السبت، 1 يوليو 2017

إلى صاحب الأسئلة الثاقبة

طالعتُ بعض الأسئلة الثاقبة التي أبرقها إليَّ الأخ الفاضل شوقي محمد من خلال مقال عنونه ب : أسئلة لصاحب "العقل الثاقب"، ولقد أحسن الأخ بوضع "العقل الثاقب" بين ظفرين فما أنا بصاحب عقل ثاقب، ومن هنا فإني أرجو من الأخ أن يعذرني إن لم ترق أجوبتي هذه لأسئلته الثاقبة.

ومع أنه ليس من عادتي أن أسارع إلى الرد، إلا أن الأسئلة الثاقبة للأخ الفاضل وجدتها فرصة مناسبة لتقديم جملة من الإيضاحات لعل من أبرزها:
(1)
أتفق مع الأخ ومع كل القوميين العرب بأن العرب يتعرضون لمؤامرات كبرى، ولكني اختلف مع الأخ ومع غيره من القوميين حول الطريقة الأنجع للتعامل مع هذه المؤامرات. إنه من الغباء أن لا نتوقع من أمريكا أو من العدو الصهيوني، أو حتى من بعض القوى الإقليمية المنافسة أن لا تتآمر على العرب وعلى المسلمين. هذه حضارات وأمم منافسة ولذلك فليس غريبا أن تسعى لمصالحها ولتحقيق المزيد من النفوذ من خلال التأمر على أمة تمتلك كل المقومات والمقدرات لأن تكون أمة منافسة.
أتفق معكم على أن هناك مؤامرات بلا أول وبلا آخر تحاك ضد العرب بشكل خاص وضد المسلمين بشكل عام، ولكني أعتقد بأن الاكتفاء بالحديث عن هذه المؤامرات وتحميل الآخر ما نرتكبه نحن العرب (أنظمة وشعوبا) من أخطاء هو أيضا يعد نوعا من المؤامرة على هذه الأمة، ولا يقل خطورة عن مؤامرات الأمم المنافسة.
إن مواجهة هذه المؤامرات يتطلب حسب وجهة نظري المتواضعة مسألتين في غاية الأهمية: أولهما أن لا نترك ثغرة أو جرحا نازفا يمكن لتلك القوى المعادية أن تنفذ من خلاله مؤامراتها، والمؤسف أننا كثيرا ما نترك تلك الثغرة وذلك الجرح، ولا يتعلق الأمر فقط بالأنظمة الحاكمة، وإنما يمتد الأمر ليصل إلى كل أولئك الذين يمجدون ويدافعون عن أنظمة استبدادية أدمنت على البطش بشعوبها. ثانيهما أن لا نقبل بأن نقع في الفخ الذي تنصبه تلك القوى المعادية من أجل تنفيذ وإنجاح مؤامراتها، وكثيرا ما تقع أنظمتنا الحاكمة في ذلك الفخ، وخاصة منها تلك التي كنا نتوقع منها أن تلعب دورا أساسيا في نهضة هذه الأمة.
(2)    
 إن قرارات الأنظمة والقادة والزعماء لا يجوز أن نقومها بشكل عاطفي، وإنما علينا أن نقيمها أو نقومها بما أدت إليه من نتائج، وفي هذا الإطار فإنه يمكن القول بأن قرار احتلال الكويت كان من القرارات التي أدت إلى نتائج كارثية، ولازالت الأمة العربية تدفع ثمنه إلى يوم الناس هذا، والمصيبة الأكبر أنه أدى في محصلته النهائية إلى تسليم العراق أهم دولة عربية من حيث الموارد البشرية والمادية إلى إيران.
(3)
لستُ من الذين يؤمنون بنظرية "المستبد العادل"، فبالنسبة لي فإن الجمع بين الاستبداد والعدل هو كالجمع بين الشيطان والرشد كأن نقول مثلا "شيطان رشيد".
إن أي نظام يريد أن يحرر فلسطين أو أن يوحد العرب عليه أولا  ومن قبل أي شيء آخر أن يحترم شعبه، وأن يمنحه ما يستحق من حرية وكرامة...شخصيا لا أستطيع أن أصدق إطلاقا بأن نظاما مستبدا يبطش بشعبه سيكون بإمكانه أن يحرر فلسطين أو أن يوحد العرب.
(4)
لقد انتقدتُ إيران حين تدخلت في العراق وفي سوريا، ولي مقالات تنتقدها، ومع ذلك فأنا من الذين يرون بأن الأنظمة العربية التي أتاحت بأخطائها الفادحة  الفرصة للتمدد الإيراني هي أولى بالانتقاد من إيران، ولذلك فأنا اليوم انتقد النظام السوري، وفي مرحلة لاحقة النظام السعودي، وذلك لأن الأول قد أتاح لإيران أن تحتل سوريا، ولأن الثاني يعمل الآن ليتيح لها تحقيق المزيد من النفوذ والتمدد في جزيرة العرب.
في هذه المسألة قد نختلف، فأنت ترى بأن انتقاد إيران أولى، وأنا أرى بأن الأولى هو انتقاد الأنظمة العربية التي أتاحت لإيران  ولغيرها أن تحقق المزيد من النفوذ على أرض العرب.
(5)
قد يكون موقفنا من التحالف ضد العراق لتحرير الكويت ولتدمير العراق من بعد ذلك موقفا متطابقا، ولكن لا أخفيك بأني قد توصلتُ ـ عندما فكرتُ كثيرا في هذا الأمر بعقلي لا بعاطفتي ـ إلى استنتاج قد أختلف معك فيه. ولإيضاح هذه الفكرة أكثر فأنا لا أخفيك بأنه لا قدر الله لو قررت النظام الجزائري أن يحتل موريتانيا التي يحكمها اليوم نظام أعتبر أنني من معارضيه، لو احتل النظام الجزائري أرض موريتانيا لأي سبب كان فحينها لن أتورع عن الاستعانة بفرنسا أو بأي بلد آخر لتحرير بلادي، وسأحمل أي دمار يلحق بالمنطقة للنظام الجزائري الذي قرر أن يحتل بلادي. بالطبع لن أمانع أبدا في أن تتوحد موريتانيا مع الجزائر أو مع أي دولة عربية أخرى، ولكن الشرط اللازم لتحقيق ذلك هو أن لا يتم فرض الوحدة من طرف نظام دكتاتوري على نظام دكتاتوري آخر. من هنا فأنا أتفهم أن يلجأ النظام القطري لإيران أو لتركيا من أجل إبرام اتفاقيات تجارية أو حتى دفاعية وذلك من بعد أن قررت الشقيقة الكبرى أن تقود حصارا جويا وبريا وبحريا غير مسبوق ضد هذا البلد الصغير الذي لم يعد لديه من المنافذ على الخارج إلا المنفذ الإيراني.
(6)
لستُ ممن يحقد على الآخرين أيا كانوا، وذلك لاعتقادي بأن الحقد يضر صاحبه أكثر من غيره، ولستُ أيضا من الذين لا يقدرون وقوف العراق حكومة وشعبا مع موريتانيا، وخاصة في عقد الثمانينيات. ثم إني من الذين يعتبرون أن رحيل الرئيس صدام حسين كان رحيلا مشرفا، وبأن الملايين كانت شاهدة على آخر ما نطق به الرجل في هذه الحياة الدنيا، ولكن كل ذلك لا يعني بأي حال من الأحوال بأني لا أعتبر بأن للرجل أخطاء كبيرة ما زالت الأمة العربية تدفع ثمنها حتى يومنا هذا. هذه الأخطاء لم أكن أرغب في الحديث عنها بعد ذلك الرحيل المشرف، ولولا خطورة الأزمة الخليجية الحالية، ولولا تشابهها في بعض الأوجه مع أزمة الخليج في بداية التسعينيات، لما تحدثتُ أصلا عن تلك الأخطاء.  

(7)
كان التيار الناصري هو التيار الإيديولوجي الوحيد الذي انتسبتُ له في حياتي، وكان ذلك في مرحلة الثانوية وفي بداية المرحلة الجامعية، ولذلك فأنا أحتفظ ببقايا من بقايا هذا الفكر، وأنا من المدافعين عن اللغة العربية اللغة الرسمية للبلاد، وفي هذه فإني اتفق مع القوميين، ولكني اختلف معهم في أمور كثيرة أخرى منها دفاعهم عن المستبدين من أمثال السيسي وبشار إلى بقية القائمة، ومنها وقوفهم ضد الديمقراطية، ومنها عدم تحيين خطابهم واحتفاظهم بخطاب كان صالحا للستينيات أو للسبعينيات من القرن الماضي، ولكنه لم يعد صالحا لأيامنا هذه.
هذه الأخطاء مع غيرها هي التي جعلت القوميين يغيبون في مشارق بلاد العرب وفي مغاربها، ولذلك فمن الصعب أن نجد اليوم حزبا قوميا في أي بلد عربي،  يمتلك شعبية تذكر، وقادر على المنافسة.
القوميون وبمختلف تشكيلاتهم بحاجة اليوم ـ ومن قبل أي شيء آخر ـ  إلى نقد ذاتي وإلى مراجعات وعندما يمتلكون الشجاعة والجرأة لمحاسبة النفس و لتصحيح الأخطاء فحينها قد يكون بإمكانهم أن يستعيدوا مكانتهم في المشهدين الوطني والعربي.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق