الأحد، 8 فبراير 2015

ما أشبه الليلة بالبارحة!!


لما قرر حزب "تواصل" أن يشارك في انتخابات 23 نوفمبر 2013، وخرج بذلك عن إجماع  منسقية المعارضة لم أتردد حينها في انتقاده، بل إني خصصت كل المقالات التي كتبتُها  في تلك الفترة للتهجم عليه، وذلك رغم ما أكنه لهذا الحزب ولأهله من تقدير واحترام.

لقد انتقدتُ "تواصل" بأكثر المقالات حدة وهو يخوض حملة انتخابية شرسة، ولم أتوقف عن نقده وذلك رغم أني كنتُ أعلم بأن ما كتبتُ في تلك الفترة كان يصب ـ بشكل أو بآخر ـ  في مصلحة الحزب الحاكم ومرشحيه، فحزب "تواصل" كان هو المنافس الرئيس للحزب الحاكم في تلك الانتخابات.
لم يكن طبيعيا أن أنتقد حزبا معارضا خلال حملة انتخابية شرسة، ولم يكن طبيعيا أن أخصص كل كتاباتي في تلك الفترة لما يمكن أن يستفيد منه الحزب الحاكم، حتى وإن كان ذلك بطريقة غير مباشرة، ولكني مع ذلك واصلتُ التهجم على "تواصل"، وذلك باعتبار أن "تواصل" هو الذي يتحمل المسؤولية، وهو الذي ساقني كما ساق غيري إلى هذه الوضعية الغير طبيعية التي جعلتني أكتب وكأني من أنصار الحزب الحاكم.  
لقد كنتٌ في تلك الفترة على قناعة كاملة بأن كلا من خيار المقاطعة والمشاركة في تلك الانتخابات يمثل اجتهادا سياسيا يحتمل الصواب والخطأ،  وذلك رغم أن خيار المقاطعة كان هو الأكثر وجاهة بالنسبة لي، ولذلك فلم يكن انتقادي لحزب "تواصل" بسبب مشاركته في تلك الانتخابات، بقدر ما كان بسبب خروجه عن إجماع منسقية المعارضة تحت لافتة "الإجماع ينخرم بالواحد"، ولو أن منسقية المعارضة قررت حينها أن تشارك في انتخابات 23 نوفمبر، وقرر "تواصل" لوحده أن يقاطع تلك الانتخابات لانتقدته بنفس الحدة، فالمسألة هنا لا تتعلق بقرار المشاركة أو المقاطعة، بقدر ما هي تتعلق بمسألة الخروج عن إجماع منسقية المعارضة.

لقد كان قرار حزب "تواصل" بالمشاركة في انتخابات 23 نوفمبر قرارا سليما في ظاهره، وذلك لأنه كان قد جاء بعد أن صوتت عليه أغلبية المكتب السياسي للحزب، ذلك ما تقوله ظواهر الأمور أما بواطنها فتقول بأنه لم يكن من المناسب أصلا أن يعرض قرار المشاركة أو المقاطعة على المكتب السياسي لحزب "تواصل"، وإنما كان يجب أن تناقشه قيادة الحزب داخل منسقية المعارضة، وأن يعتمد الحزب  ذلك القرار الذي ستتخذه المنسقية، وإلا فما فائدة أن ينتسب "تواصل" أو غيره من الأحزاب لمنسقية أحزاب المعارضة ما دام لكل حزب من تلك الأحزاب  الحق في أن يتخذ قرارا منفردا خاصا به حتى في مثل هذه القضايا السياسية الهامة التي يرتبط بها مصير المنسقية في مجموعها؟
نفس هذا الكلام يمكن أن نقوله اليوم عن الحوار، فالموافقة على الحوار هي مجرد اجتهاد سياسي يحتمل الصواب والخطأ، وكذلك رفض هذا الحوار فهو أيضا مجرد اجتهاد سياسي يحتمل الصواب والخطأ، ويبقى المقياس الذي علينا أن نعتمد عليه في هذه الحالة هو رأي الأغلبية في المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، فإن ارتأت الأغلبية في المنتدى أن تحاور يكون الحوار في هذه الحالة هو القرار الصائب، وإن قررت أن لا تحاور يكون رفض الحوار هو القرار الصائب، فأن يحاور المنتدى وهو كتلة متماسكة فلابد وأن ذلك سيأتي بنتائج هامة، وأن يرفض المنتدى الدخول في الحوار وهو كتلة متماسكة فإن ذلك سيترك  أثرا سلبيا على السلطة القائمة. أما أن يحاور جزء من المنتدى ويقاطع جزء آخر فإننا في هذه الحالة نكون أمام خسارة كبيرة سيتضرر منها من حاور ومن قاطع على حد سواء، حتى وإن كان حجم الخسارة قد يختلف حسب حجم كل طرف.
فالمهم في النهاية هو أن يتخذ المنتدى قرارا ملزما لكل المنخرطين فيه، إما  بالموافقة أو بالرفض، ولذلك فقد كان من الضروري أن يتم نقاش الموافقة على الحوار أو رفضها داخل هيئات المنتدى، وأن يلتزم بعد ذلك جميع المنتسبين لهذا المنتدى  بما ستقرره هيئات المنتدى، وإلا فلا معنى لوجود المنتدى الوطني للديمقراطية الوحدة ما دامت هيئاته لا تستطيع أن تتخذ قرارا بشأن الحوار يكون ملزما لجميع الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة المنخرطة في هذا المنتدى.
فأن ينفرد حزب من المنتدى بمناقشة موضوع الحوار مع السلطة، فنحن هنا نكون أمام حالة غير طبيعية، خاصة إذا ما كان رئيس هذا الحزب هو الذي يرأس في نفس الوقت المنتدى.
 ومهما يكن القرار الذي اتخذه أو سيتخذه المكتب التنفيذي لحزب "التكتل" من الحوار، فإن ما يمكن قوله هنا هو أن مناقشة المكتب التنفيذي للتكتل لقضية الحوار بعيدا عن المنتدى هو خطأ كبير لا يختلف عن الخطأ الذي ارتكبه المكتب السياسي لتواصل عندما ناقش مسألة مشاركة الحزب في انتخابات 23 نوفمبر بعيدا عن منسقية المعارضة.
إنه على الأحزاب المنخرطة في التكتلات السياسية الكبرى أن تنخرط بجد في تلك التكتلات، وأن تمنح لتلك التكتلات صلاحية اتخاذ القرارات الحاسمة، وإلا فإنه على تلك الأحزاب أن تعلن عن حل تلك التكتلات، وليذهب بعد ذلك كل حزب إلى حال سبيله.
إن الكثير من الموريتانيين كان يعتقد بأن الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات المستقلة المشكلة للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة تريد أن تجعل من هذا المنتدى بديلا مقنعا للنظام القائم، ولكن ما أهمية هذا البديل إذا كانت هيئاته لا تستطيع أن تتخذ قرارا من الحوار مع السلطة القائمة بالأساليب وبالآليات الطبيعية؟
وإذا ما ظلت الأمور تسير على هذا النحو، وإذا ما افترضنا جدلا بأن الرئيس "محمد ولد عبد العزيز" قد قرر فجأة أن يستقيل من الرئاسة، فلا تتوقعوا إطلاقا بأن المنتدى سيتمكن من سد الفراغ في السلطة، بل إنه عليكم أن تتوقعوا مواقف وردود أفعال متباينة جدا.
وتبقى نقطة أخيرة لابد من الإشارة إليها وهي أنه عندما ينتقد أحدهم المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة فإنه قد لا يجد من يرد عليه ولو بشطر كلمة، ولكن عندما يكون النقد موجها لحزب من الأحزاب المنخرطة في هذا المنتدى فإن الرد يكون حينها سريعا بل وعنيفا في بعض الأحيان.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق