الثلاثاء، 24 يوليو 2018

بلاغ ضد وزيرين!


لقد شكل حديث الناطق الرسمي باسم الحكومة في مؤتمره الصحفي الأخير صدمة كبيرة للرأي العام الوطني، وذلك عندما قال بصريح العبارة بأن الرئيس محمد ولد عبد العزيز لن يترك السلطة من بعد اكتمال مأموريته الأخيرة، وبأن من يتوقع خروجه من السلطة من بعد إحدى عشر شهرا فهو واهم وضحية لأحلام الظهيرة.

ومع أنه لا أحد ينكر بأن الحديث عن تمديد المأموريات لم يتوقف خلال الفترة الماضية، فقد تحدث الوزراء والعلماء والنواب عن التمديد، إلا أنه وعلى الرغم من ذلك فإن تصريحات الوزير الأخيرة ستبقى هي التصريحات الأكثر خطورة، وذلك لأنها:
1 ـ  قد جاءت ـ أي تصريحات الوزير ـ بعد أقل من ثلاثة أسابيع من مقابلة الرئيس مع قناة "فرانس 24"، وهنا تكمن خطورة هذه التصريحات. ففي تلك المقابلة قال الرئيس بأنه سيحترم الدستور فيما يتعلق بعدد المأموريات. لقد كان حديث الرئيس مع "فرانس 24" عن المأموريات هو الحديث الأكثر صراحة، ومن حيث التوقيت فقد كان هو الأهم، وذلك لأنه قد تزامن مع تنظيم القمة الإفريقية في نواكشوط، مما يعني بأن القادة الأفارقة والرئيس الفرنسي وعدد من الصحفيين العاملين في كبريات القنوات والصحف الدولية كانوا شهودا على تعهد الرئيس باحترام عدد المأموريات.
2 ـ  لقد ساد انطباع عام لدى الجميع (معارضة وموالاة ) بأن الرئيس كان جادا هذه المرة في حديثه، ولذلك فقد بدأ الجميع يطوي ملف المأموريات. وأذكر بأني كتبتُ مقالا في وقت سابق بعد مقابلة الرئيس مع "جون آفريك"، والتي تحدث فيها عن مغادرته للرئاسة عند انتهاء مأموريته الثانية. في ذلك المقال قلت بأنه لا أحد في الموالاة يمكنه أن يثمن علنا تلك التصريحات، وأطلقت تحديا في هذا المجال، ولم أجد من يكسر ذلك التحدي سوى النائب محمد ولد ببانه، والذي أصبح يصنف عند بعض الموالين بأنه خارج الموالاة.
لم يتجرأ أي شخص آخر في الموالاة أن يثمن تلك التصريحات. أما التصريحات الأخيرة، وهذا ما جعلني أقول بأنها قد أعطت انطباعا لدى المعارضة والموالاة بجدية الرئيس هذه النمرة، فقد أعقبتها، وبعد تسعة أيام فقط، دعوة صريحة أطلقها وزير التعليم العالي من مقاطعة كرمسين وطالب فيها بهبة شعبية على عموم التراب الوطني تأييدا لتعهد الرئيس بعدم الترشح لمأمورية ثالثة، وقد قال الوزير بأن ذلك التعهد يشكل احتراما لدستور البلاد.
من هنا تكمن خطورة حديث الوزير، فعبد أن اقتربنا من طي ملف المأموريات، وبعد أن تجرأ أحد الوزراء على تثمين تعهد الرئيس في ملأ، فإذا بالوزير الناطق باسم الحكومة يعيد فتح هذا الملف من جديد، وبالطريقة الأكثر استفزازا، والأكثر وقاحة، واسمحوا لي على استخدام هذه الكلمة الأخيرة، فالمقام يفرض استخدامها.
3 ـ مما يزيد من خطورة هذه التصريحات الأخيرة هي أنها قد جاءت على لسان ناطق باسم الحكومة، وفي المؤتمر الأسبوعي للحكومة. أي أنها كانت تصريحات في منتهى الرسمية: ناطق رسمي باسم الحكومة، يتحدث أمام الصحافة الوطنية في مؤتمر صحفي للتعقيب على اجتماع مجلس الوزراء. مثل هذه التصريحات لا تقاس بأي تصريحات أخرى رغم خطورة كل التصريحات التي تدعو إلى التمديد وإلى انتهاك الدستور.  
 ولخطورة هذه التصريحات فقد كان لابد من مواجهتها بأساليب جديدة تختلف عن الأساليب المعهودة، ولذا فقد قرر عدد من المهتمين بالشأن العام أن يتقدموا ببلاغ إلى النائب العام يطالب باتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة الوزير وطبقا لأحكام قانون العقوبات الموريتاني.
هذا البلاغ يمكن أن يشمل وزير الداخلية الذي سمح بتثبيت لافتات تدعو إلى انتهاك الدستور في الأمكنة العامة، بل وفوق رؤوس عناصر الدرك في بعض نقاط التفتيش!
على وزير الداخلية أن يعلم بأننا دولة يجب أن يحكمها القانون، وبأن الشوارع والمكاتب العمومية ليست فوضى، وإذا كانت فوضى فسيكون من حق المعارضين أن يثبتوا لافتات في الأمكنة العامة تدعو إلى خروج الرئيس من السلطة من قبل اكتمال مأموريته الأخيرة، فهل سيسمح الوزير بذلك؟ وهل يدرك الوزير بأنه من الناحية القانونية لا فرق بين لافتة تدعو إلى تمديد مأموريات الرئيس وأخرى تدعو إلى انقلاب عسكري عليه.
لقد ظهر جليا بأن النظام القائم يحترم الرأي العام الخارجي، وبأنه يحتقر الرأي العام الوطني، فالرئيس قد اضطر لأن يعلن صراحة بأنه سيخرج من السلطة بعد اكتمال مأموريته الأخيرة، قد اضطر أن يعلن عن ذلك قبيل قدوم الرئيس الفرنسي، ولما عاد الرئيس الفرنسي والرؤساء الأفارقة إلى بلدانهم خرج علينا الوزير الناطق باسم الحكومة بتصريحه المستفز . نفس الشيء حدث مع لافتات مبادرة ولد أياهي، فقد نزعت هذه اللافتات من كل الأمكنة التي كانت توجد بها قبيل القمة الإفريقية، ووضعت بدلا منها لافتات كبيرة تروج لعدد من "جون آفريك" خصص تقريرا من عشرين صفحة لموريتانيا، وكان تحت عنوان "موريتانيا عزيز بدون عزيز؟" . ولما انتهت القمة وعاد الرؤساء الأفارقة إلى بلدانهم تم السماح لولد أياهي بإعادة لافتاته وتثبيتها في كل مكان، وبما في ذلك الأماكن التي تتبع لبعض القطاعات الأمنية.
الآن هل تبين لكم مدى احترام النظام القائم للرأي العام الخارجي، ومدى ازدرائه للرأي العام الوطني؟

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق