه من الإخوان، فالدفاع عن هذا الشعار يجب أن لا يقتصر على الإخوان،
وذلك لأن الدفاع عنه هو من
مسؤولية كل المدافعين عن الديمقراطية في العالم، أو هكذا يفترض.
المهم أني كنتُ بالأمس واحدا من الظلمة حسب البعض، واليوم سأكون واحدا من الإخوان حسب البعض الآخر، وغدا سأكون واحدا آخر من قوم آخرين، إن واصلتُ الكتابة والحديث في الشأن العام.
إن من يتحدث في الشأن العام وفي السياسة لا
بد له من أن يصنف، وأن يعاد تصنيفه مع كل مقال، وعلى من لا يريد أن يصنف، أن لا
يتحدث إطلاقا في السياسة. لا بأس، سأجرب في هذا المقال أن لا أتحدث عن السياسة،
وسأحاول أن أتحدث في أمور أخرى بعيدة تماما عن السياسة، سأتحدث عن البيئة، وعن
الثقافة.
حديث في البيئة:
سمعتُ مرة بأن من بين تعريفات التلوث هو أن توجد مادة ما في غير زمانها ومكانها الطبيعيين، ومن هذا التعريف يمكننا أن نستنتج وبلا مشقة بأن أي مادة وجدت في زمانها ومكانها الطبيعي لا تشكل تلوثا. فأن يظهر شعار رابعة على يد نائب برلماني انتخبه بعض الموريتانيين لكي يتحدث عن همومهم اليومية، أن يظهر ذلك الشعار، في أول ظهور رسمي لذلك النائب فذلك يشكل تلوثا حسب التعريف السابق. أما أن يرفع شعار رابعة في وجه وزير مصري من هذه الحكومة المصرية الظالمة الباطشة، فإن ذلك هو أسمى عمل نضالي يمكن أن نقوم به، وبالتالي فهو لا يشكل تلوثا.
حديث في الثقافة:
إنه من الصعب جدا أن نفصل بين الثقافة والسياسة، أو بين الرياضة والسياسة، أو بين العمل الخيري والسياسة، ولا حتى بين التبرع للمنتخب الوطني والسياسة. ورغم صعوبة الفصل، إلا أنه رغم ذلك هناك بعض الأمور التي إن اتبعت عند تنظيم نشاط ما، كان بإمكاننا أن نعتبره حدثا ثقافيا لا يجوز لنا أن نتعامل معه بطريقة سياسية، وهناك أمور أخرى إن توفرت في ذلك الحدث كان من حقنا أن نعده حدثا سياسيا، وبالتالي أن نتعامل معه بأدوات سياسية لا ثقافية.
فعلى سبيل المثال لو أن المركز
الثقافي المصري خلد خمسينيته بمحاضرات وندوات ودورات مفتوحة ينعشها مصريون
وموريتانيون من مختلف الاختصاصات، لقلنا بأن ذلك الحدث حدثا ثقافيا لا يحق لأي كان
أن يرفع فيه شعار رابعة. أما أن يأتي وزير حكومة انقلابية للإشراف على أنشطة
ثقافية فإننا في هذه الحالة نكون أمام حدث سياسي يجب أن نتعامل معه بأدوات سياسية.
ولولا
أني قررت أن لا أتحدث في السياسة في هذا المقال لقلت بأنه كان على الحكومة
الموريتانية، والتي تدعي بأنها حكومة ديمقراطية، والتي ترأس اليوم الاتحاد الإفريقي
وهو المنظمة التي رفضت الاعتراف بالانقلاب في مصر، كان عليها أن تستضيف ـ وبشكل
رسمي ـ وفدا من المدافعين عن الشرعية في مصر، تماما كما فعلت جارتنا الديمقراطية
(السنغال). وكان عليها أن تستضيف وزير الثقافة المصري المطاح به لترأس الاحتفال بخمسينية
المركز المصري، أما وأنها لم تفعل، أما وأنها قد اختارت أن تستضيف وزيرا من حكومة
انقلابية فإنه في هذه الحالة يصبح من حق كل الموريتانيين الذين لا يعترفون بالحكومة الانقلابية في مصر أن يعبروا عن ذلك بكل ما هو متاح من وسائل التعبير السلمي.
حفظ الله موريتانيا..
حفظ الله مصر..
الله يحفظ الشباب و الكتاب و كل من ساهم قيد أنملة في احلال حق أو وقف مع قضية عادلة ...
ردحذف