الأربعاء، 5 أبريل 2017

مأمورية الفشل!

قال الرئيس محمد ولد عبد العزيز في مؤتمره الصحفي الأخير بأنه لم يخلق للاستقالة ولا للفشل، ولو أنه قال مثل هذا الكلام في مأموريته الأولى لكان بالإمكان تصديقه، أما أن يقوله في مأموريته الثانية، والتي كانت مأمورية فشل بامتياز، فإنه بذلك يكون قد أخطأ في القول كما أخطأ من قبل في الفعل.
لقد كانت المأمورية الثانية عبارة عن مأمورية من الفشل الذريع: فشل اقتصادي، فشل على مستوى الصحة والتعليم، فشل حتى على مستوى الشعارات، فإذا كان الرئيس الذي لم يخلق للفشل قد تمكن في مأمورية الأولى من أن يطلق شعارات براقة : الحرب على الفساد؛ تجديد الطبقة السياسية، الاهتمام بالفقراء، فإنه في مأموريته الثانية لم يعد قادرا على رفع أي شعار، جديدا كان أو قديما، فالشعارات القديمة قد انتهى عمرها الافتراضي في المأمورية الأولى، ولم تعد صالحة للتسويق ولا للاستهلاك في المأمورية الثانية.

لن أتحدث في هذا المقال عن الفشل الاقتصادي، ولا عن الفشل على مستوى الصحة أو التعليم أو على مستوى أي قطاع خدمي آخر، وإنما سأكتفي فقط بالحديث عن الفشل السياسي للرئيس ولموالاته الداعمة، مع إشارات سريعة إلى فشل المعارضة، وسأتحدث عن محطات هذا الفشل من خلال العناوين الفرعية التالية:
فشل في الحوار
في ملف الحوار فشل الرئيس وموالاته فشلا ذريعا، ويمكن تتبع مراحل الفشل في هذا الملف من خلال النقاط التالية:
1 ـ لقد تم التشكيك من طرف المعارضة الموريتانية في الانتخابات التشريعية (2013) والرئاسية (2014)، وكانت المعارضة تمتلك حججا قوية للتشكيك في هذه الانتخابات، ولكن الضربة القوية التي أصابت مصداقية تلك الانتخابات في مقتل جاءت من النظام نفسه عندما دعا إلى حوار مبكر مع المعارضة، وذلك من قبل أن تكمل المجالس والهيئات المنبثقة عن هذه الانتخابات سن الفطام. إن دعوة النظام المبكرة لحوار قد تترتب عليه انتخابات تشريعية، وربما رئاسية سابقة لأوانها، قد حولت الأزمة السياسية من أزمة سياسية صامتة إلى أزمة ناطقة. صحيح أن النظام كان يسعى من وراء تلك الدعوة المبكرة للحوار إلى تشريع مأمورية ثالثة أو الفوز بفترة رئاسية إضافية، ولكن في النتيجة، والأمور تقاس بنتائجها، فإن النظام لم يحقق بدعوته تلك إلى الحوار إلا أنه قد زاد من الشكوك حول مصداقية الانتخابات التشريعية والرئاسية، وحوَّل الأزمة السياسية من أزمة صامتة إلى أزمة ناطقة، ويبدو أنه قد عقد العزم إلى تحويل هذه الأزمة إلى أزمة صارخة.
2 ـ لم يعمل النظام على تصحيح الخطأ الذي وقع فيه من خلال الدعوة المبكرة إلى الحوار، ولو أن النظام قرر أن ينظم حوارا شاملا وجديا لتمكن من تجاوز الأزمة، ولاستطاع أن يسير المأمورية الثانية في ظل مناخ سياسي تصالحي وتوافقي. لقد زاد النظام من تعقيد الأزمة من خلال استمراره في تكرار الدعوات إلى الحوار مع العمل في الوقت نفسه على وضع العراقيل أمام أي حوار جدي.
3 ـ فيما يخص المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة فيمكن القول بأنه قد أدار ملف الحوار باحترافية كبيرة، حتى و إن كان قد أخفق في ملفات أخرى ستتم الإشارة إليها في هذا المقال. لقد ظل المنتدى يرفض المشاركة في أي حوار غير جدي، ولم يقع في الخطأ الذي وقعت فيه "المعارضة المحاورة" عندما شاركت في حوارات عبثية، ولكنه في نفس الوقت ظل أيضا يتعامل بإيجابية كبيرة مع كل دعوات السلطة للحوار وذلك لإثبات عدم جدية تلك الدعوات، وهو الشيء الذي جعل بعض المعارضين يصف المنتدى بمنتدى المهرولين.
لقد كان المطلوب من المنتدى ـ وهذا ما يجب قوله الآن ـ أن لا يشارك في أي حوار عبثي، وأن لا يقبل في الوقت نفسه بأن يظهر أمام الشعب الموريتاني بمظهر المتعنت الرافض للحوار. إن الجمع بين هذين الأمرين المتناقضين يحتاج للكثير من المرونة والاحترافية، ولم تغب تلك المرونة والاحترافية عن المنتدى، وذلك على الرغم من أنها تسببت له في انتقادات قوية من المعارضة الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي.
أخطاء الترويج لمأمورية ثالثة
إن من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها النظام القائم في حق نفسه، هو أنه قبل بإطلاق المبادرات الداعية لمأمورية ثالثة، وأعطى الضوء الأخضر لبعض وزرائه لأن يروجوا لهذه المأمورية، وذلك في وقت لم يكتمل فيه العام الثاني من المأمورية الثانية.  إن تلك الدعوات المبكرة لمأمورية ثالثة هي التي جعلت المعارضة تضغط ـ وبكل الوسائل المتاحة ـ من أجل انتزاع تعهد صريح من الرئيس بعدم الترشح لمأمورية ثالثة. كما أن الشركاء في الخارج ضغطوا هم أيضا، وكانت النتيجة أن الرئيس قد اضطر لأن يقول وبصريح العبارة بأنه لن يترشح لمأمورية ثالثة. وبطبيعة الحال فإن مثل ذلك التصريح قد أثر سلبا ـ وسيؤثر مستقبلا ـ  على مكانة الرئيس، وسيجعل الكثير من موالاته ينشغل فيما تبقى من المأمورية الثانية بالبحث عن الخليفة المنتظر.
ولكي تفهموا حجم هذا الخطأ الفادح المتعلق بالدعوة المبكرة لمأمورية ثالثة، فدعونا نفترض بأن الرئيس وموالاته تجنبوا الحديث في الفترة الماضية عن المأمورية الثالثة، وأنهم لم يطلقوا المبادرات المروجة لها، فلو أن مثل ذلك حدث، لما وجدت المعارضة، ولا الشركاء الأجانب أي حجة في مطالبة الرئيس بالتصريح المبكر بعدم ترشحه لمأمورية ثالثة. ولو أن الرئيس لم يصرح بعدم الترشح لمأمورية ثالثة، ولو أنه ـ وكما كان يقول ـ  ظل ينتظر حتى العام 2019 لكي يتحدث عن الموضوع، لو أن مثل ذلك حصل لكانت موالاته أليوم أكثر تماسكا وقوة. إن المبادرات المطالبة بمأمورية ثالثة كانت من أشد الأخطاء فتكا بالنظام القائم، وذلك لأنها دفعت بالمعارضة إلى الضغط من أجل انتزاع تعهد صريح ومبكر من الرئيس بعدم الترشح لمأمورية ثالثة. 
القضاء على الشيوخ
لقد ارتكب الرئيس الذي لا يعرف الفشل في "خطابه التاريخي" بالنعمة الكثير من الأخطاء، وكان من بين تلك الأخطاء تعهده العلني بالقضاء على مجلس الشيوخ، ولقد زاد من حجم هذا الخطأ دخول موالاته على الخط من خلال تنظيم مهرجانات لشرح مضامين خطاب النعمة، وهي المهرجانات التي تمت الإساءة فيها إلى الشيوخ الشيء الذي زاد من حجم استيائهم، وسيظهر حجم ذلك الاستياء في يوم السابع عشر من مارس من العام  2017. لقد وجه الشيوخ ضربة قوية للرئيس وموالاته، ولعل المدهش هنا أن الرئيس ظل يتوقع، وحتى الدقائق الأخيرة بأن ما يزيد على أربعين شيخا سيصوتون ب "نعم" على التعديلات الدستورية، فإذا ب33 شيخا يصوتون ب "لا". إن حدوث مثل هذا الأمر وبهذه السرية التامة، وفي دولة مخاباراتية، ليزيد من قوة الصفعة، وليرفع من مؤشرها إلى أن يوصلها إلى أعلى درجة في المؤشرات المعتمدة لقياس قوة الزلازل السياسية.
معركة العلم الوطني
من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها النظام في حق نفسه هو أنه حدد ساحة للمعركة في غير صالحه، فمعركة العلم الوطني كانت لصالح المعارضة، وقد جلبت لها المزيد من الأنصار، كما أنها دفعت بعناصر من الموالاة إلى الإعلان عن مواقفهم الرافضة لتغيير العلم، هذا فضلا عن دخول عناصر من الأغلبية الصامتة على الخط. لقد كان اختيار ساحة المعركة اختيارا سيئا، وكان اختيار سلاح المعركة اختيارا أسوأ، فأن يختار الرئيس الذي لا يعرف الفشل البرلمان وفيه مجلس الشيوخ، وهو سلاح غير مضمون، لكسب معركة تجري في ساحة في غير صالحه، فذلك يعني بأننا أمام رئيس فاشل حتى وإن قال بأنه لا يعرف الفشل. لقد أحس الرئيس الذي لا يعرف الفشل في وقت متأخر جدا بأنه قد أخطأ كثيرا عندما أدرج تغيير العلم في الاستفتاء، ولذلك فقد بدأ يفكر في فصل تغيير العلم عن بقية المواضيع الأخرى، وسيكتشف الرئيس فيما بعد بأن مجرد الإصرار على تنظيم الاستفتاء ستكون له تكاليف كبيرة، بل وكبيرة جدا.
كارثة المؤتمر الصحفي
يقال بأن هناك فرصة تأتي مع كل مشكلة، ولقد كانت هناك فرصة كبيرة أتيحت للرئيس، إنها الفرصة التي جاءت مع المشكلة الكبيرة التي وقع فيها النظام الحاكم بسبب رفض الشيوخ للتعديلات الدستورية. كان بإمكان الرئيس أن يعتبر نفسه فوق صراعات موالاته، وأن يعتبر بأن رفض الشيوخ للتعديلات الدستورية كان موجها للحكومة وللمشاركين في الحوار من موالاة ومن معارضة محاورة. كان بإمكانه أن يعتبر بأن تصويت الشيوخ ب "لا" هو مجرد "ظاهرة صحية" في الديمقراطية، وكان بإمكانه أن يمثل دور الحكم الذي لا ينحاز لأي فريق، وكان بإمكانه أن يبتلع الإهانة التي وجهها لها الشيوخ، وأن يبدأ في تصحيح الأخطاء التي تسببت في حصول ما حصل. فلو أن الرئيس فعل ذلك لكان بإمكانه أن يحول الأزمة التي تسبب فيها رفض الشيوخ للتعديلات الدستورية، أن يحولها إلى فرصة حقيقية، ولكن الرئيس انحاز إلى عناده، فرفض أن يحاسب حكومته وحزبه، وقرر أن يستمر في فرض التعديلات وأن يواصل حربه مع الشيوخ، ومن المؤكد بأن ذلك سيجلب له المزيد من الخسائر والمتاعب، والشيوخ لا يزال بإمكانهم أن يوجهوا ضربات موجعة أخرى للنظام الحاكم.
إن على الرئيس الذي لا يعرف الفشل أن يعلم بأن هناك أشياء تتغير في هذه البلاد، وإن هناك أمورا تتفاعل بهدوء تحت السطح، ولعل من أبرز مظاهر هذا التحول هو ظهور بعض القانونيين والشعراء والفنانين ورجال الأعمال والشيوخ في الخط الأول من خطوط المواجهة، ومن المعلوم بأن هؤلاء لم يكونوا ليظهروا في الصفوف الأمامية للمعارضة إلا إذا كانت هناك تغييرات عميقة تحدث تحت السطح.
الفشل في فسطاط المعارضة
فيما يخص نقاط الفشل المتعلقة بالمعارضة، فلا بد من قبل الحديث عنها من لفت الانتباه إلى أن هناك أمورا لا يمكن للمعارضة أن تتفرج عليها دون أن تقوم بردة فعل، حتى ولو كانت تعلم يقينا بأن النظام لا يريد من وراء تلك الأمور إلا إشغال المعارضة عن أمور أخرى أكثر أهمية. فالدعوة إلى مأمورية ثالثة حتى وإن كانت من أجل الإلهاء فلا يمكن إلا وأن يتم التعامل معها بجدية، وذلك لأن النظام الذي أطلقها للإلهاء، لابد وأنه سيفكر في تبنيها بشكل جدي إذا ما لاحظ بأن ردود الأفعال الرافضة لها كانت خجولة أو معدومة. يمكن أن نقول شيئا مشابها عن الدعوات إلى الحوار التي يطلقها النظام من حين لآخر. إن عدم إظهار المعارضة لأي شكل من أشكال الردود على هذه الدعوات لإثبات عدم جدية تلك الدعوات سيظهرها ـ أي المعارضة ـ  أمام الشعب الموريتاني المسالم بطبعه على أنها معارضة رافضة للحوار، وأنها معارضة تسعى إلى التأزيم مما سيقلل من حجم التعاطف الشعبي معها. إن ردود الأفعال مطلوبة من المعارضة في كل وقت، ولكن ذلك يجب أن لا يشغل المعارضة عن  التخطيط وعن الإعداد الجيد حتى لا تضيع الفرصة الفريدة من نوعها، والتي ستتاح في العام 2019. وفي مجال التخطيط والإعداد الجيد الهادف إلى فرض التناوب السلمي على السلطة في العام 2019، ففي هذا المجال فإنه يمكن القول بأن المعارضة تعاني ـ وحتى الآن ـ من فشل في التخطيط وفي الإعداد الجيد، وستظهر نتيجة ذلك في العام 2019، هذا إذا لم تسارع المعارضة ـ ومن الآن ـ  إلى تغيير أساليبها، وإلى إعداد الخطط اللازمة التي ستمكن من الاستغلال الجيد للفرصة الثمينة التي ستتاح في العام 2019.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق