الأحد، 8 يوليو 2012

قراءة في نص بيان مجلس الوزراء الأخير..!!



تابعت اجتماع مجلس الوزراء الأخير، ومن عادتي أن أتابع نتائج كل اجتماعات  مجالس الوزراء دون أن أعرف سببا لتلك العادة الساذجة التي أدمنت عليها منذ عهد الرئيس معاوية، وحتى اليوم. فلا أنا أنتظر من تلك المجالس تعيينا، ولا أنا أتوقع منها قرارات ثورية تبدل من حال الناس، لذلك فإني لا أجد سببا وجيها لأبرر لكم به إصراري، وإصرار غيري من  البسطاء على المتابعة الأسبوعية للبيان الصادر عن مجلس الوزراء.

المهم أني استمعت ـ أو على الأصح ـ طالعت في المواقع الالكترونية نتائج ذلك الاجتماع فعلمت بأن المجلس، وكعادته في كل اجتماع، درس وصادق على عدد هام من مشاريع المراسيم.
وبالتأكيد فإني لا أدري لِمَ يصر مجلس الوزراء دائما على القول بأنه "درس" المشاريع  مادام ـ وبغض النظر عن نتائج دراسته لها ـ سيصادق عليها؟ فلم يحدث في تاريخ مجالس الوزراء أن أصدر مجلس الوزراء بيانا واحدا قال فيه بأنه درس مشروع مرسوم ما وقرر في النهاية أن لا يصادق عليه.
ولم يخرج الاجتماع الأخير عن ذلك التقليد، فقد درس المجلس وصادق على تسعة مشاريع مراسيم كانت كلها تتعلق بالترخيص أو بتجديد الترخيص لشركات أجنبية، للبحث عن بعض المعادن، ولا أدري لماذا يستخدم المجلس في بياناته كلمة البحث عن المعادن بدلا من كلمة التنقيب؟
وكان أغلب تلك التراخيص الممنوحة خاصا بالبحث عن مواد المجموعة 4، والتي تعني مادة اليورانيوم. والتراخيص المتعلقة بهذه المجموعة تأتي دائما على شكل صيغتين، فتارة يذكر اليورانيوم لوحده، وتارة أخرى يذكر مصحوبا بعبارة والمواد الأخرى المشعة، ولا أدري لماذا لا تبدلها بيانات مجلس الوزراء  بعبارة : المواد المشعة الأخرى؟
 والحقيقة أني لست خبيرا في الكيمياء حتى أحدثكم عن اليورانيوم وعن المواد المشعة، وكل ما أستطيع أن أقوله لكم عن هذه المادة، واعتمادا على معلومات هزيلة في الكيمياء تعلمتها في الثانوية هو أن اليورانيوم والمواد المشعة ارتبط في ذهني بالقنبلة النووية، وبالخراب، وبالدمار، ولم أكن أتوقع أن باطن أرض بلادي  مليء بهذه المادة "الخطرة".
بلغت التراخيص الممنوحة حتى الآن، إذا ما كانت بيانات مجلس الوزراء تحترم التسلسل ـ ويبدو أنها تحترمه ـ 1770 ترخيصا للتنقيب عن المعادن في الأراضي الموريتانية.
وهذه التراخيص الكثيرة بالنسبة للبسطاء من الناس، لا تعني لهم شيئا، فكثرتها لم تنعكس على حياتهم، واستغلال تلك المعادن لم تستفد منه إلا الشركات الأجنبية، أو قلة من كبار الموظفين. إن الإعلان في بيانات مجلس الوزراء عن اكتشاف تلك المعادن أو استغلالها لن يكون خبرا مهما يستبشر به البسطاء في هذا البلد من قبل أن تكون هناك شفافية في اكتتاب العمال لدى تلك الشركات المستغلة، وفي ظل عدالة اجتماعية حقيقية توفرها دولة قوية قادرة على أن تفرض نسبا معتبرة من عائدات تلك المعادن.
لذلك فلم تستوقفني تلك التراخيص الممنوحة، بقدر ما استوقفني الكرم الواضح للحكومة في منحها، والذي يصاحبه دائما بخل فاضح  في منح التراخيص لجمعيات أو مؤسسات وطنية مشكلتها الوحيدة تكمن في أن القائمين عليها لم يعرفوا بتصفيقهم للنظام القائم.
فأن تبخل وزارة الداخلية بالترخيص لحراس المستقبل رغم وجود ملف متكامل لديها منذ ثلاث سنوات تقريبا، فذلك من الأمور العجيبة، خاصة إذا ما علمنا بأن هذه الجمعية تضم عددا من العلماء والمثقفين المحسوبين على النظام، ولكن مشكلتها أن منسقها هو الأستاذ الخليل النحوي مستشار الرئيس السابق، والذي يبدو أن النظام الحالي لم "يصفح" عنه.  
و حلف حرس المستقبل هو حلف يضم لفيفا من شخصيات موريتانية ومن شتى ألوان الطيف الاجتماعي، ومن مختلف التخصصات، ويسعى هذا الحلف إلى إرساء أسس الأخوة والمساواة بين مختلف شرائح الشعب الموريتاني ومكوناته، وإلى كل ما من شأنه أن يحقق للشعب مصالحه العليا في الوئام والاستقرار عبر الانعتاق الشامل من آصار الغبن والإقصاء والتهميش. 
ولأن الحلف يعي بأن الممارسات الاسترقاقية والإقصائية ومخلفاتها هي من أبرز العلل التي تحول بين إرساء الأخوة و المساواة بين مختلف شرائح مجتمعنا، لذلك فقد جعلها الحلف محورا لاهتمامه، وهو ما كان سيعطي لمحاربة الاسترقاق ومخلفاته بعدا وطنيا تشارك فيه ـ ميدانيا ـ  كل شرائح المجتمع، حتى لا يظل العمل الميداني مقتصرا على المتضررين لوحدهم.
لقد حاول الحلف أن يقدم جهدا في ذلك المجال، ولكن وزارة الداخلية رفضت أن تمنح له ترخيصا للقيام بمهامه تلك، والتي كانت ستساهم حتما في تحقيق المزيد من اللحمة الاجتماعية بين مكونات المجتمع.
أيضا من التراخيص التي ترفض وزارة الداخلية منحها، يمكن أن أذكر الترخيص المتعلق بالجمعية الموريتانية لحماية الشباب، والتي تدخل في إطار مشروع شبابي من أهم المشاريع الشبابية التي أتيح لي الإطلاع عليها، على الأقل من حيث التصورات والأفكار. هذه الجمعية تم رفض الترخيص لها، لأن الشيح محمد ولد غدة هو الذي يقف وراءها، وهذا الشيخ هو من الشخصيات التي لا يرضى عنها النظام الحالي، لأنه كان قد رفض أن يوقع  على العريضة الداعمة لانقلاب 2008، تلك العريضة التي أعدها ما بات يعرف بالكتيبة البرلمانية.
ويمتد البخل في منع التراخيص إلى السلطة العليا للصحافة، والتي منحت تراخيص لإذاعات وتلفزيونات ليست لها الرغبة ولا القدرة على الانطلاق، وحرمت إذاعات وتلفزيونات أخرى من الترخيص ظهر فيما بعد بأن القائمين عليها كانت لديهم الرغبة والقدرة على إطلاقها، حتى في ظل غياب الترخيص.  وهذا ما يؤكد بأن هناك خللا ما قد حصل عند منح تلك التراخيص، حتى ولو حاولت السلطة العليا للصحافة أن تدعي بأنها رخصت للبعض لأنه استوفى الشروط القانونية، ورفضت الترخيص للبعض الآخر لأنه لم يستكمل تلك الشروط.
وبالمختصر المفيد فإننا نطلب من وزارة الداخلية ومن السلطة العليا للصحافة، ومن بقية الإدارات الحكومية أن تتعلم  من مجلس الوزراء، وأن تتشبه بكرمه في منح التراخيص، أما إذا كان البخل صفة ملازمة لتلك الإدارات، فإننا في هذه الحالة نطالبها بأن تكون عادلة في توزيع بخلها بين المعارضة والموالاة.
بعد منح التراخيص يصل بيان مجلس الوزراء إلى  الجملة المملة، والتي تتكرر في كل بيان، وهي القول بأن وزير الداخلية قدم بيانا عن الحالة في الداخل، وأن وزير الخارجية قدم عرضا عن الوضع الدولي.
ولقد فات حكومتنا الموقرة بأن مثل هذه العبارات الساذجة لم تعد تصلح في هذا الزمن الذي لم يعد يهتم فيه الناس بمثل تلك العبارات المبهمة.
كان على المجلس أن يتحدث ـ وبشكل صريخ ـ عن موقفه من القضايا الخارجية التي تشغل في الوقت الحالي اهتمام الشعب الموريتاني ( ما يحدث في الشمال المالي، الثورة السورية، ملف السنوسي إذا لم يتحدث عنه وزير العدل أو وزير الداخلية بوصفه قد أصبح ملفا داخليا).
أما بيان وزير الداخلية فكان يجب أن يتحدث للشعب الموريتاني عن ملفات الحالة في الداخل بشكل صريح، فيتحدث الوزير عن الجفاف، وعن الاحتجاجات اليومية، وعن احتجاجات المعارضة المقاطعة، وعن الحوار، وعن الطلاب المطرودين، وعن، وعن....).
وفيما يخص الإجراءات الخصوصية، والتي تهم الناس أكثر من غيرها، فليس هناك من تعليق سوى القول بأن من تم تعيينه في هذا المجلس، أو في غيره من المجالس، لم  يعين ـ قطعا ـ على أساس الكفاءة والنزاهة والاستقامة.
يبقى أن أشير في الأخير  إلى أني لم أستطع أن أتعاطف مع السيد مولاي ولد معيوف رئيس لجنة إبرام صفقات القطاع الريفي، عندما علمت بإنهاء مهامه من خلال البيان. فرغم أن الرجل حديث عهد بالوظيفة، والتي وصل إليها بعد نجاح في مسابقة نظمت في فبراير من العام الحالي، فرغم ذلك، إلا أني لم أستطع أن أتعاطف معه لأني علمت  ـ حسب ما تناقلته المواقع ـ بأنه كان قد ارتكب أخطاءً جسيمة خلال هذه المدة القصيرة.
ولا يعني عدم تعاطفي معه  بأني فرحت بإقالته، تلك الإقالة التي لا يمكنني أن أفرح بها لأني أعلم يقينا بأن في الإدارة من هو أكثر منه فسادا ومع ذلك فلم تتم إقالته.
تصبحون على بيانات غير تقليدية.....



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق