الخميس، 2 نوفمبر 2017

لن أتخلف عن مهرجانات النصرة

لم يحدث أن تخلفت عن أي مهرجان من مهرجانات النصرة في موسمها الماضي، ولن أتخلف عن مهرجانات النصرة في موسمها الحالي. سأخرج ـ بإذن الله ـ  يوم الجمعة الموافق 3 نوفمبر نصرة للرسول صلى الله عليه وسلم. لن أخرج  في ذلك اليوم بوصفي موريتانيا معارضا، وإنما سأخرج بوصفي موريتانيا مسلما يحتج ضد الإساءة إلى مقدساته، فلا يعقل أن أخرج للتنديد بإساءة الدنمركي أو الفرنسي أو
غيرهم من المسيئين الذين لا يربطني بهم دين ولا وطن، وأتقاعس  في الوقت نفسه عن الخروج للمطالبة بمعاقبة مسيء يجمعني به الوطن، وكان يجمعني به الدين.
سأخرج يوم الجمعة القادم لأسباب ودوافع غير سياسية، ولكن، ولأن هناك من المدونين المعارضين من يرى بأن كل من يخرج في حراك النصرة هو من الغوغاء الذين تحركهم السلطة بيدها المخابراتية في إطار سياسة الإلهاء التي تقوم بها من حين لآخر لإشغال  المعارضين عن قضايا أهم، وعن مشاكل حقيقية كان من المفترض أن ينشغلوا بها، فلأن هناك من يقول مثل ذلك الكلام، فقد لزم تقديم الإيضاحات التالية:
1 ـ إني لا أرى بأن هناك أي قضية أهم من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم (بالمفهوم الضيق للنصرة)، فنصرة المظلوم ـ أي مظلوم ـ هي أيضا من نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، وليست هناك أي مشكلة أخطر من الإساءة إلى المقدسات، وإني لن أقبل ـ بأي حال من الأحوال ـ  بأن ألبي كل دعوات التظاهر ضد ارتفاع الأسعار، و الفساد، والاستبداد، وأتقاعس في الوقت نفسه عن تلبية دعوات النصرة ( بمفهومها الضيق).
2 ـ إذا كان ملف المسيء  إلى نفسه هو من الملفات التي تستخدمها السلطة لإلهاء المواطنين عن مشاكلهم الحقيقية ولإشغالهم عن المشاركة في الاحتجاجات المؤثرة، فإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تحرك السلطة هذا الملف بعد الزلزال السياسي الكبير الذي أحدثه تصويت مجلس الشيوخ ب"لا" على التعديلات الدستورية؟ ولماذا لم تحركه خلال الاحتجاجات القوية التي نظمتها المعارضة من  قبل الاستفتاء؟ ولماذا لم تحركه في فاتح مايو بعد أن كادت الأمور أن تخرج من السيطرة بفعل الاحتجاجات الرافضة لقانون السير؟
فلماذا ظلت السلطة ترفض أن تخرج هذا الملف في ظل تلك الأحداث الكبيرة؟ ولماذا قررت أن تخرجه الآن بعد أن غط أغلب المعارضين في نوم عميق بدأ من مساء 6 أغسطس 2017، وما يزال مستمرا حتى ضحى هذا اليوم الموافق 2 نوفمبر 2017؟
إذا كان ما يقوله البعض صحيحا من أن السلطة الحاكمة قد أخرجت هذا الملف لإلهاء المعارضين والمواطنين عن مشاكلهم وعن همومهم الحقيقية، فخذوا مني هذه: إننا أمام سلطة  يمكن أن نصنفها بأنها السلطة الأكثر غباءً في العالم، فمن يريد أن يشغل نائما بملف قد يوقظه، وقد يذكره بالاحتجاج، فهو بالفعل من أكثر خلق الله غباءً.
3 ـ لا خلاف على أن حراك النصرة كأي حراك احتجاجي قد شكل قبلة لبعض رجال الأمن والمخابرات، ولا شك أن هناك من حاول أن يركب موجة هذا الحراك من أجل تلميع نفسه ومن أجل تحقيق مكاسب دنيوية خاصة لا علاقة لها بنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كل تلك الحقائق لا تنفي بأن هناك الآلاف بل عشرات الآلاف من الموريتانيين قد خرجوا من أجل نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، ولم يخرجوا لشيء آخر، ويرجو كاتب هذه السطور أن يكون من بين تلك الآلاف من الموريتانيين التي لم تخرج إلا لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
4 ـ  مرة أخرى أكرر بأن الخروج في حراك النصرة يجب أن لا يكون لدوافع وأغراض سياسية، ولكن ما دام بعض مدوني المعارضة يصر على أن يقحم السياسية في هذا الموضوع،وما دام البعض يصر على أن يصف كل من يشارك في هذا الحراك بأنه من الغوغاء الذين تحركهم السلطة، ما دام الأمر كذلك، فدعونا نتحدث بلغة سياسية  صريحة، وذلك لكي نحدد من هو الغوغائي حقا.
لنفترض جدلا بأن السلطة هي من يحرك هذا الملف، وبأنها تحركه فعلا لإلهاء ولإشغال المواطنين عن همومهم وعن مشاكلهم الحقيقية، ففي هذا الحالة، ماذا يجب على المعارض الذكي الحاذق الناضج الراشد أن يفعل؟
بمنطق السياسة ـ وأنا هنا وفي هذه الفقرة لا أتحدث إلا بمنطق السياسة ـ فإنه على هذا المعارض أن يسارع إلى التحرك من أجل إفشال خطط السلطة، وعليه أن يفعل كل شيء من أجل أن ينقلب السحر على الساحر، أي أن تتحول مسيرات الإلهاء إلى مسيرات ضاغطة على السلطة ومربكة لها.
إن الموريتانيين لن يترددوا في تلبية أي دعوة للنصرة، ومن يراهن على ذلك فهو واهم، ولذا فإنه سيكون من الحكمة ـ وأنا هنا ما زلت أتحدث فقط بمنطق السياسةـ أن يشارك المعارضون بكثافة في هذا الحراك، وأن لا يسمحوا لرجال مخابرات السلطة ولممثليها في الحراك أن ينحرفوا بهذا الحراك إلى وجهة غير وجهته الأصلية.
كان على قادة المعارضة أن يطلبوا من جماهيرهم ومن قيادات الصف الثاني والثالث أن يشاركوا بكثافة في هذا الحراك، وكان عليهم أن يعملوا على تأطير هذه الجماهير التي تلتقي بعفوية، وأن يحركوها في الاتجاه الصحيح، أي في اتجاه الضغط على السلطة حتى تنزل العقاب المناسب بالمسيء. كان على القيادات المعارضة من الصف الثاني أو الثالث أن تنزل إلى ساحات النصرة، وأن لا تترك فراغات قيادية يمكن أن يستغلها أصحاب المصالح الخاصة وعملاء السلطة ومخبريها، والأمر لن يكون بالغ الصعوبة فجماهير النصرة هي جماهير عفوية وصادقة، ولكنها في نفس الوقت لا تمتلك خبرة احتجاجية كبيرة. وهذه الجماهير في أغلبها لا تبحث عن تحقيق مكاسب ضيقة، وليست مهتمة بالظهور ولا بالقيادة، ومن هنا كان من السهل جدا لأصحاب المصالح الخاصة، ولعملاء السلطة أن يجتلوا واجهة الحراك وأن يصعدوا إلى منصته القيادية، ومن هنا تزداد أهمية مشاركة المعارضة في هذا الحراك، والوقوف ضد استغلاله من طرف مخبري السلطة وعملائها.
صحيح أن السلطة قد حاولت في فترة ما أن تكتسب جماهير النصرة، كما حاولت أن تكتسب الشباب من خلال شعارات تجد\يد الطبقة السياسية، ومن خلال لقاء الرئيس بالشباب. لقد قال الرئيس لجماهير النصرة بأن شرع الله سيطبق في المسيء إلى نفسه، وبأن موريتانيا ليست دولة علمانية، لقد قال ذلك في فترة  كانت تتحرك فيها الجماهير لإسقاط الأنظمة، لقد قاله لأنه يومها كان يخاف على سلطته من تلك الجموع الحاشدة التي اجتمعت تحت لواء النصرة، ولما اطمأن الرئيس على سلطته بعد تراجع ثورات الربيع العربي، أصبح اليوم يحاول أن يكسب ود الدول الغربية والمنظمات الغربية من خلال تبرئة المسيء الذي تطالب تلك الدول والمنظمات بتبرئته، وتستخدم كل ما تملك من ترغيب وترهيب من أجل تحقيق ذلك.
إن الرئيس محمد ولد عبد العزيز قد وجد نفسه في مأزق كبير، فهو إن أنزل العقوبة بكاتب المقال المسيء أغضب الغرب ومنظماته الفاعلة، وإن أطلق سراح المسيء إلى نفسه أغضب الشعب الموريتاني، ومن هنا تبرز أهمية مشاركة المعارضة في حراك النصرة، وأنا ما زلت إلى الآن أتحدث بالمنطق السياسي، فبتلك المشاركة سيحدث توازن في مستوى الضغط الذي أصبح منذ فترة يميل لصالح الدول والمنظمات الغربية، وكلما حدث مثل التوازن، فسيظل الرئيس في مأزق كبير.
ذلكم كان مجرد تحليل سياسي كان لابد من تقديمه للرد على بعض المعارضين، ويبقى أن أقول في الختام بأن ملف النصرة يجب أن يبعد تماما عن السياسة، وأن المشاركة في هذا الحراك يجب أن لا تكون لدوافع و لا لأغراض سياسية.   


حفظ الله موريتانيا..     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق