الأحد، 8 مايو 2011

مقترحات لتحسين أداء التلفزيون/ خاص بالمدير الجديد للتلفزيون



لا شك أن التلفزيون الموريتاني أصبح يشكل عاهة مستديمة عصية على الإصلاح، ولاشك أن هناك رغبة واضحة لدى رئيس الجمهورية لإصلاح هذا التلفزيون.
ولاشك كذلك في أن هناك فجوة كبيرة، تكبر مع الأيام بين الصورة التي يريدها الرئيس للتلفزيون، والتي عبر عنها في أكثر من مناسبة، والواقع المزري الذي يتخبط فيه هذا التلفزيون.
ومن المستغرب حقا أن يكون التلفزيون بهذا المستوى المتدني، وبهذا البعد عن هموم واهتمامات المواطنين، رغم أن القائمين عليه تلقوا في أكثر من مرة تعليمات وأوامر واضحة وصريحة من رئيس الجمهورية، تطالبهم بالاهتمام بهموم واهتمامات المواطنين، بدلا من التطبيل والتصفيق للسلطة، بطرق وأساليب لم تعد صالحة في أيامنا هذه، وهي في المجمل تضر السلطة القائمة أكثر مما تنفعها.
ومن اللافت أن التلفزيون الذي قدم ـ وبمبادرة جريئة وشجاعة من رئيس الجمهورية ـ برنامجا غير مسبوق في المنطقة، أجاب فيه الرئيس ـ وبشكل مباشر ـ على أسئلة بعض الصحفيين، وشكاوى بعض المواطنين، هو نفسه التلفزيون الذي لا يزال القائمون عليه يطلبون الإذن من رئيس الجمهورية ـ وهو ما كشفه الرئيس نفسه ـ لتقديم بعض الأخبار التي تقدمها كل تلفزيونات العالم بشكل عادي، ودون إذن أو ترخيص من أي سلطة عليا.
لقد كشفت تصريحات الرئيس المتكررة أن القائمين على هذا التلفزيون هم الذين أعاقوا ـ وباجتهادات شخصية ـ إصلاح التلفزيون وتطويره، وهم الذين رفضوا ـ لحسن نية أو لسوئها ـ تطبيق أوامر الرئيس المطالبة، وبإلحاح، بفتح التلفزيون أمام جميع المواطنين.
ولأني أتمنى ـ ويشاركني في ذلك أغلب الموريتانيين ـ أن يكون مرور المدير الجديد بالتلفزيون، يختلف عن مرور المدراء الأربعة الذين تعاقبوا على هذا التلفزيون منذ السادس من أغسطس، لأني فعلا أتمنى ذلك، فقد بادرت بكتابة هذه المقترحات للمدير الجديد، والتي أرجو أن لا يكون مصيرها كمصير مقترحات أخرى كتبتها لجهات كثيرة أخرى.
كتبت هذه المقترحات رغم قناعتي بأن التفكير وكتابة المقترحات هو أسوأ قرار يمكن أن يتخذه المرء في هذا البلد، لأنه لا أحد يهتم بالمقترحات، لا في السلطة ولا في جمهور القراء. أما أفضل قرار يمكن اتخاذه ـ وهذه واحدة من مصائبنا الكثيرة ـ هو أن لا نفكر إطلاقا، وأن نكتفي بالمبالغة في النقد لننال رضا الطائفة الغاضبة في هذا البلد، أو نبالغ في المدح لننال رضا الطائفة الأخرى.
بدءا لابد من القول بأن إصلاح التلفزيون وتطويره يجب أن يكون من أولى الأولويات فهو يشكل واجهة البلد، وهو سفارته في كل بلدان العالم.
وتلك الحقيقة وعتها السلطات اللبنانية منذ سنوات فقررت أن تغلق تلفزيونها الرسمي لمدة محدودة، بعد أن أصبح يشكل عبئا ثقيلا على خزينة الدولة، في الوقت الذي هجره جمهوره لصالح فضائيات أخرى. لقد أغلق لبنان تلفزيونه الرسمي لمراجعة أدائه الإعلامي، ولصياغة وظيفته من جديد لكي يتمكن من منافسة الفضائيات الأخرى.
وفي الإمارات أيضا راجع القائمون على قناة أبو ظبي وظيفة هذه القناة أكثر من مرة، فحولوها من قناة إخبارية، إلى قناة منوعة، ثم إلى مجموعات قنوات لكل منها مجالها و تخصصها.
نحن أيضا بحاجة إلى مراجعة أداء ووظيفة تلفزيوننا الرسمي، وهذه المراجعة يجب أن تشمل عدة مجالات، ويجب أن تكشف عن العديد من الالتباسات القائمة لدى العاملين في هذه المؤسسة الحيوية.
ففتح التلفزيون الموريتاني، الذي يقتات من الضرائب التي يدفعها كل الموريتانيين، أمام كل الموريتانيين، ومناقشة كل القضايا التي تهمهم بمختلف فئاتهم العمرية، وبمختلف مستوياتهم وشرائحهم يجب أن تكون هي القاعدة لا الاستثناء.
لقد ظل القائمون على التلفزيون يصرون على أن لا يحسنوا من أدائه إلا أسبوعا أو أسبوعين إذا ما انتقده الرئيس، وذلك قبل أن يعودوا به إلى أسوأ مما كان عليه في انتظار انتقاد جديد من الرئيس...وهكذا دواليك.
ومن الأخطاء التي وقع فيها المدراء السابقون هي أنهم توقعوا أن يتحسن أداء التلفزيون باستخدام نفس الأساليب والوسائل التي أوصلته إلى هذا الواقع المزري الذي يتخبط فيه اليوم. إن نفس الأساليب تؤدي دائما لنفس النتائج، لذلك فالمدير الجديد مطالب بأن يغير الأساليب والوسائل القديمة. وعليه في الأساس أن يعتمد على الإعلاميين الأكفاء والموظفين الشرفاء الذين تم إقصاؤهم وتهميشهم واستبدالهم بمن لا كفاءة له، وبمن تسبب ـ وبشكل مباشر وعلني ومتواصل ـ في الانحراف بالتلفزيون عن دوره الحيوي الذي كان من المفترض أن يساهم به في تنمية البلد.
ولقد أثبت الصحفي الموريتاني بأنه قادر على أن يتميز في الفضائيات الشهيرة، فكيف به إذا مُنح فرصة في تلفزيونه "الوطني"؟ مشكلتنا أن الصحفيين الذي بإمكانهم أن يتميزوا لا تمنح لهم فرصة للتميز، وإنما يتم إقصاؤهم أو تهميشهم في أحسن الأحوال.
ومن المفاهيم الخاطئة كذلك هي الاعتقاد بأن تطوير التلفزيون يمكن أن يتحقق من خلال تقديم برنامج سياسي أو اثنين لإشباع فضول السياسيين، أو برنامج أو اثنين في الموسيقى أو في المسابقات لإلهاء الشباب.
إن أداء التلفزيون لن يتحسن إلا إذا لبى هذا التلفزيون رغبات المشاهدين من مختلف الفئات والمستويات، سواء كانت تلك الرغبات مرتبطة بالدين أو بالسياسة أو بالرياضة أو بالترفيه أو بالثقافة أو بالحوارات والنقاشات أو بقضايا تهم الشباب أو المرأة أو الطفل.
وإن الخطوة الأولى لتحقيق ذلك تبدأ بتقديم برامج من داخل التلفزيون نفسه لتقييم أدائه، يشارك فيها أصحاب الرأي والخبرة والتخصص، ويُفتح فيها المجال واسعا للمشاهدين بكل فئاتهم وأطيافهم ليعبروا وبحرية كاملة عن انتقاداتهم للتلفزيون، ويتحدثوا فيها عن كل ما كانوا يتوقعونه من تلفزيونهم ولم يحققه لهم، ويتحدثوا كذلك عن البرامج والأفكار التي يقترحونها والتي يعتقدون أنها ستجعل التلفزيون يزداد قربا منهم.
ومثل هذه البرامج سيعطي إشارة ايجابية، وسيمنح ثقة وتفاؤلا لدى المشاهدين بأن مرور المدير الجديد على التلفزيون لن يكون مثل مرور سلفه.
ومن الأخطاء الشائعة كذلك والتي يجب تصحيحها هي تلك النظرة الخاطئة لدى الكثير من القائمين على الإعلام الرسمي، والتي يعتقد أصحابها بأن زيادة جرعة الحرية والانفتاح، وفتح نقاش حول بعض المواضيع الحساسة بأن ذلك يضر السلطة الحاكمة.
والحقيقة هي عكس ذلك، فنقاش تلك المواضيع وبحرية كاملة هو في صالح السلطة قبل غيرها. ولقد استفادت السلطة كثيرا من حلقتي الحوار المفتوح اللتين تم تخصيصهما "للعبودية" ولـ"أحداث الجامعة" أكثر من استفادتها من كل البرامج والحوارات التي كانت تبتعد عن الأوجاع وعن التحديات الحقيقية التي يواجهها البلد، والتي تفنن التلفزيون في تكرارها بشكل ممل ومستفز.
ومن بين الاقتراحات التي يمكن تقديمها لتحسين أداء التلفزيون اقتراح متكامل اشتغلت عليه مدة من الزمن، وله علاقة بتخصصي واهتماماتي، وكنت قد قدمت عنه تصورا مفصلا منذ ما يقارب عامين، وذلك لاستحداث برنامج متخصص في التنمية البشرية، على شكل دورات، ويستهدف أساسا فئة الشباب، وهو الاقتراح الذي لم يتم اعتماده حتى الآن، رغم أنه كان سيشكل إضافة نوعية لبرامج التلفزيون لو تم قبوله.
ومن الملاحظ أن كل هذه الاقتراحات التي قدمت في هذا المقال لا تحتاج لموارد مالية إضافية، وهو ما تعمدته لإسقاط أي حجة. أما في حالة توفر تلك الموارد مستقبلا فسيكون حينئذ بالإمكان تقديم حزمة أخرى من المقترحات، والتي تحتاج لموارد إضافية قد لا تكون متاحة حاليا.
وفي الختام، فإن التلفزيون بإمكانه أن يحسن كثيرا من أدائه من خلال الاعتماد على موارده المالية والبشرية المتاحة حاليا. وهو لا يحتاج اليوم إلا أن تكون لمديره الجديد إرادة جادة، وعزيمة قوية على أن يترك بصمة متميزة في مؤسسة حيوية بحاجة ماسة لمن يترك فيها بصمة.
تصبحون على تلفزيون عمومي....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق