بعد سقوط الطائرة
العسكرية صبيحة يوم الخميس (12 ـ 7ـ 2012) كان لزاما عليَّ أن أفعل شيئا ما لأعبر
به عن مدى حزني وألمي لما حدث في ذلك اليوم. كان عليَّ أن أفعل شيئا ما لمواساة
أسر الموريتانيين السبعة الذين رحلوا عن دنيانا في صبيحة ذلك اليوم، ولأن الخيارات
بالنسبة لي كانت محدودة فقد لجأت إلى صفحتي الخاصة في الفيسبوك وحذفت صورة غلافها وأبدلتها
بسواد كُتِب عليه ما على كل مسلم أن يقوله عند حدوث أي مصيبة: "إنا لله وإنا
إليه راجعون".
لقد أعلنت الحداد على
صفحتي الخاصة لمدة ثلاثة أيام، وكان من المفترض أن أنهي ذلك الحداد في صبيحة الأحد
(15 ـ 7 ـ 2012)، ولكن في صبيحة الأحد استيقظت على فاجعة أخرى راح ضحيتها عامل
موريتاني بسيط كان ذنبه الوحيد أنه سعى مع غيره من العمال إلى تحسين ظروفه في
العمل، لذلك فقد كان لزاما عليَّ أن أمدد ذلك الحداد ثلاثة أيام أخرى، وأسأل الله
تعالى أن لا يجعلني أضطر لتمديده لثلاثة أيام أُخَّرْ.
في يوم الخميس رحل موريتانيون
عن دنيانا وكانوا في مهمة لصالح شركة أجنبية، وهي الشركة التي سخرت لها الحكومة كل
شيء : طائرات عسكرية، أوامر عسكرية عليا للضباط والجنود، نسبة تفوق 90% من المستغل
من معادننا.
كانت الطائرة
العسكرية المستغلة لنقل منتجات تلك الشركة متهالكة، ولم توفر لها أبسط وسائل الصيانة
ولا الحماية. ولما سقطت الطائرة المتهالكة غابت الشركة الأجنبية، وغابت الحكومة،
وغاب الجيش، وغابت الحماية المدنية، وتُركت أجساد الموريتانيين السبعة للنيران المشتعلة
في هيكل الطائرة المتهالكة.
أما في يوم الأحد فقد
كان المشهد يختلف شيئا قليلا، فقد كانت الحكومة حاضرة ممثلة بسلطاتها الجهوية،
وكانت قوات الأمن حاضرة، وكانت الشركة أيضا حاضرة، كان الجميع حاضرا لا لينقذ نفسا
بشرية بل ليزهق روح نفس بريئة لم ترتكب ذنبا سوى أنها طالبت بتحسين ظروفها في
العمل.
إن ما حدث يومي
الخميس والأحد ليفرض علينا أن نراجع علاقاتنا مع الشركات المستغلة للمعادن، فلم
يعد من المنطقي أن تواصل تلك الشركات الاحتفاظ بنسب مرتفعة من عائدات ثرواتنا المعدنية،
ولم يعد من المنطقي أيضا أن تظل النسبة الهزيلة المخصصة للدولة الموريتانية متروكة
للحكومة ولقلة من الأفراد تتصرف فيها وكأنها ممتلكات شخصية.
إن عائد الدولة
الموريتانية من تلك المعادن لا يزال يقتصر حتى الآن على تلك الأجور التي يحصل
عليها عمال موريتانيون يعملون في تلك الشركات وأغلبهم يعمل في الوظائف الدنيا، لذلك
فإن تحسين ظروف أولئك العمال كان من المفترض أن يكون مطلبا للحكومة الموريتانية.
أما أن تتآمر الحكومة الموريتانية مع الشركة الأجنبية ضد العمال، وتقتل عاملا لأنه
طالب بحقه فذلك يعني أن الحكومة نفسها أصبحت خصما للدولة الموريتانية وللشعب
الموريتاني.
ولعل أقوى الأدلة التي
يمكن تقديمها على أن هذه الحكومة أصبحت خصما للشعب الموريتاني هو ذلك الكم الهائل
من مسيلات الدموع الذي استخدمته هذه الحكومة، والذي لم تستخدمه حكومة موريتانية من قبلها.
فأطلقت هذه الحكومة مسيلات
الدموع في أوقات لم تطلق فيها من قبل، أطلقتها في الثلث الأخير من الليل، وأطلقتها
عند صلاة الفجر، وأطلقتها في أمكنة لم تطلق فيها من قبل، فلم تبق قرية موريتانية
إلا ونالت نصيبها من مسيلات الدموع، وربما تكون العدالة في توزيع دخان مسيلات الدموع
هو نصيبنا من العدالة الذي وُعدنا به ذات يوم مثير من أيام أغسطس المثيرة.
لم يكن من الممكن أن
يستمر إطلاق مسيلات الدموع يوميا وبذلك
المعدل الكبير ولا يسقط ضحايا.
ومن الراجح أن يسقط
المزيد من الضحايا في ظل حكومة أثبتت أنها عاجزة عن إيجاد حلول لمشاكل الناس،
وأنها ليست قادرة على فتح حوار جاد مع النقابات ومع المحتجين من أصحاب المظالم.
حكومة تركت مصير أصحاب
المظالم لوزير داخلية لا يتقاعد أبدا رغم تجاوزه سن التقاعد، وزير يعيش بعقلية الزمن القديم،
ويعتقد بأن الحلول الأمنية قادرة على أن تحل جميع مشاكل المواطنين اقتصادية كانت
أو سياسية أو نقابية أو طلابية أو حتى مناخية.
ولو كان وزير
الداخلية يستحي لاستقال كما يستقيل الوزراء في العالم عندما يرتكبون أخطاء بسيطة
جدا، لا تتسبب في إزهاق روح بشرية.
فهذا وزير الطاقة
البريطاني "كريس هون" يستقيل من منصبه بسبب تجاوزه حدود السرعة القصوى. وهذا وزير الدفاع الألماني "كارل تيودور تسوجوتنبرج" يستقيل من منصبه على خلفية الكشف عن قيامه بنسخ فقرات
لباحثين آخرين في رسالة الدكتوراه الخاصة به، دون أن يشير إلى ذلك في الرسالة.
وهذا وزير التجارة الأمريكي "جون برايسون" يعلن عن استقالته بعد عشرة أيام من تسببه في حادث مرور بكاليفورنيا.
وكتب "برايسون" في خطاب استقالته الموجه للرئيس باراك أوباما "توصلت إلى نتيجة ضرورة استقالتي من أجل تفادي وضع الوزارة في حرج".
وهذا وزير التجارة الأمريكي "جون برايسون" يعلن عن استقالته بعد عشرة أيام من تسببه في حادث مرور بكاليفورنيا.
وكتب "برايسون" في خطاب استقالته الموجه للرئيس باراك أوباما "توصلت إلى نتيجة ضرورة استقالتي من أجل تفادي وضع الوزارة في حرج".
تصبحون على استقالة
وزير الداخلية...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق