الخميس، 29 أغسطس 2019

تصدقوا ولو رياءً!

تسببت الأضرار الناتجة عن الأمطار الأخيرة وما صاحبها من أنشطة خيرية إلى تجدد الحديث عن تسييس العمل الخيري وعن الرياء السياسي، وكمساهمة في هذا النقاش فقد ارتأيت أن أقدم وجهة نظري حول الموضوع.
عن الرياء السياسي
 أثارت القافلة الخيرية التي أطلقها حزب تواصل لصالح المتضررين من الأمطار في كيدي ماغا جدلا واسعا، وأعادت النقاش من جديد حول قضية شائكة تتعلق بممارسة الأحزاب السياسية للعمل الخيري،  وما قد يترتب على تلك الممارسة من رياء سياسي ومن تسييس للعمل الخيري.
قبل الحديث عن تدخل الأحزاب السياسية في العمل الخيري وما قد يترتب عليه من رياء سياسي، فإنه قد يكون من المهم التنبيه على أن الحديث  هنا لن يكون من منطلق شرعي أو فقهي، فذلك جانب متروك لفقهائنا ولعلمائنا الأجلاء ليتحدثوا فيه وليفصلوا فيه القول. سيتم الحديث من زاوية سياسية فقط، وذلك بعد أن أصبحت هذه القضية من قضايا الشأن العام التي تثير نقاشا عاما لدى المهتمين بالشأن السياسي.

بدءا لابد من التفريق بين الإنفاق الفردي أو الصدقة التي يقدمها الأفراد، فهذه أفضل وأعظم أجرا إذا ما كانت سرية وبعيدة عن أعين الإعلام، أما التبرع والإنفاق الخيري الذي تمارسه في العادة منظمات المجتمع المدني وقد تمارسه في بعض الأحيان أحزاب سياسية فمن الأفضل له ـ وحسب وجهة نظري الخاصة ـ أن يكون علنيا لا سريا، وأن يتم تسويقه إعلاميا، وذلك لأسباب عديدة لعل من أهمها:
1 ـ إن الخوف على الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني من الرياء قد لا يكون وجيها، وهو في كل الأحوال لا يصل إلى مستوى الخوف عند الأفراد، فرياء الأحزاب والمنظمات قد لا يكون حاضرا في الأذهان عند ممارسة الأنشطة الخيرية، على عكس ما قد يحصل عند ما يمارس الأفراد تلك الأنشطة الخيرية.
2 ـ  إن إعلان المنظمات والأحزاب السياسية لتبرعاتها ولإنفاقها الخيري بشكل علني قد يخلق جوا من التنافس الإيجابي بين الأحزاب والمنظمات، ولذلك فإن رفع الشعارات الحزبية عند تقديم أي عمل خيري قد يكون مطلوبا لخلق ذلك التنافس الإيجابي، والذي سيعود بالنفع على الفئات الأكثر فقرا وتهميشا. كما أن إعلان المنظمة أو الحزب لما يقوم به من أنشطة خيرية سيطمئن أولئك الذين تبرعوا له، ويؤكد لهم بأن ما تبرعوا به من مال أو من جهد قد تم توجيهه إلى وجهته الصحيحة.
3ـ لنفترض بأن الأحزاب السياسية تنفق رياءً، وبأن ما تقدمه من عمل خيري لا تريد به وجه لله، وإنما تريد به فقط تحقيق مكاسب سياسية وانتخابية، فحتى ولو تأكدنا من أن الحزب لا يقوم بالفعل الخيري لوجه الله، وإنما يقوم به لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية، حتى ولو تأكدنا من ذلك، فإنه سيبقى علينا كمتابعين للشأن العام أن نشيد سياسيا بذلك الفعل، فالحزب الذي ينفق موارده التي يخصصها للدعاية وللحملات الانتخابية في غير المواسم الانتخابية هو أفضل بكثير من ذلك الحزب الذي لا ينفق مالا إلا خلال المواسم الانتخابية. ثم إن الحزب الذي ينفق جزءا من موارده التي خصصها للدعاية والحملات الانتخابية على تنظيف شارع، أو في توفير الماء لأسرة فقيرة، أو في إطلاق قافلة إغاثة لهو خير ألف مرة من ذلك الحزب الذي لا ينفق تلك المخصصات إلا في الصور المكبرة لمرشحيه، أو في حفلات موسيقية يقيمها خلال ليالي الحملة الانتخابية. فنحن، وحتى لو علمنا، بأن تلك النفقات لن يحصل أصحابها على أجر أخروي، وذلك لأنهم لم يقصدوا بها وجه الله، وإنما قصدوا بها تحقيق مكاسب سياسية، إلا أننا مع ذلك سنظل نفرق بين مال أنفق أو جهد بذل في تنظيف شارع أو توفير ماء أو إغاثة منكوب، ومال آخر أنفق في صور مكبرة لمرشح أو في حفلة موسيقية للدعاية له، ذلك أن الإنفاق الأول يفيد الناس، أما الإنفاق الثاني فهو بلا فائدة.
وإذا ما ابتعدنا عن الحديث عن أعمال البر وعن البحث عن الأجر الأخروي، وإذا ما تحدثنا بلغة سياسية صريحة، فإنه يمكننا أن نقول بأن الحزب الذي يطلق قافلة إغاثة لصالح مدينة منكوبة هو أيضا يمارس عملا نضاليا يدخل في صميم نشاطه السياسي، وذلك لأنه يكشف من خلال ذلك الفعل، وبلغة سياسية فصيحة وصريحة عن جوانب  من التقصير في الأداء الحكومي، ومثل ذلك يدخل في صميم عمل الأحزاب السياسية، وخاصة المعارضة منها.

عن الرياء الحكومي
أثارت صورة وزير الداخلية  واللامركزية وهو ينحني تحت عريش متهالك لإحدى الأسر المتضررة وصورة وزيرة الإسكان والعمران والاستصلاح الترابي وهي تكاد تبكي تأثرا، أثارت تلك الصور نقاشا محتدما، فهناك من أشاد بتلك الصور، وهناك من اعتبرها مجرد صور عادية، وهناك طائفة أخرى اعتبرت من الصور التي تدخل في خانة "الرياء الحكومي"، وأن ما قام به الوزير والوزيرة ما هو إلا حركات تمثيلية لن تفيد المتضررين بأي شيئ.
هنا أيضا لابد من القول بأن ظهور الوزير منحنيا داخل عريش متهالك، وظهور الوزيرة وهي تكاد تبكي تأثرا من معاناة المتضررين، بأن كل ذلك يستحق الإشادة، حتى ولو كان تمثيلا ورياءً، والراجح عندي أنه لم يكن كذلك.
إن إظهار الوزراء لشيئ من التواضع أمام المواطنين، وإبداء التأثر أمام معاناتهم حتى ولو كان تمثيلا هو تصرف يستحق الإشادة، وإذا كان من نقد يمكن أن يوجه في هذا المقام للوزيرين، فسيتمثل في مطالبتهما بتجسيد تواضعهما وتأثرهما في قرارات وأفعال ملموسة تعود بالنفع على المتضررين من الأمطار.
أين رياء رجال الأعمال؟
في حملة التبرع الثانية للمنتخب الوطني والتي دعا لها الرئيس السابق تبرع رئيس اتحاد أرباب العمل الموريتانيين ب30 مليون أوقية قديمة. وفي الحملة الأولى تبرع الكثير من رجال الأعمال في تلك الحملة، كما تبرعوا من قبل ذلك ومن بعده لأنشطة ومبادرات سياسية قد لا يكون نفعها واضحا .
ألا يستحق ضحايا الأمطار أن يتبرع لهم رئيس أرباب العمل ب 10 ملايين على الأقل، أي بثلث ما تبرع به للمنتخب الوطني؟ ألا يستحق ضحايا الأمطار في كيدي ماغا أن يتبرع لهم رجال أعمالنا ولو رياءً كما تبرعوا رياءً للمنتخب الوطني ولمبادرات سياسية عديمة الجدوى.
لو أن رجال الأعمال تبرعوا لضحايا السيول لأشدنا بذلك، حتى ولو تأكدنا بأنهم فعلوا ذلك رياءً.
حفظ الله موريتانيا...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق