الأربعاء، 18 فبراير 2015

لن أحاور..فما هو البديل؟


هل جربت مرة أن تفاجئ أحدا من الناس بالسؤال التالي : ما هو هدفك في هذه الحياة؟ الكثير من الناس سيرتبك، وسيظل مرتبكا، ولن تسمع منه إجابة على هذا السؤال حتى لو انتظرته دهرا، والبعض منهم سيرتبك أيضا، ولكنه مع ذلك سيبدأ يفكر ليأتيك بأول إجابة تخطر على باله، هذه الطائفة من الناس هي أيضا بلا أهداف، ولا تختلف عن الطائفة الأولى. أما القلة من الناس فإنها ستجيبك بشكل سريع وواضح، وذلك يعني بأنها قد رسمت أهدافا لحياتها، وبأنها تسعى لتحقيق تلك الأهداف.

لن يختلف الحال كثيرا إذا فاجأت في هذه الأيام  أحد رافضي الحوار  وسألته عن الخيار الذي يقترحه كبديل عن الحوار، ففي الغالب فإنك لن تجد ردا حتى ولو انتظرت دهرا، وفي بعض الأحيان قد تجد ردا مرتبكا بعد طول تفكير، وفي حالات نادرة جدا قد تجد ردا سريعا وواضحا من قبيل : لنستمر في تأزيم الأوضاع، ولكن عندما تسأله : كيف؟ فهنا قد يظهر الارتباك والتلعثم. ولعل من أفضل الإجابات التي يمكن أن تسمعها في هذا المجال هي من نوع: ما دمنا لم نمتلك القدرة على إسقاط النظام، فإنه علينا على الأقل أن لا  نغيثه، وأن لا نشارك في حواره  الهزلي الذي لا يريد منه إلا الخروج من الأزمات التي يتخبط فيها.
دعونا نتوقف قليلا مع هذا الجواب الأخير والذي لا يخلو من وجاهة، ولكن قبل ذلك دعونا نوضح التالي:
إنه لا أحد من المعارضين يمكنه أن يعلن صراحة بأنه سيقبل بأي حوار تعرضه السلطة القائمة حتى ولو كان هزليا عابثا، ولكن هناك طريقة ذكية يمكن من خلالها أن يتم ذلك، وهي أن  يضع شروطا أو ضمانات بسيطة وسخيفة جدا يمكن للسلطة أن تستجيب لها دون أي تردد.
وفي المقابل فإنه لا أحد أيضا من المعارضين يمكنه أن يعلن صراحة عن رفضه المطلق لأي حوار، ولكن هناك أيضا طريقة ذكية للرفض المطلق للحوار، وهي أن تضع شروطا تعجيزية، ولكن ما هي الشروط التعجيرية؟ فما قد تراه أنتَ شرطا تعجيزيا، قد لا أراه أنا كذلك، وبالمناسبة فإن الكل يقول،  وسواءً كان رافضا لأي حوار أو مستعدا لأي حوار،  بأنه لن يقبل إلا بحوار "جِدي"، ولكن "جِدي" عند رافضي الحوار قد تختلف كثيرا في مدلولها عن "جِدي" عند القابلين بأي حوار. ف"جدي " الأولى تعني بأنه لا حوار إطلاقا مع السلطة القائمة، و"جدي" الثانية تعني بأنه لا مجال إطلاقا لرفض أي حوار تتقدم به السلطة حتى ولو كان هزليا. لن أطيل في هذه الجزئية، وسأترك لكل واحد منكم أن يحدد لنفسه ما هي الشروط التعجيزية التي لا يُراد منها إلا الرفض المطلق للحوار، وما هي الشروط العبثية التي لا يراد منها إلا القبول المطلق لأي حوار تعرضه السلطة، سأترك لكم ذلك، ولكن اسمحوا لي فقط بأن أنبه هنا إلى أن الشرط قد يكون شرعيا وعادلا ولكنه في نفس الوقت تعجيزيا.
وبالعودة إلى الجواب الذي يرى بأنه ما دمنا غير قادرين على إسقاط النظام القائم فإنه علينا على الأقل أن لا نشترك معه في أي حوار.
هذا طرح وجيه لو كان هذا النظام كالأنظمة التي سبقته، فلو كانت المسألة تتعلق فقط بنهب خيرات البلاد  لكان بإمكاننا أن نخلد إلى النوم في انتظار سقوط النظام، فنحن قد تعودنا على نهب خيراتنا من طرف كل الأنظمة السابقة.
ولو كان الأمر يتعلق فقط بنظام لا يملك رؤية، وليس لديه إلا الارتجال لكان بالإمكان الانتظار طويلا، فكل الأنظمة السابقة لم تكن لديها رؤية واضحة، وإنما كانت ترتجل الأمور على طريقتها.
إن الأمر يا أصحاب البصيرة أجل وأعظم من كل ذلك، إن الأمر يتعلق ببلد بدأ يتمايز ويتشكل على أساس عرقي وشرائحي وفئوي، فما حدث في السنوات الأخيرة  في هذا المجال لينذر بالخطر، وإن استمرت الأمور تسير بنفس النهج لوجدتم بعد عامين أو ثلاث بأن بلدكم قد انقسم إلى ثلاثة أقطاب عرقية كبرى، وبأن الصراع لم يعد صراعا سياسيا، وإنما أصبح صراعا فئويا وجهويا وشرائحيا وعرقيا.
ألم تسمعوا في الأيام الأخيرة عن حراك الزنوج الموريتانيين وعن الحديث عن تشكيل تكتل من خمسة أحزاب وعشر منظمات للدفاع عن حقوق الزنوج في موريتانيا؟ هذا التحالف جمع شخصيات من المعارضة وأخرى من الموالاة، أي أنه قد تشكل على أساس عرقي، وليس على أساس سياسي، بل إن وزراء من نظام "ولد الطايع"، وبما فيهم وزير داخليته في الثمانينيات قد انضموا لهذا الحراك، وهو ما يعني بأن المسألة لم تعد تعني تجمعا للدفاع عن مظالم الزنوج الموريتانيين، بقدر ما هي أصبحت تجمعا عرقيا خالصا يمكن لرجال "ولد الطايع" أن يصبحوا فيه شخصيات قيادية بشرط أن يكونوا زنوجا، أما رجال نفس النظام من غير الزنوج فسيظل بالإمكان وصفهم بالقتلة وبالعنصريين!!
ألم تسمعوا عن استقبالات في القصر الرئاسي لممثل مجموعة "السنونكي" ولممثل مجموعة "الولوف"؟ ألم ينشر الخبر في وسائل الإعلام الرسمية؟
ثم ألم تسمعوا بوثيقة حقوق "لحراطين" وبتجمع منظماتهم وشخصيتاهم في هذا التكتل، وذلك بعد أن لم يجدوا مشروعا وطنيا جامعا يتولى الدفاع عن حقوقهم العادلة والمشروعة؟
ولم يتوقف الأمر هنا فقد أصبحنا نسمع عن تجمعات من الأطر والمثقفين للدفاع عن "أهل الشرق" وعن "أهل الساحل" وعن ..وعن. بل إن الأمر قد وصل إلى الحد الذي أصبح فيه بعض "المثقفين" من "العرب البيظ" يدعو إلى ضرورة قيام حلف أو تكتل خاص بهذه المجموعة.
بإمكاننا أن ننام لسنة أو لسنتين في انتظار أن تُسقط الأزمات حكم العسكر، ولكن علينا أن نعلم بأننا عندما نستيقظ فقد نجد بأن الأمور في بلادنا قد أصبحت أكثر تعقيدا.

حفظ الله موريتانيا..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق