الأربعاء، 18 سبتمبر 2013

قراءة في التعديل الوزاري الأخير


ينشغل الموريتانيون عادة بعد كل تعديل وزاري بالبحث عن الأسباب والدوافع التي كانت وراء ذلك التعديل، لذلك فلا غرابة أن ينشغلوا كثيرا بالتعديل الوزاري الذي تم إعلانه الليلة، والذي يمكن اعتباره ـ على الأقل ـ  من الناحية العددية، أهم تعديل وزاري تشهده حكومة الدكتور ولد محمد الأغظف، وذلك منذ الإعلان عن تشكلتها يوم 12 أغسطس من العام 2009.

ورغم أني لست في العادة ممن يُجهد نفسه في البحث عن تفسيرات و تأويلات لمثل تلك التعديلات والترقيعات التي تشهدها حكومة ولد محمد الأغظف من حين لآخر، وذلك لاعتقادي بأن تلك التعديلات والترقيعات لا يمكن تفسيرها بعيدا عن "المزاج السامي" لسيادته، وعن تقلبات ذلك المزاج، إلا أني ورغم تلك القناعة، فقد وجدتني مضطرا لأن أعلق ـ وللمرة الثانية ـ على تعديل وزاري، وذلك استجابة لطلبات وصلتني من قراء كرام، لا يمكن أن ترد طلباتهم.
وفي اعتقادي الشخصي فإن أهم شيء علينا أن نركز عليه لمحاولة فهم دلالات هذا التعديل الوزاري هو التوقيت الذي جرى فيه هذا التعديل.
ولا شك أن لهذا التوقيت أهمية خاصة، وذلك من ثلاثة أوجه:
أولها : أن توقيت التعديل الوزاري لا تفصله إلا ساعات معدودة عن اللقاء الذي سيجمع ممثل المنسقية بالوزير الأول، وهو اللقاء الذي يُراد له أن يمهد للقاء الأهم، أي لقاء الرئيس محمد ولد عبد العزيز بقادة أحزاب المنسقية.
ثانيها: أن هذا التعديل يأتي قبيل انتخابات بلدية و تشريعية من المفترض أنه قد أطلنا زمانها.
ثالثها: أن هذا التعديل قد جاء في لحظة استياء شعبي كان عنوانها الأبرز: مخلفات الأمطار، مع وجود عناوين رئيسية أخرى سيتم تجاهلها في هذه القراءة.
إن القراءة السليمة لهذا التعديل الوزاري تفرض علينا أن نجيب على ثلاثة أسئلة، وذلك بمعدل سؤال واحد عن كل وجه من الأوجه الثلاثة التي حددناها آنفا.
السؤال الأول : هل لهذا التعديل الوزاري صلة ما باللقاء المنتظر بين ممثل المنسقية والوزير الأول، وبالتالي فهل له صلة بالتقارب بين منسقية المعارضة والسلطة القائمة ذلك التقارب الذي يسعى إليه الطرفان، وبنفس المستوى من الحماس، حتى وإن كانا يتنافسان ظاهرا على إخفاء وكتمان ذلك الحماس؟
يمكننا القول بأن هذا التعديل الوزاري قد أرسل برقية سريعة إلى منسقية المعارضة، وذلك من قبل اللقاء المنتظر، خاصة وأن هذا التعديل قد شمل وزارة الداخلية ووزارة العدل، وجاء بوزيرين جديدين. أحدهما حتى وإن كان قياديا في الحزب الحاكم إلا أنه مع ذلك ظل بعيدا عن التجاذبات السياسية، ولم ينغمس بشكل مباشر في صراع مع المعارضة. والثاني وهو وزير الداخلية ورغم أنه كان واليا في عدة ولايات، إلا أنه لم يكن من أسوأ الولاة، ولم يكن من أكثرهم تقربا وتزلفا للسلطة الحاكمة، حتى وإن كان ـ ولأسباب وجيهة ـ لا يمكن الوثوق بمن كان واليا، وذلك لأن الولاة كانوا وما زالوا يد السلطة التي تبطش بها، ولا شك أن قادة المعارضة يعلمون ذلك أكثر من غيرهم.
إن تعيين هذين الوزيرين، ورغم الشبهات السياسية التي تلتف حولهما ( أحدهما قيادي  بالحزب الحاكم، والثاني كان واليا) كان يمكن أن يفهم بأنه رسالة  تم إرسالها بالبريد السريع  إلى المنسقية، ولكن عدم شمولية هذا التعديل لوزارة الاتصال وهي واحدة من أهم الوزارات التي لها صلة مباشرة بالانتخابات وبشفافيتها، وبقاء الوزير الحالي في وزارته وهو بلا شك يعد  من أهم الشخصيات القيادية في الحزب الحاكم، ومن أكثرهم انغماسا في الصراع مع المعارضة، كل ذلك يجعلنا نقول بأنه لا علاقة واضحة  بين هذا التعديل الوزاري والتقارب مع منسقية المعارضة.
السؤال الثاني: هل لهذا التعديل صلة ما بالانتخابات التشريعية والبلدية التي أطلنا زمانها؟
يمكننا أن نناقش صلة هذا التعديل بالانتخابات القادمة من وجهين : أولهما وهذا هو الأقل أهمية يتعلق بالوزراء الذين تمت إقالتهم، فهل أولئك الذين تمت إقالتهم قد أقيلوا لكي يتفرغوا للانتخابات القادمة؟ ربما يكون ذلك هو السبب في إقالتهم، خاصة بالنسبة لوزير الداخلية  والذي كثر الحديث عن احتمال ترشيحه في الانتخابات القادمة، وكذلك وزير العدل، وربما يكون النظام يحاول أن يجعل من أحد الوزيرين المقالين مرشحه لرئاسة البرلمان القادم.
أما الوجه الثاني وهو الأهم، فهل يريد الرئيس من هذا التعديل الوزاري أن يكتسب شعبية جديدة ؟ وهل يريد أن يكتسب من خلاله ثقة الناخب الموريتاني تلك الثقة التي لم يعد بالإمكان اكتسابها من خلال الاكتفاء فقط بالحديث عن محاربة الفساد، وعن موريتانيا الجديدة، وعن التغيير البناء، وعن رئيس الفقراء. فتلك كانت شعارات حملة خلت، وهذه حملة جديدة لابد لها من شعارات جديدة بل لابد لها من أفعال ملموسة؟
هناك أسباب عديدة قد تجعلنا نقول بأن لهذا التعديل علاقة بالانتخابات القادمة، ولكن كل تلك الأسباب تصطدم باختيار وزير الخارجية الجديد، والذي يحيل عقل وقلب الناخب الموريتاني ـ وبشكل آلي ـ إلى نظام معاوية، بل وإلى أسوأ ما في ذلك النظام أي العلاقة مع العدو الصهيوني.
ألم يكن قطع العلاقات المشينة مع العدو الصهيوني واحدة من أهم منجزات النظام الحالي؟ ألم يُجمع الموريتانيون على أهميتها، سواء من كان منهم في المعارضة أو في الموالاة؟ ألم تكن تلك الخطوة الجريئة هي أبرز لافتة في الحملات الانتخابية الماضية للرئيس؟
فلماذا الآن وقد أطلنا زمان الانتخابات والحملات يقوم الرئيس بتعيين وزيرين اشتغلا سابقا  في سفارة موريتانيا في عاصمة العدو على رأس وزارتين هامتين؟ فهل هو بهذا التعيين يريد أن يقود حملة مضادة ضد شخصه، وذلك من خلال تشويه واحد من أهم انجازاته، إن لم يكن هو انجازه اليتيم؟
إن تعيين السفير السابق بعاصمة العدو، وتعيين المحاسب بنفس السفارة في حكومة واحدة ليؤكد بأن الرئيس لم يقصد بهذه التعديل كسب ود الناخب الموريتاني.
السؤال الثالث: هل هذا التعديل كان من أجل امتصاص الاستياء الشعبي خاصة المتعلق منه بمخلفات الأمطار؟
ربما يكون هذا التعديل قد جاء لامتصاص الاستياء الشعبي، خاصة أن وزير المياه والصرف الصحي قد تمت إقالته، ولا شك بأن الكثير من ضحايا الأمطار سيفرحون بتلك الإقالة.
ولكن الشيء الذي قد يشوش على هذه الفرضية، هو أن والي الترارزة قد تمت ترقيته، وذلك رغم أن تعامله مع الأضرار التي خلفتها الأمطار في مدينة روصو لا يختلف بأي شكل من الأشكال مع تعامل وزير المياه والصرف الصحي مع الأضرار التي تسببت فيها الأمطار التي تهاطلت على العاصمة، أوعلى غيرها من مدن البلاد.
وباكتمال الإجابة على الأسئلة المرتبطة بأوجه توقيت التعديل، فإنه يمكننا أن نستنتج بأن هذا التعديل لم يكن من أجل كسب ود المعارضة في هذه اللحظة الحرجة، ولم يكن كذلك من أجل دعاية انتخابية سابقة لأوانها، ولم يكن  من أجل  امتصاص غضب شعبي متصاعد.
إذاً فما هو الغرض من هذا التعديل الوزاري المتوقع منذ مدة طويلة والمفاجئ في نفس الوقت؟
ظاهر الأمر أن هذا التعديل الوزاري هو مجرد تعديل عبثي ساذج بلا معنى.
هذا هو ما تبادر لي، مع أني على قناعة كاملة بأن الرئيس الذي استطاع أن يدبر انقلابا سريعا على رئيس منتخب، واستطاع أن يخدع أكبر حزب معارض لتشريع انقلابه، و استطاع في غمضة عين أن ينتزع من المعارضة خطابها ذات حملة انتخابية رئاسية، واستطاع أن يستغل رئيس البرلمان في وقت حرج، واستطاع أن يكتم حقيقة مرضه عن مناصريه من قبل معارضيه، واستطاع أن يحول إصابته بنيران صديقة وما تطرح من أسئلة حرجة إلى لحظة انتصار يستقبل فيها عند المطار كما يستقبل الأبطال، واستطاع أخيرا أن يجعل من كل أسبوع يؤجل به الانتخابات التي كان عاجزا عن تنظيمها، وكأنه بمثابة تنازل مهم مقدم للمعارضة يحسب من ضمن انجازاته وأعماله التي يسعى من خلالها إلى التوافق. إن رئيسا كهذا لا يمكن أن نصف التعديل الوزاري الذي قام به في مثل هذه اللحظة السياسية الحرجة بأنه مجرد تعديل عبثي ساذج بلا معنى، حتى وإن كنا لا نستطيع أن نصف ذلك التعديل إلا أنه مجرد تعديل عبثي ساذج بلا معنى، إذا ما استخدمنا منطقا سليما لقراءة هذا التعديل.
وتبقى تعليقات سريعة على التعديل الوزاري:
1 ـ لقد أصبح من الواضح جدا، وبعد اقتراب نهاية مأمورية الرئيس الأولى، بأن هذا الرئيس لا يفكر إطلاقا في إصلاح التعليم، فحتى هيكلة الوزارة لم يتم حسمها حتى الآن، فهي تتغير مع كل تعديل.
2 ـ لقد كان شائعا ومنذ عدة أشهر بأن ولد محمد راره هو وزير الداخلية القادم، وأنه هو الذي سيخلف ولد البيليل، وبهذا التعديل تكون تلك الإشاعة قد تأكدت. وهنا نكون أمام واحد من أمرين: فإما أن ولد محمد راره قد تمكن من إطلاق حملة دعائية ناجحة أوصلته إلى الوزارة، وإما أن الرئيس كان قد أسر له أو لغيره، ومنذ مدة، بأنه هو وزير الداخلية القادم.
3 ـ هذه الفرضية الثانية تتناقض مع تعيين وزير العدل السابق والذي تمت إقالته في هذا التعديل. لقد ذكر نقيب المحامين في مقابلة مع قناة شنقيط بأن وزير العدل السابق، لم يكن على علم بتعيينه، والدليل على ذلك أنه في يوم التعيين كان يطلب من نقيب المحامين أن يعينه في وظيفة عادية في مكتب النقابة.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق