الجمعة، 25 مايو 2012

مناضل كبير بأخطاء كبيرة!!



هدوء من فضلكم..
فالليلة ليست ليلة عادية، والضيف ليس ضيفا عاديا، والحديث لن يكون حديثا عاديا، وتوقيت بث الحلقة جاء في لحظة موريتانية شاردة، يطاردها نصف حوار أعور، وتمتطي نصف ثورة عرجاء.
إن الذي سيتحدث في هذه اللحظة الزمنية الشاردة هو أحد المناضلَيْن الكبيرَيْن..
فاستمعوا جيدا لما سيقول..
وقبل ذلك، استمعوا جيدا لهذه : إذا اختلف المناضلان فحق لكم أن تقلقوا لأن ذلك يعني أن "كارثة ما" تقف بالباب، وإذا اتفقا فعليكم أن تناموا ملء جفونكم..
لقد ناضلا في سبيل الديمقراطية أكثر من غيرهما، ولا أحد في هذا البلد يمكن أن يبلغ شسوع نعالهما في النضال، ولكن في المقابل لا أحد قد ارتكب، في اللحظات المفصلية من تاريخ الديمقراطية في هذا البلد، أخطاءً جساماً بحجم أخطائهما، وكأن المناضلين قد اتفقا سرا على أن يضيعا في طرفة عين كل ما ناضلا من أجله لعقدين وزيادة من الزمن.

في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية 2007 كانت هناك فرصة عظيمة لتعزيز الديمقراطية، فاغتالها المناضل مسعود، وبعد انقلاب 6 من أغسطس 2008 كانت هناك فرصة عظيمة لإنقاذ الديمقراطية فاغتالها المناضل أحمد، واليوم هناك أيضا فرصة عظيمة لا يعرف الكثير من الناس أي المناضلين يعمل الآن على اغتيالها، وإن كان من المؤكد عند الجميع أن أحدهما يعمل الآن على اغتيالها.
اختلف المناضلان في الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية 2007 فحدثت كارثة، وكانت المسؤولية يتحملها وبشكل كامل المناضل الكبير مسعود ولد بلخير.
واختلف المناضلان  بعد انقلاب 6 أغسطس 2008 فحدثت كارثة، وكانت المسؤولية يتحملها وبشكل كامل المناضل الكبير أحمد ولد داداه ..
واختلفا اليوم وتفرقا فاقتربت الكارثة من الأبواب، ولكن في هذه المرة لم يتفق الناس، كما اتفقوا في الماضي، على أي المناضلين يمكن أن يُحَمَّل المسؤولية فيما سيحدث لاحقا، فهل هو المناضل أحمد الذي يقود نصف ثورة عرجاء؟ أم هل هو المناضل مسعود الذي  يقود نصف حوار أعور؟
تفرق المناضلان حتى في قلب الرئيس ولد عبد العزيز، فكان إذا رضي عن أحدهما كره تلقائيا الثاني، هذا إن لم يكرههما في نفس الوقت.
 مرة وصف ولد عبد العزيز أحدهما بالوطنية ووصف الثاني بالخيانة، ثم عاد مرة أخرى ليصف بالخيانة من وصفه بالوطنية، وليصف بالوطنية من وصفه مرات عديدة بالخيانة.
المناضلان الكبيران هما هكذا دائما في فراق شبه مستمر، وفي خلاف شبه مستمر،  وفي نضال شبه مستمر، وفي وفاق شبه مستمر، وفي تبادل للأدوار شبه مستمر.
والآن، دعونا نسجل خطأين كبيرين لأحد المناضلين الكبيرين، وذلك بعد أن أنهينا متابعة الحلقة الحوارية، ولكن قبل ذلك أرجو أن تسمعوا أيضا هذه : منذ عامين ونصف كتبت مقالا تحت عنوان " الانقلاب الأسمر" خصصته للدفاع عن المناضل الكبير مسعود، في وجه خصومه، ونادرا ما أدافع عن المشتغلين بالسياسة، ولكن للمناضل مسعود خصوصيته، ولقد قلت في ذلك المقال بأن:  "الزعيم مسعود سيبقى أعظم هبة قدمتها موريتانيا لحركة الحر، كما أنه سيبقى ـ في المقابل ـ أعظم هبة قدمتها حركة الحر لموريتانيا".
وهذه الجملة لا أجد حرجا في أن أكررها الآن، وسيظل المناضل مسعود، بالنسبة لي على الأقل، فوق النقد عندما يتعلق الأمر بالنضال ضد العبودية، أو بالوطنية. أما في غير ذلك من أمور السياسة ففي سيرة الرجل أخطاء كبيرة، سأتوقف عند خطأين منها:

الخطأ الأول: لم يكن تبرير المناضل مسعود لتصويته لسيدي ولد الشيخ عبد الله في الشوط الثاني من انتخابات 2007 مقنعا، فالانحياز لسيدي ولد الشيخ عبد الله كان غلطة كبرى، لا يعادلها من حيث البشاعة إلا غلطة أحمد ولد داداه  بدعم انقلاب السادس من أغسطس.
ولم يوفق المناضل مسعود في  محاولة تبريره لتلك الغلظة من خلال القول بأنه لم يتدخل، وبأن حزب التحالف هو الذي قرر دعم سيدي في الشوط الثاني بمعارضة صوت واحد لصالح ولد داداه، وكأن التنافس كان بين مسلم وكافر حتى يحصل مثل ذلك الإجماع!!!
حقيقة يصعب أن يصدق المرء أن مسعود المعروف بصراحته المحببة، والتي توقعه في بعض الأحيان في قول ما لا يليق بمقامه، على شاشة التلفزيون، قد استطاع أن يخفي عن قيادات حزبه رغبته في أن يصوت المكتب التنفيذي للحزب ضد ولد داداه، وهو التصويت الذي أعلن مسعود بأنه قد ارتاح لنتائجه كثيرا.
دعونا هنا نذكر بأن سيدي وأحمد كانا يتشابهان في كل شيء تقريبا ( المستوى العلمي، مستوى التدين، العمر، التجارب والخبرات، وإن كان سيدي يزيد على أحمد بأنه عمل مع معاوية واتهم في ملف فساد كبير). ولعل الفارق الوحيد بين الرجلين هو أن أحمد كان يترشح لرئاسة ناضل في سبيلها كثيرا، ودفع من عمره، ومن حريته، ومن سمعته كذلك، في حين أن سيدي لم يدفع أي شيء من أجل الوصول إلى الرئاسة سوى العودة إلى الوطن في آخر لحظة، وإعلان الترشح، من بعد الارتماء في أحضان بعض قادة انقلاب الثالث من أغسطس.
لذلك، فأن يأتينا مسعود في الحوار التلفزيوني ليقول لنا بأن المكتب التنفيذي للتحالف وافق بالإجماع على دعم سيدي، ولم يعارض إلا صوت واحد، فذلك يعني ـ في أقوى الاحتمالات ـ  أن المكتب التنفيذي للتحالف قد وصله ـ بطريقة أو بأخرىـ بأن الرئيس مسعود يريد تصويتا لصالح سيدي، ولم يكن من أعضاء المكتب إلا أن عبروا عن رغبة مسعود المعلنة  بإجماعهم على التصويت لصالح سيدي، وهنا نكون أمام مشكلة كبيرة يتقاسمها التحالف مع حزب التكتل، وهي أن الحزبين لا وجود لهما بدون زعيميهما.
يتشابه المناضل مسعود والمناضل أحمد في أشياء كثيرة، كما يتشابه التحالف والتكتل في أشياء كثيرة.
فعندما أخطأ مسعود واتخذ موقفا خاطئا في الشوط الثاني من انتخابات2007، وربما نتيجة لخلافه الشخصي مع أحمد، بارك حزب التحالف ذلك الخطأ، وأجمع على تزكيته، ولم نسمع  وقتها عن أي "تحالفي" رشيد نبه من داخل الحزب على خطورة ذلك الموقف.
ونفس الشيء حدث بعد ذلك مع التكتل، فعندما اتخذ أحمد موقفا خاطئا من انقلاب 6 أغسطس، ربما نتيجة لخلافه الشخصي مع سيدي، بارك التكتل ذلك الخطأ، وأجمع على تزكيته، ولم نسمع أيضا عن أي "تكتلي" رشيد نبه من داخل الحزب على خطورة ذلك الموقف.
ولذلك فمن حقنا أن نتساءل هل يوجد فعلا حزب اسمه التكتل، وآخر اسمه التحالف، أم أن الحزبين لا وجود لهما بدون قائديهما؟  وماذا سيكون مصير التحالف والتكتل إذا ما رحل أحمد ومسعود ـ وأسأل الله لهما عمرا طويلا ـ  عن دنيانا؟
وهل نحن حقا أمام مناضلين دكتاتورين؟
لن أجيب على هذا السؤال، ولكن بالنسبة للمناضل مسعود، والذي يركز عليه هذا المقال، فيمكنكم أن تسجلوا هذه: لقد كان مسعود هو أول رئيس حزب يرفض ـ من بين ثلاثة أحزاب تمت استضافتهم، حتى الآن، في برنامج  الحوار التلفزيوني ـ أن يسمح لقيادات حزبه بالتدخل أثناء الحلقة، وكأنه أراد بذلك أن يقول بأنه لم يأت بقيادات حزبه، إلا لأمور تتعلق بالديكور.

الخطأ الثاني: أن يتخذ المناضل مسعود موقفا مناهضا للثورة، فذلك أمر يمكن تفهمه، بحكم السن، وبحكم أن الرجل يؤمن أكثر من غيره بأنه يعيش في بلد نسيجه الاجتماعي هش، ومتعدد الأعراق. ولكن ما لا يمكن تفهمه هو أن يشجع المناضل مسعود على استخدام القوة ضد خصومه السياسيين، حتى ولو أدى ذلك لسقوط ضحايا.
وهذا الكلام يعني بأنه كان من حق  النظام أن يستخدم القوة ضد مسعود نفسه يوم 17 ابريل 2009، وذلك عندما قال في مهرجان أمام مسجد ابن عباس، وبحضور عشرات الآلاف من جمهور المعارضة بأن المعارضة لم تعد تطالب بالحوار، وإنما هدفها الآن قد أصبح الإطاحة بنظام ولد عبد العزيز.
ولم يوفق مسعود كذلك في هجومه اللاذع على قيادات وأحزاب المعارضة المقاطعة، خاصة وأن قادة تلك الأحزاب تجنبوا دائما أن يتحدثوا عن مسعود بما يسيء إليه، على الأقل، في تصريحاتهم المعلنة.
لم يكن مسعود مقنعا في حواره التلفزيوني، رغم أنه كان صريحا وعفويا كعادته، ولعل المشكلة الكبرى التي يعاني منها مسعود هي أنه فشل في أن يخلق نوعا من التناغم والانسجام بين أربع شخصيات من المفترض أنها تتعايش بانسجام في شخصه الكريم، ومن المفترض كذلك بأنها تتبادل الأدوار والظهور وفق جدول سياسي محدد.
فمسعود أولا هو زعيم حركة الحر، وثانيا هو رئيس حزب التحاف، وثالثا هو رئيس الجمعية الوطنية، ورابعا هو مرجعية نضالية ووطنية لكل الشعب الموريتاني.
وهذا الكلام يعني بأن على مسعود أن يعلم بأن هناك مناسبات ولحظات لا يجوز له فيها أن يتكلم بصفته الحزبية، وإذا كان الحزب لا بد له أن يقول كلمة في تلك الأوقات والمناسبات، فعليه أن يكلف بعض قيادات الحزب لنطق تلك الكلمة، وهو ما سيخفف من البطالة المقنعة التي تعاني منها قيادات الحزب، وهنا يكون مسعود قد ضرب سربا من العصافير بطوب واحد.
لم يكن الكلام الذي تحدث به مسعود عن أصدقائه بالأمس يليق بمكانته كمرجعية نضالية، وكرئيس للجمعية الوطنية، ولا حتى يليق بمكانته الحزبية.
لقد تحدث مسعود عن نيته في مقابلة قادة منسقية المعارضة، ولكنه للأسف الشديد لم يمهد لذلك اللقاء، بعدما أطلق قبله الكثير من الأوصاف والعبارات التي لا تليق، كما أنه لم يمهد له بخطابه الذي افتتح به الدورة البرلمانية الأخيرة، والذي كان خطاب رئيس حزب  من قبل أن يكون خطاب رئيس جمعية وطنية، كما أنه لم يمهد له كذلك، عندما قال بأنه لا حوار جديد من قبل تنفيذ كل بنود الحوار القديم.
إن من حق قادة المنسقية أن يتعاملوا مع مسعود في أي لقاء قادم، بوصفه مجرد رئيس لحزب سياسي، لأنه هكذا أراد أن يكون في الآونة الأخيرة، رغم أن كل الأبواب كانت مفتوحة له لأن يفرض على الجميع ( أغلبية وموالاة) بأن يتعاملوا معه بوصفه رئيس جمعية وطنية، وبوصفه مرجعية نضالية ووطنية يمكن أن يلجأ إليها في اللحظات العصيبة، ويمكن لها أن تقدم مبادرات لحلول يجتمع عليها الكل في أوقات الأزمات التي قد يمر بها البلاد، كما هو الحال في مثل هذه الأيام.
تصبحون على حوار مع المناضل الثاني.....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق