الاثنين، 15 سبتمبر 2025

إلى القادة العرب والمسلمين.. لا نريد قمة استثنائية مكررة!


في يوم السبت 11 نوفمبر 2023، عقد قادة الدول العربية والإسلامية قمة عربية إسلامية استثنائية في الرياض، وأصدروا حينها "قرارًا تاريخيًّا" من ثمانية بنود. ولا أدري لماذا سموه قرارا بدلا من بيان؛ فقد تكررت في هذا القرار كلمة "فوري" بمختلف صِيَغها ومشتقاتها في نقاطه الثمانية، وكأن الذي أصدر ذلك القرار أراد أن يقول بلغة فصيحة وصريحة إنه قادر على تنفيذ بنوده الثمانية بشكل فوري. ولكن، وللأسف الشديد، فلا شيء نُفِّذ من القرار التاريخي لقمة الرياض الاستثنائية؛ بل إن كل النقاط التي أثارتها تلك القمة في قرارها التاريخي ازدادت تأزما وتعقيدا.

وللتذكير - ولعلَّّ الذكرى تنفع القادة العرب والمسلمين- فسنذكر القادة بما وعدوا بتنفيذه بشكل فوري في قمة الرياض 2023، نذكرهم به من خلال استعراض قرارهم التاريخي من جديد نقطة نقطة دون أن نزيد كلمة أو نحذف أخرى، مع طرح سؤال بعد كل نقطة للتأكيد على أن تلك النقطة لم تنفذ لا بشكل فوري، ولا بشكل غير فوري، بل إنها ازدادت تأزما وتعقيدا.

إليكم النقاط الثامنية التي جاءت في "قراركم التاريخي" الذي أصدرتموه في قمة الرياض 2023، والذي وعدتم  بتنفيذ نقاطه الثمانية بشكل فوري:

1 ـ كسر الحصار عن غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية، تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل "فوري". نطرح السؤال هنا: هل كُسِر الحصار على غزة أم أنه ازداد استحكاما وقسوة؟

2 ـ دعم كل ما تتخذه جمهورية مصر العربية من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل "فوري" ومستدام وكاف. السؤال هنا: هل اتخذت مصر خطوات لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري، وهل تمَّ إسناد تلك الخطوات من طرف بقية الدول العربية والإسلامية؟

3 ـ مطالبة مجلس الأمن اتخاذ قرار "فوري" يدين التدمير الهمجي الذي تمارسه إسرائيل للمستشفيات في قطاع غزة. هل اتخذ مجلس الأمن قرارا فوريا بذلك أم أن الفيتو الأمريكي ما زال يعمل على عرقلة أي قرار من هذا القبيل؟

4 ـ ضرورة أن يفرض القرار على إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، التزام القوانين الدولية وإلغاء إجراءاتها الوحشية اللاإنسانية بشكل "فوري". هل التزمت إسرائيل بالقوانين الدولية، وهل ألغت إجراءاتها الوحشية؟

5 ـ بدء تحرك دولي "فوري" باسم جميع الدول الأعضاء في المنظمة والجامعة لبلورة تحرك دولي لوقف الحرب على غزة. هل حدث أي تحرك دولي مكن من وقف الحرب على غزة؟

6 ـ التأكيد على ضرورة العودة "الفورية" لهؤلاء النازحين إلى بيوتهم ومناطقهم. هل عاد النازحون بشكل فوري إلى منازلهم أم أن عدد النازحين ظل في ازدياد خلال السنتين الأخيرتين؟

7 ـ التأكيد على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي خطوات "فورية" وسريعة لوقف قتل المدنيين الفلسطينيين واستهدافهم. هل اتخذ المجتمع الدولي خطوات أوقفت قتل المدنيين الفلسطينيين، أم أن عمليات القتل ازدادت من حيث العدد والوحشية؟

8 ـ التأكيد على ضرورة تحرك المجتمع الدولي "فورًا" لإطلاق عملية سلمية جادة وحقيقية تفرض السلام على أساس حل الدولتين الذي يلبّي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. هل انطلقت عملية سلام جادة، وهل تمَّ تحقيق حل الدولتين، أم أن الرئيس الفلسطيني ما زال يُحرَم من التأشيرة الأمريكية لحضور الاجتماعات الدولية التي يمكن أن تُناقش هذه المواضيع؟

يظهر من خلال الأسئلة التي طرحناها بعد كل بند من البنود الثمانية أن القرار التاريخي الذي أصدره القادة في قمة الرياض 2023 كان مجرد حبر على ورق، وأنه لم يتعامل معه أحد في هذا العالم بجدية. بل على العكس من ذلك، فإن كل النقاط التي أثارها وطالب بحلها بشكل فوري ازدادت تعقيدا وتأزّما، نقطة نقطة بندا بندا.

لقد أصبح الحصار على غزة بعد قمة الرياض وقرارها التاريخي أشد، والمجازر أبشع، والتواطؤ أوضح، والخذلان أوسع؛ بل إن جرأة العدو ازدادت أكثر بعد تلك القمة، فقصف عاصمة دولة عربية توجد بها قاعدة أمريكية وتقود جهود الوساطة، ولهذا تمت الدعوة إلى قمة عربية إسلامية استثنائية جديدة.

إننا لا نريد لقمة الدوحة 2025، التي جاءت بعد أن أبرق العدو الصهيوني برسالة واضحة وغير مشفَّرة مفادها أنه لا بلد عربي أو إسلامي آمن أمام يده الباطشة والغادرة، وأن إسرائيل التي تدعمها أمريكا سيبقى لها الحق - كل الحق- في أن تقصف أي عاصمة عربية أو إسلامية متى شاءت وكيفما شاءت. لا نريد لقمة الدوحة 2025 أن تكون مثل قمة الرياض 2023؛ أي أن تكتفي باتخاذ قرارات لا يتجاوز عمرها الافتراضي الدقائق القليلة التي تُتْلَى فيها على مسامع القادة، ولا يبقى لها من أثر إلا ما تؤرشفه الصحف والمجلات والمؤسسات الإعلامية في أرشيفها المكتوب أو المسموع أو المرئي.

إننا اليوم بحاجة إلى قمة استثنائيةٍ بحق، تصدر قرارات استثنائيةٍ بحق، في هذا الظرف الاستثنائي الصعب الذي تمر به الأمة العربية والإسلامية، على أن تعمل - وهذا هو الأهم - على التنفيذ الفوري لتلك القرارات.

مرة أخرى، أجدني مضطرا لأن أعيد إرسال هذا المقترح إلى القادة العرب والمسلمين قبل قمتهم في الدوحة، وفي اعتقادي الشخصي فإن هذا المقترح هو المخرج الوحيد من الهوان والذل الذي تعيشه الدول العربية والإسلامية منذ عقود.

لقد بات من الملحّ جدا التفكير في تأسيس حلفٍ إسلامي قوي تنخرط فيه الدول الإسلامية، ويمكن أن تتشكل نواته الأولى من السعودية وباكستان وإيران وتركيا ومصر (بالإضافة إلى قطر التي تعرضت مؤخرا للعدوان والتي تستضيف القمة)، لتشمل بعد ذلك بقية الدول الإسلامية. فبحلف كهذا سيكون بإمكاننا أن نحرر فلسطين، وبحلف كهذا سيكون بإمكاننا أن نحلّ مشاكلنا دون الحاجة للاستجداء بالآخرين، وبحلفٍ كهذا سنحمي قيمنا الإسلامية من علمنة القيم التي يقف خلفها الغرب المسيحي. ولتشكيل نواة هذا الحلف لا بد للدول المؤسسة لتلك النواة أن تتخذ بعض الخطوات والإجراءات التمهيدية المطمئنة:

1 ـ أن تعتذر الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن تدخلاتها السابقة في بعض الدول العربية، وأن تلتزم التزامًا صريحًا وقويًا بالتخلي نهائيًا عن أي وصايةٍ على الشيعة خارج حدودها، وأن لا تعمل مستقبلا - تحت أي ظرف - على تحريك الشيعة في بعض البلدان العربية والإسلامية لتحقيق المزيد من المصالح والنفوذ خارج حدودها على حساب دول عربية وإسلامية أخرى.

2 ـ أن تُوقِف المملكة العربية السعودية وبقية دول الخليج منح الأموال الضخمة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ فليس من الحكمة وضع كل البيض في سلةٍ واحدة، خاصةً إذا كان صاحب تلك السلة هو الرئيس ترامب المعروف بتقلب مزاجه، وعلى أن تُوجَّه تلك الأموال لتعزيز مكانة الحلف الإسلامي المنتظر، أو تُوجَّه لدعم بعض الدول الإسلامية المحتاجة.

3 ـ أن تقطع مصر وتركيا (وقطر) وبشكل فوري علاقاتها الدبلوماسية مع العدو الصهيوني، وتفتح مصر حدودها لكسر الحصار.

هذا مجرد مقترح أقدمه للقادة العرب والمسلمين، وأعلم مسبقا أن الغالبية من الشعوب العربية والإسلامية تعتبر كتابة مثل هذا المقترح مجرد تضييع للوقت والجهد فيما لا طائل من ورائه؛ فهذه الشعوب لم تعد تتوقع من قادتها أي عمل جدي لصالح فلسطين أو لصالح بلاد العرب والمسلمين.

نعم، لقد بلغ اليأس هذا المستوى بل أكثر؛ ومع ذلك أرجو أن يجد هذا المقترح آذانا صاغية وقلوبا واعية وعقولا راجحة تؤمن بضرورة العمل به.

حفظ الله بلاد العرب والمسلمين...




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق