الأحد، 1 يوليو 2018

"التكتل" و"قوى التقدم" والأخطاء القاتلة!



ستون يوما فقط هي المدة التي أصبحت تفصلنا عن الموعد المعلن رسميا للانتخابات التشريعية والبلدية والجهوية القادمة..ستون يوما فقط هي التي تفصلنا عن يوم الاقتراع، ومع ذلك فسنجد بأن اثنين من الأحزاب الكبيرة التي تعول عليها المعارضة الموريتانية، لم تحسم حتى الآن أمرها، فحزب التكتل لم يتخذ ـ حتى كتابة هذه السطور ـ موقفا رسميا من الانتخابات، وإلى الآن فإن سؤال المشاركة والمقاطعة بالنسبة لهذا الحزب ما يزال مطروحا، أما حزب اتحاد قوى التقدم فإنه وإن كان قد أعلن عن مشاركته في الانتخابات في وقت مكبر، إلا أنه ورغم ذلك، فلم يحسم حتى الآن ملف التشريحات، بل إنه لم يناقش حتى الآن ذلك الملف.

إن المتأمل في حال الحزبين المعارضين الكبيرين سيجد نفسه أمام واحد من احتمالين، فهو إن أساء الظن فسيقول بأن هناك يدا خفية تعمل لصالح النظام هي التي كانت وراء جر الحزبين إلى هذه الوضعية التي لا تسر معارضا. وإن أحسن الظن، واستبعد وجود تلك اليد الخفية، فإنه لابد في هذه الحالة أن يتساءل : أين العقلاء في الحزبين؟ وأين القرارات الحكيمة التي تتخذ في الوقت المناسب؟ وبأي منطق قبل قادة التكتل أن يتأخر موقف حزبهم من المشاركة أو المقاطعة كل هذا التأخر، خصوصا وأن الأمر يتعلق بانتخابات حاسمة سيكون لنتائجها الأثر البالغ في مصير البلد وفي مصير ديمقراطيته المتعثرة؟ وبأي منطق قبل قادة اتحاد قوى التقدم أن يؤجلوا نقاش ملف الانتخابات كل هذا التأجيل، وذلك على الرغم من أن حزبهم كان هو الحزب الأكثر تحمسا من بين كل أحزاب المنتدى للمشاركة في الانتخابات؟
أزمة "قوى التقدم" والتوقيت المريب    
 في مطلع شهر إبريل من هذا العام عرضت علينا في لجنة التناوب التابعة للمنتدى مسودة وثيقة الاتفاق الانتخابي بين أحزاب المنتدى، وهي الوثيقة التي سيتم الإعلان والتوقيع عليها رسميا في مؤتمر صحفي تم تنظيمه في يوم السبت الموافق 23 مايو 2018.
كان تعليقي على هذه الوثيقة عند عرضها علينا في اللجنة هو أنها وثيقة راقية وأنها تشكل تحالفا انتخابيا غير مسبوق سيعطي أملا جديدا للجمهور المعارض، وقد طالبتُ كما طالب غيري من أعضاء اللجنة بضرورة إطلاق حملة إعلامية واسعة للترويج لهذه الوثيقة بعد الإعلان عنها. أكثر من ذلك فقد جاء في المادة العاشرة من هذه الوثيقة  أنه "بعد توقيع هذا الاتفاق، تنظم أحزاب التحالف بعثات تحسيس مشتركة إلى جميع ولايات الوطن من أجل شرح أبعاد وأهداف هذا التحالف الانتخابي."
في نفس اليوم الذي سيعلن فيه رسميا عن أهم وثيقة انتخابية أصدرها المنتدى منذ تأسيسه، سربت مجموعة من قيادات حزب اتحاد قوى التقدم خبر انسحابها من اجتماع للجنة الأمانة الدائمة للحزب، وقالت في تسريبها بأن ذلك قد يكون بداية لانقسام حزب اتحاد قوى التقدم، وبطبيعة الحال فقد انشغلت الصحافة والمدونون والرأي العام بخلاف اتحاد قوى التقدم عن وثيقة المنتدى التي كان يراد لها أن تشكل حدثا إعلاميا كبيرا يعيد الأمل في نفوس المعارضين.
هنا قد يطرح السؤال نفسه: لماذا تزامن انسحاب بعض القيادات في اتحاد قوى التقدم مع الإعلان عن الوثيقة؟ ولماذا أصرت المجموعة المنسحبة على تسريب خبر انسحابها إلى الصحافة؟ ولماذا كان كل ذلك في مثل هذا الوقت الحساس انتخابيا؟
ظلت المجموعة المنسحبة من اجتماع اللجنة الدائمة للحزب هي التي تقدم روايتها للإعلام، فكانت تقول بأن هناك أزمة بين رئيس الحزب وعدد من الشباب، وهذا غير صحيح، فالخلاف هو خلاف فكري بين عدد من قادة الحزب، ومجموعة الشباب هي مجموعة كانت تحركها بعض القيادات في الحزب.
إن الخلاف هو خلاف فكري في الأساس، وقد ظهر هذا الخلاف في حالات كثيرة، فافتتاح نصوص الحزب ب"اتكالا على الله" قد أثار نقاشات ساخنة لأيام، وإصدار الحزب لبيان يدين كاتب المقال المسيء أو يندد بتجريد بعض المشاركين في مسيرات النصرة من ثيابهم، مثل ذلك كان يثير خلافات ونقاشات ساخنة.
ميزة اتحاد قوى التقدم أنه كانت له قدرة عجيبة في إدارة الخلافات الفكرية، والخلافات الفكرية تصعب إدارتها إن لم أقل تستحيل، فهي ليست كالخلاف في القضايا التنظيمية أو الإدارية التي تعرفها كل الأحزاب. كان حزب اتحاد قوى التقدم يدير تلك الخلافات بأساليب ديمقراطية، وبعرض تلك القضايا على هيئاته للتصويت، وكان الكل يقبل بنتائج التصويت. في الخلاف الأخير رفضت القيادات المنسحبة التصويت، وخرجت من الاجتماع عندما شعرت بأنها أقلية، ثم قالت بعد ذلك بأن رئيس الحزب يمارس دكتاتورية في الحزب!!
ملخص الحكاية أن هناك مجموعة من الشباب انتقدت رئيس الحزب انتقادا حادا بسبب موقف يتناغم مع نصوص الحزب كان رئيس الحزب قد عبر عنه، وطالبت تلك المجموعة  من رئيس الحزب الرجوع عن موقفه الذي عبر عنه، وطالبت بذلك ليس من داخل هيئات الحزب، وإنما من خلال بيان تم نشره بشكل واسع في المواقع، ولذلك فقد كان من المنطقي جدا أن يطلب رئيس الحزب وهيئاته من مجموعة الشباب أن تعتذر ببيان مكتوب عما صدر منها من إساءات لرئيس الحزب.
مرة أخرى أقول بأن الخلاف بين قادة حزب اتحاد قوى التقدم هو خلاف فكري، وفي السابق كان هذا الخلاف يدار بشكل ديمقراطي، ولكن يبدو الآن بأن هناك من لم يعد يقبل بذلك الأسلوب، فلماذا يتم الآن تضييع وقت ثمين في وساطات ونقاشات بلا أول وآخر؟ ولماذا الانشغال عن الملف الانتخابي بقضايا أخرى خاصة وأن الحزب هو من كان يقود جناح المشاركة في المعارضة؟ وماذا لو خرج هذا الحزب الذي جر المعارضة إلى المشاركة في الانتخابات بنتائج هزيلة جدا في الانتخابات القادمة؟
إن ما يجري الآن داخل هذا الحزب لهو أمر مؤسف، وإذا كان بعض قادة الحزب يرون في العلمانية خيرا كثيرا، فلماذا لا يؤسسون حزبا علمانيا خاصا بهم، يقول في نصوصه ـ بلغة فصيحة لا لبس فيها ـ بأنه حزب علماني..فبأي منطق يدافع بعض قادة حزب اتحاد قوى التقدم  عن العلمانية، وذلك في وقت لا يتجرؤون فيه على تأسيس حزب تقول نصوصه بأنه حزب علماني؟
التأخر المريب في موقف حزب "التكتل"
لستُ على اطلاع كبير بتفاصيل ما يجري داخل حزب التكتل، ولكن، وحسب ما يتم تسريبه إعلاميا، فإن الأغلبية في التكتل ترى بضرورة المشاركة، وهناك أقلية تضم بعض القادة ترى بخيار المقاطعة.
إن تأجيل الحسم في هذا الموقف سيكون ضمنيا لصالح الأقلية الداعية إلى المقاطعة حتى ولو اتخذ الحزب في نهاية المطاف قرارا بالمشاركة، فالمشاركة تحتاج للكثير من العمل والجهد، وببذل ذلك الجهد في وقته فسيكون بإمكان الحزب أن يحقق نتائج انتخابية تليق بمكانته. أما تأجيل الحسم في موضوع المشاركة أو المقاطعة إلى هذا الوقت فهو خطأ فادح لا يليق بهذا الحزب الكبير. للتذكير فإن  اليوم هو يوم الأحد الموافق 1 يوليو ، وملفات الترشيحات البلدية والجهوية سيتم إيداعها ابتداء من 3 يوليو، أي بعد يومين فقط، حسب المعلن رسميا.
أليس من العبث أن يكون أحد أكبر الأحزاب المعارضة لم يحسم حتى الآن موقفه من المشاركة أو المقاطعة، وملفات الترشح البلدية والجهوية سيتم استقبالها بعد غد؟
صحيح أن هناك صعوبات فنية تقف أمام تنظيم الانتخابات في فاتح سبتمبر القادم، ولكن كل تلك الصعوبات قد لا تمنع من تنظيم الانتخابات في موعدها، خاصة وأن السلطة قد تعودت على تنظيم الانتخابات في ظروف غير مواتية وغير مناسبة. لذلك فإن الرهان على تأجيل الانتخابات هو قرار خاطئ، وحتى وإن تم التأجيل الانتخابات لشهر أو لشهرين، فسيبقى تأخر التكتل في اتخاذ موقف من المشاركة أو المقاطعة، سيبقى ذلك التأخر من الأمور التي تثير الحيرة والاستغراب لدى كل من يهمه  مصير المعارضة، ومصير هذا الحزب الذي يعد من أهم أحزابها.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق